لعبد المطلب جد النبي محمد (ص) أولاد من أمهات شتى , وله ولدان من أم واحدة, الاول هو عبد الله وهو أبو النبي محمد (ص), والثاني هو أبو طالب. يموت عبد الله قبل ولادة النبي فيكفل النبي جده عبد المطلب, ثم لايلبث أن يموت عبد المطلب وكذلك تموت أم النبي فيكفله عمه أبو طالب, ولذلك كانت قبيلة قريش أحياناً تسمي النبي وهو صغير يتيم أبا طالب. كان أبو طالب رحيماً بأبن أخيه الوحيد وشمله برعاية واهتمام كبيرين, فهو يتيم الاب والام معاً, حتى أنه فضله على أولاده وهم طالب, جعفر , عقيل , علي, وفتاة أسمها أم هاني.
أدرك أبو طالب عهد الرسالة وكان من أشد المدافعين عن ابن أخيه النبي محمد في وجه أعداء دعوة الاسلام, ووقف في وجه شيوخ قريش يذب عن النبي ويتولاه بالحماية والرعاية. كان ابنه علي بن أبي طالب هو أول من آمن برسالة النبي من الناس ولما يتجاوز العاشرة من عمره , و يذكر علي في خطبة له أنه أسلم ومعه زوجة النبي خديجة ولما يعرف الناس بعد دين الاسلام , , حيث يقول في خطبته( ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما ) (عن نهج البلاغة , الخطبة القاصعة) .
ولما علم أبو طالب أن ابنه علي على دين جديد سأله قائلا: : ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟
قال : يا أبت ! آمنت بالله وبرسوله ، وصلّيت معه
فقال ( أبو طالب ) : أما إنه لا يدعونا إلا إلى الخير .. فالزمه . ( الكامل في التاريخ لابن الاثير , الجزء الثاني ، ص38 ), وتبين لنا روايات التاريخ على اختلاف مصادرها أن أباطالب وأبوه عبد المطلب كانا يعرفان أن لمحمد بن عبد الله شأنا عظيما , فأبو طالب كان مع النبي عندما سافرا للشام وألتقيا بالراهب بحيرا الذي بشر أبا طالب بنبوة ابن أخيه. وأذن سؤال أبوطالب لابنه علياً أنما كان تأكيدأ لمعرفة يعرفها مسبقاً وهي نبوة محمد ولهذا يقول له : أما أنه لايدعونا إلا إلى الخير.
ثم يدخل الدين الجديد ابن ابو طالب الاخر وهو جعفر ويصبح جعفر قائدا وأميرا على المسلمين الذين هاجروا الى الحبشة من بطش قريش.
لأبي طالب ديوان شعر أشهر من أن نكتب مصادره ذكره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة , وكذلك روى جمع من المؤرخين أشعار أبا طالب في كتابتاتهم. ومن شعره الذي يخاطب به النجاشي ملك الحبشة, وكان قد قاله عند هجرة المسلمين الاولى الى بلاد الحبشة ,وفي تلك الهجرة كان ابنه جعفر بن أبي طالب أمام المسلمين المهاجرين وأميرهم . يقول أبو طالب في قصيدته:
نبي كموسى والمسيح بن مريم
أتى بهدى مثل الذي أتيا به
بصدق حديث لا حديث المبرجم
(ديوان أبو طالب, ايمان أبو طالب للمفيد, مستدرك الحاكم الجزء الثاني)
وله قصيدة ثانية يذكر ابنه الحبيب جعفر في غربته بالحبشة, ويذكر عمرو بن العاص أمير وفد مشركي قريش الى النجاشي, نذكر منها مطلعها.
الا ليت شعر كيف في النأي جعفر
وعمرو وأعداء النبي الأقارب (ديوان أبو طالب)
وله قصيدة يفاخر بولديه علي وجعفر قالها عندما رأي النبي (ص) يصلي وعلي يصلي وراءه, فقال لابنه الاخر جعفر : يابني صل جناح بن عمك. فصلى جعفر بجانب علي وتذكر بعض الروايات أن تلك كانت أول صلاة جماعة يصليها المسلمون .
يخذله من بني ذو حسب( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد, ايمان أبو طالب للمفيد)( ذكر رواية صلاة علي وجعفر خلف النبي وقول أبو طالب صل جناح بن عمك المؤرخ ابن الاثير أيضا
في كتابه أسد الغابة في معرفة الصحابة الجزء الاول , الصفحة542)
وعندما طالبت قريش من أبي طالب ردع النبي عن دعوته أو تسليم النبي لقريش للقضاء على الدين الجديد, يقول أبو طالب في قصيدة منها:
وظلم نبي جاء يدعو الى الهدى * وأمر أتى من عند ذي العرش قيم
فلا تحسبونا مسلميه ومثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم
( أبو طالب للأميني, وعن شرح النهج لابن أبي الحديد الجزء الثالث)
لقد كانت أشعار أباطالب تعبر عن واقع الدعوة الاسلامية ومعاناة المسلمين من بطش قريش وآذاهم , فيقول في قصيدة له مواسياً حمزة عندما أعلن أسلامه في وجه قريش:
فصبرا أبا يعلى على دين أحمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
نبي أتى بالحق من عند ربه * بصدق وعزم لا تكن حمزة كافرا
فقد سرني إذ قلت " لبيك " مؤمنا * فكن لرسول الله في الدين ناصرا
وناد قريشا بالذي قد أتيته * جهارا وقل : ما كان أحمد ساحرا
ومن قصيدة لأبي طالب يظهر فيها تفانيه وحبه للنبي محمد (ص) ويحث على مقاتلة قريش عندما أرادت اغتيال النبي والقضاء على الدين الجديد.
ألا من لهم آجز الليل مقتم * طواني وأخرى النجم لما تقحم
ترجون أن نسخو بقتل محمد * ولم تختضب سمر العوالي من الدم
كذبتم وبيت الله حتى تفرقوا * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم
وتقطع أرحام وتنسى خليلة * خليلا ويغشى محرم بعد محرم
وينهض قوم في الحديد إليكم * يذودون عن أحسابهم كل مجرم
على ما أتى من بغيكم وضلالكم * وعصيانكم في كل أمر ومظلم
بظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى * وأمر أتى من عند ذي العرش مبرم
فلا تحسبونا مسلميه ومثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم
( ديوان أبو طالب, أيمان أبو طالب للعلامة المفيد, ذكر الابيات كذلك حسين الشاكري في كتابه شيخ البطحاء)
قامت قبيلة قريش بمقاطعة عشيرة النبي وهم بنو هاشم وحصرتهم في أحد شعاب مكة كي يتنازل النبي عن دعوته للدين الجديد, وأصاب المسلمين عذاب شديد في سبيل الدين , وفي عام الحصار ذلك يموت أبو طالب وكذلك تموت خديجة بنت خويلد زوجة النبي , فيسمي النبي ذلك العام بعام الحزن حزنا على عمه .
ويروي ابن كثير تلك المقاطعة فيقول
(ثم إن المشركين اشتدّوا على المسلمين كأشدّ ما كانوا ، حتى بلغ المسلمين الجهد واشتدّ عليهم البلاء ، وجمعت قريش في مَكْرها أن يقتلوا رسول الله علانية ، فلما رأى أبو طالب عمل القوم ، جمع بني المطلب وأمرهم أن يُدخلوا رسول الله شِعبهم ، وأمرهم أن يمنعوه ممن أرادوا قتله فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا رسول الله وأجمعوا على ذلك، اجتمع المشركون من قريش فأجمعوا أمرهم أن لا يُجالسوهم ، ولا يُبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم ، حتى يُسلمـوا رسـول الله للقتل)( البداية والنهاية لابن كثير, الجزء الثالث صفحة 84)
وقال أبو طالب يرد على قريش عندما ارادت أخذ النبي لقتله :
ولله لن يصلوا أليك بجمعهم حتى أٌغيب في التراب دفينا
ودعوتني وزعمت أنك ناصحٌ ولقد صدقتَ وكنت ثمَّ أمينا
وعرضت دينا قد علمتُ بأنه من خير أديان البرية دينا
( ديوان أبو طالب, وكذلك نقلا عن تاريخ اليعقوبي الجزء الثاني, باب حصار قريش لرسول الله وخبر الصحيفة)
وهكذا أبى المسلمون أن يسلموا النبي لقريش واختاروا العذاب في الحصار على ذلك , ثم يموت أبو طالب في ذلك الحصار فداءً للنبي, فيالها من تضحية.
ويقول أبو طالب في قصيدة له وهو في الشعب تحت حصار قريش:
ألا أبلغا عني على ذات بينها * لويا وخصا من لوي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * رسولا كموسى خط في أول الكتب
وأن عليه في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحب
وأن الذي رقشتم في كتابكم * يكون لكم يوما كراغية السقب
( أبو طالب للعلامة للأميني, وعن شرح النهج لابن أبي الحديد الجزء الثالث)
قوله ( وأن الذي رقشتم في كتابكم) يعني فيه بوثيقة قريش التي وقعها زعماء قريش وفيها اتفقوا على مقاطعة بني هاشم في كل نواحي الحياة من زواج ونصرة ومساعدة ومواساة, وقصة الوثيقة مذكورة في مصادر التاريخ. ومن المفيد أن نذكر قول المؤرخ ابن الاثير ذاكراً أمر الصحيفة:
(فلما فعلت قريش ذلك ، انحازت بنو هاشم وبنو المُطّلب إلى أبي طالب ، فدخلوا معه في شِعبه واجتمعوا ، وخرج من بني هاشم أبو لهب بن عبدالمطلب إلى قريش
فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً ، حتى جهدوا لا يصل إلى أحد منهم شيء إلا سِرا)( الكامل في التاريخ لابن الاثير, الجزء الثاني ص 60)
نعم خرج أبو لهب عم النبي الكافر وانحاز الى قريش لأنه كان مشركاً , لكن أبو طالب المؤمن بقى في الشعب محاصرا حاله حال المسلمين من بني هاشم .
(((((((((((((((((((((((((((
هذه الاشعار والمواقف يبدو فيها جلياً أن أباطالب كان مؤمناً بالرسالة الجديدة , فهو يسمي ابن أخيه نبياً , ويقرنه مع أنبياء الله موسى وعيسى, ويقف في وجه قبيلة قريش في حربها للنبي الى أن يموت محاصراً في الشعب فداءً لابن اخيه , كما يحث ولديه ويشجعهما على نصرة ابن عمهما النبي محمد (ص). لم تكن هناك عقبة في أيمان أبوطالب بالرسالة الجديدة, فهو مؤمن أصلاً بالتوحيد قبل الاسلام ,وحاله كان كحال الموحدين من أهل قريش, ويعود ذلك الى ديانة أبيه عبد المطلب. فتذكر المصادر أن عبد المطلب وهو جد النبي محمد(ص) كان موحداً يؤمن بالله . يذكر المؤرخ ابن الاثير وكذلك المؤرخ المسعودي عام الفيل وهو العام الذي غزا فيه الملك الحبشي أبرهة مدينة مكة, وفي ذلك العام كان أن أخذ جيش ابرهة الحبشي مواشي وإبل لعبد المطلب فذهب عبد المطلب الى أبرهة بشجاعة وطلب منه رد مواشيه ! فتعجب أبرهة من ذلك فقال له : ما بالك تسأل عن مواشيك ولا تهتم بالكعبة التي تقدسها ! أجابه عبد المطلب : ( أنا رب الابل وللبيت ربٌ يحميه) . وهو جواب ينم عن أيمان بالخالق, ثم يأتي أبو عبد المطلب الى الكعبة ويأخذ بحلقة باب الكعبة ويدعو قائلاً
يارب لا أرجو لهم سواكا ..........يارب فامنع عنهم حماكا
أن عدو البيت قد عاداكا............أمنعهم أن يخربوا فناكا
( بتصرف عن كتاب شيخ البطحاء لحسين الشاكري, ونقله عن الكامل في التاريخ لابن الاثير الجزء الاول , صفحة 261, ومروج الذهب للمسعودي الجزء الثاني, الصفحة 168)
كان عبد المطلب يحرم الزنا و يمنع زواج المحارم و لم يستقسم بالازلام و حرم ما يذبح الناس على النصب , كما حرم الخمر على نفسه , يقري الضيف ويفي بالنذور, موحدا بالله حتى كانت قريش تسمي عبد المطلب بأبراهيم الثاني , فهو كالنبي ابراهيم في اخلاقه .( بتصرف عن تاريخ اليعقوبي الجزء الثاني صفحة 9) فلا عجب أن يكون ابنه أبوطالب على نهج ابيه في الاستقامة والايمان
المتتبع لسيرة أبي طالب في كتب التاريخ يجد ماذكرنا صحيحاً , ولكن على الرغم من ذلك نجد جمع من المفكرين والفقهاء لايقبلون بأيمان أبي طالب, ويقولون أنه مات كافرا! وفي عهدنا الحاضر لازالت كتب التاريخ الدراسية في مناهج مدارس المسلمين على اختلاف مراحلها تقول أن أبا طالب مات كافراً لم يؤمن بدين محمد, واختار الموت وثنياً يعبد الاوثان! لنتأمل صدق هذه الادعاء ولنرى ماهي أسباب ودوافع الذين يريدون أبا طالب كافراً , رغماً عن الشواهد والروايات التي ترينا أنه كان صادق الايمان. فهل حقاً مات أبو طالب كافراً لايؤمن بمحمد ولايؤمن برسالته؟
قبل الخوض في مصادر هذه الدعوة من الضروري أن نتذكر بأن أبا طالب هو أبو علي, وعلي له أعداء حاربوه وتمنوا قتله, ولما قُتل علي لم يتورع أولئك الاعداء على تشويه صورة علي في أذهان الناس ووضعوا أحاديث نبوية ملفقة مزورة تُحط من قدر علي . كان أحد أولئك الاعداء هو معاوية بن أبي سفيان مؤسس دولة بني أمية الذي حارب عليا بن أبي طالب في معركة صفين, وفي عهد دولة بني أمية كُتب بعضُ من تاريخ الاسلام, أما احاديث النبي وتوصياته فقد كٌتبت لأول مرة في في عهد الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز أي بعد وفاة النبي بثمانين عاماً, وكتابة الاحاديث بعد ثمانين سنة من سماعها يدل على أحتمال وضع أحاديث ومحو أخرى حسب حاجة الدولة الحاكمة, فليس من البعيد أن تقوم دولة بني أمية المعادية لعلي بن أبي طالب والمعادية لبنوه بتشويه شخصية الامام علي ومن أحدى التشهويات تلك أظهار أبو علي وهو أبو طالب بمظهر الكافر المشرك الذي مات كافراً في عهد ابن أخيه النبي محمد. لنذكر بعضاً من مصادر التاريخ التي تثبت دعوانا هذه, وسنسردها فيما يلي كما هي وللقارئ الحكم والتحليل.
سب علي بن أبي طالب على منابر دولة بني أمية
عين معاوية صاحبه المغيرة بن شعبة واليا على الكوفة سنة 41 هجرية وقال له: ... ولست تاركا إيصاءك بخصلة لا تترك، شتم علي بن أبي طالب وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له! ( تاريخ الطبري الجزء الرابع, تاريخ بن الاثير الجزء الثالث الصفحة 102 )
و كان حجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما من شيعة علي بن أبي طالب، إذا سمعوا المغيرة بن شعبة وغيره من أصحاب معاوية وهم يلعنون عليا على المنبر، يقومون فيردون اللعن عليهم، ويتكلمون في ذلك( تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 230).
كان معاوية يقتنت في صلاته ويُسمع الناس دعاءه ضد علي , يقول ابن الاثير في معاوية: فكان إذا قنت سب عليا وابن عباس والحسن والحسين والأشتر .( الكامل في التاريخ لابن الأثير, الجزء الثاني الصفحة 684) وهكذا يجعل معاوية من صلاة هذا الدين ألعوبة سياسية يخدع بها أهل الشام حديثي العهد بالدين, ويريهم أن سب علي بن أبي طالب سنة من سنن هذا الدين ! فيا للعجب ألا يدري معاوية أنه في تشهد الصلاة يصلي على محمد وآل محمد رغما عن أنفه, وهل علي والحسن والحسين الا آل محمد, فما هذا التناقض واللعب على عقول الناس, ولكن هذا التحريف سرى في عقول الناس في الشام وهم حديثي عهد بالدين, فنشأت أجيال تحسب أن عليا بن أبي طالب من اعداء الدين وبطبيعة الحال من كان عدواً للدين يكون أبوه أبوطالب عدواً للدين أيضا.
بقيت عادة سب علي بن أبي طالب على منابر بني أمية لسنين طويلة ونشأت عليها أجيال لاتعرف سوى سب علي والبراءة منه, حتى كان عهد عمر بن عبد العزيز فألغى هذا الفعلة الشنيعة بحق أمير المؤمنين.
قال ابن سعد : " كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبدالعزيز يشتمون عليا رحمه الله فلما ولي عمر أمسك عن ذلك(الطبقات الكبرى لابن سعد الجزء الرابع, الصفحة 67 )
وذكر مثل ذلك الجاحظ حيث يقول ( ان معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم ان ابا تراب-( أبا تراب هو لقب لعلي بن أبي طالب)- ألحد في دينك وصدَّ عن سبيلك، فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا أليما ).وكتب بذلك الى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر، وصار ذلك سنة في ايام بني أمية، الى ان قام عمر بن عبد العزيز فأزاله.
و ذكر البلاذري عن عمر بن عبد العزيز قوله: نشأت على بغض علي لا اعرف غيره، وكان ابي يخطب فإذا ذكر عليا ونال منه تلجلج، فقلت: يا أبه انك تمضي في خطبتك فإذا اتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيرا، قال: أفطنت لذلك؟ قلت: نعم ! قال :يا بني ان الذين من حولنا لونعلمهم من حال علي ما نعلم تفرقوا عنا (أنساب الاشراف للبلاذري , الجزء الثامن, الصفحة 198).
قال المغيرة بن شعبة لصعصعة : (واياك أن يبلغني عنك: أنك تظهر شيئاً من فضل علي ، فانا اعلم بذلك منك ، ولكن هذا السلطان قد ظهر وقد أخدنا باظهار عيبه للناس. ( يعني أظهار عيوب علي بن ابي طالب للناس) (الكامل في التاريخ لابن الاثير 3: 430 ، وتاريخ الطبري الجزء الرابع).
ويروي ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة عندما قال قوم من بني أمية لمعاوية ( أنك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن سب هذا الرجل ( يعنون عليا بن ابي طالب) , فقال معاوية لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلاً) ( شرح النهج الجزء الرابع , صفحة 57) . أن معاوية يريد أن تنشأ أجيال تبغض عليا بن ابي طالب واستعمل كافة السبل في عصره في نشر ذلك , ومن يريد حط قدر أي شخصية يحصل على نتائج اسرع أذا ماهو حط من عائلته وحط من قيمة أبيه, وهذا مافعلته دولة بني أمية فسب علي بن أبي طالب وبنيه على المنابر يكون افضل بجعل أبيه أبا طالب كافرا. والرواية الاتية تعضد رواية بن أبي الحديد أعلاه وتؤيدها .
عن المغيرة أنه طلب من معاوية ترك إيذاء بني هاشم-(بنو هاشم هم عشيرة النبي محمد)- لأنها أبقى لذكره , فقال معاوية : هيهات , هيهات ! أي ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم-(يقصد به الخليفة الاول ابوبكر)- فعدل وفعل ما فعل , فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره, إلا أن يقول قائل : ابوبكر. ثم ملك أخو عدي-(يعني به الخليفة الثاني عمر)-, فأجتهد وشمر عشر سنين, فما عدا أن هلك ذكره , إلا أن يقول قائل : عمر. وإنَّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرّات, أشهد أنَّ محمّداً رسول الله , فأي عمل يبقى؟ وأيَّ ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك! لا والله ألا دفناً دفنأ. ( ذكر الرواية العلامة الاميني في كتابه معاوية, وكذلك ذًكرت في صحيح مسلم بشرح النوويّ 1: 81، المسترشد، للطبريّ: 174). الرواية ترينا بغض معاوية للنبي محمد علانية فهو يسميه (أبو كبشة) وهو تسمية كفار قريش للرسول أيام دعوته استهزاءً به. هنا معاوية يسترجع ذلك اللقب الجاهلي للنبي, ويتمنى أن يمحي أسم النبي محمد من آذان الصلاة ويكمل قائلا: لا والله ألا دفناً دفناً. فهو يسعى بكل السبل ألى دفن تراث النبي ودفن دينه ولما كان علي بن أبي طالب أقرب الناس للرسول وأول الناس أسلاماً, فأن معاوية حاربه ولم يشفي حقده وغله ألا بتشريع لعن علي بن أبي طالب على منابر بني أمية حتى يمحي ذكره من ذاكرة الناس. وفي عصرنا الراهن شاهد أكثرنا ممن نشأ تحت تسلط الانظمة الطاغوتية ما تفعله الانظمة من تغيير الحقائق ولبس الحق بالباطل, وعمليات غسل الأدمغة بالترغيب وبالترهيب وأرعاب الناس وبواسطة وسائل ألاعلام المتطورة. في عصر معاوية كانت أقوى وسيلة أعلام هي منابر الجوامع وخطب الوعاظ للناس, فأستغلها أستغلال ناجح في ترويج أحقيته بالخلافة وبالحط من شخصية الامام علي بن أبي طالب.
ومن المفيد أن نذكر أن الخليفة العباسي المأمون أراد رد الكيل لمعاوية بعد عهود عديدة من الزمن, فقرر أن يسب معاوية على المنابر حتى يصحح للأجيال تلك الفعلة الشنيعة, لكنه عدل عن ذلك ربما خوفاً من تصحيح عقيدة الناس في علي فربما ظن هو ألاخر أن رد الاعتبار لعلي بن أبي طالب بعد تلك السنين الطويلة قد يؤدي الى زوال ملكه هو الاخر, وكانت نظرية كفر أباطالب ملائمة أيضا للعباسيين, فمن مصلحة المأمون العباسي جعل أباطالب كافراً في أعين الناس, حتى يستأثر العباسيون بشرف قرابة النبي وشرف الاسلام لأن العباس جدهم الاكبر هو عم النبي أيضاً, لذا كان من الافضل لهم عدم الافصاح عن نشر أيمان أباطالب لانهم بذلك يصيرون مع الطالبيين في نزاع على شرف قرابة النبي , فالعباس وأبواطالب كلاهما عم الرسول محمد وابو طالب هو اخ وشقيق لابي النبي محمد, فجعله في خانة الكفر يجعل الشرف كله لبني العباس, وهكذا صار لابي طالب عدواً اخر وهم بنو العباس أيضا الذين استفادوا من نظرية كون أبي طالب كافراً , فتعمقت في عقول الاجيال النظرية التي ترجح أن أبا طالب مات كافراُ . ذكر المؤرخ المسعودي نية الخليفة المأمون في سب معاوية ومن أراد الفائدة فعليه بكتاب مروج الذهب للمسعودي في جزءه الثالث. أن ذكر المؤرخ المسعودي لقصة المأمون ورغبته في سب معاوية دليل من أدلة كثيرة في حقيقة سب علي على منابر بني أمية , فنية المأمون في سب معاوية دليل تاريخي على أن معاوية كان قد أمر بسب علي بن أبي طالب على منابر دولته, وللحط من شأن علي بن أبي طالب كانت نظرية كفر أبا طالب ملائمة تماماً للأمويين في تحريف حقائق التاريخ, وملائمة كذلك للطموح العباسي في نيل الشرعية بشرف قرابة النبي. فصار أبوطالب كافراُ ومات مشركاً وثنياً رغماً عن كل المواقف التي وقفها مع النبي, ورغماً عن وضوح وجلاء أيمانه في ديوانه الشعري المعروف.
وهذه رسالة للخليفة العباسي أبوجعفر الى الثائر محمد بن عبد الله العلوي يقول فيها ....( وابتلي أبوك بالقتال والحرب؛ وكانت بنو أمية تلعنه كما تلعن الكفرة في الصلاة المكتوبة،..)( الطبري الجزء 12 , خبر سنة خمس واربعين ومائة) . وقوله ( وابتلي أبوك) يعني بها عليا بن أبي طالب فهو من أجداد الثائر محمد المعاصر للخليفة العباسي ابو جعفر. وهو دليل آخر على سب ولعن الامام علي من قبل حكام بني أمية.
(((((((((((((((((((((((((((((((((
القسم الثاني من المقال في الصفحة الاتية