مسألة الشورى والانتخاب الذي صنعه عمر قبل وفاته
بابتداع غريب يتوصل عمر الى نظرية عجيبة في نظام الحكم , حيث جعل الخلافة لمن بعده في ستة اشخاص وهم ( عبدالرحمن بن عوف, الزبير بن العوام, طلحة بن عبيد الله, عثمان بن عفان , علي بن أبي طالب, سعد بن أبي وقاص) . لماذا تم الاختيار على ستة اشخاص وليس لسبعة أو خمسة أو عشرة فما أكثر الصحابة الاخيار؟ العدد ستة يبدو غريبا ولكن الغرابة تزول عند معرفة سبب اختيار عمر لهؤلاء الستة بالتحديد. لقد أوصى عمر في ساعاته الاخيرة وقبيل موته فجعل شرط الخلافة والكلمة الاخيرة لعبد الرحمن بن عوف الزهري رواي حديث الطاعون , كما وضع شرطا أخرا وهو العمل بسيرته (عمر) وسيرة ابوبكر الخليفة الاول وسيرة النبي (ص), واذن لن يتم انتخاب من يقول بعمل سيرة النبي محمد(ص) فقط ؟ ونقول لو كان عمار بن ياسر وابوذر وجابر بن عبد الله والمقداد وحذيفة بن اليمان وسلمان الفارسي وغيرهم مع هؤلاء الستة لرجحت كف علي بن أبي طالب ولاصبح خليفة المسلمين, ولكن في نفس عمر أمورا أخرى , لقد عرف عمر مسبقا من سيكون الخليفة من بين الستة الذين عينهم, وكما سيتبين من السطور الاتية !
قال عمر مبينا طريقته العجيبة : (ان رجـالا يـقـولـون ان بيعة ابي بكر فلتة وقى اللّه شرها, وان بيعة عمر كانت من غير مشورة والامر بعدي شورى , فاذا اجتمع رأي اربعة فليتبع الاثنان الاربعة , واذا اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فـاتـبـعوا راي عبد الرحمن بن عوف فاسمعوه واطيعوا, وان صفق عبد الرحمن باحدى يديه على الاخرى فاتبعوه .)( انساب الاشراف للبلاذري ج5 ص15). وفي رواية ثانية يقول عمر : (ان ضرب عبد الرحمن بن عوف احدى يديه على الاخرى فبايعوه ) ( كنز العمال ج3 ص160). يبدو جلياً ان الخليفة كان قد جعل امر الترشيح بيد عبد الرحمن ابن عوف راوي حديث الطاعون , فليس هناك اذن شورى بين ستة كما يبدو ,وبيَّت عمر مع عبد الرحمن بن عوف ان يـُشـتـرط في البيعة العمل بسيرة ابوبكر وسيرته , وجماعة الشورى يعلمون وعمر يعلم ان الامام علي ابن أبي طالب يابى ان يجعل العمل بسيرة ابوبكر وعمر في عداد العمل بكتاب اللّه وسنة رسوله (ص ) وان عثمان سيوافق على ذلك , فيبايع لعثمان بالخلافة . ولاندري هل اصبح العمل بسيرة ابوبكر وعمر أولى من العمل بسيرة النبي محمد نفسه؟ لكن الامر يبدو لنا كذلك فقد صارت سيرة أبوبكر وعمر جزءا من هذا الدين على الرغم من تغييرهما لكثير من الامور كما مر . عند البيعة يقول عبد الرحمن بن عوف لعلي بن أبي طالب: (يا عليّ ! هل أنت مُبايِعي على كتاب الله وسنّة نبيّه وفعلِ أبي بكر وعمر؟ فقال علي : كتاب الله وسنّة نبيّه، فنَعَم، أما سيرة ابوبكر وعمر فلا!.)( البداية والنهاية لابن كثير ج10 ص212). كيف يرضى علي بن أبي طالب بالعمل بسيرة ابوبكر وعمر وهما فعلا مافعلا من تغيير في السنة فقبول البيعة بذلك تعني القبول بالتحريف الذي صار في عهد أبوبكر وعمر, وهذا ما أباه علي ورفضه وهو تماما ما كان يعلمه عمر بن الخطاب وعلمه الخمسة الباقون من عصبة الشورى. روى الطبري في عبد الرحمن رئيس مجلس الشورى (ودعا عليا، فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟ قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي؛ ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، قال عثمان: نعم، فبايعه، فقال علي: حبوته حبو دهر؛ ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا؛ فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون؛ والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك؛ والله كل يوم هو في شأن؛ فقال عبد الرحمن: يا علي لا تجعل على نفسك سبيلا؛ فإني قد نظرت وشاورت الناس؛ فإذا هم لا يعدلون بعثمان. فخرج علي وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله)( تاريخ الطبري , ج6 ص 115,باب انتخاب عثمان)
في الرواية الاتية من كتاب الطبقات لابن سعد يتبين أن عمر بن الخطاب كان قد بيت انتخاب عثمان بن عفان قبل استحداث الشورى ! جاء سعيد بن العاص الى الخليفة عمر يستزيده في الارض ليوسع داره , فوعده الخليفة بعد صلاة الغداة وذهب معه حينئذ الى داره قال سعيد : (فـزادنـي وخط لي برجليه , فقلت : يا امير المؤمنين زدني فانه نبتت لي نابتة من ولد واهل فقال : حسبك واختبئ عندك انه سيلي الامر من بعدي من يصل رحمك ويقضي حاجتك قال : فمكثت خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان واخذها عن شورى ورضى فوصلني واحسن وقضى حاجتي واشركني في امانته ) . ليس كذلك فقط, ولكن سعيد بن العاص الاموي هذا يصبح والي الكوفة في عهد قريبه عثمان بن عفان الأموي! فتأمل .
اذن الـخليفة عمر كان قد انبا سعيد بن العاص انه سيلي بعده ذو رحم سعيد وهو عثمان حيث عثمان قريب سعيد بن العاص ,وطلب منه ان يـخبئ الامر عنده , ويتضح من هذه المحاورة ان امر تولية عثمان الخلافة كان قد بُت فيه في حياة الخليفة عمر, وتعيين الستة في الشورى كان من اجل تمرير هذا الامر بصورة تبدو مرضية لدى الجميع . ( عن طبقات الصحابة لابن سعد ترجمة سعيد بن العاص , وتحليل الحادثة منقول بتصرف عن كتاب معالم المدرستين للعلامة مرتضى للعسكري ) .ووصى عمر عثمانا بقوله: (إن وليت هذا الأمر فاتق الله ولا تحمل آل أبي معيط على رقاب الناس )(طبقات ابن سعد ج3 ص 247, أنساب الاشراف للبلاذري ج5 ص 16 , الرياض النضرة للمحب الطبري ج2 ص 76.) ويؤيد هذه الرواية قول علي وطلحة والزبير لعثمان بن عفان لما ولى الوليد بن عقبة على الكوفة فقالوا له: ألم يوصك عمر ألا تحمل آل أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس؟ فلم يجبهم بشئ.( أنساب الاشراف للبلاذري ج 5 ص 30), فكيف يوصي عمر وهو مات مطعوناً قبل تولي عثمان الخلافة؟ الحقيقة أن عمرا هيأ عثمان للخلافة قبل رحيله بزمن ثم أستحدث قصة الشورى, وفي اليوم الاخير لحياة عمر بن الخطاب وفيها جاء: ( حين طعن عمر أوصى النفر الخمسة قولا ثم مال برأسه إلى عبد الله( ابنه) وهو مسند ظهره إلى صدره وقال: إن يولوا عثمان يصيبوا خيرهم)( تاريخ المدينة المنورة لابن شبَّة ج ص 148 ), فأين الشورى يا أهل الشورى ؟ وأين مصطلح أهل الحل والعقد الذي يردده مجملوا التاريخ؟
صاحب الكلمة الاخيرة في مسرحية الشورى هو عبد الرحمن بن عوف رواي حديث الطاعون المزعوم وهو صهر عثمان بن عفان فقد كان متزوجا من أخته, أما سعد بن أبي وقاص فهو ابن عم عبد الرحمن بن عوف وهو ما يبينه قول الامام علي لابن عباس في حديثه عن الشورى حيث يقول علي : ( ان سعدا لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن, وعبد الرحمن نظير عثمان وصهره فاحدهما لا يخالف صاحبه لا محالة , وان كان الزبير وطلحة معي فلن انتفع بذلك اذ كان ابن عوف في الثلاثة الاخرين)( معالم المدرستين للعلامة العسكري ج1 ص 139, وعن أنساب الاشراف للبلاذري ج5 ص 19, ومثله في شرح ابن أبي الحديد باب الخطبة الشقشقية). كان سعد بن أبي وقاص في عهد عمر واليا على الكوفة فقام عمر بعزله عن ولاية الكوفة وجعل محله المغيرة بن شعبة, ولم يكن عزله الا تحضيرا لانتخاب عثمان ,فبعد عزله امره عمر بن الخطاب أن يأتي الى المدينة ليقيم فيها ووعده بأن الخليفة من بعده سيعطيه منصبا كبيراً! وحقق الخليفة من بعد عمر ذلك, فقد اعاد عثمان ولاية الكوفة الى سعد بن أبي وقاص كما خطط له عمر, روى ابن الاثير:
(ذكر عزل المغيرة عن الكوفة وولاية سعد بن أبي وقاص ,وفيها عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة واستعمل سعد بن أبي وقاص عليها بوصية عمر فإنه قال: أوصي الخليفة بعدي أن يستعمل سعدا فإني لم أعزله عن سوء ولا خيانة فكان أول عامل بعثه عثمان فعمل عليها سعد سنة ) ( الكامل لابن الاثير , ج 2 احداث سنة24, تاريخ الطبري ج6 ص121). تأمل أن الخليفة عمر هو الذي عزله أولا حتى يأتي به ليقيم في المدينة كي يكون في جماعة الشورى الستة ! إن المدينة كانت مقام خيرة الصحابة أمثال أبوذر الغفاري والمقداد وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وغيرهم من المسلمين الاوائل لكن عمر يختار سعد لسبب في نفسه. النص أعلاه يبين أن عمر بن الخطاب عزل سعد عن أمارة الكوفة وجعل عليها المغيرة بن شعبة لسبب مهم , ولذلك يوصي عمر في وصيته للخليفة من بعده ( أوصي الخليفة من بعدي أن يستعمل سعداً فإني لم أعزله عن سوء ولاخيانة) , وقول عمر هذا يدل على أن سعداً سيتولى منصبا في المستقبل . ونقول أذا كان عمر لم يعزل سعدا عن سوء ولا خيانة فلماذا لم يهبه منصبا في عهده ؟ السبب هو أن عمرا أحتاج لرجل يعتمد عليه في أنتخاب عثمان من بعده فأتى بسعد من الكوفة وجعله يقيم في المدينة بعد عزله ,وعده أن الخليفة من بعده سيعطيه منصبا من بعده وهذا يعني أن سعدا لن يكون الخليفة القادم , إذن جعله في مجلس الشورى لن يكتب له أن يكون خليفة فهو مجرد صوت لعثمان بن عفان بن ابي العاص الاموي. إذن الاتيان بسعد من الكوفة لم يكن ألا لترجيح كفة عثمان في الشورى وبعد تلك الوعود سينتخب سعد الخليفة الذي سيعطيه منصبا كما وعده عمر ,وبذلك ضمن عثمان صوتا لصالحه في مجلس الشورى الصوري ليتفوق على علي بن أبي طالب . فالاتيان بسعد بن أبي وقاص من الكوفة وجعله في منصب الشورى السداسي دليل على تخطيط قام به عمر بالتعاون مع عثمان كي ينال ترجيح الاصوات وهذا ماتم . ومن الطريف أن عثمان بن عفان لم يفي بوعده لعمر بن الخطاب الميت الا لفترة قصيرة ,حيث أعاد سعدا بن أبي وقاص على الكوفة حسب تخطيط عمر, وما أن أستتبت الامور لعثمان حتى عزل سعدا بن أبي وقاص عن الكوفة وعين محله الوليد بن عقبة بن معيط الفاسق بنص القرآن الكريم وهو أخو عثمان لأمه , روى ابن الاثير:
(في هذه السنة عزل عثمان بن عفان سعد بن أبي وقاص عن الكوفة في قول بعضهم واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط وأسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو واسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس وهو أخو عثمان لأمه) ( الكامل لابن الاثير ج2 باب عزل سعد بن أبي وقاص)
وهكذا لم يكن سعد بن أبي وقاص سوى صوت أستفاد منه عمر لانتخاب عثمان فلما أنتهت الغاية من ذلك عزله عثمان بن عفان مرة ثانية ولم يوله أي منصب, وأثار هذا حفيظة سعد بعد خسارته فندم وجعل يروي الاحاديث النبوية في مدح الامام علي بن أبي طالب في آخريات عمره ولكن بعد فوات الاوان, وستأتي سيرة سعد في فصل ( أعداء النبي).
نعود الى حبكة جماعة الشورى الستة لنرى كيف تم اختيار الخليفة المرتقب:
لقد مال عبد الرحمن بن عوف لصهره عثمان وأختاره وفق الخطة المرسومة مسبقاً فصار عثمان الخليفة. وقال علي بن ابي طالب لعبد الرحمن بن عوف لما بايع عثمان في اليوم الثالث : (حـبـوته حبوة دهر, ليس هذا اول يوم تظاهرتم فيه علينا, فصبر جميل واللّه المستعان على ما تـصـفون واللّه ما وليت عثمان الا ليرد الامر اليك , واللّه كل يوم في شان) (تاريخ الطبري ج3 ص 297, الكامل لابن الاثير ج3 ص 37 , العقد الفريد ج3 ص 76 ) هذا النص يبين ظلامة علي بن أبي طالب ويبين المؤامرة التي حيكت لابعاده عن السلطة بشتى الوسائل . في رواية أخرى يقول الامام علي لعبدالرحمن بن عوف بعد أن صفق عبدالرحمن يده على يد عثمان وبايعه للخلافة : ( أيهاً عنك إنما آثرته بها لتنالها بعده، دق الله بينكما عطر منشم)( شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج9) ومنشم اسم أمرأة بمكة كانت عطارة وهي من خزاعة يضرب بها المثل لان قومها ادخلوا أيديهم في عطر لها قبل القتال وبفعلهم ذلك كثر القتل فيما بينهم فعزوا ذلك القتل الى العطر شؤما, فكان يقال ( أشأم من عطر منشم) , وهذا ماحصل بعد ذلك بين عثمان وعبدالرحمن بن عوف أستجابة لدعوة الرجل الصالح علي بن ابي طالب , فقد هجر عبدالرحمن عثمانا ولم يكلمه حتى مات ولم يهنأ عبد الرحمن بن عوف رواي حديث الطاعون بمنصب الخلافة كما كان يأمل, وليس بعيدا أن عثمان أغتال عبد الرحمن بن عوف بالسم تمهيدا لبني أمية ومعاوية في الشام . يقول الامام علي في خطبته الشقشية في ذكر رجال الشورى الستة ( فصغى رجل منهم لضغنه , ومال الاخر لصهره مع هن وهن الى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه ......) اما الرجل الذي صغى لضغنه فهو سعد بن أبي وقاص الذي يبغض علياً لان أم سعد هي حمنة بنت ابي سفيان بن أمية وكان علي بن أبي طالب قد قتل العديد من أخوال سعد بن أبي وقاص, وأذن فسعد بن أبي وقاص لن يكون في جانب علي , وهذا ماعرفه عمر لهذا جلبه من الكوفة وجعله يقيم في المدينة في فترة الشورى ووعده بأن عثمان سيعطيه منصبا , فهذا واحد ضد علي ! والذي مال لصهره فهو عبد الرحمن بن عوف لانه صهر عثمان فزوجة عبد الرحمن هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط هي أخت لعثمان من أمه وكان عليا قد ذبح أبوها في معركة بدر . كما أن عبد الرحمن كان متزوجا من أم كلثوم بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وقد قتل الامام علي اخاها الوليد وعمها شيبة في معركة بدر, فتأمل . واذن عبد الرحمن وعثمان لن يكونا مع علي أيضا وهذا ما توقعه عمر, وأذن صار أثنين من الرجال الستة ضد علي , أما ثالث الستة فهو طلحة بن عبيد الله فهو من بني تيم وكان بين بني تيم وبني هاشم مواقف مرت بنا بسبب خلافة ابوبكر الذي هو من بني تيم أيضا, ولن يكون طلحة مع علي لسبب اخر هو أن علي بن أبي طالب كان قد قتل أثنين من اخوة طلحة في حروب المسلمين وهما عثمانومالك اولاد عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة . إذن سيصغي طلحة لضغنه أيضا بغضا بعلي وهذا ثالث الستة, أما رابع الستة فهو عثمان نفسه ويريد الملك لنفسه ولن يكون مع علي . وبذلك ضمن عمر الاكثرية ضد علي بن أبي طالب وهو تماما ما خطط له أبو سفيان شيخ بني أمية الذين منهم عفان و سنرى ذلك بجلاء في فصل (الخليفة الثالث عثمان). أما قوله (هنٍ وهنٍ) فهي كناية عن أمور يكره ذكرها. وهكذا اتفق الجميع ماعدا الزبير بن العوام على عدم انتخاب علي واختار عبد الرحمن بن عوف عثمان بن عفان وتمت البيعة ؟
كانت غاية قصة الشورى هو إبعاد علي بن أبي طالب عن منصب الخلافة وتهيئة بني أمية لاتخاذ دورهم في قيادة الامة وعثمان بن عفان أموي كما معلوم. واذن ابتدع عمر نظاما جديدا ليس هو بانتخاب وليس هو بتعيين ولا يمت للدين بأية صلة , ومن العجيب أن يصف كتابنا المعاصرون هذا العمل الذي لم يأتي من القران أو من الحديث بالعمل العبقري . لقد خالف عمر السنة وخالف النبي لأن النبي كما يقول جمهور السنة لم يوص للخلافة لاحد من بعده فقد ترك النبي محمد(ص) الامة على حالها وقامت الامة بانتخاب أبوبكر على حد قولهم كما مر بنا في فصل السقيفة , فلماذا لم يترك عمر بن الخطاب الامة كما فعل النبي نفسه ويتأسى بعمل النبي ؟ واذا كان عمر يقتدي بأبي بكر فلماذا لم يوص بالخلافة لرجل واحد كما فعل أبوبكر عندما ادلى للخلافة من بعده لعمر؟ لنتذكر كتابة الوصية من فصل ابوبكر وكيف أن ابابكر غاب عن الوعي في سكرات الموت فكتب عثمان بن عفان اسم عمر بن الخطاب في الوصية ولما أفاق ابوبكر من غيبوبته قال له عثمان كتبت اسم عمر في الوصية فامضاه, الا يبين لنا ذلك الموقف وفاء عمر لعثمان فادلى للخلافة له من بعده بصورة الشورى .
كان عثمان يعلم أن خصمه الاكبر هو علي بن أبي طالب لذلك حاول التخلص منه منذ أيام عمر والرواية الاتية تظهر حقيقة ذلك , ففيها ينصح عثمان عمرا بأن لايخرج للحرب وليبعث بدلا منه علي بن أبي طالب لقتال الفرس والروم ! روي المسعودي: (فدخل عثمان عليه( عمر بن الخطاب)، فقال له: يا أبا عبد الله أشر علي أسير أم أقيم. فقال عثمان: أقم يا أمير المؤمنين وابعث بالجيوش، فإنه لا آمن إن أتى عليك آتٍ أن ترجع العرب عن الإسلام، ولكن ابعث الجيوش وداركها بعضها على بعض، وأبعث رجل له تجربة بالحرب وبَصَر بها، قال عمر: ومن هو. قال: علي بن أبي طالب، قال: فالقه وكلمه وذاكره ذلك، فهل تراه مسرعاً إليه أو لا، فخرج عثمان فلقي علياً فذاكره ذلك، فأبى علي ذلك وكرهه، فعاد عثمان إلى عمر.)( مروج الذهب للمسعودي , باب عمربن الخطاب). لم يفلح عثمان بهذه الطريقة الميكافيلية في التخلص من علي لكنه على اقل تقدير حاول ذلك.
كان لدور اليهود ايضا ثقل في عدم إرجاع الخلافة لصاحبها الشرعي أيام عمر , فقد كان عمر يستشير كعب الاحبار اليهودي في كثير من الامور وسيأتي تفصيل ذلك في فصل ( دور اليهود ) . ويُروى أن عمرا في أواخر أيامه كان يستشير كعبا اليهودي حتى في أمر الخلافة وكما يلي :
يروي ابن عباس ما شاهده يوما عند الخليفة عمر وكان كعب الاحبار حاضرا: (قال عمر لكعب الأحبار يوماً وأنا عنده: إنّي قد أحببت أن أعهد إلى من يقوم بهذا الأمر وأظن وفاتي قد دنت، فما تقول في عليّ؟ أشر عليّ في رأيك وأذكرني ما تجدونه عندكم، فإنّكم تزعمون أنّ أمرنا هذا مسطور في كتبكم، فقال (كعب الاحبار): أمّا من طريق الرأي فإنّه لا يصلح، إنّه رجل متين الدين، لا يغضي على عورة, ولا يحلم عن زلة, ولا يعمل باجتهاد رأيه, وليس هذا من سياسة الرعية في شيء، وأمّا ما نجده في كتبنا فنجده لا يلي الأمر ولا ولده، وإن وليه كان هرج شديد، قال: كيف ذاك؟ قال: لأنّه أراق الدماء، فحرمه الله الملك)( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 ص 81). فتأمل تحليل اليهودي كعب في أمير المؤمنين علي فيالها من نصيحة من يهودي ككعب أسلم بعد وفاة النبي بعشر سنين ,يشاوره الخليفة عمر في أمر أول المؤمنين وأول رجل نطق بالشهادة .
وهكذا انحرفت الدولة بعد انحرافها الاولي الى انحراف أخطر في عهد عثمان الاموي ,وكان ابو سفيان بن حرب( أبو معاوية بن أبي سفيان) شيخ بني أمية من أول المهنئين لعثمان الاموي على تسنمه الخلافة, حيث دخل عليه وكان ابو سفيان قد فقد بصره انذاك فقال ابوسفيان : (هاهنا أحد؟( كي يطمئن أن لايسمعه احد من خارج بني قومه ) فقالوا: لا. فقال: اللهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية. وكذلك قال: صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار( تيم قوم ابوبكر وعدي هي عشيرة عمر بن الخطاب)( أحاديث أم المؤمنين للعلامة العسكري ج1 ص 139, و نقله عن الاغاني للأصفهاني ج6 ص323), ووردت الرواية في مصادر شتى بألفاظ مختلفة قليلاً منها كتاب الفائق للزمخشري الذي يقول في شرحه لكلمة (تزقف) ( ثم يتزقفها تزقف الرمانة, زقف التزقف والتلقف أخوان وهما الاستلاب والاختطاف بسرعة ومنه : إن أبا سفيان قال لبنى أمية : تزقفوها تزقف الكرة وروى : تلقفوها يعنى الخلافة) ( الفائق في غريب الحديث للزمخشري ص 135) . وذكر البلاذري : ( دخل عثمان على عثمان وهو مكفوف , ثم خرج من عنده وهو يقول : (تلقفوها يابني أمية تلقف الكرة فما الامر على مايقولون) ( أنساب الاشراف للبلاذري, باب نسب بني عبد شمس) .
يتبع....
http://marwan1433.blogspot.ca/2013/07/5.html