-
تاريخ الادب العربي
[align=center]الفصـل الأوّل شبه جزيرة العرب[/align]
أصلُ العرب
الحياة الاجتماعية والسياسية
الثروة الحيوانية والنباتية
سكّان الجزيرة
اللغة وأصلها
الأدب
الجاهلية
عناصر الأدب
تطوّر الأدب العربي وأطواره والتأريخية
مراحل الأدب العربي
شبه جزيرة العرب :
تبلغ مساحتها ثلاثة ملايين كيلومتر مربّع، وهي بلاد أكثرها صحارى، وأهمّ أقسامها اليمن وحضرموت والحجاز، وقد سمّيت بشبه الجزيرة لإحاطة البحار والأنهار بها((1))، وكان سكّانها من العرب.
[align=right]أصلُ العرب:[/align]
العرب من الشعوب السامية، وفي تأريخهم يوجد مصطلح العرب البائدة والعرب الباقية.
1 ـ العرب البائدة: كعاد وثمود وطسم وجويس، وهؤلاء لم يصل إلينا شيء عن آثارهم وأخبارهم إلاّ ما ذكره القرآن الكريم.
2 ـ العرب الباقية: وهم القحطانيّون، ويسمّون العرب العاربة، والعدنانيّون يسمّون العرب المستعربة((2)).
[align=center]الحياة الاجتماعية والسياسية:[/align]
يعيش سكّان شبه جزيرة العرب عيشة قبائل تسود فكرة العصبية. أمّا ديانتهم
ــــــــــــــــــــ
(1)صفة جزيرة العرب / الحسن بن أحمد الهمداني: ص84.
(2)في التاريخ الإسلامي / الدكتور شوقي أبو خليل: ص13.
فكانت ضعيفة ولا تتعدّى الصنمية، حيث انتشرت اليهوديّة في يثرب، والنصرانية في نجران والحيرة((1))، وقد كانوا يدينون بالوثنية التي ترتكز على تقديس الحجارة والينابيع والأشجار والأصنام (اللاّت والعزّى)، والتي كانت أكثر شيوعاً عند سكّان شبه الجزيرة العربيّة.
من ناحية أخلاقهم فقد كانت لأهل البادية صفات خاصّة ترعرعت مع حياتهم وهي وليدة الصحراء والتي علّمته أن يكون طليقاً وقنوعاً وصبوراً على الشقاء والعناء. كذلك جعلته أن يكون شجاعاً وعفيفاً، كما أنّه حافظ على فكرة الضيافة والكرم والوفاء بالوعد فهم أقوام يؤثرون الضيف على النفس، والكرم عندهم سجية متأصّلة في نفوسهم، وكانوا يكرمون حتّى عدوّهم.
والمتتبّع لثقافة سكّان هذه المنطقة يلاحظ أنّ لهم الشعر والقصص والأمثال، والذي يعكس تأريخهم وبيئتهم التي كانوا يعيشون بها، وبنفس الوقت فقد تسرّب إليهم شيء من علوم الفرس وآدابهم، بالإضافة إلى علوم اليونان والرومان وآدابهم، وذلك بسبب الصلات التجارية بالرغم من أنّ للعرب معرفة بالأنساب وأخبار الاُمم والطب، وبنفس الوقت كان يعوزهم التعمّق والاستقصاء.
[align=center]الثروة الحيوانية والنباتية:[/align]
لقد عني الأدب العربي لا سيّما الجاهلي بوصف الإبل والخيل، فحيوانات الجزيرة العربية منها الأليفة كالإبل والأغنام والأبقار والخيول والحمير والبغال، ومنها الوحشية كالأسد والنمر والفهد والذئب والضبع والثعلب، كما يكثر الجراد أحياناً فيقضي على الأخضر واليابس في الجزيرة، فنلاحظ أنّ الجمل أقدم الحيوانات، فهو سفينة الصحراء وأعزّها عند سكّان الجزيرة، فبعدد الإبل يقدّر
ــــــــــــــــــــ
(1)مع المصطفى / الدكتورة عائشة عبدالرحمن: ص19.
[17]
مهر الفتاة وتفضّ الخصومات بين القبائل; فالجمل رفيقه ولا تصلح الصحراء بدونه، حيث يعينه على الرحيل من مكان إلى آخر، ويغذّي البدوي بلحمه ولبنه بالإضافة إلى أنّ خيمته تحاك من وبره، أمّا الأغنام والأبقار فالبدوي يعيش على ألبانها ولحومها وجلودها ويلبس من صوفها; لأنّه يتّصف بالصبر وقوّة الإرادة واحتقار الصناعة والزراعة.
بالنسبة للخيول فعقيدة البدوي الذي يعتبر «عزّه بالإبل وشجاعته بالخيل»((1))، والتي تمتاز بالسرعة في الكرّ والفرّ وإلحاق الأذى بالعدوّ هي التي جعلته يحسّ بالحاجة إليها، كما أنّها استخدمت للتسلية واللهو، وانّ القرآن الكريم ذكرها من مصادر القوّة يرهب بها المسلمون أعدائهم بالاضافة إلى الحمير فهي أوّل واسطة للركوب عند الحضر. أمّا البغال فإنّها من الحيوانات المعروفة بتحمّلها للمشاقّ وقدرتها على السير في المناطق الوعرة.
هذا بالنسبة للثروة الحيوانية، أمّا بالنسبة للثروة النباتية فللزراعة شأن في بعض الحواضر الشمالية كالطائف ويثرب وخيبر ووادي القرى((2))، «والتي كانت تشتهر بأنواع الأشجار والمزروعات كالخضر والفواكه»((3)); فقد كانت القبيلة ترحل بإبلها وأغنامها في طلب العُشب والكلأ.
لقد اشتهرت اليمن والمناطق المحيطة بأشجار الصنوبر والطيب والبخور، كما اشتهرت حديثاً بأشجار البُن «لخصوبة أرضها»((4)) كذلك اشتهرت الطائف بالكروم
ــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الأدب العربي / ر. بلاسير: ص35. مجتمع المدينة قبل الهجرة / الشيخ حسن خالد: ص51.
(2)اُدباء العرب / بطرس البستاني: ج1، ص26.
(3)السيرة النبوية / الدكتور محمّد بن محمّد أبو شهبة: ج1، ص45.
(4)العلاقة بين العرب والفرس / الدكتور مصطفى فتحي أبوشارب: ص121.
[18]
والنخلة اُمّ الأشجار بالاضافة إلى وجود أشجار الحنظل والسدر.
إذن كانت مكاسبهم وحياتهم المعيشية موقوفة على الأمطار، حيث نشطت الزراعة في المناطق التي فيها الأمطار وتتوفّر المياه خاصّة قرب العيون والآبار((1)).
[align=center]سكّان الجزيرة:[/align]
ينقسم سكّان الجزيرة العربيّة إلى قسمين:
1 ـ الحضر: فهم سكّان القسم الجنوبي من الجزيرة العربية، وقد اشتغلوا في التجارة والزراعة والصناعة، وأشهر مدنهم مكّة والطائف ويثرب، وكانت متاجرهم من فارس والحبشة واليمن إلى الشام والعراق ومصر.
2 ـ البدو: وهؤلاء انتشروا في شمال الجزيرة، فاحتقروا الصناعة والزراعة وعاشوا تحت الخيام، وقد رحلوا من مكان لآخر، ولجأوا إلى الغزو طلباً للكلأ والماء.
[align=right]اللغة وأصلها:[/align]
اللغة وسيلة للتعبير ـبالحركات والإشارة والأصواتـ عن العواطف والمفاخر والأفكار، وبعبارة اُخرى فهي أداة للتعبير عن النفس، وواسطة للتفاهم بين الناس. فهي غنية في مفرداتها والتي تتفوّق على جميع اللغات الحيّة بالإضافة إلى أنّها غنيّة في صيغ قواعدها.
أصل اللغة العربية: لغة سامية ـالآرامية والآشورية والبابلية والعبرية والكنعانية والسريانية والفينيقية والكلدانية والحبشية والتدميرية((2))ـ نسبة إلى سام بن نوح(عليه السلام)، وتنقسم اللغة العربية إلى قسمين:
ــــــــــــــــــــ
(1)الطبيعة في الشعر الجاهلي / الدكتور نوري حمودي القيسي: ص74.
(2)مقدّمات ومباحث في حضارة العرب والإسلام / عمر رضا كحالة: ص16.
1 ـ لغة الجنوب اليمنية.
2 ـ لغة الشمال، وهي لغة الحجاز.
تطوّر لغة الحجاز: لقد تطوّرت هذه اللغة حتّى وصلت إلى الحالة التي رأيناها في الأدب العربي الجاهلي، وكان من أهمّ أسباب تكوين هذه اللغة:
1 ـ الأسواق، كسوق عكاظ الذي كان ينعقد فيأوّل ذيالقعدةإلىالعشرين منه.
2 ـ مؤتمر للخطابة في الحسب والنسب والكرم والفصاحة والجمال والشجاعة وإقامة مسابقات الخيول وتبادل عروض التجارة.
[align=right]الأدب:[/align]
هو مَلكة أو براعة راسخة في النفس، كما أنّه سجّل لتراث الاُمّة من علومها ومعارفها عبر عصورها، معروفة باُسلوب جميل مشرق.
وقد استعملت لفظة «الأدب» على مجموعة من الآثار المكتوبة التي يتجلّى فيها العقل الإنساني بالإنشاء والفنّ الكتابي. ويمكن القول بأنّ الأدب هو مجموع الكلام الجيّد المروي نثراً وشعراً.
وكانت كلمة «الأدب» تدلّ على معان متعدّدة في العصر الجاهلي، هي: دعوة الناس إلى مأدبة أو الدعاء إلى المأدبة، كما دلّت في العهدين الجاهلي والإسلامي على الخُلق النبيل، ثمّ اُطلقت لفظة أدب على تهذيب النفس وتعليم المرء على المعارف والشعر.
وفي القرن الثاني عشر استعملت لفظة «أدب» في الشعر والنثر وعلم العروض والنقد الأدبي.
[align=center]الجاهلية : [/align]
تطلق كلمة «الجاهلية» على أحوال العرب قبل الإسلام لتفشّي الوثنيّة
والعداوات، وقد تطرّق القرآن الكريم لكلمة «الجاهلية» في قوله: )أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْم يُوقِنُونَ(((1))، المراد هنا هو الجهل التوحيدي الديني لا الجهل بعلم من العلوم، والله اعلم.
وذكرت دائرة المعارف والكتب الاُخرى بأنّ اليهوديّة أطلقت كلمة الجاهليّين على الأقوام الذين سبقوا ظهورها. كما وأنّ النصارى أطلقوا هذا المعنى أيضاً، إضافة إلى أنّ بعض المستشرقين يحدّدون فترة الجاهلية بقولهم: «تطلق كلمة الجاهلية على الفترة التي خلت من الرسل، أي بين الرسولين العظيمين السيّد المسيحوالرسول الأعظم(عليهما السلام)((2))ـ من اُولي العزم».
[align=center]عناصر الأدب:[/align]
يتألّف الأدب من أفكار وأخيلة وعواطف يخضع للذوق السليم ويعبّر بالكلام الفصيح.
تطوّر الأدب العربي وأطواره التاريخية:
يرى بعض كتّاب الأدب أنّ الفترات الأدبية تكون طبق تطوّر التاريخ، فقسّموا العهود الأدبية إلى خمسة أقسام، والقسم الآخر يذهب إلى أنّ الأدب العربي قديم، حيث وصلت نصوصه عن عمر لا يزيد على ألف وستمائة سنة، هذه السنوات قسّمت إلى ثلاثة حُقب وهي الأدب القديم، والأدب الُمحْدَث، والأدب الحديث. كما وتوجد فئة اُخرى من الاُدباء قسّموا أعصر الأدب طبقاً للأعصر السياسية في التاريخ.
وعلى هذا أرى بالإمكان تقسيم مراحل الأدب العربي إلى ستّة فترات هي:
ــــــــــــــــــــ
(1)المائدة: 50.
(2)دائرة المعارف الإسلامية / إبراهيم زكي وجماعته: ج6، ص264.
1 ـ فترة العهد الجاهلي والمخضرمين.
2 ـ فترة صدر الإسلام.
3 ـ فترة العهد الاُموي.
4 ـ فترة العهد العباسي.
5 ـ فترة العهد التركي.
6 ـ فترة العهد الحديث.
[align=right]الفصـل الثاني الشعر الجاهلي[/align]
قيمة الشعر الجاهلي
الوزن والقافية
أنواع الشعر
طبقات الشعراء
خصائص الشعر الجاهلي
شكل القصيدة الجاهليّة
أغراض الشعر الجاهلي
ظهور الشعر الجاهلي
1 ـ أشهر شعراء الفرسان
2 ـ أشهر شعراء الصعاليك
3 ـ شعراء آخرون
[align=center]الشعر الجاهلي[/align]
قيمة الشعر الجاهلي:
1 ـ القيمة الفنّية: وتشمل المعاني والأخيلة والعاطفة والموسيقى الشعرية، حيث نظم الشاعر الجاهلي أكثر شعره على أوزان طويلة التفاعيل.
2 ـ القيمة التاريخية: كان الشعر وسيلة نقل معاناة الناس وشكواها إلى السلطة، فالشعر الجاهلي يعتبر وثيقة تاريخية بما يخصّ أحوال الجزيرة وأحوال العرب الاجتماعية.
الوزن والقافية:
الوزن: هو التفعيلات الشعرية الموسيقيّة الرتيبة التي تتكوّن منها الأبيات، وتسمّى البحور الشعرية.
القافية: وهي ما يأتي به الشاعر في نهاية كلّ بيت من أبيات القصيدة، وأبرزها الحرف الأخير الذي يختم به البيت وضبطه النطقي.
أنواع الشعر:
1 ـ الشعر العمودي والشعر التقليدي: لقد احتفظ بخاصيّته التقليدية بالالتزام بنظام الأوزان والقافية.
2 ـ الشعر المرسل: احتفظ بنظام الأوزان في الشعر وتحرّر من نظام القافية الموحّدة.
3 ـ الشعر الحرّ : وهو الشعر الذي تحرّر من نظام الأوزان والقوافي معاً.
طبقات الشعراء:
1 ـ الشعراء الجاهليّون: وهم الذين لم يدركوا الإسلام كإمرئ القيس.
2 ـ الشعراء المخضرمون: وهم أدركوا الجاهلية والإسلام كلبيد وحسّان.
3 ـ الشعراء الإسلاميّون : وهم الذين عاشوا في صدر الإسلام وعهد بني اُميّة.
4 ـ الشعراء المولدون أو المحدثون: وهم من جاءوا بعد ذاك كبشّار بن بردوأبي نؤاس((1)).
خصائص الشعر الجاهلي:
1 ـ الصدق: كان الشاعر يعبّر عمّا يشعر به حقيقة ممّا يختلج في نفسه بالرغم من أنّه كان فيه المبالغة، مثل قول عمرو بن كلثوم.
2 ـ البساطة: انّ الحياة الفطرية والبدوية تجعل الشخصيّة الإنسانية بسيطة، كذلك كان أثر ذلك على الشعر الجاهلي.
3 ـ القول الجامع: كان البيت الواحد من الشعر يجمع معاني تامّة، فمثلاً قالوا في امرئ القيس بقصيدته «قفا نبكِ» انّه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد.
4 ـ الإطالة: كان يُحمد الشاعر الجاهلي أن يكون طويل النفس، أي يطيل القصائد وأحياناً كان يخرج عن الموضوع الأساسي، وهذا يسمّى الاستطراد.
ــــــــــــــــــــ
(1)إتحاف الأمجاد / محمود شكري الآلوسي: ص66.
[27]
5 ـ الخيال: هو أنّ اتّساع اُفق الصحراء قد يؤدّي إلى اتّساع خيال الشاعر الجاهلي.
شكل القصيدة الجاهلية:
تبدأ القصيدة الجاهليّة بذكر الأطلال ثمّ وصف الخمر وبعدها ذكر الحبيبة، ثمّ ينتقل الشاعر إلى الحماسة والفخر ...
[align=center]أغراض الشعر الجاهلي:[/align]
1 ـ الوصف: وصف الشاعر كلّ ما حواليه، وقد شمل الحيوان والنبات والجماد.
2 ـ المدح: لقد كان المديح للشكر والاعجاب والتكسّب.
3 ـ الرثاء: مدح الميّت، كان يعرف بالرثاء، فقد كثر رثاء أبطال القبيلة المقتولين.
4 ـ الهجاء: كثر هذا النوع بسبب كثرة الغارات وانتشار الغزو فذكروا عيوب الخصم.
5 ـ الفخر: وهو المباهاة حيث كان الشاعر يفتخر بقومه وبنفسه وشرف النسب وكذا بالشجاعة والكرم.
6 ـ الغزل: امتلأت حياة الشاعر بذكر المرأة، وهو نوعان: الغزل العفيف والماجن.
7 ـ الخمر: لقد شربها بعض الشعراء المترفين ووصفوها مفتخرين.
8 ـ الزهد والحكمة: ذكر الشاعر الزهد والحكمة في قصائده الشعرية.
9 ـ الوقوف والتباكي على الأطلال: لقد أطال بعض الشعراء الوقوف والبكاء في شعرهم.
10 ـ شعراء الأساطير والخرافات: الأساطير المختلفة والروايات المتناقضة
كانت تأتي من شرق وغرب العالم العربي.
ظهور الشعر الجاهلي:
ويشمل:1 ـ شعراء الفرسان.
2 ـ شعراء الصعاليك.
3 ـ شعراء آخرون.
1 ـ شعراء الفرسان:
نحن نعلم بأنّ شاعر القبيلة هو لسانها الناطق وعقلها المفكّر والمشير بالحقّ والناهي إلى المنكر، فكيف إذا جمع له الشعر والفروسية فهو صورة صادقة لتلك الحياة البدوية، حيث كان يتدرّب على ركوب الخيل، ويشهر سيفه، ويلوح برمحه، فمن هؤلاء الشعراء:
ـ الـمُهَلهَل.
ـ عبد يغوث.
ـ حاتم الطائي.
ـ الفند الزماني (فارس ربيعة).
المُهلهل:
هو عدي بن ربيعة التغلبي، خال امرؤ القيس، وجدّ عمرو بن كلثوم. قيل إنّه من أقدم الشعراء الذين وصلت إلينا أخبارهم وأشعارهم، وإنّه أوّل من هلهل الشعر ولذلك قيل له المهلهل.
كان له أخ اسمه كُليب رئيس جيش بكر وتغلب. كُليب قتل ناقة البسوس ثمّ قُتل كليب، ونشبت حرب البسوس بين بكر وتغلُب، دامت أربعين سنة.
المختار من شعره:
وأكثر شعر المهلهل هو في رثاء أخيه كُليب، حيث يقول:
كليب لا خير في الدنيا ومن فيها ***** إن أنت خلّيتها في من يُخلّيها
نعى النعاةُ كليباً لي فقلت لهم ***** سالت بنا الأرضُ أو زالت رواسيها
ليت السماء على من تحتها وقعت ***** وحالت الأرض فانجابت بمن فيها((1))
ومن مراثيه المشهورة في أخيه:
أهاج قذاء عيني الإدِّكارُ ***** هدوءاً فالدموع لها انحدارُ
وصار الليلُ مشتمِلاً علينا ***** كأنّ الليلَ ليس له نهارُ
دعوتُكَ يا كليب فلم تُجِبْني ***** وكيف يجيبني البلد القِفَارُ
وإنّك كنتَ تحلم عن رجال ***** وتعفو عنهم ولك اقتِدارُ((2))
توفّي المهلهل عام 92 ق. هـ / 530م.
الفنْدُ الزّماني :
اسمه شهل بن شيبان، أحد فرسان ربيعة المشهورين، شعره قليل، سهل، عذب، وأكثره في الحماسة التي يتخلّلها شيء من الحكمة، وحينما اضطرّ إلى الخوض في حرب البسوس، قال:
صفحنا عن بني ذهل *****وقلنا القوم إخوانُ
عسى الأيّام أن يرجعن ***** أقواماً كما كانُوا
فلمّا صرح الشرّ ***** وأمسى وهو عريانُ
ولمْ يَبْقَ سوى العدوان ***** دِنّا لهم كما دانُوا
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان المهلهل / شرح انطوان القوّال: ص91. شعراء النصرانية قبل الإسلام / الأب ليوس شيخو: ص166.
(2)تاريخ الأدب العربي / الدكتور عمر فرّوخ: ج1، ص111.
وفي الشرّ نجاةٌ حين ***** لا يُنجيك إحسان((1))
توفّي الفندالزماني سنة 92ق. هـ.
2 ـ شعراء الصعاليك:
جمع صعلوك، وهو ـلغةًـ الفقير الذي لا مال له. أمّا الصعاليك في عرف التاريخ الأدبي فهم جماعة من شواذّ العرب وذؤبانها، كانوا يغيرون على البدو والحضر، فيسرعون في النهب; لذلك يتردّد في شعرهم صيحات الجزع والفقر والثورة، ويمتازون بالشجاعة والصبر وسرعة العدْو، وحين نرجع إلى أخبار الصعاليك نجدها حافلة بالحديث عن الفقر، فكلّ الصعاليك فقراء لانستثني منهم أحداً حتّى عروة بن الورد سيّد الصعاليك الذين كانوا يلجئون إليه كلّما قست عليهم الحياة ليجدوا مأوى حتّى يستغنوا، فالرواة يذكرون انّه كان صعلوكاً فقيراً مثلهم((2))، ومن هؤلاء:
ـ الشنفري الأزدي.
ـ تأبّط شرّاً.
ـ عروة بن الورد.
تأبّط شرّاً :
اسمه ثابت بن جابر. وسبب لقبه أنّه أخذ ذات يوم سيفاً تحت إبطه وخرج، وكان تأبّط شرّاً من الصعاليك حادّ البصر والسمع يلحق بالخيل، ويغزو على رجليه، وأنّه مات قتيلاً.
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان الحماسة / شرح يحيى التبريزي الخطيب: ج1، ص14. تاريخ الأدب العربي: ج1، ص101. شرح ديوان حماسة ابي تمام / تحقيق: الدكتور حسين محمّد نقشه: ج1، ص28. الذخائر والعبقريات / عبدالرحمن البرقوتي: ج2، ص232.
(2)شعراء الصعاليك في العصر الجاهلي / الدكتور يوسف خليف: ص26.
وأكثر شعره في الحماسة والفخر، ومن شعره في الفخر:
يا عبدُ ما لَكَ من شوق وايراقِ((1)) *****وَمَرِّ طيف على الأهوالِ طَرَّاقِ((2))
لا شيء أسرع منّي ليس ذا عُذرَ((3)) ***** وذا جَناح((4)) بجنبالرَيْد((5)) خَفّاقِ((6))
توفّي الشاعر تأبّط شرّاً عام 530 للميلاد.
عروة بن الورد :
عروة بن الورد من بني عبس، وكان من فرسان العرب، كان كريم الأخلاق عفيفاً صادقاً وفيّاً بالعهود، وقد فضّله بعضهم على حاتم في الكرم.
وأكثر شعره في الفخر والحماسة والنسيب. قال في الحثّ على الاغتراب في طلب الغنى:
ذريني للغنى أسعى فإنّي *****رأيتُ الناس شرُّهم الفقير
وأبعدهم وأهونهم عليهم ***** وإن أمسى له حسب وخِير((7))
توفّي ابن الورد سنة 596 للميلاد.
3 ـ شعراء آخرون:
وهناك أفراد من الشعراء في يثرب وغيرها من مدن الحجاز
ــــــــــــــــــــ
(1)الايراق: من الأرق.
(2)طرّاق: أي يطرقنا ليلاً.
(3)العذر: اللجام.
(4)ذا جناح خفاق: طائر سريع الطيران.
(5)الريد: الجبل.
(6)ديوان تأبط شرّاً / إعداد: طلال حرب: ص49. تاريخ الأدب العربي: ج1، ص109.
(7)ديوان عروة بن الورد / جمع وشرح: كرم البستاني: ص45. الذخائر والعبقريات: ج1، ص232.
والجزيرة العربية اعتنقوا اليهودية كالسموأل بن عاديا، أو النصرانية كقسّ بن ساعدة.
السَّموأَل :
هو السموأل بن عاديا صاحب الحصن المعروف، والعرب كانوا ينزلون عند السموأل ضيوفاً لأنّ السموأل عالي اللهجة وسريع النجدة. وسبب ضرب المثل عند العرب في قولهم «أوفى من السموأل» يعود إلى امرئ القيس التجأ إلى السموأل فأودعه درعه وأسلحته وابنته وذهب إلى القسطنطينيّة ليستنجد بقيصر الرومويسأله النصر على قَتَلة أبيه، وفي هذه الأثناء اُسر ابن السموأل الذي كان في الصيد من قِبل المنذر، فطلب المنذر من السموأل أن يسلّم الدرع والسلاح وابنة امرؤ القيس وإلاّ يضرب عنق ابن السموأل، فأبى السموأل ذلك فنفّذ المنذر وعيده((1)). ومن يطّلع على سيرة السموأل يحسّ شرفاً وإباءً بالاضافة إلى اندفاعه إلى المجد والفخر، وله قصيدة لاميّة مشهورة، يدعو إلى الأخذ بالمتعة والحياة دون التفكير فيها ولا في آلامها، وممّا جاء فيها قوله:
إذا المرءُ لم يَدْنَس مِنَ اللؤم عِرضَهُ ***** فكلُّ رِداء يَرتديه جميلُ
تُعيِّرُنا أنّا قليلٌ عديدنا ***** فقلتُ لها إنّ الكرامَ قليلُ
وما ضرّنا أنّا قليلٌ وجارُنا ***** عزيزٌ وجارُ الأكثرين ذلِيلُ
ونُنكِرُ إنْ شِئْنا على الناسِ قولَهمُ ***** ولا يُنكِرونَ القول حين نقُولُ
إذا سَيِّدٌ مِنّا خلا قامَ سَيِّدٌ ***** قؤُولٌ لِما قال الكِرامُ فعُولُ
وما اُخمدَتْ نارٌ لنا دُونَ طارق ***** ولا ذمَّنا في النازلينَ نَزِيلُ
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان السموأل / تحقيق: الدكتور واضح الصمد: ص34.
سلِي إِنْ جَهِلْتِ الناسَ عَنّا وَعنْهُمُ ***** وليسَ سواءً عالمٌ وَجَهُولُ((1))
توفّي ابن عاديا سنة 560هـ. ق.
قِسّ بن ساعدة الأيادي:
هو اُسقف نجران، وكان خطيبها البارع وحكيمها، ويتّصف بالزهد في الدنيا، وكان يحضر سوق عكاظ ويلقي الشعر.
يروى أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) رأى قسّ في سوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول((2)):
«أيّها الناس، اسمعوا وعوا إنّه من عاش مات، ومن مات فات، وكلّ ما هو آت آت... آيات محكمات: مطر ونبات وآباء واُمّهات، وذاهب وآت، ضوء وظلام، وبِر وآثام، لباسٌ ومركب، ومطعمٌ ومشرب، ونجومٌ تمور((3))، وبحورٌ لا تغور((4))، وسقف مرفوع، وليل داج((5))، وسماء ذاتأبراج((6))، ما لي أرى الناس يموتون ولا يرجعون... يا معشر إياد أين ثمود وعاد؟ وأين الآباء والأجداد؟
ومن نوادر شعره:
ــــــــــــــــــــ
(1)الجامع في تاريخ الأدب العربي / حنّا الفاخوري: ص283. ديوان السموأل: ص66. ديوان المروءة / شرح: الدكتور يوسف شكري فرحات: ص33. دراسات في الشعر العربي المعاصر / الدكتور شوقي ضيف: ص184. ثمرات الأوراق / علي بن محمّد بن حجّة الحموي: ص242. ديوان عروة والسموأل / جمع وشرح: كرم البستاني: ص90.
(2)البيان والتبيين / عمرو بن بحر الجاحظ: ص254.
(3)تمور: تتحرّك.
(4)تغور: تذهب.
(5)داج: مظلم.
(6)أبراج: منازل الكواكب في السماء.
وفي الذاهبين الأوّلينمن القرن لنا بصائر
لمّا رأيت موارداً ***** للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها ***** يمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي ولا ***** يبقى من الباقين غابر((1))
أيقنت أنّي لا محالة ***** حيث صار القوم صائر((2))
توفّي ابن ساعدة سنة 600 للميلاد.
ــــــــــــــــــــ
(1)غابر: باق.
(2)البيان والتبيين / الجاحظ: ج1، ص207.
[align=center]الفصـل الثالث[/align]
أهمّ شعراء المعلّقات
ـ امرؤ القيس
ـ عمرو بن كلثوم
ـ زهير بن أبي سُلمى
ـ طرفة بن العبد ونموذج من شعره
ـ عنترة بن شدّاد
[align=center]المعلّقات[/align]
تحتلّ المعلّقات المقام الأوّل بين قصائد الجاهلية.
هي قصائد طوال من أجود ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي. وقد زعم ابن عبد ربّه وابن رشيق وابن خلدون أنّها سبع قصائد، فكتبت بماء الذهب وعلّقت على أستار الكعبة، وسمّيت بـ: المعلّقات تارةً والمذهّبات تارةً اُخرى، وسمّيت بالسبع الطوال ثالثة وأيضاً بالسموط.
وقد ذهب الرواة إلى أنّ أوّل قصيدة نالت إعجاب المحكمين في سوق عكاظ هي معلّقة امرئ القيس.
أهمّ شعراء المعلّقات:
ونتحدّث عن:
1 ـ امرؤ القيس الكندي: لُقِّب بالملك الضليل، لقبٌ ذكر في نهج البلاغة، توفّي سنة 540م.
2 ـ طرفة بن العبد البكري: كان أقصرهم عمراً، اشتهر بالغزل والهجاء، توفّي سنة 569م.
3 ـ الحارث بن حلزة اليشكري: اشتهر بالفخر، وأطول الشعراء عمراً، توفّي سنة 580م.
4 ـ عمرو بن كلثوم: كان مشهوراً بالفخر، اُمّه ليلى بنت المهلهل، توفّي سنة 600م.
5 ـ علقمة الفحل: كان شاعراً بدوياً، توفّي سنة 603م.
6 ـ النابغة الذبياني: زعيم الشعراء في سوق عكاظ، توفّي سنة 604م.
7 ـ عنترة بن شدّاد العبسي: اشتهر بأنّه أحد فرسان العرب، وأكثر شعره بالغزل والحماسة، توفّي سنة 615م.
8 ـ زهير بن أبي سُلمى: كان أعفّهم قولاً، وأكثرهم حكمةً، ابنه كعب بن زهيرمن شعراء صدر الإسلام، توفّي زهير سنة 627م.
9 ـ الأعشى الأكبر (أعشى القيس)، أراد أن يلتحق بالإسلام فخدعه قومه حيث قالوا له: نعطيك مائة ناقة لكي تؤجّل إسلامك إلى السنة القادمة، فوافق، وبعد ستّة أشهر توفّي أي مات كافراً وذلك سنة 629م.
10 ـ لبيد بن ربيعة العامري: الوحيد الذي أسلم، وقال الشعر في العهد الجاهلي والإسلامي حيث قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد:
ألا كلّ شيء ما خلا ال*****له باطل وكلّ نعيم لا محالة زائل»((1))
فاستدرك رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال: إلاّ نعيم الآخرة.
يتبيّن لنا أنّ لبيداً كان من شعراء الجاهلية الأشراف، حيث أجمعت المصادر على أنّ لبيداً قال في الإسلام:
ــــــــــــــــــــ
(1)دول الإسلام / أبو عبدالله الذهبي: ص30. لبيد بن ربيعة العامري / الدكتور يحيى الجبوري: ص180.
الحمد للهِ إذْ لم يأتِني أجَلي *****حيث اكتسيتُ من الإسلام سربالاً((1))
وعندما تقدّم به السنّ كان رجل حكمة وموعظة ورزانة، لذا نلاحظ نماذج من غرر ما يتمثّل من الأبيات الشعرية المستحسنة للشاعر لبيد حين يقول:
وإذا رُمتَ رحيلاً فارْتحل ***** ْواعْصَ ما يأمرُ توصيمَ الكسلْ
واكْذبِ النَّفسَ إذا حدّثْتها ***** إن صدقَ النفس يُزري بالأملْ
وما المالُ والأهلونَ إلاّ وديعة ***** ولا بدَّ يوماً أن تُرَدَّ الودائع
وما المرؤ إلاّ كالشِّهابِ وضوئهِ ***** يحورُ رماداً بعد إذْ هو ساطعُ
كانت قناتي لا تلينُ لغامز ***** فألانها الإصْباح والإمْساءُ
ودعوتُ ربِّي بالسلامةِ جاهداً ***** ليُصحني فإذا السَّلامةُ داءُ
ذهبَ الذين يُعاشَ في أكنافِهم ***** وبقيتُ في خلَف كجلْدِ الأجْربِ((2))
وقد توفّي سنة 661م، وله من العمر أكثر من مائة سنة.
وفيما يلي نتحدّث عن خمسة من هؤلاء، مع ذِكر نماذج من شعرهم.
امرؤ القيس:
هو أبو الحارث جندج بن حجر الكندي، اُمّه اُخت المُهَلهَل وكليب. ولد في نجدسنة 500 ميلادي، وعاش في اللهو ونظم الشعر، فطرده أبوه; فسمّي بالأمير
ــــــــــــــــــــ
(1)المصدر المتقدّم: ص379. شرح نهج البلاغة / ميثم البحراني: ج1، ص45. الاشعاع القرآني في الشعر العربي / محمّد عبّاس الدرّاجي: ص12. من وحي الأدب العربي / ههفال محمّد أمين: ص109. الأمالي في الأدب الإسلامي / الدكتورة ابتسام مرهون الصفّار: ص33. منتخب من كتاب الشعراء / أحمد عبدالله: ص24. تاريخ الأدب العربي / أحمد حسن الزيّات: ص69.
(2)التمثيل والمحاضرة / عبدالملك الثعالبي: ص61.
الطريد، فراح يتنقّل بين الأحياء فلقّب بالملك الضّليل.
أجمع النقّاد بأنّه شاعر وجداني وله المنزلة الاُولى بين الشعراء الجاهليّين، حيث قالوا في معلّقته (قِفا نبكِ) التي تتكوّن من ثمانين بيتاً: إنّه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد، فهو أوّل شاعر أطال الوقوف على الأطلال وبكى، وإن كان قد سبقه الشاعر ابن جذام; لذلك فإنّه أمير لهو وصيد ومغامرات وبطل متشرّد.
عندما سمع بمقتل أبيه قال: «ضيّعني أبي صغيراً، وحمّلني دمه كبيراً»، فودّع اللهو والترف، فأخذ يستعدّ للمطالبة بالثأر.
لقد تفشّى في جسده داء الجدري وأودى بحياته سنة 540م.
ترجم ديوانه إلى اللاّتينيّة والألمانية.
المختار من شعره:
كان امرؤ القيس ذا نفس عاطفيّة شديدة الانفعال، فشعره يمتاز ببديع المعنى ودقّة النسيب ومقاربة الوصف، فمعلّقته تحتوي على الهمّ والغمّ والبكاء على الحبيب ومنزل الحبيب، وفيه الغزل العفيف والماجن، وفيه وصف الليل، خاصّة ونحن نعلم أنّ ابن البادية يزداد همّه في الليل، فتلاحظ في شعره اللهو والذي يحزّ في قلب الشاعر صفة التشرّد بعد حياة الترف التي أدّت إلى أن يسكب الشاعر عبرات تسيل على أقواله الغزليّة لتطغى حرارة حسراته فيقول:
قِفا نبكِ مِنْ ذكرى حبيب ومنزل *****ِبِسِقْطِ اللوى ((1))بين الدخول فحومل ِ((2))
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصاتِها ***** وقِيْعَانِهَا كأنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
كأَنِّي غَدَاةَ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا ***** لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنْظَلِ
ــــــــــــــــــــ
(1)اللوى: ما التوى من الرمل.
(2)حومل: اسم مكان.
وقوفاً بها صَحْبي عَليَّ مَطِيَّهُمْ ***** يَقُولونَ لا تَهْلِكْ أَسىً وَتَجَمَّلِ
فَدَعْ عَنْكَ شَيْئاً قَدْ مَضَى لِسَبِيْلِهِ ***** وَلكِنْ على ما غَالَكَ اليْوْمَ أَقْبلِ
وَقَفْتُ بِها حَتَّى إذا ما تَرَدَّدَتْ ***** عَمايَةُ مَحْزُون بِشَوْق مُوكَّلِ
وَإنَّ شِفَائي عَبْرَةٌ إِنْ سَفَحْتُها ***** وَهَلْ عِنْدَ رَسْم دارس مِنْ مُعَوَّلِ((1))
وقد يجمع امرؤ القيس في غزله وبوقت واحد المناجاة والعتاب والرجاء والذلّة والعزّة والرقّة، كما في قوله:
أفاطم مهلاً بعد هذا التَّدلّل ***** وإن كنت قد أزمعتِ صرمي فأجملي
أعزّكِ منّي أنّ حبكِ قاتلي ***** وأنّك مهما تأمري القلبَ يفعلِ
فقالت: يمين الله ما لك حيلةٌ ***** وما إن أرى عنك الغوايةَ تنجلَي((2))
أمّا شعره في الخيال والطبيعة يقول:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ((3))***** عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي((4))
فقلتُ له لما تمطّى بصلبه((5)) ***** وأردف إعجازاً((6)) وناءَ بكلكلِ((7))
ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي ***** بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيا لك من ليل كأنّ نجومه ***** بأمراسِ كَتَّان إلى صُمِّ جَندَلِ((8))
ــــــــــــــــــــ
(1)الموجز في الأدب العربي وتاريخه / حنّا الفاخوري: ج1، ص78.
(2)المصدر المتقدّم: ص186. أغاني الأغاني / جمع: الخوري يوسف عون: ص290.
(3)سدول: ستائر.
(4)ابتلاه: اختبره وجرّبه.
(5)تمطّى بصلبه: مدّ ظهره.
(6)إعجاز: مؤخّرة الجسم.
(7)بكلكل: الصدر.
(8)الموجز في الأدب العربي وتاريخه: ص183. تاريخ الشعر العربي / نجيب محمّد: ص95. أغاني الأغاني: ص290.
فامرؤ القيس في حياته وبعد مماته يُعدّ من كبار شعراء العرب وزعيم الشعر القديم.
ونلاحظه يصف الحياة بقوله:
مِكَرٍّ مِفرٍّ((1)) مُقبل مُدبر معاً ****** كجلمودِ صَخْر خَطَّهُ السَّيلُ من عَلِ((2))
عمرو بن كلثوم :
عمرو بن كلثوم بن مالك، من بني تَغلُب، اُمّه ليلى بنت المهَلهَل الشاعر.
وُلد عمرو بن كلثوم في مطلع القرن السادس للميلاد، وقيل: إنّه عاشمائة وخمسين عاماً، وكان فارساً شجاعاً معجباً بنفسه حيث «إنّه قَتلَ عمرو بن هندملك الحيرة في عام 570م، العام الذي وُلد فيه نبيّنا(صلى الله عليه وآله)»((3))، وقيل: إنّه مات قبل الإسلام.
عمرو بن كلثوم شاعر مطبوع يقال: إنّ معلّقته كانت تبلغ مائة بيت، وكانت تدور على الحماسة والفخر والهجاء والمدح والغزل وذكر الخمر ومخاطبة الحبيبة ووصفها، حيث إنّه اشتهر بمعلّقته نظراً لحسن لفظها وانسجام عبارتها وغلوّ فخرها.
شرح معلّقته الزوزني والتبريزي، وطبعت سنة 1819م، وقد تُرجمت إلى اللاّتينيّة والألمانية والإنكليزية والفرنسية.
المختار من معلّقته:
مطلع المعلّقة في الخمر والغزل:
ألا هُبّي بصبحكِ فاصبحينا ***** ولا تُبقي خمور الأندرينا((4))
ــــــــــــــــــــ
(1)مكر مفر: سريع الكرّ والفرّ.
(2)تاريخ الأدب العربي: ج1، ص119. الموجز في الأدب العربي وتاريخه: ص180.
(3)تاريخ الأدب العربي: ص142.
(4)الأندرينا: قرية بالشام.
قفي قبل التفرّق يا ظغينا ***** نخبركِ اليقين وتُخبرينا((1))
وله في مخاطبة عمرو بن هند بالوعد والوعيد والفخر:
أبا هند، فلا تعْجَلْ علينا ***** وأنظرنا نخبرْكَ اليقينا
بأنّا نُورد الراياتِ بيضاً ***** ونُصْدِرهنّ حُمْراً قد روَينا
وأيام لنا غُرٍّ طوال ***** عَصَيْنا المَلْكَ فيها ان نَدينا
وَرِثْنا المجدَ قد علمت مَعَدٌ ***** نُطاعن دونَه حتّى يَبِينا
وأنّا المانعون لما أردنا ***** وأنا النازلون بحيث شيناً * * *
ونشرب، إن وردنا الماء صفواً ***** ويشرب غيرنا كدراً وطيناً
على آثارنا بيضٌ حسانٌ ***** نحاذر أن تُقَسّم أو تهونا
تُهدّدنا وتوعدنا رُويداً ***** متى كُنّا لاُمّكَ مُقتوينا
ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا ***** فنجهل فوق جهل الجاهلينا((2))
ومن شعره في الخيال الملحمي، حيث يتّخذ الاُسلوب القصصي والتصوير الحسن حيث يقول:
ملأنا البرّ حتّى ضاق عنّا ***** وظهر البحر نملأه سفينا
لنا الدنيا ومن أضحى عليها ***** ونبطش حين نبطشُ قادرينا
ــــــــــــــــــــ
(1)شعر عمرو بن كلثوم / إعداد: طلال حرب: ص23. ديوان عمرو بن كلثوم: ص51.
(2)تاريخ الأدب العربي: ص145. شعر عمرو بن كلثوم: ص26. الجاهلية / الدكتور يحيى الجبوري: ص26. صناعة الكتابة / الدكتور رفيق خليل عطوي: ص114. الأساس في تاريخ الأدب العربي / أساتذة من الاُدباء: ص48.
إذا بلغ الفِطامُ لنا صبيٌّ ***** تخرّ له الجبابر ساجدينا((1))
توفّي عمرو بن كلثوم عام 570م((2))، وقيل 600((3)) للميلاد.
زهير بن أبي سُلمى :
ولد زهير في الحاجر سنة 520م، وعمّر 90 عاماً، وقيل 97 عاماً، قضاها رزيناً حليماً ناصحاً بما فيه الخير والسلام محبّاً للحقّ.
وقد ذهب المؤرّخون بأنّه كان نصرانياً لما رأوا في شعره من النزعة الدينية والإيمان بالبعث والحساب، وأكثر من ذلك الموعظة للكفّ عن الأخطاء والرجوع عن سفك الدماء.
وتوفّي زهير بن أبي سُلمى قبل مبعث رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أي قبل عام 610م.
أجمع النقّاد بأنّه لم يمدح أحداً إلاّ بما فيه، وبرعَ بالمديح، حيث امتاز مدحه بالصدق، وكثرت الحكمة في شعره. كما وتتّصف قصائده بالتنقيح والتهذيب، حتّى زعموا أنّه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر، وينقّحها في أربعة أشهر، ثمّ يعرضها على أصحابه في أربعة أشهر. فيتمّ قصيدته في حَوْل (عام كامل)، لذلك عُرفت قصيدته بالحوليّات.
المختار من شعر معلّقته:
فأقسمتُ بالبيت الّذي طافَ ***** رجالٌ بَنَوهُ من قريش وجُرهُمِ
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان عمرو بن كلثوم: ص71. تاريخ الأدب العربي: ص145. شعر عمرو بن كلثوم: ص26. المنهاج في الأدب العربي وتاريخه / عمر فرّوخ: ص24.
(2)شعر عمرو بن كلثوم: ص42.
(3)الجامع في تاريخ الأدب العربي: ص198.
يميناً لَنِعمَ السيّدان وُجدْتُها ***** على كلّ حال من سَحيل((1)) ومُبرمِ((2))
لقد نشبت حرب عُرفت بحرب داحس والغبراء دامت طويلاً، فقد حذر الفريقين (بنو أسد وغطفان) من شرِّ الخيانة وإضمار الحرب ووصف نتائجها المشؤومة، فيقول:
الا أبلغ الأحلاف عنّي رسالة ***** ًوذبيان: هل أقسمتم كل مُقسَمِ
فلا تكتمن الله ما في صدوركم ***** ليخفى ومهما تكتم الله يعْلم
وما الحرب إلاّ ما علمتم وذُقتمُ ***** وما هو عنها بالحديث المرجّمِ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً ***** وتَضرّ إذا ضربتموها فتضرمِ((3))
وممّا جاء في الحكمة:
ومن يجعل المعروف من دون عِرضه ***** يَفِرْهُ ومن لا يتّقِ الشتم يُشتم
ومن يجعل المعروف في غيرِ أهلهِ ***** يكُن حمدُهُ ذمّاً عليه ويَندمِ
لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده ***** فلم يبقَ إلاّ صورةُ اللحمِ والدمِ((4))
هكذا كان زهير، كان قاضي صلح، يصدر أحكامه شعراً، فهو يصِفُ صديقاً إلى غايته، وهو وصّافاً ماهراً، حيث تأخذ قصيدته بالمقدّمة وبالموضوع والخاتمة.
وقد شرح ديوانه مرّات، وفي عدّة أقطار من العالم.
-
(1)سحيل: الخيط الواحد ضدّ المبرم، وهو الخيط المفتول، ويستفاد من الأوّل الرخاء والضعف، والثاني الشدّة والقوّة.
(2)ديوان زهير بن أبي سُلمى / تحقيق: كرم البستاني: ص79.
(3)تاريخ الأدب العربي / الدكتور عمر فرّوخ: ج1، ص198.
(4)المصدر المتقدّم: ص199. شعر زهير بن أبي سُلمى / تحقيق: الدكتور فخرالدين قباوة: ص29.
توفّي ابن أبي سلمى سنة 627 للميلاد.
طرفة بن العبد :
ولد طرفة بالبحرين سنة 543م. اشتهر بالوصف ـوخاصّة وصف الناقةـ بالاضافة إلى الهجاء والعتاب والشكوى والغزل والحكمة.
كان طرفة أقصر فحول شعراء الجاهلية عمراً، حيث قُتل وهو دون الثلاثين، ولطرفة أبيات في الحكمة يصوّر ظلم قومه كالسيف القاطع حيث يقول:
وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً ***** على المرء من وقع الحسام المُهنَّدِ
ستُبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ***** ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّدِ((1))
ومن جيّد شعر طرفة في الهجاء:
وأعلمُ علماً ليس بالظنّ أنّه ***** إذا ذلّ مولى المرء فهو ذليلُ
وأنّ لسان المرء ما لم تكن له ***** حَصاة((2)) على عوراته((3)) لذليلُ((4))
عنترة بن شدّاد :
ابن شدّاد العبسي، أحد فرسان العرب ممّن يضرب به المثل في الشجاعة
ــــــــــــــــــــ
(1)أشعار الشعراء الستّة الجاهليّين / يوسف بن سليمان الشنتمري: ج1، ص57. تاريخ الأدب العربي / الدكتور عمر فرّوخ: ج1، ص140. صناعة الكتابة / الدكتور رفيق عطوي: ص37.
(2)حصاة: عقل.
(3)عوراته: الواحدة عورة، كلّ أمر يستحيا منه.
(4)ديوان طرفة بن العبد / تحقيق: كرم البستاني: ص81.
والنجدة. وُلد عنترة في نجد سنة 525م، واشتهر بالفخر والوصف والحماسة والغزل العفيف والمدح والرثاء، ومن آثاره ديوان شعره الذي يحتوي حوالي 1500 بيت، وفي معلّقته وصف ملحمي جميل بين الحبّ والحرب، وأشهر ما في معلّقته البالغة 79 بيتاً والتي مطلعها:
هل غادر الشعراء من مُتردّمِ ***** أم هل عَرَفْتَ الدار بعد توهُّمِ
ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ ***** مني وبيض الهِنْدِ تقطُرُ من دمي
فوددتُ تقبيلَ السيوف لأنّها ***** لَمَعَتْ كبارقِ ثغركِ المُتَبَسِّمِ((1))
وله واصفاً شخصيّته:
إنّي امرؤٌ سمحُ الخليقة ماجدلا أتبع النفسَ اللجوج هواها((2))
وعندما سُئل عن عبلة قال:
ولئن سألتَ بذلك عبلةَ خَبَّرتْ ***** أنْ لا اُريدُ من النساء سواها((3))
ــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الأدب العربي / الدكتور عمر فرّوخ: ج1، ص210.
(2)أشعار الشعراء الستّة الجاهليّين: ص163.
(3)المصدر المتقدّم: ص164.
[align=center]الفصـل الرابع [/align]
أهم الشعراء المخضرمين
ـ أبو طالب(رضي الله عنه)
ـ كعب بن زهير
ـ الخنساء
ـ حسّان بن ثابت
المخضرمون
جمع مخضرم، وهم من أدرك العهدين الجاهلي والإسلامي((1))، ويمتاز بتلك النفحة الدينيّة الذي تلمس به ارتياحاً شديداً إلى نعيم الآخرة، حيث استخدم الشاعر ألفاظاً لم تكن مألوفة من قبل على حقيقتها ومعانيها الأصلية، كما واكتسب الشعر نوعاً جديداً وهو الهجاء السياسي.
أشهر الشعراء المخضرمين:
1 ـ أبوطالب، : سيّدنا ومولانا شيخ البطحاء وسيّد الحجاز بعد أبيه، توفّي قبل الهجرة بثلاث سنين أي في آخر السنة العاشرة من مبعث الرسول(صلى الله عليه وآله).
2 ـ كعب بن زهير: بن أبي سلمى، توفّي سنة 26هـ.
3 ـ الخنساء، تماضر: بنت عمرو، توفّيت سنة 24هـ.
4 ـ لبيد بن ربيعة : بن مالك العامري، المتوفّى سنة 41هـ.
5 ـ الحُطيئة: (جرول بن أوس بن مالك العبسي)، المتوفّى نحو 45هـ، والذي لم يتأثّر بالإسلام كثيراً.
6 ـ حسّان بن ثابت : (شاعر الرسول(صلى الله عليه وآله))، توفّي سنة 50هـ.
ــــــــــــــــــــ
(1)إتحاف الأمجاد: ص65.
7 ـ النابغة الجعدي: (قيس بن عبدالله العامري)، توفّي سنة 50 هـ.
ونرى من الضروري ذكر شيء عن حياة بعضهم ونماذج من شعرهم.
أبو طالب : (رضي الله عنه)
اسمه: عبدمناف بن عبدالمطّلب بن هاشم، أمّا عمران فقد ذكر في الكتب القديمة، وهو اسم عبري غير عربي، وقد لُقّب بشيخ البطحاء، والبطحاء أرض مكّة. إذن هو سيّد الحجاز، وزعيم القوم بعد أبيه عبدالمطّلب، حيث استلم مسؤولية الكعبة وخدمة الحجّاج وحماية مكّة والحرم.
لقد اعتبرت بعض الفئات المتعصّبة بأنّ أبا طالب كافر ـ والعياذ بالله ـ بالرغم من وجود بعض المنصفين من أهل السنّة الذين يعتبرون أبا طالب مسلماً، وعندما ندرس التاريخ وبالأخصّ ما ذكره ابن عساكر في تاريخه، نلاحظ أنّ مكّة اُصيبت بقحط شديد، فقال القوم: يا أبا طالب، أقحَطَ الوادي، فهلمّ واستسقي، فذهب أبوطالب إلى الكعبة ومعه غلام كأنّه الشمس، فأسند ظهره بالكعبة ولاذ باصبعه حوله، فأقبل بوجهه إلى السماء، وأخذ يدعو، فأقبل السحاب((1))، في الحال من هنا وهناك. وانفجر الوادي ونزل المطر، وبدعاء أبي طالب وبشفاعة هذا الطفل الصغير الكبير استجابت السماء، حيث يقول(رضي الله عنه) في هذا المقام:
وأبيضُ يُستَسقى الغَمامُ بوجهِهِ ***** ثمالُ ((2)) اليتامى عِصمةٌ للأراملِ((3))
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان شيخ الأباطح أبي طالب / جمع: أبي هفان المهزمي: ص30. الغدير / الشيخ عبدالحسين الأميني: ج7، ص46.
(2)ذكر «ربيع اليتامى» بدل «ثمال اليتامى» في معجم الشعراء / الدكتور عفيف عبدالرحمن: ص134، وكذلك فيالبحار: ج18، ص3، وكذا في ديوان شيخالأباطح أبيطالب: ص30.
(3)شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد: ج3، ص311. الجوهرة في نسب النبيّ / ï ًمحمّد بن أبي بكر: ج2، ص37. الدرّة الغرّاء / جمع وتحقيق: باقر قرباني زرّين: ص125. الغدير: ج7، ص466. أبوطالب مؤمن قريش / عبدالله الخنيزي: ص412. إيمان أبي طالب / نجار بن معد الموسوي: ص315. السيرة النبوية لابن هشام / تحقيق: مصطفى السقّا: ج1، ص276.
يلوذُ به الهلالُ من آلِ هاشم ***** فهم عنده في نعمة وفواضلِ
بميزان قسط لا يُخِسّ شَعيرة ***** لهُ شاهدٌ من نفسه غير عائلِ((1))
فأيّده ربّ العباد بنصره ***** وأظهرَ ديناً حقّهُ غيرُ باطل((2))
ثمّ نلاحظه في الليلة التي وُلد فيها عليّ، أشرقت الأرض، فخرج أبوطالب وهو يقول: «أيّها النّاس، وُلد في الكعبة وليّ الله». فلمّا أصبح دخل الكعبة وهو يقول:
أيّها الناس:
ياربَّ هذا الغسقِ الدُجيّ *****ِوالقمرِ المُنبَلِجِ المُضيِّ
بَيِّنْ لنا من أمرِكَ الخفيِّ ***** ماذا ترى في إسم ذا الصبيِّ
وممّا يثبت أنّ قلبه طافح ممتلئ بالإيمان بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال:
إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي ***** عند ملَم الزمان والنُّوَب
لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما ***** أخي لاُمّي من بينهم وأبي
إنّ أبا معتب قد أسلمنا ***** ليس أبو معتب بذي حَدَب
والله لا أخذل النبيّ ولا ***** يخذله من بنيّ ذو حَسَب
حتّى ترون الرؤس طائحةً ***** منّا ومنكم هناك بالقضب
نحن وهذا النبيّ اُسرته ***** نضرب عنه الأعداء كالشهب
ــــــــــــــــــــ
(1)عائل: الحائل.
(2)السيرة النبوية لابن هشام: ص299. شعر أبي طالب وأخباره / عبدالله المهزمي: ص26. أبو طالب كفيل الرسول / سعيد عسيلي: ص196.
إن نلتموه بكلّ جمعكم ***** فنحن في الناس الأم العرب((1))
لذلك نلاحظ الإمام ابن أبي الحديد المعتزلي قال:
اختلف الناس في إيمان أبي طالب، فقالت الإمامية وأكثر الزيدية: ما مات إلاّ مسلماً، وقال بعض شيوخ المعتزلة بذلك، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي وأبو جعفر الإسكافي وغيرهما.
من هذا نتمكّن أن نقول: إنّ أبا طالب يعتبر المظلوم الأوّل في الإسلام، نظراً لتضحياته وجهاده في سبيل الإسلام. توفّي رضوان الله عليه في النصف من شهر شوّال في السنة العاشرة من مبعث الرسول(صلى الله عليه وآله) وسمّي بعام الحزن أي قبل الهجرة بثلاث سنين، أي في سنة 619 ميلادي((2)).
كعب بن زهير :
يعتبر كعب بن زهير بن أبي سلمى أحد فحول المخضرمين، وكانت له المكانة العالية والحظّ المرموق في الشعر والشهرة.
ولمّا ظهر الإسلام تأخّر كعب عن الدخول فيه، وعندما انتشر الإسلام دعاه رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى الإسلام فلم يُجبْه بالرغم من أنّ بُجير بن زهير أخا كعب استجاب لنداء الإسلام. نتيجةً لذلك غضب كعب على أخيه وهجاه، وهجا الإسلام
ــــــــــــــــــــ
(1)أبو طالب كفيل الرسول: ص213. تاريخ الأدب العربي / السيّد جعفر باقر الحسيني: ص329. أبو طالب مؤمن قريش: ص155.
(2)نهاية الارب / أحمد النويري: ج1، ص277. السيرة الحلبية / علي برهان: ج1، ص466. سيرة الذهبي / محمّد الذهبي: ص235. الكامل في التاريخ / ابن الأثير: ج1، ص507. السيرة النبوية لابن هشام: ج2، ص57. حياة النبيّ / الشيخ محمّد قوام الوشنوي: ج1، ص163.
والرسول(صلى الله عليه وآله)، فأهدر النبيّ(صلى الله عليه وآله) دمه، فراح يستجير بالقبائل، وما من مجير، ولـمّا ضاقت عليه الأرض في وجهه بعد أن استيأس من المجير والنصير جاء وتوسّل إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)وآمن بالدين الجديد وأنشد قصيدته «بانت سعاد» المعروفة بالبردة، والتي تتكوّن من 58 بيتاً، حيث تناولها العلماء والشعراء فشرحوها، منهم ابن دريد والتبريزي وابن هشام والباجوري. وقد طبعت أكثر من مرّة في برلين وباريس والقسطنطينيّة، وكذلك في بيروت، وتُرجمت كثيراً إلى اللاّتينيّة والفرنسية والألمانية والإنكليزية والإيطالية.
إنّ قصيدة البردة يمكن تقسيمها من حيث الأغراض إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ مقدّمة غزلية، كما هو عادة الشعراء الجاهليّين.
2 ـ وصف الناقة.
3 ـ الاعتذار ومدح رسول الله والمهاجرين، حيث ذهب إلى حسن التوسّل والتذلّل ووصف الجزع.
لاحظ عزيزنا القارئ كلمات هذا الشاعر الجذّابة، وهو يقول:
بَانَتْ((1)) سُعَادُ فقلْبِي اليومَ مَتْبُولُ((2))***** مُتَيّمٌ ((3)) إثْرَهَا لم يُجْزَ مَكْبُولُ((4))
وما سُعَادَ غَدَاةَ البَيْن إذ عَرَضَتُ ***** إلاّ أَغَنّ((5)) غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ((6))
وما تَدُومُ على العَهْدِ الذي زَعَمَتْ ***** إِلاّ كما تُمْسِكُ الماءَ الغَرَابِيلُ
ــــــــــــــــــــ
(1)بانت: فارقت.
(2)متبول: الذي ضعفه الحبّ.
(3)متيّم: الذي استولى عليه الهوى.
(4)مكبول: المقيّد.
(5)اغنّ: الذي في صوته غنّة.
(6)المكحول: من كان فيه كحل.
كانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوب لها مَثَلاً ***** وما مَوَاعِيدُه إلاّ الأباطيلُ
نُبِّئتْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ أَوْعَدَني ***** والعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ مَبْذُولُ((1))
مَهْلاً هَدَاكَ الذي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ الــ ***** ــقُرْآنِ فيها مواعيظٌ وَتَفْصِيلُ
لا تأْخُذَني بأَقْوَالِ الوُشاةِ، ولم ***** اُذْنِبْ ولو كَثُرَتْ فيَّ الأَقاويلُ
فلمّا بلغ قوله:
إنّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضاءَ به ***** وصارمٌ من سُيُوفِ اللهِ مَسْلُولُ((2))
في عُصْبَة من قُرَيْش قال قَائِلُهُمْ ***** بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسلَمُوا: زُولُوا((3))
زَالُوا، فما زالَأَنْكَاسٌ((4)) ولا كُشُفٌ((5)) ***** يَوْمَ اللِّقَاء ولا سُودٌ مَعَازِيلُ((6))
وقال في النصيحة:
لا تُفْشِ سِرِّكَ إلاّ عند ذي ثِقَة ***** أوْ لاَ، فأَفْضَلُ ما اسْتَوْدَعْتَ أَسرارا
صَدْراً رَحِيباً وقَلْباً واسِعاً صَمِتاً ***** لم تَخْشَ منه لِمَا اسْتَوْدَعْتَ إِظْهاراً ((7))
ــــــــــــــــــــ
(1)في: الاشعاع القرآني في الشعر العربي: ص12. في الأدب الديني: ص151. الوسيط في الأدب العربي وتاريخه / الشيخ أحمد الاسكندري ومصطفى عناني: ص153 «مأمول» بدل «مبذول».
(2)مسلول: منتزع.
(3)زولوا: زال يزول ذهب.
(4)النكس: الضعيف.
(5)الكشف: الذين ينهزمون عند أوّل صدمة.
(6)الأساس في السُّنّة / سعيد حوي: ج2، ص954. دراسات تطبيقيّة في الشعر العربي / الدكتور عبده بدوي: ص63. شعراء الرسول / وليد الأعظمي: ص299. ديوان كعب بن زهير / وضعه: الحسن بن الحسين السكري: ص12. تاريخ الأدب العربي: ج1، ص284. شرح ديوان كعب بن زهير / الحسن بن الحسين السكري: ص6. معازيل: الذي لا سلاح له.
(7)ديوان كعب بن زهير: ص188.
توفّي كعب بن زهير سنة 26هـ.
الخنساء :
هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد الملقّبة بالخنساء. وُلدت سنة 575م.
قُتل أخوها معاوية وصخراً في الجاهلية فحزنت عليهما حزناً شديداً، وجزعت عليهما وأخذت برثائهما وبالبكاء عليهما، وقد خصّت أخاها صخراً بدموعها السخيّة لما تحلّى به من الشجاعة والكرم والوفاء وبذل المال.
عاشت الخنساء ولها من العمر 89 سنة، واعتنقت الإسلام، حيث وفدت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنشدته من شعرها، وأسلمت بين يديه، هي وقومها مع بنيها، وقدّمت أولادها الأربعة في سبيل الإسلام، وحرّضتهم على الثبات في القتال حتّى قُتلوا. وعندما وصلها خبر مقتلهم هتفت: «الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم، وأرجو من ربّي أن يجمعني بهم في مستقرّ الرحمة»((1)). ويُذكر أنّها سُئلتْ عن عدم رثاء أولادها الأربعة ورثائها المستمرّ لاخوانها فقالت: أولادي أحسبهم عند الله، أما اخوتي فسيذهبون إلى النار. وممّا جاء في رثائها لصخر:
الا ما بعينيك أم مالها ***** لقد اخضلّ الدمع سربالها
ساحمل نفسي على خطّة ***** فأمّا عليها وأمّا لها
فإن تصبر النفس تلق السرور ***** وان تجزع النفس أشقى لها((2))
ــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الأدب العربي: ص260.
(2)تاريخ آداب اللغة العربية / جرجي زيدان: ج13، ص225. المجاني الحديثة / شرح: لجنة من الأساتذة: ج2، ص11. جمهرة أشعار العرب / محمّد بن أبي الخطّاب القرشي: ج2، ص789.
للخنساء ديوان شعر أكثره رثاء، طبع في بيروت، وتُرجم إلى الفرنسية، وطبع عدّة مرّات. وأخيراً طبع كتاب شرحه عدد من العلماء بعنوان «أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء»((1)).
ويُذكر أنّه قيل لجرير: «من أشعر الناس؟ قال: أنا لولا الخنساء»((2)).
كانت الخنساء تتذكّر صخراً عند طلوع الشمس وغروبها، فإذا طلعت تذكّرها بغارات صخر وعند غروب الشمس تذكّرها بضيافة صخر، حيث تقول:
يذكّرني طلوع الشمس صخراً ***** وأذكره لكلّ غروب شمس
وقد بلغت عاطفتها حدّاً كادت تؤدّي بحياتها لولا كثرة الباكين حولها على إخوانهم حيث قالت:
لولا كثرة الباكين حولي ***** على إخوانهم لقتلت نفسي
فلا والله ما أنساك حتّى ***** اُفارق مهجتي وينشقّ رمسي((3))
من هذا يتبيّن أنّ شعر الخنساء يجمع بين صور الشعر الجاهلي وصور الشعر الإسلامي((4))، والذي يمتاز بالسهولة واللين لأنّه فيه اُسلوب العاطفة الهائجة وحرارة الثورة والتي تنطلق من غير تكلّف، ونتمكّن من القول بأنّ شعر الخنساءهو شعر عاطفة فحسب.
توفّيت الخنساء سنة 24هـ.
ــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج1، ص319.
(2)أعلام النساء / عمر كحالة: ص360.
(3)شرح ديوان الخنساء / أبو العباس ثعلب: ص12. جواهر الأدب / السيّد أحمد الهاشمي: ج2، ص141. تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج1، ص318. الخالدات / محمود درويش: ص59. الأساس في تاريخ الأدب العربي: ص172.
(4)الخنساء في مرآة عصرها / إسماعيل القاضي: ج2، ص98.
حسّان بن ثابت :
هو حسّان بن ثابت بن المنذر الأنصاري الخزرجي، وُلد في المدينة في سنة 65 قبل الهجرة، وكان منصرفاً إلى اللهو، فوصف مجالس اللهو والخمر والغزل، وقد دافع عن قومه وافتخر بأمجادهم. وعندما ظهر الإسلام أسلم مع الأنصار فمدح الإسلام والنبيّ(صلى الله عليه وآله)، وقد دافع عن الدين الجديد ونظّم قصيدةً بمناسبة الغدير.
وقد ذكره المرحوم العلاّمة الأميني في كتابه «الغدير»، واستشهد بشعره الفصيح وأبياته البليغة، ومن شعره:
وأحسن منك لم تَرَ قطُّ عيني ***** وأحسن منك لم تلد النساءُ
خُلقتَ مبرءً من كلّ عيب ***** كأنّك قد خُلقتَ كما تشاءُ((1))
وقد أجاد في وصف النبيّ والرسالة الجديدة حيث يقول:
نبي أتانا بعد يأس وفترة ***** من الرسل والأوثان في الأرض تُعبدُ
فأمسى سراجاً مستنيراً وهادياً ***** يلوح كما لاح الصقيل المهنّدُ
وأنذرنا ناراً وبشّر جنّةً ***** وعلّمنا الإسلام فالله نحمَدُ
مع المصطفى أرجو بذلك جواره ***** وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد((2))
توفّي قبل سنة 40هـ، وقيل: سنة 50هـ، وقيل: سنة 54هـ، وهو ابن 120 سنة((3)).
ولا يخفى أنّ هناك عشرات الشعراء المخضرمين اكتفينا بذكر من ذكرنا منهم.
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان حسّان بن ثابت / شرح: عبد أ. مهنّا: ص21.
(2)الموجز في الأدب العربي وتاريخه: ج1، ص460. ديوان حسّان بن ثابت: ص54.
(3)تاريخ الصحابة / محمّد البستي: ص68. مشاهير علماء الأمصار / محمّد البستي: ص19. تقريب التهذيب / العسقلاني: ص161. تهذيب تهذيب الكمال / صفي الدين الخزرجي: ص306. مشاهير الشعراء والاُدباء / عبد أ. عليّ مهنّا وعلي نعيم خريس: ص13.
[align=center]الفصـل الخامس [/align]
عصر صدر الإسلام والخلفاء الراشدين
نبذة من حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله)
يثرب بعد وفاة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)
تاريخ الأدب في هذا العصر
1 ـ الكتاب (القرآن الكريم)
2 ـ السنّة الشريفة، وتشمل:
أ ـ حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله)
ب ـ أقوال أمير المؤمنين(عليه السلام)
ـ مواضيع نهج البلاغة
ـ شروحات نهج البلاغة
تاريخ أدب الخلفاء المتمثّل بعليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
نموذج من خطبة الإمام عليّ(عليه السلام) الخالية من الألف
نموذج من خطبة الإمام عليّ(عليه السلام) الخالية من النقط
نموذج من خطبة الزهراء(عليها السلام) في مسجد المدينة
[align=right]عصر صدر الإسلام
والخلفاء الراشدين[/align]
نبذة من حياة النبيّ(عليه السلام):
وُلد نبيّنا محمّد بن عبدالله بن عبدالمطّلب(صلى الله عليه وآله) في الثاني عشر من ربيع الأوّل عام الفيل، أي في سنة 570((1)) ميلادي، ونشأ فيها يتيماً. وفي السنة السادسة من عمره توفّيت اُمّه آمنة. ولمّا بلغ الخامسة والعشرين من عمره، تزوّج من خديجة بنت خويلد. وفي الأربعين من عمره الشريف اختاره الله سبحانه وتعالى لأداء رسالته وبعثه رسولاً إلى الناس أجمعين. وبعد ضيق واضطهاد أمره الله سبحانه وتعالى أن يهاجر إلى يثرب.
يثرب بعد وفاة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله):
في المدينة (يثرب) أصبح الإسلام دولة والمسلمين اُمّة. بعدها توفّي الرسول(صلى الله عليه وآله) وعقدت السقيفة، فبايعوا أبا بكر عبدالله بن أبي قحافة والرسول لم يُدفن. قضى أبوبكر سنتين في الخلافة، وخلّف أبو بكر بالخلافة عمر بن الخطّاب الذي دامت خلافته عشرسنوات، بعده عثمان بن عفّان الذي مكث في الخلافة اثنتي عشرة سنة.
ــــــــــــــــــــ
(1)وهو العام الذي جاء فيه ابرهة ملك الحبشة لهدم الكعبة، وكان يوم الاثنين 17 ربيع الأوّل.
وعندما قُتل تولّى الخلافة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فاستمرّ الاضطراب ونشب الخلاف حتّى استشهد في محرابه سنة 40هـ، أي في سنة 661 ميلادي.
لقد جاء الإسلام ليضع حدّاً للعصر الجاهلي بتفكيره الوثني وبأعرافه وتقاليده التي لا تنسجم مع مبادئ الدين الجديد إلاّ أنّ بعض مؤرّخي الأدب يغمضون أعينهم عن هذا الجانب لذلك كانت نتائج انبثاق الإسلام هو القضاء على العصبية القبلية وجعل المسلمين إخوة، لا فضل لأحدهم على الآخر إلاّ بالتقوى.
كما حاول القضاء على الفروق الاجتماعية بالزكاة. كما اتّجه المسلمون اتّجاهاً عقليّاً جديداً، ابتعدوا عن الخرافات، ثمّ أخذوا بالتفكير في معالجة اُمورهم.
وقد تميّز شعر هذه الفترة بالقوّة والحرارة في مشاعرهم الدينية والصدق والصراحة في التعبير والوضوح والسهولة، وتأثّرت معانيه وصياغته بالقرآن الكريم وفي السنّة الشريفة.
تاريخ الأدب في هذا العصر:
ويتضمّن تأريخ الأدب بالنسبة لهذا العصر:
1 ـ الكتاب (القرآن الكريم).
2 ـ السُّنّة الشريفة، وتشمل حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأحاديث أهل البيت(عليهم السلام).
1 ـ القرآن الكريم: هو كلام الله العزيز، نزل على رسوله الكريم(صلى الله عليه وآله) منجّماً. وقد شمل ذكر قصص الاُمم السابقة والمواعظ، إضافةً إلى الاحتجاج والحِكَم والأحكام والوعد والوعيد. إذن فهو يشمل اُصول الدين (من إيمان بلله وبالرسول وبالمعاد) واُصول الأحكام (من عبادات ومعاملات).
فالقرآن كان من أهمّ عوامل توحيد اللغة والتي أدّت إلى حفظ اللغة العربية حيّةً وعمّرت طويلاً. وهذا الفضل يعود للقرآن الكريم.
فقد اُحكمت آياته، فهو آية الله الدائمة، ومعجزته الخالدة، لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه، وهو الكتاب الوحيد المصون والمحفوظ من التحريف، والخالد لجميع العصور البشرية، عكس الإنجيل الذي حُرِّف.
(( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الاِْنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً ((1)).
كما أحدث القرآن الكريم علوماً وفنوناً شتّى، منها اللغة والنحو والصرف والقصّة والعَروض... وإلى غير ذلك.
2 ـ السُّنّة الشريفة: وتشمل حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأقوال الأئمّة(عليهم السلام).
أ ـ حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله):
هو المصدر الثاني من مصادر معرفة الشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم، وقد أمر الله سبحانه وتعالى باتّباع الرسول قال عزّ من قائل: (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ((2))، كما قال سبحانه: (( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ ((3)). لقد امتازت سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله)بأخلاق فاضلة من صدق الحديث والأمانة حتّى سمّوه بالصادق الأمين، وكانت تتجلّى بالحلم والصبر والعدل والتواضع والجود والشجاعة، فالحديث ما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) من قول قاله وكلّ ما وضّحه وفصّله لما جاء موجزاً أو مجملاً في النصوص القرآنية، والحديث ذو بلاغة رفيعة وروعة بيان، كما كان أثره في اللغة والأدب إذ وسّع المادة اللغوية بإدخال ألفاظ فقهيّة ودينيّة وتعبيرات جديدة. وكان(صلى الله عليه وآله) أفصح قومه لساناً، وأرجحهم عقلاً، وأصحّهم فهماً، وأعظمهم أمانةً، وأصدقهم حديثاً، وأكثرهم اتّصافاً بمكارم الأخلاق. ومن أحاديثه(صلى الله عليه وآله):
ــــــــــــــــــــ
(1)الإسراء: 88.
(2)الحشر: 7.
(3)النساء: 59.
[66]
1 ـ «أدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي»((1)).
2 ـ «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النّاسُ مِنْ يَدِهِ وَلِسانِهِ»((2)).
3 ـ «إنّما بُعثت لاُِتمّم مكارمَ الأخلاق»((3)).
4 ـ «اتّقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً»((4)).
5 ـ «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تَخُنْ مَنْ خانك»((5)).
ب ـ أقوال أمير المؤمنين علي(عليه السلام):
هو عليّ بن أبي طالب(عليه السلام); ابن عمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وزوج ابنته الزهراء(عليها السلام)، وُلدَ في الكعبة، وهو أوّل مَن آمنَ برسالة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وكان أفصح الناس في البيان وآية البراعة، فهو إمامُ الفصاحة وسيِّد البلغاء بعد سيّد الأنبياء(عليه السلام)، وفي حقّه قال الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله): «عليٌّ بابُ علمي»((6))، كما قال: «أكثر الصحابة
ــــــــــــــــــــ
(1)كنز العمّال / المتّقي الهندي: ج11، ص406. بحار الأنوار: ج16، ص210. مكاتيب الرسول / علي بن حسين الأحمدي: ص12.
(2)سنن النسائي: ج8، ص105. مسند أحمد: ج2، ص163. سنن الدارمي: ج2، ص300. صحيحالبخاري: ج1، ص8. صحيح مسلم: ج1، ص48. سنن ابن داود: ج1، ص556. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج1، ص149. معاني الأخبار / الصدوق: ص239. مشكاة الأنوار / الطبرسي: ص46. بحار الأنوار: ج67، ص60. المجموع الرائق من أزهار الحدائق / هبة الدين الموسوي: ج2، ص412.
(3)السنن الكبرى / البيهقي: ج10، ص192. كنز العمّال: ج11، ص420. بحار الأنوار: ج16، ص210. مستدرك الوسائل / الحرّ العاملي: ج11، ص187.
(4)مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: ج10، ص152. كنز العمّال: ج3، ص500. بحار الأنوار: ج12، ص71.
(5)سنن الدارمي: ج2، ص264. سنن ابن داود: ج2، ص150. سنن الحاكم / النيسابوري: ج2، ص46. السنن الكبرى: ج10، ص270. عوالي اللئالي / ابن جمهور الاحسائي: ج2، ص344. التهذيب: ج6، ص148. دعائم الإسلام: ج2، ص488.
(6)الصواعق المحرقة / ابن حجر العسقلاني: ص73.
علماً»((1)) وزهداً وشِدّةً في الحقّ بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والذي يطّلع على نهج البلاغة يلاحظ عوالم عديدة، عالم الزهد والتقوى والعرفان والعبادة والحكمة والفلسفة والنصح والموعظة والملاحِم والمغيّبات والسياسة والمسؤوليات وعالم الشجاعة وخاصّةً في الكنز الثمين في عهده(عليه السلام) لمالك الأشتر النخعي، حيث كان اسم عليّيتردّد على لسان كلّ مظلوم وحصناً يفزع إليه كلّ ضعيف، ومن أقواله(عليه السلام):
1 ـ «إِلـهي مَا عَبَدتُكَ خَوْفاً مِنْ نارِكَ، وَلاَ طَمَعاً فِي جَنَّتِكَ، لكن وَجَدتُكَ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدتُكَ»((2)).
2 ـ «هَلَكَ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال وَمُبْغِضٌ قَال»((3)).
3 ـ «أَفْضَلُ الْجِهادِ مُجاهَدَةُ الرَّجُلِ نَفْسَه»((4)).
4 ـ «قِيمَةُ كُلِّ امْرِىء مَا يُحْسِنُهُ»((5)).
5 ـ «إعمل لِدُنْيَاكَ كَأَنَّكَ تَعِيشُ أَبداً، واعمل لاِخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَمُوتُ غَدَاً»((6)).
الفرق بين اُسلوب الرسول(صلى الله عليه وآله) واُسلوب الأمير(عليه السلام):
استعمل أمير المؤمنين(عليه السلام)السجع أكثر من الرسول(صلى الله عليه وآله)، والسبب في ذلك هو أنّ الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) أراد أن يُبعد تهمة الشعر عنه، وأنّ القرآن الكريم يقول: [وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ ] ((7))، مع العلم أنّ العرب في عصر الجاهلية وصدر الإسلام
ــــــــــــــــــــ
(1)حياة الصحابة / الشيخ محمّد يوسف الكاندهلوي: ج3، ص256. البيان الجليّ / عيدروس بن أحمد الاندونيسي: ص108.
(2)بحار الأنوار: ج41، ص14.
(3)المصدر السابق: ج39، ص295.
(4)المصدر السابق: ج70، ص65.
(5)التهذيب: ج6، ص124.
(6)مستدرك الوسائل / نوري الطبرسي: ج1، ص146. وسائل الشيعة: ج17، ص76.
(7)يس: 69.
بلغوا ما بلغوا من الفصاحة والبلاغة ولا ينقصهم شيئاً، فوصفوه بالشاعر، والقرآن يذكر: [أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ
-
بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ] ((1))، وقد ردّ سبحانه وتعالى هذه التهمة بقوله: [أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُم بِهذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَللاَّ يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيث مِثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ] ((2)).
مواضيع نهج البلاغة:
يحتوي نهج البلاغة على الخطب في جميع المجالات التي تخصّ الدنيا والآخرة، وكذلك يبحث في عالم التقوى والعرفان والعبادة والفلسفة والموعظة والمغيّبات والحكمة والملاحم وغيرها من المواضيع الاُخرى ـكما مرّ ذلك قبل قليلـ.
كما يشتمل الوصايا والعهود لنظام الحكم والإدارة لعمّاله وعسكره بالإضافة إلى ذكر صفات المخلوقات والتحذير من الفتن والدعاء والانتقاد والشكوى والترغيب والإحسان والشفقة والعلاقة بين الراعي والرعيّة.
وقد ترجمت وصيّته لمالك الأشتر إلى عدّة لغات، والتي تخصّ اُمور الحياة السياسية والدينية والأخلاقية من حيث الحاكم والمحكوم والراعي والرعيّة.
إذن كلماته(عليه السلام) كانت مرآه الروح الإنسانية، لا ترى في كلامه ركاكة ولا تعسّفاً ولا قلقاً ولا تكلّفاً، وقد أجاد صفيّ الدين الحلّيّ قائلاً:
جُمعت في صفاتك الأضدادُ ***** ولهذا عزّت لك الأنداد ((3))
ــــــــــــــــــــ
(1)الطور: 30.
(2)الطور: الآيات 32 ـ 34.
(3)أعيان الشيعة / السيّد محسن الأمين: ج8، ص22. صفي الدين الحلّي / إعداد: ضحى عبدالعزيز: ص24.
[69]
شروحات نهج البلاغة:
1 ـ من الشيعة:
أ ـ شرح الشيخ العلاّمة ميثم البحراني، المتوفّى سنة 679هـ، وهو من قدماء الشيعة والمعاصر للمحقّق الحلّي، والشيخ الكفعمي.
ب ـ العلاّمة الشيخ ميرزا حبيب الله الخوئي، المتوفّى سنة 1324هـ.
2 ـ من السنّة:
أ ـ شرح ابن أبي الحديد المعتزلي المتوفّى سنة 655هـ والذي عشق أمير المؤمنين(عليه السلام)، وله قول مأثور كُتب على ضريح أمير المؤمنين(عليه السلام) بماء الذهب:
والله لولا حيدرٌ ما كانت الدنيا ***** ولا جمع البريّة مجمع
ب ـ شرح الشيخ محمّد عبده، المتوفّى سنة 1323هـ، شيخ الجامع الأزهر، وتلميذ السيّد جمال الدين الأسدآبادي، المتوفّى سنة 1897م.
إذن، نحن ندرس تأريخ أدب الخلفاء الراشدين من سنة 11هـ، من توطئة السقيفة وانتهاءً باستشهاد أمير المؤمنين(عليه السلام) في محرابه بالكوفة في 21 رمضان، سنة 40 هجرية. وبدون تعصّب حتّى المخالف يقول: عليّ بن أبي طالب هو الأدب وهو أبو اللغة.
نحن لا نتعصّب لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) لغرض أن نظلم الآخرين، فهو(عليه السلام)في بُعدِ نظره موضع استشارة الخلفاء، وهو في عمله باب مدينة علم النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وقد روت العامّة والخاصّة قول النبيّ الكريم(صلى الله عليه وآله): «أفضلكم عليّ»((1)) فمثلاً سُئل أبو بكر عن قوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً )((2)) فلم يعرف معنى الأَبّ فبلغ أمير المؤمنين(عليه السلام)ذلك
ــــــــــــــــــــ
(1)الجامع الصغير / السيوطي: ج1، ص58. حجج النهج / الدكتور سعيد السامرائي: ص34.
(2)عبس: 31.
فأجاب(عليه السلام): هو الكلأ والمرعى((1)). وذكر في صحيح مسلم 1/232 أنّ شريح بن هاني قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفّين فقالت: عليك بابن أبي طالب فسأله»((2)).
كما نُقل عن أنس أنّ عمر بن الخطّاب أيام خلافته سُئِل عن تفسير الآية الكريمة: (فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً)((3))، قال عمر: كلّ هذا عرفناه فما الأب؟ حيث جاء لأمير المؤمنين(عليه السلام)فأجابه بأنّ الآية التي بعدها تفسِّرها (لَّكُمْ وَلاَْنْعَامِكُمْ)((4)) وهو عطف للأنعام((5)).
وفي مواقف كثيرة مشابهة عندما يعجز عمر عن حلّ بعض المسائل المستعصية كان الإمام علي(عليه السلام) يجيب عليها، وكان يقول: «لولا عليّ لهلك عمر»، كذلك يقول: «لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن»((6))، حيث نجد كثير من المصادر والمراجع المعتبرة تنقل عن أبي هريرة قول عمر: عليٌّ أقضانا((7))، وربّما يتبادر إلى الذهن هل كان الإمام عليّ(عليه السلام) مؤهّلاً للخلافة أم لا؟ فإذا كان مؤهّلاً أكثر من غيره فلماذا تمّ الأمر لغيره نتيجة لِما حدث في مؤامرة السقيفة. نلاحظه(عليه السلام) عالج مشاكل الاُمّة بأعصاب هادئة وترك الاُمور تأخذ مجراها حرصاً على وحدة المسلمين من التصدّع.
إذن، نحن لمّا نذكر أدب الخلفاء الراشدين فإنّا نعني عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)فقط،
ــــــــــــــــــــ
(1)الإرشاد / الشيخ المفيد: ص107.
(2)البيان الجليّ / عيدروس بن أحمد الأندونيسي: ص167.
(3)تفسير الميزان / السيّد محمّد حسين الطباطبائي: ج10، ص211.
(4)عبس: 32.
(5)الدرّ المنثور / السيوطي: ج8، ص418.
(6)الإرشاد: ص109. عليّ إمام المتّقين / عبدالرحمن الشرقاوي: ج1، ص94.
(7)تاريخ الخلفاء / السيوطي: ص170.
وقد قيل في وصفه(عليه السلام): استغناؤه عن الكلّ واحتياج الكلّ إليه دليل علىأنّه إمام الكلّ.
كما قال ابن أبي الحديد في شرحه: وأمّا الفصاحة فهو(عليه السلام) إمام الفصحاء وسيّد البلغاء. وكذلك قال حول كلامه وفصاحته(عليه السلام) بعد كلام وفصاحة الرسول(صلى الله عليه وآله): كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق ((1)).
نموذج من خطبة الإمام عليّ(عليه السلام) الخالية من الألف:
وقد ذكر أنّه اجتمعت الصحابة فتذاكروا الحروف وأجمعوا أنّ الألف أكثر دخولاً في الكلام، فارتجل(عليه السلام) تلك الخطبة الطويلة والخالية من حرف الألف وبدأ(عليه السلام)قائلاً:
«حَمِدْتُ مَنْ عَظُمَتْ مِنَّتُهُ، وَسَبَغَتْ نِعْمَتُهُ، وَسَبَقَتْ غَضَبَهُ رَحْمَتُهُ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُهُ، وَنَفَذَتْ مَشِيَّتُهُ، وَبَلَغَتْ قَضِيَّتُهُ.
حَمِدْتُهُ حَمْدَ مُقِرٍّ بِرُبُوبيَّتِهِ، مُتَخَضِّع لِعُبُودِيَّتِهِ، مُتَنَصِّل مِنْ خَطِيئتِهِ، مُتَفَرِّد بِتَوْحِيدِهِ، مُؤَمِّل مِنْهُ مَغْفِرَةً تُنْجِيهِ يَوْمَ يَشْغَلُ عَنْ فَصِيلَتِهِ وَبَنِيهِ.
وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَرْشِدُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنُؤْمِنُ بِهِ وَنَتَوكَّلُ عَلَيْهِ... وَشَهِدْتُ بِبَعْثِ مُحَمَّدرَسُولِهِ وَعْبِدِهِ وَصَفِيّهِ وَنَبِيّهِ وَنَجِيّهِ وَحَبِيبِهِ وَخَلِيلِهِ، بَعَثَهُ فِي خَيْرِ عَصْر... فَلْيَتَضرَّعُ مُتَضَرِّعُكُمْ، وَلْيَبْتَهِلْ مُبْتَهِلُكُمْ، وَيَسْتَغْفِرَ كُلُّ مَرْبُوب مِنْكُمْ لِي وَلَكُمْ، وَحَسْبِيَ رَبِّي وَحْدَهُ...»((2)) إلى آخر الخطبة الشريفة.
نموذج من خطبة الإمام عليّ(عليه السلام) الخالية من النقط:
وبعد ذلك رأوا أنّه لا بدّ من وجود النقطة في الكلام، فارتجل(عليه السلام) خطبة طويلة
ــــــــــــــــــــ
(1)أعلام نهج البلاغة / المحقّق علي بن ناصر السرخسي: ص7.
(2)قضاء أمير المؤمنين(عليه السلام) / الشيخ محمّد تقي التستري: ص76 ـ 79. عليّ من المهد إلى اللحد / محمّد كاظم القزويني: ص210 ـ 214. الإمام عليّ منتهى الكمال البشري / عباس علي الموسوي: ص112. الإمام عليّ رسالة وعدالة / الشيخ خليل ياسين: ص176.
خالية من النقط، نذكر منها بعض المقاطع:
«الْحَمْدُ للهِِ أَهل الْحَمْدِ وَمَأْواهُ، وَلَهُ أَوْكَدُ الْحَمْدِ وَأَحْلاَهُ، وَأَسْرعُ الْحَمْدِ وَأَسراهُ، وَأَطْهرُ الْحَمْدِ وَأَسْماهُ، وَأَكْرمُ الْحَمْدِ وَأَوْلاَهُ... الْحَمْدُ للهِِ الْمَلِكِ الْمَحْمُودِ، الْمَالِكِ الْوَدُودِ، مُصَوِّرِ كُلِّ مَوْلُود، وَمَوْئِلِ كُلِّ مَطْرُود، وَسَاطِحِ الْمِهَادِ، وَمُوَطِّدِ الاَْطْوادِ، وَمُرْسِلِ الاَْمْطَارِ، وَمُسَهِّلِ الاَْوْطَارِ، عَالِمِ الاَْسْرارِ وَمُدْرِكِهَا، وَمُدَمِّرِ الاَْمْلاَكِ وَمُهْلِكِهَا، وَمُكَوِّرِ الدُّهُورِ وَمُكَرِّرِهَا، وَمُورِّدِ الاُْمُورِ وَمُصَدِّرِهَا، عَمَّ سَماءَهُ، وَكَمَّلَ رُكَامَهَ وَهَمَلَ، وَطَاوَعَ السَّؤالَ وَالاَْمَلَ، وَأَوْسَعَ الرَّمْلَ وَأَرْمَلَ... أَرْسَلَ مُحَمَّداً عَلَماً لِلاِْسْلاَمِ، وَإِماماً لِلْحُكّامِ، مُسَدِّداً لِلرُّعاعِ... إِعْملُوا رَحمكُمْ اللهُ أَصْلَحَ الاَْعْمَالِ، وَاسْلُكُوا مَصالِحَ الْحَلاَلِ، وَاطْرَحُوا الْحَرامَ وَدَعُوهُ، وَاسْمَعُوا أَمْرَ اللهِ وَعُوهُ، وَصِلُوا الاَْرْحَامَ وَرَاعُوها، وَعَاصُوا الاَْهْواءَ وَارْدَعُوها...
وَلَهُ الْحَمْدُ السَّرْمَدُ، وَالْمَدْحُ لِرَسُولِهِ أَحْمَدَ...»((1)) إلى آخر الخطبة.
لقد بلغ الإمام عليّ(عليه السلام) القمّة في المواقف العبادية والبطولية واستعداده للتضحيّة لتطبيق أحكام الله، كما كان آيةً قاهرةً لله في عباده وعمدٌ في الحرب وسيف لا يرجع إلاّ بعد أن يأخذ قسطه من أداء الحقّ في سبيل الله، فهو السيف الصادق واللسان المعبّر، ولكن بعد إعلان مؤامرة السقيفة نجده(عليه السلام) لزم عقر داره، فما امتنع عن إعطاء الرأي عندما كان الخلفاء يطلبون رأيه، وبنفس الوقت نجده يقول: «لَوْلاَ الدين والتُّقى لكنت أدهى العرب»((2)). لقد ساهم بالقتال وساهم بالمشورة وساهم بدعم الإسلام لأنّ الأمر أكبر من كرسيّ يترجرج ويذهب بعد غد.
كان في قمّة خلافته يسكن في كوخ سقفه من البواري والحصير، وقد شاء الله
ــــــــــــــــــــ
(1)قضاء أمير المؤمنين(عليه السلام): ص80. عليّ من المهد إلى اللحد: ص115.
(2)تاريخ التشريع الإسلامي / الدكتور عبدالهادي الفضلي: ص55. الكافي / محمّد بن يعقوب الكليني: ج8، ص24.
لهذا الكوخ أن يتحوّل إلى قُبّة شامخة من الذهب، فقد عجز الإنسان عن الوصول إلى مقامه العظيم ولكن تلك الشخصيّة الفذّة حيّرت ذلك الإنسان إذ يقول الصاحب بن عبّاد:
وقالوا: عليّ علا قلتُ: لا ***** فإنّ العُلى بعليّ عَلا
ولكن أقولُ كقول النبيّ ***** وقد جمع الخلق كلّ الملا
ألا أنّ من كنت مولىً له ***** يوالي عليّاً وإلاّ فلا ((1))
لقد سجّل تأريخ المسلمين بصورة عامّة ولادة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في الكعبة، ولم تقتصر روايته على الشيعة فقط بل رواه جمهور المسلمين بقولهم لم يولد من قبله ولا من بعده مولود قطّ في الكعبة، وفي هذا المعنى يقول عبد الباقي العمري:
أنتَ العليُّ الذي فوق العُلى رُفعَ ***** ببطن مَكَّةً وسطَ البيتِ إذْ وضعا
وأنتَ حيدرةُ الغابِ الذي أَسدُ ***** البُرجِ السماوِي عنه خاسئاً رجعا
وأنت أنتَ الذي حُطَّتْ له قدمٌ ***** في موضع يده الرحمن قد وَضَعا
سمَّتكَ اُمُّكَ بنتَ الليث حيدرةً ***** أكرِم بلبوةِ ليث أنجبت سبعا((2))
وفي مناقب ابن شهرآشوب ذكر السيّد الحميري المتوفّى سنة 179هـ:
ولدته في حرم الإله وأمنه ***** والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة ***** طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلة غابت نحوس نجومها ***** وبدا مع القمر المنير الأسعد
ما لُفّ في خرق القوابل مثله ***** إلاّ ابن آمنة النبيّ محمّد((3))
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان الصاحب بن عبّاد / تحقيق الشيخ محمّد حسن آل ياسين: ص260.
(2)أعيان الشيعة: ج1، ص561. ديوان عبد الباقي العمري / صحّحه: عثمان المولوي: ص96. الترياق الفاروقي / تقديم: عبدالهادي الفضلي: ص97.
(3)أعيان الشيعة: ج3، ص421.
نموذج من خطبة الزهراء(عليها السلام) في مسجد المدينة:
ورد عن عائشة وهي تقول: «ما رأيت أحداً من خلق الله أشبه حديثاً وكلاماً برسول اللهصلّى الله عليه (وآله) وسلّم من فاطمة»((1)).
تعتبر شخصيّة فاطمة(عليها السلام) مثال المرأة التي يريدها الله سبحانه وتعالى، فهي القدوة والمثال الحليّ في كلّ زمان ومكان، فقد ورد في كتب الحديث والسِيَر أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) كان يقول: «فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها»((2)). وفاطمة سيّدة نساء العالمين، أبوها رسول الله، واُمّها خديجة بنت خويلد أسبق النساء إلى الإسلام والإيمان، أمّا زوجها فهو قطب من أقطاب الفكر عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وقد أنجبت ريحانتين هما الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة، لفّتهما بِبُردة جدّهما(صلى الله عليه وآله).
أي وسام فريد تحمله هذه السيّدة، فهل هناك امرأة من النساء تضاهيها. كان تُكنّى(عليها السلام) بـ«اُمّ أبيها»((3))، والتي كانت سلوة أبيها في تحمّل أعباء المسؤولية ومواجهة المحن والشدائد خاصّة بعد وفاة اُمّها وأبي طالب رضوان الله عليهما، حامي الرسول(صلى الله عليه وآله).
لقد كانت(عليها السلام) ربيبة العلم والزهد والحلم والصبر. ويروي حذيفة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله ) قال: «أتاني ملك فبشّرني أنّ فاطمة سيّدة نساء الجنّة ونساء اُمّتي»((4)).
مرّت الأيام تطوي الليل وقد عاشت حياة الظلم والقهر حيث خيّمت على حياتها سُحب من الهموم والحزن بالأخصّ بعد وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله).
وبعد الزوال بقليل بلغ صوتها القوم، حيث ألقتْ تلك الخطبة الطويلة، والتي
ــــــــــــــــــــ
(1)العقد الفريد / ابن عبد ربّه: ج3، ص194.
(2)الإصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر: ج4، ص378. مجمع الزوائد: ج9، ص203.
(3)المصدر المتقدّم: ص377.
(4)مناقب آل أبي طالب / محمّد بن عليّ بن شهرآشوب: ج3، ص370.
كانت في غاية من الفصاحة والبلاغة والشجاعة وقوّة الحجّة في المسجد بحشد من المهاجرين والأنصار والتي ذكرتها كتب الحديث والسِيَر والتي تواترت عن العلماء بأسانيدهم، وبمختلف مذاهبهم. وقد جاء فيها:
«الْحَمْدُ للهِِ عَلى ما أَنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ عَلى ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِمَا قَدَّمَ...
وَأَشْهَدُ أَن لاَ إِلـهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الاْخْلاَصَ تَأْوِيلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها...
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ... فَجَعَلَ اللهُ الاْيمانَ تَطْهِيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاَةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الْكِبْرِ، وَالزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنِماءً فِي الرِّزْقِ، وَالصِّيامَ تَثْبِيتاً لِلاْخْلاَصِ، وَالْحَجَّ تَشْييداً لِلدِّينِ، وَالْعَدْلَ تَنْسِيقاً لِلْقُلُوبِ، وَطَاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ، وَإِمامَتَنا أَماناً لِلْفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزّاً لِلاْسْلاَمِ وذلاًّ لاَِهْلِ الْكُفْرِ وَالنِّفاقِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلى اسْتِيجابِ الاَْجْرِ، وَالاَْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ مَصْلِحَةً لِلْعَامَّةِ، وَبِرَّ الْوالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ، وَصِلَةَ الاَْرْحَامِ مَنْسأةً فِي الْعُمْرِ، وَالْقِصاصَ حِقْناً((1)) لِلدِّماءِ...».
ثمّ قالت(عليها السلام): أَيُّهَا النَّاسُ، إِعْلَمُوا أَنِّي فَاطِمَةُ، وَأَبِي مُحَمَّدٌ(صلى الله عليه وآله)، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً((2))، وَلاَ أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً، وَلاَ أَفْعَلُ مَا أَفْعَلُ شَطَطاً((3)) (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ((4)) حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)((5))...
ثمّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت: يا مَعْشَرَ الْفِتيةِ وَأَعْضَادَ الْمِلَّةِ، وَحَصَنَةَ
ــــــــــــــــــــ
(1)حقناً: حفظاً.
(2)عوداً وبدءاً: آخراً وأوّلاً.
(3)شططاً: تباعداً عن الحقّ.
(4)عنتّم ـمن العناءـ: المشقّة.
(5)التوبة: 128.
الاْسْلاَمِ، ما هذِهِ الْغُميزةُ((1)) فِي حَقِّي والسِّنَةُ((2)) عَنْ ظُلاَمَتِي؟ أَما كَانَ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله)أَبِي يَقُولُ: «الْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ» سُرْعانَ ما أَحْدثْتُمْ... (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ)((3)) وَأَنا إِبْنَةُ نَذِير لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٌ شَدِيدٌ، فَاعْمَلُوا إِنّا عَامِلُونَ، وَانْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ»((4)).
وقد رثاها من الشعراء عبد الحسين الاُزري، فقال في قصيدته الطويلة:
تركوا عَهْدَ أحمد في أخيه ***** وأذاقوا البتول ما أشجاها
فدعتْ واشتكتْ إلى الله شكوى ***** والرواسي تهتزّ من شكواها
ولأيّ الاُمور تُدفنُ سِرّاً ***** بضعة المصطفى ويُعفى ثراها
فمضتْ وهم أعظم الناس وجداً ***** في فم الدهر غُصّة من جداها
وثوتْ لا يرى لها الناس مثوى ***** أيّ قدس يضمّه مثواها((5))
ــــــــــــــــــــ
(1)الغُميزة: ضعف العمل أو العقل.
(2)السّنَة: الغفلة.
(3)الشعراء: 227.
(4)بلاغات النساء / ابن طيفور: ص16. المجالس السنيّة / السيّد محسن الأمين: ج5، ص107.
(5)المجالس السنيّة: ص136. وفاة الصدّيقة الزهراء / عبدالرزاق المُقرّم: ص112.
[align=center]الفصـل السادس[/align]
أشهر الشعراء
أنواع الأدب في هذا العصر
الغزل
1 ـ الغزل الماجن
2 ـ الغزل العفيف
أشهر شعراء الغزل العفيف
ـ قيس بن المُلوَّح
ـ جميل بثينة
ـ كُثيِّر عَزَّة
الحياة
والحضارية الاُموية
40 ـ 132هـ
لقد اتّسمت حياة العرب في الجاهلية على العصبية القبلية، فلمّا بزغ نور الإسلام ذابت بعض هذه العصبيات وحلّ محلّها الانتماء إلى الجماعة الإسلامية من ناحية، ومن ناحية اُخرى شغلت الفتوحات الإسلامية قسماً من الشعراء اللامعين، حيث اُرسيت اُسس الدولة الإسلامية الجديدة حاملة مبادئ الدين الجديد.
وفي الوقت نفسه نلاحظ القسم الآخر من الشعراء الُمخضرمين ظلّوا طيلة بداية عهد الإسلام حتّى زمن معاوية ومروان بن الحكم، متمسّكين بعصبياتهم الجاهلية وإصرارهم على خذلان الدين الجديد، بالرغم من إسلامهم العلني وعدم إيمانهم به اضطراراً أو تكسّباً.
لذلك ظهرت هذه العصبية الجاهلية المكبوتة على يد جماعة من الشعراء، عاشت في ظلّ الحكم القبلي العشائري، وبالأخصّ زمن دولة آل مروان من بني اُميّة كـ: (الحطيئة، وجرير، والأخطل، ونصيب، والأحوص، والطرمّاح). فقسّمت الاُمّة إلى سنّة وشيعة وخوارج ومُرجِئَة، وهذه الفرقة الأخيرة كانت من الاُمويّين «وقالوا إنّنا نطيع الخليفة ولو كان فاسقاً ونرجئ أمره إلى الله، فالله هو
الذي يتولّى أمره»((1)).
من ناحية اُخرى فقد بنى الاُمويّون المدن أمثال مدينة واسط بين الكوفةوالبصرة ومدينة اللُّدّ في فلسطين، كذلك بنيت القصور الخاصّة في بادية الشاموقصور للاستجمام والاصطياف، كلّ هذا نتيجة تدفّق الأموال من أنحاء البلاد المفتوحة إلى الشام، فكثُر الترف وخصوصاً بين اُمراء البيت المالك (الاُموي)، وقامت مجالس اللهو والغناء واللعب بآلات القمار إضافة إلى كثرة الشراب والفساد.
أشهر الشعراء:
قيس بن الملوّح : قيس بن الملوّح بن مزاحم............ ت سنة 68هـ
أبو الأسود الدؤلي : ظالم بن سفيان ...................ت سنة 69هـ
عبيد الله القرشي : عبيد الله قيس الرقيات ............ت سنة 75هـ
أبو صخر الهُذلي : عبد الله بن سلمة السهمي ...........ت سنة 80هـ
ليلى الأخيلية : ليلى بنت عبد الله................... ت سنة 80هـ
جميل بثينة : جميل بن عبد الله بن معمر ...............ت سنة 82هـ
أعشى همدان : عبد الرحمن بن عبد الله .................ت سنة 83هـ
أعشى بن أبي ربيعة : عبد الله بن خارجة ...............ت سنة 85هـ
عمران بن حطان : عمران بن حطان البكري ................ت سنة 89هـ
مسكين الدارمي : ربيعة بن عامر .......................ت سنة 90هـ
عمرو بن أبي ربيعة : عمر بن عبد الله................. ت سنة 93هـ
الأخطل : غياث بن غوث ................................ت سنة 95هـ
عمر بن عبد العزيز : عمر بن عبد العزيز بن مروان .....ت سنة 101هـ
ــــــــــــــــــــ
(1)الفَرق بين الفِرق / عبد القاهر البغدادي: ص19.
الأحوص: عبد الله بن محمّد .........................ت سنة 105هـ
كثير عزّة : كثير بن عبد الرحمن ....................ت سنة 105هـ
الفرزدق : همام بن غالب ............................ت سنة 110هـ
جرير : جرير بن عطية ...............................ت سنة 111هـ
ذو الرمّة : غيلان بن عقبة .........................ت سنة 117هـ
الطرمّاح : الطرمّاح بن حكيم .......................ت سنة 125هـ
الكميت : الكميت بن زيد الأسدي..................... ت سنة 126هـ
الوليد بن يزيد : الوليد بن يزيد بن عبد الملك ......ت سنة 126هـ
يزيد بن الوليد : يزيد بن الوليد بن عبد الملك ......ت سنة 126هـ
واصل بن عطاء : واصل بن عطاء الغزّال............... ت سنة 131هـ
عبد الحميد الكاتب : عبد الحميد بن يحيى ............ت سنة 132هـ
خالد بن صفوان : خالد بن صفوان بن عبد الله......... ت سنة 133هـ
أنواع الأدب في هذا العصر:
يمكننا أن نقسّم الأدب في هذا العصر إلى ثلاثة أقسام:
[align=center]القسم الأوّل:[/align]
الغزل بنوعيه، الغزل الماجن والغزل العفيف، مع نماذج شعرية من كلا النوعين. وسنكتفي في هذا الفصل بالتحدّث عن هذا القسم إن شاء الله تعالى.
[align=center]القسم الثاني: [/align]
أدب الطفّ (عاشوراء) ويشمل نماذج من أقوال الإمام الحسينوأهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه، بالإضافة إلى نماذج مختارة من أقوال مسؤولين من المعسكر الاُموي، مضافاً إلى ذلك نصوص قيلت بعد واقعة الطفّ. وهذا ما سنتحدّث عنه في الفصل القادم.
[align=center]القسم الثالث: [/align]
الأدب والشعر السياسي الديني، والذي يحتوي على:
1 ـ شعر الشيعة: ويتمثّل بشعر الشاعر الكميت الأسدي.
2 ـ شعر الخوارج: ويتمثّل هذا النوع بشعر عمران بن حطّان الذي مدح ابن ملجم على ضربته لإمام المتّقين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في محراب الكوفة.
3 ـ شعر المرجئة: وهم اُمويّون قالوا إنّنا نطيع الخليفة ولو كان فاسقاً ونرجئ أمره إلى الله فالله هو الذي يتولّى حسابه، ويمثّل هذا الجناح الأخطل المشهور بالخمريات، والحطيئة وجرير، إضافة إلى الفرزدق الذي كان يتردّد على البلاط الاُموي لسدّ ودفع التهمة ولكنّه في آخر عمره قرّر مصيره مع أهل البيت(عليهم السلام).
وهذا ما سنتناوله في الفصل الثامن من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
القسم الأوّل: الغــزل
لقد انحدر الغزل الاُموي من الغزل الجاهلي، والفارق هو أنّ الغزل في القصيدة الجاهلية كان غرضاً من أغراض القصيدة يأتي في أبيات، ثمّ ينتقل إلى غرض آخر في نفس القصيدة. أمّا في العصر الاُموي فقد أصبح الغزل يختصّ في قصيدة كاملة، فلا يذكر الشاعر في قصيدته غير الغزل. ويمكن تقسيم الغزل إلى نوعين:
1 ـ الغزل المـاجن ( الغزل الحضري ):
فهو غزل إباحي. وكثر مثل هذا الغزل في الحضر حيث المدينة والحضارة والثروة (إِنَّ الاِْنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَآهُ اسْتَغْنَى )((1))، حيث اجتمع اليأس مع وفرة الثروة فانتجا اللهو والإسراف. وساعد على ذلك كثرة الرقيق وانتشار ضروب الملاهي والغناء والموسيقى، حيث توجد فضائح في البلاط الاُموي نُشرت في الكتب الأدبية والتي تعكس شرب الخمر والزنا وغيرها من المفاسد وأشعار الفسق والفجور من قِبل اُمراء الاُمويّين لا يمكن ذكرها، كالذي يفعله الوليد بن
ــــــــــــــــــــ
(1)العلق: 6 ـ 7.
عبد الملك، فقد كان في بلاطه حوضاً مملوءً بالشراب (الخمر) فكان يغتسل داخل هذا الحوض ويرتكب الزنا. ثمّ إنّ التاريخ يحدّثنا أنّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك لمّا عهدت له الخلافة كان منهمكاً في اللهو والشراب وسماع الغناء، مستهتراً بالمعاصي منتهكاً للحرمات زنديقاً. وكانت له أشعار في المجون، حيث قيل إنّه استفتح في القرآن فاتّفقت له الآية الكريمة:(وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّار عَنِيد)((1))، فألقى المصحف من يده ورماه بسهم ثمّ أنشد:
تُهدّدُني بجبار عنيد ***** نعم أنا ذاك جبارٌ عنيد
إذا ما جئت ربّك يوم حشر ***** فقل يا ربّ خرقني الوليد((2))
كلّ هذه المظاهر الفاسدة والخارجة عن الإسلام وباسم الإسلام، بينما نلاحظ الجانب الآخر بيوت بني هاشم، يُسمع القرآن والبكاء والاستغفار حيث يذكرهم القرآن: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)((3)).
ومن أشهر شعراء الغزل الماجن، عمر بن أبي ربيعة والأحوص والوليد بن يزيد. إنّ عمر بن أبي ربيعة كان يعشق هند (هند غير هند اُمّ معاوية) حيث قال:
كُلّما قلتُ متى ميعادُنا ***** ضحِكَتْ هندٌ وقالت بعد غد((4))
2 ـ الغزل العفيف ( العذري ):
كثر مثل هذا الشعر في البدو حيث الخيمة والفقر، فقد اجتمع الفقر والحرمان، وعفّت النفس واللسان. ويلقّبون شعراء هذا النوع من الغزل بشعراء العشّاق حيث
ــــــــــــــــــــ
(1)إبراهيم: 15.
-
(2)تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج1، ص693.
(3)الأحزاب: 33.
(4)ديوان الحبّ والغزل / إعداد: اميل ناصيف: 96.
كانوا يعيشون في نجد مجاور الحجاز، لذا سمّيت نجد بأرض العشّاق، ويمتاز شعرهم بالعفّة والعذوبة، وأنّه سهل مُحبّب إلى النفس الإنسانية.
وأشهر شعراء العشّاق:
أ ـ قيس بن الملوّح، يُذكر اسمه مع بنت عمّه ليلى العامرية، واشتهر بمجنون ليلى.
ب ـ جميل، وله شعر في بثينة، ولأجل ذلك سمّي بـ (جميل بثينة).
جـ ـ كُثَيِّر، كان يحبّ ويعشق عزّة.
د ـ عروة في عفراء، له شعر فيها.
هـ ـ توبة له شعر في ليلى الأخيلية، وهما شاعران.
وهناك شعراء كثيرون في هذا المجال، نكتفي بذكر ثلاثة منهم:
كُثَيِّر عزّة :
اسمه كَثِير بفتح الكاف وكسر الثاء ولفرط قِصَرِه سمّي بِكُثيِّر. وُلد في عام 23هـ بالحجاز، وكان يرعى الأغنام، ويروى أنّه اعتنق مذهب الكيسانيّة((1))، وقد اختلف في تاريخ وفاته، والأرجح أنّه توفّي سنة 105((2)).
إنّ المتتبّع لاُسلوب وألفاظ كُثيّر يجدها تتباين بين الوضوح والغرابة والسهولة والتعقيد. يحتوي ديوانه على أكثر الأغراض الشعرية ولكن أبرزها شعره الغزلي العذري والذي ينبع من الطبيعة البدوية الصافية وبُعدها عن ترف المدن.
المختار من شعره:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا ***** قُلُوصيكما ((3)) ثمّ ابكيا حيثُ حلّت
ــــــــــــــــــــ
(1)حديث الأربعاء / الدكتور طه حسين: ج1، ص286. تاريخ الأدب العربي: ج1، ص617.
(2)تاريخ الأدب العربي: ج1، ص618.
(3)القلوص: الشابّة من الإبل.
وما كنت أدري قبل عَزَّة ما البُكا ***** ولا مُوجعاتُ القلب حتّى تَوَلَّتِ((1))
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ***** كناذرة((2)) نذراً فأوفت((3)) وحلَّتِ((4))
فقلتُ لها يا عَزُّ كُلُّ مصيبَة ***** إذا وُطِّنَتْ يوماً لها النفس ذَلَّتِ
فلا يَحسبِ الواشون أنّ صبابتي ***** بعزَّةَ كانت غمْرةً((5)) فتجلَّتِ((6))
فواللهِ ثمَّ واللهِ لا حلَّ بعدها ***** ولا قبلها من خُلّة حيث حلَّتِ
تمنَّيتُها حتّى إذا ما رأيتُها ***** رأيتُ المنايا شَرعاً قد أظلَّتِ((7))
قيس بن الملوّح :
قيس بن الملوّح، أو قيس بن معاذ (مجنون ليلى)، ويقولون إنّه كان مجنون بني عامر أو إنّه مجنون بني جَعْدة.
شعر قيس:
دخل الأدب الفارسي والهندي والاردو والآداب الاُخرى، حيث تُرجم إلى لغات عديدة. ولذا حوّلوا مجنون ليلى إلى اُسطورة ورمز للحبّ العرفاني، بينما كان في الواقع حبّ بشري حقيقي. ومن أشهر من كتب وأبدع في قصّة مجنون ليلى جاميونظامي. وقد تركت قصّة مجنون ليلى أثراً عظيماً في الأدبين الفارسي والتركي. روي
ــــــــــــــــــــ
(1)حتّى تولّت: حتّى أصبحت.
(2)الناذرة: التي أقسمت.
(3)أوفت: نفذت.
(4)حلَّتْ: خرجت من إحرامها.
(5)غمرة: شدّة.
(6)تجلَّتْ: انكشفت، زال أثرها.
(7)حديث الأربعاء: ج2، ص296. معجم السفر / أحمد بن محمّد السلفي: ص407. ديوان كثير عزّة / شرح: مجيد طراد: ص54. الأغاني / أبو الفرج الاصفهاني: ج1، ص29.
إنّه كان إذا اشتدّ شوقه إلى ليلى يمرّ على آثار المنازل التي كانت تسكنها فتارةً يقبّلها وتارة يبكي وينشد هذين البيتين:
أَمُرُّ على الديارِ، دِيار ليلى ***** اُقبِّلُ ذا الجِدارَ وذَا الجدارا
وما حبُّ الديارِ شغفنَ قلبي ***** ولكن حُبُّ مَنْ سكن الديارا((1))
وهذه القصيدة الغزلية المشهورة ردٌّ على الذين يقولون لماذا أنتم تقبّلون أضرحة الأئمّة(عليهم السلام)؟!
ويروى أنّ والد قيس بعد أن قضى نسكه جمع أعمامه وأخواله فلاموه وقالوا: لا خير لك في ليلى ولا لها فيك، فأنشا يقول:
وقد لامني في حبّ ليلى أقاربٌ ***** أبي وابن عمِّي وابنُ خالي وخاليا((2))
أرى أهل ليلى لا يريدون بيعها ***** بشيء ولا أهلي يريدونها لِيا
ألا يا حماماتِ العراق أعِنَّني ***** على شجني وابكين مثل بُكائيا
يقولون ليلى بالعراق مريضةٌ ***** فيا ليتني كنتُ الطبيب المداويا
فيا عجباً ممّن يلومُ على الهوى ***** فتىً دنفاً((3)) أمسى منالصبر عاريا((4))
فإن تمنعوا ليلى وتحموا بِلادها ***** عليَّ فلن تحموا على القوافيا((5))
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان مجنون ليلى / شرح: يوسف فرحات: ص113. المعجم المفصّل في شواهد النحو الشعرية / الدكتور اميل بديع يعقوب: ج10، ص63. خزانة الأدب / عبدالقادر بن عمر البغدادي: ج4، ص227. المنازل والديار / اُسامة بن منقذ: ص351. مجلّة المورد: المجلد 12، العدد 3، ص350.
(2)الأغاني: ج2، ص36.
(3)دنفاً: مريضاً مرضاً ملازماً، والفتى هو قيس الذي أمسى من الصبر عارياً.
(4)ديوان قيس بن الملوّح، برواية الوالبي: ص38.
(5)تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج1، ص438. ديوان الحبّ والغزل: ص54.
وقال أيضاً:
ألا قاتَلَ الله الهوى ما أشدّه ***** وأسرعه للمرءِ وهو جليدُ
دعاني الهوى من نحوها فأجبته ***** فأصبح بي يستن((1)) حيث يريدُ((2))
توفّي قيس سنة 68هـ.
جميل بثينة :
جميل بن عبد الله بن معمر العُذري. وُلد بالحجاز سنة 40هـ (660 ميلادي)، كان يميل إلى حبّ ابنة عمّه واسمها بثينة، لذا عُرف بجميل بثينة، فقال فيها الشعر، حيث إنّ شعره فصيح ورقيق سهل التراكيب وواضح المعاني، ذكره حسّان بن ثابتوقال: «جميل أشعر أهل الجاهلية والإسلام، والله ما لأحد منهم مثل هجائه ونسيبه»((3)). وجميع شعره في الغزل إلاّ مقاطع شعرية قليلة قالها في هجاء زوج بثينة وقومها((4)).
قال في بثينة:
فلو أرسلَتْ يوماً بُثينة تبْتغي ***** يميني وإن عزَّت عليَّ يميني
لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها ***** وقلتُ لها بعد اليمين سَلِيني((5))
وخلاصة القول: إنّ شعر الغزل كان على أوصاف جَمَّة، فمنه الهجران والفراق وألم
ــــــــــــــــــــ
(1)يستن: يذهب.
(2)ديوان قيس بن الملوّح: ص103.
(3)ديوان جميل بثينة / تحقيق: نوري عطوي: ص13.
(4)الأغاني: ج8، ص122، ديوان جميل بثينة / تحقيق وشرح: حسين نصّار: ص167.
(5)ديوان جميل بثينة / جمع: الدكتور اميل بديع يعقوب: ص205.
الرحيل والمشيب، فمن الغزل ما هو تقليدي بدوي يترسّم به الأقدمون من وقوف على الأطلال وذكر أماكن البدو، ومنه الجديد المترف حيث تحسّ فيه عاطفيّة الشاعر المتوفّرة، حيث يصف عواطف نفسه وأهواءها وشجُونها، ويصف اللقاء والوداع، إضافةً إلى وصفه مجالس اللهو والاُنس والخمر والحبيب.
توفّي جميل بثينة سنة 82هـ.
[align=center]الفصـل السابع [/align]
القسم الثاني
نماذج منه :
1 ـ على لسان الإمام الحسين(عليه السلام)
2 ـ على لسان أهل بيته(عليهم السلام)
3 ـ على لسان أصحابه
4 ـ على لسان معسكر العدوّ
4 ـ نماذج قيلت بعد واقعة الطفّ
مصادر أدب الطفّ
الكتب والمصادر لهذه الواقعة
السنوات والحوادث المهمّة
أدب الطفّ (عاشوراء)
لقد تناسى أو تجاهل بعض كتّاب الأدب العربي أمثال طه حسين وغيره من الشخصيّات اللامعة في عالم الأدب التطرّق إلى أدب الطفّ.
ولا ننكر أنّ الكاتب المصري عبّاس محمود العقّاد تناول الحوار الذي دار بين المحورين محور الحقّ المتمثّل بالحسين(عليه السلام) ومحور الباطل المتمثّل بمعسكر يزيد.
لذا نجِدُ لِزاماً علينا أن ننوّه إلى كثرة المغالطات وإصرار الأحكام الباطلة والتعسّف في معالجة الأحداث التأريخية، فمثلاً يعتبرون رفض زينب بنت إسحاقبالزواج من يزيد وموافقتها بالزواج من الحسين كان سبب التنافس والخصومة بين الإمام(عليه السلام)ويزيد، وإلى غيرها من الوقائع والأباطيل كما سيجد القارئ الكريم وكلّ المنصفين نماذج من النصوص النثرية والشعرية والتي لا يستغني تاريخ الأدب ولا ينفصل عنها، ولا يمكن لهذا التاريخ أن يهمل ذلك الكنز العظيم من التراث الأدبي العريق من واقعة الطفّ.
وبالرغم من كلّ هذا يجدر الإشارة بأنّه لم يجرأ أحد من الشعراء مدح الحسين(عليه السلام)أيام الحكم الاُموي فضلاً من أنّ هذه الحالة اشتدّت في منتصف حكم بني العبّاس، باستثناء بعض الذين قالوا أبياتاً معدودةً في الخفاء.
فلقد تبارى الشعراء في رثائه(عليه السلام) فأكثروا وأجادوا في الفترات التي أعقبت
الحكم الاُموي فالمكانة السامية لشخصيّة الحسين(عليه السلام) والتي لا يصل أحد إليها، ومصيبته العظمى وفاجعته الكبرى والتي لم يشهد التاريخ أفدح وأشنع منها، لذا وجب علينا أن نتعرّف على ماهيّة أدب الطفّ فنقول: إنّ أدب الطفّ يشمل:
1 ـ ما نُسب إلى الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه منذ بداية حركتهم من المدينةإلى كربلاء ثمّ إلى الشام وانتهاءً بالمدينة، وكذلك ما نُسب إلى معسكر العدوّ من شعر ونثر.
2 ـ ما قيل في واقعة الطفّ من شعر وخطابة بعد تلك الواقعة إلى يومنا هذا.
وسوف نورد نماذج لكلا القسمين.
أ ـ نحن نعلم أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) نشأ بين يدي أفصح من نطق بالضاد ـالرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) وكذلك بين يدي أمير المؤمنين(عليه السلام)ـ لذا كان كلامه(عليه السلام) وفصاحته كالسيل الهادر، وكان إباؤه للضيم وشجاعته ومقاومته للظلم درساً ونبراساً لكلّ الأحرار.
فقد أعلن الإمام الحسين(عليه السلام) في بيانه الأوّل: «أَلاَ وَإِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الَّدعِي قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ: بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَةِ. وَهَيْهاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ. يَأْبَى اللهُ لَنا ذلِكَ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»((1)).
وفي وصيّة له(عليه السلام) لابنه علي زين العابدين(عليه السلام) والتي تعتبر وصيّة للبشرية كافّة حيث يقول السجّاد(عليه السلام): لمّا جاء أبي يودّعني، احتضنني وعانقني فأحسست أنّ الدم يفور في صدره; إذ قال: يا بنيّ، إيّاك وظلم من لا يجد غير الله ناصراً»((2)).
وفي رواية أنّ الحسين بن علي(عليه السلام) خاطب أنصار المعسكر الاُموي قائلاً:
ــــــــــــــــــــ
(1)مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) / جمع: الشيخ عزيز الله العطاردي: ج1، ص524. موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) / إعداد: لجنة الحديث تحقيقات باقر العلوم: ص433. الملحمة الحسينيّة / الاُستاذ مرتضى المطهري: ج3، ص337.
(2)موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام): ص488. بحار الأنوار: ج46، ص153.
«يا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيانَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وَكُنْتُمْ لاَ تَخافُونَ الْمَعادَ فَكُونُوا أَحْراراً في دُنْياكُمْ، وَارْجِعُوا إِلى أَحْسابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ عَرَباً كَما تَزْعُمُونَ»((1)).
فقد تناسى القوم أنّهم يقاتلون ريحانة الرسول وسيّد شباب أهل الجنّة لكن نجد الإمام الحسين(عليه السلام) خاطبهم باُسلوب آخر حيث قال: «لا والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرُّ قرار العبيد»((2)).
لقد أقدم(عليه السلام) على الموت مقدّماً نفسه وأولاده وأهل بيته للقتل في سبيل دين جدّه بكلّ سخاء وعدم تردّد، لذا نجد أبا الفضل بن أمير المؤمنين(عليهما السلام) يقول:
والله إن قطعتم يميني ***** انّي اُحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقينِ ***** نجل النبيّ الطاهر الأمين((3))
ثمّ ننتقل إلى لون آخر وإذا بعقيلة بني هاشم السيّدة زينب(عليها السلام) تقف وكأنّها البركان وهي تقول:
«أَمّا بَعْدُ يا أَهْلَ الْكُوفَةِ، يا أَهْلَ الْخَتْلِ وَالْغَدْرِ، أَتَبْكُونَ فَلا رَقَأَتِ الدَّمْعَة، وَلا هَدَأَتِ الونَّة... وَيْلَكُمْ أَتَدْرُونَ أَيَّ كَبِد لِرَسُولِ اللهِ فَرَيتُمْ؟! وَأَيَّ كَريمَة لَهُ أَبْرَزْتُمْ؟! وَأَيَّ حُرْمَة لَهُ هَتَكْتُمْ؟! وَأَيَّ دَم لَهُ سَفَكْتُمْ؟!...»((4)).
ــــــــــــــــــــ
(1)لمعات الحسين(عليه السلام) / السيّد محمّد الحسين الطهراني: ص47. موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام): ص503.
(2)تاريخ الاُمم والملوك / محمّد بن جرير الطبري: ج4، ص323. في رحاب السيّدة زينب / محمّد بن بحرالعلوم: ص139.
(3)مقتل الحسين(عليه السلام) / لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف: ص179. الملحمة الحسينية: ج1، ص49. مناقب آل أبي طالب: ج4، ص108. ينابيع المودّة / الحافظ سليمان القندوزي الحنفي: ج2، ص165.
(4)عوالم العلوم والمعارف والأحوال / الشيخ عبدالله البحراني: ص378. مسند الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين: ج2، ص225. أعلام النساء المؤمنات / محمّد الحسون ï ًو اُمّ علي مشكور: ص388. السيّدة زينب بطلة التاريخ / باقر شريف القرشي: ص265. خطيبات الشيعة / مريم حكمت نيا: ص145.
هكذا سيبقى المنطق الزينبي يتحدّى الباطل وستبقى مدرسة الحسين(عليه السلام) تتّسع وتنتشر في الأرض.
كما ويروى أنّ زوجة جُنادة بن الحارث أمرت ولدها عمر، وهو شاب أن ينصر الحسين(عليه السلام)، وعندما ذهب لنصرة إمامه قتل وحزّ رأسه، قالت اُمّه:
أنا عجوزٌ سيّدي ضعيفة ***** خاوية باليةٌ نحيفة
أضربُكم بضربة عنيفة ***** دون بني فاطمة الشريفة((1))
وهناك نماذج من أقوال أحد أفراد معسكر العدوّ وهو عبد يغوث كان مأموراً بقتل الحسين(عليه السلام)، يتكلّم حول ذكرياته ويصف الحسين(عليه السلام) في لحظاته الأخيرة والذي كان مطروحاً في تلك الحفرة (المنخفض) قال:
«كنت واقفاً نحو الحسين وهو يجود بنفسه، فوالله ما رأيت قتيلاً مضمّخاً بدمه أنور منه، ولقد شغلني نور وجهه عن النظر في قتله وهو في هذه الحالة إذ استستقى ماء فأبوا أن يسقوه».
وفي رواية اُخرى: إنّ سنان بن أنس النخعي جاء إلى باب ابن زياد وبيده الرأس الشريف وأنشأ يقول:
أوقر ركابي فضّةً أو ذهبا ***** ًإنّي قتلت السيّد المحجّبا
قتلت خير الناس اُمّاً وأباً ***** وخيرهم إذ ينسبون نسباً((2))
ــــــــــــــــــــ
(1)مقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي / تحقيق: الشيخ محمّد السماوي: ج2، ص22. الملحمة الحسينية: ص235. موسوعة كلمات الإمام الحسين(عليه السلام): ص458. مناقب آل أبي طالب: ص104.
(2)الجوهرة في نسب النبيّ: ج2، ص217. تاريخ الاُمم والملوك: ص347. ï ًمقتل الحسين(عليه السلام) / لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف: ص202. ينابيع المودّة: ص178. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة / علي بن عيسى الأربلي: ج2، ص262. الحسين من خلال القرآن الكريم / الدكتور عبد الرسول الغفّار: ص261. جمل من أنساب الأشراف / أحمد بن يحيى البلاذري: ج3، ص1336.
ثمّ نلاحظ عبيد الله بن زياد وهو يخاطب السيّدة عقيلة بني هاشم زينب بنت علي(عليهما السلام) ويقول: الْحَمْدُ للهِِ الَّذي قَتَلَكُمْ فَضَحَكُمْ وَأَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ!!.
هذه مجموعة من النصوص التي نقلناها من معسكر الثورة الحسينية ونصوص اُخرى نقلناها من البيت الاُموي.
ب ـ ونتطرق قليلاً لنماذج ا ُخرى قيلت بعد واقعة عاشوراء فنلاحظ ما نظمه العالم الفقيه والأديب الشريف الرضي، المتوفّى سنة 406هـ في بغداد، وهو مثقل بالألم والحزن بقصيدته التي بلغت اثنين وستّين بيتاً في رثاء جدّه الحسين(عليه السلام) بقوله:
كربلاء لا زلتِ كَرباً وبَلاما لقي عِندكِ آلُ المُصطفى
كم على تُربك لمّا صُرّعوا ***** من دم سالَ ومن دمع جَرى
ووجوهاً كالمصابيح فمن ***** قمر غاب ونجم هوى
لم يذوقوا الماء حتّى اجتمعوا ***** بِحدى السيف على ورد الردى
* * *
قتلوهُ بعد علم مِنْهُمُ ***** أنّه خامسُ أصحاب الكِسا
غسلوه بدم الطعن وما ***** كفنوه غيرَ بَوْغَاء الثرى
لو رسولُ الله يحيى بعدَهُ ***** قَعَدَ اليومَ عليه للعَزا
يا قتيلاً فَوّضَ الدَّهرُ به ***** عُمُد الدين وأعلام الهدى((1))
ــــــــــــــــــــ
(1)ديوان الشريف الرضي / تصنيف: محمّد بن حسين: ج1، ص44. تاريخ النياحة / السيّد صالح الشهرستاني: ج2، ص18. تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج3، ص62. من لايحضره الخطيب / داخل السيّد حسن: ص178.
لقد تفاوتت مستويات الذين نظموا في حقّ ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) حيث لايمكن حصرهم، لذا نجد محمّد بن إدريس المعروف بــ (الإمام الشافعي) القرشي النسب قد أجاد في نظم أبيات شعرية يكمن ما في ضميره حبّه لأهل البيت(عليهم السلام).
وقصيدته التي قالها حول مصرع سيّد شباب أهل الجنّة الحسين بن عليّ(عليهما السلام)والتي تعتبر ذروة المعاناة والآهات فمنعته من لذّة السهاد، وذلك لتذكّره بمصاب الحسين(عليه السلام) بكربلاء حيث يتخيّل بعض جوانب واقعة الطفّ ويبدأ قصيدته «تأوّه قلبي» فيقول:
تأوَّه قلبي والفؤاد كئيب ***** ُوأرَّق نومي فالسهاد عجيبُ
ذبيحٌ، بلا جُرم كأنّ قميصه ***** صبيغ بماء الأرجوان خضيبُ
فللسيف إعوال وللرماح رنّة ***** وللخيل من بعد الصهيل نحيبُ
تزلزلتْ الدنيا لآلِ محمّد ***** وكادتْ لهم صمّ الجبال تذوبُ
وغارتْ نجوم واقشعرّتْ كواكب ***** وهُتِّك أستار وشُقَّ جُيُوبُ
لئن كان ذنبي حبّ آلِ محمّد ***** فذلك ذنبٌ لستُ عنه أتوبُ
هُم شُفعائي يوم حشري وموقفي ***** إذا ما بدتْ للناظرين خُطُوبُ((1))
ولقد نظم العلاّمة السيّد رضا الهندي، المتوفّى سنة 1362هـ، الكثير من القصائد الحسينية، حيث بدأ في إحدى قصائده عندما تذكّر الحسين(عليه السلام) يفيض بالألم العميق; إذ يقول:
إن كان عندك عبرة((2)) تجريها ***** فانزل بأرض الطفّ كي نسقيها
ــــــــــــــــــــ
(1)أدب الطفّ / السيّد جواد شبر: ج1، ص214. مناقب آل أبي طالب: ص124. ينابيع المودّة: ص356، مع تفاوت ملحوظ فمثلاً في البيت الثاني ذكر «قتيل بلا جرم».
(2)عَبْرة: الدمعة بالحزن بلا بكاء.
لمْ أنسَ إذْ هتكوا((1)) حماها فانثنتْ ***** تشكو لواعجها إلى حاميها
تدعو فتحترق القلوب كأنّما ***** يرمي حشاها جمرة من فيها
وذكرتُ إذ وقفت عقيلة حيدر ***** مذهولة تُصغي لصوت أخيها
بأبي التي ورثتْ مصائب اُمّها ***** فغدتْ تقابلها بصبر أبيها
هذي نساؤك من يكون إذا اُسرتْ ***** في الأسر سائقها ومن حاميها
عجباً لها بالأمس أنتَ تصونها ***** واليوم آل اُميّة تبديها((2))
فنجده يقول إن كنت تمتلك مخزوناً كافياً من الدموع عليك أن تضعها في المكان المناسب، وأنّ العبرات هناك في أرض كربلاء، لأجل أن ترتوي أرض الطفّ، لأنّ الحسين(عليه السلام) قُتل عليها وهو عطشان.
ثمّ نلاحظ ما نُسب إلى خالد بن معدان من فضلاء التابعين((3))، وقيل إنّه أدرك سبعين رجلاً من الصحابة((4))، وكان بدمشق عندما رأى رأس الحسين بن علي(عليهما السلام)حيث يقول:
جاؤوا برأسك يابن بنت محمّد **** مُترمِّلاً بدمائه ترميلا
وكأنّما بك يابن بنت محمّد ***** قتلوا جهاراً عامدين رسولا
قتلوك عطشاناً ولمّا يرقبُوا ***** في قتلك التأويل والتنزيلا
ويُكبِّرون بأن قُتِلْتَ وإنّما ***** قتلوا بك التكبير والتهليلا((5))
ــــــــــــــــــــ
(1)هتكوا: خرقوا، فضحوا.
(2)ديوان السيّد رضا الهندي / جمع: موسى الموسوي: ص47. رسالة الحسين(عليه السلام): السنة الاُولى، العدد الثاني 1412هـ، ص151.
(3)اُدباء الطفّ / السيّد جواد شبّر: ج1، ص288. أعيان الشيعة: ج6، ص296.
(4)تهذيب تاريخ دمشق / ابن عساكر: ج5، ص89.
(5)مناقب آل أبي طالب: ج3، ص127. أعيان الشيعة: ج6، ص296. اُدباء الطفّ: ï ًج1، ص288. مختصر تاريخ دمشق / ابن منظور: ج7، ص392. تاريخ مدينة دمشق / ابن عساكر: ج16، ص181. تاريخ النياحة على الإمام الشهيد / السيّد صالح الشهرستاني: ج1، ص75.
وهناك شاعر آخر يصف الرأس الشريف وكيف نصبت السماء العزاء والحداد على الإمام الحسين(عليه السلام)، وذلك هو السيّد صالح مهدي بحر العلوم إذ يقول في قصيدته العصماء:
أروحُك أمْ روحُ النُّبوّةِ تَصعدُ ***** من الأرض للفردوس والحورُ سُجَّدُ
ورأسكَ أمْ رأسُ الرسولِ على القنا ***** بآيةِ أهل الكهف راحَ يُرَدِّدُ
وصدرُكَ أم مُستودعُ العلمِ والحِجى ***** لتحطيمهِ جَيشٌ من الجَهل يَعمَدُ
وشاطَرَت الأرضُ السماءَ بشجوِها ***** فواحدةٌ تبكي واُخرى تُعَدِّدُ
وقد نصب الوحي العزاءَ ببيتِهِ ***** عليكَ حِداداً والمُعَزَّى مُحَمَّدُ
فأيُّ شهيد صَلَتِ الشمسُ جسمَه ***** ومشهدُها من أصلِهِ مُتولِّدُ
* * *
وأيُّ ذبيح داست الخيلُ صَدْرَهُ ***** وفرسانُها من ذكرِهِ تتحمَّدُ
ألم تكُ تدري أنّ روح محمّد ***** كقُرآنِهِ في سبطه مُتجسِّدُ
فلو علِمَتْ تلك الخُيول كأهلها ***** بأنّ الذي تحت السَنابِكَ أحمدُ
لثارتْ على فرسانِها وتَمَرَّدَتْ ***** عليهم كما ثاروا بها وتمرَّدوا
وأعظمُ ما يُشجي الغيور حرائرٌ ***** تضامُ وحاميها الوحيد مُقيَّدُ((1))
* * *
مصادر أدب الطفّ:
1 ـ على لسان المعصومين وأهل بيتهم (عليهم السلام). كانوا يقولون (عليهم السلام): «هكذا كان
ــــــــــــــــــــ
(1)مجمع مصائب أهل البيت / الشيخ محمّد الهنداوي: ج2، ص31.
جدّنا الحسين».
2 ـ عن طريق زيارة الناحية للحجّة ابن الحسن(عليهما السلام).
3 ـ وصلنا عن طريق أفراد من معسكر العدوّ حيث كانوا مأمورين من قِبل بني اُميّة.
4 ـ كذلك حصلنا على بعض هذه المقاطع الشعرية والنثرية والخطابية عن طريق بعض المجرمين من أتباع جيش العدوّ عندما قام المختار بحركة التوّابين وسيطر على الكوفة، فاعترفوا بأعمالهم بعد إلقاء القبض عليهم، مثل عمر بن سعد وحرملةوالشمر.
الكتب والمصادر لهذه الواقعة:
1 ـ مقتل أبي مخنف من المتقدّمين، أوّل كتاب طُبع في مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، من تحقيق وحاشية العالم الفاضل الشيخ اليوسفي.
2 ـ مقتل عبد الرزّاق المقرّم، كتاب مترجَم إلى الفارسية، وهو من المتأخّرين المعاصرين، كان يعيش زمن المرجع السيّد أبي الحسن الاصفهاني تغمّده الله تعالى برحمته.
3 ـ نَفَس المهموم للمرحوم المحدِّث الشيخ عبّاس القمّي: كتبه بالعربية، وقد ترجم إلى الفارسية.
السنوات والحوادث المهمّة خلال فترة الخلفاء الراشدين والاُمويّين:
سنة 11هـ .....وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، ويبدأ عصر الخلفاء الراشدين.
سنة 35هـ .....خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
سنة 40هـ .....ينتهي عصر الخلفاء الراشدين باستشهاد الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في محراب الكوفة ويبدأ العصر الاُموي.
سنة 41هـ .....صلح الإمام الحسن(عليه السلام) مع معاوية في وبداية ملك معاوية.
سنة 50 هـ .....استشهد الإمام الحسن(عليه السلام) بيد زوجته.
سنة 61هـ .....استشهد الإمام الحسين(عليه السلام) في واقعة كربلاء، والتي هزّت الضمير الإنساني.
سنة 62هـ .....حدثت واقعة الحرّة (الهجوم والاعتداء على قدسية المدينة المنوّرةحيث هُتكتْ حُرمة المدينة في خلافة يزيد بن معاوية).
سنة 63هـ .....حصار الكعبة وضربها بالمنجنيق.
سنة 93هـ .....عبور المسلمين البحر الأبيض المتوسط، وبداية حكم المسلمين لاسبانيا (الأندلس) بقيادة طارق بن زياد.
سنة 95هـ .....وفاة الإمام السجّاد، زين العابدين عليّ بن الحسين(عليه السلام).
سنة 99هـ .....خلافة عمر بن عبدالعزيز الاُموي ومنعه سبّ الإمام عليّ(عليه السلام) في الأذان.
سنة 114هـ .....وفاة الإمام الباقر محمّد بن عليّ(عليه السلام).
سنة 132هـ .....المعركة الفاصلة بين الاُمويّين والعباسيّين والتي انتهت بمقتل مروان الحمار، آخر خلفاء بني اُميّة.
سنة 132هـ .....آخر العهد الاُموي وبداية العهد العبّاسي.
[align=center]الفصـل الثامن [/align]
القسم الثالث
1 ـ شعر الشيعة:
ويمثّل هذا الجناح الشاعرين: الكميت الأسدي والفرزدق.
2 ـ شعر الخوارج:
ويمثّل هذه الفرقة: الطرمّاح والضحّاك وعمران.
3 ـ شعر المرجئة ، وهم الاُمويّون:
ويمثّلهم: جرير والأخطل.
[align=center]الشعر السيـاسي
في العصر الاُموي[/align]
لقد كثرت الخلافات والنزاعات السياسية بين العرب أنفسهم وبين العرب والموالي، كما كثُر الاضطهاد السياسي لخصوم الدولة الاُموية، لذلك برزت ظاهرة الشعر السياسي بما فيها النقائض((1)) والفنون الأدبية الاُخرى، كالخطابة والرسالة وديوان الرسائل والنقد.
لذلك أصبح الشعر لساناً يعبّر عن أهداف الجهة التي يعود إليها الشاعر.
وهذا النوع من الشعر السياسي الديني يمثّل:
ــــــــــــــــــــ
(1)وهي القصيدة التي يرد بها الشاعر على قصيدة خصمه فيقلب فخر خصمه هجاءً، وقد اشتهر في هذا الباب (النقائض) الفرزدق وجرير والأخطل النصراني والذي مدح الاُمويّين بألفاظ إسلامية.
أوّلاً ـ شعر الشيعة
إنّ تاريخ الشيعة مليء بالثورات والانتفاضات على الحكّام الظالمين، حيث أخذ الطغاة يراقبونهم سرّاً وعلناً مع العلم أنّ الشيعة لم يتراجعوا عن مبدأهم.
لو تصفّحنا كتب الأدب العربي لرأينا أنّ فنون الأدب الشيعي قد مُلئت بها وبالأخص الشعر السياسي الديني; لأنّه أدب يلهب العاطفة ويهيجها نظراً لِما مرّ في تاريخ الشيعة من ثورات، خاصّةً واقعة الطفّ، حيث الدم اُريق، والحرمات انتهكت، والبيوت سُبيت ودُمّرت، والأجساد صُلبت. ونتيجةً لهذا كلّه برز شعراء سياسيّون أمثال:
الكميت بن زيد الأسدي، ت سنة 126هـ.
همام بن غالب (الفرزدق)، ت سنة 114هـ.
السيّد الحميري، شاعر عاش في العصرين الاُموي والعبّاسي، توفّي سنة 173هـ.
الكميت بن زيد :
وُلد الكُميت بن زيد الأسدي نحو سنة 60هـ في الكوفة، حيث كان شاعراً وخطيباً وحافظاً للقرآن وفقيهاً وفارساً، ويعتبر شعره ثروة كبيرة، والذي بلغ 5289 بيتاً «إذ قال عنه أبو عكرمة الضبيّ: لولا شعر الكميت لم يكن للّغة ترجمان ولا للبيان لسان». وأشهر قصائده الهاشميّات التي بلغت 563 بيتاً((1)) قالها في بني هاشم لإثبات حقّهم السياسي والديني، فكان يحتجّ لهم ويدافع عنهم بقوّة طوال حياته حتّى قضى
ــــــــــــــــــــ
(1)الشعر والشعراء في كتاب العمدة / الدكتور ياسين الأيّوبي: ص227. الأدب العربي وتاريخه / الدكتور محمّد عبدالمنعم: ص206.
شهيد هذا العشق. لقد احتوت قصائده الفخر والمدح والهجاء والرثاء والحماسة، واشتهر بقصيدته البائية ومن ألمعها:
طرِبت((1)) وما شوقاً إلى البيض((2)) أطربُ ***** ولا لَعِباً((3)) منّي وذو الشوق((4)) يلعبُ((5))
بني هاشم رهط النبيّ فإنّني ***** بِهِمْ ولَهُمْ أرضى مراراً وأغضبُ
فطائفةٌ قد كفَّرتْني بِحُبِّكمُ ***** وطائفةٌ قالوا: مُسيءٌ ومُذنِبُ
وقالوا ترابيٌّ((6)) هواه وَرَأْيُهُ((7)) ***** بذلك ادعى فِيهمُ واُلَقَّبُ((8))
فما لي إلاّ آل أحمدَ شيعةٌ ***** وما ليَ إلاّ مذهب الحقِّ مَذْهَبُ
ــــــــــــــــــــ
(1)طرب الرجل: هاج شوقه وخفّت روحه.
(2)البيض ـجمع بيضاءـ: المرأة الحسنة الجميلة.
-
(3)اللَّعب: المزح والهزل، ضدّ الجدّ.
(4)ورد في كتاب جواهر الأدب: ج2، ص153: «الشيب» بدل «الشوق».
(5)الشيعة والحاكمون / محمّد جواد مغنية: ص125.
(6)ترابي: نسبه إلى أبي تراب، وهي كنية للإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، كنّاه بها رسول الله(صلى الله عليه وآله) عندما وجده نائماً على الأرض وقد علاه التراب، وذلك في غزوة العشيرة.
(7)هواه ورأيه: في العمل والقول.
(8)ديوان أشعار التشيّع / تحقيق: الطيب العشّاش: ص27. أخبار شعراء الشيعة / تحقيق: الدكتور محمّد هادي الأميني: ص72. تاريخ شعراء العربية / تدقيق: زهير يازجي: ص9. موسوعة المصطفى والعترة / حسين الشاكري: ج3، ص338.
ومن غيرهم أرض لنفسي شيعة ***** ومن بعدهم لا من أجل وأرحب
أريبُ رجالاً منهم وتريبني ***** خلائق ممّا أحدثوهن أريب
إليكم ذوي آل النبيّ تطلعت ***** نوازع من قلبي ظماءُ والبَبُ
فإنّي عن الأمر الذي تكرهونه ***** بقولي وفعلي ما استطعت لاجنبُ((1))
ينتقل شاعرنا ويخاطب الاُمويّين بقوله: كيف انّ دماء المسلمين محلّلة سفكها عندهم إضافة إلى حرماننا من الغنائم كما وأنّ الحقوق أيضاً مغتصبة، وقد جاء في قصيدته:
تحل دماء المسلمين لديهم ***** ويَحْرُمُ طلع النخلة المُتَهدّلُ
وليس لنا في الفيء حظ لديهمُ ***** وليس لنا في رحلة الناس أرحُلُ
فيا ربِّ هل إلاّ بك النصر يرتجى ***** عليهم وهل إلاّ عليك المعَولُ
ومن عجب لم أقضه أن خيلُهمْ ***** لأجوافها تحت العجاجة أزْمَلُ
* * *
هما همُ بالمستلئمين عوابسٌ ***** كحِدْآن يَومِ الدجنِ تعلو وتسْفُلُ
يَحَلَئنْ عن ماء الفرات وظله ***** حُسناً ولم يشَهْر عليهنَّ مُنْصَلُ
كَأَنَّ حُسَيْناً والبهاليل حَوْلَهُ ***** لأسيافِهِمْ ما يَخْتَلي المُتَبقلُ((2))
ــــــــــــــــــــ
(1)الكميت بن زيد الأسدي / الدكتور علي نجيب عطوي: ص106.
(2)الكميت بن زيد الأسدي: ص154.
شاعرنا لم يدرك الدولة العبّاسية((1))، استشهد على أيدي جنود خالد القسري سنة 126هـ((2)).
الفرزدق :
هو همّام بن غالب بن صعصعة، الملقّب بالفرزدق لجهومة وجهه ولأثر للجدري فيه، وُلد في سنة 20هـ بالبصرة، من اُسرة ذات جاه وكرم، كان يتردّد على البلاط الاُموي، بل كان مسؤولاً في البلاط لسدّ ودفع التهمة; لأنّ البعض يحتمل ذلك، كما أنّه يُحسب على الشيعة.
كان الفرزدق شاعراً غير ملتزم لكن في أواخر عمره وحياته قرّر مصيره مع أهل البيت(عليهم السلام). قال ابن رشيق في كتابه العمدة في النقد الأدبي: أبلغ وأفصح بيت قيل بيت الفرزدق في وصف السجّاد(عليه السلام)، حيث يقول:
ما قال لا قطُ إلاّ في تشهُّدِهِ ***** لولا التشهُّدُ كانت لاؤُهُ نَعَمُ
لقد اشتهر الفرزدق في قصيدته الميميّة في حقّ الإمام عليّ بن الحسين(عليه السلام)، حيث وقف في تلك اللحظة وقال الحقّ ممّا يُذكِّرُنا بحديث رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أفضل كلمة كلمةُ حقّ عند سلطان جائر»، حيث يروى أنّ هشام بن عبد الملك لم يتمكّن أن يصل إلى الحجر الأسود في موسم الحجّ من شدّة الزحام، وبما أنّ لباس الحجّاج واحد وبدون تمييز بين الأمير والفقير، وفي هذه اللحظة وصل شاب نوراني انشقّت له الصفوف ووصل إلى الحجر، فقال رجل لهشام: مَن هذا الذي فُتح له الطريق بهذه الهيبة والإجلال؟ فأجاب هشام: لا أعرفُه وكان به عارفاً فقال الفرزدق:
ــــــــــــــــــــ
(1)الأعلام / خير الدين الزركلي: ج5، ص233. الأغاني: ج17، ص13.
(2)الغدير: ج2، ص306. الأغاني: ج17، ص22.
أنا أعرفُهُ، وأنشد قصيدته المعروفة، فغضب هشام وسجنه، وقد بدأت قصيدته في مدح زين العابدين(عليه السلام)، حيث يقول:
هذا الذي تعرف البطحاء((1)) وطأَتَهُ((2)) ***** والبيتُ ((3)) يعرفُهُ والحِلُّ والحرمُ
هذا ابن فاطمة إن كنت بِضائرِهِ ***** بِجَدِّه((4)) أنبياءُ الله قد خُتموا
هذا ابن خيرِ عباد الله كلّهم ***** هذا التَّقيُّ النَّقيُّ الطاهِرُ العلَمُ
وليس قولُك: مَنْ هذا؟ بِضائِرهِ ***** العُرْبُ تعرِفُ مَنْ أنكرت والعجمُ
إنْ عُدَّ أهلُ التُّقى كانوا أئمّتَهُم ***** أو قيلَ مَنْ خير أهلالأرضقيل هُمُ((5))
وقد اختلف رواة آخرون في افتتاحيّة هذه القصيدة حيث لم أعثر عليها في ديوانه والتي تبدأ:
يا سائلي أين حل الجود والكرم ***** عندي بيان إذا طلاّبه قدموا
هذا الذي أحمد المختارُ والده ***** صلّى عليه الهي ما جرى القلم
هذا الذي عمّه الطيّار جعفر ***** والمقتول حمزةُ ليث((6)) حبُّه قسم
هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة ***** وابن الوصي الذي في سيفه نقم((7))
توفّي الفرزدق عام 114هـ.
ــــــــــــــــــــ
(1)البطحاء: أرض مكّة.
(2)وطأته: سيره على الأرض.
(3)البيت: الكعبة.
(4)بجدّه: رسول الله(صلى الله عليه وآله) أفضل الأنبياء(عليهم السلام).
(5)أمالي السيّد المرتضى / أبو القاسم بن الطاهر: ج1، ص48. الأغاني: ج21، ص379. طبقات الشافعيّة / عبدالوهاب السبكي: ج1، ص291.
(6)ليث: الأسد.
(7)روضات الجنّات / محمّدباقر الخوانساري: ج6، ص8. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة: ج2، ص204. ديوان أشعار التشيّع: ص273.
ثانياً: شعر الخوارج
يعتبر الخوارج حزبٌ من الأحزاب السياسية وتعني المتمرّدين((1))، حيث يرى بعض المؤرّخين أنّ تاريخ الخوارج يبدأ من حادثة «التحكيم في حرب صفّين»((2)) التي وقعت بين الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وجيشه، وبين معاوية وجيشه عام 37هـ. ويرى الشهيد المطهري بقوله: أوّل تيّار متزمّت ظهر في دنيا الإسلام هو تيار الخوارج((3)).
أمّا سبب تسميتهم بالخوارج فيرجع إلى خروجهم على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ومحاربتهم إيّاه((4)). وقد بايعوا معاوية بعد شهادة الإمام(عليه السلام) سنة 41هـ((5)).
كما يرى البعض الآخر من المؤرّخين أنّ «الخوارج أقدم الفِرق الإسلامية»((6));
ــــــــــــــــــــ
(1)الإمام عليّ(عليه السلام) / الاُستاذ مرتضى المطهّري: ص122.
(2)دائرة المعارف / بطرس البستاني: ج7، ص492. معجم الفِرق الإسلامية/ شريف يحيى الأمين: ص113. المنجد في الأعلام / إشراف: بطرس حرفوش: ص274. تاريخ الفِرق الإسلامية / محمّد خليل الزين: ص93.
(3)الإسلام ومتطلّبات العصر / الاُستاذ مرتضى المطهّري: ص84.
(4)الحور العين / أبو سعيد بن نشوان الحميري: ص200. الشيعة الإمامية / محمّد صادق الصدر: ص33. الغلوّ والفِرق الغالية / الدكتور عبدالله سلوم السامرائي: ص282. تاريخ الفِرق الإسلامية: ص93. الموسوعة السياسية / الدكتور عبد الوهاب الكيالي: ج2، ص631. موسوعة المورد العربية / منير البعلبكي: ج1، ص475. الموسوعة الميسّرة العربية / إشراف: محمّد شفيق غربال: ج1، ص767. معجم المصطلحات الدينية / الدكتور خليل أحمد خليل: ص68. التيّار الإسلامي / الدكتور مجاهد مصطفى بهجت: قسم18، ص89.
(5)دائرة المعارف: ص493.
(6)المنجد في الأعلام: ص274.
لذا انقسم الخوارج إلى فِرق كثيرة أهمّها: الأزارقة والنجدات والبيهسية والثعالبة والعجارد والأباظيّة((1)) والصفرية((2)) والحروريّة((3)) والمحكّمة أهل النهروان((4)).
إنّ المتتبّع لتاريخ وتأسيس وظهور الأحزاب والفِرق المشهورة في الدنيا يرى أنّ نشأة الخوارج ما زال يكتنفها الغموض، وذلك بسبب عدم الإمكان من ظهور فرقة بهذه الصورة والحجم دون أن يسبقها تنظيم وتخطيط دقيق واشتهروا بالتشدّد وكفّروا من يعارضهم أو من لم يحارب معهم((5))، وبنفس الوقت لا بدّ من وجود مبادئ ومصالح مشتركة يلتفّون حولها ويضحّون من أجلها.
مكانة الشعر الخارجي في العصر الاُموي:
لقد كان الشعر السياسي في العصر الجاهلي مدحاً سياسياً أو فخراً أو هجاءً، أمّا في هذا العصر فقد تحوّل الشعر السياسي من مجرّد مدح أو هجاء أو تأييد ديني إسلامي إلى شعر سياسي بمعناه الصحيح يدافع عن طائفته التي ينتمي إليها وبكلّ وسائل الدفاع((6)).
رأينا أنّ الكميت الأسدي ـوهو أحد شعراء الشيعةـ كان يتعصّب للكوفة، وأوّل من جاهر بحبّ آل البيت(عليهم السلام) في شعره والذي يعتبر وثيقة تاريخية. يقابله في هذا العصر أيضاً الشعراء:
ــــــــــــــــــــ
(1)الموسوعة الميسّرة في الأديان والمذاهب المعاصرة / الدكتور مانع الجهني: ص15. الخوارج في العصر الاُموي / الدكتور نايف محمود معروف: ص219.
(2)الخوارج اُصولٌ وعقائد / حبيب طاهر الشمّري: ص160. معجم الفِرق الإسلامية: ص113. الموسوعة السياسية: ص632. المنجد في الأعلام: ص274.
(3)الغلوّ والفِرق الغالية: ص282.
(4)المعجم المفصّل في الأدب / الدكتور محمّد التونجي: ج1، ص418.
(5)أدب الخوارج في العصر الاُموي / سهير القلماوي: 150.
(6)الخوارج / الدكتور ناصر بن عبدالكريم الفعل: ص30.
ـ الطرمّاح بن حكيم ..........(المتوفّى سنة 100هـ).
ـ الضحّاك بن قيس ............(المتوفّى سنة 129هـ).
ـ عمران بن حطّان .............(المتوفّى سنة 89هـ).
ـ قطري بن الفُجاءة .........(المتوفّى سنة 79 هـ )، وهم يمثّلون حزب الخوارج الذين كانوا يتعصّبون لأهل الشام.
عمران بن حطّان :
كان عمران سُنّي المذهب، وانّه تزوّج من امرأة من الخوارج ينوي أن يعيدها إلى مذهب أهل السنّة حيث هي أثّرت عليه واتّبع مذهبها (مذهب الخوارج) حيث كان خطيباً وشاعراً((1))، وقد مدح عبد الرحمن بن ملجم عندما قام الأخير بضربه لأمير المؤمنين(عليه السلام) في محرابه بالكوفة حيث قال:
يا ضربة من كريم((2)) ما أراد بها ***** إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنّي لاُفكّر فيه ثمّ أحسَبُهُ ***** أوفى البرية عند الله ميزاناً((3))
فأجابه القاضي أبو الطيب طاهر بن عبدالله الشافعي:
إنّي لابرأ ممّا أنت قائله *****عن ابن ملجم الملعون بهتانا
ــــــــــــــــــــــــــــ (1)تاريخ التراث العربي / فؤاد سزكين: ج3، ص60. تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج1، ص491. البيان والتبيين: ج3، ص265.
(2)وردت كلمة «تقي»، «ولي» بدل «كريم» في مصادر كثيرة.
(3)الاشعاع القرآني في الشعر العربي: ص118. مروج الذهب / المسعودي: ج2، ص428. صبحي الأعشى / أحمد القلقشندي: ج13، ص226. شعر العصر الاُموي / تدقيق: زهير يازجي: ص5. تاريخ الأدب العربي: ج1، ص491. أعلام الأدب / الدكتور عبدالمنعم الخفاجي: ج1، ص147. الوسيط في الأدب العربي وتاريخه: ص361.
يا ضربة من شقي ما أراد بها ***** إلاّ ليهدم للإسلام أركانا
إنّي لأذكره يوماً فألعنه ***** دنيا والعن عمراناً وحِطانا
عليه ثمّ عليه الدَّهر متّصلاً ***** لعائن الله أسراراً وإعلانا
فأنتما من كلاب النار جاء به ***** نصّ الشريعة برهاناً وتبيانا((1))
مات ابن حطّان سنة 89هـ((2))، وقيل: عام 84هـ((3)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)مروج الذهب: ج2، ص435. الأذكياء / الحافظ عبدالرحمن بن الجوزي: ص239. الكامل في التاريخ: ج3، ص171.
(2)الأعلام: ج5، ص70.
(3)مروج الذهب: ص235. تاريخ الأدب العربي: ص490.
ثالثاً ـ شعر المرجئة
قلنا إنّ الشعر السياسي عند العرب قديم، وكان محدوداً عند القبيلة، ثمّ اشتهر عند استيلاء الاُمويّين على البلاد، وقد اشتهر من الشعراء جرير(المتوفّى سنة 114هـ، والذي مدح الولاة والخلفاء)((1)) والأخطل الذي أكثر من مدح بني اُميّة.
الأخطل :
أبو مالك غياث بن غوث الملقّب بالأخطل، وُلد في الحيرة((2)) نحو سنة 20هـ، نصرانيّ الأصل، وأصبح أحد الأصوات والمدافعين عن حكم بني اُميّة، حيث توثّقت علاقته بهم بقوله:
وأنتم أهل بيت لا يُوازنُهم ***** بَيتٌ إذا عُدَّتِ الأحسابُ والعددُ
قومٌ إذا أنعموا كانت فواضِلُهُم((3)) ***** سَيباً((4)) من اللهِ لا منٌّ((5)) ولا حسدُ
إنّ أكثر الشعراء الذين مثّلوا الحزب الاُموي كانوا نفعيّين، مدحوا الحكّام الظالمين طمعاً في المال أو خوفاً من العقاب.
لذلك نجد الأخطل مدح ملوك الاُمويّين ووصف الخمر مشيراً إلى ماضيهم وحقّهم في الخلافة وتقرّب إليهم بهجائه الأنصار خاصّة; لأنّهم كانوا خصوم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)شرح ديوان جرير / شرح: تاج الدين شلق: ص12.
(2)ديوان الأخطل / شرح: راجي الأسمر: ص6.
(3)الفواضل: النِعم الجسيمة.
(4)السيب: العطاء.
(5)المنّ: الفخر بالإحسان.
بني اُميّة، كما نشأ في هذا العصر فنّ اسمه النقائض جمع نقيضة، وهي قصيدة يردّ بها شاعر على قصيدة خصمه فينتقض معانيها وينسب الفخر لنفسه، فنلاحظ الأخطليفتخر بقومه ويهجو قوم جرير هازئاً بهم فيقول:
ما زال فينا رباط الخيل مَعلمةً ***** وفي كليب رباط الذُّلِّ والعارِ((1))
وكذا نلاحظه عندما اتّصل بعبد الملك بن مروان ومدحه لينال من المال أنشده قصيدته التي يقول فيها:
ألستم خير من ركب المطايا ((2))*****واندى العالمين بُطونَ راحِ((3))
توفّي الأخطل عام 92هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ديوان الأخطل / شرح: راجي الأسمر: ص234.
(2)المطايا: وهي ما يركب من الدوابّ.
(3)الراح: باطن الكفّ.
الفصـل التاسع
البيئة الاقتصادية وأهمّ المراكز الأدبية
ظهور أبواب جديدة من الشعر
أهمّ الشعراء والكتّاب والفلاسفة وأصحاب المقامات والنقّاد
ـ بشّار بن بُرد
ـ السيّد الحميري
ـ أبو العتاهية
ـ أبو نؤاس
ـ دِعبل الخزاعي
ـ البحتري
ـ الصاحب بن عبّاد
[align=center]فترة العهد العبّاسي [/align]
750 ـ 1258م / 132 ـ 656هـ
سقط الاُمويّون في الشام سنة 132هـ، وانتقلت إلى بني العبّاس في بغداد. ويعتبر أبو العبّاس السفّاح مؤسّس الدولة العبّاسيّة، ثمّ خلّفه أبو جعفر المنصور حيث جعل بغداد مركز الخلافة.
البيئة الاقتصادية وأهمّ المراكز الأدبية:
لقد كانت البيئة الاقتصاديّة في تلك الفترة جيّدة ممّا فسح مجالاً واسعاً للترف، والذي أدّى إلى انحطاط الأخلاق وتعاطي الناس والاُمراء المسكّرات سرّاً وعلناً. كما لا يفوتنا أنّ الاُمراء العبّاسيّين شجّعوا تعدّد المذاهب الإسلامية، وقد انتشرت فلسفة التصوُّف وعقيدة التناسخ في هذا العصر، فكانت بغداد والبصرة والكوفةوحلب أهمّ مراكز الأدب العبّاسي بالإضافة إلى المدينة والفسطاط بمصر.
وتُحدِّثنا كتب التاريخ بأنّه نتيجة لهذا الانحطاط تكاثر الجواري والغلمان، والاسترسال في الخلاعة والمجون والتأنّق في الطعام واللباس((1)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الأدب العربي / أحمد حسن الزيّات: ص210.
ظهور أبواب جديدة من الشعر:
أمّا النواحي الجديدة من الشعر فقد ظهرت أبواب جديدة من الشعر الفلسفي والصرفي والتعليمي وقصص الحكايات إضافةً إلى الشعر الهزلي لابن الحجّاجوابن سُكر. وقد كثر شعر الزهد والخمر والوصف الذي مال إلى وصف الصيد والبُركة وأنواع الأطعمة والبساتين والقصور. وكذلك قوي شعر المدح والرثاء، فقد أصبح الشاعر في هذا العصر بوقاً للعظماء.
كما وأنّ الخطابة ضعفت إضافة إلى الشعر السياسي، وكذلك الغزل العذري أيضاً، وذلك لتفشّي الفساد، ولحق هذا الضعف والهبوط شعر الفخر والحماسة. كما نلاحظ أنّ الهجاء أصبح أداةً للتكسّب.
ومن ناحية اُخرى نرى أنّ فنون الكتابة قد تعدّدت فكان منها الرسائل الإخوانيّة في الشكر والعتاب والتعازي والتهاني والاعتذار والاستعطاف إضافة إلى المقالات والمناظرات لابن العميد والقاضي الفاضل في التزامهما في السجع والتحسينات البديعيّة، وكذلك العهود والروايات القصصيّة والمقامات.
أهمّ الشعراء والكتّاب والفلاسفة وأصحاب المقامات:
تمّ تدوين التاريخ في هذا العصر فعنى أصحابه بالأحداث والسِير فتدفّقت على العرب سيول الفلسفة اليونانيّة، فنبع فيها أعلام بالإضافة إلى تأليفهم في الجبر والهندسة والحساب والفلك فظهر مؤلّفون في مختلف العلوم نذكر منهم:
ابن المقفّع : عبد الله ت سنة 143هـ، وله كتاب الأدب الصغير وكتاب الأدب الكبير.
هشام الكلبي : هشام بن محمّد بن السائب ت سنة 146 هـ،وله كتاب النسب الكبير أو جمهرة الأنساب.
أبو حنيفةالنعمان بن ثابت ت سنة 150هـ وله كتاب الفقه الأكبر.
ابن هشام البصري محمّد بن إسحاق ت سنة 151هـ وله السيرة النبوية وكتاب الخلفاء.
ابن حيّان : جابر بن حيّان ت سنة 160هـ وله مهج النفوس وكتاب الشمس والاستيفاء.
ابن برد : بشّار بن برد العقيلي ت سنة 167هـ توجد له مخطوطة شعريّة في المكتبة الآصفيّة بالهند.
السيّد الحميري : إسماعيل بن محمّد ت سنة 173هـ وله ديوان جمعه وحقّقه هادي شاكر.
مالك : مالك بن أنس ت سنة 176هـ وله كتاب الموطأ.
الفراهيدي : الخليل بن أحمد ت سنة 180هـ وله كتاب العروض وكتاب الشواهد والايقاع.
أبو يوسف : يعقوب بن إبراهيم ت سنة 182هـ وله كتاب الخراج.
سيبويه : عمرو بن عثمان ت سنة 183هـ وله كتاب سيبويه.
رابعة العدوية : اُمّ الخير رابعة بنت إسماعيل توفّيت سنة 185هـ (اُمّ الخير) كانت من أعيان عصرها، ومن وصاياها: «اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيّاتكم»
الكسائي : علي بن حمزة ت سنة 189هـ وله كتاب معاني القرآن.
ابن الأحنف : العبّاس بن الأحنف ت سنة 192هـ وله ديوان طُبع مرّات آخرها كان بتحقيق الدكتورة عاتكة الخزرجي.
أبو نؤاس : الحسن بن هاني ت سنة 198هـ وله ديوان شعر باسمه وآخر بعنوان الفكاهة والائتناس.
الشافعي : محمّد بن إدريس ت سنة 202هـ وله كتاب الاُمّ.
الواقدي : عمرو بن واقد ت سنة 207هـ وله المغازي وفتوح الشّام.
الفراء : يحيى بن زياد ت سنة 207هـ وله كتاب المعاني.
مسلم بن الوليد : أبو الوليد مسلم ت سنة 208هـ وله ديوان شعر يُكثر فيه من اللهو ووصف الخمر.
أبو العتاهية : إسماعيل بن محمّد ت سنة 211هـ وله ديوان شعر أكثره في الزهد والمديح.
الأصمعي: عبد الملك بن قريب ت سنة 214هـ وله الأصمعيات وكتاب رجز العجاج.
ابن سعد : محمّد بن سعد ت سنة 220هـ وله كتاب الطبقات الكبرى.
أبو تمام: حبيب بن أوس ت سنة 232هـ شاعر وأديب له ديوان شعر وتصانيف عديدة.
محمّد بن سلام : محمّد بن سلام الجمحي ت سنة 232هـ وله طبقات الشعراء.
ديك الجن: عبد السلام بن رغبان ت سنة 235هـ له ديوان شعر.
ابن حنبل : أحمد بن حنبل ت سنة 241هـ المسند في الحديث.
ابن السكّيت: يعقوب بن إسحاق ت سنة 244هـ وله كتاب اصلاح المنطق وتهذيب الألفاظ.
دِعبل الخزاعي: محمّد بن عليّ بن رزين ت سنة 246هـ وله ديوان شعر وهو شاعر جريء له مواقف شعريّة خالدة في حقّ أهل البيت(عليهم السلام).
ابن الضحّاك: الحسين بن الضحّاك ت سنة 250هـ.
الكندي : يعقوب بن إسحاق ت سنة 252هـ ألّف كتباً في معظم العلوم وله كتاب الفلسفة الاُولى.
أبو حاتم السجستاني : سهل بن محمّد ت سنة 255هـ كان عالماً باللغة والشعر له 32 مؤلّفاً أشهرها كتاب المعمّرين.
الجاحظ: عمرو بن بحر ت سنة 255هـ وله كتاب البيان والتبيين وكتاب الحيوان والبخلاء.
القشيري: مسلم بن الحجّاج ت سنة 261هـ وله كتاب الجامع الصحيح.
البخاري : محمّد بن أبي الحسن ت سنة 265هـ وله كتاب صحيح البخاري.
ابن ماجة : محمّد بن يزيد ت سنة 273هـ وله كتاب سنن ابن ماجة.
ابو داود : سليمان بن الأشعث ت سنة 275هـ وله كتاب سنن الإمام أبي داود.
ابن قتيبة الدينوري: عبدالله بن مسلم الدينوري ت سنة 276هـ وله كتاب عيون الأخبار وكتاب الشعر والشعراء.
اليعقوبي : أحمد بن أبي يعقوب ت سنة 278هـ كان رحّالة وله كتاب البلدان وتاريخ اليعقوبي.
البلاذري : أحمد بن يحيى ت سنة 279هـ وله كتاب فتوح البلدان.
الترمذي : محمّد بن عيسى بن سورة ت سنة 279هـ وله كتاب جامع الصحيح.
ابن طيفور : أحمد بن أبي طاهر ت سنة 280هـ وله تاريخ بغداد وكتاب المنثور وبلاغات النساء.
ابن الرومي : علي بن العبّاس ت سنة 283هـ وله ديوان شعر اشتهر بالهجاء والرثاء.
البحتري :؛ الوليد بن عبيد ت سنة 284هـ وله كتاب الحماسة واشتهر بالوصف.
أبو العبّاس بن المبرّد : محمّد بن يزيد ت سنة 285هـ وله الكامل وكتاب التعازي والمراثي والمقتضب.
الناشئ الأكبر : عبد الله بن محمّد ت سنة 293هـ له قصيدة في أربعة آلاف بيت وبقافية واحدة، وله تصانيف عديدة.
ابن المعتزّ : عبد الله بن المعتز ت سنة 296هـ وله كتاب البديع.
النسائي : أحمد بن عليّ ت سنة 303هـ وله كتاب سنن النسائي.
الطبري : محمّد بن جرير ت سنة 310هـ وله أخبار الرسل والملوك وكتاب التفسير الكبير.
أبو زيد البلخي : أحمد بن سهل ت سنة 322هـ وله كتاب صور الأقاليم.
ابن دريد : محمّد بن الحسن الأزدي ت سنة 323هـ وله كتاب الجمهرة في اللغة.
ابن عبد ربّه : أحمد بن محمّد ت سنة 328هـ صاحب كتاب العقد الفريد وديوان شعر.
ابن بابويه : عليّ بن الحسين ت سنة 329هـ وله فقه الرّضا وكتاب رسالة ابنبابويه.
الكليني : محمّد بن يعقوب ت سنة 329هـ وله اُصول الكافي.
أبو بكر الصولي : محمّد بن يحيى ت سنة 335هـ وله كتاب الأوراق في أخبار آل العبّاس وأشعارهم.
أبو قاسم الزجاجي : عبد الرحمن بن إسحاق ت سنة 337هـ وله كتاب الجمل الكبرى في النحو.
قدامة بن جعفر : قدامة بن جعفر بن قدامة ت سنة 337هـ وله كتاب نقد الشعر وكتاب نقد النثر والخراج.
الفارابي : محمّد بن محمّد بن طرخان ت سنة 339هـ كان فيلسوفاً وله كتاب السيرة الفاضلة ورسالة العقل.
المسعودي : علي بن الحسين ت سنة 346هـ وله مروج الذهب وأخبار الزمان والتنزيه والأشراف.
المتنبي : أحمد بن الحسين الجعفي ت سنة 354هـ وله ديوان باسمه واشتهر بالمدح والوصف والحكم.
أبو الفرج الاصفهاني : علي بن الحسين بن محمّد ت سنة 356هـ وله كتاب الأغاني ومقاتل الطالبيّين.
أبو الفراس الحمداني : الحارث بن سعيد ت سنة 357هـ وله ديوان شعر.
الطبراني : سليمان بن أحمد ت سنة 360هـ وله المعجم الكبير.
ابن العميد : محمّد بن الحسين ت سنة 360هـ وله رسائل في النصح والعقاب.
السري الرفاء : السري بن أحمد الكندي ت سنة 366هـ وله ديوان شعر.
أبو القاسم الآمدي : الحسن بن بشر ت سنة 371هـ له كتاب الموازنة بين الطائيّين أبي تمام والبحتري في الشعر.
الصدوق : محمّد بن عليّ بن بابويه ت سنة 381هـ وله كتاب من لا يحضره الفقيه، والمقنع والهداية وعلل الشرائع.
الخوارزمي : محمّد بن العبّاس ت سنة 383هـ كان كاتباً وشاعراً ولم يصلنا من آثاره إلاّ رسائله.
أبو إسحاق الصابي : إبراهيم بن هلال ت سنة 384هـ وله رسائل الصابي.
أبو علي التنوخي : محسن بن علي ت سنة 384هـ وله كتاب الفرج بعد الشدّة.
الصاحب بن عبّاد : إسماعيل بن العبّاد ت سنة 385هـ بالاضافة إلى ديوانه فله كتب أهمّها: الفرق بين الضاد والظاء.
ابن النديم : محمّد بن إسحاق ت سنة 385هـ وله الفهرست
أبو الحسن الأنباري : محمّد بن عمر بن يعقوب ت سنة 390هـ.
ابن جنّي : أبو الفتح عثمان ت سنة 392هـ وله كتاب الخصائص في النحو.
القاضي الجرجاني : علي بن العزيز ت سنة 392هـ وله عدة تصانيف أهمّها الوساطة بين المتنبي وخصومه.
أبو الهلال العسكري : الحسن بن عبد اللهت سنة 395هـ وله ديوان المعاني وجمهرة الأمثال.
بديع الزمان : أحمد بن الحسين ت سنة 398هـ وله رسائل باسمه.
أبو الفتح البستي : علي بن محمّد ت سنة 400هـ وله ديوان واشتهر بقصيدته النبوية.
الشريف الرضي : محمّد بن الطاهر ت سنة 406هـ وله خصائص الأئمّة وحقائق التنزيل، وديوان شعر.
الشيخ المفيد : محمّد بن محمّد بن النعمان ت سنة 413هـ له كتاب الإرشاد والمقنعة، والإفصاح.
أبو إسحاق الثعلبي : أحمد بن إبراهيم ت سنة 427هـ وله كتاب عرائس المجالس.
أبو النصر العتبي : محمّد بن عبد الجبّار ت سنة 427هـ وله كتاب اليميني.
ابن سيناء : أبو علي الحسين بن عبد الله ت سنة 428هـ وله المفيد في الطبّ والنجاة، ورسائل ابن سينا.
مهيار الديلمي : مهيار بن مرزويه ت سنة 428هـ وله ديوان شعر مرتّب على الحروف.
أبو منصور الثعالبي : عبد الملك بن محمّد ت سنة 429هـ وله يتيمة الدهر ولطائف المعارف، وفقه اللغة.
الشريف المرتضى : عليّ بن الطاهر ت سنة 436هـ وله نهج البلاغة والانتصار وديوان علم المرتضى.
البيروني : محمّد بن أحمد ت سنة 440هـ وله الآثار الباقية وتاريخ الهند.
أبو العلاء المعرّي : أحمد بن عبد الله ت سنة 449هـ له ثلاثة دواوين: لزوم ما لا يلزم، وسقط الزند وضوء السقط.
ابن رشيق القيرواني : الحسن بن رشيق ت سنة 456هـ وله كتاب العمدة وقراضة الذهب.
البيهقي : أحمد بن الحسين ت سنة 458هـ وله دلائل النبوّة.
الطوسي : محمّد بن الحسن ت سنة 460هـ وله الاستبصار وكتاب اختيار الرجال.
ابن زيدون : أحمد بن عبد الله ت سنة 463هـ وله ديوان شعر ومجموعة من الرسائل.
الخطيب البغدادي : أحمد بن علي ت سنة 463هـ وله تاريخ بغداد وتقييم العلم، والبداية والنهاية.
الجرجاني : عبد القاهر بن عبد الرحمن ت سنة 471هـ له أسرار البلاغة ودلائل الاعجاز.
الزوزني : الحسين بن عليّ بن أحمد ت سنة 486هـ وله المصادر وترجمان القرآن وشروح المعلّقات.
السرخسي : محمّد بن أحمد السرخسي ت سنة 490هـ وله اُصول السرخسي.
الراغب الاصفهاني : الحسين بن محمّد ت سنة 502هـ وله محاضرات الاُدباء ومفردات ألفاظ القرآن.
الغزالي : محمّد بن محمّد ت سنة 502هـ وله كتاب البسيط ومقاصد الفلاسفة.
الطغرائي : الحسين بن علي ت سنة 514هـ كان نابغة عصره في النظم والنثر، وله ديوان شعر كبير.
الحريري : قاسم بن علي ت سنة 516هـ صاحب المقامات وله درّة الغوّاص، وديوان شعر.
الزمخشري : محمود بن عمر بن محمّد ت سنة 538هـ وله الكشّاف وكتاب أساس البلاغة.
ابن العربي : محمّد بن عبد الله ت سنة 543هـ وله أحكام القرآن والناسخ والمنسوخ، والمسالك.
الشهرستاني : محمّد بن أبي القاسم ت سنة 548هـ ولهالمللوالنحل والمناهج والبيّنات.
الطبرسي : الفضل بن الحسن بن الفضل ت سنة 548هـ وله مجمع البيان مع الجامع والنور المبين.
ابن عساكر : عليّ بن الحسن بن هبة الله ت سنة 571هـ كان محدّث الشام وله تاريخ مدينة دمشق.
الراوندي : قطب الدين سعيد بن هبة الدين ت سنة 573هـ وله كتاب فقه اللغة.
ابن رشد : محمّد بن أحمد ت سنة 595هـ وله شروح على الكتب الأوسطية والكلّيات على الطبّ.
القاضي الفاضل : عبد الرحيم البيساني ت سنة 596هـ وله ديوان لا يزال مخطوطاً وله عدّة رسائل.
ابن الجوزي : عبد الرحمن بن عليّ ت سنة 597هـ وله كتاب تذكرة الأريب وكتاب المغني في التفسير والمنتظم في تاريخ الملوك والاُمم.
فخر الدين الرازي : محمّد بن عمر بن حسين ت سنة 606هـ وله التفسير الكبير.
ياقوت الحموي : ياقوت بن عبد الله ت سنة 626هـ وله معجم البلدان ومعجم الاُدباء.
السكاكي : يوسف بن أبي بكر بن محمّد ت سنة 626هـ وله مفتاح العلوم ومصحف الزهرة.
ابن الفارض : عمر بن علي بن مرشد ت سنة 632هـ وله ديوان شعر تمّ شرحه من قبل البوريني والنابلسي.
ابن الأثير : ضياء الدين نصر الله ت سنة 637هـ له عدّة تصانيف أشهرها المثل السائر واُسد الغابة.
ابن العربي : محيي الدين ابن العربي ت سنة 638 وله الفتوحات المكّية ومفاتيح الغيب.
ابن أبي الحديد : عبد الحميد بن هبة الله ت سنة 655هـ وله شرح نهج البلاغة وديوان شعر، والقصائد السبعة.
البهاء زهير : زهير بن محمّد ت سنة 656هـ وكان من فضلاء عصره، وله ديوان باسمه.
بشّار بن برد
وُلد بشّار بن بُرد سنة 91هـ في البصرة من أبٍّ فارسيّ الأصل، ونشأ أعمى حادّ الذكاء، وكان يقول: «الحمد لله الذي ذهَبَ ببصري لئلاّ أرى ما اُبغضُ»((1))، نظم الشعر وهو طفل((2))، قال الأصمعي عنه: بشّار خاتمة الشعراء، والله لو أنّ أيّامه تأخّرت لفضّلتُه على كثير منهم((3)).
لقد اتّصف شعره بتنوّع الأغراض وضروب الشعر، لكنّه برع في الغزل والهجاء والوصف والحكمة; إذ يقول:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)المجاني الحديثة: ج3، ص9.
(2)الجامع في تاريخ الأدب العربي: ص679.
(3)الأغاني: ج3، ص135.
إذا كنتَ في كلّ الاُمور مُعاتبا ***** ًصديقَك لم تلق الذي لا تُعاتِبُهْ
فَعِشْ واحداً أو صِلْ أخاكَ فإنّه ***** مُقارفُ ذَنْب مَرّةً ومُجانبُهْ
إذا أنت لم تشربْ مراراً على القذى ***** ظمِئْتَ وأيُّ الناسِ تصفُو مشاربُهْ
ومَنْ ذا الذي تُرضي سَجَاياهُ كلُّها ***** كفى المرءَ نُبْلاً أنْ تُعَدَّ مَعائِبُهْ((1))
قلنا إنّ بشّار نشأ ضريراً لذا نجدهُ يقول بأنّ الجمالَ يُعْرَفُ من طريقِ الاُذُن مثلما يعُرَفُ بالعين، فيقول:
يا قومِ اُذُني لبعضَ الحَيّ عاشقةٌ *****والاُذُنُ تَعْشَقُ قَبْلَ العَيْنِ أحيانا
قالوا بمنْ لا تُرى تَهْذي فقلتُ لهم ***** ألاُذُنُ كالعينِ تُوفي القلبَ ما كانا((2))
وأخيراً اتُّهم بشّار بالزندقة وقُتل في البصرة سنة 167هـ.
السيّد الحميري
هو إسماعيل بن محمّد بن يزيد الحميري، وُلد سنة 105هـ، ويُروى أنّ أبوي السيّد كانا أباضيّين((3)).
-
انتقل منذ صباه إلى مذهب الكيسانيّة((4))، وهم أصحاب المختار بن أبي عبيدالذين يدّعون بإمامة محمّد بن الحنفية((5))، أخو الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)، ثمّ هداه الإمام الصادق(عليه السلام)، والسيّد الحميري شاعرٌ مطبوع، ولشعره متانة ورونق،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الأغاني: ص193. تاريخ الأدب العربي: ج2، ص94.
(2)تاريخ الأدب العربي: ص95.
(3)الغدير: ج2، ص333.
(4)سفينة البحار / الشيخ عبّاس القمّي: ج1، ص336.
(5)فوات الوفيّات / محمّد شاكر الكتبي: ج1، ص188.
وقد مدح آل هاشم عامّة، ومدح الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)(وأبنائه خاصّة); إذ قال عنه بشّار بن برد: «لولا أنّ هذا الرجل شُغل بمدح بني هاشم، لشُغلنا، ولو شاركنا في مذهبنا لأتعَبَنا»، ويقال: إنّ أكثر الناس شعراً في الجاهلية والإسلام ثلاثة: بشّار، وأبو العتاهية، والسيّد الحميري((1)) نستنتج أنّ السيّد كان من «الشعراء المشهورين»((2)).
للسيّد الحميري قصائد كثيرة، وممّا قاله في حقّ بيت الرسالة أهل البيت(عليهم السلام):
بيت الرسالة والنبوّة والذيــــن ***** نعدهم لذنوبنا شفعاء
الطاهرين الصادقين العالميــ ***** ــن العارفين السادة النجباء
إنّي علقت بحبلهم متمسّكاً ***** أرجو بذاك من الإله رضاء
أسواهم أبغي لنفسي قدوه ***** لا والذي قطر السماء سماء
من كان أوّل من أباد بسيفه ***** كفّار بدر واستباح دماء
من أنزل الرحمن فيهم هل أتى ***** لما تحدوا للنذور وفاء
من خمسة جبريل سادسهم وقد ***** مدَّ النبي على الجميع عباء
من ذا بخاتمه تصدّق راكعاً ***** فأثابه ذو العرش عنه ولاء
يا راية جبريل سار أمامها ***** قدماً وأتبعها النبيّ دعاء
الله فضّله بها ورسوله ***** والله ظاهر عنده الآلاء
من ذا تشاغل بالنبيّ وغسّله ***** ورأى عن الدنيا بذاك عزاء
* * *
من كان أعلمهم وأقضاهم ومن ***** جعل الرعية والرعاء سواء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الأغاني: ج6، ص219. الأعلام: ج1، ص320. تاريخ الشعر العربي: ص231.
(2)البداية والنهاية / إسماعيل بن كثير الدمشقي: ج10، ص186.
من كان باب مدينة العلم الذي ***** ذكر النزول وفسّر الأنباء
من كان أخطبهم وأنطقهم ومن ***** قد كان يشفي قوله البرحاء
من كان أنزعهم من الاشراك أو ***** للعلم كان البطن منه خفاء
من ذا الذي أمروا إذا اختلفوا بأن ***** يرضوا به في أمرهم قضاء
من قيل لولاه ولولا علمه ***** هلكوا وعانوا فتنة صماء
من كان أرسله النبيّ بسورة ***** في الحجّ كانت فيصلاً وقضاء
من ذا الذي أوصى إليه محمّد ***** يقضي العدات فانفذ الايصاء
من ذا الذي حمل النبيّ برأفة ***** ابنيه حتّى جاوز الغمصاء
من قال نعم الراكبان هما ولم ***** يكن الذي قد كان منه خفاء
من ذا مشى في لمع برق ساطع ***** إذ راح من عند النبيّ عشاء((1))
قيل إنّ شاعرنا مرّ بقوم يتناظرون في التفضيل فوقف وأنشأ يقول:
أقول لأهل العمى الحائرينا ****** من السامريّين والناصبينا
وجيراننا الطاعنين الذين ***** عليّ خير من دبّ نفساً ودينا
سوى الأنبياء مع الأوصياء ***** مع الأوّلين مع الآخرينا
لعمري لئن كان للسابقين ***** وسيلة فضل على التابعينا
لقد كان للسابق السابقين ***** عليهم من الفضل ما تدعونا
فقد جرتم وتكذبتم ***** على ربّنا كذب المفترينا
كذاك وربّ منى والذي ***** بكعبته طوف الطائفونا
فقد فضّل الله آل الرسول ***** كفضلالرسول على العالمينا((2))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أعيان الشيعة: ج3، ص418.
(2)أخبار شعراء الشيعة / محمّد المرزباني: ص174.
التقى السيّد الحميري بالإمام الصادق(عليه السلام) بمكّة أيام الحجّ فناظره وألزمه الحجّة، وهداهُ إلى الحقّ، ممّا يؤيّد رجوعه عن مذهب الكيسانية وذلك بقصيدته المشهورة في هذه المناسبة:
تجعفرتُ باسم الله واللهُ أكبر ***** ُوأيقنتُ أنّ الله يَعْفُو ويَغْفِرُ
ويُثبِتُ مهما شاء ربّي بأمره ***** ويمحو ويقضي في الاُمور ويقدرُ((1))
ونلاحظ أنّ أكثر شعر السيّد الحميري (كما في ديوانه) هو في مدح أهل البيت(عليهم السلام)وقصائدُه مذكورة في كتاب الغدير للعلاّمة الأميني وأعيان الشيعة، وفي قصيدة اُخرى يقول:
إذا أنا لم أحفظ وصاة محمّد ***** ولا عهدَهُ يوم الغدير المؤكّدا
فإنّي كمن يشري الضلالة بالهدى ***** تنصّرَ منْ بعد الهُدى وتَهَوّدا
تتمُّ صلاتي بالصلاة عليهمُ ***** وليستْ صلاتي بعد أن أتشهّدا
بكاملة إنْ لم اُصلِّ عليهمُ ***** وأدْعُ لهم ربّاً كريماً مُمَجَّدا
بذلتُ لهم ودّي ونصحي ونُصْرَتي ***** مَدَى الدَّهر ماسُمّيتُ ياصاحِ سيّدا((2))
توفّي السيّد الحميري عام 173هـ((3))، وقيل: سنة 179هـ((4))، كما يؤكّد البعض الآخر أنّه توفّي سنة 178هـ((5)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ثمرات النجف / السيّد محمّد تقيّ الحكيم: ص284. أخبار السيّد الحميري / تحقيق: محمّد هادي الأميني: ص40. أخبار شعراء الشيعة: ص165. الأدب في ظلّ التشيّع / عبد الله نعمة: ص16. القصيدة المذهّبة / تحقيق: محمّد الخطيب: ص45.
(2)الغدير: ج2، ص311.
(3)أعيان الشيعة: ج3، ص405.
(4)تاريخ التراث العربي: ج3، ص232.
(5)لسان الميزان / أحمد بن علي العسقلاني: ج1، ص438.
أبو العتاهية
وُلد إسماعيل بن القاسم في عين التمر بالعراق سنة 130هـ، ونشأ بالكوفة، وقصد بغداد، واتّصل بالمهدي ومدحه ثمّ اتّصل بالهادي، وأخيراً اتّصل بهارون الرشيد.
امتاز شعر أبي العتاهية بالزُّهد والموعظة أوّلاً، وبالرثاء والهجاء والمدح والوصف والحِكَم والأمثال والغزل ثانياً. كان شعره سهل الألفاظ، قليل التكلّف حيثُ قال عن نفسه: «لو شِئتُ أنْ أجَعَلَ كلامي كُلَّهُ شِعراً لفَعَلت»((1)).
قال وهو يبكي شبابه:
بَكَيْتُ على الشباب بدَمعِ عَيْني ***** فلَمْ يُغنِ البُكاءُ ولا النحيبُ
ألا لَيْتَ الشبابُ يَعُودُ يَوماً ***** فاُخْبِرَهُ بما فَعَلَ المَشيبُ((2))
عريت من الشباب وكان غضّاً ***** كما يَعرى من الورق القضيب
ونراه يتغزّل بعُتبة:
عيني على عُتبةَ مُنْهَلَّةُ ***** بدمعها المُنسكب السائِلِ
كأنّها مِنْ حُسنها دُرَّةٌ((3)) ***** أخرجها اليَمُّ((4)) إلى الساحِلِ
كأنّ في فيها((5)) وفي طَرْفها((6)) ***** سَوَاحراً أقبَلْنَ مِنْ بابِلِ((7))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)المجاني الحديثة: ج3، ص25.
(2)تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج2.
(3)دُرّة: اللؤلؤة.
(4)الْيَمّ: البحر.
(5)في فيها: في فمها.
(6)طَرْفها: عَيْنها.
(7)بابل:مدينة قديمة قُرب الكوفة.
بَسَطْتُ كفّي نحوكم سائلاً ***** ماذا تردُّون على السائِلِ
إنْ لم تُنيلُوهُ فقولوا لَهُ ***** قولاً جميلاً بَدَلَ النائِلِ((1))
يا مَنْ رأى قَبْلي قتيلاً بكى ***** مِنْ شِدّة الوَجْدِ عَلى القاتِلِ((2))
ومن الأمثال والحِكم السائرة في شعر أبي العتاهية:
أنت ما استغْنيت عن ***** حبِك الدّهرَ أخوهُ
فإذا احتجْتَ إليهِ ***** ساعةً مجَّك فوهُ
* * *
ما يُحزِر المرء من أطرافِه طرفاً ***** إلاّ تخوَّنه النقصانُ من طرفِ
* * *
يُصادُ فؤادي حين أرْمِى ورمْيتي ***** تعودُ إلى نحري ويسلمُ من أرْمي
* * *
ولرُبَّ شهوةِ ساعة ***** قد أورثتْ حزناً طويلاً
* * *
إن كان لا يغنِيك ما يكفيكَا ***** فكلُ ما في الأرضِ لا يغنيكَا((3))
وله قصيدة بعنوان إلهي لا تعذّبني:
إلهي! لا تُعَذّبْني، فإنّي ***** مُقِرٌّ بالذي قد كانَ مِنّي!
فَما لي حيلَةٌ، إلاّ رَجائي ***** لعفوِكَ، إن عفوتَ، وحُسنُ ظَنّي
وكم مِن زَلّة لي في الخَطايا، ***** وأنتَ عليَّ ذو فَضْل ومَنِّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نائل: العطاء.
(2)وفيّات الأعيان / ابن خلّكان: ج1، ص223. تاريخ الأدب العربي: ج2، ص192.
(3)التمثيل والمحاضرة: ص77.
إذا فكّرتُ في نَدَمي علَيها، ***** عَضَضتُ أناملي، وقَرَعتُ سِنّي!
اُجَنُّ بزَهرَةِ الدّنيا جُنوناً، ***** وأقطَعُ طولَ عُمري بالتَّمَنِّي
ولو أنّي صَدَقتُ الزُّهْدَ عَنها، ***** قَلَبتُ لأهلِها ظَهرَ المِجَن
يَظنّ الناسُ بي خَيراً، وإنّي ***** لَشَرُّ الخَلقِ، إنْ لم تَعفُ عَنِّي((1))
وله وقفة على القبور:
يا مَعشرَ الأمواتِ، يا ضِيفانَ ***** بِ الأرضِ كَيفَ وَجَدتُمُ طَعمَ الثَّرَى
أهلَ القُبورِ مَحا التُّرابُ وُجوهَكُمْ ***** أهلَ القُبورِ تَغَيَّرَتْ تلكَ الحِلَى
أاُخَيَّ لم يَقِكَ المَنيّةَ إذْ أتَت ***** ما كانَ أطعَمَكَ الطّبيبُ وما سقَى
أاُخَيَّ، كيفَ وَجدتَ مَسّ خُشونةِ المــ ***** ــأوَى وكيفَ وجَدتَ ضِيقَ المُتّكَا((2))
وقال في التزهيد في الدنيا:
لِدُوا للموت وابْنُوا للخَراب ***** ،فكلكُمُ يصير إلى تَباب((3))
لِمَنْ نبني؟ ونحن إلى تراب ***** نصير، كما خُلقْنا من تراب
ألا يا موتُ، لم أرَ منك بُدّاً ***** اتَيْتَ وما تَحِيفَ((4)) وما تُحابي((5))
كأنّك قد هجمتَ على مَشيبي ***** كما هجم المشيبُ على الشباب((6))
وحسبك شاهداً عندما رأى شاعرنا تبذير أموال الرعية من قِبل حكّام العصر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)اُدباء العرب / بطرس البستاني: ج4، ص30.
(2)المصدر المتقدّم: ص31.
(3)التباب: الهلاك.
(4)تحيف: يظلم.
(5)تُحابي: تُصانع.
(6)المنهاج في الأدب العربي وتاريخه: ص172.
العبّاسي هبَّ قائلاً:
أيْنَ القُرونُ الماضِيَةُ؟ ***** تَرَكُوا المَنازلَ خالِيَهْ
فَاسْتَبْدَلَتْ بِهمُ دِيا ***** رُهُمُ الرِّيَاحَ الهاوِيَهْ
وَتَشَتّتتْ عَنها الجُمو ***** عُ، وَفَارَقَتْها الغاشِيَهْ
فَإذا مَحَلٌّ لِلْوحُو ***** شِ، وللكِلابِ العاوِيَهْ
دَرَجُوا فَما أَبْقَتْ صُرُو ***** فُ الدَّهر مِنهم باقِيَهْ
لم يَبْقَ مِنْهُمْ بَعْدَهُمْ ***** إلاّ العِظامُ البالِيَهْ
* * *
والدَّهْرُ لا يَبْقى عَلَيْـ ***** ـهِ الشَّامِخَاتُ الرّاسيَهْ
يا عاشقَ الدّارِ التي ***** لَيْسَتْ لَهُ بمُؤَاتِيَهْ
أحْبَبْتُ دَاراً لم تَزَلْ ***** عن نَفْسها لَكَ ناهِيَهْ
أاُخَيَّ فَارْمِ محاسن الدُّ ***** نْيا بعين قَالِيَهْ
وَاعْصِ الهَوَى فما دَعا ***** كَ له، فَبِئْسَ الدّاعِيَهْ
أتَرَى شَبابَكَ عائداً ***** مِنْ بَعْدِ شَيْبِكَ ثانِيَهْ؟
* * *
يَا دَارُ ما لِعُقُولِنا ***** مسْرورةً بِكَ، راضِيَهْ؟
إنّا لَنَعْمُرُ فيكِ نا ***** حِيَةً وَنَتْرُكُ ناحِيَهْ
مَا نَرْعَوي لِلْحادِثا ***** تِ وَلاَ الخُطوبِ الجارِيَهْ
واللهُ لا تَخْفَى عَلَيـ ***** ـهِ من الخلائق خافيَهْ
عجباً لنا ولِجَهْلِنا ***** أنّ العقولَ لَواهِيَهْ
إنّ العُقولَ لَذاهِلا ***** تٌ غَافِلاتٌ لاهِيَهْ
* * *
أفَلا نَبِيعُ مَحَلَّةً ***** تَفْنَى، بِاُخرى باقِيهْ؟
نَصْبُو إلى دار الغرو ***** ر ونَحْنُ نَعْلَمُ ماهِيَهْ
مَنْ مُبلِغٌ عَنّي الإما ***** مَ نَصَائِحاً مُتَوَالِيَهْ؟
إنّي أرى الأسعارَ أســ ***** ــعارَ الرَّعيّةِ، غَالِيَهْ
وأرى المكاسِبَ نَزْرَةٌ ***** وأرَى الضرورةَ فَاشِيَهْ
وأرى اليتامَى والأرا ***** مِلَ في البيوتِ الخالِيَهْ
* * *
من بَيْنِ راج لم يَزَلْ ***** يَسْمُو إليكَ وَرَاجِيَهْ
يَرْجُونَ رِفْدَكَ كَيْ يَرَوْا ***** مِمّا لَقَوْهُ العَافيه
مَنْ يُرْتَجَى لِلنّاسِ غَيْــ ***** ـرُكَ للعُيونِ الباكِيَهْ؟
من للبطون الجائعا ***** ت وللجسوم العاريه؟
يا ابْنَ الخلائف لا فُقِدْ ***** تَ، ولا عَدِمت العافيهْ
إنّ الاُصولَ الطيبا ***** تِ لها فُروعٌ زاكِيَهْ
ألْقيتُ أخباراً إلَيــ ***** ـكَ، من الرعيّة شافِيَهْ((1))
وفي مكان آخر يذكر عظمة الخالق فيقول:
فيا((2)) عَجَباً كَيْفَ يُعْصَى الإلـه ***** أمْ كيفَ يَجْحَدُهُ الجاحِدُ
وللهِ في كُلِّ تَحْريَكَة ***** وفي كُلِّ تسكينة شاهِدُ
وفي كُلِّ شَيء لَهُ آيةٌ ***** تَدُلُّ على أنَّهُ الواحِدُ((3))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ديوان أبو العتاهية: ص187. ديوان أبو العتاهية: ص485. ديوان أبي العتاهية / شرح: مجيد طرّاد: ص437. أبو العتاهية / تحقيق: الدكتور شكري فيصل: ص404.
(2)«أيا عَجَباً» ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: ج6، ص250.
(3)الاشعاع القرآني في الشعر العربي: ص89. شرح ديوان أبو العتاهية: ص70. ديوان ï ًأبي بكر الشبلي / جمعه: الدكتور كامل مصطفى الشبيبي: ص76. تاريخ مدينة دمشق: ج13، ص453.
وقال فيمن غَرّتْهُ الدنيا وأفضت به إلى الهلاك:
مسكينٌ مَنْ غَرّتْ الدُّنيا بآمالِه ***** ِفكمْ تلاعَبَتْ الدُّنْيا بأمثالِهِ
استَغْنِ بِاللهِ عَمّنْ كنتَ تَسْأَلُهُ ***** فاللهُ أفضلُ مسؤول لسؤالهِ((1))
توفّي أبو العتاهية سنة 210هـ.
أبو نؤاس .
هو الحسن بن هاني، ولد في الأهواز سنة 140هـ، ونشأ في البصرة، ثمّ توجّه إلى الكوفة وبغداد واتّصل بالرشيد فالأمين ومدحهما.
وله ديوان يحتوي على ثلاثة عشر ألف بيت في المديح والرثاء والوصف والعتاب والهجاء والزهد والخمريّات والغزل إضافة إلى باب نقائضه مع الشعراء، ومن شعره:
دَع عنك لومي فإنّ اللوم إغراء ***** وداوني بالتي كانت هي الداء((2))
ومن شعره الذي ذكر فيه الوقوف والبكاء ووصف الديار بقوله:
قف بربع الظاعنينا ***** وابكِ إن كنت حزينا
واسأل الدار متى ***** فارقت الدار القطينا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)شرح ديوان أبي العتاهية: ص232.
(2)المجاني الحديثة / الأب شيخو: ج3، ص54. ديوان أبو نؤاس / تحقيق: فوزي عطوي: ص20. ديوان أبي نؤاس / تحقيق: بهجت الحديثي: ص141. نوادر أبي نؤاس / جمع: حكمت الطرابلسي: ص198. التمثيل والمحاضرة: ص890. الحماسة الشجرية / هبة الله بن علي بن الشجري: ص852.
قد سألناها وتأبى ***** أن تجيب السائلينا((1))
وفي مكان آخر يذكر الدار والأيام فيقول:
يا دار ما فعلت بك الأيام ***** ضامتك والأيام ليس تضام
عرم الزمان على الذين عهدتهم ***** بك قاطنين وللزمان عرام((2))
وممّا يدلّ على حسن عقيدته قوله:
أيا من ليس لي منه مجير ***** بعفوك من عذابك استجير
أنا العبد المقر بكلّ ذنب ***** وأنت السيّد المولى الغفور
فإن عذّبتني فبسوء فعلي ***** وأن تغفر فأنت به جدير
أفر إليكم منك وأين إلاّ ***** إليك يفرّ منك المستجير((3))
وقد روى الشافعي قال: دخلت على أبي نؤاس فقلت له: ما أعددت لآخرتك؟ فقال:
تعاظمني ذنبي فلمّا قرنته ***** بعفوك ربّي كان عفوك أعظما((4))
وله أيضاً في حقّ الإمام الرضا(عليه السلام) حيث يروى إنّه تاب في آخر عمره:
قيل لي أنت أوحد الناس طرّاً((5)) ***** في فنون من الكلام النبيه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أعيان الشيعة: ج5، ص345.
(2)المصدر المتقدّم: ص459.
(3)المصدر المتقدّم: ص388.
(4)تاريخ بغداد / محمّد بن علي الخطيب البغدادي: ج7، ص458. تاريخ الأدب العربي / حنّا الفاخوري: ص395. تاريخ مدينة دمشق: ج13، ص458.
وفي كتاب دراسة فنّية في شعر الإمام الشافعي لمؤلّفه حكمت صالح: ص35 نُسب هذا البيت لمحمّد بن إدريس بينما لم أعثر عليه في ديوانه.
(5)طرّاً: جميعاً.
فعلىمَ تركت مدح ابن موسى ***** والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا اهتدي لمدح إمام ***** كان جبريل خادماً لأبيه((1))
ومن قوله عندما حضرته الوفاة دعا بدواة وقرطاس وكتب:
يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة ***** فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم
إن كان لا يدعوك إلاّ محسن ***** فمن الذي يرجو ويدعو المجرم
أدعوك ربّي كما أمرت تضرّعاً ***** فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي إليك وسيلة إلاّ الرجا ***** وجميل عفوك ثمّ إنّي مسلم((2))
حدّث من شاهد أبا نؤاس لمّا حجّ جعل يلبّي بِشِعر حتّى اجتمع به كلّ من سمِعَهُ وجعل يقول:
إِلـهَنَا: مَا أعْدَلَكْ! ***** مِلِيكُ كُلِّ مَنْ مَلَكْ
لَبَّيْكَ، قَدْ لَبَّيْتُ لَكْ ***** لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ لَكْ
وَالمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكْ ***** مَا خَابَ عَبْدٌ سَأَلَكْ
أَنْتَ لَهُ حَيْثُ سَلَكْ ***** لَوْلاَكَ يَا رَبِّ هَلَكْ
لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ لَكْ ***** وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكْ
كُلُّ نَبِيٍّ وَمَلَكْ ***** وَكُلُّ مَنْ أَهَلَّ لَكْ
وَكُلُّ عَبْد سَأَلَكْ ***** سَبَّحَ أَوْ لَبَّى، فَلَكْ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)مسند الرضا / داود بن سليمان الغاري: ص26. الحلقات الذهبية / الشيخ محمّد حسن القبيسي العاملي: الحلقة 21، ص20. مسند الإمام الرضا / جمع: الشيخ عزيز العطاردي: ج1، ص180. سير أعلام النبلاء: ج9، ص389.
(2)وفيات الأعيان: ج2، ص103. تاريخ بغداد: ج7، ص460. تاريخ دمشق: ج13، ص462. جواهر الأدب: ص189.
لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ لَكْ ***** وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكْ
وَاللَّيْلَ لَمَّا أَنْ حَلَكْ ***** وَالسَّابِحَاتِ فِي الْفَلَكْ
عَلى مَجَارِي الْمُنْسَلَكْ ***** يَا مُخْطِئاً مَا أَغْفَلَكْ
عَجِّلْ وَبَادِرْ أَجَلَكْ ***** وَاخْتِمْ بِخَيْر عَمَلَكْ
لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ لَكْ ***** وَالْعِزَّ لاَ شَرِيكَ لَكْ
وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكْ ***** وَالْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكْ((1))
* * *
أحقّاً منك أنكَ لن تراني ***** على حال، وأنّي لن أراكا؟
وأنّك غائبٌ في بطن لَحْد ***** وما قد كنتَ تعلوه علاكا
فلا ضحِكتْ، وقد غُيّبْتَ، سِنّي ***** ولا رَقأت مدامعُ من سَلاكا((2))
وقيل وجدت هذه الأبيات مكتوبة على قبره:
وَعَظَتْك أجداثٌ((3)) صُمُتْ ((4)) ***** ونَعَتْك أزمنة خُفُتْ((5))
وتكلّمت عن أوجه ***** تَبْلى، وعن صُوَر سُبُت((6))
وارَتْك قبَرك في القبو ***** ر، وأنتَ حيٌّ لم تَمُتْ((7))
توفّي أبو نؤاس في بغداد سنة 198هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أبو نؤاس / الدكتور عمر فرّوخ: ص167. أبو نؤاس / ابن منظور المصري: ص156.
(2)أبو نؤاس / الدكتور عمر فرّوخ: ص619.
(3)أجداث: قبور.
(4)صمت: صامتة.
(5)خفت: بصوت خافت ومنخفض.
(6)سُبت: التي أخذها السبات (النوم العميق).
(7)أبو نؤاس / الدكتور عمر فرّوخ: ص170.
[align=center]دعبل الخزاعي [/align]
هو دعبل بن علي بن رزين الخزاعي، وُلد في الكوفة سنة 148هـ، عاصر الأئمّة: الكاظم والرضا والجواد(عليهم السلام).
عاش دعبل وتربّى في أجواء اُسرة موالية لأهل البيت(عليهم السلام) ومحبّة لها، فهو شاعر شيعي مُلتزم شجاع فصيح، ومن شجاعته تحدّى الخلفاء العبّاسيّين علناً وهجاهم، وقد ضلّ بسبب سلاطة لسانه وهجائه يعيش الاضطهاد، ومن شجاعته قال: احمل خشبتي على كتفي... لأجد من يصلبني عليها»((1)) فإذا كان هذا قوله فمن أين يأتيه الخوف؟ يروي صاحب الأغاني أنّ دعبلاً كان يقول:
لا تعجبي يا سَلمُ من رَجُل ***** ضَحِكَ المشِيبُ برأسهِ فبكى((2))
ويذكر التاريخ أنّ المتوكّل منع الناس من زيارة قبر الإمام الحسين(عليه السلام) فقال دعبل كلمته المشهورة:
زُر خيرَ قبر بالعراق يُزارُ ***** واعصي الحمار فمن نهاك حمارُ((3))
لقد وضع صوته عالياً ينعى على الرشيد الذي بلغ بجوره وظلمه ما لم يبلغه الاُمويّون من قتل أئمّة المسلمين وعلمائهم الصالحين حيث يقول:
قتلٌ وأسرٌ وتحريق ومنهبةٌ ***** فِعلُ الغزاةِ بأرضِ الروم والخَزر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الشعر والشعراء في العصر العبّاسي / الدكتور مصطفى الشكحة: ص37. مشاهير الشعراء والاُدباء: ص92.
(2)الأغاني: ج20، ص140. التمثيل والمحاضرة: ص89.
(3)الملحمة الحسينية: ج3، ص344.
أرى اُميّةَ معذُورين إن قَتَلوا ***** ولا أرى لبني العبّاس من عُذرِ
ما ينفع الرجس من قرب الزكي ***** وما علىالزكي بقربالرجس من ضَررِ ((1))
دعبل الخزاعي له أشعار كثيرة ليس بالمدح السياسي فقط وإنّما قال الغزل اللطيف والرثاء، فهو شاعر مطبوع، وكان هجاؤه لم يسلمْ منه أحد من الخلفاء ولا من الوزراء ((2)).
ومن أشهر شعره قصيدته التائية التي قالها في خراسان عند الإمام الرضا(عليه السلام ) :
بكيت لرسم الدار من عرفات ***** وأذريت دمع العين بالعبرات ((3))
مدارس آيات خلت من تلاوة ***** ومنزل وحي مقفر العرصات ((4))
لآل رسول الله بالخيف ((5)) من منى ***** وبالبيت والتعريف والجمرات
ديار لعبد الله بالخيف من منى ***** وللسيّد الداعي إلى الصلوات
ديار عليّ والحسين وجعفر ***** وحمزة والسجّاد ذي الثفنات
ديار لعبد الله والفضل صنوه ***** نجي رسول الله في الخلوات
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 )مقالات / محمّد جواد مغنية: ص172 . ديوان دعبل الخزاعي / تحقيق: عبدالصاحب الدجيلي: ص197 .
(2 )معجم الاُدباء / ياقوت الحموي: ج11 ، ص101 .
(3 )ذكر عبد الصاحب الدجيلي محقّق ديوان الخزاعي في الصفحة 131 : «هذا البيت هو مفتتح القصيدة في بعض الكتب وبالأخصّ في مخطوطة توبنجن».
(4 )يرى ابن شهرآشوب صاحب المناقب 3 : 450 أنّ مطلع القصيدة التائيّة يبدأ بهذا البيت. تحرير الأغاني / ابن واصل الحموي: ج2 ، ص210 .
(5 )الخيف: من منى الذي ينسب إليه مسجد الخيف.
وسبطي رسول الله وابني وصيه ***** ووارث علم الله والحسنات
منزل وحي الله ينزل بينها ***** على أحمد المذكور في السورات
منازل قوم يهتدى بهداهم ***** فتؤمن منهم زلّة العشرات
* * *
منازل كانت للصلاة وللتقى ***** وللصوم والتطهير والحسنات
منازل جبريل الأمين يحلها ***** من الله بالتسليم والرحمات
منازل وحي الله معدن علمه ***** سبيل رشاد واضح الطرقات
منازل لا تيم يحل بربعها ***** ولا ابن صهاك فاتك الحرمات
ديار عفاها كلّ جون مبادر ***** ولم تعف للأيام والسنوات
فيا وارثي علم النبيّ وآله ***** عليكم سلام دائم النفحات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها ***** متى عهدها بالصوم والصلوات
وأينالأولى شطت بهم غربة النوى ***** أفانين في الآفاق مفترقات
هم أهل ميراث النبيّ إذا اعتزوا ***** وهم خير سادات وخير حماة
لقد آمنت نفسي بكم في حياتها ***** وإنّي لأرجو الأمن عند مماتي
* * *
إذا لم نناجي الله في صلواتنا ***** بأسمائهم لم تقبل الصلوات
إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر ***** ويوم حنين اسبلوا العبرات
فكيف يحبّون النبيّ ورهطه ***** وهم تركوا أحشاءنا وغرات
فإن لم تكن إلاّ بقربى محمّد ***** فهاشم أولى من هن وهنات
أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً ***** وقد مات عطشاناً بشطّ فرات
إذن للطمت الخدّ فاطم عنده ***** وأجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يابنة الخير واندبي ***** نجوم سماوات بأرض فلاة
قبور بكوفان، واُخرى بطيبة ***** واُخرى بفخ نالها صلواتي
واُخرى بأرض الجوزجان محلّها ***** وقبر بباخمرى لدى الغربات
وقبر ببغداد لنفس زكيّة ***** تضمّنها الرحمان في الغرفات
* * *
قبور ببطن النهر من أرض كربلا ***** معرسهم منها بشطّ فرات
تُوفوا عطاشاً بالفرات فليتني ***** توفيت فيهم قبل حين وفاتي
وآل رسول الله تسبى حريمهم ***** وآل زياد آمنوا السربات
وآل زياد في القصور مصونة ***** وآل رسول الله في الفلوات
إلى الله أشكو لوعةً عند ذكرهم ***** سقتني بكأس الذلّ والقطعات
وإن فخروا يوماً أتوا بمحمّد ***** وجبريل والفرقان والسورات
وعدّوا عليّاً ذا المناقب والعلا ***** وفاطمة الزهراء خير بنات
وحمزة والعبّاس ذا الهدي والتقى ***** وجعفراً الطيّار في الحجبات
هم منعوا الآباء من أخذ حقّهم ***** وهم تركوا الأبناء رهن شتات
وهم عدلوها عن وصيّ محمّد ***** فبيعتهم جاءت عن الغدرات
* * *
ملامك في أهل النبيّ فإنّهم ***** أحباي ما عاشوا وأهل ثقاتي
تخيرتهم رشداً لأمري، فإنّهم ***** على كلّ حال خيرة الخيرات
نبذت إليهم بالمودّة صادقاً ***** وسلمت نفسي طائعاً لولاتي
فيا ربّ زدني من يقيني بصيرة ***** وزد حبّهم يا ربّ في حسناتي
سأبكيهم ما حجّ لله راكب ***** وما ناح قمري على الشجرات
فيا عين بكيهم، وجودي بعبرة ***** فقد آن للتسكاب والهملات
لقد حفت الأيام حولي بشرها ***** وانّي لأرجو الأمن بعد وفاتي
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً ***** وأيديهم من فيئهم صفرات
فكيف اداوي من جوى لي والجوى ***** امية أهل الفسق والتبعات
فآل رسول الله نحف جسومهم ***** وآل زياد حفّل القصرات
* * *
سأبكيهم ما ذرّ في الأرض شارق ***** ونادى منادي الخير بالصلوات
وما طلعت شمس وحان غروبها ***** وبالليل أبكيهم، وبالغدوات
وآل رسول الله تدمى نحورهم ***** وآل زياد آمنوا السربات
إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم ***** اكفاً عن الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أوغد ***** لقطع قلبي أثرهم حسرات
خروج إمام لا محالة خارج ***** يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كلّ حق وباطل ***** ويجزي على النعماء والنقمات
سأقصر نفسي جاهداً عن جدالهم ***** كفاني ما ألقى من العبرات
فيا نفس طيبي ثمّ يا نفس ابشري ***** فغير بعيد كلّ ما هو آت ((1))
* * *
-
توفّي دعبل الخزاعي سنة 246هـ ((2)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 )ديوان دعبل بن علي الخزاعي / تحقيق: عبدالصاحب الدجيلي: ص131 . ينابيع المودّة: ج3 ، ص115 . ديوان دعبل بن علي الخزاعي / شرح: حسن حمد: ص40 . ديوان دعبل الخزاعي / شرح: ضياء حسين: ص59 . مسند الإمام الرضا / جمع: الشيخ عزيز الله العطاردي: ج1 ، ص187 . دراسات في الأدب العربي / الدكتور محمّد زغلول سلام: ص227 . عيون أخبار الرضا / ابن بابويه القمّي: ص294 . الاتحاف بحبّ الأشراف / عبدالله بن محمّد الشبراوي: ص21 . أخبار شعراء الشيعة: ص100 ـ 105 .
(2 )ضبط الأعلام / أحمد تيمور باشا: ص59 .
البحتري
هو أبو عبادة الوليد بن عبيدالله بن يحيى البُحتريّ الطائيّ ((1))، وُلد في منبج بسوريا سنة 206هـ. كان فصيحاً نقيّ الكلام وشعره صقيل وحُلو الألفاظ سلس الاُسلوب وسهل التراكيب، وكان يتجنّب التعقيد.
اعتبره أكثر الاُدباء بأنّه شيخ الصناعة وأحسن الشعراء براعةً في ذكر الطيف والخيال حيث كثُر في ديوانه الغزل والوصف والهجاء فامتاز بحسن السبك، وأكثر في وصف مظاهر الطبيعة، وكذلك قال الرثاء والفخر والحِكَم فهو يُحسن المديح ويجيد العتاب، حيث يقول :
لوت بالسلام بياناً خضيباً ***** ولحظاً يُشوّق الفوآد الطّروبا
اُكذّب ظنّي بأن قد سَخَطْتَ ***** وما أعْهَدُ ظنّي كَذُوبا
ولو لم تكن ساخطاً لم أكُنْ ***** أذمُّ الزمان وأشكو الخُطُوبا
ولا بُدّ مِنْ لَوْمَة أتنحّى ***** عليك بها مُخطئاً أو مُصيباً
وما كان سخطك إلاّ الفراق ***** أفاضَ الدمعَ وأشجى القُلوبا
سأصبرُ حتّى اُلاقي رضاك ***** إمّا بعيداً وإمّا قريباً ((2))
لقد اعترف المتنبّي بشاعريّة البحتري حيث قال: «أنا وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري» ((3))، وعن أبي العبّاس المبرّد قال: «سألني عبيد الله بن سليمان عن أبي تمّاموالبحتري فقلتُ: أبو تمام يعلو عُلوّاً رفيعاً، ويَسقُطُ سقوطاً قبيحاً، والبحتري
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 )الأغاني: ج21 ، ص42 .
(2 )ديوان البحتري: ج1، ص61.
(3 )سلسلةشعراء العرب / إسماعيل اليوسف: ص31.
أحسن الرجلين نمطاً وأعذبُ لفظاً» ((1)).
واعتبر البحتري أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم حيث; «قيل لأبي العلاء المعرّي: أيُّ الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبي وأبو تمّام حكيمان، وإنّما الشاعر البحتري» ((2)).
توفّي البحتري سنة 284هـ ((3))، وقيل: سنة 285هـ ((4)).
الصاحب بن عبّاد
وُلد إسماعيل بن عبّاد بن العبّاس عام 326هـ ((5)).
قال أبو منصور الثعالبي في كتابه اليتيمة: «ليست تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علوِّ محلّه في العلم والأدب، وجلالة شأنه في الجود والكرم» ((6)).
كان مجلسه «محطّ رحال الاُدباء والشعراء» ((7)).
وهو القائل: «وها أنا منذ عشرين سنة كنت اُجالسُ الشعراء وأكابر الاُدباء واُباحثُ الفضلاء» ((8)). فشاعرنا يعتبر من «نوادر الدهر علماً وفضلاً ورأياً» ((9))،
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 )الامتاع والمؤانسة / أبو حيّان التوحيدي: ص186 .
(2 )الأعلام: ج8 ، ص121 .
(3 )وفيّات الأعيان: ج2 ، ص175 . الأغاني: ج21 ، ص42 .
(4 )مفتاح السعادة: ج1 ، ص93 . تاريخ بغداد: ج13 ، ص446 . الأعلام: ج8 ، ص121 .
(5 )الأعلام: ج1 ، ص312 .
(6 )وفيّات الأعيان: ج1 ، ص228 . معجم الاُدباء: ج6 ، ص168 .
(7 )تاريخ آداب اللغة العربيّة: ج1 ، ص585 . معاهد التنصيص / عبدالرحيم العبّاسي: ج4 ، ص111 .
(8 )أعيان الشيعة: ج3 ، ص352 .
(9 )تشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة / محسن عبد عليّ التنوخي: ج4 ، ص94 . ï ً النجوم الزاهرة / جمال الدين يوسف الأتاكي: ج4 ، ص170 . تاريخ ابن خلدون / عبدالرحمن بن خلدون: ج4 ، ص620 .
«وإحساناً» ((1)).
أجاد الصاحبُ في «شعره كما هو في نثره» ((2)) فكان شاعراً مترسّلاً، ويمتاز شعره «بالعُذوبة والرّقّة» ((3))، ترك لنا في التأليف والتصنيف آثاراً قيّمة نذكر منها:
ـ المحيط في اللغة.ـ الكشف عن مساوئ شعر المتنبّي.
ـ ديوان شعره.ـ كتاب الوزارة.
ـ الكافي في فنون الكتاب.ـ التذكرة في الاُصول الخمسة ((4)).
ـ الإقناع في القُروض.ـ ديوان رسائله ((5)).
ـ رسالة في الطبّ.ـ كتاب الزيديّة.
ـ الفرق بين الصّاد والطّاء ((6)).ـ كتاب التعليل.
ـ كتاب الأنوار.ـ كتاب الإمامة.
ـ كتاب الشّواهد.ـ كتاب الفصول المهذّبة.
ـ كتاب نهجُ السبيل.ـ كتاب نَقضُ العَروُض.
ـ كتاب علمُ الكلام ((7)).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 )معاهد التنصيص: ص111 .
(2 )تاريخ آداب اللغة العربية: ج1 ، ص585 .
(3 )تشوار المحاضرة: ص94 .
(4 )تاريخ أبي الفداء / إسماعيل بن عليّ: ج1 ، ص474 . ديوان الصاحب بن عبّاد: ص182 . أعيان الشيعة: ج3 ، ص352 . وفيّات الأعيان: ص231 .
(5 )وفيّات الأعيان: ص352 .
(6 )ديوان الصّاحب بن عبّاد: ص182 .
(7 )أعيان الشيعة: ج3 ، ص352 .
لقد أبدع شاعرنا في فنون الشعر، فقد جمع ديوانه أكثر الأغراض الفنّيّة، فله قصيدة تبلغ (52) بيتاً خالية من حرف الألف، قالها في حقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام):
قد ظلَّ يجرحُ صدري ***** من ليس يعذرُهُ فكري
ظبيٌ بصفحة بَدْرِ ***** يَزْهو به مطر شِعْر
يُغري همومي بقلبي ***** فكم يجُور ويُغري ((1))
ومن شعره أيضاً:
حُبُّ عليّ بن أبي طالب ***** أحلى من الشهدة للشارب
لا تُقبلُ التوبةُ مِنْ تائبِ ***** إلاّ بحُبّ ابن أبي طالب ((2))
ثمّ ذكر عقيلة النساء(عليها السلام)، واُمُّ الأبناء وجالبة الأصهار والأولاد الأطهار; إذ يقول :
فلو كان النساءُ كمثل هذي ***** لفُضّلت النساءُ على الرِّجالِ
وما التأنيث لاسمِ الشمس عَيْبٌ ***** ولا التّذكيرُ فخرٌ للهلالِ
فالدنيا مؤنّثة والرّجالُ يخدمونها، والسماء مؤنّثة وقد زُيّنت بالكواكب، والنفسُ مُؤنّثة وبها قوام الأبدان، والحياة مؤنّثة ولولاها لم تتصرّف الأجسام، والجنّة مؤنّثة وبها وُعد المتّقون ((3)).
ثمّ ننتقل إلى قصيدته اللاّميّة التي أودع فيها خُلاصة آرائه في اُصول الدين بالاضافة للحوار الرقيق الذي ينطلق في تمجيده للرسول(صلى الله عليه وآله) وذكر فضائل أهل
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 )ديوان الصاحب بن عبّاد: ص147 .
(2 )أعيان الشيعة: ص358 .
(3 )المصدر المتقدّم: ص357 .
البيت(عليهم السلام)، وبالنظر لأهمّية ما تتضمّنه هذه القصيدة من أفكار وآراء فقد حظيت بالاهتمام الزائد على مرّ العصور وشُرحت من قِبل مختصّين كثيرين، وقد ارتأيتُ أنْ أنقل مقاطع من هذه القصيدة الفريدة:
قالتْ: أباالقاسم استخففتَ ((1)) بالغَزَلِ ***** فقلتُ: ما ذاكَ من همِّي ولا شُغُلي
قالتْ: اُريدُ اعتذاراً منكَ تظهرُهُ ***** فقلتُ: عُذراً وما أخشى من العَذَلِ
قالتْ: فكيف عرفتَ الحقَّ هاتِ بهِ ***** فقلتُ: بالفكرِ في الأقوال والعللِ
قالتْ:فَمَنْصاحبُالدينِالحنيفِأجِبْ ***** فقلتُ: أحمدُ خيرُ السادةِ الرُّسُلِ
قالتْ: فهل معجز وافى الرسولُ بِهِ ***** قلتُ: القرآنُ وقد أعيا على الأوَلِ
قالتْ: فَمَنْ بعدَهُ يُصْفى الولاءُ لَهُ ***** قلتُ: الوصيُّ الذي أربى على زُحَل
* * *
قالتْ: فهل أحدٌ في الفضلِ يقدمُهُ ***** فقلتُ: هل هضبةٌ ترقى على جبلِ
قالتْ: فَمَنْ أَوَّلُ الأقوامِ صدَّقَهُ ***** فقلتُ: مَنْ لم يَصِرْ يوماً إلى هُبَلِ
قالتْ: فَمَنْ بات من فوق الفراشِ فدىً ***** فقلتُ: أثْبَتُ خَلْقِ الله في الوَهل
قالتْ: فمن فاز في بدر يمفخرِها ***** فقلتُ: أضْرَبُ خَلْقِ الله للقُلَلِ
قالتْ: فمن ساد يوم الروع من اُحُد ***** فقلتُ: مَنْ هالَهُمْ بأساً ولم يُهَلِ
قالتْ: فمن فارسُ الأحزاب يفرسُها ***** فقلتُ: قاتلُ عمروِ الضيغم البَطَلِ
* * *
قالتْ: فخيبرُ مَنْ ذا هدّ معقلَها ***** فقلتُ: سائقُ أهلِ الكفرِ في عُقُلِ
قالتْ: فيوم حُنَيْن مَنْ بَرى وفَرى ***** فقلتُ: حاصدُ أهلِ الشرك في عَجَلِ
قالتْ: فَمَنْ صاحبُ الرايات يحملُها ***** فقلتُ: مَنْ حِيْطَ عن غشٍّ وعن نَفَلِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 )استخففت: من استخفّ، أي استهزأ.
قالتْ: فَمَنْ راكعٌ زكى بخاتمِهِ ***** فقلتُ: أطْعَنُهُمْ مُذْ كان بالأسَلِ
قالتْ: ففيمن أتانا «هل أتى» شرفاً ***** فقلتُ: أبْذَلُ خَلْقِ الله للنَّفَلِ
قالتْ: فَمَنْ قاتَلَ الأقوامَ إذْ نكثوا ***** فقلتُ: تفسيرُهُ في وقعةِ الجَمَلِ
* * *
قالتْ: فَمَنْ حارَبَالأنجاس إذْ قسطوا ***** فقلتُ: صفُين تُبدي صفحةَ العَمَلِ
قالتْ: فَمَنْ قارَعَ الأرجاس إذْ مرقوا ***** فقلتُ: معناهُ يومَ النهروانِ جَلي
قالتْ: فَمَنْصاحبالحوضالشريفغداً ***** فقلتُ: مَنْ بيتُهُ في أشرفِ الحِلَلِ
قالتْ: فَمَنْ ذا لواءُ الحمدِ يحملُهُ ***** فقلتُ: مَنْ لم يكنْ في الرَّوْعِ بالوَكِلِ
قالتْ: أكُلُّ الذي قد قلتَ في رجل ***** فقلتُ: كلُّ الذي قد قلتُ في رجلِ
قالتْ: ومَنْ هو هذا المرءُ سَم لنا ***** فقلتُ: ذاك أمير المؤمنين علي ((1))
* * *
توفّي الصاحب بن عبّاد سنة 385هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 )ديوان الصاحب بن عبّاد: ص29 . الصاحب بن عبّاد.. حياته وأدبه / تحقيق: محمّد حسين آل ياسين: ص239 . الغدير في الكتاب والسنّة والأدب / عبدالحسين الأميني: ج4 ، ص63 . الإمام عليّ رسالة وعدالة: ص375 .
الفصـل العاشر
الشريف الرضي(رضي الله عنه)
أشهر كتبه ونماذج من شعره
الشريف المرتضى(رضي الله عنه)
تأليفاته ومقاطع من شعره
أبو الفتح البستي ونموذج من شعره
أبو الحسن الأنباري ونموذج من رثائه
ابن أبي الحديد ونماذج من شعره
ابن المقفّع
الجاحظ
[152]
[153]
الشريفان
الرضي والمرتضى
إنّ السيّدين الشريفين العالمين الأديبين الرضي والمرتضى، وُلدا في بغداد وينتهي نسبُهُما بسبعة أظهر إلى الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام).
اُمّهما العلويّة الفاضلة فاطمة بنت ناصر. وقد تتلمذا على يد الشيخ المفيد((1))(رحمه الله)صاحب كتاب الإرشاد.
الشريفان الرضي والمرتضى، اشتهرا بالشعر والأدب، فكلاهما شاعران فقيهان أديبان، لكنّ الشريف الرضي اشتهرا بالشعر والأدب بينما الشريف المرتضى اشتهر بالفقه والكلام أكثر من الشعر والأدب.
الشريف الرضي
هو محمّد بن الحسين الموسوي الملقّب بالشريف الرضي، وُلد في بغداد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)هو الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان الملقّب بالمفيد، ولد في إحدى قرى الدجيل سنة 336 هـ، له من المؤلّفات ما يزيد على مائتي كتاب، ذكرها وعدّدها محمّد بن سليمان التنكابني في كتابه قصص العلماء، توفّي في بغداد سنة 413 هـ، وصلّى عليه السيّد المرتضى.
[154]
سنة 359هـ، تربّى في كنف أبيه نقيب الأشراف، ودرس على كبار علماء عصره أمثال الشيخ المفيد(رحمه الله)، تولّى نقابة الأشراف على عهد أبيه، وصار أمير الحاجّ، حيث كتب قصائده «الحجازيّات» التي تمتاز بعذوبة ورقّة وجمال خاصّ.
وأشهر كتبه:
1 ـ المجازات النبويّة((1)).
2 ـ خصائص الأئمّة((2)).
3 ـ أخبار قضاة بغداد((3)).
4 ـ حقائق التأويل في متشابه التنزيل((4)).
5 ـ نهج البلاغة، والذي يحتوي على منتخبات من خطب وعهود ووصايا أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام).
6 ـ مجازات القرآن((5)).
7 ـ متشابه القرآن((6)).
8 ـ ديوان شعره، وهو في جزئين ضخمين.
9 ـ الزيادات في شعر أبي تمّام((7)).
ومن أجمل ما قاله الشريف الرضي(رحمه الله) في الشوق إلى ديار الأحبّة قوله:
ولقد مررتُ على ديارهم ***** وطلولُها ليد البلى نهبُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الذريعة في تصانيف الشيعة / آقا بزرك الطهراني: ج19، ص351.
(2)المصدر المتقدّم: ج7، ص164.
(3)المصدر المتقدّم: ج1، ص345.
(4)المصدر المتقدّم: ج7، ص32.
(5)المصدر المتقدّم: ج19، ص351. المجازات النبويّة / تحقيق: طه محمود: ص8.
(6)المصدر المتقدّم: ج19، ص62.
(7)المصدر المتقدّم: ج12، ص77.
[155]
فوقفتُ حتى لجّ من لَغَب ***** نضوي ولج بعذلي الركب((1))
وتلفتت عيني فمذ خفيتْ ***** عنّي الطلولُ تلفّتَ القلبُ
كذلك رثى الأهل والأصدقاء كما رثى والدته فاطمة بنت ناصر في قصيدته:
ابكيكِ لو نقع الغليل((2)) بكائي ***** وأقولُ لو ذهب المقال بدائي
وأعوذُ بالصبر الجميل تعزيا ***** لو كانَ بالصبر الجميل عزائي
كم عبرة مَوَّهتها بأناملي ***** وسترتَها متجملاً بردائي
ما كنت اُذخرُ في فداكِ رغيبة ***** لو كان يرجع ميّتٌ بِفِداء
فارقت فيك تماسكي وتجمّلي ***** ونسيت فيك تعزري وإبائي
قد كنت آمل أن أكون لكِ الفدا ***** ممّا ألمَّ فكنت أنتِ فدائي
وتفرّق البُعْداءِ بعد مَوَدة ***** صعبٌ فكيف تفرق القرباء((3))
في ديوانه كافّة الفنون والأغراض الشعرية، كما نلاحظ الغزل بألفاظ وتعابير دقيقة بالاضافة إلى اللهجة البدوية وقد دُعيت غزلياته بالحجازيات; لأنّ أكثرها قيل في موسم الحجّ كما ذكرنا آنفاً، فهو لم ينحرف به الطريق عن العفّة والشرف والخُلق الرفيع فنجده يقول:
عفافي من دون التقيّة زاجرُ ***** وصونك من دون الرقيب رقيبُ
عشقتُ وما لي يعلمُ الله حاجة ***** سوى نظري والعاشقون ضروبُ((4))
وفي مكان آخر من ديوانه نجد في شعره الحافل بضروب العواطف وصنوف
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)حتّى تعبت ناقتي المهتوكة وأكثر رفاقي لومي.
(2)نقع الغليل: حرارة الحزن.
(3)الانتصار / الشريف المرتضى: ص12.
(4)أعيان الشيعة: ج9، ص223.
[156]
الأشواق فهو يشكو ويذكر الشوق وطهارة حُبّه فيقول:
يشكو الحبيبُ إليَّ شدّةَ شوقه ***** وأنا المشوق وما يبين جناني((1))
حاول الشريف الرضي أن يستهلّ قصائده بالحِكم والفخر والمدح «الذي لم يكن للتكسّب»((2)) حيث مدح أباه، وكان مدحه إجلالاً وتكريماً لا وسيلة من وسائل الكسب. فشعر السيّد الرضي(رضي الله عنه) شعر العاطفة الحيّة وكلمة الوجدان والأناقة العذبة، وممّا جاء في قصيدة (يا طيبة البان) نراه يقول:
كأن طرفكِ يوم الجزع يخبرنا ***** بما طوى عنك من أسماء قتلاكِ
أنت النعيم لِقلبي والعذابُ له ***** فما أمرّك في قلبي وأحلاكِ
عندي رسائل شوق لست أذكرها ***** لولا الرقيب لقد بلّغتها فاكِ
يا حبّذا نفحةٌ مرت بفيك لنا ***** ونطقة غُمست فيها ثناياكِ((3))
توفّي السيّد الرضي سنة 406هـ، ودفن في مقابر قريش بالكاظمية، وقيل: نقل جثمانه إلى كربلاء المقدّسة((4)).
الشريف المرتضى
وُلد عليّ بن الحسين سنة 355هـ في بغداد وأصبح «نقيب الطالبيّين»((5)) ورئيس الطائفة والحوزة الشيعيّة بعد اُستاذه الشيخ المفيد، فهو خليفتُه في علم الكلام وفنّ المُناظرة، فقد كان(رحمه الله) أعرف الناس في زمانه بالكتاب والسنّة ووجوه التأويل في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)في الأدب العبّاسي / محمّد مهدي البصير: ص418.
(2)مشاهير الشعراء والاُدباء: ص120.
(3)ديوان الشريف الرضي: ج2، ص108.
(4) و (5) أعيان الشيعة: ج8، ص213.
[157]
الآيات والروايات ومواد الاستدلال.
الشريف المرتضى صاحب مدرسة تخرّج منها الكثير من الفقهاء والمتكلّمين، منهم الفقيه الاُصولي المحدّث الشهير الشيخ الطوسي صاحب كتابي الاستبصار والتهذيب.
أهمّ كتبه:
الشافي في الإمامة ((1)) الذريعة في اُصول الشريعة ((2))
طيفٌ وخيال ((3)) ديوان شعره ، يزيد على 20 ألف بيت ((4))
كتاب الذخيرة ((5)) كتاب الملخّص في اُصول الدين((6)).
رسالة الغيبة ((7)) غُرر الفرائد ودُرر القلائد ((8))
مسائل أحكام الآخرة ((9)) الانتصار((10)).
مسائل الخلاف في الفقه ((11)) المسائل الناصريّات((12)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج13، ص8. أعيان الشيعة: ج8، ص219.
(2)المصدر المتقدّم: ج10، ص26.
(3)المصدر المتقدّم: ج15، ص196.
(4)المصدر المتقدّم: ج9، ص123.
(5)المصدر المتقدّم: ج10، ص11.
(6)المصدر المتقدّم: ج22، ص210.
(7)المصدر المتقدّم: ج16، ص77.
(8)المصدر المتقدّم: ج16، ص42.
(9)المصدر المتقدّم: ص514.
(10)المصدر المتقدّم: ج2، ص360.
(11)المصدر المتقدّم: ج20، ص345. المسائل الناصريّات / الشريف المرتضى: ص27. أعيان الشيعة: ص219.
(12)الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج20، ص370.
[158]
أمالي المرتضى ((1)) الشيب والشباب ((2)).
تنزيه الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) ((3)) المسائل الطبرية ((4)).
تفضيل الأنبياء على الملائكة ((5)).
للشريف المرتضى مدائح كثيرة ومراث في ذويه وأهله بالاضافة إلى الحماسة والفخر.
لقد كان ديوانه الشعري ومؤلّفاته(رحمه الله) تُراثاً ضخماً أتحفَ المكتبة العربية بهما حيث وصفه مترجمون بأوصاف تدلّ على كبير مقامه وعَظّمُوهُ في علمه وأدبه، لقد قال بعضهم: كان المرتضى «إماماً في علم الكلام والأدب والشعر»((6)). كذلك قال الدكتور عبدالرزاق محيي الدين: «رأيت في المرتضى أديباً ناقداً يعتبر في طليعة الناقدين وأديباً ناثراً يعدُّ من خيرة الاُدباء المترسلين وأديباً شاعراً»((7)).
ومن شعر سيّدنا علم الهدى المرتضى وهو يفتخر:
أما الشبابُ فقد مَضَتْ أيّامُه ***** ُواسْتَلّ من كفّي الغَداة زمامُه
وتنكرتْ آياتُه وتَغَيّرتْ ***** جاراتُه وتقوّضتْ آطامُه
ولقد درى مَنْ في الشباب حياتُه ***** إنّ المشيبَ إذا علاهُ حِمامُه
عُوُجَا نُحيّي الريعَ يُدللنا الهوى ***** فلرُبّما نَفَعَ المحبّ سَلامُه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)المصدر المتقدّم: ج2، ص312.
(2)أعيان الشيعة: ج8، ص219. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج14، ص264.
(3)المصدر المتقدّم: ج4، ص456.
(4)أستار كشف الحجب والأستار / إعجاز حسين النيسابوري: ص508.
(5)الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج14، ص359.
(6)وفيات الأعيان: ج3، ص313. أبجد العلوم / صدّيق بن حسن القنوجي: ج3، ص66.
(7)أعيان الشيعة: ج8، ص214.
[159]
واستعبرا عنّي به إنْ خانني ***** جفني فلم يُمطرْ عليه غمامَه
وإذا الفتى قصُرتْ به أخوالُه ***** في المجد لم تنهضْ به أعمامُه
وإذا خِصالُ السُّوءِ باعَدْنَ امرءاً ***** عن قومه لم يُدنه أرحامُه((1))
ثمّ يقول في قصيدته أكثر تعانقاً وتماسكاً بين أبياتها فكأنّها سلاسل الذهب حقّاً حيث يختمها.
وطابتْ لي حياتك ثمّ طالتْ ***** فخيرُ العيش ما إنْ طالَ طابا((2))
وأمّا اُسلوبه في الرثاء:
فقال في رثاء أخيه الرضي، وقد توفّي في محرم سنة 406هـ:
وتَدرُّ لي نُوَفُ الزمان مصائباً ***** في كلّ راشقة بلا إبساسِ((3))
ما زلتُ أحذرُ وِرْدَها حتّى أتب ***** فحسَوتُها في بعض ما أنا حاسِ((4))
لا تُنكِرا منْ فَيضِ دمعيَ عَبْرةً ***** فالدمعُ خيرُ مساعد ومواسي
واهاً لعُمرك من قصير طاهر ***** ولرُبّ عمر طالَ بالأرجاسِ((5)) ((6))
نموذج من شعر الشريف المرتضى في الغزل العرفاني:
ليس في العشق جُناح ((7))***** بل هو الدّاءُ الصراحُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الغدير: ج4، ص371.
(2)ديوان الشريف المرتضى / تحقيق: رشيد الصفّار: ج1، ص211.
(3)قول الجالب للناقة بس بس لتسكينها.
(4)حسوتها: شربتها.
(5)الأرجاس: الآثام، مفردها رجس.
(6)ديوان الشريف المرتضى: ص579.
(7)الجُناح: الإثم.
[160]
هو جدُّ جرّه مَعْ قَدَرِ ***** اللّهِ المِزاحُ
جَحدوا((1)) الحُبّ ولكن ***** كتَمُوهُ ثُمَّ باحوا((2))
ليت أهل العشقِ ماتوا ***** فأراحوا واستراحوا((3))
توفّي السيّد الشريف المرتضى سنة 436هـ، ودفن في داره، ثمّ نُقل إلى جوار جدّه الحسين((4))(عليه السلام).
أبو الفتح البستي
نشأ البستي في منتصف القرن الرابع الهجري.
هو أبو الفتح عليّ بن محمّد البستي، نسبه إلى بُست من بلاد كابل. وهو شاعر بارع وكاتب مجيد، واشتهر البستي بقصيدته «زيادة المرء» في الحكمة:
زيادة المرء في دنياه نقصان ***** وربحه غير محض ((5)) الخير خسران
وكل وجدان حظ لا ثبات له ***** فإن معناه في التحقيق فقدان
يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً ***** بالله هل لخراب العمر عمران
ويا حريصاً على الأموال يجمعها ***** أنسيت أنّ سرور المال أحزان
دع الفؤاد عن الدنيا وزخرفها ***** فصفوها كدر والوصل هجران
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)جحدوا: أنكروا.
(2)أباحوا: أجازوا.
(3)ديوان الشريف المرتضى: ج1، ص333.
(4)مسائل الناصريّات / عليّ بن الحسين: ص37. أعيان الشيعة: ج9، ص213.
(5)محضاً: الودّ أو النصح.
وأوع سمعك أمثالاً أفصّلها ***** كما يفصّل ياقوت ومرجان
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ***** فطالما استعبد((1)) الإنسان إحسان
وإن ا ساء مسيء فليكن لك في ***** عروض زلّته صفح وغفران
وكن على الدهر معواناً لذي أمل ***** يرجو نداك فإنّ الحر معوان
واشدد يديك بحبل الله معتصماً ***** فإنّه الركن إن خانتك أركان
* * *
من يتّق الله يحمد في عواقبه ***** ويكفه شرّ من عزوا ومن هانوا
من استعان بغير الله في طلب ***** فإنّ ناصره عجز وخذلان((2))
من كان للخير منّاعاً فليس له ***** على الحقيقة إخوان وأخدان((3))
من جاد بالمال مال الناس قاطبة ***** إليه والمال للإنسان فتّان((4))
من عاشر الناس لاقى منهم نصباً((5)) ***** لأن أخلاقهم بغي((6)) وعدوان
* * *
من استشار صروف الدهر قام له ***** على حقيقة طبع الدهر برهان
من يزرع الشرّ يحصد في عواقبه ***** ندامة ولحصد الشرّ إبّان((7))
من استقام إلى الأشرار قام وفي ***** قميصه منهم صل وثعبان
ورافق الرفق في كلّ الاُمور فلم ***** يندم رفيق ولم يذممه إنسان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)استعبد: اتّخذه عبداً.
(2)خذلان: من الخذل.
(3)أخدان: الصاحب والحبيب.
(4)فتّان: كثير الفتنة.
(5)نصباً: تعباً.
(6)بغي: الباغي.
(7)إبّان: أبّان الشيء: أوّله، حينه.
[162]
أحسن إذا كان إمكان ومقدرة ***** فلن يدوم على الإنسان إمكان
* * *
دع التكاسل في الخيرات تطلبها ***** فليس يسعد بالخيرات كسلان
لا ظلّ للمرء أحرى من تقى ونهى ***** وإن أظلته أوراق وأغصان
والناس أعوان من والته دولته ***** وهم عليه إذا عادته أعوان
سبحان من غير مال بأقلّ حصر ***** وبأقلّ في ثراه المال سحبان
لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم ***** غرائز لست تحصيها وألوان((1))
* * *
وله في النصيحة:
إذا قنعت بميسور من القوت ***** بقيت في الناس حرّاً غير ممقوتِ
يا قوتَ يومي إذا ما درَ خلفك لي ***** فلست آسي على درٍّ وياقوتِ((2))
وقال أيضاً:
رميتك مِن حكم القضاء بنظرة ***** وما لِيَ عن حكم القضاء مناصُ((3))
فلمّا جرحتُ الخدَّ منك بنظرة ***** جرحتَ فؤادي والجروح قصاصُ((4))
البستي له طريق معروف واُسلوب مشهور في التجنيس حين يقول:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)جواهر الأدب: ج2، ص431. لطائف الرجال / عبدة غالب أحمد: ص146. وفيات الأعيان: ج1، ص356. الكشكول الكامل / بهاء الدين العاملي: ص111. أبو الفتح البستي / الدكتور محمّد مرسي الخولي: ص313. ديوان أبي الفتح البستي / تحقيق: دريد الخطيب ولطفي الصقّال: ص186.
(2)البداية والنهاية: ج11، ص315.
(3)مناص: مفرّ وملجأ.
(4)ديوان أبي الفتح البستي: ص113.
[163]
لم تر عيني مثلَهُ كاتباً ***** لكلِّ شيء شاء وشاءا
-
يُبدعُ في الكُتبِ وفي غيرها ***** بدائعاً إن شاء إنشاءا((1))
وفي مجال آخر من شعره يذكر الآخرة بقوله:
يا ناعماً بسرور عيش زائل ***** ستزول عنه طائعاً أو كارِهاً
إنّ الحوادث تزعج الآساد عن ***** ساحاتها والطير عن أوكارِها((2))
توفّي البستي سنة 406هـ.
أبو الحسن الأنباري
كان أبو الحسن الأنباري صوفياً وواعظاً وشاعراً، عندما انتصر عضد الدولةعلى ابن عمّه عزّ الدولة واستلم زمام الحكم أمر عضد الدولة بأن يوضع ابن بقيةوزير عزّ الدولة بين قوائم الفيلة، فوضعه فتخبطته بأرجلها حتّى هلك، ثمّ صلب على رأس الجسر.
رثاه أبو الحسن الأنباري بقصيدة تعتبر من أعظم المراثي حتّى أنّ عضد الدولةالذي أمر بصلبه تمنّى لو كان هو المصلوب، والقصيدة قيلت فيه. لقد اشتهر الشاعر الأنباري بهذه القصيدة حيث يقول:
عُلو في الحياة وفي المماتِ ***** حرٌّ أنتَ إحدى المُعجِزَاتِ
كأنّ الناس حولَك حين قَامُوا ***** وُفودُ نداك((3)) أيام الصلاتِ((4))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الوافي بالوفيّات / خليل الصفدي: ج22، ص168.
(2)المصدر المتقدّم: ص169.
(3)وفود نداك: الوفود الآتية لنيل الكرم.
(4)الصلات: العطية.
[164]
كأنّكَ قائم فيهمْ خطِيباً ***** وكلُّهمُ قيامٌ لِلصَّلاةِ
مددت يديكَ نحوهُم أحْتِفاء((1)) ***** كَمَدّهما إليهمْ بالْهِباتِ
ولمّا ضاقَ بطْنُ الأرضِ عن أنْ ***** يضُمَّ عُلاَكَ مِنْ بَعْدِ الوفاةِ
أصارُوا الجَوَّ قبرَك واستعاضوا ***** عنِ الأكْفانِ ثوب السافيات((2))
لعُظْمِكَ في النفوس تبيت تُرعى ***** بحُرّاس وحُفّاظ ثِقات
* * *
وتُوقدُ حوْلك النيرانُ ليلاً ***** كذَلك كُنْتَ أيّامَ الحياة
ركِبتَ مَطِيَّةً منْ قَبْلُ زيْدٌ ***** علاَها في السنينَ الماضِياتِ
وتِلْكَ قضِيَّةٌ فيها تاسّ ***** تُباعدُ عنك تعيير العُدَاةِ
ولم أرَ قبل جِذعكَ((3)) قطُّ جِذْعاً ***** تمكّن مِنْ عناق المكْرُماتِ
أسأتَ إلى النوائبِ فاستثارَت ***** فأنْتَ قَتِيلُ ثأر النّائِباتِ((4))
وكنتَ تجيرُنا من صرف دهر ***** فعاد مطالباً لك بالترات((5))
وصَيَّرَ دَهرُكَ الإحسانَ فيهِ ***** إلَينا من عَظِيم السيّئاتِ
* * *
وكُنتَ لمعْشَرِ سعْداً فلمّا ***** مضيْتَ تفرّقُوا بالمنحِساتِ
غليلٌ باطنٌ لك في فُؤادي ***** يخَفّفُ بالدُّموعِ الجارِياتِ
ولو أنّي قَدرْتُ على قِيام ***** بفَرْضك والحُقُوقِ الواجِباتِ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)احتفاءً: المبالغة بالإكرام.
(2)السافيات: الرياح التي تحمل التراب.
(3)الجذع: ساق الشجرة الطويل.
(4)النائبات: النوائب والمصائب.
(5)الترات: ثأر صار الدهر يثار منك.
[165]
ملأت الأرْض من نظم القوافي ***** وبُحتُ بها خِلاَف النّائحاتِ
ولكنّي أصبِّرُ عنك نَفْسي ***** مخافَةَ أنْ أعدّ مِن الجُنَاةِ
وما لك تُربةٌ فأقولُ تُسْقى ***** لأنّك نُصْبَ هَطل الهاطِلاتِ
عليك تَحِيةُ الرّحمـن تَترَى ***** برَحمات غَواد رائِحاتِ((1))
* * *
وقد ذُكر أنّ الأنباري لمّا اشتهرت أبياته في رثاء ابن بقية طلبه عضد الدولةفاستتر سنة كاملة، وبعد أن توسّط الصاحب بن عبّاد عند عضد الدولة، وكتب له الأمان فسأله عضد الدولة: ما الذي حملك على رثاء عدوّي؟ فقال: حقوق بيننا سابقة، فجاش الحزن بقلبي فرثيته، فقال: هل يحضرك شيء في الشموع والشموع تزهر بين يديه فأنشأ يقول:
كأنّ الشموع وقد اظهرت ***** من النار في كلّ رأس سنانا
أصابع أعدائك الخائفين ***** تضرع تطلب منك الأمانا
فخلع عليه وأكرمه وأمر أن يحمل على فرس((2)).
توفّي ابن الأنباري سنة 367هـ((3)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ بغداد: ج3، ص245. يتيمة الدهر / الثعالبي: ج2، ص439. نكت الهِميان / صلاح الدين الصفدي: ص272. البداية والنهاية: ج11، ص329. روض المناظر / محمّد بن محمّد الشحنه: ص182.
(2)الأعلام: ج1، ص312.
(3)الكامل في التاريخ: ج5، ص427، تحقيق: علي شيري، حيث نسبت القصيدة لأبي الحسن الأنباري.
[166]
ابن أبي الحديد المعتزلي
هو عبدالحميد بن هبة الدين بن محمّد (ابن أبي الحديد)، وُلد في سنة 586هـ بالمدائن (شرق بغداد)، وكان عالماً لغوياً وأديباً شاعراً ومصنّفاً كبيراً ومتعمّقاً فى علم الكلام (وهو علم الدفاع عن العقائد).
ويعتبر ابن أبي الحديد أشهر متكلّمي المعتزلة((1))، وينتسب لخطّ بغداد، والذي يميل إلى أهل البيت(عليهم السلام)، عكس معتزلة خطّ البصرة حيث ينتسب إليهم الجاحظ،
ومن آثاره:
ـ شرح نهج البلاغة (في عشرين جلد ).
ـ الفلك الدائر على المثل السائر.
ـ الوشاح الذهبي
ـ القصائد السبع العلويات.
ـ شرح المنظومة
ـ زيادة النقيصين.
ـ نظم فصح ثعلب
ـ العبقري الحسان.
ـ ديوان شعر
ـ المستنصريات ((2)).
وغيرها من التأليفات، بالاضافة إلى بعض الشروحات والتعليقات والكتب النقدية القيّمة. ومن شعره في مدح أمير المؤمنين علي(عليه السلام):
قسماً بتُرب نعالِهِ فمحاجري ***** أبداً بغيرِ غبارِهِ لا تكحلُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)المعتزلة: هم جماعة من المسلمين اعتمدوا على المنطق والقياس، وأشهرهم واصل بن عطاء.
(2)الروضة المختارة / صالح علي الصالح: ص166. شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد: ج1، ص19. كشف الظنون / مصطفى بن عبدالله: ج2، ص799. معجم المؤلّفين / عمر كحالة: ج5، ص106. فوات الوفيّات: ج2، ص259. معجم أعلام الفكر الإنساني / إعداد: نخبة من الأساتذة: ص31.
[167]
عُجْ ((1)) بالغريّ على ضريح حوله ***** ناد لأملاك السماء ومحفلُ
فمسبّحٌ ومقدّسٌ ومُمجِّد ***** ومُعظِّم، ومُكَبِّرٌ ومُهلّلُ
والثم ثراه((2)) المِسك طيباً واستلم ***** عيدانه قبلاً فهن المندلُ
وانظر إلى الدعوات تسعد عنده ***** وجنود وحي الله كيف تُنَزّلُ
* * *
وقُلِ السلامُ عليك يا مولى الورى ***** نصّاً به نطق الكتاب المُنزلُ
وعلومُ غيب لا تُنالُ وحكمة ***** فصل وحكم في القضية فيصلُ
يا أيّها النبأ العظيم فمُهتد ***** في حُبّه وغُواة((3)) قوم ضللُ((4))
إنْ كانَ دين محمّد فيه الهدى ***** حقّاً فحبَّكَ بابُهُ والمدخلُ
لولاكَ أصبح ثلمة لا تُتَّقى ***** أطرافها ونقيصة لا تكملُ((5))
وفي مكان آخر نجده يمدح ويصف أمير المؤمنين وإمام المتّقين(عليه السلام)، فيقول:
يا برق إن جِئْتَ الغريّ ((6)) فقُلْ له ***** أتراك تعلم مَنْ بأرضِكَ مودعُ
يا هازمَ الأحزاب لا يثنيه عن ***** حوض الحمام مدجج ((7)) ومدرع
يا قالعَ الباب الذي عن هزِّها ***** عجزت أكفٌّ أربعون وأربعَ ((8))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عُجّ: صاح ورفع صوته.
(2)والثم ثراه: التقبيل والاستسلام.
(3)غواة: جمع غاو، والخائب هنا.
(4)ضلل: جمع ضال.
(5)السبع العلويات: ص112. الروضة المختارة: ص149.
(6)الغري: اسم كان يطلق على مدينة النجف الأشرف.
(7)مدجّج: رجل حامل سلاح.
(8)أهل بيت رسول الله في دراسة حديثة / محمّد علي أسبر: ص253.
[168]
لي فيك معتقدٌ سأكشِف سِرَّهُ ***** فَلْيصْغِ أربابُ النُّهى وليسمعُوا
* * *
والله لولا حيدرٌ ما كانت ***** الدنيا ولا جمَعَ البرِيَّةَ مجمعُ
أهواكَ حتّى في حشاشةِ مُهجتي ***** نارٌ تشبُّ على هواك وتلذعُ
ورأيتُ دِيْنَ الإعتزال وإنّني ***** أهوى لأجلِكَ كلَّ مَنْ يَتَشيَّعُ
ولقد علمتُ بأنّه لا بُدَّ مِنْ ***** مهْدِيِّكم وليومِهِ أتوقَّعُ
* * *
ولقد بكيتُ لقتلِ آل محمّد ***** بالطَفِّ حتّى كلّ عضو مَدْمَعُ
وحريمُ آلِ مُحمَّد بَيْنَ العِدَى ***** نهْبٌ تقاسَمَهُ اللئامُ الرُّضَّعُ
تاللهِ لا أنسى الحسين وشلوهِ ***** تحْتَ السّنابل بالعراء موزّعُ
تطأُ السنابلُ صدرَهُ وجبينَهُ ***** والأرضُ ترجفُ خيفة وتُضَعْضَعُ
لهفي((1)) على تلكَ الدِّماء تراقُ في ***** أيدي اُميّة عنوة وتضيّعُ((2))
* * *
كذلك نجده في قصيدة اُخرى يمدح أبوطالب وأمير المؤمنين(عليهما السلام) إذ يقول:
ولولا أبو طالب وابنه ***** لَمَا مَثُلَ الدينُ شخصاً وقاما
تكفّل عبد مناف بأمر ***** وأودى فكان عليٌّ تماماً((3))
أمّا وفاته فكانت في سنة 655هـ، وقيل: إنّه توفّي قبل دخول التتار بغداد بنحو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)لهفي: حزني.
(2)الروضة المختارة: ص144. السبع العلويات / شرح: العلوي البغدادي: ص115. شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد: ج1، ص14. السبع العلويات: ص93.
(3)حجج النهج: ص24. شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد: ج1، ص84.
[169]
سبعة عشر يوماً((1)).
ابن المقفّع
عبدالله بن المقفّع، كان اسمه روزبه قبل أن يسلم.
ولد روزبه في البصرة سنة 106هـ، وكان والده فارسياً.
ونشأ نشأة عربية إلى جانب الثقافة الفارسية التي ورثها من اُسرته، وبعد أن أسلم غيّر اسمه إلى عبد الله.
«أكبّ ابن المقفّع على العلم والأدب وقوّم لسانه بالكلام الفصيح، وتضلّع في العربية والفارسية وآدابهما، واشتهر بالذكاء، وله عدّة رسائل تبحث في أخلاق الملوك وقواعد السياسة((2)).
أتقن فنّ الكتابة فاتّجهت إليه أنظار الولاة والاُمراء. قيل إنّه اتّهم بالزندقة وقُتل»((3)).
آثاره:
كليلة ودمنة: اشتهر ابن المقفّع، وتألّق نجمه بكتابه كليلة ودمنة، وقد اختلف الباحثون في أصل كتاب كليلة ودمنة هل أنّه منقول أم موضوع، انّ الجواب نتركه لابن المقفّع الذي كتبه في مقدّمة الكتاب، والذي جاء فيه بأنّ الكتاب هندي الأصل نقله الفرس إلى لغتهم، ثمّ جاء هو فنقل الكتاب من الفهلوية (الفارسية القديمة) إلى العربية، فالكتاب كليلة ودمنة قد استقى روح الكتاب من مصدر أجنبي، ثمّ صاغه صياغة عربية تلائم البيئة العربية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)حجج النهج: ص25.
(2)مجلّة الفكر الجديد / سليم الحسني: العدد 11، السنة الرابعة، ص168.
(3)مشاهير الشعراء والاُدباء: ص149.
الكتاب المذكور يدور حول أسئلة يلقيها ملك من ملوك الهند، ويجب على تلك الأسئلة أحد الفلاسفة، فالكتاب إذن لِتعلُم الاُمراء كيف يحكمون شعبهم وكيف يتعايش الناس بينهم.
الأدب الكبير: وهذا الكتاب يبحث الأخلاق والاجتماع وحسن الإدارة.
الأدب الصغير: ويبحث حول تهذيب النفس وترويضها على معرفة الخالق.
رسالة الصحابة: وهدف هذا الكتاب إصلاح المجتمع سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً((1)).
كما وتضمّن هذا الكتاب خططاً وأساليب تخصّ الاُمور الإدارية والحربية.
لم يعش ابن المقفّع طويلاً; فقد نقم عليه المنصور وأمر بقتله، وقتل سنة 142هـ وعمره لم يتجاوز السادسة والثلاثين.
الجاحظ
ولد عمرو بن بحر الجاحظ في البصرة سنة 150هـ، وقيل: سنة 159هـ((2))، وكان جاحظ العينين، أسود اللون، قصيراً، ولم يتزوّج. وفي السنين الأخيرة اُصيب بالفلج ومات وعمره ست وتسعين سنة.
كان الجاحظ عظيم الذكاء، قوي الملاحظة، واسع التفكير، بارعاً في كثير من علوم اللغة والأدب والعلوم الاُخرى.
أشهر كتبه:
كتاب الحيوان: أكبر كتب الجاحظ حجماً وأجمعها لفنون العلم والأدب معاً، وقد ذكر فيه أنواع الحيوانات وأجناسها وأعضائها وطرق حياتها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)موسوعة عباقرة الإسلام / محمّد أمين: ص163.
(2)المنهاج في الأدب العربي وتاريخه: ص173.
[171]
كتاب البخلاء: تطرّق الجاحظ في هذا الكتاب عن البخل والبخلاء، ثمّ وصف جانباً من حياة البخل في خضم من الترف وحياة اُولئك الذين كانوا فقراء ثمّ أيسروا فجأة.
كتاب البيان والتبيين: الجاحظ في أواخر عمره ألَّف كتاب البيان والتبيين، ذكر فيه الألفاظ والتراكيب والشعر والشعراء، كما ونقل فيه نماذج من الشعر والنثر تصف أحوال الإنسان، وكذا تطرّق إلى لهجات العرب.
من هذا نتمكّن أن نقول إنّ هذا الكتاب يبحث علوم البلاغة والأدب والتاريخ.
ومن شعره في الشيخوخة والشباب:
أترجو أن تكونَ وأنت شيخٌ ***** كما قد كُنْتَ أيّامَ الشبابِ
لقد كَذَبَتْكَ نفسُك ليس ثوبٌ ***** دريسٌ ((1)) كالجديد من الثيابِ ((2))
عاش الجاحظ أكثر من قرن من الزمان، وشهد عصر المنصور والمهدي والرشيدوالمأمون والمتوكّل، وعاصر التطوّرات السياسية والاجتماعية والعقلية والأدبية.
لقد نوّه بأدب وتراث الجاحظ جميع روّاد الأدب والفكر والبيان على مرِّ العصور.
لقد ألّف الجاحظ أكثر من خمسين وثلاثمائة كتاب في مختلف فروع المعرفة ضاعت أكثرها، وممّا بقي لنا كتاب الحيوان والبخلاء والبيان والتبيين وكتاب المحاسن والأضداد، والذي يُعتبر من روائع تراث الجاحظ، وقد جمع فيه ضروباً من الفكر والأدب مع سموّ الاُسلوب وروعة البيان وسعة المعرفة وغزارة المادة، ومع القدرة على جمع الأخبار والنوادر والقصص ونصوص الأدب، كما وينقلنا من الشيء
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الدريس: البالي.
(2)تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج2، ص314.
[172]
وضدّه في لمحة خاطفة وبراعة فائقة. كما وتضمّن كتاب المحاسن والأضداد نصوصاً أدبية جاهليّة وإسلامية ومحدثة.
توفّي عمرو بن بحر الجاحظ سنة 255هـ.
[173]
الفصـل الحادي عشر
المذاهب وكتب الحديث
نشوء المذاهب والفِرَق
المذهب الحنفي
المذهب المالكي
المذهب الشافعي
المذهب الحنبلي
الشيعة الاثنا عشرية
كُتب الحديث
الصحاح الستّة عند السنّة
الكتب الأربعة عند الشيعة
[174]
[175]
نشوء المذاهب والفِرق ]
كانت المذاهب أكثر من أربعة، فمثلاً كان الطبري السنّي صاحب مذهب، كذلك كان الأوزاعي والسفيان الثوري، والنخعي، كلّ منهم صاحب مذهب، لكن السياسة العبّاسية اقتضت أن تعترف بالمذاهب الأربعة لكي يكونوا أمام مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ومن أهمّ مؤسّسي هذه المذاهب:
أوّلاً: أبو حنيفة النعمان بن ثابت:
وُلد سنة 80هـ، ونشأ بالكوفة، وكان فارسي الأصل((1))، وهو صاحب المذهب الحنفي، وله كتاب «الفقه الأكبر» و«الفقه الأصغر».
دفن في بغداد، توسّع مذهبه في تحكيم العقل، وكان يفتي بالرأي حتّى سمّي بمذهب أهل الرأي، ويستعمل القياس في استنباط الأحكام، والمذهب الحنفي أكثر المذاهب انتشاراً، وقد تتلمذ سنتين على يد الإمام الصادق(عليه السلام)، وقال: «لولا السنَتَان لهلك النعمان». كذلك قال: «ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد».
توفّي سنة 150هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الأنباء في تاريخ الخلافة / محمّد بن علي بن محمّد: ص202. الأئمّة الأربعة / الدكتور: أحمد الشرباصي: ص135.
[176]
ثانياً: مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي:
ولد سنة 93هـ بالمدينة، وأسّس المذهب المالكي والذي يعتمد أصحابه على القرآن والحديث، لذا سمّي مذهبه بمذهب أهل الحديث، وله كتاب الموطّأ الذي استغرق تأليفه أربعين سنة((1))، وهو كتاب في الفقه والحديث، كان مالك مفتي المدينة، وقد توفّي سنة 179هـ ودفن فيها. وانتشر هذا المذهب في الحجاز والمغربوالجزائر وليبيا وموريتانيا ونيجريا والسودان والكويت.
ثالثاً: محمّد بن إدريس الشافعي:
وُلد في غزّة بفلسطين سنة 150هـ، صاحب كتاب «الاُمّ» و«السنن المأثورة» و«رسالة الرسالة» و«كتاب المبسوط» و«المسند في الحديث»، وكتاب «الوصايا الكبيرة»((2)) ومذهب الشافعي مذهباً وسطاً بين الحنفي والمالكي، فهو يقبل بالأدلّة الأربعة: الكتاب والسنّة والإجماع والقياس، ويمتاز الشافعي بنسبه إلى قريش.
فالشافعي إلى جانب حفظه للقرآن الكريم وتدريسه للحديث والفقه كان شاعراً في الحكمة والأخلاق ويكثر في ديوانه من ذكر فضائل أهل البيت(عليهم السلام)، كذلك كان عالماً باللغة والأدب وبالنجوم والأنساب. وقد انتشر المذهب الشافعي بوجه خاصّ في مصر ثمّ اندونيسيا، وله أتباع في فلسطين وسوريا ولبنان.
لقد بلغ من احترامه لأهل البيت(عليهم السلام) حيث يذكر أنّه كان يزور السيّدة نفيسة((3))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الاُصول الفكرية / محمود الخالدي: ص224.
(2)المصدر المتقدّم: ص226.
(3)قبر السيّدة نفيسة في القاهرة، ومزارها أعظم من مزار الشافعي، وفي كلّ سنة يحتفل المصريّون بذكرى ميلادها، وتقام النذورات والاحتفالات بشأنها، والسيّدة نفيسة هي حفيدة الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام). تزوّجها إسحاق المؤتمن ابن الإمام الصادق(عليه السلام).
[177]
«بنت الحسن بن زيد بن الحسن المجتبى» ((1)) على عتبة دارها أدباً «وقد رأى من علمها ومعرفتها ما جعله يثني عليها» ((2)) ويسألها من وراء الستار المسائل.
لقد حدّث الصولي عن المبرّد أنّه قال: «كان الشافعي أشعر الناس» ((3)).
ومن شعره في أهل البيت(عليهم السلام):
يا آلَ بيتِ رَسولِ اللهِ حُبَّكُم ***** ُفَرضٌ مِنَ اللهِ في القرآنِ أنزَلَهُ
يكفيكمُ من عَظِيمِ الشأنِ أنَّكُمُ ***** من لمْ يصلِّ عليكُم لا صلاة لَهُ((4))
كذلك قال:
يا ركباً قِف بالمُحصّب من مِنىً ***** واهتِف بقاعِدِ خَيْفِهَا والنَّاهِض
سَحَراً إذا فاضَ الحجيجُ إلىَ مِنى ***** فيضاً كمُلتَطِمِ الفُراتِ الفائِض
إنْ كان رفضاً حبّ آل محمّدٍّ ***** فَليشهد الثَّقلانِ أنّي رافِضُ((5))
وكذلك قال في الرضا بقضاء الله وقدره:
دع الأيام تفعل ما تشاء ***** وطب نفساً إذا حكم القضاءُ
ولا تجزع لحادثة الليالي ***** فما لحوادث الدنيا بقاءُ
وكُن رجلاً على الأهوال جلْداً ***** وشيمتك السماحة والوفاءُ
ولا حزن يدوم ولا سرور ***** ولا بؤس عليك ولا رخاءُ
وَأرِضُ الله واسعة ولكِنْ ***** إذا نزل القضاء ضاق الفضاءُ((6))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أعلام النساء المؤمنات: ص626.
(2) و (3) معجم الاُدباء / ياقوت الحموي: ج9، ص312.
(4)توالي التأسيس / الحافظ ابن حجر العسقلاني: ص146. ديوان الإمام الشافعي / تحقيق: إسماعيل اليوسف: ص74.
(5)وقد وردت في ديوانه بالياء (رافضي): ص58.
(6)ديوان الشافعي / جمعه: محمّد عفيف الزعبي: ص17.
[178]
وتوفّي الشافعي يوم الجمعة آخر رجب سنة 204هـ، ودفن بالقاهرة.
رابعاً: أحمد بن محمّد بن حنبل مؤسّس المذهب الحنبلي:
ولد في بغداد سنة 164هـ، وقيل: إنّه تنقّل بين اليمن والكوفة والبصرة ومكّةوالمدينة والشام(()). وهو صاحب كتاب «المسند» الذي يضمّ 40 ألف حديث، وكان على عكس أبي حنيفة يعمل بظاهر القرآن والحديث، أشبه بالأخبارية الشيعيّة. وإنّ أحمد بن حنبل له قول أيضاً في حقّ الإمام الصادق(عليه السلام). ويعتبر المذهب الحنبلي أقلّ المذاهب السنّية انتشاراً، وشاع في المملكة العربية السعودية.
توفّي ابن حنبل سنة 241هـ، ودفن في بغداد.
الشيعة الاثنا عشرية:
الشيعة: لغةً هم الأتباع والأنصار((2))، وقد غلب هذا الاسم على من يتولّى عليّاًوأهل بيته(عليهم السلام) حتّى صار لهم اسماً خاصّاً((3)). والذي دعاهم إلى هذا الاعتقاد النصوص العديدة الصادرة من الرسول(صلى الله عليه وآله) على أمانته وسابقته وقرابته القريبة من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الاُصول الفكرية: ص227.
(2)الفرق الكلامية الإسلامية / الدكتور علي عبدالفتّاح المغربي: ص141. مقدّمة تاريخ ابن خلدون / عبدالرحمن بن محمّد بن خلدون: ج1، ص246. موسوعة الفِرق الإسلامية / الدكتور محمّد جواد مشكور: ص322. الموسوعة العربية الميسّرة / إشراف محمّد شفيق غربال: ج2، ص1106. لقد شيّعني الحسين / إدريس الحسني: ص30. الفِرق والمذاهب الإسلامية / ع. أمير مهنّا: ص127. تاريخ الجمعيات السرية والحركات الفكرية / محمّد عبدالله عنان: ص26. دائرة المعارف: ج4، ص353. الخوارج والشيعة / ترجمة: عبدالرحمن بدوي: ص146. شرح المصطلحات الكلامية: ص180.
(3)الشيعة الإمامية: ص69. القاموس الفقهي / حسن مرعي: ص121. الشيعة في التاريخ / محمّد حسين الزين: ص16. الغلوّ والفِرق الغالية: ص259. معجم المصطلحات الدينية: ص92.
[179]
النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فهو أوّل من آمن به((1))، وأوّل من صلّى خلفه من الرِّجال، وهو مع ذلك زوج ابنته فاطمة(عليهما السلام).
لذلك يرى الشيعة أنّ الإمامة لا تخرج عن أولاده((2))، وهم (أولاد فاطمة)((3)) على وجه الخصوص.
وقد انطوى تحت اسم التشيّع عبر التاريخ فِرق كثيرة من أشهرها الفرقة الاثنا عشرية، والتي تعتبر أحد المذاهب الإسلامية((4))، بل أقدمها((5))، ولهم مدرستهم الكلامية((6)) والفقهيّة((7)) المتميّزة. وقد اشتهروا بالمذهب الجعفري نسبة إلى الإمام
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)القاموس الإسلامي / وضع: أحمد عطيّة: ج4، ص217. تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام / محمّد علي أبو ريّان: ص125. التشيّع / عبدالله الغريفي: ص20. مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلّين / علي بن إسماعيل الأشعري: ج1، ص65.
(2)دائرة معارف القرن العشرين / محمّد فريد وجدي: ج5، ص424. الملل والنِّحل / الشهرستاني: ج1، ص131. دائرة المعارف: ج10، ص661. جهاد الشيعة / الدكتورة سميرة مختار الليثي: ص23.
(3)الفصل في الملل والأهواء والنحل / ابن حزم: ج2، ص113. مقدّمة تاريخ ابن خلدون: ج1، ص247. دائرة معارف القرن العشرين: ج2، ص773.
(4)المعجم الموسوعي / الدكتور سهيل زكار: ج2، ص543. القاموس الإسلامي: ج1، ص176. تاريخ الفِرق الإسلامية: ص110. الاتّجاهات الحزبية في الإسلام / فاطمة جمعة: ص141.
(5)العقيدة والشريعة في الإسلام / جولد تسيهر: ص169. المذاهب الإسلامية / محمّد محمود أبوزهرة: ص51. دروس في فقه الإمامية / الدكتور عبدالهادي الفضلي: ص49.
(6)مذهب الإماميّة / الدكتور عبدالهادي الفضلي: ص7. الفِرق الكلامية / الدكتور علي عبدالفتّاح المغربي: ص7.
(7)أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة / الدكتور أسعد القاسم: ص299. الشيعة هم أهل السنّة / الدكتور محمّد التيجاني: ص17. مذهب الإماميّة: ص8. دروس في فقه الإمامية: ص41.
السادس جعفر بن محمّد الصادق((1))(عليه السلام) الذي تبوّأ منصب الإمامة في أواخر أيام الدولة الاُمويّة التي دبّ في جسمها الضعف نتيجة الفتن التي عصفت بها في صراعها مع العبّاسيّين، فاستطاع الإمام(عليه السلام) أن يملأ الدنيا بآثاره وأن يبرز معالم المذهب ويرسي اُسسه، لذلك نسب له((2)).
لقد اختلف المؤرّخون والكتّاب في تحديد نشأة التشيّع، فمنهم من يرى أنّ الشيعة تكوّنت في حياة النبيّ بمرأى منه ومسمع((3))، بينما البعض الآخر منهم ابن خلدونوأحمد أمين والمستشرق برنارد لويس يعتبر البذرة الاُولى للشيعة قد غرست في السقيفة وبالتحديد من قِبل الجماعة التي كانت ترى بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)أنّ أهل بيته(عليهم السلام) أوْلى الناس بخلافته((4))، كما ونلاحظ فريقاً ثالثاً يرى تبلور التشيّع بعد حرب الجمل((5))، ويدعم هذا الرأي المستشرق فلهاوزن((6)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)موسوعة المورد / منير البعلبكي: ج5، ص220. معجم الفِرق الإسلامية: ص83. الشيعة الإماميّة: ص83. الشيعة هم أهل السنّة / الدكتور محمّد التيجاني: ص19. الاُصول الفكرية / الدكتور محمود الخالدي: ص229. اُصول التشيّع / هاشم معروف الحسني: ص207.
(2)في مذاهب الإسلاميّين / الدكتور عامر النجّار: ص152. أصل الشيعة واُصولها / محمّد حسين آل كاشف الغطاء: ص43. عقائد الإمامية الاثنى عشرية / السيّد إبراهيم الزنجاني: ص109. التشيّع نشأته.. معالمه / هاشم الموسوي: ص26. هوية التشيّع / الدكتور أحمد الوائلي: ص26. هذه هي الشيعة / باقر شريف القرشي: ص19. عليّ والشيعة / نجم الدين العسكري: ص143.
(3)دراسات في الفِرق والعقائد الإسلاميّة / الدكتور عرفان عبدالحميد: ص15.
(4)تاريخ الإسلام / الدكتور حسن إبراهيم: ج1، ص394. تاريخ الفِرق الإسلامية: ص110. العقيدة والشريعة في الإسلام: ص169.
(5)الفهرست / محمّد بن إسحاق النديم: ص223. فِرق الشيعة / النوبختي: ص16.
(6)الخوارج والشيعة: ص146. فجر الإسلام / أحمد أمين: ص166.
[181]
هناك رأي رابع أشار إليه الدكتور عبد الله فيّاض وهو أنّ ظهور الشيعة كان بعد رجوع الإمام عليّ(عليه السلام) من صفّين((1))، أي أنّ الشيعة إنّما ظهروا لأوّل مرّة بعد انشقاق الخوارج، وأنّهم إنّما سمّوا بذلك لبقائهم إلى جانب الإمام عليّ(عليه السلام)((2)).
وثمّة رأي آخر أرجع نشأة التشيّع إلى زمن متأخّر نسبياً وادّعى أنّ التشيّع ظاهرة تمخّضت عن الظروف والملابسات التي أعقبت واقعة كربلاء((3)).
لقد تعدّدت الآراء والأقوال حول تاريخ ظهور الشيعة وأيّاً يكن من أمر فإنّ المتحقّق عندنا أنّ الأدلّة والنصوص التاريخية تؤيّد أنّ نشأة الشيعة قد ابتدأت في عهد رسول الله((4))(صلى الله عليه وآله)، وهو الذي غرس هذه البذرة ورعاها. ويدعم رأينا هذا أحاديثه الشريفة، وسنتعرض للنظريات والروايات المختلفة عندما نوفّق لمناقشتها في كتابنا القادم.
إذن فالشيعة الاثنا عشرية هم الذين يشايعون الأئمّة الاثني عشر((5))(عليهم السلام)ويأخذون بالاُصول والفروع عن طريقهم تمسّكاً بحديث الثقلين الوارد بطريق متواتر((6))، والذي يدعو الناس إلى التمسّك بالكتاب والعترة الطاهرة.
كتب الحديث:
إضافة إلى ظهور المذاهب الأربعة، فقد دُوِّنت الأحاديث فكان من مشاهير
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الإمامية: ص70.
(2)الشيعة الإمامية: ص70.
(3)التشيّع: ص20. الصلة بين التصوّف والتشيّع: ص23.
(4)الشيعة الإماميّة: ص71. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد / نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي: ج9، ص131.
(5)موسوعة الأديان السماوية والوضعيّة / صادق مكّي: ج7، ص342.
(6)عقائد الشيعة وأهل السنّة / الدكتور علاء الدين القزويني: ص8.
[182]
كتب الحديث عند السُّنّة:
أ ـ الصحاح الستّة عند السنُّة:
1 ـ صحيح البخاري: وُلد محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي سنة (194هـ)، وتوفّي سنة (256هـ).
2 ـ صحيح مسلم: وُلد مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري سنة (206هـ)، توفّي سنة (261هـ).
3 ـ سُنن أبي داود: وُلد سليمان بن الأشعث السجستاني الأزديّ سنة (202هـ)، وتوفّي سنة (275هـ).
4 ـ سنن ابن ماجة: وُلد محمّد بن يزيد القزويني سنة (207هـ)، وتوفّي سنة (275هـ).
5 ـ سنن النسائي: وُلد أحمد بن شُعيب الخراساني سنة (215هـ)، وتوفّي سنة (303هـ).
6 ـ سنن الترمذي: وُلد محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي سنة (209هـ)، وتوفّي سنة (297هـ).
ب ـ كذلك ظهرت الكتب الأربعة عند الشيعة:
1 ـ اُصول الكافي: وُلد محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني (ثقة الإسلام) حدود سنة (255هـ)، وتوفّي سنة (328هـ).
2 ـ من لا يحضرُهُ الفقيه: وُلد محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القُمّي (الشيخ الصدوق) حدود سنة (305هـ)، وتوفّي سنة (381هـ).
3 ـ تهذيب الأحكام: وُلد محمّد بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة) سنة (385هـ)، وتوفّي سنة (460هـ).
4 ـ الاستبصار: (لشيخ الطائفة الطوسي الآنف الذِّكر).
[183]
الفصـل الثاني عشر
أشهر المؤلّفين والمصنّفين
حالة الأدب في هذا العهد
أهمّ الشعراء والاُدباء
ـ البوصيري
ـ صفيّ الدين الحلّي
ـ بهاء الدين العاملي
[184]
[185]
الحالة السياسية والاجتماعية
في عهد المغول
656 / 1213 هـ / 1258 ـ 1798م
إنّ كثيراً من الكتّاب والباحثين ومؤرّخي الأدب أطلقوا تسميات مختلفة لهذا العصر، فمنهم من أطلق عليه «عصر الانحطاط»((1))، ومنهم من سمّاه بــ «عصر العثمانيّين»((2))، وآخر ادّعى بأنّه «العصر التركي»، بينما البعض الآخر وصفه بــ«عصر المماليك»، وهناك من يطلق عليه عصر التتر((3)) إلى غيرها من التسميات والادّعاءات،مع العلم أنّ الكثير من المؤرّخين قسّموا عصور الانحطاط إلى دورين: الدور المملوكي الذي يبدأ بسقوط بغداد سنة 656هـ، والدور العثماني حين استولى العثمانيّون على القاهرة سنة 923هـ»((4)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الأدب العربي من الانحدار إلى الازدهار / الدكتور جودت الركابي: ص120.
(2)الدولة العثمانية / الدكتور عبدالعزيز محمّد الشنّاوي: ص9. اُصول التاريخ العثماني / أحمد عبدالرحيم مصطفى: ص32. البلاد العربية والدولة العثمانية / ساطع الحصري: ص37.
(3)نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار / محمود مقديش: ج2، ص5.
(4)الأدب العربي من الانحدار إلى الازدهار: ص120.
[186]
ونحن لا يهمّنا هذه المسمّيات وإنّما الذي يهمّنا هو أنّ الدول المعنيّة تعرّضت للعدوان المغولي الزاحف من وسط آسيا بعد أن دمّروا بغداد عاصمة الخلافة العبّاسية عام 656هـ / 1258هـ((1))، وبعد أن استولى هولاكو((2)) عليها، اضافة إلى اجتياز تيمورلنك بلاد الشام نلاحظ أنّ بغداد قد استبيحت وقُتل الخليفة العبّاسي((3))، ثمّ جمعت الكتب واُلقيت في نهر دجلة.
أمّا الحالة الاجتماعية فقد لوحظ ظهور نزعات عديدة في هذه الفترة وأبرزها نزعتان النزعة الاباحية والنزعة الزهدية; إذ مال قسم من الناس إلى شرب الخمر ولذائذ الدنيا، والقسم الآخر مال إلى الزهد.
نستنتج من هذا أنّ غزوات المغول كانت وبالاً سيِّئاً على شعوب المنطقة، كما واعتبر هذا العهد عهد انحطاط وتدهور في الناحيتين السياسيّة والاجتماعيّة.
على رغم هذه الظروف فقد نجت مصر من شرّهم حيث نشطت الحركة الأدبية وازدهرت الحياة، كما وظهرت في دول المنطقة شخصيّات كثيرة من خطباء الجُمع والأعياد والكُتّاب والمؤلّفين الذين ألّفوا الكتب والموسوعات في أكثر المجالات خاصّة في حفل الفلك والجغرافيا، ومن أشهر هؤلاء:
أهمّ المؤلّفين والمصنّفين:
القرطبي : محمّد بن أحمد الأنصاري ت سنة 671هـ وله كتاب في التفسير أسماه جامع أحكام القرآن.
-
الطوسي : أبو جعفر محمّد بن محمّد ت سنة 672هـ فيلسوف ورياضي فلكي وله جواهر الفرائض وكتاب قواعد العقائد.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)التاريخ المعاصر / الدكتور رأفت غنيمي الشيخ: ص27. التاريخ العبّاسي والأندلس / الدكتور أحمد مختار العبادي: ص123. الغزو والمغول / حسن الأمين: ص73.
(2)هولاكو: حفيد جنكيزخان.
(3)المستعصم بالله، وذلك سنة 656 هـ.
[187]
ابن مالك : محمّد بن عبد الله ت سنة 672هـ وله الألفيّة في النحو.
ابن طاووس : أحمد بن موسى ت سنة 673هـ وله بشرى المحقّقين وكتاب الملاذ، وشواهد القرآن والروح.
التلعفري : محمّد بن يوسف ت سنة 675هـ وله ديوان باسمه.
المحقّق الحلّي : جعفر بن الحسن الهذلي ت سنة 676هـ وله المختصر النافع وشرائع الإسلام، والمعتبر.
ابن خلّكان : شمس الدين أحمد بن محمّد ت سنة 681هـ وله وفيات الأعيان.
القزويني : زكريا بن محمّد بن محمود ت سنة 682هـ وله عجائب المخلوقات.
الشاب الظريف : محمّد بن سليمان ت سنة 688هـ له ديوان واشتهر بمقاماته.
عفيف الدين : سليمان بن علي التلمساني ت سنة 690هـ وله ديوان مرتّب على الأبجدية.
سراج الدين الورّاق : عمر بن محمّد ت سنة 695هـ وله ديوان باسمه.
البوصيري :محمّد بن سعيد ت سنة 695هـ اشتهر بقصيدته البردة في مدح النبيّ(صلى الله عليه وآله).
ابن منظور : محمّد بن مكرم ت سنة 711هـ وله لسان العرب ومختصر تاريخ دمشق.
العلاّمة الحلّي : الحسن بن يوسف المطهّر ت سنة 726هـ وله كتاب إرشاد الأذهان وتذكرة الفقهاء وقواعد الأحكام.
ابن تيميّة : تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ت سنة 728هـ وله كتاب المهذّب لأبي تيميّة.
أبو الفداء : إسماعيل بن علي بن محمود ت سنة 732هـ وله كتاب المختصر في تاريخ البشر وكتاب تقويم البلدان.
النويري : شهاب الدين ت سنة 732هـ وله كتاب نهاية الأدب في فنون العرب.
شمس الدين الذهبي : محمّد بن أحمد ت سنة 748هـ وله تاريخ الإسلام ودول الإسلام.
ابن الوردي : زين الدين عمر ت سنة 749هـ وله أحوال القيامة تتمّة المختصر في أخبار البشر.
صفيّ الدين الحلّي : عبدالعزيز بن سرايا ت سنة 750هـ وله ديوان شعر وكتاب درر النحو.
ابن قيم الجوزي : محمّد بن أبي بكر ت سنة 751هـ وله زاد المعاد.
[188]
ابن هشام : جمال الدين عبدالله بن يوسف ت سنة761هـ وله قطرالندى ومُغنياللبيب والاعراب.
الصفدي : صلاح الدين خليل الصفدي ت سنة 764هـ وله الوافي بالوفيّات.
ابن نباتة : محمّد بن محمّد ت سنة 768هـ وله ديوان مرتّب على حروف الهجاء.
ابن كثير : إسماعيل بن عمر ت سنة 774هـ وله البداية والنهاية وتفسير القرآن والسيرة النبوية.
لسان الدين بن الخطيب : محمّد بن عبد الله ت سنة 776هـ وله الاحاطة في تاريخ غرناطة وديوان شعر.
ابن بطوطة : محمّد بن محمّد الطبخي ت سنة 779هـ أشهر رحّالة وقد دوّن أسفاره في تحفة النظّار في غرائب الأمصار.
الشهيد الأوّل : محمّد بن جمال الدين ت سنة 786هـ وله اللمعة الدمشقيّة وكتاب الدروس مكّي العاملي وكتاب البيان.
الزركشي : محمّد بن عبد الله ت سنة 794هـ وله البرهان في علوم القرآن.
ابن خلدون : عبدالرحمن بن محمّد ت سنة 808هـ وله مقدّمة ابن خلدون وكتاب الصبر.
الفيروزآبادي : مجدالدين محمّد بن يعقوب ت سنة 817هـ وله القاموس المحيط.
القلقشندي : أحمد بن علي بن أحمد ت سنة 821هـ وله صبحي الأعشى في صناعة الانشاء.
ابن عتبة : أحمد بن عليّ بن الحسين ت سنة 828هـ وله عمدة الطالب في مناقب آل أبيطالب.
الحموي : ابن حجّة ت سنة 837هـ وله خزانة الأدب وغاية الارب.
ابن فهد : أحمد بن محمّد الحلّي ت سنة 841هـ وله كتاب عدّة الداعي وكتاب المهذّب البارع.
المقريزي : تقي الدين بن علاء ت سنة 845هـ وله المواعظ والاعتبار.
ابن حجر العسقلاني : أحمد بن علي ت سنة 852هـ وله الاصابة في معرفة الصحابة وفتح الباري.
شهاب الدين الحجازي : أحمد بن محمّد ت سنة 874هـ وله روض الآداب واللمع الشهابية.
جلال الدين السيوطي : عبد الرحمن بن الكمال ت سنة 911هـ وله تفسير الجلالين والأشباه والنظائر وإعجاز القرآن.
القسطلاني : أحمد بن محمّد ت سنة 923هـ وله إرشاد الساري.
المحقّق الكركين : نور الدين علي بن الحسين العاملي ت سنة 940هـ وله كتاب جامع المقاصد.
الشهيد الثاني : زين الدين بن علي الجبعي ت سنة 966هـ وله كتاب مسالك الافهام.
ابن حجر الهيتمي : أحمد بن محمّد المكّي ت سنة 974هـ وله الصواعق المحرقة والرواجز.
بهاء الدين العاملي : محمّد بن حسين بن ت سنة 1030هـ وله الكشكول وأسرار البلاغة في عبدالصمدالأدب.
الحرّ العاملي : محمّد بن الحسين العاملي ت سنة 1104هـ صاحب الوسائل وله بداية الهداية.
البحراني : يوسف بن أحمد بن إبراهيم ت سنة 1186هـ وله كتاب الحدائق.
حالة الأدب في هذا العهد:
ذكرنا فيما سبق أنّ هولاكو استولى على مدينة بغداد عاصمة الدولة العبّاسية في سنة 656هـ، بينما سيطر التتر على مدينة حلب وذلك في سنة 658هـ، فقد اكتسحوا أكثر ممالك الدولة العبّاسية وأشاعوا فيها القتل وخرّبوا البلاد((1)).
لقد ظهرت دويلات تركيا في أنحاء العالم الإسلامي والعربي ممّا أدّى إلى سيطرتهم على الدوائر والمرافق الحكومية وأصبحت اللغة التركية هي اللغة الرسمية.
كلّ هذه العوامل ساعدت على تأسيس الامبراطوريّة العثمانية السنّية التي اتّخذت من تركيا مركزاً لها كما وتأسّست الدولة الصفوية((2)) الشيعيّة في ايران.
أمّا حالة الأدب في هذا العصر فقد نشطت في بعض البلدان، وظهر الشعراء والاُدباء، ودوِّن التاريخ، واهتمّ أصحابه بالأحداث والسِّير، وكذلك نشطت
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الوسيط في الأدب العربي وتاريخه: ص290. تاريخ الأدب العربي / السباعي بيومي: ج3، ص384.
(2)يصل نسبهم إلى العالم العارف الكبير السيّد صفيّ الدين الأردبيلي المدفون في أردبيل بايران.
[190]
حركة التأليف في المجالات المختلفة، لكنّنا مقابل هذه الظاهرة نجد الأقاليم الاُخرى قد تعرّضت لانتكاسات وهزّات قويّة، فمثلاً كثرت سرقات الشعر، واُغلقت وخرّبت معاهد العلم والمكتبات ممّا أدّى إلى نهب كلّ ما وقعت عليه أيديهم من تراث علمي((1))، فبالرغم من أنّ هذا العهد يعتبر عهد انحطاط وتدهور نرى من المناسب ذكر شيء عن حياة بعض من برزوا في هذا العصر.
البوصيري :
محمّد بن سعيد البوصيري، ولد في مصر عام 608هـ، وتألّق نجمه، سكن مدينة القدس، ثمّ انتقل إلى المدينة المنوّرة ومكّة يُعلّم القرآن الكريم بعدها عاد إلى مصر((2)).
كان البوصيري فقيهاً وشاعراً مترسّلاً، أمّا شعره فكان في غاية الحسن واللطافة وعذوبة الألفاظ وانسجام التركيب((3))، له قصائد كثيرة ولكن اشتهر بقصيدته الهمزية في مدح الرسول(صلى الله عليه وآله) والتي تقع في 458 بيتاً، جاء فيها:
كيف ترقَى رقيَّكَ الأنبياءُ ***** يا سماء ما طاولتها سماءُ ((4))
لم يساووك في عُلاكَ وقد حا ***** ل سناً منكَ دونَهم وسَناءُ
إنّما مَثَّلُوا صفاتِك للنا ***** سِ كما مثّلَ النجومَ الماءُ
أنت مصباحُ كلّ فَضْل فما تَصــ ***** ــدُرُ إلاّ عن ضوئكَ الأضواءُ
لكَ ذاتُ العلوم من عالم الغَيْــ ***** ــبِ ومنها لاَدمَ الأسماءُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الحياة الأدبيّة بعد سقوط بغداد / الدكتور محمّد عبدالمنعم خفاجي: ص11.
(2)تاريخ الأدب العربي / عمر فرّوخ: ج3، ص674.
(3)الوافي بالوفيّات / الصفدي: ج3، ص107.
(4)المدائح النبويّة / الدكتور مخيمر صالح: ص143.
[191]
لم تَزَلْ في ضَمائرِ الكَوْنِ تَخُتَا ***** رُ لكَ الاُمّهاتُ والآباءُ
ما مضتْ فترةٌ من الرُّسلِ إلاّ ***** بَشَّرَتْ قومَها بكَ الأنبياءَ
تتباهَى بكَ العصورُ وتسمو ***** بكَ علياءُ بَعْدَها علياءُ ((1))
وقد ذُكر في سيرة حياته أنّه اُصيب بالشلل فتوسّل بالله وبحقّ نبيّه(صلى الله عليه وآله) فمسح رسول الله بيده المباركة على وجهه في عالم الرؤيا وألقى عليه بردة((2))، ثمّ استيقظ من نومه ونهض فشفي تماماً، فنظم قصائد بليغة ومؤثّرة في مدح الرسول ومولده (صلى الله عليه وآله)والتي تعتبر من أشهر قصائده بعد الهمزيّة وهي البردة، وتسمّى أيضاً الكواكب الدرّيّة، ومجموع أبيات هذه القصيدة 162 بيتاً، وقد ترجمت إلى الهندية والفارسية والتركية والألمانيّة والفرنسية والانكليزية.
تبحث هذه القصيدة في النسيب الروحي الرمزي الذي ظاهره الغزل العفيف، ثمّ تتطرّق حول النفس وهواها، وكذا تبحث في مدح القرآن والرسول(صلى الله عليه وآله)ومولده والمعراج ودعائه والجهاد اضافة إلى الاستغفار والمناجاة.
لقد شرحت قصيدة البُردة 21 شرحاً وطبعت مراراً، وهذه القصيدة لقيت عناية العلماء والاُدباء ما لم يلق سواها من القصائد، فقد شرحها بعضهم وعارضها آخرون وشطرها أو ثلثها أو خمّسها عدد كبير من الشعراء((3)).
والقصيدة في عاطفتها وروعة معانيها وقع الإجماع على أنّها أفضل القصائد في مدائح الرسول وممّا جاء فيها:
محمّدٌ سيّدُ الكَوْنينِ والثَّقَلَ ***** يــــنِ والفريقينِ من عُرْب ومن عَجَمِ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الأدب العربي: ص675. الأدب العربي / الدكتور جودت الركابي: ص179. فوات الوفيّات / محمّد الكتبي: ج3، ص368.
(2)البوصيري / قيس آل قيس ومحمّد رضا عادل: ص5. فوات الوفيّات: ج3، ص369.
(3)النصوص الأدبية / الدكتور علي عبدالحليم محمود: ص134.
[192]
فاقَ النَّبِيِّينَ في خَلْق وفي خُلُق ***** ولم يُدانوه في علم ولا كَرَمِ
دَعَ ما ادَّعَتْهُ النَّصارى في نَبِيِّهِمُ ***** واحْكُمْ بِما شِئْتَ مَدحاً فيه واحتَكمِ
فإنّ فَضْلَ رَسولِ الله ليسَ له ***** حدٌّ فيُعْرِبَ عن ناطقٌ بفَمِ
لم يَمْتَحِنا بما تَعْيا العقولُ به ***** حِرْصاً علينا فلم نَرْتَبْ ولم نَهِمِ
نبيّنا الآمر الناهي فلا أحد ***** أبَرَّ في قول لا مِنهُ ولا نعمِ
هو الحبيب الذي تُرجَى شفاعته ***** لكلِّ هول من الأهوال مقتحمِ
وكُلُّهم من رسولِ اللهِ مُلتمِسٌ ***** غَرْفاً من البحر أو رشفاً من الدِّيمِ((1))
أمّا لاميّة البوصيري التي عارض بها كعب بن زهير((2)) في قصيدته التي أوّلها:
بَانَتْ سُعَادُ فقلْبِي اليومَ مَتْبُولُ ***** مُتَيّمٌ إثْرَهَا لم يَغْدَ مَكْبُولُ((3))
فقد بلغت قصيدة البوصيري 206 بيتاً، فكانت أطول من قصيدة كعب، منها:
إلى متى أنتَ باللذاتِ مشغولُ ***** وأنتَ على كلِّ ما قَدَّمْتَ مسؤولُ ((4))
في كل يوم تُرجي أن تتوبَ غداً ***** وعَقد عزمِكَ بالتسويف محلولُ
أما يُرى لك فيما سُنَّ من عمل ***** يوماً نشاطٌ وعما ساءَ تنكيلُ
فجرِّد العزمَ إنّ الموتَ صارمه ***** مجرَّدٌ بِيَدِ الأجيالِ مسلولُ
واقطع حبالَ الأمانيِّ التي اتّصلت ***** فإنّها حَبْلها بالزُّور موصولُ
أنْفَقْتَ عمرَكَ في مال تحصِّلُهُ ***** وما على غيرِ إثْم منه محصولُ
ورُحْتَ تَعْمُرُ داراً لا بقاءَ لها ***** وأنتَ عنها وإن عُمِّرْتَ مَنْقُولُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الأدب العربي: ص677. قصيدة البردة المباركة / ترجمة قيس آل قيس: ص21.
(2)هو ابن زهير بن أبي سلمى من المخضرمين، قال الشعر في حداثته ثمّ أسلم.
(3)ديوان كعب بن زهير / وضعه الحسن بن الحسين العسكري: ص26.
(4)فوات الوفيّات / محمّد بن شاكر الكتبي: ج3، ص368.
[193]
جاء النذيرُ فشمِّرْ للمسير بِلاَ ***** مَهْل فليس مع الإنذار تمهيل
وصُنْ مَشيبَكَ عن فعل تشانُ به ***** فكلُّ ذي صَبْوَة بالشَّيْبِ معذولُ
لا تُنْكِرَنهُ وفي الفَوْدَيْن قد طَلَعَتْ ***** منه الثُّريا وفوقَ الرأْس إكليلُ
فإنّ أرواحنا مثلُ النجوم لها ***** من المنيّة تَسييرٌ وترحيلُ
وإن طالِعَها منا وغاربها ***** جيلٌ يمرُّ ويأتي بَعْدَهُ جيلُ
حتّى إذا بَعَثَ اللهُ العبادَ إلى ***** يوم به الحُكْمُ بين الخَلْقِ مفصولُ
تَبَيَّنَ الرِّبحُ والخسرانُ في اُمم ***** تخالفت بينها فيها الأقاويلُ
توفّي البوصيري سنة 696هـ في القاهرة.
صفيّ الدين الحلّي
هو عبدالعزيز بن سرايا، وُلد سنة 677 في العراق بمدينة الحلّة، وهي مدينة العلاّمة والمحقّق الحلّي، والسيّد ابن طاووس وعشرات غيرهم من الفضلاء.
يعتبر صفيّ الدين الحلّي أشهر شعراء العصر المغولي((1))، وشعرُهُ بليغ ومتنوّع في المدح والغزل والتفاخر والعاطفة المذهبيّة والبديع (السجع والجناس والتورية... الخ) والألغاز، كذلك كان خالياً من الشوائب والتعقيد.
كان شاعرنا الحلّي عفيف اللسان، عزيز النفس، وهو «أوّل من نظم البديعيّات»((2)).
أهمّ آثاره:
ديوان شعره الذي يحتوي كافّة الأغراض الشعرية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الرائد في الأدب العربي / نعيم الحمصي: ص568. الأدب العربي / الدكتور جودت الركابي: ص222.
(2)مشاهير الشعراء والاُدباء: ص129.
[194]
دُررُ النحور ((1))، ويقال دُرر البحور وقلائد النحور ((2)).
معجم الأغلاط اللغوية.
الأوزان المستحدثة.
الرسالة التوءميّة.
خلاصة البلغاء
رسالة الدّار.
الكافية.
الدُّرُّ النفيس ((3)).
يحتوي كتاب درر البحور وقلائد النحور على 29 قصيدة بعدد أحرف الهجاء في قوافيها حيث «يبتدئ في كلّ بيت منها بحرف ويختم بنفس الحرف» ((4))، وهذه القصائد تعرف بالارتقيات ((5))، فإذا كانت القافية ميميّة كانت أوائل الأبيات كذلك كقوله:
مغانم صفو العيش أسمى المغانم ***** هي الظلُّ إلاّ أنّه غير دائمِ
ملكتُ زمام العيش فيها وطالما ***** رفعتُ بها لولا وقوع الجوازمِ ((6))
وإذا كانت القافية تنتهي بحرف القاف، كان أوائل الأبيات تبدأ بحرف القاف أيضاً كقوله:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) و (5) تاريخ آداب اللغة العربية: ج14، ص413.
(2)الذريعة إلى تصانيف الشيعة / آقا بزرك الطهراني: ج8، ص120.
(3)أعيان الشيعة: ج8، ص27
(4)صفي الدين الحلّي / محمّد رزق سليم: ص36، وقيل: أوّلها: «زُينبْ زينب بِقدُّ يَقدُّ»، وقيل: إنّ المتأخّرين عجزوا عن هذه الصناعة نظماً ونثراً.
(6)أعيان الشيعة: ج8، ص24.
[195]
قفي وَدّعينا قَبْلَ وشكِ التَّفرُّقِ ***** فما أنا من يحيى إلى حين نلتقي
قَضَيْتُ وما أودى الحِمامُ بمُهجتي ***** وشِبْتُ وما حَلَّ البياض بمفرقي
قرنْتِالرّضى بالسّخطوالقُرب بالنوى ***** ومزّقتِ شَمْلَ الوصل كلَّ مُمزّق
قبلتِ وصايا البحر من غير ناصح ***** وأحيَيْتِ قولَالهَجْرِ مِنْ غيرِ مُشفِقِ((1))
ونلاحظ في كافيّته الثانية التي تمتاز برقّة غزله وعذبة الاُسلوب، وهي في جملتها نموذج لغيرها من الارتقيات في غرضها الرئيسي وأغراضها العارضة في التزام اتّفاق حروف أبياتها الاُولى وتوافقها مع حرف الروي:
كُفِّي القتالَ وفُكِّي قَيْدَ أسراكِ ***** يكفيكِ ما فعلت بالناس عيناكِ
كَلَّتْ لحاظَكِ ممّا قد فتكتِ بنا ***** فَمَنْ تُرَى في دَمِ العُشّاقِ أفتاكِ
كفاكِ ما أنتِ بالعُشّاقِ فاعلةٌ ***** لو أنصفَ الدهرُ في العُشّاقِ عَزّاكِ
كَمُلْتِ أوصافَ حُسْن غيرَ ناقصة ***** لو أنّ حُسْنَكِ مقرونٌ بِحُسناكِ
كيف انثنيتِ إلى الأعداء كاشفةً ***** غوامضَ السِّرِّ لما استنطَقُوا فاكِ
كتمتُ سِرِّكِ حتّى قال فيكِ فَمِي ***** شِعْراً ولم يَدْرِ أنّ القلبَ يهواكِ
* * *
كِدْتِ المحبَّ فماذا أنتِ طالبةٌ ***** فَنَا مُحِبّكِ معَ إشماتِ أعداكِ
كافَيْتِنِي بذنوب لستُ أعرفُها ***** فسامحي واذكري مَنْ ليسَ يَسْلاكِ
كَلَّفْتِني حَمْلَ أثقال عَجَزْتُ بها ***** وحَبَّذا ثِقُلُها إنْ كانَ أرضاكِ
كابدتُ هَوْلَ السُّرَى في البِيدِ مُكْتَسباً ***** مالاً وما كنتُ أبغي المالَ لولاكِ
كلاً ولا بِتُّ أطوي كُلَّ مَقْفِرَة ***** ومَهْمَة لم تَسِرُ فيها مَطاياكِ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)المجاني الحديثة: ج5، ص246.
[196]
كأنّ فيه السما والأرضَ واحدةً ***** وَنُوقُنا نَجُبُ نور تحتَ أملاكِ((1))
أمّا إذا انتهت بحرف الراء كانت أوائل الأبيات تبدأ بحرف الراء كقوله:
رفقت بالناس في كلّ الاُمور فقد ***** أضحى الزمان إليهم شاخص البصر((2))
وهناك قصائد نظمها شاعرنا الحلّي تنتهي بالياء وتبدأ أبياتها بالياء أيضاً، ولكن تمتاز بأنّها تقرأ مقلوبة بقوله:
يَلذُّ ذُلِّي بنضو ***** لَوْضَنَّ بي لَذَّ ذُلِّيْ
يَلُمُّ شَمْلِيْ لِحُسْن ***** إنْ سَحَّ لِيْ لَمَّ شَمْلِيْ ((3))
وقد عثرت على قصيدة شعرية لم تطبع في ديوانه تبدأ بالهمزة وتنتهي بالهمزة وتقرأ مقلوبة يقول فيها:
أنث ثَناء ناضراً لك إنّه ***** هنا كلِّ أرض إن أنث ثناءَ
أمر كَلاَما ألفَتْهُ مَظَنة ***** له نظم هتف لاُمَ الكُرَماءَ
أهُب لوَصْفِ لا لما هبَّ آملٌ ***** ملماً بها ملء الفصول بَهاءَ
أرُوح اُطيلُ الدأب أبرم همة ***** مُرَبّى بإدلال يُطاح وراءَ
أرِقُ فلا حُزْنَ ينمّ بمُهْمَل ***** مُهمٌ بِم يُنْزِحُ الفقراءَ
أخَر لأنّي نائب لقضيّة ***** تهيض قلبي أن ينال رخاءَ
أفُوْه أراعي قُوْته بتكلف ***** لكتْبة توقيع أراه وفاءَ((4))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الأدب العربي / الدكتور جودت الركابي: ص239. ديوان صفيّ الدين: ص747.
(2)صفي الدين الحلّي / ياسين الأيّوبي: ص217.
(3)أعيان العصر وأعوان النصر: ج3، ص83.
(4)المصدر المتقدّم: ص82.
[197]
أمّا شعر التّوأم فهو ما تشابهت كلماته في الرسم حتّى إذا اُبدلت نقط بعضها ظهرت لها معان جديدة، وأغلب ما تكون الكلمات المتوائمة متجاورة نحو قول صفيّ الدين الحلّي:
سِنَد سَيِّدٌ حَلِيمٌ حكِيمٌ ***** فَاضِلٌ فَاصِلٌ مَجِيدٌ مَجِيْدُ
حَازِمٌ جَازِمٌ بصِيرٌ نَصِيرٌ ***** زَانَهُ رَأْيَهُ الشدِيدُ السَّدِيدُ
امهُ اُمَّةً رَجاءَ رَخَاء ***** أدْرَكتَ إذْ زَكَت نُقُودٌ تَقُودُ
مَكْرُماتٌ مكرمات بَنَتْ بَيْــ ***** ــتَ عَلاَء عَلاَ بِجُود يَجُودُ((1))
* * *
كوصف حرب ووصف شرب ***** ولطف عتب لقلب قلب
وذكر الف، وشكر عرف ***** وبكر وصف، وندب ندب((2))
* * *
زُينتْ زَيْنَبٌ بِقَدّ ***** يَقُدّوَتَلاهُ وَيْلاهُ نَهْدٌ يَهُدُّ
جُنْدُها جِيْدُها وَظَرْفٌ وَطَرْفٌ ***** تاعِسٌ ناعِسٌ بِحَدِّ بَحُدُّ((3))
ولشاعرنا قصيدة معجّمة ليس فيها حرف مهمل:
فُتِنتُ بظَبي بَغَى خَيبَتي ***** بِجَفن تَفَنّنَ في فِتنَي
تَجَنّى، فبِتُّ بجَفن يَفيضُ ***** فخَيَّبتُ ظَنّي في يَقظَتي
قَضيبٌ يَجيءُ بزيّ يزينُ ***** تَثَنّى، فذُقتُ جَنى جَنّةِ
نَجيبٌ يُجيبُ بفَنٍّ يُذيبُ ***** بِبَضٍّ خَضيب نَفَى خِيفَتي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أعيان العصر وأعوان النصر: ج3، ص76.
(2)شعراء الحلّة / علي الخاقاني: ج3، ص305.
(3)صفي الدين الحلّي: ص36.
بجَفن يجيءُ ببِيض غَزَتْ ***** تَشجّ، فتَنفذُ في جُبّتي
غنيٌّ يَضَن بنَضٍّ نَقِيٍّ ***** فيَقضي بغَبني في بُغيَتي
تيَقّظَ بي غُنجُ جَفن غَضيض ***** بفَنٍّ يشنّ ضَنى جُثّتي((1))
وهناك نوع آخر من شعره يسمّى الشعر العاطل أو المهمل، والذي يتميز بخلو كلماته من النقط بقوله:
سَدَدَ سَهماً ما عَدا روعَه ***** ورَوّعَ العُصمَ، وللاُسْدِ صادْ
أمالكَ الأمرِ أرِحْ هالِكاً ***** مدرِعاً للهَمّ دِرعَ السّوادْ
أراهُ طولُ الصدّ لمّا عَدَا ***** مَرامَهُ ما هَدّ صُمَّ الصِّلادْ
ودّ وداداً طارِداً هَمَّهُ ***** وما مُرادُ الحُرّ إلاّ الوَدادْ
والمَكرُ مَكرُوهٌ دَها أهلَهُ ***** وأهلَكَ اللهُ لهُ أهلَ عادْ((2))
وله قصيدة اُخرى في الشكوى والعتاب جاء فيها:
نَسِيتُكمُ لمّا ذَكَرتُم مَساءَتي ***** وخالَفتُكم لمّا اتّفَقتُم على هَجرِي
وأصبَحتُ لا يَجري بباليَ ذِكرُكم ***** مَلالاً، ولا يَجري ببالكُمُ ذِكرِي
وقد كنتُ أفنَيتُ الزّمانَ بشُكرِكم ***** وبالوَصفِحتّى شاعَ فيمدحكم شِعرِي
وإنّي وإنْ أغلَظتُ في القَولِ مَرّةً ***** عليكم، لأمر ضاقَ عن حمله صَدرِي
أمنتُ بما اُوليتُ من حقّ خِدمَة ***** إليكم، وما أبلَيتُ من جِدّة العُمرِ((3))
ولصفي الدين قصيدة في الرثاء بدأها:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ديوان صفي الدين الحلّي / شرح: الدكتور عمر الطباع: ص512. ديوان صفيّ الدين الحلّي: ص619.
(2)ديوان صفيّ الدين الحلّي: ص619.
(3)المصدر المتقدّم: ص574.
[199]
بكَى علَيكَ الحُسامُ والقَلَمُ ***** وانفَجَعَ العِلمُ فيكَ والعَلَمُ
وضَجّتِ الأرضُ، فالعِبادُ بها ***** لاطِمَةٌ، والبِلادُ تَلتَطِمُ
تُظهِرُ أحزانَها على ملك ***** جُلُّ ملوكِ الوَرَى لهُ خَدَمُ
أبلجُ، غَضُّ الشبّابِ، مُقتَبِلُ العمــ ***** ــرِ، ولكنّ مَجدَهُ هَرِمُ
مُحكَّمٌ في الوَرى، وآمِلُهُ ***** يَحكُمُ في مالِهِ ويَحَتَكِمُ
* * *
يَجتَمِعُ المَجْدُ والثناءُ لَهُ ***** ومالُهُ، في الوفُودِ، يُقتَسَمُ
قد سَئِمتْ جُودَهُ الأنامُ، ولا ***** يَلقاهُ، مِن بَذلِهِ النّدى، سأمُ
ما عُرِفتْ منهُ لا، ولا نَعَمٌ، ***** بل دونهنّ الآلاءُ والنِّعَمُ
الواهبُ الألفِ، وهوَ مُبتسِمٌ ***** والقاتلُ الألفِ، وهوَ مُقتَحِم
مُبتَسِمٌ والكُماةُ عابِسَةٌ ***** وعابِسٌ، والسيّوفُ تَبتَسِمُ
* * *
يَستَصغِرُ العَضبَ أن يَصُولَ بِهِ ***** إنْ لم تُجَرَّدْ من قَبلِهِ الهِمَمُ
ويَستَخِفّ القَناةَ يَحمِلُها، ***** كأنّها في يَمينِهِ قَلَمُ
لم يَعلَمِ العالمونَ ما فَقَدوا ***** منهُ، ولا الأقرَبُونَ ما عَدِمُوا
ما فَقدُ فَرد من الأنامِ، كمَنْ ***** إنْ ماتَ ماتَتْ لفقدِهِ اُمَمُ
والناسُ كالعَينِ إن نَقَدتَهُمُ ***** تَفاوَتَتْ عندَ نَقدِكَ القِيَمُ((1))
ثمّ نجد قصيدته النونية التي يذكر فيها مجد قومه وتاريخهم حيث يقول:
سلي الرماح العوالي عن معالينا ***** واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا
لما سَعَينا فما رقت عزائُمنا ***** عما نرُومُ ولا خابت مساعينا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ديوان صفيّ الدين الحلّي: ص619.
[200]
وفتية إن نَقُل أصغَوا مسامِعَهُم ***** لقولِنا أو دَعَوناهم أجابُونا
قومٌ إذا استخصموا كانوا فراعنةً ***** يوماً وإن حُكّمُوا كانوا موازينا
إذا ادعوا جاءت الدنيا مصدّقةً ***** وإن دَعَوا قالت الأيام آمينا
إنّا لقومٌ أبَتْ أخلاقُنا شرفاً ***** أن نبتدي بالأذى من ليسَ يؤذينا
بيضَ صنائعُنا سُودٌ وقائعُنا ***** خُضْرٌ مرابعُنا حُمْرٌ مواضينا((1))
وله أيضاً قصيدة كلّها منقوطة، أي كلُّ كلماتها منقّطة، وكذا له قطعة شعريةاُخرى فيها كلمة منقّطة وكلمة غير منقّطة، كما له قصيدة كلُّ كلمة من كلماتها مُصَغّرة:
نُقيطٌ من مُسَيك في وُرَيْدِ خُويلكَ أو وُسَيْمٌ في خُدَيْدِ ((2))
ومن شعره يخاطبُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول فيها:
جُمعتْ في صفاتك الأضدادُ ***** فلذا عزّتْ لكَ الأندادُ
زاهد حاكم حليم شجاع ***** فاتك ناسك فقير جواد
شيم ما جمعن في بشر قطّ ***** ولا حاز مثلهنّ العباد
خلق يخجل النسيم من اللطف ***** وبأس يذوب منه الجماد
ظهرت منك للورى مكرمات ***** فأقرّت بفضلك الحسّاد
أن يكذب هذا عداك فقد كذّب ***** من قبل قوم لوط وعاد
جل معناك أن يحيط به الشعر ***** ويحصى صفاته النقّاد((3))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تاريخ الأدب العربي: ج3، ص773. الإنشاء العصري / محمّد محمّد زكي: ص170. ديوان صفي الدين الحلّي: ص20. شعر صفيّ الدين الحلّي / الدكتور جواد أحمد علّوش: ص118.
(2)تاريخ الأدب العربي: ص775.
(3)أعيان الشيعة: ج8، ص22. أنوار الرشاد للاُمّة / محمّد باقر المازندراني: ص262. ï ًصفيّ الدين الحلّي / إعداد: ضحى عبدالعزيز: ص24. الإمام عليّ رسالة وعدالة: ص71. صفيّ الدين الحلّي / صلاح الدين خليل الصفدي: ص66. البابليّات / محمّد علي اليعقوبي: ج1، ص112. مجالس المؤمنين / نور الله شوشتري: ج2، ص576. ريحانة الأدب / محمّد علي مدرّس: ج3، ص463.
[201]
الشيخ بهاء الدين العاملي
ولد محمّد بن حسين بن عبدالصمد العاملي المشهور بالشيخ البهائي في لبنان سنة 953هـ، وهو معروف لدى الأوساط غير الشيعيّة، وقد ألّف في مختلف العلوم الإسلامية، وهو رجل موسوعي، قال الشعر بالعربية والفارسية، ودرس علم التفسير والحديث والفقه وعلم الكلام والعلوم الرياضيّة وكان (أفضل المحقّقين وأعلم المدقّقين)((1)).
أهمّ مؤلّفاته:
لقد ترك الشيخ البهائي تراثاً علميّاً ضخماً ناهزت الخمسين((2))، منها:
ـ مشرق الشمسين واكسير السّعادتين. ..........ـ الحبل المتين في أحكام الدين.
ـ رسالة في الدراية .........................................ـ مفتاح الفلاح.
ـ الفوائد الصمديّة .........................................ـ خلاصة الحساب.
ـ تشريح الأفلاك ................................................ـ الكشكول.
ـ المخلاة .................................................. .ـ ديوان شعره.
ـ خواصّ الأعداد. .............................ـ رسالة في تحقيق جهة القبلة.
ـ كتاب العروة الوثقى والصرط المستقيم. ..................ـ الرسالة الهلاليّة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)من حياة الإمام الرّضا(عليه السلام) / علي العسيلي العاملي: ص37.
(2)موسوعة عباقرة الإسلام / الدكتورة رحاب خضر: ج4، ص169.
[202]
ـ فوائد الرجال. ...................................ـ شرح الشافية في الصرف.
ـ حدائق المقرّبين ((1))....................................ـ أسرار البلاغة.
ـ زبدة الاُصول. ................................ـ حاشية على أنوار التنزيل.
ـ وله «مُصَنّفات في الرياضيات والفلك» ((2)).... ـ الملخّص في الهيئة ((3)).
للشيخ البهائي شعر كثير بالعربية والفارسية فجاء بعضها بالنصح والعضة والتوجيه بقوله:
لقد صرفنا العمر في قيل وقال ***** يا نديمي قم فقد ضاق المجال
واسقني تلك المدام السلسبيل ***** انّها تهدي إلى خير السبيل
واخلع الغلّ بها يا ذا النديم ***** أنّها نار اضاءت للكليم
هاتها صهباء من خمر الجنان ***** دع كئوساً واسقنيها بالدنان
ضاق وقت العمر عن آلاتها ***** هاتها من غير عصرهاتها
قم أزل عنّي بها رسم الهموم ***** انّ عمري ضاع في علم الرسوم
أيّها القوم الذي في المدرسة ***** كلما حصلّتموه وسوسة
فكركم إن كان فى غير الحبيب ***** ما لكم في النشأة الاُخرى نصيب
فاغسلوا يا قوم عن لوح الفؤاد ***** كلّ علم ليس ينجي في المعاد ((4))
وحسبك قصيدته الوجدانية، والتي تمتاز باُسلوب جزل وفصاحة بعيدة عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أعيان الشيعة: ج9، ص245. بهاء الدين العاملي / الدكتور محمّد النوبختي: ص50.
(2)دراسات في تاريخ العلوم عند العرب / حكمت نجيب عبدالرحمن: ص106.
(3)موسوعة عباقرة الإسلام: ج4، ص169.
(4)أعيان الشيعة: ج9، ص249. الجنة / محمّد حسن الحسيني: ج1، ص63. الكشكول / يوسف البحراني: ج1، ص108. الهجرة العامليّة: ص158. سلافة العصر / صدر الدين علي المدني: ص293.
[203]
الصنعة لصدق صاحبها حيث بدأها بالحديث عن الأسى والفراق والدموع بقوله:
فالمجدُ يبكي عليها جازِعاً أسِفاً ***** والدينُ يَنْدُبها والفضلُ يَنْعاها
وخرَّ من شامخاتِ العلمِ أرفعُها ***** وانْهدَّ من باذخاتِ الحلمِ أرساها((1))
ثمّ ينتقل البهائي إلى الزمان الذي أبعده عن أحبّائه وساوى بينه وبين الذي لا يعادله فيقول:
خليليَّ ما لي والزمان كأنّما ***** يطالبني في كلّ آن بأوتار
وأبعد أحبابي وأخلى مرابعي ***** وأبدلني من كلّ صفو بأكدار
وعادل بي من كان أقصى مرامه ***** من المجد أن يسمو إلى عشر معشاري((2))
ومن شعره في المعمّى في حقّ الإمام عليّ (عليه السلام):
قال لي العذال دع حبه ***** ما فيه إلاّ شقوة أو أذى
فزاد ذا القول فؤادي أسىً ***** ما ضرّ عذالي لو زال ذا ((3))
وله مقطوعة شعرية، وقد أشرف شيخنا البهائي على مدينة سر من رأى نقتبسها لجمالها:
أسرع السير أيّها الحادي ***** إنّ قلبي إلى الحمى صادي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)بهاء الدين العاملي / الدكتور محمّد النوبختي: ص122.
(2)ستّة فقهاء أبطال / جعفر المهاجر: ص241.
(3)أمل الآمل: ج1، ص41.
[204]
وإذا ما رأيت عن كثب ***** مشهد العسكري والهادي
-
فالثم الأرض خاضعاً فلقد ***** نلت والله خير إسعاد
وإذا ما حللت ناديهم ***** يا سقاه الإله من نادي
فالثم الأرض خاضعاً ولهاً ***** واخلع النعل انّه الوادي ((1))
وله أيضاً:
قد دعاني الهوى ولبّاه قلبي ***** فدعاني ولا تطيلا ملامي
إن من ذاق نشوة الحبّ يوماً ***** لا يبالي بكثرة اللوّامِ((2))
بعد هذا نجده عندما اتّجه إلى الحجاز وأشرف علىالمدينة حين وقعت عينه ولأوّل مرّة على قبّة خاتم الرسل جاشت نفسه وقال:
هذه قبّة مو ***** لاي وأقصى أملي
أوقفوا المحمل كي ***** ألثم خفي جملي ((3))
وله هذه الصورة الساخرة بالمتصوّفين المزيّفين الذين يظهرون أشياء تخالف واقعهم فيقول:
أنا الفقير المعنّى ***** ذو رقة وحنين
للناس طرّاً خدوم ***** إذا هم استخدموني
يعلو مقامي قدراً ***** إذا هم لمسوني
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ستّة فقهاء أبطال / جعفر المهاجر: ص216. بهاء الدين العاملي / الدكتور دلال عباس: ص367.
(2)الهجرة العاملية / جعفر المهاجر: ص159. سلافة العصر: ص293.
(3)ستّة فقهاء أبطال: ص117. بهاء الدين العاملي: ص126.
[205]
ولست أسلو هواهم ***** يوماً، ولو قطّعوني
هذا، ومن سوء حظّي ***** وحسرتي وشجوني
أن لست أذكر إلاّ ***** عقيب رفع الصحون((1))
لقد أودع بهاء الدين ديوانه الذي نظمه أثناء رحلته، وسمّاه «سوانح سفر الحجاز» حنين روحه الباحثة، وختمه بقصيدة:
اشفِ قلبي أيّها الساقي الرحيم ***** بالتي يحيا بها العظم الرميم
زوّج الصهباء بالماء الزلال ***** واجعلن عقلي لها مهراً حلال
بنت كرم تجعلنّ الشيخ شاب ***** من يذق منها عن الكونين غاب
خمرة من نار موسى نورها ***** دنها قلبي، وصدري طورها
* * *
قم فلا تُمهل، فما في العمر مهل ***** لا تصعّب شربها والأمر سهل
قم ولا تُمهل، فإنّ الصبح لاح ***** والثريا غربت والديك صاح
قل لشيخ قلبه منها نفور ***** لا تخف! فالله توّاب غفور
يا مغني إن عندي كلّ غمّ ***** قم وألق النار فيها بالنغم
* * *
يا مغني قم فإنّ العمر ضاع ***** لا يطيب العيش إلاّ بالسماع
أنت أيضاً يا مغني لا تنم ***** قم واذهب عن فؤادي كلّ غم
غن لي دوراً فقد دار القدح ***** والصبا قد لاح، والقمري صدح
واذكرن عندي أحاديث الحبيب ***** إن عيشي من سواها لا يطيب
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الهجرة العاملية / جعفر المهاجر: ص158.
[206]
واذكرن ذكرى أحاديث الفراق ***** إن ذكر البعد ممّا لا يطاق
روحن روحي بأشعار العرب ***** كي يتمّ الحظّ فينا والطرب
وافتتح منها بنظم مستطاب ***** قلته في بعض أيام الشباب
قد صرفنا العمر في قيل وقال ***** يا نديمي قم، فقد ضاق المجال((1))
توفّي الشيخ البهائي سنة 1031هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الهجرة العامليّة / جعفر المهاجر: ص164. بهاء الدين العاملي / الدكتور دلال عبّاس: ص418.
[207]
الفصـل الثالث عشر
ظهور عوامل النهضة الحديثة
أهمّ الشعراء والاُدباء والنقّاد الذين برزوا
ـ جميل صدقي الزهاوي
ـ عائشة التيمورية
ـ معروف الرصافي
ـ إيليا أبو ماضي
ـ أحمد شوقي
ـ أبو القاسم الشابي
[208]
[209]
عهد النهضة
من 1213هـ / 1798 م
إلى يومنا الحاضر
كان الجهل مخيّماً على الأدب العربي بما فيه الشعر والنثر قُبيل النهضة، هكذا كان حال البلاد العربية.
لقد ظهرت عوامل النهضة في زمن محمّد علي باشا سنة 1849م، ومن بوادر هذه النهضة إرسال البعثات إلى مختلف البلاد الأوربيّة للتبحّر في العلوم والفنون، ثمّ قاموا بتأسيس مدارس وجامعات، ثمّ توالت الترجمة في العلوم والفنون إضافة إلى التأليف،كما ونشطت الطباعة وتأسّست الجمعيات العلميّة والأدبية والمكتبات في كلّ من لبنان وسوريا ومصر والعراق وبعض البلاد العربية الاُخرى.
كما واشترك الأجانب بفتح مدارس لتعليم اللغات ممّا أدّى إلى تنشيط حركة الاستشراق، ومن أشهر المستشرقين:
ـ بروكلمن.
ـ دي سلان.
ـ دوزي.
ـ دي غويه.
[210]
ـ لويس مسينيون.
ـ مرغيلوث.
هذه هي أهمّ العوامل التي ساعدت على بزوغ النهضة الحديثة.
ومن هذا نلاحظ أنّه قويت أغراض النثر الأدبي والاجتماعي والسياسي وكذلك الخطابة، كما وأنّ القصّة تطوّرت، وترجمت بعض القصص غير العربية، إضافةً إلى نشاط نواحي الانتاج الأدبي كالنقد وتأليف الروايات، ومن أشهر الاُدباء الذين برزوا هم:
إبراهيم الأحدب ..... إبراهيم طوقان / فلسطين ..... إبراهيم المازني .....
إبراهيم الوائلي .... أبو القاسم الشابي / تونس .... إحسان عبّاس / الأردن
أحمد دحبور / فلسطين.. أحمد حسن الزيّات ........... أحمد السقّاف / سوريا
أحمد شوقي .......... أحمد الصافي النجفي .......... أحمد الوائلي
أمين الريحاني ...... ايليا أبو ماضي
بدر شاكر السيّاب ... بطرس البستاني .............. بلند الحيدري
بنت الشاطئ ......... بولس سلامة .................. توفيق الحكيم
جبران خليل جبران ... جرجي زيدان .................. جعفر الخليلي
جمال الدين الأسدآبادي / الأفغاني ................. جواد جميل
جورج جرداق ......... حافظ إبراهيم ................ حسين مردان
حفني ناصف .....خليل الخوري .....خليل مطران / لبنان ..... رضا الهندي الموسوي..... رفائيل بطي .....سليمان العيسى .....سميح القاسم / فلسطين.....سعد زغلول ..... طه حسين ..... عائشة التيمورية ..... عاتكة وهبي الخزرجي ..... عباس محمود العقّاد ..... عبد الله الفيصل / السعودية ..... عبد الحسين الأزري ..... عبد المحسن الكاظمي ..... عبد المنعم الفرطوسي ..... عبود الكرخي ..... علي الجارم ..... علي الجندي ..... علي الشرقي ..... علي العلاّق ..... علي محمود طه / مصر ..... غازي القصيبي / السعودية .....فرات الأسدي ..... فؤاد عبّاس ..... فهد العسكر / الكويت ..... قاسم أمين .....كوركيس عواد ..... محسن الأميني ..... محمّد بهجت الاثري ..... محمّد التهامي ..... محمّد جواد الجزائري ..... محمّد جواد مغنية ..... محمّد حسين الصغير ..... محمّد رضا الشبيبي ..... محمّد سعيد الحبوبي ..... محمّد الشاذلي / تونس ..... محمّد عبده ..... محمّد علي اليعقوبي ..... محمّد الفيتوري / السودان ..... محمّد كرد علي ..... محمّد مهدي البصير ..... محمّد مهدي الجواهري ..... محمود البستاني
[212]
محمود جميل شلش ..... محمود درويش / فلسطين ..... مدين الموسوي .....مصطفى جمال الدين ..... مصطفى جواد ..... مصطفى صادق الرافعي ..... مصطفى طلاس / سوريا ..... مصطفى كامل ..... مصطفى لطفي المنفلوطي ..... مظفر النوّاب ..... نازك الملائكة ..... نجيب محفوظ ..... نزار قباني / سوريا ..... وديع عقل ..... يقين البصري ..... يوسف السباعي .
ونرى من الضروري ذكر شيء عن حياة بعضهم:
جميل صدقي الزهاوي
شاعر بغدادي، ولد من أبوين كرديّين عام 1863م((1))، تميّزت اُسرتهما بالدين والفقه والأدب((2)).
درس آداب اللغة الفارسية والتركية إلى جانب العربية، وأحرز كثيراً من العلوم والفنون، وتعمّق في علم التوحيد والفقه الإسلامي والمنطق والفلسفة والتصوّف.
عُيِّن اُستاذاً للقانون في كلّية الحقوق.
الزهاوي كان «بطلاً من أبطال النهضة». «كان يهزج بأغاريد الفجر على ضفاف دجلة»((3))، ثمّ يقضي الليل ساهداً يقرأ أو ذاهلاً ينظم، فالقصص والمجلات منتثرة على سريره وعلى مقعده، والأوراق تحت وسادته أو في ثيابه، ويقول:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الزهاوي دراسات ونصوص / جمع: عبد الحميد الرشودي: ص46.
(2)وحي الرسالة / أحمد حسن الزيّات: ج1، ص363.
(3)المصدر المتقدّم: ص368.
[213]
«انظروا كيف اُذيب عمري في شعري، إنّي سأذهب وستبقى أشعاري معبّرة عن شعوري وناطقة بآلامي فهي دموع ذرفتها على الطرس»((1)).
مؤلّفاته:
ـ ديوان الكلم المنظوم ............................ـ ديوان بعد الدستور.
ـ ديوان هواجس النفس ...............................ـ ديوان بقايا الشفق.
ـ رباعيات الزهاوي .....................................ـ ديوان الشذرات.
ـ ديوان نزعات الشيطان ....................................ـ عيون الشعر.
ـ الكائنات ........................................ـ الجاذبية وتعليلها.
ـ الدفع العام والظواهر الطبيعيّة والفلكيّة ........ـ محاضرة في الشعر.
ـ الفجر الصادق في الردّ على الوهابيّة ............ـ رسالة اشراك الداما.
ـ حكمت إسلامية درسلري، تركي ..........................ـ الخيل و سباقها.
ـ الأوشال ......................................ـ ليلى وسميرة ، رواية.
ـ اللباب ، ديوان شعر .................................ـ ثورة في الجحيم.
ـ ديوان جميل صدقي الزهاوي ((2)).
نظم الزهاوي الشعر بالعربية والفارسية وهو صبي، وأجاد فيهما. إذن «فالشعر رسالة الطبيعة على لسان أحد بنيها إلى أبنائها» ((3)).
وممّا نظمه في رسالة الشعر قوله:
ما الشعر إلاّ شعوري جئت أعرضه ***** فانقده نقداً شريفاً غير ذي خلل
الشعر ما عاش دهراً بعد قائله ***** وسائر يجري على الأفواه كالمثل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)وحي الرسالة: ص363.
(2)الأعلام الشرقيّة / زكي محمّد مجاهد: ج2، ص697.
(3)المصدر المتقدّم: ص695.
[214]
والشعر ما اهتزّ منه روح سامعه ***** كمن تكهرب من سلك على غفل((1))
عندما أراد الزهاوي العودة من الاستانة إلى وطنه لم يسمح له السلطان بالعودة فنظم الزهاوي قصيدة حادّة واستمرّ في ذمِّه للسلطان وسياسته فأمر السلطان بسجنه ونفيه، وممّا جاء في قصيدته والتي تبين مدى جرأة الشاعر حين يقول:
أيأمر ظلّ الله في أرضه بما ***** نهى الله عنه والرسول المبجّل
فيفقر ذا مال وينفي مبرأ ***** ويسجن مظلوماً ويسبي ويقتل
تمهل قليلاً لا تغظ أنّه إذا ***** تحرك فيها الغيظ لا تتمهل
وأيديك إن طالت فلا تغترّ بها ***** فإنّ يد الأيام منهنّ أطول((2))
كان الزهاوي جريئاً بطبعه وطموحاً وجلداً في مواقفه، فعندما رأى أنّ الحكّام يلقون الأحرار مغلولين في غيابة السجن وتنفيذ أحكام الاعدام بهم والقسم الآخر يرمى بهم في قاع البحر فنظم قصيدة في تحيّة الشهداء.
على كل عُود((3)) صاحبٌ وخليل ***** وفي كل بيت رنةٌ وعويلٌ ((4))
وفي كلّ عين عبرةٌ مهراقةٌ ***** وفي كلّ قلب حسرةٌ وعليل
كأنّ الجدوع القائمات منابر ***** علت خطباءٌ عُودَهُنَّ نقول
ستبكي على تلك الوجوه منازلٌ ***** وتبكي ربوعٌ للعلى وطُلولُ
وما هي إلاّ رجفة تعتري الفتى ***** مفاجأة والراس منه يميلُ((5))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الأعلام الشرقية: ج2، ص695.
(2)الأعلام الشرقيّة: ج2، ص693. وحي الرسالة: ج1، ص364. الزهاوي وديوانه المفقود / هلال ناجي: ص211.
(3)عود: أراد به المشنقة.
(4)الزهاوي وديوانه المفقود: ص30.
(5)ديوان جميل صدقي الزهاوي: ص178. ديوان الزهاوي / الزهاوي: ص168.
[215]
انطفأت شعلة حياة هذا الشاعر في سنة 1936م.
عائشة التيموريّة
ولدت عائشة عصمت التيمورية بمدينة القاهرة سنة 1840م، فهي مصرية المولد والنشأة والتربية.
كانت عائشة شاعرة وأديبة من نوابغ مصر قيل عنها «إنّه لو استثنينا شعر سامي البارودي الذي يعتبر شاعر النهضة الحديثة فسنجد شعر عائشة التيمورية يعلو ويفوق شعر بقيّة الاُدباء في عصرها»((1)).
نظمّت هذه الأديبة الشعر بالعربية والتركية والفارسية ونشرت مقالات في الصحف والمجالات، ولقد لاقت استحساناً من قِبل الاُدباء.
ومن آثارها:
حلية الطراز.
نتائج الأحوال في الأدب.
مرآة التأمّل في الاُمور((2)).
كشوفة : ديوان شعرها باللغة التركية ((3)).
اهتمّ والدها في تعليم ابنته عائشة والعناية بتثقيفها وأنّ ابنته تتذكّر تلك العناية التي قدّمها والدها لها، فهي تحنّ عليه وتذكره بالشكر والعرفان، وقد نظمت قصيدة رثاء بعد وفاة والدها تلك القصيدة كانت ملأى بالعبرات فنجدها تقول:
أبتاه قد حشّ الفراق حشاشتي ***** وهل يرتضي القلب الشفوق جفائي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)مجموعة أعلام الشعر / عبّاس محمود العقّاد: ص347.
(2)مشاهير الشعراء والاُدباء: ص137.
(3)الأعلام: ج3، ص240.
[216]
يا من يحسن رضاه فوز بنوتي ***** وعزير عيشته تمام رخائي
إن ضاق بي ذرعي إلى من اشتكي ***** مِنْ بعدِ فقدك كافلاً برضائي((1))
اقتصر شعرها على المدح والرثاء والغزل الصوفي، واشتهرت هذه الشاعرة بالرثاء،وكان أصدق وأجود شعرها.
لقد ظلّت الشاعرة تنظم القصائد والموشّحات باللغات الثلاث الآنفة الذكر، وعند وفاة ابنتها عَظمَ حزنها سبع سنين حتّى ضعف بصرها ولم تأنس بعدْ بالعيش فقضت أيّامها في وحدة ووحشة وانقطعت عن الشعر والأدب إلاّ مرثيتها لابنتها، لذا نجدها تتفجّع على عزيزتها كما تتفجّع الثكلى، ثمّ نشاهد اللوعة والحزن العميق حين تقول:
اُمّاه قد عزّ اللقاء وفي غد ***** سَترين نعشي كالعرُوس يسيرُ
وسينتَهي المسعى إلى اللّحد الذي ***** هو مَنزِلي وله الجُموع تصيرُ
قولي لربّ اللّحد رِفقاً بابنتي ***** جاءَت عرُوساً ساقها التقدير
وتجلّدِي بإزاء لحْدي بُرْهةً ***** فتراكِ رُوحٌ راعها المقدُور
اُمّاه قد سَلَفتْ لنا اُمنيةٌ ***** يا حسنها لو ساقها التيسير
كانت كأحلام مضَتْ وتخلّفتْ ***** مذْ بان يوم البَين وهو عسير
* * *
عُودي إلى ربع خَلاَ ومآثر ***** قد خلّفتْ عنّي لها تأثير
صُوني جهاز العرس تذكاراً فلي ***** قد كان منه إلى الزفاف سُرُور
جرت مصائب فُرقتي لك بعدَ ذا ***** لبس السواد ونفذَ المسطور
والقبرُ صار لغُصن قَدِّىَ روضةٌ ***** ريحانها عند المزَار زُهور
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)حلية الطراز / عائشة عصمت التيموريّة: ص58.
[217]
اُمّاه لا تَنسى بحقّ بنوّتي ***** قبري لئلا يحزن المقبور
ورجاء عَفْو أو تلاوة مُنْزَل ***** فسِوَاكَ مَنْ لي بالحنين يُزور
* * *
فلعلما أحظى برحمة خالق ***** هو راحمٌ برٌّ بنا وغفور
فأجبتها والدمع يَحبسُ مَنطقي ***** والدّهر من بعد الجوار يَجور
بنْتاه يا كبدي ولوْعة مُهجتي ***** قد زال صفوٌ شأنه التكدير
لا توصي ثَكْلَى قد أذاب فؤادها ***** حزنٌ عليك وحسرةٌ وزفير
قسماً بغضّ نواظِري وتلهفي ***** مذ غاب إنسانٌ وفارقَ نور
إنّي ألِفْتُ الحزنْ حتّى أنّني ***** لو غاب عنّي ساءني التأخير
* * *
قد كنتُ لا أرضَى التباعد بُرهةً ***** كيف التصبّر والبعاد دهور
أبكيك حتّى نلتقي في جنّة ***** برِياض خُلد زيّنتها الحور
قلبي وجفني واللسان وخالقي ***** راض وباك شاكرٌ وغفور
مُتّعتِ بالرّضوان في خلد الرّضا ***** ما ازّيّنت لك غُرْفة وقصور
وسمعت قول الحقّ للقوم ادخلوا ***** دار السلام فسعيكم مشكور((1))
* * *
توفّيت عائشة التيموريّة سنة 1902م((2)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)حلية الطراز: ص58. الجامع في تاريخ الأدب العربي: ص129. جواهر الأدب: ج2، ص108. مجموع أعلام الشعر: ص249.
(2)الأعلام: ج3، ص240.
[218]
معروف الرصافي
ولد الشاعر معروف الرصافي في سنة 1875 ببغداد حيث أكمل دراسته فيها، ثمّ انتقل إلى القسطنطينيّة والقدس، وبعد إتمام دراسته عاد إلى وطنه.
يمتاز اُسلوب الرصافي بمتانة لغته ورصانة اُسلوبه، وله آثار كثيرة في النثر والشعر واللغة والآداب أشهرها ديوانه (الرصافي) حيث رتّب إلى أحد عشر باباً في الكون والدين والاجتماع والفلسفة والوصف والحرب والرثاء والتاريخ والسياسة وعالم المرأة والمقطّعات الشعرية الجميلة، وقد جاء في وصفه لعظمة الخالق قائلاً:
انظرْ لتلك الشجرة ***** ذاتَ الغُصُون النظره
كيف نَمَتْ من حبّة ***** وكيف صارتْ شجره
فابحثْ وقُلْ من ذا الذي ***** يُخرجُ منها الثّمره
وانظر إلى الشمس التي ***** جَذوتها مُسْتَعِرَه
فيها ضياءٌ وبِها ***** حرارةٌ منْتشِره
* * *
من ذا الذي أوجدها ***** في الجوّ مثْل الشَّرَره
ذاك هو الله الذي ***** أنْعمُهُ مُنهمِره
ذو حِكمة بالِغَة ***** وقُدرة مُقْتدِرَه
انظرْ إلى الليل فَمَنْ ***** أوجَدَ فيهِ قَمَرَه
وزانَهُ بأنجُم ***** كالدُّررِ المُنْتشِرَه
* * *
وانظر إلى الغيْمِ فَمَنْ ***** أنزَلَ منه مَطَرَه
فصُيّر الأرض بهِ ***** بعْدَ اغْبِرار خضره
[219]
وانظرْ إلى المرءِ وقُلْ ***** من شقَّ فيهِ بَصَرَه
مَن ذا الذي جهّزهُ ***** بقوّة مفتكره
ذاك هو الله الذي ***** أنعُمُهُ مُنْهمِرَه((1))
وفي مكان آخر من ديوانه يصف مشاهدته لأرملة وبنتها الصغيرة، توفّي زوجها وتركهما بين الفقر والبؤس الذي يذيب القلوب الجامدة حيث بلغ القمّة بوصفه إذ قال:
لقيتها ليتني ما كنت ألقاها ***** تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابها رثَّةٌ والرِّجلُ حافية ***** والدمع تذرفه في الخدّ عيناها
بكتْ من الفقر فاحمرَّتْ مدمعها ***** واصفرَّ كالورس من جوع محياها
ماتَ الذي كان يحميها ويُسعدها ***** فالدهر منْ بعده بالفقر أنساها
الموت أفجعها والفقر أوجعها ***** والهمُّ أنحلها والغمُّ أضناها
* * *
فمنظر الحزن مشهودٌ بمنظرها ***** والبؤس مرآة مقرونٌ بِمَرآها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها ***** حِملاً على الصدرِ مدعوماً بيمناها
تقول: يا ربّ لا تترك بلا لبن ***** هذه الرَّضيعة وارحمني وإيّاها
كانت مصيبتها بالفقر واحدةً ***** وموتُ والدها باليُتم ثنّاها
هذي حكايةُ حال جئتُ أذكرها ***** وليس يخفى على الأحرار مغزاها((2))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)المدخل إلى تعلّم المكالمة العربية / إعداد: محمّد الحيدري وعلي الحيدري: ج2، ص228.
(2)الرصافي / إصدار مناهل الأدب العربي: ص60. معروف الرصافي / إيليا الحاوي: ج2، ص124.
[220]
لقد شارك الرصافي في قضايا اُمّته السياسية والاجتماعية، ودعا إلى بناء المدارس ونشر العلم، والتي ينبغي لطالب العلم أن لا يكون طلبه للعلم لذاته بل لغايات اجتماعية وذلك من خلال ربطه بالعمل فهل وفى اللفظ بهذا المعنى؟ لذلك نجده يقول:
ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا ***** حتى نطاول في بُنيانها زُحَلا
جودوا عليها بما درّتْ مكاسبكم ***** وقابلوا باحتقار كُلَّ من بَخُلا
لا تجعلوا العلم فيها كُلَّ غايتكم ***** بل علّموا النّشء علماً ينتج العَمَلا
ربُّوا البنين مع التعليم تربيةً ***** يُمسي بها ناطق الدنيا به المثلا
فجيِّشوا جيش علم من شبيبتِنا ***** عَرَمْرَماً((1)) تضربْ الدنيا به المثلا
إنّا لِمَنْ اُمَّة في عهد نهضتِنا ***** بالعلم والسيف قبلاً أنشأت دولا((2))
وعندما احتلّ الانكليز العراق سنة 1920م، وسرعان ما نصّبوا فيصل ملكاً على البلاد وأصدروا دستوراً وانشأوا برلماناً مزيّفين وأصحبت اُمور البلاد بأيديهم ثار الشعب العراقي وثار الرصافي معهم حيث أنشد قصيدته، وممّا جاء فيها:
عَلمٌ ودستورٌ ومجلس اُمّة ***** كلٌّ عن المعنى الصحيح مُحرَّفُ
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها ***** أمّا معانيها فليست تُعرفُ
من يقرأ الدستور يعلَم أنّه ***** وفقاً لصكِّ الانتداب مصنّفُ((3))
فكان الدستور الذي سُنّ في نظره ليس إلاّ وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)عرمرم: الجيش الكبير.
(2)ديوان معروف الرصافي: ج1، ص250. معروف الرصافي / رؤوف الواعظ: ص106. معروف الرصافي: ج3، ص87.
(3)ديوان الرصافي / شرح مصطفى علي: ج3، ص168.
الانكليز على العراق، دستور مزيّف وعَلم الدولة مزيّف هو الآخر، وحتّى المجلس الذي يسمّى بمجلس الاُمّة أيضاً كان مزيّفاً، ثمّ نلاحظ الشاعر الرصافي يصرخ ساخراً ويقول:
يا قوم لا تتكلّموا ***** إنّ الكلام محرّمُ
ناموا ولا تستيقضوا ***** ما فاز إلاّ النُّوَّمُ
وتأخّروا عن كلّ ما ***** يقضي بأن تتقدّموا
ودعوا التفهُّم جانباً ***** فالخيرُ أن لا تفهموا
أمّا السياسة فاتركوا ***** أبداً وألاّ تندموا ((1))
وبعد برهة من الزمن شُكّلت الوزارة من قِبل حكومة الانتداب فقام مخاطباً تلك الوزارة المنقادة لتنفيذ أوامر أسيادهم حيث يقول:
بالله يا وزراءنا ما بالكم ***** إن نحن جادلناكم لم تنصفوا
هذي كراسيّ الوزارة تحتكم ***** كادت لفرط حيائِها تتقصفُ
أنتم عليها والأجانب فوقكم ***** كُلُّ بسلطته عليكم مُشرفُ
أيُعَدّ فخراً للوزير جلوسه ***** فَرِحاً على الكرسي وهو مُكتَّفُ((2))
فلشاعرنا الرصافي مشاهد كثيرة في الحِكَم والأوصاف والأقاصيص الحزينة التي تُظهر بؤس وفقر الاُمّة ومقاومتها للاستبداد وظلم الأجنبي، بالاضافة إلى آرائه الحدِّيَّة في السياسة وانتقاد السلطة، فهو يدعو إلى الثورة الاجتماعية والسياسية ليعمّ الرخاء ولتنعم البلاد بالحرّية والمساواة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)معروف الرصافي / نجدة فتحي صفوة: ص28. معروف الرصافي / رؤوف الواعظ: ص236. ديوان الرصافي: ج3، ص122.
(2)ديوان الرصافي: ص173.
[222]
هذه نظرة موجزة ألقيناها عن حياة هذا الشاعر إذ أصبح أصدق مترجم عن آلام شعبه وأحزانه.
توفّي الرصافي سنة 1945م((1)).
إيليا أبو ماضي
ولد إيليا أبو ماضي في لبنان سنة 1889، ثمّ هاجر إلى مصر، وبعدها إلى الولايات المتّحدة.
آثاره:
ـ ديوانه تذكار الماضي.
ـ الجداول.
ـ الخمائل.
ويعتبر إيليا أبو ماضي أهم شعراء المهجر في أمريكا الشمالية. ومن المميزات في اُسلوبه الشعري هي وحدة الموضوع وشدّة الارتباط بين أجزائها وعناصرها بالإضافة إلى الفكرة الموحّدة، لذلك وضع عناوين لقصائده تناسب ما تناولته القصيدة، فنلاحظ قصيدته في فلسفة الحياة فنجده يقول:
أيهذا الشاكي ((2)) وما بِكَ داء ***** كيفَ تغْدُو ((3)) إذا غَدوتَ عليلا
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفسٌ ***** تتوقّى ((4)) قبل الرحيلِ الرَّحيلا
وترى الشوكَ في الورُودِ وتغمى ***** إن ترى فوقها النّدى إكليلا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الأعلام: ج7، ص268.
(2)أيهذا الشاكي: أي هذا أيّها الشاكي.
(3)تغدوا: تصبح.
(4)تتوقّى: تتحذّر.
[223]
هُو عِبءٌ على الحياةِ ثقيلٌ ***** مَنْ يظنُّ الحياةَ عِبءً ثقيلا
والذي نفسُهُ بِغيرِ جمال ***** لا يرى في الحياةِ شيئاً جميلا
فتمتّعْ بالصُّبحِ ما دُمتَ فيهِ ***** لا تخفْ أنْ يزولَ حتّى يزولا
أيهذا الشّاكي وما بِكَ دَاءٌ ***** كُن جميلاً تَرى الوُجودَ جميلا((1))
وهناك طائفة من أشعاره في أغراض مختلفة تبيّن منهجه الشعري، ففي قصيدته «لستُ أدري» التي تتطرّق إلى التفكّر في الحياة والتأمّل في الكون وفي الخير والشرّ، نلاحظ إيليا أبو ماضي يقول في قصيدته المسمّاة بــ (الطلاسم):
جئتُ لا أعلم من ***** أين ؟ ولكنّني أتيتُ
ولقد أبصرتُ قُدّا ***** في طريقاً فمشيت
وسأبقى سائراً إنْ ***** شئتُ هذا أم أبيت
كيف جئتُ كيف أبصرتُ طريقي ***** لستُ أدري
* * *
أجديدٌ أم قديم ***** أنا في هذا الوجود
هل أنا حُرٌّ طليق ***** أم أسيرٌ في القيود
هل أنا قائدُ نفسي ***** في حياتي أم مَقُود
أتمنّى أنّني أدري ولكن ***** لستُ أدري
* * *
وطريقي ما طريقي ***** أطويلٌ أم قصير
وهل أنا أصعد أم ***** أهبط فيه أم أغور
أأنا السائر في الدرب ***** أم الدرب يسير
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أدب عصر النهضة / الدكتور شفيق البقاعي: ص224.
[224]
أم كلانا واقفٌ والدرب يجري ***** لستُ أدري ((1))
-
وعلى هذا النحو ظلّ أبو ماضي حائراً قلقاً لا يستطيع فهم الوجود ولا فهم الكون من حوله، وله قصيدة بعنوان «كم تشتكي» حيث يقول:
كم تشتكي وتقول إنّك معدم ***** والأرض ملكك والسماء والأنجمُ
ولك الحقول وزهرها وأريحها ***** ونسيمها والبلبل المترنمُ
والماء حولك فضّة رقراقة ***** والشمس فوقك عسجد يتضرّمُ
انظر فما زالتْ تطلّ من الثرى ***** صورٌ تكاد لحسنها تتعلّم
عيون ماء دافقات في الثرى ***** تشفي السقيم كأنّما هي زمزم((2))
توفّي أبو ماضي في نيويورك سنة 1958م.
أحمد شوقي
ولد شوقي في القاهرة سنة 1868 من أبٍّ كردي واُمّ تركية، وبعد تخرّجه من الثانوية التحق بمدرسة الحقوق ثمّ مدرسة الترجمة، وبعدها سافر إلى فرنسا لمتابعة دروسه.
لُقِّب أحمد شوقي بأمير الشعراء، ويعتبر من أكابر الشعراء، وقد مدح الاُمراء وبعض الأعيان، بالإضافة إلى أنّه مدح الرسول(صلى الله عليه وآله) والإسلام والمسلمين، ومن آثاره كتاب «أسواق الذهب» وكتاب «دول العرب وعظماء الإسلام» وديوانه «الشوقيّات» في أجزائه الأربعة.
واشتهر بقصيدته «وُلِدَ الهُدى» حيث مدح الرسول والإسلام، وممّا جاء فيها:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الجداول / إيليا أبو ماضي: ص7. درس اللغة والأدب / محمّد محمّدي: ج2، ص199.
(2)الخمائل / إيليا أبو ماضي: ص111.
[225]
وُلِدَ الهدى، فالكائناتُ ضِياءُ ***** وفمُ الزَّمانِ تبسُّمٌ وثَنَاءُ
الرُّوحُ ((1)) والملأُ ((2)) الملائِكُ حوْلَهُ ***** للدِّين والدُّنيا به بُشَرَاءُ
والعرشُ يَزْهُو ((3))،والحظيرة ((4))تَزْدَهِي ***** والمُنتهى، والسِّدْرَةُ العَصْماءُ
يا خيرَ من جاءَ الوجودَ، تحيّة ***** مِنْ مُرسَلين إلى الهدى بكَ جاءوا
* * *
بكَ بشَّرَ اللهُ السماءَ فزُيِّنَتْ ***** وتضوعتْ((5)) مسكاً بك الغبراء((6))
فإذا سخوتَ بلَغْتَ بالجُودِ المَدَى ***** وفعلتَ ما لا تفعلُ الأنواءُ
وإذا عَفَوْتَ فقادراً، ومُقدَّراً ***** لا يستَهين بعفوكَ الجُهلاءُ
وإذا رَحِمْتَ فأنْتَ اُمٌّ، أو أبٌ ***** هذانِ في الدُّنيا هما الرُّحَماءُ
* * *
وإذا غضِبْتَ فَإنّما هِيَ غَضَبةٌ ***** في الحقِّ، لا ضِغْنٌ ولا بَغْضَاءُ
وإذا رضِيْتَ فذاكَ في مَرْضَاتِهِ ***** ورِضَى الكثير تحلُّمٌ ورِياءُ
وإذا خطبْتَ فلِلْمَنابِرِ هِزَّةٌ ***** تَعرو((7)) النَّدِيَّ((8))، وللقُلُوبِ بُكاءُ
وإذا قضيْتَ، فلا ارتيابَ، كأنّما ***** جاءَ الخصومَ مِنَ السَّماءِ قَضَاءُ
وإذا أخذتَ العهدَ، أو أعطيته ***** فجميعُ عَهدِكَ ذِمَّةٌ ووفاءُ((9))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الروح: هو الروح الأمين، لقب جبريل.
(2)الملأ: أشراف القوم.
(3)يزهو: يفتخر، هنا بشرف.
(4)الحضيرة: الجنّة.
(5)تضوّعت: انتشرت.
(6)الغبراء: الأرض.
(7)تعرو: تُلم به وتصيبه.
(8)الندى: المجلس.
(9)ديوان أحمد شوقي / تحقيق: الدكتور إميل أكبا: ج1، ص85. الشوقيات: ج1، ص34.ï ًتاريخ الأداب العربية / رشيد يوسف عطا الله: ص412. شوقي وقضايا العصر والحضارة / الدكتور حلمي عليّ مرزوق: ص321. السيرة النبويّة في ضوء القرآن والسنّة / الدكتور محمّد بن محمّد أبو شهبة: ج1، ص176.
[226]
وقد اعتبر أحمد شوقي رسالة المعلّم تكاد تكون سماوية وهي أشرف الأعمال وأنبلها، وذلك بقصيدته العلم والتعليم، وممّا جاء فيها:
قُمْ للمعلّمِ وفُه التبجيلا ***** كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمتَ أشرف أو أجلّ ما الذي ***** يبني ويُنشيء أنفساً وعقولا
أرسلتَ بالتوراةِ موسى مرشداً ***** وابن البتول((1)) فعلم الإنجيلا
وفجَّرتَ ينبوع البيان محمّداً ***** فسقى الحديث وناول التنزيلا
إنّ الشجاعة في القلوب كثيرةٌ ***** ووجدتُ شُجعان العقول قليلا
لقد أحبّ شوقي وطنه فكان وطنياً مخلصاً فنظم الأناشيد الوطنية وهو القائل:
يا وطني لقيتك بعد يأس ***** كأنّي قد لقيت بك الشبابا
ابتسمت لشوقي الحياة فضحك لها. ثمّ ساهم في المسرح بشعره الروائي، كما ذلَّلَ شوقي الشعر العربي في المسرح; وذلك بتأليفه مسرحيّات عدّة أهمّها مصرع كليوباترا، عنترة، وقمبيز ملك الفرس، مجنون ليلى.
هذا وقد نشأ أحمد شوقي في أحضان النعمة وعاش مترفاً منعّماً، وكان لهذه الحياة أثر في خيالاته واتّجاهاته الشعريّة، ومن ذلك نجده يصف الجزيرة ويقول:
وخميلة ((2)) فوق الجزيرة مسّها ***** ذهبُ الأصيل حواشياً ومتونا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)البتول: لقب السيّدة مريم(عليها).
(2)الخميلة: الشجر الكثير الملتفّ.
[227]
كالتبرِ ((1)) اُفْقاً والزبرجدِ رَبوة ***** والمِسْكِ تُرْباً، واللَّجين ((2)) معينا
وقف الحبّ من دونِها مستأذناً ***** ومَشى النسيم بظلّها مأذونا
وجرى عليها النيل يقذف ***** نثراً ويكسر مرمراً مسنونا
كما أكثر من الحديث عن الأخلاق ورآها إحدى الدعائم التي تبنى عليها قوّة الاُمم، فمن ذلك قوله:
وإنّما الاُمم الأخلاق ما بقيت ***** فإن همُ ذهبَتْ أخلاقهم ذهبوا
وقد ورد من لفظ الأخلاق في معان اُخرى، ومنها ما يجري مجرى الأمثال، وحسبك شاهداً ما يقول:
وَإنّما الاُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ ***** فإنْ تَوَلَّتْ ، مَضَوا في إثرِها قُدُما
* * *
كذا الناسُ بالأخلاقِ يبقى صَلاحُهم ***** ويَذَهبُ عنهم أمرُهم ، حينَ تذهبُ
* * *
تَرْكُ النفوسِ بلا عِلْم ولا أدَب ***** تَرْكُ المَرِيضِ بلا طِبٍّ وَلا آس
* * *
وَإذا مَا أصَابَ بُنْيَانَ قَوْم ***** وَهْىُ خُلْق، فَإنَّهُ وَهْيُ أَسٍّ
* * *
وَإذا اُصِيبَ القَوْمُ في أخلاقِهِمْ ***** فأقِمْ عَلَيْهِمْ مَأْتَماً وَعَوِيلا
* * *
وَلَوْ زَادَ الحَيَاةَ النّاسُ سَعْياً ***** واَخلاصاً ، لَزَادَتْهُمْ جَمَالا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)التبر: الذهب.
(2)اللّجين: العلف المتّخذ من الورق المدقوق المخلوط بالشعير.
[228]
مؤلّفاته:
ـ الشوقيّات، أربعة أجزاء .........................ـ أسواق الذهب.
ـ عظماء الإسلام .................................ـ. رواية لإدياس.
ـ رواية ورقة الآس ................................ـ علي بك الكبير.
ـ مذكّرات بنتاؤر .................................ـ مصرع كليوباترا.
ـ مجنون ليلى .....................................ـ قمبيز.
ـ عنتر ...........................................ـ أميرة الأندلس.
ـ السيّدة هدى ....................................ـ البخيلة.
ـ كشكول ، جامع لقصائد لم تنشر وقصائد سهلة للأطفال وأغان في ثلاث مجلّدات مخطوط.
ـ نهج البردة ، قصيدة مشهورة قالها في التوسّل ومدح النبيّ صلوات الله عليه.
توفّي أحمد شوقي سنة 1932م في القاهرة، ودفن في مقبرة السيّدة نفيسة(رضي الله عنها)، وأوصى أن يكتب على قبره هذان البيتان من قصيدة نهج البردة:
يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي ***** وكيف لا يتسامى بالرسول سمي
ان جلَّ ذنبي عن الغفران لي أمل ***** في الله يجعلني في خير معتصم
أبو القاسم الشابي
محمّد بن أبي القاسم الشابي، وُلد في سنة 1906م في قرية الشابية بتونس، نالَ شهادة الحقوق عام 1930م.
ظهر نبوغه في الشعر مبكّراً حيث كان قوي البديهيّة، رقيق العاطفة، سريع الانفعال،حادّ الذهن، يحبّ الفكاهة والأدب.
عالج الشابي في موضوعاته فلسفة البؤس والشقاء والألم والحزن والحبّ والحياة
[229]
والقوّة والثورة، وكان ثائراً على كلّ قيود عصره في الشعر والحياة.
آثاره الأدبية:
ـ ديوانه.
ـ الخيال الشعري عند العرب.
ـ المقبرة ، رواية.
ـ ديوان الأشواق التائهة.
ـ رسائل الشابي.
ـ يوميّات الشابي.
ـ الهجرة المحمّدية ((1)).
يتضمّن ديوان الشاعر الأغراض الأدبية المختلفة، لكنّ القارئ لديوانه يحسّ أنّه يتضمّن حنين وبكاء ونشيد ووجوم ويقظة وهجود وسلام وابتسامة وسرور وظلام ونور ونجوم وضباب وسراب وشجون وبهجة; لذلك فإنّ ديوانه حافل بهذه الأغراض لأنّه قطعة من وجود إنسان((2)).
كان في نظمه للشعر يدعو المستعبدين أن يرفعوا رؤوسهم إلى السماء لأنّه كان يرى وطنه تونس نهباً للاستعمار.
وبنفس الوقت كان الشابي محبّاً لبلاده، صادقاً في وطنيّته ومخلصاً لها.
لقد عاش أبو القاسم البؤس، فقد تحمّل أعباء الحياة التي أثقلت ظهره لذلك لم نستغرب عندما يقول:
ما لي تعذّبني الحياة ***** كأنّني خلق غريب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الأعلام الشرقيّة / زكي محمّد مجاهد: ج2، ص761.
(2)شعب وشاعر / نعمات أحمد فؤاد: ص87.
وتهدّ من قلبي الجميل ***** فهل لقلبي من ذنوب
وإذا سالت لِمَ الوجود ***** وكلّه هم مذيب
قالت نواميس السماء ***** قضت وما لك من هروب ((1))
وقال من قصيدة «إلى الشعب» يدعوه إلى الطموح:
أين يا شعب قلبك الخافق ***** الحسّاس أين الطموح والأحلام
أين يا شعب روحك الشاعر ***** الفنّان أين الخيال والإلهام
أين يا شعب فنّك الساحر ***** الخلاّق أين الرسوم والأنغام((2))
قلنا إنّه نظم قصائد في مختلف الأغراض، ولكنّ قصائده الوطنية كانت لها الصدارة في ديوانه.
اشتهر شاعرنا بقصيدته «إرادة الحياة» والتي تمتاز بقوّة الانفعال والثورة على الظلم والاستعمار، ولا تزال شدّة ومتانة الكلمات التي وردت في القصيدة تؤدّي إلى الاندفاع والثورة في فتح الطريق أمام الشعوب نحو التحرّر لكسر القيود وتقرير المصير وتمجيد الإرادة الإنسانيّة إيماناً بقوّة الشعب.
الشابي كان على أمل بالغ بالغد المشرق لشعبه الذي حكم عليه القدر مدّة طويلة تحت أنياب المستعمر الظالم الذي أذاقه الظلم والتشريد والاضطهاد.
وممّا جاء في قصيدته «إرادة الحياة»:
إذا الشعبُ يوماً أرادَ الحياةَ ***** فلا بُدَّ أنْ يستجيبَ القَدَر
ولا بُدَّ لِلَّيلِ أنْ ينجلي ***** ولا بُدَّ للقيدِ أن ينكسِر
كذلكَ قالتْ لي الكائنات ***** وحدّثني روحُها المُسْتِتر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الشابي / الدكتور عمر فرّوخ: ص109.
(2)الأعلام الشرقية / زكي محمّد مجاهد: ج2، ص760.
[231]
ودَمْدَمَت ((1)) الرِّيحُ بينَ الفِجاج ((2)) ***** وفوق الجِبالِ وتَحْتَ الشجر
* * *
«إذا ما طَمِحْتُ((3)) إلى غاية ***** لَبِسْتُ المُنى وخَلَعْتُ الحَذَر
ولم أَتَخَوَّفْ وُعورَ الشِّعاب((4)) ***** ولا كُبَّة((5)) اللَّهَبِ المُسْتَعِر
ومن لا يُحِبُّ صعود الجِبال ***** يعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بينَ الحُفَر»
فعَجَّتْ بِقَلْبي دِماءُ الشَّباب ***** وضجَّتْ بِصَدْرِي رِياحٌ اُخَر
* * *
«اُبارِكُ في النّاسِ أهلَ الطُّموحِ ***** ومن يستلذُّ رُكوبَ الخَطَر»
وفي ليلة من ليالي الخرِيفِ ***** مُثَقَّلَة بالأسى والضَّجَر((6))
سَأَلْتُ الدُّجى((7)): هَلْ تُعِيدُ الحياة ***** لمن أذْبلَتْهُ رَبِيْعَ العُمُر؟
فلمْ يتكلَّمْ فؤاد الظَّلامِ ***** ولمْ تترنَّمْ ((8)) عَذارى السَّحَر ((9))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)دمدم: صوت الريح الشديد.
(2)الفجاج: الطريق الواضح بين جبلين.
(3)طمحت: تطلّعت.
(4)الشِّعاب: الطريق في الجبل، مسيل الماء.
(5)كبَّة: ستره الشيء صير منها، ألقيته على وجه.
(6)الضجر: التبرُّم والمَلَل.
(7)الدجى: الظلام.
(8)تترنّم: طرّبت صوتها.
(9)الشابي شاعر الحبّ والحياة / الدكتور عمر فرّوخ: ص127. شعب وشاعر / نعمان أحمد فؤاد: ص72. أبو القاسم الشابي شاعر الحياة والموت / إيليا الحاوي: ج1، ص84. شعراء عرب معاصرون / نجيب البعيني: ص282. أبو القاسم الشابي / الدكتور عبدالمجيد الحرّ: ص149. أبو القاسم الشابي / ريتا عوض: ص43. الشابي أبو القاسم / محمّد كرد: ص199. دراسات عن الشابي / محمّد كرد: ص135.
[232]
ثمّ نلاحظ استنكار وحقد أبو القاسم الشابي على وحشية الظالمين وجرائمهم البشعة حيث يخاطب المستعمر الظالم في كلّ بقعة من بقاع العالم ويقول: إنّك لن تفلت من عقاب الشعوب بسبب قتلك للنّاس وحصدك الرؤوس الطاهرة، لقد سُقيتْ الأرض من دموع اليتامى والأرامل والمعذَّبين، فإنّ الدماء التي سفكتها ستتحوّل سيلاً يجرفك وناراً تحرقك لذا فإنّ الشابي يجسّم هذه الصورة بقوله:
تأمّل هنالك أنّي حصدتَ ***** رؤوس الورى ((1)) وزهورَ الأملْ
وروَّيتَ بالدم قلب الترابِ ***** وأشربْتَهُ الدمع حتى ثملْ ((2))
سيجْرِفُكَ السيلُ سيلُ الدماء ***** ويأكلكَ العاصف ((3)) المشتعلْ ((4))
وفي مكان آخر يصوّر المرحلة التي تعقب هزيمة الشعوب الضعيفة فيصيبها السكون بعض الوقت وتبدو خاضعة، وبعد فترة من الزمن تجمع طاقاتها لإعلان ساعة الصفر، فنلاحظ الشابي يحذّر من سوء العاقبة ويخاطب المستعمر الظالم ويقول: إنّ وراء هذا السكون والهدوء الموقّت صوت تنطلق منه الثورة الجبّارة ويصوّر هذه الصورة بأيّام الربيع وجمال الطبيعة وصفائها وكيف تتغيّر الأحوال ويتلبّد الجوّ بالغيوم وتعصف الرماح، كذلك ستهبّ النار وتحرق الطغاة المستعمرين فمن يبذر الشوك لا يجني إلاّ الجراح والألم.
رُويدَك ((5)) لا يَخدعَنْكَ الربيعُ ***** وصحُو الفضاءِ وضوءُ الصباحْ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الورى: الخَلق.
(2)ثمل: المراد امتلأ.
(3)العاصف: الريح (لهيب الثورة).
(4)الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي / مدحت سعد الجبّار: ص257.
(5)رويدك: تمهّل.
[233]
ففي الاُفق الرَّحب ((1)) هولُ الظلام ***** وقصفُ الرعودِ وعصفُ الرياحْ
حذارِ فتحتَ الرمادِ اللهبُ ***** ومن يبذرِ الشوكَ يَجْنِ الجراحْ ((2))
توفّي أبو القاسم الشابي في ريعان شبابه سنة 1934 عن عمر يناهز الثامنة والعشرين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الرحب: الواسع.
(2)شعراء عرب معاصرون: ص283. الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي: ص259.
[234]
[235]
الفصـل الرابع عشر
ـ جمال الدين الأسدآبادي
ـ حافظ إبراهيم
ـ السيّد رضا الموسوي
ـ عبدالحسين الاُزري
ـ علي محمود طه
ـ محمّد مهدي الجواهري
ـ أحمد الوائلي
[236]
[237]
ملحق اُدباء عصر النهضة
السيّد جمال الدين الأسدآبادي (الأفغاني)
مولده ونشأته:
وُلد محمّد بن صفدر الحسيني في سنة 1254هـ/1839م من اُسرة شريفة يصل نسبها إلى الحسين بن عليّ((1))(عليهما السلام).
اختلف الباحثون في موطنه الاُمّ ومذهبه، فمثلاً ذهب تلامذته وأصحابه إلى التأكيد بأفغانيّته، منهم الشيخ محمّد عبده((2))، كما أيّد هذا الرأي بعض الباحثين والكتّاب العرب((3)) إضافة إلى بعض المؤرّخين الايرانيّين((4)) والأفغان، كما نصّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تراجم مشاهير الشرق / جرجي زيدان: ج2، ص71. جمال الدين الأفغاني / عبدالرحمن الرافعي: ص5. تاريخ الاُستاذ الإمام / السيّد محمّد رشيد رضا: ص27. جمال الدين الأفغاني / الدكتور محسن عبدالحميد: ص13. جمال الدين الأفغاني / الدكتورة رحاب خضر عكاوي: ص15.
(2)الثائر الإسلامي جمال الدين الأفغاني / الشيخ محمّد عبده: ص16.
(3)الإسلام في القرن العشرين / عبّاس محمود العقّاد: ص142. جمال الدين الأفغاني المفترى عليه / الدكتور محمّد عمارة: ص132. أشهر مشاهير اُدباء الشرق / محمّد عبدالفتّاح: ج2، ص34. دائرة معارفالقرنالعشرين / محمّد فريد وجدي: ج3، ص163.
(4)الكنى والألقاب / الشيخ عبّاس القمّي: ج2، ص155. قصص من عظماء الإسلام / ï ًمحمّد علي الاستآني: ص9.
[238]
على أفغانيّته عدد من الباحثين الغربيّين((1)) الذين أكّدوا أنّه من بلدة أسعد آبادبافغانستان.
كما ذهب آخرون وادّعوا بأنّ السيّد جمال الدين ينحدر من اُسرة ايرانية وأنّه وُلد في اسد آباد إحدى قرى همدان.
لقد أشار المستشرق بروكلمان أنّ جمال الدين ايراني أخفى ايرانيّته لأسباب سياسية((2))، كما أيّد هذا الرأي بعض الباحثين الايرانيّين((3)) والعرب((4)).
إنّ لِكلا الرأيين دلائل تدعم أقوالهم بالرغم أنّنا نؤيّد الرأي الأوّل، ولكن في الوقت نفسه لا يهمّنا موطن السيّد بقدر اهتمامنا بدراسة شخصيّته وعبقريّته البارزة في إيقاظ الشرق من غفوته.
أساتذته وتلاميذه:
درس السيّد جمال الدين النحو والصرف وفقه اللغة والعرفان والمنطق والفلسفة والرياضيات، فكان من أشهر أساتذته المجتهد الكبير الشيخ مرتضى الأنصاريوالفيلسوف الكبير حسين الهمداني((5)).
لقد استطاع السيّد أن يؤثّر تأثيراً كبيراً في نهضة العالم الإسلامي لذلك نرى أنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الإسلام والتجديد في مصر / تشارلز آدامس: ص7. حاضر العالم الإسلامي / لوثروب ستودارد: ج1، ص9.
(2)جمال الدين الأفغاني بين دارسيه / علي شلش: ص31.
(3)مجلّة الحوزة: العدد 60 الخاصّ بالذكرى المئوية لجمال الدين، ص120، قم.
(4)لمحات اجتماعيّة من تاريخ العراق الحديث / الدكتور علي الوردي: ج4، ص266. أعيان الشيعة: ج4، ص216. دائرة المعارف الإسلامية الشيعية / حسن الأمين: ج6، ص166. جمال الدين الأفغاني بين دارسيه: ص48.
(5)الحركات الإسلاميّة في القرن الرابع عشر / مرتضى المطهّري: ص38.
[239]
الشيخ محمّد عبده ((1)) (مفتي الديار المصرية آنذاك) قد تأثّر بآرائه ولازم مجلسه ودروسه ويعتبر من ألمع تلاميذه.
أهدافه وأثره على الأدب العربي:
لقد أيقظ السيّد جمال الدين النفوس الهاجعة وبعث فيها الثقة والأمل والإيمان، فكانت أهدافه محاربة الاستعمار ومناهضة الاستبداد((2)) وإشاعة وتركيز الوعي وتنقية الفكر الإسلامي من الشوائب وتوحيد المسلمين، وبما أنّ الأدب يعتبر ظاهرة من مظاهر الحياة فالنهضة الاجتماعية التي أشعلها السيّد أثّرت على الأدب وسارت مسار النهضة; لأنّ النهضة الأدبية لا تنفصل عن النهضة العامّة.
لو طالعنا رسائله وخطبه لرأينا أنّ كلماته تحوّلت إلى رصاصات في صدر الاستعمار الغادر لذلك نجد صيحاته لأهل الشرق: «أيّها النائمون تيقّظوا»، «ألا أيّها الغافلون تنبّهوا»، «يا أهل الشرق والناموس، يا أرباب المروءة والنخوة، يا اُولي الغيرة الدينية والحمية الإسلامية...» ((3)).
آثاره:
كان السيّد جمال الدين طموحاً، واسع الاطّلاع((4)) في العلوم العقلية والنقلية، وكان يجيد اللغات: «الأفغانية والفارسية والعربية والتركية والفرنسية بالإضافة إلى الانكليزية والروسية»((5))، كما ترك بعض الآثار والتأليفات أهمّها:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الإمام محمّد عبده إمام التجديد والاصلاح الديني (نوابغ العرب): ص45.
(2)زعماء الاصلاح / أحمد أمين: ص106. الاتّجاه الغربي من منظار اجتماعي / الدكتور عليّ محمّد النقوي: ص98. وحي الرسالة / أحمد حسن الزيّات: ج3، ص55.
(3)جمال الدين الأفغاني / محمود أبو ريّة: ص105.
(4)في الأدب الحديث / عمر الدسوقي: ج1، ص345.
(5)تراجم مشاهير الشرق: ص83. جمال الدين الأفغاني / الدكتورة رحاب عكاوي: ص14.
ـ تاريخ الأفغان.
ـ انتقاد الفلاسفة الطبيعيّين.
ـ الردّ على الدهريّين.
ـ مجموعة من جريدة العروة الوثقى بمشاركة الشيخ محمّد عبده.
ـ الحقائق الجمالية (حقائق الجمال )((1)).
توفّي السيّد عام 1897((2)) في تركيا ونقل رفاته إلى كابل في افغانستان عام 1944م((3)).
حافظ إبراهيم
وُلد الشاعر حافظ إبراهيم سنة 1872م من أبٍّ مصري واُمّ تركية على ظهر سفينة صغيرة فوق النيل.
يتّصف حافظ إبراهيم بثلاث صفات يرويها كلّ من عاشره، وهي حلاوة الحديث، وكرم النفس، وحبّ النكتة والتنكيت ((4)).
يعتبر شعره سجل الأحداث، إنّما يسجلّها بدماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدباً قيّماً يحثّ النفوس ويدفعها إلى النهضة، سواء أضحك في شعره أم بكى وامّلَ أم يئسَ((5))، فقد كان يتربّص كلّ حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعاً لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أعيان الشيعة: ج4، ص34.
(2)ذكرى الأفغاني / عبدالمحسن القصّاب: ص16. تراجم مشاهير الشرق: ج2، ص81.
(3)ذكرى الأفغاني: ص16.
(4)حافظ / عبداللطيف شرارة: ص22.
(5)ديوان حافظ / أحمد أمين وجماعته: ص31.
[241]
آثاره الأدبية:
ـ الديوان.
ـ البؤساء: ترجمة عن فكتور هوغو.
ـ ليالي سطيح في النقد الاجتماعي.
ـ في التربية الأوّلية.
ـ الموجز في علم الاقتصاد((1)).
سافر حافظ إبراهيم إلى سوريا، وعند زيارته للمجمع العلمي بدمشق قال هذين البيتين:
شَكَرْتُ جَمِيلَ صُنْعِكُمُ بدَمْعِي ***** ودَمْعُ العَيْنِ مِقْياسُ الشُّعُورِ
لاَِوَّلِ مَرّة قد ذاقَ جَفْنِي ***** ـ على ما ذاقَه ـ دَمْعَ السُّرورِ ((2))
لاحظ الشاعر مدى ظلم المستعمر وتصرّفه بخيرات بلاده فنظم قصيدة بعنوان «الامتيازات الأجنبية»، وممّا جاء فيها:
سَكَتُّ فأصْغَرُوا أَدَبِي ***** وقُلْتُ فأَكْبَرُوا أَرَبِي ((3))
يُقَتِّلُنا بلا قَوَد((4)) ***** ولا دِيَة ولا رَهَبِ((5))
ويَمْشِي نَحْوَ راَيتِه ***** فَنحْمِيه مِن العَطَبِ((6))
فقُلْ للفاخِرِينَ: أَما ***** لهذا الفَخْرِ مِنْ سَبَبِ؟
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)حافظ: ص46.
(2)ديوان حافظ: ص191.
(3)الأرب: العقل.
(4)القود: القصاص.
(5)الرهب: الخوف.
(6)العطب: الهلاك.
[242]
أَرُونِي بَيْنَكُمْ رَجُلاً ***** رَكِينا ((1)) واضِحَ الحَسَبِ
أَرُونِي نِصْفَ مُخْتَرع ***** أَرُونِي رُبْعَ مُحْتَسِبِ؟((2))
أَرُونِي نادِياً حَفْلاً ***** بِأَهْلِ الفَضْلِ والأدَبِ؟
وماذا في مَدَارِسكُمْ ***** مِن التَّعْليمِ والكُتُبِ؟
* * *
وماذا في مَساجِدِكُمْ ***** مِنَ التَّبْيانِ والخُطَبِ؟
وماذا في صَحائِفِكُمْ ***** سِوَى التَّمْوِيهِ والكَذِبِ؟
حَصائِدُ أَلْسُن جَرَّتْ ***** إلى الوَيْلاتِ والحَرَبِ
فهُبُّوا مِنْ مَرَاقِدِكُمْ ***** فإنّ الوَقْتَ مِنْ ذَهَبِ((3))
وله قصيدة عن لسانه صديقه يرثي ولده، وقد جاء في مطلع قصيدته:
وَلَدِي، قد طالَ سُهْدِي ونَحِيبي ***** جِئْتُ أَدْعُوكَ فهَلْ أَنْتَ مُجِيبي؟
جِئْتُ أَرْوِي بدُمُوعِي مَضْجَعاً ***** فيه أَوْدَعْتُ مِنَ الدُّنيا نَصِيبِي((4))
ويجيش حافظ إذ يحسب عهد الجاهلية أرفق حيث استُخدمَ العلم للشرّ، وهنا يصوّر موقفه كإنسان بهذين البيتين ويقول:
ولقد حسبت العلم فينا نعمة ***** تأسو الضعيف ورحمة تتدفّقُ
فإذا بنعمته بلاءٌ مرهق ***** وإذا برحمته قضاء مطبق ((5))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الركين: الرزين.
(2)المحتسب: القائم الذي يقوم بتدبير الأموال وتوزيعها على أحسن وجه.
(3)ديوان حافظ: ص110.
(4)ديوان حافظ: ص201.
(5)المصدر المتقدّم: ص36.
[243]
كم مَرَّ بِي فيكِ عَيْشٌ لَسْتُ أَذْكُرُه ***** ومَرَّ بِي فيكِ عَيْشٌ لَسْتُ أَنْساهُ
وَدَّعْتُ فيكِ بَقايا ما عَلِقْتُ به ***** مِنَ الشّبابِ وما وَدَّعْتُ ذِكْراهُ
أَهْفُو ((1)) إليه على ما أَقْرَحَتْ كَبِدِي ***** مِنَ التّبارِيج ((2)) أولاَهُ واُخْراهُ
لَبِسْتُه ودُمُوعُ العَيْنِ طَيَّعَةٌ ***** والنفسُ جَيَّاشَةٌ ((3)) والقَلْبُ أَوّاهُ ((4))
فكان عَوْنِي على وَجْد اُكابِدُه ***** ومُرِّ عَيْش على العِلاَتِ أَلْقاهُ
إِنْ خانَ وُدِّي صَدِيقٌ كنتُ أَصْحَبُه ***** أو خانَ عَهْدِي حَبِيبٌ كنتُ أَهْواهُ
* * *
قد أَرْخَصَ ((5)) الدَّمْعَ يَنْبُوعُ الغَناءِ به ***** وا لَهْفَتِي ونُضُوبُ الشَّيْبِ أَغْلاهُ
كم رَوَّحَ الدَّمعُ ((6)) عَنْ قَلْبي وكم غَسَلَتْ ***** منه السَّوابِقُ ((7)) حُزْناً في حَنَاياهُ
قالوا تَحرَّرْتَ مِنْ قَيْدِ المِلاحِ فعشْ ***** حُرّاً فَفِي الأَسْرِ ذُلٌّ كُنتَ تَأْباهُ
فقُلْتُ يا لَيْتَه دامَتْ صَرامَتُه ***** ما كان أَرْفَقه عندي وأَحْناهُ
بُدِّلْتُ منه بقَيْد لَسْتُ أَفْلَتُه ***** وكيف أفْلَتُ قَيْداً صاغَهُ اللهُ
أَسْرَى الصَّبَابَةِ أَحْياءٌ وإنْ جَهِدُوا ***** أَمّا المَشِيبُ ففِي الأَمْواتِ أَسْراهُ ((8))
* * *
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)أهفو: أميل.
-
(2)التباريج: ما يعانيه المحبّ من شدّة الشوق.
(3)جيّاشة: مضطربة بمختلف العواطف.
(4)أوّاه: حزين.
(5)أرخص: جعله رخيص.
(6)روح الدمع: أي خفّف من حزنه ونفّس من اللوعة.
(7)السوابق: أسرع.
(8)ديوان حافظ إبراهيم / أحمد أمين وجماعته: ص120.
[244]
والمالُ إِنْ لَمْ تَدَّخِرْهُ مُحَصَّناً ***** بالعِلْمِ كانَ نِهايَةَ الإمْلاقِ ((1))
والعِلْمُ إِنْ لَمْ تَكْتَنِفْه((2)) شَمائِلٌ((3)) ***** تُعْلِيه كانَ مَطِيَّةَ الإخْفاقِ((4))
لا تَحْسَبَنَّ العِلْمَ يَنْفَعُ وَحْدَهُ ***** ما لَمْ يُتَوَّجْ رَبُّه بخَلاقِ((5))
مَنْ لي بتَرْبِيَةِ النِّساءِ فإنّها ***** في الشَّرقِ عِلّةُ ذلِكَ الإخْفاقِ
الاُمُّ مَدْرَسَةٌ إذا أَعْدَدْتَها ***** أَعْدَدْتَ شَعْباً طَيِّبَ الأَعْراقِ
الاُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَعَهَّدَه الحَيَا ***** بالسِّريِّ أَوْرَقَ أَيَّما إيراقِ
* * *
الاُمُّ اُسْتاذُ الأَسَاتِذَةِ الاُلَى ***** شَغَلَتْ مَآثِرُهُمْ مَدَى الآفاقِ
أنا لا أَقُولُ دَعُوا النِّسَاءَ سَوافِراً ***** بين الرِّجالِ يَجُلْنَ في الأَسْواقِ
يَدْرُجْنَ حيثُ أَرَدْنَ لا مِنْ وازِع ***** يَحْذَرْنَ رِقْبَتَه ولا مِنْ وَاقِي
يَفْعَلْنَ أَفْعالَ الرِّجالِ لواهِيا ***** عَنْ واجِباتِ نَواعِسِ الأَحْداقِ
في دُورِهنّ شُؤُونُهُنَّ كَثيرةٌ ***** كشُؤُون رَبِّ السَّيْفِ والمِزْراقِ
* * *
تَتَشَكّلُ الأَزْمانُ في أَدْوارِها ***** دُوَلا وهُنَّ على الجَمودِ بَواقِي
فَتَوسّطُوا في الحالَتَيسنِ وأَنْصِفُوا ***** فالشَّرُّ في التقيّدِ والإطْلاقِ
رَبُّوا البَناتِ على الفَضِيلةِ إنّها ***** في المَوْقِفَيْن لَهُنَّ خيرُ وَثاقِ
وعليكم أَنْ تَسْتَبِينَ بَناتُكُمْ ***** نُورَ الهُدَى وعَلَى الحَياءِ الباقي((6))
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الإملاق: الفقر.
(2)تكتنفه: تحوطه وتحفظه.
(3)شمائل: الأخلاق.
(4)الاخفاق: خيبة المسعى.
(5)خلاق: نصيب أو حظّ.
(6)ديوان حافظ: ص280. جواهر الأدب: ج2، ص431. لطائف الرِّجال: ص146.
[245]
توفّي حافظ إبراهيم سنة 1932م، ودفن في مقابر السيّدة نفيسة((1))(رضي الله عنها).
السيّد رضا الهندي
شاعرنا العلاّمة السيّد رضا الهندي وُلد في مدينة النجف الأشرف في عام 1290هـ، وهو ابن العالم الجليل السيّد محمّد بن هاشم الموسوي الهندي، ويرجع نسبه إلى الإمام علي الهادي(عليه السلام). حاز السيّد رضا الهندي على درجة الاجتهاد وأصبح وكيلاً في منطقة الفيصلية من قرى محافظة الديوانية عن السيّد أبو الحسن الاصفهاني مرجع الحوزة العلميّة آنذاك.
آثاره:
ـ دور البحور في العَروض.
ـ الميزان العادل بين الحقّ والباطل، وهو ردّ على النصارى.
ـ سبيكة العسجد في تأريخ أبجد (فلسفيّ تأريخيّ).
ـ شرح كتاب الظِهار.
ـ شرح رسالة غاية الإيجاز لوالده.
ـ بلغة الراحل في اُصول الدين، إضافة إلى الكتب الاُخرى التي لم تطبع.
أساتذته:
درس (رحمه الله) على يد والده علوم الجفر والأوراد والرمل والآفاق. ودرس أيضاً على يد السيّد محمّد الطباطبائي والشيخ محمّد طه نجف والشيخ كاظم الخراساني صاحب «كفاية الاُصول» والشيخ حسن ابن صاحب الجواهر وغيرهم من الفطاحل العلماء.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تطرّقنا في الفصل الحادي عشر ضمن بحث الشافعي (ص175) عن شخصيّة السيّدة الجليلة نفيسة(رضي الله عنها).
[246]
شاعريّته:
لقد كان (رحمه الله) يشبع الموضوع ويلمّ به إلماماً واسعاً يجعل السامع كلّه سمع وحديثه مليء بالعظات والعِبر ومحفوف بالنكات والنوادر ((1)). ولم يكن همّه الوحيد هو نظم الشعر حيث اتّصف شعره بالرقّة والحلاوة والسهولة والتي ضمّنه معاني كبيرة لخبرته الأدبية والتأريخيّة، وقد كتب في «جميع فنون الأدب وأبواب الشعر»((2))، كما طرق باب «الغزل الرقيق ما تطرب له القلوب وتهفو له الأسماع وتسيل له القرائح» ((3)).
كان رضوان الله عليه إضافةً إلى منزلته العلميّة قد حمل بأدبه البراق بيرقاً، حيث كتب الشعر في سنّ مبكّرة، وامتاز شعره بالرقّة والسهولة والأصالة، فما أجمل أن يكون الشاعر عالماً ذا بيان، فقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) «إنّ من الشعر لحكمة، وإنّ من البيان لسحراً».
ففي ديوانه نجد الأبيات الاجتماعية والفكرية والغزلية السليمة والعقائدية والمواقف والأغراض الأدبية الاُخرى، ففي قصيدته العصماء (الكوثرية) والتي حفظها أكثر عشّاق العقيدة والأدب بالإضافة إلى فِرَق الإنشاد التي أنشدتها نجد كلماتها الرقيقة وعذوبة وطراوة المعنى حيث تبلغ أبياتها 55 بيتاً، وقد طبعت عشرات المرّات، فمن أبيات تلك القصيدة الغرّاء إذ يقول:
أَمُفَّلجٌ ((4)) ثغرُك ((5)) أم جوهر ***** ورحيقُ رِضابِك ((6)) أَمْ سُكَّرْ
قد قال لثغرِك صانِعُه ***** (إنّا أعطيناكَ الكوثرْ)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) و (2) شعراء الغري: ج4، ص83.
(3)أدب الطفّ: ج9، ص243.
(4)المفلّج من الأسنان: المنفرجة.
(5)الثغر: الفم.
(6)الرضاب: اللعاب.
[247]
والخالُ ((1)) بخدِّكَ أَمْ مِسْكٌ ***** نقَّطْتَ به الوردَ الأَحْمرْ
إرحمْ أَرِقاً ((2)) لو لم يَمرَضْ ***** بِنُعاسِ جُفونِكَ لم يَسْهرْ
سَوَّدتُ صحيفة أعمالي ***** ووكلتُ الأمر إلى حَيْدَرْ
هو كهفي من نُوَب ((3)) الدُّنيا ***** وشفيعي في يوم المحشرْ
هل يمنَعُني وهو السّاقي ***** أن أشرب من حوض الكوثرْ ((4))
وهكذا يستمر السيّد رضا الهندي بتنظيم قصائده الساحرة والتي ضمّنها معان كبيرة لخبرته الأدبية والتأريخية، بالإضافة إلى ذلك نجد قصائده يطغى عليها جانب الغزل وهي عادة العرب القدماء; إذ يقول:
أقبلَ مَنْ أهواه بالكأس ***** فتهتُ بين البدر والشمس ((5))
لقد طرق شاعرنا جميع فنون الأدب وأبواب الشعر، وأخيراً نقرأ له قصيدة (أرى عمري) الممزوجة بالآلام واللوعة، تلك اللوعة الواقعيّة في الموعظة بتذكير الموت والعبرة منه، فيقول:
أرى عمري موذناً بالذهاب ***** تمرّ لياليه مرّ السحاب
وتفاجأني بيض أيامه ***** فتسلخ منّي سواد الشباب
فمن لي إذا حان منّي الحِمام ***** ولم أستطع منه دفعاً لما بي
ومن لي إذا قلبتني الأكفّ ***** وجرّدني غاسلي من ثيابي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الخال: الشامة.
(2)الأرق: من لم يجد النوم.
(3)النُوَب: جميع نائبة، وهي المصيبة.
(4)ديوان السيّد رضا الهندي: ص20.
(5)رسالة الحسين / مركز دراسات نهضة الحسين(عليه السلام): العدد 2، ص147.
[248]
ومن لي إذا سرت فوق السرير ***** وشيل سريري فوق الرقاب
ومن لي إذا ما هجرت الديار ***** وعوضت عنها بدار الخراب
* * *
ومن لي إذا آب أهل الودا ***** د عنّي وقد يئسوا من إيابي
ومن لي إذا منكر جدّ في ***** سؤالي فأذهلني عن جوابي
ومن لي إذا درست رمتي ***** وأبلى عظامي عفر التراب
ومن لي إذا قام يوم النشور ***** وقمت بلا حجّة للحساب
ومن لي إذا ناولني الكتاب ***** ولم أدر ماذا أرى في كتابي
ومن لى إذا امتازت الفرقتان ***** أهل النعيم وأهل العذاب
* * *
وكيف يعاملني ذو الجلال ***** فأعرف كيف يكون انقلابي
أباللطف وهو الغفور الرحيم ***** أم العدل وهو شديد العقاب
وياليت شعري إذا سامني ***** بذنبي وواخذني باكتسابي
فهل تحرق النار عيناً بكت ***** لرزء القتيل بسيف الضبابي
وهل تحرق النار رجلاً مشت ***** إلى حرم منه سامي القباب
وهل تحرق النار قلباً اُذيب ***** بلوعة نيران ذلك المصاب((1))
* * *
توفّي السيّد رضا الهندي رحمة الله عليه سنة 1362هـ، ودفن في مدينة النجف الأشرف حيث مثواه الأخير((2)).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ديوان السيّد رضا الهندي: ص62.
(2)شعراء الغري / علي الخاقاني: ج4، ص88. أدب الطفّ: ج9، ص243.
[249]
عبد الحسين الاُزري
وُلد شاعرنا عبد الحسين ابن الحاج يوسف الاُزري في بغداد سنة 1880م، قال النظم وهو في سنّ البدر عند كماله، أصدر جريدة «المصباح»، شعره يمتاز بالرقّة والسلاسة والبراعة في النسج والتصوير، فهو إقليمي في فنّه، إنساني في نزعته، قوميّ في أهدافه، بالإضافة إلى صدق ما يقول.
إنّ المتفحّص لشعره وشعر من جاء بعده يرى أنّ الاُزري صاحب مدرسة انتفع بمنهجها واُسلوبها جماعة من الشعراء خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين((1)).
للاُزري ديوان باسمه حيث ترجم له عدّة محقّقين، وطبع عدّة طبعات، ويحتوي ديوانه على 216 قطعة وقصيدة. لقد نظم قصائد وطنيّة في وقت كانت بلاده ترزح تحت الحكم العثماني واضطهاده، ممّا أدّى إلى نفيه إلى بلاد الأناضول حيث اُتيح له أن يدرس الفرنسية إلى جانب معرفته باللغة التركية.
وانتهى حكم العثمانيّين لبلاده. وفي أوائل الحكم الوطني اُقيمت في بغداد سوق للشعر على غرار سوق عكاظ توافد إليها الاُدباء والشعراء من أنحاء العراق، وضربت خيمة للمحكّمين، وتبارى يوم ذاك الاُزري والرصافي والزهاوي، ففاز الحاج عبد الحسين، وحكم له بالتفوّق على صاحبيه((2)).
ثمّ نلاحظ بعد قيام الثورة الكبرى وتخوّف الاستعمار من الثوّار كلّ هذه العوامل أدّت إلى قيام حكومة البطش والتنكيل وبمساعدة الانكليز حيث خيّبت آمال شاعرنا، قال(رحمه الله):
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ديوان الاُزري الكبير / تحقيق: شاكر هادي شكر: ص30.
(2)ديوان عبد الحسين الاُزري / تحقيق: مكّي السيّد جاسم: ص7.
إذا أوجعتك سياط الغريب ***** فعون القريب له أوجع ((1))
ويعتدل الاُزري في رأيه أكثر من الشعراء الذين دعوا السفور أو مخالفيهم ومن تبعهما ويطلب من السافرة إذا صمّمت على السفور أن تراعي السنن التي تحفظ لها قيمتها كامرأة إذ يخاطبها ويقول :
صوني جمالك بالحياء ***** إذا تحدّيتِ الحجابا
وإذا سُئِلتِ فأجملي ***** بالردّ واقتضبي الجوابا ((2))
وقد تطرّق الشاعر الاُزري إلى قول الظلم، حيث قال :
علوُّكُمْ حيثُ تَعْلُو منكُم الهِممُ ***** وعزُّكم قَدرُ ما في أنْفِكُم شَمَمُ
المجدُ ليسَ بَمقصُور عَلى أحد ***** مِنْ دونِكم فلَهُ مِقدارُ ما لكُم
أمامَكُم لو تَحلُّونَ الحُسبَى فُرَصٌ ***** فَراقبُوها من الأيّامِ واغْتَنِموا
* * *
والمكرُماتُ تُلبِّي كلَّ داعِيَة ***** تَمْشِي لكم ما مَشَتْ منكم لها قَدَمُ
لا عَدلَ في الأرضِ إلاّ والحُسامُ لَهُ ***** مِنْ خَلْفِهِ سَنَدٌ مِنْ خَلْفِهِ أَجُمُ
ولا مَناصَ لعاف من ظُلامتِهِ ***** والظُّلُم في النّاسِ لو لاحَظتَه نقَمُ
لو يُسألُ الدَّهرُ عَن قَوم أَضرَّ بهم ***** ذُلُّ المَقامِ لقالَ المُذْنِبونَ هُمُ
لا يَعتِبنَّ عَلى الدُّنيا امرؤٌ ولَه ***** كما لكلِّ سِواهُ ساعِدٌ وفَمُ
* * *
إنَّ الحياةَ كمِضمار تَفوزُ بها ***** عِندَ السِّباقِ كرامُ الخَيلِ لا النَّعَمُ
لا تأمَلوا مُنْصِفاً مِن غَيركم لَكُم ***** ما دامَ ليسَ لكم مِن أهلِكُمْ حَكَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ (1 )ديوان الاُزري الكبير: ص15 . (2 )المصدر المتقدّم: ص21 .
[251]
أَوْ تَرقَبُوا أيُّ عَدل في قضِيَّتِكم ***** ما لَم يكُنْ جَيشُكمْ بالذَّودِ يَزْدَحِمُ
ضَلَّ الطَّريقَ ضِعافُ الرأي فاعتَقدوا ***** أنّ المَعاليَ ما بَينَ الوَرى قِسَمُ
كأنّهم جَهِلُوا أنّ الزَّمانَ قَضَى ***** بأنّ كلَّ ضعيف في المَلا عَدَمُ
* * *
فاسْتَصْعَبُواالسَّهلَ مُذ خارَتْ عَزائمهُمْ ***** مِنهم ولَو شَعَرُوا بالعَزْمِ ما وَجَموا
وكذَّبوا صَلَفاً ما قد جَنَتْ يدهُم ***** واللهُ يَعلمُ أنَّ الكاذِبينَ هُمُ
وكيفَ يَنْصَبُ من في غَيره نَصَبٌ ***** وكيفَ يألَمُ مَن في غَيرهِ الألمُ
وكيفَ يَقنَعُ من في نَفسِهِ شَرَهٌ ***** وكيفَ يَشْبَعُ مَن في طَبْعِهِ النَّهَمُ((1))
فقد نظم قصيدة رثى ولده الذي توفّي بصورة فجائية فقال :
بينَ نَشرِ الدُّجَى وطيِّ النَّهارِ ***** سَبَقَ الشَّمسَ لِلمَغيبِ هَزاري
فَرَّ مِن وَكْرِهِ وقَدْ حَضَنَ اللَّيــ ***** ــلُ ذَواتِ الأطْواقِ في الأوْكارِ
أيُّها الطَّائِرُ المُغَرِّدُ في الدَّا ***** رِ صَباحاً كعادَةِ الأطْيارِ
ليتَ شِعْري ماذا أهاجَك حتّى ***** رُحْتَ لم تنْتَظِرْ ضِياءَ النَّهارِ؟
بَينما كنتَ بَينَنا باسِمَ الثَّغْــ ***** ـرِ وَخَدَّاكَ زَهْرَتا جُلَّنارِ
* * *
فاجأتْكَ المَنُونُ والعَينُ مِنَّا ***** تَرقَبُ الاُفْقَ ساعَةَ الإفطارِ
كسِراج لمَّا تَلاْلاََ نُوراً ***** أطْفَأتهُ عَواصِفُ الأقْدارِ
لم تُصدِّقْ هَولَ الفَجِيعَةِ نَفْسِي ***** واخْتِلاسَ الحِمامِ قُمْرِيّ داري
وإذا فُوجيءَ امْرُؤٌ بِمُصاب ***** مالَ للشَّكِّ فيهِ والإنْكارِ
ما ظَنَنَّاكَ أنْ تَمرَّ عَلينا ***** كمرورِ النَّسيمِ في الأسْحارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ (1 )ديوان عبد الحسين الاُزري: ص174 .
[252]
أو كَفَصْلِ الرَّبِيعِ قد أَبْهَجَ العَيْــ ***** ـنَ بأيّامِهِ اللِّطافِ القِصارِ
غَدَرَ الدَّهرُ بي عَليكَ فَلمّا ***** لُذْتُ بالصَّبْرِ خَانَني إصطِباري
أيُّها الحامِلُونَ لِلقَبْرِ دُرْجاً ***** مِن عُطُور أوْ باقَةً مِن بَهارِ
كفِّنوهُ بالوَرْدِ فهوَ أخُوهُ ***** واجْعَلُوا القَبْرَ سَلَّة من نُضارِ
لا تُهِيلُوا على الأقاحِي تُراباً ***** فَحرامٌ تَعَفُّرِ الأزْهارِ((1))
للاُزري قصيدة ميميّة يصف الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) جاء فيها :
عُلاكَ يَقصُرُ عَن إدْراكِهِ الكَلِمُفَلا اللِّسانُ له حَولٌ ولا القَلَمُ
لم تَشْهدِ الأرضُ والأجْيالُ مِن قِدَم ***** إلاَّكَ مُعجِزَةً دانَتْ لَها الاُمَمُ
ولَم تَجِدْ آيةً كُبرَى سِواكَ بَدَتْ ***** لِلنَّاسِ في طَيِّها الأسْرارُ والحِكَمُ
تَمضي الدُّهُورُ ويَمضِي في تَعاقُبِها ***** جِيلٌ فَجيلٌ وأنتَ المُفرَدُ العَلَمُ
ما إنْ تَفكَّرتُ في ما نِلْتَ مِن عِظَم ***** إلاّ وشَطَّ بِفِكري ذلِكَ العِظَمُ
* * *
تَهيَّبَتْكَ القَوافي السّائراتُ مَعي ***** لِذا تَراها عَصَتْني وهيَ لي خَدَمُ
يا لَيلَةً قَرَّتِ الدُّنيا بِمَوْلِدِه ***** لَولاكِ ما لِلَّيالي القَدْرِ مُسْتَنَمُ
أسْفَرْتِ عَن خَيرِ مَوْلُود تَشرَّفَ في ***** مِيلادِهِ البَيْتُ والأرْكانُ والحَرَمُ
زانَ الوُجُودَ مُحَيّا منه فيك بدَا ***** وكانَ مِن قَبلِهِ الأوْلَى بهِ العَدَمُ
وَطلْعَةٌ كانَتِ الأيّامُ تَرْقُبُها ***** بِها اسْتَنارَ الدُّجَى وانْجابَتِ الظُّلَمُ
* * *
تَوَسَّمَتْ كلَّ سَعد فيهِ اُسْرَتُه ***** ولِلسَّعِيدِ عَلاماتٌ ومتَّسَمُ
فأكبَرَتْهُ لُؤَيٌّ وهوَ مُرْتَضِعٌ ***** وأعظَمَتْهُ قُرَيشٌ وهو مُنْفَطِمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ (1 )ديوان عبد الحسين الاُزري: ص275 .
[253]
وعادَ فِيهِمْ جليل القدرِ وهو فتىً ***** يَرُوقُهم مِنه حُسْنُ الخُلْقِ والشِّيَمُ
دَلَّت عَلى صِدقهِ فِيهمْ أمانتُهُ ***** وقلَّ مَن حدَّثَتْ عَن صِدْقِهِ الذِّمَمُ((1))
وعندما توفّي السيّد الأميني صاحب كتاب أعيان الشيعة((2)) رثاهُ الاُزري بقوله :
فقد الناس فيك ثبتاً إماماً ***** فلْيُعزّوا بفقدك الإسلاما((3))
فقدوا نفس مُصلح فيك حُرٍّ ***** لم يَدِنْهُ الثّنا ولم يخشَ ذاما
وأمين على الشريعةِ آلَى ***** قَدْرَ ما اسْتطاعَ أن يقيها السِّهاما
أيُّها المصلح العظيم وداعاً ***** مِثلما ودَّعَ الرَّبيعُ الغماما
شيَّعتْكَ القلوبُ حرَّى وكانتْ ***** مِن شجاها أن تستحيلَ ضِراما((4))
* * *
ومشتْ خلفك الجموعُ كسيل ***** ضاق عَرضُ الفضاءِ فيه ازْدِحاما
غَلبَ الصَّمتُ والخشوعُ عليهمْ ***** ومِن الصَّمتِ ما يفوقُ الكلاما
كان يحوي الإباءَ نعشُك والإخــ ***** ـلاصَ والزُّهدَ والتّقى والذِّماما
رفعوه أمامهم كلواء ***** أو كما في الصلاةِ كُنتَ الإماما
طوّقوه كأنّه الحجرُ الأسْــ ***** ــعدُ حَفَّ الحجيج فيه استِلاما
* * *
لستُ أنساك قابعاً في ظلام اللَّيــ ***** ــلِ والناس هاجعين نياما
وإذا بارك الإله حياة ***** زادها الشيب قوّة واعتزاما
واُقيمت مآتم لك فيه ***** سوفَ تحيي ذكراك عاماً فعاما
ـــــــــــــــــــــــــــــ (1 )أعيان الشيعة: ج7 ، ص441 . (2 )ورد هذا البيت في ديوان الشاعر في أوّل القصيدة صفحة 294 . (3 )أعيان الشيعة: ص441 . (4 )ضراماً: دقيق الحطب.
[254]
وسلاماً من مخلص لك يهديه ***** ولو بِتَّ في التراب رِماما((1))
توفّي الاُزري عام 1954 للميلاد.
علي محمود طه
وُلد في مصر سنة 1902م.
لو تحرّينا حياة الشاعر علي محمود طه يتبيّن لنا أنّ شخصيّته الأدبيّة ترجع في جوهرها إلى ملكاته أكثر ممّا ترجع إلى قراءاته، مع العلم أنّه «دخل مدرسة الفنون التطبيقيّة وتخرّج مهندساً»((2)).
وتعلّم اللغة الإنكليزية بالإضافة إلى اللغة الفرنسية.
يميل شعره إلى التجديد والتنويع للقافية في قصائده وفي استخدامه لنظام المقطوعة. إنّ أوّل دواوينه التي نشرها هو «الملاّح التائه»، ثمّ أخرج كتابه «أرواح شاردة»، وبعدها أصدر ديوانه «زهر وهجر» و«الشوق العائد»، وآخر دواوينه صدر بعنوان «شرق وغرب»، والذي خصّص قسماً منه للأحداث السياسية والقضايا الوطنية منها قصيدة «نداء الفداء».
لقدأطلق شاعرنا هذه الصيحة الغاضبة بعد ان أخرج العرب من ديارهم في فلسطين ليهبّوا من هذا السبات الذي شارك في صنع المحنة. لذلك استصرخهم لنجدة فلسطين حيث استخدم الشاعر عبارة «أخي» ليلفت انتباه سامعيه إليه، ثمّ يخبرهم بنبرة الاحتجاج والغضب بتجاوز الظالمين للحدّ، بعدها يُهيب سامعيه طالباً منهم أن يُترجموا هذا الجواب عملاً وكفاحاً، حيث يقول بقصيدته: «فجرّد حسامك من
ـــــــــــــــــــــــــــــ (1 )ديوان عبد الحسين الاُزري: ص294 . والرمام: ما يلي العظام. (2 )مشاهير الشعراء والاُدباء: ص169 . حديث الأربعاء: ج2 ، ص724 .
[255]
غمده». فالدكتور طه حسين يصفه بكتابه بأنّه «شاعر مجيد، حلو الاُسلوب، جزل الألفاظ، وهو يحسن الوصف والتصوير»((1)).
بعكس الدكتور شوقي ضيف الذي يزعم «بأنّ عليّ محمود طه لم يكن صاحب نزعة فلسفيّة، وإنّما هو صاحب لغة شعرية تبعث الثورة في نفس سامعيه بألفاظها البرّاقة»((2)). وممّا جاء في قصيدته «نداء الفداء» حيث غليان المشاعر التي تمتزج فيها العاطفة والحميّة ثمّ تقديم النفس، فأمّا الحياة مع العزّ وأمّا الممات، فيقول :
أخي، جاوزَ الظَّالمونَ المَدَى ***** فحقَّ الجهادُ، وحَقَّ الفِدا
أتتركهُمْ يَغْصِبونَ العُروبةَ ***** مجدَ الأبوَّةِ والسؤددا؟
وليسوا بِغَيْرِ صليلِ السيوفِ ***** يُجيبونَ صوتاً لنا أو صدى
فجرِّدْ حسامَكَ من غمدِهِ ***** فليسَ لَهُ، بَعْدُ، أن يُغمدا
أخي، أقبلَ الشرقُ في اُمَّة ***** تردُّ الضَّلالَ وتُحيي الهُدى
* * *
أخي، أيُّها العربيُّ الأبيُّ ***** أرى اليومَ موعدَنَا لاالغَدَا
أخي، إنّ في القدسِ اُختاً لنا ***** أعَدَّ لها الذابحونَ المُدى
صبرنا على غَدْرهِمْ قادرينَ ***** وكنّا لَهُمْ قَدَراً مُرصدا
طَلَعْنا عليهمْ طلوعَ المنونِ ***** فطاروا هَباءً، وصاروا سُدَى
أخي، قُمْ إلى قبلةِ المشرقَيْنِ ***** لنحمي الكنيسةَ والمسجدا
* * *
يسوعُ الشهيدُ على أرضها ***** يعانقُ، في جيشهِ، أحمدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ (1 )علي محمود طه.. الشاعر والإنسان / أنور المعداوي: ص90 . (2 )دراسات في الشعر العربي المعاصر: ص199 .
[256]
أخي، إن جَرَى في ثراها دمي ***** وأطبقتُ فَوْقَ حصاها اليدا
ففتِّشْ على مهجة حُرَّة ***** أبَتْ أن يَمُرَّ عليها العِدا
وَقَبِّلْ شهيداً على أرضها ***** دعا باسمِها اللهَ واستشهدا
* * *
فلسطينُ يَفْدي حِماكِ الشبابُ ***** وجلَّ الفدائيُ والمُفتدى
فلسطينُ تحميكِ منّا الصدورُ ***** فإمّا الحياةُ وإمّا الرَّدى((1))
محمّد مهدي الجواهري
وُلد الشاعر محمّد مهدي الجواهري سنة 1903م في مدينة النجف الأشرف.
نظم الشعر في سنّ مبكر ثمّ أصدر جريدة الفرات ثمّ اُغلقت، وأصدر جريدة الرأي العام. دعاه الدكتور طه حسين إلى مصر سنة 1950، وقد ألقى قصيدته :
يا مصر تستبق الدهور وتعثر ***** والنيل يزخر والمسلّة ((2)) تزهرُ ((3))
الجواهري يعود إلى اُسرة عريقة في العلم والأدب والشعر، اكتسب شهرتها من باني مجدها العلمي الشيخ محمّد حسن صاحب كتاب جواهر الكلام.
ومن آثاره ديوانه (الجواهري) بأجزائه الضخمة، والتي طبعت عدّة مرّات،
ـــــــــــــــــــــــــــــ (1 )الملاّح التائه / تحقيق: سهيل أيّوب: ص222 . (2 )الدهور: جمع مكسّر دهر (زمان)، وأدهار جمع مكسّر للقلّة. النيل: نهر يخترق مصر والسودان. المسلّة: ما سُلّ من قشره. (3 )الجواهري في العيون / تقديم: الدكتورة نجاح العطّار: ص315 .
[257]
والذي يحتوي على جميع الفنون والأغراض الشعرية، فأجاد في جميعها. كما ولُقِّب بشاعر العرب; ففي ديوانه كلّ ما تشتهيه الأنفس من ضروب الشعر وفنونه. فلو تصفّحنا ديوان الجواهري رأينا أنّ الشاعر يذكر منزلة الشهيد وكيف يكون شامخاً على مرِّ الأجيال، لذلك نرى قصيدة «يوم الشهيد» المثقلة بالجراح حين يقول :
يوم الشهيد تحيّة وسلام ***** بك والنضال تؤرّخ الأعوام
بك والضحايا العزيز هو شامخاً ***** علم الحساب وتفخر الأرقام
بك والذي ضمّ الثرى((1)) من طيبهم ***** تتعطّر الأرضون والأنام
بك يبعث الجيل المحتم بعثه ***** وبك القيامة للطغاة تقام
في كلّ منعطف تلوح بلية ***** وبكل مفترق يدبّ حمام((2))
وله قصيدة بعنوان «شكوى وآمال» تطرّق فيها إلى الهموم واللوعات التي كان يقاسيها فيقول فيها :
اُعاتب فيكَ الدهرَ لو كان يسمعُ ***** وأشكو الليالي، لو لشكوايَ تسمعُ
أكلُّ زماني فيك همٌّ ولوعة ***** وكلُّ نصيبي منك قلب مروَّع
ولي زفرة لا يُوسع القلبُ ردّها ***** وكيف وتيارُ الأسى يتدفع
أغرَّكَ منّي في الرزايا تجلُّدي ***** ولم تدرِ ما يُخفي الفؤاد الملوَّع
خليلي قد شفَّ السُّها فرطُ سُهْدها ***** فهل للسها مثلي فؤاد وأضلع
كأنّي وقد رمت المواساةَ في الورى ***** أخو ظمأ منّاهُ بالورد بلقع((3))
ـــــــــــــــــــــــــــــ (1 )الثرى: التراب. (2 )الجواهري في العيون: ص266 . ديوان الجواهري / الدكتور علي جواد طاهر: ج3 ، ص233 . (3 )بلقع: الأرض الخالية.
[258]
كأن وُلاةَ الأمر في الأرض حَرَّمت ***** سياستُهم أن يجمع الحرّ مجمع
كأنّ الدراري حُمّلت ما اُبثّه ***** إلىالليل من شكوى الأسى فهي ضُلَّع ((1))
كذلك له قصيدة «يا شعب» جاء فيها :
زَعَموا التَّطرُفَ في هواكَ جهالة ***** أكذا يكون الجاهل المتطرّفُ
هذا فؤادي للخطوب دريئة((2)) ***** وأنا المعرَّض فيكُمُ فاستهدفوا
أمّا هواكَ فذاك مِلءُ جوانحي ***** تحنو على ذكراك فيه وتكلّف((3))
يا شعر نُمَّ على الشعور فكم وكم ***** نمَّت على زُمَرِ العواطف أحرف((4))
ألقى الجواهري قصيدته «آمنت بالحسين» قبل نصف قرن تقريباً كُتب خمسة عشر بيتاً منها بالذهب على الباب الرئيس الذي يؤدّي إلى الرواق الحسيني، جاء فيها :
فِداءً لَمثواكَ مِنْ مَضْجَعِتَنوَّرَ بالأبلَج الأروَعِ((5))
بأعبقَ من نَفحاتِ الجِنا ***** نِ رَوحاً، ومن مِسكِها أضوعَ((6))
ورَعياً ليومِكَ يومِ الطُّفوفِ ***** وسَقياً لأرضِكَ مِن مَصرَع((7))
ـــــــــــــــــــــــــــــ (1 )ديوان الجواهري: ص111 . (2 )دريئة: هدف. (3 )تكلّف: تولّع. (4 )ديوان الجواهري: ص124 . (5 )الأبلج: الوضّاء الوجه. الأروع: المعجب بشجاعته أو حسنه. (6 )الروح هنا نسيم الريح. ضاع: من ضاع المسك يضوع إذا عبقت رائحته. (7 )الطفوف: هي الأراضي المشرفة من جوانب الشاطئ، وهي تطلق بصورة خاصّة على ما أشرف من أراضي «الغاضرية»، وهي مدينة كربلاء الآن على نهر الفرات، وفيها كان مصرع الإمام الحسين(عليه السلام).
[259]
وحُزناً عليك بحَبْسِ النُّفوسِ ***** على نهجِكَ النَّيرِ المَهْيَع((1))
وصَوتاً لمجِدكَ مِنْ أنْ يُذالَ ***** بما أنتَ تأباهُ مِن مبدَع((2))
فيا أيُّها الوِتْرُ في الخالديــ ***** ــنَ فَذّاً، إلى الآنَ لم يُشْفَع
* * *
ويا عِظَةَ الطَّامحينَ العِظامِ ***** لِلاهينَ عن غَدِهمْ قُنَّع
تعاليتَ مِن مُفْزِع للحتُوفِ ***** وبُورك قبرُكَ مِن مَفْزَع
تلوذُ الدُّهُورُ فمِنْ سُجَّد ***** على جانبيه ومِنْ رُكَّع
شَممتُ ثَراكَ فهبَّ النسيمُ ***** نسيمُ الكرامةِ مِن بَلقع
وعفَّرتُ خدّي بحيثُ استرا ***** حَ خدِّ تفرَّى ولمْ يَضرَع
وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغا ***** ةِ جالتْ عليهِ ولم يَخشع
* * *
تعاليتَ مِنْ صاعِق يلتظي ***** فإنْ تَدْجُ داجيةٌ يَلمع
تأرّمُ((3)) حِقداً على الصاعقاتِ ***** لم تُنْءِ ضيراً ولم تَنْفَعِ
كأنّ يداً من وراء الضريــ ***** ــح حمراء مبتورة الاصبع
تمدُّ إلى عالم بالخنو ***** ع والضيم ذي شرق مترع
فيابنَ «البتولِ» وحَسْبي بها ***** ضَماناً على كلّ ما ادَّعي
ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثُلها ***** كمِثلِكَ على كلّ ما أدَّعي
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــ (1 )المهيع: البيّن الواضح. (2 )يذال: يهان. المبدَع بفتح الدال من الساعة. (3 )التآرم: حكّ الأسنان بعضها ببعض من الغيظ، أي إنّك تتحرّق إذ ترى الصاعقات لا تدفع ضرّاً ولا تجلب نفعاً.
[260]
ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثُلها ***** كمثِلِكَ حَملاً ولم تُرْضِع
ويابنَ البطينِ بثلا بطنة ***** ويابن الفتى الحاسرِ الأنزَع((1))
و يا غُصْنَ «هاشِمَ» لم ينفَتِحْ ***** بأزهرَ منكَ ولم يُفْرِع((2))
ويا واصِلاً مِن نشيدِ «الخُلود» ***** خِتامَ القصيدةِ بالمطلع
تَمثَّلتُ يومَكَ في خاطري ***** وردَّدت صوتَكَ في مَسمعي
ومَحَّصتُ أمركَ لم «اُرتَهبْ» ***** بنقلِ «الرُّواة» ولم أخدَع
* * *
وقلتُ: لعلّ دويَّ السِنين ***** بأصداءِ حادِثِكَ المُفْجِع
وما رتَّلَ المُخلِصُونَ الدُّعا ***** ةُ مِن «مُرسِلينَ» ومن «سُجَّع»
اُريدُ «الحقيقةَ» فى ذاتِها ***** بغيرِ الطبيعةِ لم تُطْبَع
وجدتُكَ في صُورة لم اُرَعْ ***** بأعظَم منها ولا أرْوَع
وماذا! أروعُ مِنْ أن يكو ***** نَ لحمُكَ وَقْفاً على المِبْضَع
وخيرَ بني «الاُمّ» مِن هاشم ***** وخيرَ بني «الأب» من نُبّع
* * *
وخيرَ الصَّحاب بخيرِ الصدو ***** رِ، كانوا وِقاءكَ، والأذْرع
وآمنت إيمان من لا يرى ***** سوى العقل في الشكّ من مرجع
بأنّ (الإباء)، ووحيَ السماء ***** وفيضَ النبوَّةِ، مِن مَنْبع
تجمَّعُ في (جوهر) خالص ***** تَنَزَّهَ عن (عَرَضِ) المَطْمَع((3))
ـــــــــــــــــــــــــــــ (1 )البطنة: النهم. الأنزع: من انحسر الشعر عن جانبي جبهته. وكان يقال للإمام عليّ «الأنزع البطين». (2 )لم تنوّن «هاشم» للضرورة فجرّت بالفتحة. (3 )الجواهري في العيون: ص266 . ديوان الجواهري: ج3 ، ص333 .
وللجواهري مواقف سياسية ووطنيّة، حيث ألقى قصيدته «أخي جعفر» عند إعدام أخيه من قِبل النظام الملكي، جاء فيها:
أتعلَمُ أمْ أنتَ لا تعلمُ ***** بأنّ جِراحَ الضَّحايا فمُ
فمٌ ليس كالمُدعي قولَةً ***** وليس كآخَرَ يسترحمُ
أتعلمُ أنّ رِقابَ الطُّغاةِ ***** أثْقَلَهَا الغُنْمُ والمأتَمُ
وأنّ بطونَ العُتاةِ التي ***** مِنَ السُّحتِ((1)) تَهضِمُ ما تهضمُ
* * *
سَتَنْهَدّ((2)) إنْ فارَ هذا الدمُ ***** وصوَّتَ هذا الفمُ الأعجمُ
ويا لك مِنْ بلسم يُشتَفى ***** بهِ حينَ لا يُرتجى بَلسمُ
أتعلمُ أنّ جراحَ الشهيدِ ***** تَظَلُّ عَنِ الثّأْرِ تَسْتَفْهِمُ
أتعلمُ أنّ جراحَ الشهيدِ ***** من الجوع تهضِمُ ما تَلهم
* * *
تَمُصُّ دماً ثُمَّ تَبْغي دماً ***** وتَبْقى تُلِحُّ وتستطعِمُ
يقولونَ مَنْ هُمْ اُولاءِ الرَّعاع ***** فأفهِمهُمْ بدم مَنْ هُمُ
وافهمهُمُ بدم أنّهُم ***** عبيدَك إنْ تدعْهُم يَخْدِمُوا
وأنّك أشرفُ مِنْ خيرهِم ***** وكعبُك مِنْ خَدِّهِ أكْرَمُ
* * *
لِيَشْمَخْ بفقِدِكَ أنفُ البلاد ***** وأنفي وأنفُهم مُرغَمُ
اسألتْ ثراك دموعُ الشباب ***** ونوَّر مِنْكَ الضريحَ الدَّمُ ((3))
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)السّحت: المال الحرام.
(2)ستنهد: ستنهض للمحاربة.
(3)ديوان الجواهري: ج1، ص178. الجواهري في العيون: ص261.
[262]
توفّي الجواهري سنة 1998م.
الشيخ أحمد الوائلي :
نشأته:
وُلد الدكتور الشيخ أحمد ابن الشيخ حسون في مدينة النجف الأشرف سنة 1342هـ وهو شاعر مجدّد، وأديب عبقري، وخطيب رائد، حصل على درجة الدكتوراه باُطروحته المعنونة (استغلال الأجير وموقف الإسلام منه).
منزلته:
يعتبر الوائلي واجهة من واجهات جامعة النجف، والعميد للسلك الخطابي بالاضافة إلى أنّه شخصيّة اجتماعية بارزة.
شعره:
يتميّز شعره بفخامة الألفاظ، فهو شاعر محترف مجرِّب، ومن الرعيل الأوّل أمثال شاعر العرب الجواهري والشبيبي والشرقي وجمال الدين والفرطوسي،
فهو يمتاز بالحافظة القويّة، وسرد الأدلّة والحجج لما يطرح وبدون تلكّؤ أو تباطؤ، ويغلب على شعره الحماس وبثّ الشكوى والجرأة والصرخة في مواجهة الباطل والدعوة إلى يقظة المسلمين.
لذلك نجد شاعرنا واحداً من الشعراء الذين وضعوا شعرهم لخدمة وطنهم واُمّتهم.
مؤلّفاته :
-
ـ هوية التشيّع.
ـ من فقه الجنس.
ـ ديوان شعر.
[263]
ـ أحكام السجون.
ـ استغلال الأجير وموقف الإسلام منه.
ـ تجاربي مع المنبر.
نماذج من شعره:
للوائلي قصائد كثيرة قيلت في مناسبات مختلفة، فهناك قصائد سياسية وهناك قصائد اخوانيّة ووجدانيّة، كما وتوجد قصائد دينية نظمها شاعرنا في مناسبات مختلفة بالاضافة إلى شعره الاجتماعي; لذا نجد في قصيدته التي نظمها في ليلة من الليالي الحالكة بعنوان «عاشق الظلام» جاء فيها:
عشقتُ الدجى لا كافراً بضيائي ***** ولا لاعدَّ النجم من ندمائي
ولا اُنشدُ الإلهام فيه فلم تعد ***** مجال الخيال الخِصب ذات عطاء
ولكن عشقت الليل يُؤنس وحشتي ***** ويستر أحزاني عن الرقباء
وأرسل أحزاناً وِضاءاً طليقةً ***** تحررن من قيد وضغط وعاءِ
تعودن يشربن الاباء بشاهق ***** وما اعتدن غير النجم من قرناءِ
* * *
أقافلتي قد أوحشَ الدرب والتوى ***** ولم يبقَ عندي فيهِ من رفقاءِ
وعهدي به درب الكرام ***** إذا به ويا لشجوني مسلكُ السفهاءِ
من الحاسبين المجد أن يأكلوا على ***** موائد سحت في حمى الاُمراءِ
وأن يتقنوا رقص القرود ويُحسنوا ***** نشيد الثنا في جوقة الأجواء
إذا عادَ فنّ الزيف فنّاً وحنكةً ***** فماذا يكون الصدق غير هراء
* * *
أعاذلتي هل في الحياة بقيةٌ ***** تُمدُّ إليها العين دونَ قذاء
وهل من طموح الكبرياء بأنّها ***** تزاحم تجار الخنوع بماء
[264]
حلالٌ له كلّ الحرام لغيره ***** ومن لم يُطعه فهو من عملاءِ
يرى أنّه الفذّ العظيم وأنّه ***** لرعي نعاج لا يليق وشاءِ
وكيف يسوس الناس أرعنُ تافهٌ ***** وكيف يُداوى الجهل بالجهلاء ((1))
* * *
من بين قصائده الحزينة المعبّرة عن الظروف المؤلمة التي كانت تمرّ به من خلال صور الكآبة التي فرضتها الحرب وذلك بقصيدته «سماسرة الحرب» والتي جاء فيها:
ملأتم رباع الأرض بالنوح والندب ***** كفاكم دماءً يا سماسرة الحرب
فأين عصور هذبت من غرائز ***** وسارت مع الإنسان من أوّل الدرب
كفاكم دماءً يا سماسرة الحرب ***** دعوها لردّ الحقّ والوطن المسبي
وليست دمانا سلعة تشترونها ***** وما للدما أثمان عند ذوي اللب
* * *
لقد بعتم قدس الدماء وطهرها ***** ببخس من الأثمان يا أخوة الذئب
وألقيتم من أجل دنياً خسيسة ***** وحفنة نقط الفَ يوسف في الجب
كفاكم دماءً يا سماسرة الحرب ***** أفيكم قلوب أم خلقتم بلا قلب
ومن أجل ماذا؟ هل هناك (قضيّة) ***** تراد ويضرى دونها المرء للذب
* * *
ويختتم قصيدته بما آلت إليه الحرب من المصائب والرزايا مؤكّداً على ضرورة الوئام، مستوحياً من صور الطفولة البريئة التي ذاقت ويلات الحرب المرعبة فيقول:
كفاكم دماءً يا سماسرة الحرب ***** ففي السِّلم ما يغني عن المركب الصعب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الموسم: العدد 2، السنة 1989، ص488
[265]
وفي السلم كسب من حلال فجرّبوا ***** بأن تتركوا من لعبةِ الدَّم والغصب
إذا كان عمر المرء رحلة عابر ***** ويحوي جناه غيره، فلمن يجبي
ملأتم رباع الأرض من علق الدِّما ***** وأوْلى بكم أن تغمروها من الخصب
* * *
زرعتم بأشلاء الشباب حقولنا ***** وكان المنى أن تزرعوهنّ بالحَبّ
سلبتم من الأطفال ضحك ثغورهم ***** فأحزنتم من كان طهراً بلا ذهب
أفيضوا على الأطفال دفئاً وهدهدوا ***** نفوسهم بالحلو والسائغ العذب
فياربِّ ألهمنا السلام وأمنه ***** ويا ربّ ذد عنّا دهاقنة الرعب((1))
* * *
وفي مكان آخر نلاحظ الوائلي يرفض شتم الخطب والتباكي أمامه ويدعو للتصدّي من أجل الحياة والمجد والعزّة والكرامة فيقول:
لا تشتمنّ الخطب أو تبكي له ***** فالخطب ليس بمثل ذلك يدفع
فلقد شتمنا الرّزءَ حتّى اتخمت ***** آذانه والرزءُ باق مزمع
لكن تصدّ له فإن أخضعته ***** تحيا وإن خفت الممات ستخضع
فالمجدُ يحتقر الجبان لأنّه ***** شرب الصدى وعلى يديه المنبع
وبهذا ترى كيف أنّ الوائلي سجّل مأساة بلاده في أبيات حزينة يلفّها الضباب الكئيب; لذلك نلاحظه يقول:
قالوا بأنّ الشعر لهو مرفَّه ***** وسبيل مرتزق به يتذرّع
وإذا تسامينا به فهو الصدى ***** للنفس يلبس ما تريد ويخلع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الموسم: العدد 2 / السنة 1989، ص474. ديوان الوائلي: ص75.
[266]
أن تطرب الأرواح فهو غناؤها ***** وإذا شجاها الحزن فهو الأدمع
فذروه حيث يعيش غريداً على ***** فَنَن وملتاعاً يئنّ فيوجع
* * *
لا تطلبوا منه فما هو بالذي ***** يبني ويهدم أو يضرُّ وينفع
أكبرت دور الشعر عمّا صوّروا ***** وعرفت رزء الفكر في من لم يعوا
فالشعر أجّج الف نار وانبرى ***** يلوي اُنوف الظالمين ويجدع
لو شاء صاغ النجم عقداً ناصعاً ***** يزهو به عنق أرقّ وأنصع
* * *
أو شاءَ ردَّ الرَّمل من نفحاته ***** خضلاً بأنفاس الشذى يتضوّع
أو شاء ردَّ الليل في أسماره ***** واحات نور تستشفّ وتلمع
أو شاء قاد من الشعوب كتائباً ***** يعنو لها من كلّ اُفق مطلع
أنا لا اُريد الشعر إنجدَّت بنا ***** نوبٌ يخلّى ما عناه ويقبع
* * *
أو أن يوش الكأس في سمر الهوى ***** ليضاء ليل المترفين فيسطع
بغداد يا زهو الرّبيع على الرُّبى ***** بالعطر تعبق والسَّنا تتلفَّع
يا ألف ليلة ما تزال طيوفها ***** سَمَراً على شطآن دجلة يمتع
يا لحن (معبد) والقيان عيونها ***** وصلٌ كما شاء الهوء وتمنُّع
* * *
بغداد يومك لا يزال كأمسه ***** صوَرٌ على طرفَي نقيض تُجمع
يطغى النَّعيم بجانب وبجانب ***** يطغَى الشِّقا فمرفَّهٌ ومضيّع
في القصر اُغنية على شفةِ الهوى ***** والكوخ دمعٌ في المحاجر يلذع
ومن الطّوى جنب البيادر صرَّع ***** وبجنب زق أبي نؤاس صرَّع
* * *
[267]
ويد تُكبَّل وهي ممّا يُفتدى ***** ويد تُقبَّل وهي ممّا يُقطع
وبراءة بيد الطّغاة مهانة ***** ودناءَة بيد المبرِّر تصنع
ويصان ذاك لأنّه من معشر ***** ويضام ذاك لأنّه لا يركع
كبرت مفارقة يمثّل دورُها ***** باسم العروبةِ والعروبةُ أرفع((1))
* * *
ولم ينفكّ الوائلي يلاحق مواطن اللوعة والحسرة والذبول والفناء التي يتعرّض له الشعب الفلسطيني، نافضاً تراب التغاضي والتعامي عن عمق جراحاته. ففي قصيدته «من وحي النكسة» وضع لمساته على صور متعدّدة: للشهداء وتوديعهم للحياة، وللأطفال وما يلاقون والجرحى وما يفرزون والاُمّهات وما يكابدْنَ قائلاً:
فهنا يبعث الأنين جريحوهنا يلفظ الحياة شهيد
وهنا طفلة وطفل يتيم ***** والأسى والحرمان والتشريد
وبقايا اُمّ برتها الرزايا ***** ببقايا حطام روح تجود((2))
ثمّ يستعرض الشاعر جمال فلسطين الطبيعي، وخيراتها، وتلاعها، وهضابها، ورفيف سنابلها، وجريان مائها، وأنّها أصبحت جميعها لليهود المجرمين، ومن حولها أهلها ترمقها مشردّة، جوعاً وذبولاً وذلاًّ وأسى، ويستدرج بذلك حالة اللاجئين والبائسين المشرّدين من أبناء فلسطين، ومعاتبة الأب لابنه، وصراخ الابن خلف أبيه، وما إلى ذلك من مشاهد حزينة باكية وذلك في قصيدته «حديث فلسطين» حيث يقول :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ديوان الوائلي: ص52. الموسم: العدد 2 / السنة 1989، ص533.
(2)الموسم: ص336. ديوان الوائلي: ص60.
[268]
فلسطينُ لا ذكرتنا الحياةُ ***** إذا ما نسينا رؤىً تألقُ
رؤىً هي إن خطرت بالخيالِ ***** أضاءَ الخيال بها رونقُ
تفجّر خيراتها لليهود ***** ومِنْ حولها أهلها ترمقُ
مشرّدةً للطى والذبولِ ***** وللنائباتِ وما تطرقُ
ونطقُ الأسى في عيونِ الصغارِ ***** وإن لم يقولوا، ولم ينطقوا
وأسئلةٌ في شفاه الصبي ***** لامٍّ بعبرتها تخنقُ
تلهّب أضلاعها إذ يقول ***** اُمّاه، أينَ أبي المشفقُ؟
* * *
وأين أخي؟ ولداتي؟ وأينَ ***** ملاعبُ داري؟ التي أعشقُ
لماذا أنامُ بهذي الخيام ***** وخدّي على الترب لا يرفقُ
واُمّي بجَنْبي تنثّ الدماءُ ***** من صدرها، وأخي يشهقُ
وأأكل من كسر المحسنينَ ***** وأرضِيَ خيراتُها تغدقُ
لماذا يسموننا اللاجئين ***** أليسَ لنا وطَنٌ مسبقُ
أبي كم نشدت الكرى أن أراك ***** ولكن عَيني أبي تأرقُ
تعال أبي، ويذوب الصبيّ ***** وعيناهُ بالدمعِ تغرورقُ
ثمّ يتخلص الشاعر عن لسان اللاجئ، مخاطباً ابنه بصنع فجر المستقبل بالدم والعلم والفداء وخوض الحرب، مستنكراً ما حلّ به من الذلّ عند اليهود، والاستهانة بقدره، بالوقت الذي ضاق فيه الفضاء بسورة العزائم، التي استاقت الكتائب، بسيف الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)، فيما للمصير المرير، وذلك قوله:
بُنَيّ رويداً فلا بُدّ أن ***** تردّ السهام لمن فوقوا
[269]
ونصنعُ فجراً سخيَ العطاءِ ***** ومجداً على دمنا يبسقُ
فعدنا، ويا للمصير المريرِ ***** سبايا، نناشد مَنْ يعتقُ
إلى آخر هذه القصيدة التي ينهيها بقضايا سياسية هادفة اُخرى((1)).
أمّا قصيدة الوائلي «اُمّتي» والتي يخاطب بها الاُمّة، ويعدّد أمجادها ومفاخرها، وكان قد أعدّها لتلقى في مؤتمر الاُدباء العرب المنعقد في القاهرة يقول فيها:
اُمّتي أرستِ الخطوبُ السودُ ***** فأقرعيها ، ولا يلنْ لكِ عودُ
وانتشي باللظى، فما برحَ الكأس ***** خلياً من اللظى يستزيدُ
وانْشِقي من دخانِهِ، فدخانُ ***** النار في رحمةِ المعامعِ عودُ
* * *
إنّه الأثمدُ المحبّبُ، لم تكحل ***** من مثله العيونُ السودُ
إنّه والحرابُ محمومة الطعن ***** خضوبٌ من الدما تغريدُ
والجباهُ السمراءُ تستشرف الطعن ***** كما استشرف الهوى معمودُ
أنت بين اثنتين، إمّا وجودٌ ***** يتحدّى الفنا، وإمّا لحودُ((2))
* * *
بعد أن انتهينا من استعراض أدوار الشعر العربي من خلال هذه الإلمامة السريعة وعلى مدى أربعة عشر فصلاً، ولمّا كان العنوان الذي اخترناه لهذه الدراسة هو مراحل الأدب العربي، فلا بُدّ مِنْ تناول الوجه الآخر للأدب الذي يمثّل (النثر). فالشعر وحده لا يعني الأدب كلّه كما لا يُعطي صورة تامّة المعالم عنه، وهما (الشعر والنثر) معاً يشكّلان الاطار المتكامل لصفحة الأدب في أيّ عصر من العصور.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ديوان الوائلي / الدكتور أحمد الوائلي: ص63. الموسم: العدد 2 / السنة 1989، ص525.
(2)الموسم: ص526. ديوان الوائلي: ص56.
[270]
قلنا في الفصل الأوّل: الأدب هو مجموع الكلام الجيّد المروي نثراً وشعراً، وقد تحدّثنا في الفصول السابقة عن الشعر حسب عصوره التي مرّ بها.
وهنا سنتحدّث عن النثر بصورة مقتضبة حيث نجد أنّ مؤرّخي الأدب انقسموا إلى قسمين، فمنهم من قال: إنّ النثر ظهر قبل ظهور الإسلام بقليل، ثمّ نما وازدهر بعد اتّساع الدين الجديد، ومنهم من قال عكس ذلك. وممّا يدلّل على وجود النثر قبل الإسلام هو شيوع الأمثال الجاهلية((1)) والحكمة((2)) والخطبة((3)) والوصية((4)) وسجع الكهّان((5))، إضافة إلى ذلك اختلف الاُدباء حول أوّليّة النثر أو الشعر وأيّهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)من الأمثال الجاهلية: «بلغ السيل الزّبى»، الزبى: أعلى الجبل، يضرب لمن جاوز الحدّ.
«ربّ قول أشدّ من صَوْل»
«ربّ أخ لك لم تلده اُمُّك»
جواهر الأدب: ج1، ص320، 323.
(2)من الحِكم: «من جهل قدر نفسه فهو لقدر غيره أجهل».
«المصيبة واحدة فإن جزعتَ فهما اثنتان».
الحكمة الخالدة / أحمد بن مسكويه: ص15، 186.
(3)الخطابة: نموذج من خطبة أبي طالب عند تزويج رسول الله (صلى الله عليه وآله)! من خديجة بنت خويلد، حيث قال:
«الحمد لله الذي جعلنا من ذرّيّة إبراهيم... إنّ ابن أخي هذا محمّد بن عبدالله، لا يوزن به رجل إلاّ رجح به شرفاً ونبلاً وفضلاً وعقلاً، وإن كان في المال قلّ فإنّ المال ظلٌّ زائل وأمر حائل... إلخ».
حياة النبيّ / الشيخ محمّد قوّام الوشنوي: ج1، ص73.
(4)الوصية: مقطع من وصيّة عبدالمطّلب(رض) لاُمّ أيمن حيث يقول:
«لا تغفلي عن ابني، فإنّ أهل الكتاب يزعمون أنّه نبيّ هذه الاُمّة وأنا لا آمن عليه منهم».
حياة النبيّ: ص47.
(5)سجع الكهّان: ضربٌ خاصّ من الخطابة عُرف في الجاهلية وانقرض بظهور الإسلام.
ففي سجعهم نلاحظ عدد القوافي المكرّرة أكثر والغموض أعمّ والتكلّف ظاهر، أمّا الكهّان فهم طبقة من الرجال كانوا في العصر الجاهلي يشغلون الوظائف الدينية الوثنيّة في أماكن العبادات وبيوت الإلهة، وكان يطلق على أحدهم الكاهن منهم أكثم بن صيفي، والمأمور الحارثي، ومن النساء وزبراء كاهنة بني رئام التي أنذرت قومها بالغارة عليهم فقالت: واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق.
تاريخ الأدب العربي / نوري حمودي القيسي: ص358.
أقدم، فقد ذهب بعض المستشرقين كالمسيو سرسيه وبعض اُدباء العرب كالدكتور طه حسين وغيرهم وقالوا بأولوية الشعر في الوجود، كما ظهر فريق آخر أمثال كولدزيهر وبروكلمان وابن رشيق القيرواني وغيرهم من الاُدباء والنقّاد قالوا بوجود النثر قبل الشعر. هذا ما سوف نبحثه في كتابنا القادم وبصورة مفصّلة إن شاء الله تعالى.
لقد كان للعرب في الجاهلية نثر فنّي يتناسب مع صفاء أذهانهم، وقد ضاع أكثره لأسباب كثيرة أهمّها قلّة التدوين. وأمّا بقاء الشعر الجاهلي فيعود لكون القصيدة ذات وزن وقافية يسهل حفظها حيث قيلت في مناسبات وحوادث مشهورة، من هذا لا بدّ لنا من تعريف مختصر للنثر:
فالنثر:
كلام مرسل غير مقيّد بوزن أو قافية، كما هو في الشعر، إلاّ أنّه ينقسم من حيث الشكل والاُسلوب إلى قسمين: نثر فنّي ونثر غير فنّي.
ويشمل النثر الفنّي: المقالة، والقصّة، والمثل، والرسالة، والخطبة، والترجمة، والنقد الأدبي.
1 ـ المقالة:
تعتبر المقالة من أبرز ألوان النثر في الأدب العربي وخاصّة الأدب الحديث، وقد تطوّرت عن طريق الصحافة. ويمكننا أن نعتبر المقال عملاً صحفيّ النشأة وجد فيه الاُدباء والمفكّرين قالباً ومجالاً جديداً للكتابة.
[272]
ومن أبرز أنواعها المقالة السياسيّة ثمّ العلميّة واللغويّة والأدبيّة والدينيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.
2 ـ القصّة:
فنّ أدبي يقوم بسرد أحداث تاريخية أو خيالية.
لقد عرف الإنسان القصّة منذ فجر التأريخ، ففي الأدب الجاهلي أقاصيص كثيرة، فقد وردت في التوراة وجاءت في الإنجيل وفي القرآن الكريم قصص مختلفة عن الأنبياء، ومن اُرسلوا إليهم، حيث كانت القصّة اُسلوباً للتعبير عن أحوال الاُمم السالفة.
وتشمل: الرواية((1)) والقصّة((2)) والاُقصوصة((3)).
أمّا أهمّ العناصر الفنّية للعمل القصصي:
أ ـ الحادثة: وهي مجموعة من الوقائع الجزئية.
ب ـ البناء: إنّ لكلّ قصّة صورة بنائية خاصّة، فالكاتب يختار وقائعاً بذاتها يؤلّف بينها ويكون منها البناء للحادثة.
جـ ـ الشخصية: القارئ يريد أن يرىالشخصية تتحرّك وأن يسمعها وهي تتكلّم.
د ـ السرد: نقصد بالسرد نقل الحادثة من صورتها الواقعيّة إلى صورة لغويّة.
هـ ـ الزمان والمكان، فلا بُدّ أن تقع في مكان معيّن وزمان بذاته.
و ـ الفكرة: فالقصّة إنّما تحدث لتقول شيئاً، فهي الأساس الذي يقوم عليه البناء الفنّي للقصّة((4)).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الرواية: قصّة طويلة يشترك فيها عدّة أشخاص، وتأخذ شكلاً قصصيّاً.
(2)القصّة: قصّة متوسّطة يؤدّيها شخص أو شخصين.
(3)الاُقصوصة: قصّة قصيرة تصوّر موقفاً معيّناً أو حادثة خاصّة فيها النوادر والأمثال والطرائف.
(4)الأدب وفنونه / الدكتور عزّ الدين إسماعيل: ص195.
[273]
3 ـ المثل:
قول موجز((1)) سائر، صائب المعنى((2)).
والأمثال حكمة الاُمم والشعوب، أو بالأحرى لغة الشعب كلّه بجميع طبقاته ومستوياته الفكرية.
4 ـ الرسالة:
وهي مجموعة من رسائل النصح والعِتاب والشكوى والوصايا.
ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام، وهي: الرسائل الأهليّة والمتداولة والعملية، فقد تحلّى الرسائل بعبارات تبني أساسها المعاني الخيالية والالتزام بالسجع والمحسنات البديعيّة وغيرها، وتضمين الكلام بالأمثال والحوادث المشهورة.
5 ـ الخطبة:
فنٌ قائم بذاته، وهي «غاية التأثير في الجمهور من طريق السمع والبصر»((3)).
لقد عرف العرب الخطابة في الجاهلية، ولكن لم يعرفوا منها إلاّ ما اقتضته بيئتهم وحياتهم، عرفوها بالمفاخرات والتحريض على القتال وإصلاح ذات البين والزواج والإرشاد والمحافل والوفود وسجع الكهّان، أمّا في صدر الإسلام، فقد وصلت الخطابه إلى الذروة، وكذا في العصر الاُموي حيث ظهرت خطب المناظرات والخطب الحربية والوصايا السياسية، ثمّ ركدت فترة من الزمن، ثمّ نشطت في زمن المعتزلة الذين احتاجوا إليها ليتغلّبوا بها على خصومهم.
6 ـ الترجمة:
نقصد منها نقل الأفكار والأقوال من لغة إلى لغة اُخرى مع المحافظة على النصّ المنقول، وتتّصف الترجمة الجيّدة من حيث اللغة والقواعد اللغوية واستعمال بعض المصطلحات والمفردات والمحافظة على روح الفكرة المترجمة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1)موجز: مختصر، وهو عكس اُسلوب الحكمة التي تصدر من الحكيم أو الفيلسوف، وقد تطول نسبياً.
(2)الأمثال العربية / الدكتور عبد المجيد قطايش: ص11.
(3)الخطابة / الشيخ حسين جمعة العاملي: ص7.
[274]
بالإضافة إلى الأمانة في نقل الأفكار الواردة في النصّ الأصليّ.
7 ـ النقد الأدبي:
وهو فنّ دراسة الآثار الأدبيّة وإبراز قيمتها، فقد كان للنقد دور ملحوظ ومتزايد منذ القرون الاُولى للإسلام، ثمّ ركد بركود الأدب خلال العهد العثماني، ولكن الأدب نهض وتطوّر بتطوّره.
ونرى بعض النقّاد من يقطع الشجر المثمر ويمجّد بالشجر العقيم، وبعضهم يكتب بمسؤولية كأنّه يقف أمام الحاكم وقد أقسم أن يقول الحقّ كلّ الحقّ، فالناقد هو الرابط بين الأثر الأدبي والقرّاء ومهمّته بيان ما هو سلبي وما هو إيجابي، فيستفيد القارئ والكاتب في آن واحد.
إلى هنا قد تمّ ما تيسّر لي جمعه واختياره من فنون الأدب العربي عبر عصوره المختلفة..وإنّي إذ جمعته على اختصاره واقتضابه; ليكون منهجاً دراسياً، فإنّه قد لا يخلو من سهو أو هفوة قلم، آمل من القرّاء الكرام وطَلبتي الأعزاء غضّ الطرف عنها وتجاوزها بما أعرفه عنهم من كرم، وبما يحملون من نفوس كبيرة هي أهل الصفح وقبول العذر.
والعذر عند كرام الناس مقبول
أسأل الله النفع به والعون على حفظه، وإيزاع الشكر على النعمة في التمكين من جمعه، وهو وليّ ذلك بمنّه ولطفه.
والحمد لله ربّ العالمين
[275]
كلمة الشكر
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب.
لا بدّ هنا أن اُزجي الشكر لكلِّ من أعانني على إنجاح هذا الكتاب قال تعالى: (وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ)، وقال تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ)، فما أعذب كلمات الثناء النابعة من لُبّ الفؤاد، فالثناء على المحسن أمر لازم فإذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر. إذن فالشكر اعتراف المرء بالإحسان وإقراره بالثناء، فبعد أن أشكر الله سبحانه وتعالى أتقدّم بشكري الوافر لأخي الحاج كمال الكاتب الذي أسعفني بمشورته في كثير من المواضع في تذليل المصاعب بتوجيهاته القيّمة، كذلك اُسجّل شكري لصديق العمر أخي في الله المرحوم الدكتور الحاج علي شريف تغمّده الله برحمته الواسعة.
أختم كلامي كما بدأته بحمد الله سبحانه وتعالى راجياً أن يجعل الكتاب من صحائف أعمال والديَّ اللذين غرسا فيَّ بذرة الإيمان المتمثّلة بالولاء لنبيّنا(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطيّبين(عليهم السلام) قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).
ربّنا تقبّل منّا إنّك السميع العليم
[276]
كلمة الختام
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما تيسّر لي جمعه واختياره من فنون الأدب العربي عبر عصوره المختلفة ، وإنّي إذ جمعته على اختصاره واقتضابه; ليكون منهجاً دراسياً، فإنّه قد لا يخلو من سهو أو هفوة قلم .
لذا كنت أتمنّى في كثير من الأحيان أنّه لو زيدت ساعات النهار ، وما كانت الشمس تجرّالى الغروب ذيولها بهذه السرعة ، كيما أضاعف الجهد على هذا العمل.
ولكن ما كنت أتمنّاه كان بلا جدوى، فالزمن لا يُغيِّر نهجه ولا يبدّل قانونه .
آمل من القرّاء الكرام وبالاخصّ طلاب وطالبات الجامعة الاسلامية الحرّة غضّ الطرف والتجاوز عما يجدونه من سهو بما أعرفه عنهم من كرم، وبما يحملون من نفوس كبيرة هي أهل للصفح وقبول العذر.
والعذر عند كرام الناس مقبول
(رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) الممتحنة: 4
مصـادر الـكتـاب
أ
الأئمّة الأربعة /..... الدكتور أحمد الشرباصي: دار الجليل ـ بيروت.
أبجد العلوم /..... صدّيق بن حسن القنوجي، دار الكتب العلميّة ـ دمشق / 1978م.
أبو طالب كفيل الرسول / .....سعيد العسيلي: دار الزهراء للطباعة والنشر ـ بيروت 1406هـ / 1986م.
أبو طالب مؤمن قريش / .....عبدالله الخنيزي، بيروت.
أبو العتاهية /..... تحقيق: الدكتور شكري فيصل: مطبعة حامد ـ دمشق / 1965م.
أبو الفتح البستي / .....الدكتور محمّد مرسي الخولي: دار الأندلس ـ بيروت 1419هـ / 1998م.
أبو القاسم الشابي / .....الدكتور عبدالمجيد الحرّ: دار الفكر العربي ـ بيروت / 1994م.
أبو القاسم الشابي / .....ريتا عوض: المؤسّسة العربية للدراسات والنشر ـ بغداد.
أبو القاسم الشابي شاعر الحياة والموت / .....إيليا الحاوي، بيروت.
أبو نؤاس / .....ابن منظور المصري: من التراث العربي ـ القاهرة / 1969م.
أبو نؤاس / .....الدكتور عمر فروّخ: دار الكتاب العربي ـ بيروت / 1988م.
الاتّجاهات الحزبية في الإسلام / .....فاطمة جمعة: دار الفكر العربي ـ بيروت / 1993م.
الاتّجاه الغربي من منظار اجتماعي / .....الدكتور علي محمّد النقوي: منظمة الإعلام الإسلامي /1409م.
إتحاف الأمجاد / .....محمود شكري الآلوسي: مطبعة الإرشاد ـ بغداد 1982م.
[278]
الاتحاف بحبّ الأشراف / .....عبدالله بن محمّد الشيرازي: منشورات الرضي ـ قم.
أخبار السيّد الحميري / .....تحقيق: محمّد هادي الأميني: مطبعة النعمان ـ النجف 1385هـ / 1965م.
أخبار شعراء الشيعة /..... محمّد المرزباني، تحقيق: محمّد هادي الأميني: شركة الكتبي ـ بيروت 1413هـ / 1993م.
اُدباء العرب /..... بطرس البستاني: دار الجيل ـ بيروت / 1989م.
أدب الخوارج في العصر الاُموي /..... سهير القلماوي، بيروت.
أدب الطفّ / .....السيّد جواد شبر: دار المرتضى ـ بيروت / 1988م.
الأدب العربي من الانحدار إلى الازدهار / .....الدكتور جودت الركابي: دار الفكر 1403هـ / 1984م.
الأدب العربي وتاريخه / .....الدكتور محمّد عبدالمنعم الخفاجي: دار الجيل ـ بيروت 1410هـ / 1990م.
أدب عصر النهضة / .....الدكتور شفيق البقاعي، القاهرة.
الأدب في ظلّ التشيّع / .....عبد الله نعمة: دار التوحيد الإسلامي / 1980م.
الأدب وفنونه /..... الدكتور عزّ الدين إسماعيل، دمشق.
الأذكياء /..... الحافظ عبدالرحمن بن الجوزي: دار إحياء العلوم ـ بيروت / 1990م.
الإرشاد / .....الشيخ المفيد، انتشارات بصيرتي ـ قم.
أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة /.....الدكتور أسعد القاسم: دار المصطفى لإحياء التراب ـ قم / 1418هـ.
الأساس في تاريخ الأدب العربي / .....أساتذة من الاُدباء: مطبعة النجاح ـ بغداد / 1956م.
الأساس في السُّنّة /..... سعيد حوي، بيروت.
أستار كشف الحجب والأستار / .....إعجاز حسين النيسابوري.
الإسلام في القرن العشرين / .....عبّاس محمود العقّاد، القاهرة.
الإسلام والتجديد في مصر / .....تشارلز آدامس، القاهرة.
الإسلام ومتطلّبات العصر / .....الاُستاذ مرتضى المطهّري: انتشارات صدرا / 1362هـ
أشعار الشعراء الستّة الجاهليّين /..... يوسف بن سليمان الشنتمري، بيروت.
[279]
الاشعاع القرآني في الشعر العربي / .....محمّد عبّاس الدرّاجي، بيروت.
أشهر مشاهير اُدباء الشرق / .....محمّد عبدالفتّاح، القاهرة.
الاصابة في تمييز الصحابة /..... أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: دار إحياء التراث ـ بيروت / 1328هـ.
أصل الشيعة واُصولها / .....محمّد حسن آل كاشف الغطاء: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت 1402هـ / 1982م.
اُصول التاريخ العثماني / .....أحمد عبدالرحيم مصطفى: دار الشروق ـ بيروت 1418هـ / 1998م.
اُصول التشيّع / .....هاشم معروف الحسني: دار العلم ـ بيروت.
الاُصول الفكرية للثقافة الإسلامية /.....الدكتور محمود الخالدي: دار الفكر للنشر والتوزيع ـ عمان /1403هـ.
أعلام الأدب / .....الدكتور عبدالمنعم الخفاجي، بيروت.
الأعلام / .....خير الدين الزركلي: دار العلم للملايين ـ بيروت / 1984م.
الأعلام الشرقية / .....زكي محمّد مجاهد: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت / 1994م.
أعلام النساء / .....عمر كحالة، بيروت.
أعلام النساء المؤمنات /..... محمّد الحسون و اُمّ علي مشكور: انتشارات اُسوة ـ طهران / 1411هـ.
أعلام نهج البلاغة /..... المحقّق علي بن ناصر السرخسي.
أعيان الشيعة / .....السيّد محسن الأمين: دار التعارف ـ بيروت / 1983م.
أعيان العصر وأعوان النصر /..... صلاح الدين خليل الصفوي: دار الفكر المعاصر ـ لبنان / 1998م.
الأغاني /..... أبو الفرج الاصفهاني: دار الفكر / 1986م.
أغاني الأغاني / .....جمع الخوري يوسف عون.
امالي السيّد المرتضى / .....علي بن الطاهر: مكتبة المرعشي ـ قم 1957م.
الأمالي في الأدب الإسلامي / .....الدكتورة ابتسام مرهون الصفّار، بيروت.
الامام عليّ(عليه السلام) / .....الاُستاذ مرتضى المطهّري: مؤسّسة البعثة ـ بيروت / 1992م.
الإمام عليّ رسالة وعدالة / .....الشيخ خليل ياسين: دار ومكتبة الهلال ـ بيروت / 1984م.
[280]
الإمام عليّ منتهى الكمال البشري / .....عباس علي الموسوي، قم.
الإمام محمّد عبده إمام التجديد والاصلاح الديني .....(نوابغ العرب / 7): دار العودة ـ بيروت / 1974م.
الامتاع والمؤانسة /..... أبو حيّان التوحيدي: دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
الأمثال العربية / .....الدكتور عبد المجيد قطايش، دمشق.
أمل الآمل / .....محمّد بن الحسن الحرّ العاملي: مكتبة الأندلس ـ بغداد، دار الكتاب ـ بيروت / 1998م.
الأنباء في تاريخ الخلفاء / .....محمّد بن علي بن محمّد: مكتبة نشريات الكتاب ـ مشهد / 1363هـ.
الانتصار /..... الشريف المرتضى، مؤسّسة النشر الإسلامي ـ قم / 1415م.
الانشاء العصري / .....محمّد محمّد زكي: المكتبة التجارية الكبرى ـ مصر.
أنوار الرشاد للاُمّة / .....محمّد باقر المازندراني: المطبعة العلميّة ـ قم.
أهل بيت رسول الله في دراسة حديثة / .....محمّد علي أسبر: الدار الإسلامية ـ بيروت 1411هـ / 1990م.
إيمان أبي طالب / .....نجار بن معد الموسوي: انتشارات سيّد الشهداء / 1410هـ.
ب
البابليّات / .....محمّد علي اليعقوبي: دار البيان ـ قم.
بحار الأنوار / .....محمّدباقر المجلسي: مؤسّسة الوفاء ـ بيروت / 1983م.
البداية والنهاية /..... إسماعيل بن كثير الدمشقي: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
البلاد العربية والدولة العثمانية / .....ساطع الحصري: دار العلم للملايين ـ بيروت / 1960م.
بلاغات النساء /..... ابن طيفور: انتشارات الشريف الرضي ـ قم.
بهاء الدين العاملي / .....الدكتورة دلال عباس: دار الحوار ـ بيروت / 1995م.
بهاء الدين العاملي /..... الدكتور محمّد النوبختي: منشورات المستشارية الثقافية ـ دمشق.
البيان الجليّ / .....عيد روس بن أحمد الاندونيسي، لبنان.
[281]
البيان والتبيين / .....الجاحظ: دار ومكتبة الهلال ـ بيروت 1408هـ / 1988م.
ت
تاريخ ابن خلدون /..... عبدالرحمن بن خلدون، دار الفكر ـ بيروت / 1981م.
تاريخ أبي الفداء / .....إسماعيل بن عليّ: دار الكتب العلميّة ـ بيروت 1417هـ / 1997م.
تاريخ آداب العربية / .....رشيد يوسف عطا الله، بيروت.
تاريخ آداب اللغة العربية / .....جرجي زيدان: دار الجيل ـ بيروت / 1982م.
تاريخ الأدب العربي / .....أحمد حسن الزيّات، القاهرة.
تاريخ الأدب العربي / .....حنّا الفاخوري، بيروت.
تاريخ الأدب العربي / .....السيّد جعفر الحسيني، دار الاعتصام ـ قم / 1414م.
تاريخ الأدب العربي /..... ر. بلاسير، القاهرة.
تاريخ الأدب العربي /..... الدكتور عمر فرّوخ، دار العلم للملايين ـ بيروت / 1968م.
تاريخ الأدب العربي / .....السباعي بيومي: مكتبة الانجلوالمصرية ـ القاهرة 1376هـ / 1958م.
تاريخ الاُستاذ الإمام / .....السيّد محمّد رشيد رضا، بيروت.
تاريخ الإسلام / .....الدكتور حسن إبراهيم، بيروت.
تاريخ الإمامية /..... عبدالله فيّاض، مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت / 1975م.
تاريخ الاُمم والملوك / .....محمّد بن جرير الطبري، القاهرة.
تاريخ بغداد / .....محمّد بن علي الخطيب البغدادي: دار الكتب العلميّة ـ بيروت / 1997م.
تاريخ التراث العربي / .....فؤاد سزكين: نشر مكتبة آية المرعشي ـ قم.
تاريخ التشريع الإسلامي / .....الدكتور عبدالهادي الفضلي: مكتبة وهبه ـ بيروت / 1989م.
تاريخ جمعيات السرية والحركات الفكرية /..... محمّد عبدالله عنان.
تاريخ الخلفاء /..... السيوطي، انتشارات الشريف الرضي، 1411هـ.
تاريخ الشعر العربي /..... نجيب محمّد: دار الكتب المصرية ـ القاهرة / 1950م.
[282]
تاريخ شعراء العربية /..... تدقيق: زهير يازجي، بيروت.
تاريخ الصحابة /..... محمّد البستي: دار الكتب العلميّة ـ بيروت 1408هـ/1988م.
التاريخ العبّاسي والأندلس /..... الدكتور أحمد مختار العبادي: دار الترجمة العربية ـ بيروت: 1972م.
تاريخ الفِرق الإسلامية /..... محمّد خليل الزين: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت 1405هـ. / 1985م.
تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام /..... محمّد علي أبو ريّان: دار النهضة العربية ـ بيروت.
تاريخ مدينة دمشق /..... ابن عساكر: دار الفكر ـ بيروت / 1995م.
التاريخ المعاصر /..... الدكتور رأفت غنيمي الشيخ: دار الثقافة للنشر والتوزيع ـ القاهرة / 1412هـ.
تاريخ النياحة /..... السيّد صالح الشهرستاني: دار الزهراء ـ بيروت 1419هـ / 1998م.
تاريخ النياحة على الإمام الشهيد /..... السيّد صالح الشهرستاني، قم.
تحرير الأغاني /..... ابن واصل الحموي: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
تراجم مشاهير الشرق /..... جرجي زيدان: منشورات دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
الترياق الفاروقي /..... تقديم: الدكتور عبدالهادي الفضلي: دار النعمان ـ النجف / 1964م.
تشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة / ..... محسن عبد عليّ التنوخي، بيروت.
التشيّع /..... عبدالله الغريفي: المطبعة العلمية ـ دمشق / 1417هـ.
التشيّع نشأته.. معالمه /..... هاشم الموسوي، مركز الغدير ـ بيروت / 1997م.
تفسير الميزان /..... السيّد محمّد حسين الطباطبائي، الأعلمي ـ بيروت.
تقريب التهذيب /..... أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: دار المعرفة ـ بيروت / 1380هـ.
التمثيل والمحاضرة /..... عبد الملك بن محمّد الثعالبي: دار إحياء الكتب العربية ـ القاهرة / 1961م.
توالي التأسيس /..... أحمد بن علي بن حجر العسقلاني: دار الكتب العلميّة ـ بيروت 1406هـ / 1986م.
التهذيب /..... الشيخ الطوسي، بيروت.
تهذيب تاريخ دمشق /..... علي بن الحسين بن هبة الله الشافعي (ابن عساكر): دار إحياء التراث العربي 1407هـ / 1987م.
[283]
تهذيب تهذيب الكمال /..... صفي الدين الخزرجي: مكتبة القاهرة 1392هـ / 1972م.
التيّار الإسلامي /..... الدكتور مجاهد مصطفى بهجت: مؤسّسة المطبوعات العربية ـ بيروت / 1982م.
ث
الثائر الإسلامي جمال الدين الأفغاني /..... الشيخ محمّد عبده، بيروت.
ثمرات الأوراق /..... علي بن محمّد بن حجّة الحموي: مكتبة الخانجي ـ مصر / 1971م.
ثمرات النجف /..... السيّد محمّد تقيّ الحكيم: دار الزهراء ـ بيروت 1412هـ / 1991م.
ج
الجامع الصغير /..... السيوطي: دار الفكر ـ بيروت.
الجامع في تاريخ الأدب العربي /..... حنّا الفاخوري، بيروت.
الجاهلية /..... الدكتور يحيى الجبوري: مطبعة المعارف ـ بغداد 1388هـ / 1968م.
الجداول /..... إيليا أبو ماضي، بيروت.
جمال الدين الأفغاني /..... الدكتورة رحاب خضر عكاوي، القاهرة.
جمال الدين الأفغاني /..... عبدالرحمن الرافعي، دمشق.
جمال الدين الأفغاني /..... الدكتور محسن عبدالحميد: مؤسّسة الرسالة ـ بيروت 1403هـ / 1983م.
جمال الدين الأفغاني /..... محمود أبو ريّة: دار المعارف ـ مصر / 1961م.
جمال الدين الأفغاني المفترى عليه /..... الدكتور محمّد عمارة: دار الشروق ـ بيروت.
جمال الدين الأفغاني بين دارسيه /..... علي شلش، بغداد.
جمل من أنساب الأشراف /..... أحمد بن يحيى البلاذري: دار الفكر ـ بيروت 1417هـ / 1999م.
جمهرة اشعار العرب /..... محمّد بن أبي الخطّاب القرشي: دار القلم ـ دمشق 1406هـ / 1986م.
-
[284]
الجنّة /..... محمّد حسن الحسيني، قم..
جواهر الأدب /..... السيّد أحمد الهاشمي: مؤسّسة المعارف ـ بيروت.
الجواهري في العيون /..... تقديم: الدكتورة نجّاح العطّار: دار طلاس للدراسات والترجمة / 1986م.
الجوهرة في نسب النبيّ /..... محمّد بن أبي بكر، القاهرة.
جهاد الشيعة /..... الدكتورة سميرة مختار الليثي، دار الجبل ـ بيروت / 1978م.
ح
حاضر العالم الإسلامي /..... لوثروب ستودارد، دار الفكر ـ بيروت / 1971م.
حافظ /..... عبداللطيف شرارة: دار بيروت / 1982م.
حجج النهج /..... الدكتور سعيد السامرائي: مؤسّسة الفجر ـ بيروت / 1987م.
حديث الأربعاء /..... الدكتور طه حسين: دار الكتاب ـ بيروت / 1980م.
الحركات الإسلاميّة في القرن الرابع عشر /..... الاُستاذ مرتضى المطهّري.
الحسين من خلال القرآن الكريم /..... الدكتور عبد الرسول الغفّار، بيروت.
حفيد جنكيزخان: دار المعرفة ـ بيروت.
الحلقات الذهبية /..... الشيخ محمّد حسن القبيسي العاملي، بيروت.
حلية الطراز /..... عائشة عصمت التيموريّة (لجنة نشر المؤلّفات التيموريّة): مطبعة الكتاب العربي ـ القاهرة /1952م.
الحماسة الشجرية /..... هبة الله بن علي بن الشجري: منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق / 1970م.
الحور العين /..... أبو سعيد بن نشوان الحميري: طهران /1972م.
الحياة الأدبيّة بعد سقوط بغداد /..... الدكتور محمّد عبدالمنعم الخفاجي، بيروت.
حياة الصحابة /..... الشيخ محمّد يوسف الكاندهلوي، دار صعب ـ بيروت / 1378هـ.
حياة النبيّ وسيرته /..... الشيخ محمّد قوام الوشنوي: دار الاُسرة ـ طهران / 1416هـ.
[285]
خ
الخالدات /..... محمود درويش، بيروت.
خزانة الأدب /..... عبدالقادر بن عمر البغدادي: مكتبة الخانجي ـ مصر 1402هـ / 1981م.
الخطابة /..... الشيخ حسين جمعة العاملي، بيروت.
خطيبات الشيعة /..... مريم حكمت نيا: مؤسّسة الوفاء ـ بيروت.
الخمائل /..... إيليا أبو ماضي، بيروت.
الخنساء في مرآة عصرها /..... إسماعيل القاضي: مطبعة المعارف ـ بغداد 1382هـ / 1962م.
الخوارج اُصولٌ وعقائد /..... حبيب طاهر الشمّري، دمشق.
الخوارج /..... الدكتور ناصر بن عبدالكريم الفعل: دار الوطني ـ الرياض / 1416هـ.
الخوارج في العصر الاُموي /..... الدكتور نايف محمود معروف، بيروت.
الخوارج والشيعة /..... ترجمة: عبدالرحمن بدوي، القاهرة.
د
دائرة المعارف الإسلامية /..... إبراهيم زكي وجماعته: دار الفكر ـ بيروت.
دائرة المعارف الإسلامية الشيعية /..... حسن الأمين: دار التعارف للمطبوعات ـ سوريا / 1989م.
دائرة المعارف /..... بطرس البستاني: دار المعرفة ـ بيروت.
دائرة معارف القرن العشرين /..... محمّد فريد وجدي: دار المعرفة ـ بيروت / 1971م.
دراسات تطبيقيّة في الشعر العربي /..... الدكتور عبده بدوي، القاهرة.
دراسات عن الشابي /..... محمّد كرد: الدار العربية للكتاب ـ ليبيا.
دراسات في الأدب العربي /..... الدكتور محمّد زغلول سلام، القاهرة.
دراسات في تاريخ العلوم عند العرب /..... حكمت نجيب عبدالرحمن، وزارة التعليم العالي ـ الموصل / 1977م.
[286]
دراسات في الشعر العربي المعاصر /..... الدكتور شوقي ضيف، دار المعارف ـ القاهرة / 1963م.
دراسات في فرق والعقائد الإسلاميّة /..... الدكتور عرفان عبدالحميد.
درس اللغة والأدب /..... محمّد محمّدي.
الدرّ المنثور /..... السيوطي، مكتبة المرعشي ـ قم.
دروس في فقه الإمامية /..... الدكتور عبدالهادي الفضلي، مؤسّسة اُمّ القرى ـ بيروت / 1419هـ.
الدرّة الغرّاء /..... جمع وتحقيق: باقر قرباني زرّين: مؤسّسة الطباعة والنشر ـ طهران / 1416هـ.
دعائم الإسلام /..... النعمان بن محمّد المغربي: دار المعارف ـ مصر / 1965م.
دول الإسلام /..... أبو عبدالله الذهبي: مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت 1405هـ / 1985م.
الدولة العثمانية /..... الدكتور عبدالعزيز محمّد الشنّاوي: مكتبة نشريات الكتاب ـ مشهد / 1363هـ.
ديوان ابو العتاهية:..... دار بيروت للطباعة، بيروت.
ديوان أبو العتاهية:..... دار صادر ـ بيروت / 1980م.
ديوان أبو العتاهية /..... شرح: مجيد طرّاد: دار الكتاب العربي ـ بيروت / 1995م.
ديوان أبو الفتح البستي /..... تحقيق: دريد الخطيب ولطفي الصقّال: مطبوعات مجمع اللغة العربية ـ دمشق / 1989م.
ديوان أبو بكر الشبلي /..... جمعه: الدكتور كامل مصطفى الشبيبي: دار التضامن ـ بغداد / 1967م.
ديوان أبو نؤاس /..... تحقيق: بهجت الحديثي، بيروت.
ديوان أبو نؤاس /..... تحقيق: فوزي عطوي: دار صعب ـ بيروت / 1987م.
ديوان أحمد شوقي /..... تحقيق: الدكتور إميل أكبا، دمشق.
ديوان الأخطل /..... شرح: راجي الأسمر: دار صعب ـ بيروت.
ديوان الاُزري الكبير /..... تحقيق: شاكر هادي شكر
ديوان أشعار التشيّع /..... جمع وتحقيق: الطيّب العشّاش: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت / 1997م.
ديوان البحتري.....: دار صعب ـ بيروت.
ديوان تابط شرّاً /..... إعداد: طلال حرب: الدار العالمية ـ بيروت / 1993م.
ديوان جميل بثينة /..... تحقيق: نوري عطوي، دار صعب ـ بيروت.
[287]
ديوان جميل بثينة /..... تحقيق وشرح: حسين نصّار: القاهرة.
ديوان جميل بثينة /..... جمع: الدكتور اميل بديع يعقوب: دار الكتاب العربي 1412هـ / 1993م.
ديوان جميل صدقي الزهاوي:..... دار العودة، بيروت.
ديوان الجواهري /..... جمع وتحقيق: الدكتور علي جواد طاهر، بغداد.
ديوان حافظ إبراهيم / .....أحمد أمين وجماعته: دار الجيل ـ بيروت.
ديوان الحبّ والغزل /..... إعداد: اميل ناصيف: منشورات دار جروس ـ لبنان / 1990م.
ديوان حسّان بن ثابت /..... شرح: عبد أ. مهنّا: دار الكتب العلميّة ـ بيروت 1409هـ / 1986م.
ديوان الحماسة /..... شرح يحيى التبريزي الخطيب.
ديوان دعبل الخزاعي /..... شرح: حسن حمد.
ديوان دعبل الخزاعي /..... شرح: ضياء حسين.
ديوان دعبل الخزاعي /..... تحقيق: عبدالصاحب الدجيلي.
ديوان الرصافي /..... شرح: مصطفى علي، بغداد.
ديوان الرصافي /..... نجدة فتحي صفوة، بيروت.
ديوان السيّد رضا الهندي /..... جمع: موسى الموسوي: دار الأضواء ـ بيروت / 1988م.
ديوان الزهاوي /..... جمل صدقي الزهاوي: المطبعة العربية ـ مصر / 1924م.
ديوان زهير بن أبي سُلمى /..... تحقيق: كرم البستاني، بيروت.
ديوان السموأل /..... تحقيق: الدكتور واضح الصمد، بيروت.
ديوان الشافعي /..... جمعه: محمّد عفيف الزعبي: دار الجيل ـ بيروت / 1974م.
ديوان الشريف الرضي /..... تصنيف: محمّد بن حسين: مطبعة وزارة الإرشاد الإسلامي / 1406هـ.
ديوان الشريف المرتضى /..... تدقيق الدكتور مصطفى جواد: المؤسّسة الإعلامية ـ بيروت.
ديوان شيخ الأباطح أبي طالب /..... جمع: أبي هفان المهزمي: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ـ ايران.
ديوان الصاحب بن عبّاد /..... تحقيق: الشيخ محمّد حسن آل ياسين: مؤسّسة قائم آل محمّد ـ قم /1412هـ.
ديوان صفي الدين الحلّي /..... شرح: الدكتور عمر الطباع، بيروت.
[288]
ديوان طرفة بن العبد /..... تحقيق: كرم البستاني، بيروت.
ديوان عبد الباقي العمري / ..... صحّحه: عثمان المولوي.
ديوان عبد الحسين الاُزري /..... تحقيق: مكّي السيّد جاسم.
ديوان عروة بن الورد /..... جمع وشرح: كرم البستاني، بيروت.
ديوان عروة والسموأل /..... جمع وشرح: كرم البستاني: بيروت.
ديوان عمرو بن كلثوم ،..... بيروت.
ديوان قيس بن الملوّح،..... بيروت.
ديوان قيس بن الملوّح..... (برواية الوالبي)، بيروت.
ديوان كثير عزّة /..... شرح: مجيد طراد: دار الكتاب العربي / 1993م.
ديوان كعب بن زهير /..... وضعه: الحسن بن الحسين السكري: دار الكتاب العربي / 1996م.
ديوان مجنون ليلى /..... شرح: يوسف فرحات: دار الكتاب العربي / 1992م.
ديوان المروءة /..... شرح: الدكتور يوسف شكري فرحات: دار الجيل ـ بيروت.
ديوان معروف رصافي،..... دار مكتبة الحياة ـ بيروت / 1957م.
ديوان المهلهل /..... شرح انطوان القوّال: دار الجيل ـ بيروت / 1995م.
ديوان الوائلي /..... الدكتور أحمد الوائلي، انتشارات الشريف الرضي / قم.
ذ
الذخائر والعبقريات /..... عبدالرحمن البرقوتي: مكتبة الثقافة الدينية ـ القاهرة.
الذريعة إلى تصانيف الشيعة /..... آقا بزرك الطهراني: دار الأضواء ـ بيروت / 1983م.
ذكرى الأفغاني /..... عبدالمحسن القصّاب: مطبعة الرشيد ـ بغداد 1364هـ / 1945م.
ر
الرائد في الأدب العربي /..... نعيم الحمصي، بيروت.
[289]
رسالة الحسين7 (مجلّة)/..... مركز دراسات نهضة الحسين7: العدد 2 / السنة الاُولى / 1412هـ.
الرصافي:..... إصدار: مناهل الأدب العربي، بغداد.
روض المناظر /..... محمّد بن محمّد الشحنه، القاهرة.
روضات الجنّات /..... محمّدباقر الموسوي الخوانساري: مكتبة إسماعيليان ـ قم /1390هـ.
الروضة المختارة /..... صالح علي الصالح: منشورات الشريف الرضي ـ قم / 1408هـ.
ريحانة الأدب /..... محمّد علي مدرّس: انتشارات خيّام ـ ايران / 1974م.
ز
زعماء الاصلاح /..... أحمد أمين: دار الكتاب العربي ـ بيروت.
الزهاوي دراسات ونصوص /..... جمع: عبد الحميد الرشودي، بغداد.
الزهاوي وديوانه المفقود /..... هلال ناجي: مطبعة نهضة مصر، القاهرة.
س
السبع العلويات /..... شرح: العلوي البغدادي: بيروت.
ستّة فقهاء أبطال /..... جعفر المهاجر: مركز الدراسات ـ بيروت / 1944م.
سفينة البحار /..... الشيخ عبّاس القمّي: دار اُسوة للطباعة ـ قم 1414هـ.
سلسلة شعراء العرب /..... أبو عبادة الوليد الطائي وإسماعيل اليوسف، دمشق / 1988م.
سنن ابن داود /...... سليمان بن الأشعث السجستاني: مؤسّسة ريّان ـ بيروت / 1998م.
سنن الحاكم /..... محمّد بن عبدالله النيسابوري: دار المعرفة ـ بيروت.
سنن الدارمي /..... عبدالله الدارمي: دار الفكر ـ بيروت / 1978م.
السنن الكبرى /..... أحمد بن الحسين البيهقي: دار المعرفة ـ بيروت / 1992م.
سنن النسائي /..... أحمد بن شعيب النسائي: دار الكتب العلميّة ـ بيروت / 1991م.
-
اخواني الكرام رواد هذي الواحة و هذا المنتدى ان رآى اي احد منكم اي خطأ فليقله لي جزاه لله كل الخير الدعاء الدعاء اخواني