المرجعية الدينية أكبر من أرادة السياسيين
المرجعية الدينية أكبر من أرادة السياسيين
في خضم الأزمة السياسية المتصاعدة نتيجة الرفض الشعبي الواسع للاتفاقية الأمنية المزمع عرضها على البرلمان العراقي لجأ عدد من رجالات السلطة في الائتلاف الحاكم إلى حشر المرجعية الدينية في النجف الاشرف عنوة في هذا الموضوع الحساس والخطير من اجل تغطية تصرفاتهم وقراراتهم السياسية بغطاء شرعي .
وكألعادة بادر وفد من الأحزاب الحاكمة لزيارة مدينة النجف الاشرف واللقاء بالمرجعية ليخرج خالد العطية على أثر ذلك اللقاء العابر للتصريح أمام وسائل الإعلام بأن المرجعية أوكلت الأمر للحكومة لاتخاذ ما تراه مناسبا في مسألة الاتفاقية الأمنية وأنها لا يوجد لديها أي تحفظ أو اعترض على الموضوع بعد أن تركت تقديره للسلطة بحسب ادعائه .
قبل هذا اللقاء كان وكيل المرجعية في كربلاء المقدسة قد أوقع الناس في حيرة عندما أعلن بداية عن رفض مرجعيته لهذه الاتفاقية الأمنية لتهديدها سيادة البلاد وحرمة العباد إلا انه عاد بعد ليغير خطابه بالاتجاه المعاكس ليعلن عدم ممانعة المرجعية لتوقيع هذه الاتفاقية العسكرية شرط عدم انتهاكها لسيادة العراق .
هذه التصريحات المتباينة ولدت حيرة شديدة وارتباك لدى المتابعين في استنتاج الرؤية المرجعية لهذه الاتفاقية المثيرة للجدل محليا وإقليميا لاعتبار الأهمية القصوى لمثل هذه الرؤية وتأثيرها على المستوى الجماهيري وإمكانية حسمها للموضوع برمته من اتخاذ موقف من لدن المؤسسة الدينية .
ونتيجة لهذا التخبط في التصريحات الصادرة عن السياسيين ووكلاء المرجعية حول موضوع الاتفاقية واللبس الحاصل من عدم فهم الموقف المرجعي عمد سماحة المرجع محمد اليعقوبي إلى توضيح الكثير من الحقائق الغائبة عن الأذهان بخصوص التوظيف الخاطئ الذي يمارسه السياسيون واستغلالهم للمرجعية للترويج لمشاريعهم ومخططاتهم السياسية وخلال لقائه بوفد من مثقفي مدينة الكوت حذر سماحة المرجع من ظاهرة توظيف المرجعية من قبل السياسيين لتحقيق مصالحهم الفئوية والحزبية وكسب المغانم ..
وبين سماحة الشيخ اليعقوبي أن توريط المرجعية بهذا الشكل وحشرها في كل صغيرة وكبيرة من العملية السياسية بالإضافة إلى بعض المواضيع الساخنة والخطيرة كالاتفاقية الأمنية يشكل خطراً كبيراً وتهديداً جدياً لمكانة وسمعة هذا الكيان الشريف الذي عجز رجالات السلطة طوال اثنا عشر قرنا عن إقحامها في مثل هذه المشاريع السياسية التي تجر النار إلى قرص السلطان وتخدم قبل كل شيء أهداف ومصالح ومطامع الحكام والمتسلطين .
وفي نفس الوقت حملَّ المرجع اليعقوبي المرجعية الدينية مسؤولية قطع الطريق أمام الاستغلال الحاصل من قبل السياسيين الانتهازيين للمؤسسة الدينية وطالب بعدم السكوت لما يصدر من قبل هؤلاء السياسيين وينسب للمرجعية كما دعا إلى موقف واضح لردع كل من تسول له نفسه للافتراء على مقام المرجعية والتصريح نيابة عنها من غير وجه حق وخلاف المصلحة العامة .
وبصدد الاتفاقية الأمنية ورأي المرجعية الشاهدة بخصوصها أكد سماحة المرجع اليعقوبي أنه رفض النظر في نسخة الاتفاقية الأمنية التي أعلن عنها بعد انتهاء المفاوضات بين الجانبين العراقي والأمريكي وعلل سماحته ذلك الرفض بأنه جاء لقطع الطريق أمام السياسيين الانتهازيين الذين أرادوا أيهام المجتمع بموافقة المرجعية ومباركتها لتلك الاتفاقية ليحصلون بذلك على مرادهم وينالون مبتغاهم من الغنائم التي ستدر إلى حساباتهم بمجرد توقيع تلك الاتفاقية مع الجانب الأمريكي .
كما أكد المرجع اليعقوبي أن عرض الاتفاقية على المرجعية في هذا الوقت لا يعدوا عن محاولة لذر الرماد في العيون كونها جاءت بعد أن استوت في مطابخ الطرفين المتعاقدين وبعد أن جفت الأقلام كما أنهم تهيئوا لمواجهة كل الاحتمالات فأعلنوا أنها النسخة الأخيرة غير القابلة للتعديل او التغيير مما يعني بوضوح عدم وجود فائدة أو نتيجة ترتجى من رفضها على هذا الصعيد .
وأبدى سماحته على هامش الموضوع استغرابه الشديد لمواقف البعض التي دعت إلى إيكال حسم موضوع الاتفاقية على طاولة البرلمان العراقي ، وتسأل سماحته عن أي برلمان يتكلمون لأن الواضح والظاهر للعيان الشلل الدائم والتخبط المستمر في عمل هذا البرلمان نتيجة سياسة الاستبداد التي يمارسها زعماء الكتل الكبيرة وهيمنتهم على مصادر القرار ، وأكد المرجع اليعقوبي أن البرلمان مختطف وأسير بيد هؤلاء الزعماء المستبدين فهم من يصدر القرارات ولا يعدوا دور الآخرين عن التأييد والخضوع والاستسلام .
وأشار المرجع كذلك إلى طبيعة ومصداقية تمثيل البرلمانيين لمكونات الشعب وأطيافه وأكد أن هؤلاء النواب لم يتم اختيارهم من قبل المجتمع على أساس الأشخاص وان الانتخاب والاختيار كان للقائمة وليس الأفراد مع جهل المجتمع لأغلب الموجودين في تلك القوائم ورفضهم للبعض الأخر ألا أن عددا من العوامل والظروف التي أملتها الأحداث الجارية آنذاك ساهمت في اعتماد هذه الآلية الظالمة والتي حرمت الشعب من الاختيار الحر لممثليه الشرعيين ، فهل أن برلمانا بهذا الضعف والشلل قادر على القيام باتخاذ مواقف حاسمة كالموقف الذي تتطلبه مثل هذه الموضوعة الخطيرة ؟
ونوه سماحة الشيخ إلى حقيقة مرة غابت عن أذهان الكثيرين رغم خطورتها ألا وهي النسخة التي سيتم التداول بها داخل قبة البرلمان وهل تكون بالضرورة في النهاية هي النسخة التي سيتم توقيعها بعد ذلك وهي إشارة سديدة من سماحته ولعل توقيع الحكومة للاتفاقية قبل عرضها للنقاش داخل البرلمان يؤكد هذه المخاوف ، واستشهد سماحته بقانون النفط والغاز والذي اعترف أعضائه بوجود أربع نسخ لذلك القانون تم توزيعها من عضو لأخر مما ولد عدم ثقة بين الكتل المعارضة داخل البرلمان ورئاسة البرلمان بالإضافة إلى تأخر مناقشة وإصدار هذا القانون الحيوي طوال الفترة الطويلة المنصرمة ، كما أن نفس نسخة الاتفاقية الأمنية اختلف أعضاء الحكومة في تفاصيلها وعدم التطابق بين النسخة العربية والانكليزية ونية هؤلاء عرضها على مختصين في مجال الترجمة والقانون ،كل ذلك خلق نوع من عدم القناعة وانعدام الضمانات لعدم حدوث تلاعب في النسخ من قبل السياسيين المستفيدين ...
وفي ختام حديثه عن موضوع الاتفاقية أبدى سماحة المرجع استغرابه واستنكاره لادعاءات القائمين على السلطة حرصهم على حصول الإجماع الوطني في هذه الاتفاقية الأمنية وبين أن الواقع خلاف ذلك الادعاء بدليل عدم أشراك القوى الوطنية المشاركة في العملية السياسية منذ بداية عملية التفاوض مع الجانب الأمريكي واقتصار الوفد المفاوض على ممثلي أحزاب السلطة حصرا وهو ما يؤكد ان الأحزاب الحاكمة ماضية في تكريس سياسة الإقصاء والتهميش للأطراف الأخرى والاستمرار في العمل بمبدأ الاستئثار والاستفراد بالسلطة .
وأثنى سماحة المرجع على موقف أبناء المرجعية في البرلمان الذين كانوا على قدر عالي من الوعي والمسؤولية تجاه هذه التصرفات والممارسات الاستبدادية في مثل هذه الاتفاقيات الخطيرة وكان التعبير عن ذلك الموقف من خلال مقاطعتهم لاجتماعات المكتب السياسي للأمن الوطني والذي تحول إلى وسيلة للكتل الحاكمة لتجيير حضور الكتل المعارضة الى جلسات الاجتماع للتعبير عن إجماع الكتل على القرارات والقوانين والمعاهدات اللاتي يراد تمريرهن عبر المجلس التشريعي ..
أن المرجعية الدينية الرشيدة ومن خلال حديثها القيم في هذا اللقاء مع مثقفي مدينة الكوت أكدت حرصها على أبعاد المرجعية الدينية عن الصراعات والمصالح السياسية الفئوية ورفضها لكل من يحاول استغلال مقام ومكانة هذا الكيان الشريف لتمرير مشاريعه ومخططاته الخاصة وتنفيذ المأرب وتحقيق الأطماع ، كما أوضحت المرجعية الشاهدة رفضها إقحام المرجعية في جميع تفاصيل العملية السياسية وجزئياتها وأكدت أن الرجوع إليها في القضايا السياسية لا يعني استغلالها واستخدامها جسر للعبور الى الهدف المنشود .
احمد البديري
[email protected]