الطاغية في نظم شعراء العراق! - مصطفى الكاظمي
الطاغية في نظم شعراء العراق! - مصطفى الكاظمي
(صوت العراق) - 11-01-2007
الطاغية في نظم شعراء العراق!
مصطفى الكاظمي
يلعب المكون النفسي دورا رئيسياً هاماً في حركة الفرد،وتأتي القابلية الذهنية بالمرتبة الثانية له مع انها الأخطر بتشكيلها المحفز والمشجع لتحقيق الرغبة النفسية.واظن ان المذهب البراغماتي انطلق من هاتين الركيزتين في تحقيق المنفعة الذاتية حتى في حال مجانبتها الوجدان والفطرة.فالاخلاق عند النفعيين تقيد لصالح الانتفاع وتحقيقه عبر اي وسيلة ممكنة.
وعلى العكس من النظرة النفعية الفردية الضيقة هذه،تقف نظرة اخرى فردية ايضاً في ظاهرها لكنها تركن الى الوجدان الجمعي وتستغرق في الفطرة الانسانية السليمة،فلا يمكن بحال انفكاكها عن محيطها ومنبتها على حد سواء إن يسراً او عسراً.
الصنف الاول،سائد وغالب على عموم حركة الانسان منذ فجر تأريخه،وما دمنا في موضوع مواهب الشعراء من الصنف الشائع الغالب،سنؤشر الى بعض" مفردات" تحققت فيهم البراغماتية والنفعية بأقبح صورهما،غضضنا الطرف عن قيمتهم الادبية والشعرية ان وجدت،وعن تقييمها قوة او ضعفاً- فلست بشاعر ولا امتلك المستوى اللائق لمعرفة الاوزان والتفعيلات- وكذا لأن موضوعنا في تقلبات الدهر الغريبة لبعض ابطال هذا الصنف وغرابة تلوناتهم عبر محطات غير متناسقة في تأريخ عراقنا الحديث،حتى اضحوا مصداق الآية القرآنية{الشعراء يتبعهم الغاوون}فضلوا واضلوا.
اما الصنف الثاني- ندرة نادرة- طبقة انبياء الشعر الوجداني،يحملون جوهر الايمان بقضية الانسان ومآسيه،تجدهم في قوافيهم" الحمراء" انما يستقدمون رغبتهم النابضة تحت قدم المعذب من أجل انعتاقه من الظلم،،فكانوا ضمير الانسان لا يخافون مدية سلطان ولم يتقهقروا أمام حبل مشنقته،لقد كتبوا قوافيهم بمداد الوريد.
فالاستاذ الدكتور طالب الرمَّاحي رد على قصيدة ركمناها مع الصنف الاول رغم انها كتبت بعد شنق صدام،اقتطعت الابيات التالية من قصيدة للرماحي نشرت في الانترنت مع كبير اعتذاري ومودتي للاستاذ طالب الرماحي:
فَرِحَ العراقُ ورفرفتْ أعلامُـــهُ وتــباشرَ الشرفاءُ يا صــــدامُ
يا تاركَ المِيدان في وقتِ الوَغى جبناً وبعـــــدك فرَّت الأقزام ُ
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
لعنوك كلُ العربِ يا رَمز الخَنى والخيّرونَ منَ المَـــلا أقـوامُ
يا إبنَ هِند وحسبُها من عــاهر تلدَ الحفيدَ وكفــــــــؤه صَدامُ
عام 1999 سمعت خبراً ان صدام التكريتي امر بإسقاط الجنسية العراقية عن عملاق الشعر العربي محمد مهدي الجواهري،وسمعت في وقتها ايضاً ان الجواهري ارتجل قصيدة عبرت عن آهات قلبه وغضبه لما اتاه خبر الشؤم هذا،فانطلقت قريحته ترتجل- وهو المشهور بها- وتلعن صداماً وتصر على عراقيتها المتجذرة:
سلْ مضاجع امك يبن الزنى ...... من العراقي فينا انت ام انا
إن صح الخبر أم لم يصح سيان فقد أسقط صدام الجنسية عن عشرات الآلاف ممن عاشوا ونبتوا في العراق وعن عراقيين عرب من الاصل العريق،غرضنا ان اغتراب الجواهري طيلة فترة حكم صدام الفعلي ثم مماته ودفنه في الغربة دليل واضح على نقمة صدام منه وانها تستبطن اسقاط الجنسية بمعنى من المعاني،فإن"مرجلة" صدام التي رأيناها تتعثر في بلعومه "يوم الشنق الاكبر" فجر العيد السعيد وعشية العام الميلادي الجديد،وهو يريد بها من هتف بوجهه الشاحب:الى جهنم!!انما فضحتها حفرته الحقيرة يوم استخرجوه منها عام 2003 وساعة ولاهم دبره بعد عنترياته على شعبه،ولحظة اذعانه للجان الغرباء تفتش غرفة زوجته،كل ذلك جاء بصورة من رُدّ الى ارذل العمر.
عام 1981 سمعت قصيدة كشفت عن التكوين النفسي للشاعر(الحرباء)عبد الرزاق عبد الواحد يخاطب فيها صدام مباشرة في مهرجان اقيم للحماسة الشاذة بتمجيد صدام ابان الحرب ضد ايران:
كبيرنا صغيرنا نبي[يشير لصدام ] ..... كبيرهم صغيرهم دجال[يقصد الايرانيين]
كبيرنا صغيرنا علي [الامام علي ] ..... كبيرهم صغيرهم محتال
وقبل هذا التأريخ في ثلث السبعينات الاخير من القرن المنصرم،انتشرت اخطر قصيدة تؤله صدام عندما خاطبه الشاعر والرسام وزير الثقافة والاعلام الذي أمر صدام بقطع لسانه واعدامه شنقا فيما بعد بالتهمة- المؤامرة- الساذجة المفضوحة،ذاك هو شفيق الكمالي شاعر صدام التكريتي كما لقبه الحزب:
لولاك ما بزغ القمر.... لولاك ما طلع الشجر
لولاك ما نزل المطر....لولاك ما سجد الشجر
لولاك ما خلق البشر
شهدت ايام حرب الثماني سنوات فاجعة تهالك مكونات نفسية اتخذت من الشعر اقصى غاية الوصولية لما في يد صدام،ففي عام 1988نشر الشاعر حسب الشيخ جعفر مجموعة قصائد[وجيء بالنبيين والشهداء]قدم الاهداء(الى جلال الرافدين صدام حسين):
سلاماً يا أبا الأقمار من شهداء وادينا....سلاماً ترتجى أبداً وقد أعليت وادينا
لواء أنت كوكبه أضاء سماء وادينا
ومن الذين اعدتهم ماكنة صدام كشعراء الدفعات الجديدة ايضاً- على غرار ضباط الدفعات السريعة- فقد مثلتهم قصيدة عارف الساعدي المنشورة في صحيفة الجمهورية العراقية7/10/2002:
يا هامة الدنيا وصوت الطين لو يوما يغني
مولاي جئتك فانتظرني تعب الضحى وانسل مني
واتيت نحوك سيدي يا من اعدت دمي ولوني
يا من حملت الماء والاشجار من متن لمتن
لم يرتجف دمه ولم يحفل بما زرع التجني
ويتيه هذا الكون لم يترك سوى شجر مسن
كما طوح بعيداً بعضهم بعدّه فارساً اوحداً وحكيماً نبياً حتى عمتهم دنانيره الى وصفه بالأله هذا غير المئات من الوصوف التي لا تجتمع الا ببعض رسل الله المصطفين،فنصيف الناصري نشر في مجلة اسفار عام 1992قصيدة عنونها بـ[شمسك على الفراتين ساطعة]وكتب الاهداء الى صدام الضرورة في- مهزلة- عيد ميلاده:
صدام انت المرتجى،أنت الأمل.....وأنت الفادي....فدتك كل أرواحنا وكل أعمارنا
يا خيمتنا الكبيرة....يا خيمتنا الوحيدة
شمسك على الفراتين ساطعة.....وشموسهم رماد
وفي نفس مجلة اسفار العدد/اب1992قرأنا لأمل الجبوري قصيدة رفعت عنا عناء التعليق بتحقيقها مدخولاً غير مشكوك بقيمته ابان الحصار:
ياسيد المسرات...يا ايها المبجل النبيل
ليظل قلبك واحة من كرنفال...ليظل عمرك سدرة من حب
كي يكبر العراق...عارياً من الحزن....يا سيد الفرات.
ومن هذا الصنف الاول نقتبس من قصيدة لشاعرة عراقية- انتجتها مدرسة منال الالوسي- تدعى ساجدة الموسوي تخاطب عطاء صدام بما لم يوصف به حتى اشرف انبياء الله:
حين جئت الى الكون.....قالوا امتزج الضوء بالماء يوماً
كما امتزجا يوم جئت
ومن يوم جئت.....اطلع الماء والضوء....قوس قزح
ومن يوم ميلادك،انتبه الليل حتى اتاه المخاض....فجاء القمر
ومن يوم ميلادك.....الشمس حنت يديها،،وحطت على سطح بيتي...سلال الذهب
حين جئت الى الكون،سر كل العباد
بما وهب من عاليات الشهب....صنعوا لك مهداً من الحور يهتز بين الشموس
هذه نماذج شعرية تسربلت مع عوامل اخرى دفعت بداء العظمة الجنوني وفورانه في جوف صدام الى التطلع للمزيد،فكان الذي حدث للعراق..
وعلى الضد من هذه الاشعار وقفت كلمة الشعر الصادقة والموهبة الحاضرة في وجدان ابن الرافدين الحقيقي،من منافيها واغترابها تناضل كأحد من السيف،تدافع عن مبدأ الشعر ونبله وتتلمس الخلود في بهاء جريء ارتجفت منه شفاه حكامنا العرب،وصرامة لم تبدل،فهاك شاعر الألم العراقي وتعبيره الصادق مظفر النواب يخاطب بقصيدة طويلة حكام عروبتنا اقتطعنا منها :
أولاد القحبة اني أستنجس منكم...
إن حضيرة خنزير أطهر من أطهركم...
[وحين طلب منه مسؤول في حكم البلد العربي المقيم للحفل أن يستثني]..صرخ النواب عالياً:
أولاد القحبة لا أستثني أحداً منكم
ولله در شاعر ثورة الكلمة أحمد مطر وهو يشخص حالة بؤسنا من هيستيريا حكومات العربان لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن،فنموذج له فضحهم لما استرهبتهم(ظاهرياً) مساومة انور السادات الرئيس المصري السابق(الثور حسب القصيدة)وتسارعه الى اسرائيل ثم استباق حكام العروبة(الحظيرة)جرياً على خطاه،قال مطر:
الثور والحظـيرة
الثورُ فرَّ من حظيرةِ البقـرْ ....الثورُ فـرّ
فَثارتْ العُجـولُ في الحَظيرهْ.....تبكي فِـرارَ قائدِ المَسيرهْ.
وشُكِّـلتْ على الأَثَـرْ،،مَحكَمـة ًومؤتمـرْ.
فقائلٌ قال:قَضـاءٌ وَقَـدَرْ...وقائلٌ:لقَـدْ كَفَـرْ...وقائلٌ:إلى سَـقَرْ
وبعضُهمْ قال:امنحـوهُ فرصَـة ً أخـيرهْ....لعلـّهُ يعـودُ للحظـيرهْ.
وفي خِتـام المؤتَمــرْ،،،تقاسَمـوا مَرْبِطَـهُ،وجَمّـدوا شَعيرَهْ
وبعد عامٍ وقَعَتْ حادِثة ٌمُثيرهْ
لم يَرجـعِ الثـورُ،،ولكـنْ...ذهَبتْ وراءهُ الحَظـيرهْ!
ثم يكرس أحمد مطر هجومه اللاعن لحكام العرب على مدى اعوامه ولا يزال:
فَكُلُّها أنظِمَـةٌ شرْعيّةٌ ....جـاءَ بهـا انتِخَابْ
وكُلُّها مؤمِنَـةٌ تَحكُمُ بالكتابْ
وكُلُّها تستنكِرُ الإرهـابْ
وكُلّها تحترِمُ الرّأيَ ....وليستْ ظالمَهْ
وكُلّهـا...معَ الشعوبِ دائمـاً مُنسَجمـهْ!
ان من اروع صدقيات لافتة أحمد مطر الساخرة مقطوعته:
صِحـتُ مِـن قسـوةِ حالـي:فـوقَ نَعلـي....كُلُّ أصحـابِ المعالـي!
قيـلَ لي:عَيبٌ!! فكرّرتُ مقالـي...قيلَ لي:عيبٌ!! وكرّرتُ مقالي.
ثُـمّ لمّا قيلَ لي:عيبٌ! تنبّهتُ إلى سـوءِ عباراتي...وخفّفتُ انفعالـي.
ثُـمّ قدّمـتُ اعتِـذاراً... لِنِعالـي !
لقد اختزلت مقاطع شعرية اعتنى بها احمد مطر حتى عدت من اقوى ادوات هتك الستار وازاحته عن الوجه الحقيقي للحاكم العربي،وهي بجدارة تختزل مطولات المقالات والبحوث القاصدة كشف خلل حكامنا وحماقاتهم وحقيقة ما عندهم:
صورةُ الحاكمِ في كُلِّ اتّجاهْ.....أينَما سِرْنا نراهْ !
في المقاهي....في الملاهي...في الوزاراتِ...وفي الحاراتِ،،والبارا تِ
والأسوا قِ...والتلفازِ....والمسرحِ...والمبغى..وفي ظاهرِ جدران المصحّاتِ
وفي داخلِ دوراتِ المياهْ.
أينما سِرْنا نراه !
اي مرارة اوجدها كل حكامنا العرب في نفوس شعوبهم؟أي حاجة ارغمت وحي الشعر ان يهجر التغني بالطبيعة والجمال؟واي نقيصة في حكم عربي اجتذبت هجاء الشعراء؟أين الحب والود؟ اين اختفت كل جنبات الغزل والهيام؟اين عنترة وقيس وابن ابي سلمى؟بل اين الحياة؟؟.. نترك مقطوعة من اللافتات المطرية تجيب:
أنا ما لي أشتم الحكام؟ماذا سأضيف....للمراحيض،،إذا قلت لها:أنت كنيف؟!
وإذا ما قلت للجيفه:يا جيفه،ماذا سـوف يجري؟هل تجيف؟
لا..كفى الحكام شتما أنهم هم!..وكفاني رادعا..أن بهم يـتسخ الشتم النظيف!
إني أعتذر الآن-عن الماضي- لإحساسي الرهيف..ولساني الطاهر الحر العفيف.
إنني لن أشتم الحكام،ما شأني بالحكام؟
ملعون ابو أشرفهم....إن كان فيهم أحد حقاً شريف!
ومفيد ان نقف على مقطوعة اخرى لأحمد مطر تحاكي حالنا كعرب،وفينا من لم يزل ينتظر خيراً بحاكمه في تحقيق طموحات الامة:
فوالينا أدام الله والينا...رآنا أمة ً وسطاً فما أبقى لنا دنيا،،ولا أَبقى لنا دينا.
ولاةَ الأمر ما خُنتُم ولا هنتم ولا أبديتم اللينا
جزاكم ربنا خيراً كفيتم أرضنا بلوى أعادينا...وحققتم أمانينا
وهذي القدس تشكركم...ففي تهديدكم حيناً وفي تنديدكم حينا
سحقتم أنف أمريكا
فلم تنقل سفارتها ولو نُقِلَت- معاذ الله- لو نُقِلَت لَضَيَّعنا.. فلسطينَ
ولاة الأمر هذا النصر يكفيكم..ويكفينا..تهانينا.
مع الاعتذار لكل من لم نستشهد بشعره من شعرائنا الاكارم الذين ناصروا حقوق المظلومين في ساحة الامة.