صناعة صدامية مخابراتية بإمتياز
فضلاً عن جاذبية الفكرة وغموضها.. وربما جهات خارجية أيضاً
محللون: الفقر والجهل وراء ظهور الحركات »المهداوية« المتطرفة في جنوب العراق
بغداد ـ أصوات العراق: شكل ظهور واختفاء الحركات المهداوية، خلال السنوات الأخيرة، ملمحا بارزا من ملامح المشهد العراقي، خصوصا مع اتخاذها أساليب عنيفة في الترويج لأفكارها مثل حركة (جند السماء) التي دخلت في مواجهات مسلحة مع الأجهزة الأمنية في ذكرى (عاشوراء) من العام الماضي، وحركة (أحمد الحسن اليماني) التي خلفت اشتباكاتها مع القوات العراقية مئات القتلى والجرحى في البصرة والناصرية، في المناسبة نفسها هذا العام،
وتعددت طروحات الباحثين والساسة حول أسباب نشوء تلك الحركات، ففي حين يرى باحث أن جاذبية وغموض فكرة »المنقذ.. أو المخلص« وغياب التثقيف حول فكرة »المهدي المنتظر«، هي التي تدفع فئات معينة الى الانخراط في هذه الحركات المتطرفة، يرى آخرون أن الفقر وسوء الأضاع المعيشية يمثلان السبب الأبرز في اتساع هذه الظاهرة.
ويرى النائب عن كتلة (الائتلاف العراقي الموحد) حميد المعلة، أنه »من غير المستبعد أن تكون هناك جهات خارجية تعمل على بروز هذه ظاهرة الحركات المتطرفة، سعيا الى عدم استتباب الامن في العراق«، معلنا رفضه للأصوات التي تحمل الحكومة العراقية مسؤولية ظهور هذا النوع من الجماعات.
ويعتقد النائب عن كتلة (الائتلاف الموحد) جابر حبيب جابر، ايضا، أن »هناك جهات خارجية تحاول استثمار هذه الحركات، التي تكون موجودة أصلا في الداخل العراقي«.
ويقول جابر ان »الأوضاع الاقتصادية المتردية تساهم، الى حد بعيد، في نشوء الحركات المهداوية، وكلما اتسعت دائرة الفقر كلما ازداد حجم التأثير الذي تمتلكه هذه الحركات في مجتمع يمر بتحولات سريعة وخطيرة مثل المجتمع العراقي«.
ويضيف المعلة، أنه »من المهم دراسة هذه الظاهرة بطريقة علمية ودقيقة، لمعرفة الاسباب الحقيقية التي جعلتها تتنامى يوما بعد آخر، وبهذا الشكل الخطير«.
شخصيات غامضة
الباحث في الدراسات الاسلامية قاسم جبار، يرى ان الدراسات التي تناولت الحركات المهداوية »ما زالت بعيدة عن الوصول الى حقيقة هذه الظاهرة«، فهي برأيه »تعتمد على شخصيات غامضة وعناوين مرمزة، تتمكن في النهاية من استقطاب مريديها من داخل الفئات المتدنية الثقافة، وهم الأكثر اندفاعا في اعتناق الأفكار المتطرفة«.
ويضيف جبار أن »الحركات المهداوية برزت الى سطح الاحداث عقب سقوط النظام السابق في ابريل 2003«، محيلا الظاهرة الى »جاذبية فكرة المخلص أو المهدي المنتظر (الامام الثاني عشر عند المسلمين الشيعة) الذي ينشر العدل بدلا من ظلم الحاكمين، وهو ما استندت اليه الحركة اليمانية التي أثارت العنف في مدن الجنوب خلال احتفالات عاشوراء«.
وتقول مصادر عليمة ان تنظيم أحمداليماني هو مجموعة شيعية تطلق على نفسها اسم »أنصار المهدي«، ويرأسها شخص يسمى أحمد بن الحسن، ويطلق على نفسه لقب »اليماني«.
وتروي المصادر التاريخية والأدبيات عند الشيعة أن »اليماني« يفترض أنه الشخص الذي يمهد لظهور (المهدي المنتظر)، أي الامام الثاني عشر عند المسلمين الشيعة.
ومن غير المعروف، حتى الآن، مصير (أحمد بن الحسن اليماني) زعيم الجماعة، والذي كان يظهر علنا وسطأتباعه قبل الأحداث. وتقول مصادر أمنية انه هرب واختفى عن الأنظار.
ويعود الباحث قاسم جبار ليقول »حركة أحمد بن الحسن اليماني هي من أسبق الحركات التي ظهرت في العراق، مطلع العام 2004، وتعتمد على فكرتين احداهما هي ان اليماني هو ابن الامام المهدي، والثانية تقول انه اخر سفراء المهدي للتبشير بقرب ظهوره«.
ويكشف جبار عن أن شخصية أحمد الحسن اليماني »مازالت غامضة، وليس (عمليا) هناك نتاجات يمكن الاستناد عليها في فهم شخصية اليماني سوى كتاب منسوب اليه يحمل عنوان (العجل)، وشريط تسجيل بصوته، وكلاهما يكشفان عن سذاجة الطرح الذي يقدمه، ويشيران الى امكانية أن يكون (اليماني) طالب سابق وغير ناجح في احدى مجالات الدراسات الدينية«.
النجمة السداسية
ويلفت الباحث الى أن »اتخاذ اليماني لـ (النجمة السداسية) شعارا له دون أن يخشى من أي رد فعل معاكس قد يسببه هذا الشعار، وهو شعار الدولة العبرية (اسرائيل)، اضافة الى الامكانات المادية التي تمتلكها حركته مثل سائر الحركات المهداوية الأخرى، يدفع بالضرورة الى الاعتقاد بانها حركات (مصنوعة) لتمرير مجموعة أفكار، وتقويض أي فرصة لاستقرار الاوضاع في جنوب العراق«.
ويوجز جبار المشتركات التي تجمع حركة اليماني بالحركات المهداوية الأخرى، في أنها »تعتمد على الفئات العمرية الصغيرة، سواء على صعيد القيادات أو الاتباع«، مضيفا بأن »الشخصيات المهداوية هي، في الغالب، شخصيات مغمورة اجتماعيا وسياسيا ودينيا، وقريبون من الأوساط الدينية دون الحصول على شهادات أو تحصيل علمي مقبول«.
ويتابع »وكلها تتركز في المذهب الشيعي، وأغلبها تظهر فجأة.. وتختفي فجأة، ويكون العنف هو وسيلتها للتغيير، وترفض الاعتراف بأي مرجعيات سياسية أو دينية، ما عدا زعماء تلك الحركات المهداوية، وأفكارهم في الغالب متطرفة في رفض الواقع الحالي جملة وتفصيلا«.
ويورد الباحث قاسم جبار نماذج من هذه الحركات، قائلا »لدينا مثلا حركة (فاضل عبد الحسين المرسومي)، وفكرته تنص على انه محمد هذا الزمان، وان لكل زمان محمد جديد، وهو يدعو الى تخلي الناس عن الدراسة بكل اشكالها وترك القراءة واللجوء اليه ليمنحهم العلم بواسطة الفطرة، ونقد المرسومي موجه بالاساس الى المذهب الشيعي الذي يعتبره قائما على عقائد خاطئة رغم استناده هو شخصيا اليه، وهذا ما يشترك به مع المذهب الوهابي السلفي الذي يرى البعض أنه يسنده في دعوته«.
ويمضي جبار قائلا »هناك حركة أكثر خطورة، بدأ نشاطها يتنامي خلال الأشهر الاخيرة في بغداد ومدن الوسط، وهي حركة (حبيب الله المختار).. والتي يدعي القائم بها الى ما يسميه (ثورة الحب الالهي)، وأفكاره تتلخص في أنه (بعد فشل كل المذاهب والديانات قمنا بهذه الثورة التصحيحية للوصول الى الله مباشرة)، وهذا يعني محاولته نسف كل المذاهب والديانات، وهو ما يجعله يقترب، الى حد بعيد، من الحركة الماسونية التي تنتهج نفس الطرح«.
ويختم الباحث حديثه بأن الحركات المهداوية »لن تنقطع خلال الفترة القادمة، ان لم تكن أساسا مرشحة للتوسع وشغل حيز كبير من الأحداث في العراق« في السنوات المقبلة.
سنوات القمع
أما الباحث سعيد عبد الهادي، فيحيل ظاهرة (الحركات المهداوية) الى »سنوات القمع الطويلة التي تسببت قي غياب الفاعلية الثقافية على المستوى السياسي، والعودة الى هيمنة الطقوسي ـ الشعبي، فضلا عن الدمار الاقتصادي الكبير الذي خلق هامشا اجتماعيا كبيرا طوق معظم المدن الكبرى«.
ويضيف عبد الهادي ان هذا الهامش »هو المتحكم الفعلي بمصائر هذه المدن بعد سقوط النظام السابق، نتيجة لتغلغل ثقافة العنف في تربيته الاجتماعية، ودورها في تغذية حلقة العنف من خلال تأكيدها على اقصاء المرجعيات الثقافية، وحتى الدينية المعتدلة«.
ويتابع »في جو كهذا، كان من الطبيعي ولادة مرجعيات ترتبط بالامام (المهدي المنتظر) مباشرة، على العكس من المرجعيات الشيعية التقليدية التي حافظت على الفاصل الزمني واحترمته«.
ويقول الباحث »لا يمكن أن نتصور نشوء هذه الحركات على أنها نتيجة للصراعات الاقليمية في العراق وعليه فقط، فهذه الصراعات دعمت وعززت من قدرة حركات متطرفة أنجبها الواقع الاجتماعي العراقي نفسه«.
النائب محمد الدايني، عضو البرلمان عن (جبهة الحوار الوطني)، يشاطر عبد الهادي رأيه، فهو يرى أن »ما يحدث في العراق من نشوء حركات التطرف في مناطق الجنوب، نتيجة للظلم والجور من قبل السلطة.. مما دفع الناس الى الثورة ضد الظلم«.
ووصف الدايني أتباع تلك الحركات بأنهم »أناس ثوريون، أرادوا التغيير«، ويضيف انه »من المرجح ظهور الكثير من هذه الحركات، اذا استمرت الحكومة (الحالية برئاسة نوري المالكي) في سياستها الخاطئة، وما حدث في البصرة والناصرية يدل على فشل الأجهزة الأمنية في ادارة الملفات الساخنة«.
الاسباب الاقتصادية
من جانبه، يرى باحث في مركز دراسات الخليج العربي، أن »الأسباب الحقيقية لظهور حركات شيعية متطرفة في منطقتي الوسط والجنوب، هي أسباب اقتصادية بالأساس«.
ويضيف الباحث، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ (أصوات العراق) بأن »هناك فئات مهمشة ماديا تحاول ايجاد موطئ قدم لها، عبر اعادة احياء منظومة فكرية قديمة أهم منطلقاتها أن (الحاكمية لله)، وهي تمتد الى حركة الخوارج في التاريخ البعيد والى المفكر الاسلامي حسن البنا في التاريخ الحديث، ولأن الفضاء الذي ترعرت فيه فضاء شيعي، فكان المهدي المنتظر هو المخرج الوحيد أو المخلص، لأن حركات التمرد عادة تحتاج الى جانب عقائدي تجتذب من خلاله القواعد المساندة«.
ويتابع الباحث قائلا »هناك احساس متنام لدى هذه الفئات، التي انخرطت ضمن دوائر عقائدية متطرفة، بأن الحركات والاحزاب الشيعية استولت على الحكم والثروات، مدعومة بالمرجعية الدينية.. أو بموافقة منها على الأقل، لذلك وصفوها بـ (الفاسدة) لأنها تساهم بالفساد الاداري، على حسب زعمهم«.
واشار الى أن هذه الحركات »ترفض أسس الديمقراطية، وترفض العملية السياسية برمتها، ويسعون الى قتل رجال الدين الذين يسيرون في هذا الاتجاه«.
البداية في »السهلة«
ويكشف الباحث أن »بداية ظهور أحمد بن الحسن (اليماني)، كانت في منطقة السهلة في الكوفة عام (2004)، وتمكنت حينها القوات الأسبانية من قتل أغلب أتباعه، فيما فر هو الى البصرة..ووجد فيهاملاذا آمنا، اذ سكن حسب الكثير من المطلعين في مناطق شرق البصرة، أي بعيدا عن المدينة.. في البساتين وغابات النخيل المعزولة في الجانب الشرقي من شط العرب«.
ويواصل قائلا ان اليماني »راح من هذا الأماكن شبه المعزولة يعمل على اعادة ترتيب صفوفه وتنظيم جماعته، خصوصا في البصرة والناصرية، ويعمل على نشر أفكاره من خلال موقع على شبكة الانترنت (اسمه موقع أحمد بن الحسن اليماني) الذي أغلق أخيرا. وتشير طبيعة التركيبية الاجتماعية لأنصاره أن أغلبهم من الفقراء البسطاء، لكن بينهم متعلمون وخريجو جامعات«.
ويوضح الباحث في مركز دراسات الخليج العربي، أن اتباع اليماني »نشطوا العام الماضي (2007) بشكل ملحوظ في البصرة، اذ أقاموا سرادقا (أمام مكتبي) في أهم مكان وسط مدينة البصرة، استمر لأسبوع كامل.. دون تدخل أطراف حكومية أو أي أطراف حزبية دينية، على الرغم من دعواتهم الصريحة لأحمد بن الحسن وتكفير الآخرين«.
واضاف »أقام هؤلاءالأتباع، خارج السرداق، معرضا لكتبهم ومنشوراتهم التي علقت على لوحات، وكلها تقول صراحة ان أحمد بن الحسن هو (ابن الامام المهدي)«.
ويمضي الباحث قائلا »تسجل التقارير المتوفرة أن أحمد بن الحسن يمارس ما يشبه عمليات غسيل مخ لاتباعه، عبر اظهار (معجزات)، ربما يلجأ خلالها للسحر لاقناع من يشك بدعوته«.
وكان الناطق الرسمي باسم جماعة أحمد بن الحسن اليماني في البصرة، قال لـ (أصوات العراق) أثناء (أحداث الزركة) العام الماضي، ان حركة اليماني »ليس لها أي صلة بالجماعة المسماة جند السماء«، مشيرا الى »حدوث خلط بين السيد أحمد بن الحسن، وبين من ادعى أنه (قاضي السماء) الذي يدعي أنه المهدي«.
واضاف »أما السيد أحمد الحسن، فهوابن الامام ووصيه ورسوله الى الناس كافة« حسب كلامه.
.
تاريخ النشر: الاحد 27/1/2008