12- الامام الثاني عشر : المهدي الحجة القائم المنتظر م ح م د بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي السجاد بن الحسين سيد الشهداء بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
)ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)( القصص5)
بعد استشهاد الامام الحسن العسكري عام 260 هجرية , نيطت الامامة من بعده لولده م ح م د المهدي وعمر الامام المهدي آنذاك خمس سنين , ولا عجب في ذلك فالإمامة هبة مجعولة يهبها الله من يشاء من عباده , وتقدم أن أبيه الحسن العسكري تولى الامامة وهو في العشرين من عمره , وتولاها جده الامام علي الهادي بعمر تسع سنين ومن قبله الامام الجواد بعمر ثمان سنين, و تبين في ترجمة الامام الجواد أن الامامة لاعلاقة لها بصغر السن. إن نوط الامامة الذي حمله الائمة الثلاثة قبل المهدي وهم في سن مبكرة كان تمهيداً للناس لتقبل إمامة المهدي وهو في صغره , فقد كان الامام الجواد يناظر الفقهاء والعلماء بحضرة الخليفة المأمون وهو في العاشرة من عمره كما تقدم ,وتلك كرامة شاهدها القاصي والداني وسجلتها كتب التاريخ , وإذن فالناس لم يتعجبوا عندما تولاها الامام علي الهادي وهو صغير كذلك , فلما كان أوان إمامة المهدي كان الناس قد ألفوا تلك الكرامة عند الأئمة وقبلوها والله أعلم حيث يجعل رسالته.
تقدم ذكر التضيق والحصار الذي فرضته السلطة الغاشمة على جميع الائمة, حتى نيلهم الشهادة. إن ذلك الضيق والحصار لم يتوقف بل إزداد عنفاُ في حياة كل إمام , وبعد استشهاد الحسن العسكري وحتى قبل وفاته كان هم السلطة الاول هو القضاء على نسله لإنهاء مكانة الائمة تماما من الواقع السياسي والديني .
ومر ذكر أن ولادة الامام المهدي كانت محوطة بالسرية والكتمان الشديدين حفظا على حياة الامام , وقلة قليلة من خاصة الامام الحسن العسكري عرفوا بولادة المهدي , ان السلطة تعقبت بيت الامام الحسن العسكري بعد استشهاده ووضعت العيون على النساء والخدم بحثاً عن الخلفة وللتأكد من عدم حبل نساء الامام!
ذكر التاريخ فعل السلطة بعد وفاة الامام الحسن العسكري:
( وبعث السلطان إلى داره ( دار الامام الحسن العسكري) من يفتشها ويفتش حجرها, وختم على جميع مافيها وطلبوا أثر ولده, وجاؤوا بنساء يعرفن الحبل , فدخلن على جواريه فنظر أليهن, فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حبل, فأمر بها فجعلت في حجرة , ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم. ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته وعطلت الاسواق وركب أبي وبنو هاشم والقواد والكتاب وسائر الناس إلى جنازته , فكانت سر من رأي يومئذ شبيها بالقيامة) ( البحار للمجلسي ج50 ص 328, وعن كمال الدين للصدوق ج1 ص 120), لقد كان قول النساء : (إن هناك جارية بها حبل ) تمويها للسلطة فيروى أن تلك الجارية بقيت تحت المراقبة حتى تأكدوا من عدم حبلها !
( فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حَبَلاً بها لتغطي حال الصبي ، فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي ! وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة ، وخروج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم.....) ( راجع القصة كاملة في كمال الدين للصدوق ج2 ص475)
إن ذلك الحصار المفروض على بيت الامام الحسن العسكري وعلى عائلته كان من اسباب اختفاء الامام المهدي وهو في عمره آنذاك ( خمس سنين), وتقدم ذكر أخفاء اسم الامام في ترجمة الامام الحسن العسكري التي دلت على حيطة الائمة في أخفاء الامام عن أعين السلطة . سميت فترة الاختفاء بالغيبة الصغرى ودامت مايقارب السبعين عاماً( ابتدأت من سنة 260 إلى سنة 329 هجرية),فيها كان الامام يتصل بشيعته عن طريق أربعة وكلاء سريين وهم كل من : عثمان بن سعيد العمري لمدة 5 سنوات , محمد بن عثمان بن سعيد العمري لمدة 40 سنة, أبو القاسم الحسين بن روح لمدة 21 سنة, أبو الحسن علي بن محمد السمري لمدة 3 سنين . بعد الغيبة الصغرى أمر الامام المهدي وكيله الاخير أبو الحسين السمري أن لايأتيه بعد ذلك لوقوع الغيبة الكبرى وهي فترة النيابة العامة عن الامام, وبدأت بنهاية الغيبة الصغرى ولازالت قائمة حتى الان. إن علة الغيبة أثارت شكوكا عند المخالفين , وسيأتي ذكر ذلك فيما بعد.
لماذا الغيبة الصغرى ولماذا غيبة كبرى ؟
سؤال يخطر في بال كل طالب علم , فإذا كان القهر السياسي والديني هو أحد أسباب الغيبة فلماذا لم تكن الغيبة غيبة واحدة ؟ لماذا لها فترتان زمنيتان؟ يرد الشهيد محمد باقر الصدرعلى ذلك فيقول(الغيبة الصغرى حصّنت الشيعة بهذه العملية التدريجية عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام ، واستطاعت ان تكيّف وضع الشيعة على أساس الغيبة ، وتعدّهم بالتدريج لتقبل فكرة النيابة العامة عن الإمام )( بحث حول المهدي للشهيد الصدر) , ثم يستأنف : (أنّ المهدي حقيقة عاشتها أمة من الناس ، وعبّر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم مع الآخرين ، ولم يلحظ عليهم أحدٌ كلّ هذه المدة تلاعباً في الكلام ، أو تحايلاً في التصرف ، أو تهافتاً في النقل. فهل تتصور ـ بربك ـ أنّ بإمكان أكذوبة ان تعيش سبعين عاماً ، ويمارسها أربعة على سبيل الترتيب كلهم يتفقون عليها ، ويظلون يتعاملون على أساسها وكأنها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم دون ان يبدر منهم أي شيء يثير الشك ، ودون ان يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميزة تتيح لهم نحواً من التواطئ ، ويكسبون من خلال ما يتصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع ، وإيمانهم بواقعية القضية التي يدّعون أنهم يحسونها ويعيشون معها؟! لقد قيل قديماً : إنّ حبل الكذب قصير ، ومنطق الحياة يثبت أيضاً أنّ من المستحيل عملياً بحساب الاحتمالات أن تعيش أكذوبة بهذا الشكل ، وكلّ هذه المدة ، وضمن كلّ تلك العلاقات والأخذ والعطاء ، ثمّ تكسب ثقة جميع من حولها.) ( بحث حول المهدي للشهيد محمد باقر الصدر) , ونقول إن الغيبة الصغرى التي دامت مايقارب السبعون عاماً انتهت بأمر من المهدي نفسه , حيث أمر وكيله بالانقطاع عنه حتى يأذن الله بالظهور , وفي هذا يقول بعض المشككين أن الوكلاء الاربعة انتحلوا تمثيل الامام المهدي, واستفادوا من غيبته , ورد ذلك هين وهو إذا كان الوكلاء استفادوا ماديا وأجتماعيا بتمثيلهم الزائف للأمام المهدي , لماذا إذن أعلنوا نهاية الغيبة وأنهوا أتصالاتهم بالناس من شيعة المهدي؟ فإذا كانوا مستفيدين من تمثيلهم للامام لظلوا يمثلونه إلى اليوم ولتوارثوا تلك المهمة الرابحة التي تدر عليهم أموال الخمس وتعطيهم سلطة غيبية على الناس, ومن الجدير أن نتذكر أن وكيل الامام المهدي وهو محمد بن عثمان بن سعيد العمري , استلم وكالة تمثيل الامام عن أبيه عثمان بن سعيد العمري , فلماذا لم يورثها هو الاخر لولده الى نهاية الدهر مستفيدا من ذلك المنصب؟
قبل ولادة الامام المهدي بسنين وفي عصر جده الامام الصادق, قال الصادق مبشرا بغيبة المهدي المنتظر ومفسراً سرها لأحد أصحابه وكما يلي :
(عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق: إن لصاحب هذا الأمر ( المهدي) غيبة لا بد منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت له: ولم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى (ع) لا وقت افتراقهما. يا بن الفضل إن هذا الأمر أمر من أمر الله، وسر من سر الله وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا( (إلزام الناصب لليزدي الحائري ج1 ص 378 ونقله عن بحار الانوار للمجلسي ج52 ص 91, كمال الدين للصدوق ص 482), وفيه كذلك (عن الأعمش عن الصادق قال: لم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها، ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله. قال سليمان: فقلت للصادق : فكيف ينتفع بالحجة الغائب المستور؟ قال عليه السلام: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب)( إلزام الناصب لليزدي الحائري ج1 ص 378 , وعن البحار ج23 ص 5 , أمالي الصدوق ص253), تأمل أن التمهيد للغيبة بينه الائمة لأتباعهم قبل ولادة المهدي بأجيال, وتقدم بيان الامام جعفر الصادق للناس أيام ثورة محمد بن عبدالله بن الحسن في عهد العباسيين, حيث بين الصادق أن محمد بن عبد الله بن الحسن ليس بالمهدي فأوان المهدي لم يأت بعد , وتلك رواية تاريخية موثقة تدل على معرفة وقت ولادة الامام المهدي عند الائمة جميعاً ( راجع فصل استمرار المؤامرة ,باب المذابح أيام الدولة العباسية ) , وهناك قول للأمام الحسين (ع) :( لصاحب هذا الامر (يعني الامام المهدي) غيبتان, أحدهما تطول , حتى يقول بعضهم : مات , وبعضهم قُتل , وبعضهم : ذهب) ( النص عن عقد الدرر للمقدسي الشافعي ص 178)
تقدم ذكر تصريحات باقي الائمة لأتباعهم في بشارات ولادة المهدي وتمهيدهم لولادته. إذن ولادة الامام المهدي وغيبته ليست وليدة عهده إنما هي في علم الائمة توارثوها عن جدهم النبي محمد (ص) , وستأتينا بشارات النبي الكريم في الامام المهدي , وكذلك تساؤلات عن الغيبة وردودها , فرويداً.
وفي الغيبة يبين الامام المهدي (ع) بنفسه لوكيله محمد بن عثمان : (وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) (المائدة 104) إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكلانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى) ( إلزام الناصب للحائري ج1 ص 378 ونقله عن الاحتجاج للطبرسي ص 284, البحار للمجلسي ج53 ص 181) , و قوله ( وإكثروا الدعاء بتعجيل الفرج , فإن ذلك فرجكم.....) فيعني به أوان ظهوره عليه السلام , وفي ذلك يقول النبي الكريم (ص):
( لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً ، قال ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي ، يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً) ( مسند احمد ج3 ص 36, المستدرك للحاكم ج4 ص 557, نقلاً عن معجم أحاديث المهدي للكوراني ص 193) ,وكذلك يقول النبي (ص) :
(المهدي من ولدي، اسمه إسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلْقاً وخُلُقاً ، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً .) ( كمال الدين للصدوق ج1 ص 287). إذن الغيبة الكبرى ستنتهي بظهور الامام المهدي ليقيم دولة العدل الالهية ويملأ الارض عدلا كما ملئت جورا وظلما .
الامام المهدي في التراث الانساني وفي الاديان السماوية:
ليست دعوة المخلص المهدي وترقب قدومه بدعوة جديدة وإنما هي قديمة في التاريخ , فبشارات ظهور المخلص الذي سيأتي في سنين متأخرة نجدها في جميع التراث الانساني , حتى في الفكر المادي الذي يتلاشى فيه التأثير الديني , يبقى ذلك الفكر المادي متعلقاً بفكرة الخلاص وأنقاذ البشرية, وكأن فكرة المهدي المخلص فكرة مفطورة في التفكير الأنساني ,فالانسان يتطلع إلى عدالة , إلى مخلص قوي يقيم العدل في الأرض ,وهذه الفكرة الفطرية في الانسان لابد أن لها جذور في خلقته, وهذا التفكير الانساني من دلائل وجود المخلص المنقذ في الواقع. فالجوع والشهوة للطعام دليل على وجود الطعام, والتوق إلى الحرية يدل على إمكانية وجود الحرية , فلايتطلع الانسان الى الضرر ويحبو نحوه بل هو متطلع نحو مايفيده ويحتاجه وبما تناديه فطرته , وهذا دليل على عظم التكامل في الخلقة وعلى عمق فكرة المخلص عند البشر . إن الملاحدة الذين بعنادهم ينكرون وجود الخالق , تجدهم يحلمون بالمخلص الذي سيقيم العدل يوما ما , ففكرة أقامة العدالة مفطورة في الانسان, فمثلاً فلسف المفكر الشيوعي كارل ماركس وكذلك أتباعه فكرة الخلاص فقدموها بنظرية تحَّكم الطبقة العاملة ( دكتاتورية البروليتاريا) وقالوا أن هناك مرحلة في التاريخ ستصل إليها الشعوب يوما ما وفيها تحكم الطبقة العاملة لينتهي الصراع بين الطبقات ويعيش الناس في وئام وتناغم , ومثل ذلك كثير في التراث الانساني فاليوناني أفلاطون سعى لتحقيق ذلك في مؤلفه ( الجمهورية) حيث يؤسس لجمهورية فاضلة خالية من الاضطرابات والصراعات, وحتى في الادب فإن لفكرة المخلص المهدي وجود جلي , فالايرلندي برناردشو يلمح لذلك في كتابه ( الانسان والسوبرمان), والاديب البريطاني صموائيل بكيت يرمز لذلك في مسرحيته ( في انتظار غودو) ,ونجد هذه الفكرة عند المنجم نوستراداموس الذي ذكر في تنبواءته وجود منقذ للبشرية! إن البحث في التراث الانساني يرينا سطوع فكرة المهدي المخلص عند كل الاقوام مثل:الزرادشتيون والهندوس والبوذيون وغيرهم , ولامحل لذكر هذه التفاصيل لضيق المقام , فعذرا, لكنها حقيقة يجدها الباحث بسهولة في أدبيات وكتب الاقوام السابقة. إن هذه الحاجة لوجود منقذ مخلص تتكامل مع وجود الامام المهدي وهي دليل فطري على وجوب وجوده.
بشارات الاديان الاخرى بالمهدي المخلص
في التوراة والانجيل بشارات عديدة تبشر بقدوم مخلص منتظر في آخر الزمان ليقيم دولة العدل الالهية :
(يا إبراهيم أنا قد سمعنا دعاءك وتضرعك في إسماعيل فباركت لك فيه وسأرفع له مكانا رفيعا ومقاما عليا، وسأظهر منه اثني عشر نقيبا وستكون له أمة عظيمة) ( سفر التكوين 17-20) وهذه لاتفسر إلا بحديث الائمة الاثني عشر الذي تقدم ذكره , فالنبي محمد (ص) من آل اسماعيل بن ابراهيم والائمة الاثنا عشر من النبي, فهم جميعا من نسل اسماعيل ,والامام الثاني عشر هو القائم المهدي.
إن هذه البشارة فسرها المفسرون المسيحيون على إنها بشارات بقدوم المسيح ع , لكن لاوجود للإثني عشر نقيبا في المسيحية , إما أحبار اليهود فلايقولون أنها فيهم لأن السفر يذكر اسماعيل, ومن نسله الطاهر كان المصطفى ومحمد (ص) , إذن البشارة ليست في اليهود وليست في النصارى فهي في نسل اسماعيل الذي منه محمد (ص) ومنه ولد الائمة الاثني عشر, ثم تأمل تعبير السفر فهو يسمي الائمة بالنقباء ولم يسمهم بالانبياء وهو عين حديث النبي (ص) الذي مر بنا في اول الفصل. في سفر أشعيا هناك علامات لدولة المهدي وقد تكون حقيقة أو رمزا, وهي لم تتحقق لحد هذا اليوم :
(فيسكنُ الذئبُ مع الخروف، و يربض النمر مع الجدي، و العجلُ و الشبلُ و المسمَّنُ معا، و صبىٌ صغير يسوقها. و البقرة و الدُّبَّة ترعيان، تربض أولادهما معا، و الأسد كالبقر ياكل تبنا. و يلعب الرضيع على سَرَب الصِّلّ، و يمد الفطيم يده على حُجر الأُفعوان. لا يسوءون و لا يُفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلىء من معرفة الرب كما تغطي المياهُ البحر. و يكونُ في ذلك اليوم انّ اصل يسَّىَ القائمَ رايةً للشعوب إياه تطلب الأمم، و يكونُ مَحِلُّه مَجْداً.) ( اشعيا 11, النص الاخير مقتبس عن المهدي في التوراة لمعروف عبد الحميد)
ويقول السيد معروف عبد الحميد مايلي: (هذا النص يشبه رواية لأمير المؤمنين علي و هى التى يقول فيها: يملك المهدي مشارق الأرض و مغاربها، و ترعى الشاة و الذئب في مكان واحد، و يلعب الصبيان بالحيّات و العقارب و لاتضرهم بشيىء، و يذهب الشر و يبقى الخير)( المهدي في التوراة لمعروف عبد الحميد ص 15)
في مزامير داوود: ( اللهمَّ أعطِ شريعتك للملك , وعدلك لابن الملك ؛ ليحكم بين شعبك بالعدل , ولعبادك المساكين بالحق . فلتحمل الجبال والآكام السّلام للشعب في ظل العدل ؛ ليحكم لمساكين العشب بالحق , ويخلّص البائسين , ويسحق الظالم . يخشونك ما دامت الشمس , وما أنار القمر على مر الأجيال والعصور . سيكون كالمطر يهطل على العشب , وكالغيث الوارف الذي يروي الأرض العطشى . يشرق فيأيامه الأبرار , ويعم السّلام إلى يوم يختفي القمر من الوجود , ويملك منالبحر إلى البحر , ومن النهر إلى أقاصي الأرض أمامه يجثو أهل الصحراء , ويلحس أعداؤه التراب . ملوك ترسيس والجزائر يدفعون الجزية , وملوك سبأ وشبا يقدّمون هدايا . يسجد له كل الملوك , وتخدمه كل الاُمم ؛ لأنه ينجي الفقير المستغيث به , والمسكين إذ لا معين له . يشفق على الضعفاء والبائسين , ويخلّص أنفس الفقراء , ويحرّرهم من الظلموالجور , وتكرم دماؤهم في عينيه فليعش طويلاً , وليعطَ له ذهب سبأ , وليصلَّ عليه دائماً , وليبارك كلّ يوم فليكثر القمح والبُّر في البلاد حتّى أعالي البلاد , ولتتمايل سنابل القمح كأشجار جبل لبنان , وليشرق الرجال في المدينة كحشائش الحقول , ويبقى اسمه أبد الدهر , وينتشر ذكره واسمه أبداً ما بقيت الشمس مضيئة , وليتبارك به الجميع , وجميع الاُمم تنادي باسمه سعيدة )( التوراة, المزمور 72). تأمل قوله أعط شريعتك للملك ويعني به النبي محمد (ص) الذي اتى بالشريعة , ثم يقول ( وعدلك لابن الملك) , والامام المهدي من نسل النبي الكريم (ص) فهو من أبناء النبي (ص). قال المفسرون اليهود أن هذا المزمور ينطبق على سليمان وداوود, فهما أب وأبن , ولكن عند أكمال قراءة النص نرى أن الامم يدفعون الجزية له وأن اسمه يبقى أبد الدهر, وهذا ينطبق على النبي محمد (ص) الذي يُنادى باسمه قبل كل صلاة , خمس مرات في اليوم ( نص المزمور وشرحه منقول بتصرف عن الموقع الالكتروني للعلامة حسن أنصاريان) ). تأمل مايقول سفر أشعيا : (في ذلك اليوم أن اصل يسى القائم راية للشعوب، إياه تطلب الأمم، ويكون محله مجدا )(سفر أشعيا11) فالسفر يصرح بأنه القائم والقائم من ألقاب المهدي , ثم مامعنى قوله ( أن أصل يسي)؟ يقال أن يسي هو أبوداوود وفي اللغة المعاصرة يطلق عليه جسي, ومن المتفق عليه أن أم الامام المهدي هي من نسل داوود , فالمهدي جده النبي محمد (ص) من جهة الاباء ومن جهة أمه يكون أجداده من نسل داوود , وقد تكون (يسي) تعني أنه من نسل يس (ياسين) والمتفق عليه أن ياسين في القرآن تعني النبي محمد(ص) فآل النبي يسمون بآل يس , وبحث هذا يطول وتتكشف الحقائق لمن كان طلب العلم ديدنه.
سفر الرؤيا في الانجيل:
في سفر الرؤيا الاصحاح 12 ومابعده, رؤيا طويلة يتبين عند قرائتها والتمعن فيها أنها ترمز للائمة الاثني عشر وإلى الزهراء فاطمة ابنة النبي (ص) فهي أم الائمة جميعاً كما معلوم , وفي الرؤيا إشارة واضحة للمهدي الذي سقيم دولة العدل بالقوة ويكسر الشر المتمثل بقوى ابليس, وقد انتخبنا بعض الاسطر من الرؤيا :
( وظهرت آية عظيمة فيالسماء ؛ امرأة متسربلة بالشمس , والقمر تحت رجليها , وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً , وهي حبلى , تصرخ متمخّضة ومتوجّعة لتلد . وظهرت آية اُخرى في السماء, هو ذا تنين عظيم أحمر , له سبعة رؤوس وعشرةقرون , وعلى رؤوسه سبعة تيجان , وذنَبه يجر ثلث نجوم السماء , فطرحها إلى الأرض والتنّين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتّى يبتلع ولدها متى ولدت , فولدت ابناً ذكراً عتيدا أن يرعى جميع الاُمم بعصا من حديد , واختطف ولدهاإلى الله وإلى عرشه .
والمرأة هربت إلى البرية ؛ حيث لها موضع معدّ من الله لكي يعلوها هناك . وحدث حرب في السماء ؛ ميخائيل وملائكته حاربوا التنّين , وحارب التنّينوملائكته . ولم يقووا ؛ فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء ؛ فطرح التنّين العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يظل العالم كله طُرح إلى الأرض , وطُرحت مع ملائكته . وسمعت صوتاً عظيماً قائلاً فيالسماء : اليوم يوم الخلاص , القوة والملك لله ربنا وسلطان مسيحه من أجل هذا افرحي أيتها السماوات والساكنون فيها , ويل لساكني الأرض والبحر ؛ لأنّ إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم , عالماً أنّ له زماناً قليلاً . ولما رأى التنّين أنه طُرح إلى الأرض اضطهد المرأة التي ولدت الابن الذكر , فأُعطيت المرأة جناحي النسر العظيم لكي تطير إلى البرية , إلى موضعها حيث تُعال زماناً وزمانين ونصف زمان من وجه الحية فألقت الحية من فمها وراء المرأة ماءً كنهر لتجعلها تُحمَل بالنهر , فأعانت الأرض المرأة . وفتحت الأرض فمها وابتلعت النهر الذي ألقاه التنّين من فمه , فغضب التنّين على المرأة , وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله )(الانجيل , رؤيا يوحنا 12 )
يفسر العلامة حسين أنصاريان هذا السفر فيقول :
(لم يتمكّن علماء الكنيسة من تقديم تفسير واضح منطقي لهذه القصة وهذهالأوصاف ؛ فتارة يقولون : إن المقصود بالمرأة هي الكنيسة نفسها ، لكن هذاالتفسير يصطدم بسؤال : كيف تلد الكنيسة ابناً ؟ ثم إنّ الكنيسة لم تظهر إلاّ في عهود متأخرة , ولم تكن على زمان عيسى(ع) , فكيفف يُدَّعى أنّ المقصود بالمرأة هي الكنيسة , وأنّالابن الذي ستلده هو المسيح ؟!
وبعضهم ادعى أنّ المرأة المقصودة هي مريم العذراء (ع) ، لكنهذا المعنى لا يستقيم ؛ فإنّ مريم (ع) لم تكن لها ذرّية سوىا بنها المسيح (ع) ، وليس لها (شمس) و(قمر) و(اثنا عشر كوكباً , وهي لم تدخل في صراع مع تنّين أو حية يريد أن يبتلع أبناءها الذين يحملون شريعة اللهأ مّا ادّعاء بعضهم بأنّ الكواكب الاثني عشر التي تشكّل إكليلاً يزين رأستلك المرأة هم حواريو عيسى الاثنا عشر , فهو ادّعاء مردود أيضاً ؛ بحكم ماورد بحقِّهم على لسان عيسى نفسه في الإنجيل من تقريع وتشكيك في إخلاصهم لرسالته ؛ فهو تارة يؤنّبهم مخبراً إياهم بأنهم سيشكّون به في المحنة ،وتارة يوبّخهم لتردّدهم في إيمانهم بمعجزاته . ثمّ ما علاقة المرأة بهؤلاء؟! هل هم أولادها حتّى يقال : إنّ ثمة علاقة بينها وبينهم ؟!
وحقيقة الأمر أنّ رؤيا يوحنا هذه جاءت لتروي لنا باُسلوب درامي كنائيملحمة آل بيت رسول الله (ص) ضد أعداء الله الذين يريدونأن يطفئوا نوره ويأبى الله إلاّ أن يتمّه .
فالمرأة القدّيسة هي الزهراء (ع) ، والشمس التي تتسربل بها هي كناية عن أبيها المصطفى (ص) ، والقمر الذي تستندعليه هو كناية عن بعلها أمير المؤمنين (ع) ، أمّاالكواكب الاثنا عشر فهم الأئمة الاثنا عشر من أبنائها (ع)الذين يخوضون دوماً صراعاً مع تنّين يمثّل الشر والفساد والكفر ، فيبتلعأحدهم , وليس هو سوى الحسين (ع)
لماذا الحسين (ع) ؟ فلنترك الإجابة لنبي الله إرميا (ع) إذ يقول : ( اصعدي أيتها الخيل , وهيجي أيتها المركبات , ولتخرج الأبطال ... فهذا اليوم للسيد ربّ الجنود (الله تعالى) يوم نقمة للانتقام من مبغضيه ؛ فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم ؛ لأنّ للسيد الرب ذبيحة في
أرض الشمال عند نهر الفرات )(إرميا 46 ) من هو يا ترى ذبيح الله عند نهر الفرات سوى الحسين (ع) ؟ومن هو الشمس , ومن هو القمر ورسول الله (ص) يقول :أنا الشمس وعلي القمر ؟ أسئلة تحتاج من القساوسة إجابات واضحة ( انتهى الاقتباس عن العلامة حسين أنصاريان) ,ونقول أن هذه السفر غني بالاشارات الى الامام المهدي والى الائمة الاثني عشر وشرح ذلك يطول ويتشعب .
هل فكرة المهدي في الاسلام مأخوذة من الاديان السابقة وتاريخ الشعوب؟
هناك من يقول بإن الاديان قد أخذت من بعضها البعض, فالاسلام أخذ من المسيحية والمسيحية أخذت من اليهودية ,ووفقا لذلك يقولون إن بشارة الاسلام بالمهدي أنما هي بشارة مأخوذة من الاديان الاخرى ! ونقول إن هذه الحجة عليهم وليست لهم , فتشابه الاديان في مضامينها لايدل بالضرورة على انها تأخذ من بعضها البعض بل يدل على ان مصدر الاديان هو مصدر واحد ولهذا السبب تتشابه الاديان , إما الاختلافات فتعود إلى دور المحرفين الذي حرفوا الاديان وبدلوا مفاهيمها , وبسبب تلك التحريفات كانت رسل السماء تأتي كل فترة من زمن لتجديد الرسالة الالهية المحرفة , فالأديان عند الله واحدة و مصدرها واحد, ولذا تسمى جميعا بالاسلام, إما الاسماء كالمسيحية واليهودية فهي ما أطلقه الناس على تلك الاديان وهو ما فعله كذلك المستشرقين عندما أطلقوا كلمة ( المحمديين) التي عنوا بها ( المسلمين). إذن بشارة المخلص المهدي في الاديان الاخرى تدل على إن مصدر الاديان واحد ,وهي وجدت في جميع الاديان لحقيقة المهدي وحقيقة ظهوره, ثم اختلف المفسرون في تفسيرها نتيجة المحرفين والمفسدين الذين أولوا الاسفار والايات وفقاً لأهوائهم .
بشارات النبي والائمة بالمهدي
أخبر النبي الكريم المسلمين أن المهدي هو من آل بيته وأنه من ولد فاطمة (ع) وأنه التاسع من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب وكما يلي :
-المهدي من آل بيت النبي :( إلمهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة ).( الحاوي للفتاوي للسيوطي ج2 ص 215 , والحديث باسناداته المتعددة منقول عن معجم أحاديث المهدي للكوراني ) . وكذلك يقول النبي (ص): ( لو لم يبق من الدهر إلاّ يومُ لبعث الله رجلاً من آأل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جورا ) ( معجم أحاديث المهدي , وعن صحيح سنن المصطفى ج2 ص 207, سننن ابن ماجة ج2 .)
-المهدي من ولد فاطمة ع: ( المهدي من عترتي من ولد فاطمة) ( معجم أحاديث المهدي, وعن الحاوي للسيوطي ج2 ص 214, عن أبي داود وابن ماجة والطبراني والحاكم, صحيح سنن المصطفى لأبي داود ج2 ص208)
-المهدي من ولد الحسين بن علي : (التاسع من ولد الحسين)( معجم آحاديث المهدي , وعن ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : ص 492 ، مقتل الإمام الحسين للخوارزمي ج1 ص 196 ، فرائد السمطين للجويني الشافعي ج2 ص 310 ومابعدها.)
( خطبنا رسول الله فذكرنا بما هو كائن ، ثم قال : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد ، لطول الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي ، اسمه اسمي. فقام سلمان الفارسي فقال : يا رسول الله ! من أي ولدك ؟ قال : من ولدي هذا ، وضرب بيده على الحسين )( عن كتاب المهدي المنتظر لمؤسسة الرسالة وعن المنار المنيف لابن القيم ص 148 ومابعدها, المعجم الاوسط للطبراني, عقد الدرر للمقدسي الشافعي ص 45, ذخائر العقبي للطبري ص 136, فرائد السمطين ي ج2 ص 325, القول المختصر لابن حجر ج7 ص 37, السيرة الحلبية ج1 ص 193, ينابيع المودة للقندوزي ج3 ص 63, ومثله في مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي ج1 ص 196, و كذلك في مصادر الشيعة ككشف الغمة ج3 ص 259)
بشر الائمة جميعا بالمهدي , وقد مر ذكر بعض بشاراتهم في ذلك , وهذا قول الامام الثامن علي بن موسى الرضا :
( إنَّ الإمام من بعدي ابني محمد ( الجواد) ، وبعد محمد ابنه علي ( الهادي) ، وبعد علي ابنه الحسن ( العسكري) ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره فيملاَ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وأمّا متى يقوم ؟ فإخبار عن الوقت ، لقد حدثني أبي ، عن آبائه عن رسول الله قال : مثله كمثل الساعة لاتأتيكم إلاّ بغتة)( ينابيع المودة ج3 ص 115 80 نقلا عن فرائد السمطين للحمويني الشافعي)
وكذلك بشارة من الامام الصادق حيث يقول :
عن زرارة قال : سمعتُ أبا عبدالله ( الامام الصادق) يقول : ( إنّ للغلام غيبة قبل أن يقومقال ، قلت : وَلِمَ ؟ قال : يخاف ـ وأومأ بيده إلى بطنه ( يعني الموت) ـ ثم قال : يا زرارة ، وهو المنتظر الذي يشك في ولادته منهم من يقول : مات أبوه بلا خلف ، ومنهم من يقول : حمل ( أي مات أبوه وهو حمل في بطن أُمه ) ، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين. وهو المنتظر غير أنَّ الله عز وجل يحب أنْ يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ) ( أصول الكافي ج1 ص 337, كمال الدين ج2 ص 342).
يتبع...