نظام الحكم عند جمهور السنة
-1-نظام الحكم عند جمهور السنة
يعتبر نظام الحكم من أهم اجهزة الدولة والمجتمع, فبدونه تسقط الدولة ويحكم الغوغاء والفوضويون. فهل ياترى بيَّن النبي محمد (ص) كيفية تسيير الدولة؟ وهل الخليفة بعده أنتخبه الناس أم كان معيناً من قِبله؟ على اختلاف اراء جمهور السنة في هذا الموضوع فإنهم يتفقون على أن الخلفاء بعد الرسول هم الاربعة ( ابوبكر, عمر, عثمان, علي) ويطلقون عليهم لقب ( الخلفاء الراشدون)!
يقول الفقهاء أن الخليفة الاول ابوبكر انتخبه المسلمون , وهذا يعني أن النبي (ص) لم يوص به, وانما ( ابوبكر) صار خليفة لان الناس انتخبوه. بعض الفقهاء يقولون أن النبي(ص) وهو على فراش الموت نوه بالخلافة لابي بكر لأنه (النبي) قال لزوجته عائشة بنت ابي بكر : (مري ابابكر فليصل بالناس!)( البخاري ج1 ,بابالرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم ). لم يجد الفقهاء نص حديث أو آية من القران تنص على خلافة ابوبكر, ولذا كانت حجتهم الوحيدة هي امامة أبي بكر في الصلاة .إن حديث عائشة: (مري أبا بكر فليصل بالناس) فيه أخذ ورد طويل في السند, ولايأخذ به البعض ولكن حتى القبول بأصالة الحديث ليس بحجة, لأن هذه الحجة ليس فيها تصريح بالخلافة. فهل كان من الصعب على النبي أن يقول للناس تصريحاً أن أبابكر هو الخليفة من بعدي, لكنه لم يقل ذلك أبداً حسب مصادر جمهور السنة التي تتفق على ذلك. إن امامة الصلاة لاتستدعي أن يكون امام الصلاة هو الحاكم. فقد قال النبي قبلها ان الصلاة تجوز خلف البر والفاجر وكما يلي :
روى أبوهريرة عن النبي(ص) قوله: ( الصلاة واجبة عليكم مع كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل بالكبائر) (سنن الدارقطني ج2 ص56).
وقال كذلك :( صلوا خلف كل بر وفاجر..) ( كنز العمال ج6 ص54, تاريخ بغداد ج6 ص403, العقيدة الطحاوية للحنفي, باب الصلاة خلف كل بر وفاجر)
وهذا يعني ضمنا أن الحاكم أو الخليفة يمكن أن يكون فاجرا يعمل بالكبائر كالقتل والظلم وسبي العباد والبلاد مادام يؤم الناس في الصلاة! وهو مشكل يقع في تفسيره علماء الجمهور, لذلك ذهب اكثر الفقهاء وتخلصا من معضلة امامة الصلاة والحكم فقالوا بأن الرسول لم يوص, وانما انتخب ابوبكر من قبل الناس , وتم انتخابه في سقيفة بني ساعدة في المدينة.
ثم يؤكد اصحاب فكرة الانتخاب على أن الانتخاب من اصول الدين ,فقد (درَّب) الرسول المسلمين على الانتخاب ,لانه من المحال أن يترك النبي (ص) هذه المسألة( مسألة الخلافة) مبهمة بغير توضيح , فالقران الكريم دستور الدولة يبين : ( ونزلنا اليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)(النحل 89), فلابد من وجود نصوص وتعليمات في أمر الحكم والخلافة ! إذا بحثنا في كتب السيرة فلن نجد شيئا حول تدريب الناس على الانتخاب ,ورغماً عن ذلك يصر الفقهاء على أن انتخاب الخليفة هو أصل من اصول الدين ولكن لا يأتون بنص واضح, وهو أمر محيرُ حقاً! ووفقا لقول الفقهاء فإن عملية الانتخاب ليست من اجتهاد المسلمين بل هي من أصول الدين كما يزعمون, وكيف يجتهد المسلمون في قضية من اهم القضايا في الحياة الا وهي الحكم؟ الحصيلة النهائية كما يتفق عليها أغلب جمهور السنة وتخلصاُ من معضلة الامامة في الصلاة هي قولهم : أن ابابكر أٌنتخب من قبل المسلمين حسب النظام الاسلامي في الحكم !
إذا تحريت اصول نظام الحكم عند كل فقهاء الجمهور لوجدت أن الفقهاء يستنبطون أسس هذا النظام من ايتين فقط وهما ( وأمرهم شورى بينهم)(الشورى38) وآية ( وشاورهم في الأمر) (آل عمران 159),ولاندري كيف يقام نظام كامل للحكم من كلمات قصيرة !
عند هلاك الخليفة الاول ابوبكر, اوصى بالخلافة لعمر بن الخطاب العدوي ( تفصيل ذلك في فصل الخليفة الاول) .وهكذا بعد موت الخليفة الاول صار عمر بن الخطاب خليفة المسلمين بالتعيين وليس بالانتخاب , فأبوبكر بوصيته تخلى عن الانتخاب وابتدع طريقة التعيين مخالفاً النبي نفسه, لأن النبي ترك الامر للناس لينتخبوا كما يقول فقهاء الجمهور . فهل ياترى ابوبكر اكثر حكمة وعلما من الرسول لكي يخالفه في أمر الحكم ؟ يروي ابن عباس عن عمر مايلي : ( خطبنا ابن عباس على منبر البصرة فقال: قيل لعمر : استخلف، فقال: إنْ ذلك فعلت فقد فعله من هو خير مني, وإن أكلَ الناس إلى أنفسهم فقد فعله رسول الله (ص)، وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر.) ( تاريخ المدينة المنورة لابن شبة) .
صار للمسلمين نظامين اولهما هو الانتخاب وفيه تمت بيعة الخليفة الاول ,والنظام الثاني هو التعيين وبالتعيين صار عمر بن الخطاب خليفة ! ثم يأتي النظام الثالث, وهوعندما طٌعن الخليفة عمر أوصى قبل موته بأن تكون الخلافة في ستة اشخاص وهم عبدالرحمن بن عوف, عثمان بن عفان, علي بن ابي طالب, سعد بن ابي وقاص, طلحة بن عبيد الله, الزبير بن العوام. وأمر ابا طلحة الانصاري مع خمسين من رجال الانصار أن يطوقوا البيت الذي فيه الستة فأن تأخروا ثلاثة أيام عن انتخاب خليفة تضرب اعناقهم ,وأن أتفق اربعة واختلف اثنان تضرب عنقا الاثنين! ثم يبين لهم ان القول الاخير لعبدالرحمن بن عوف! ( تفصيل ذلك في فصل الخليفة الثاني عمر.)
وإذن هذا نظام ثالث فهو ليس انتخاباً وليس تعييناً , ووفقا لهذا النظام الثالث اختار اربعة من الستة عثمان بن عفان وحصل عثمان على الاكثرية , ومن الواضح في هذه الحادثة أن جماهير الناس لم يكن لها أي باع في هذا الاختيار فهو اختيار بين ستة اشخاص فقط .
( حدثنا عاصم بن محمد، عن أبيه قال: قيل لعمر : استخلْف: فقال: لوددت أني نجوت منها كفافاً لا لِيَ ولا عليّ. قال ابن المبارك في حديثه، حدثنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم قال، قال (ابن عمر) عبد اللّه بن عمر بعد ما طُعنَ عمر: يا أمير المؤمنين، ما عليك لو أجهدت نفسك، ثم أمَّرْتَ رجلاً. فقال: أقعدُوني، قال: عبد اللّه فتمنّيْت لو أن بيني وبينه عرضى المدينة فَرَقاً منه حين قال أقعدوني، ثم قال: من أمرتم بأفواهكم ? قلتُ: فلاناً، فقال: إن تؤمِّرُوه فَأره ذا شَيبَتكم، ثم أقبل على عبد الله فقال: أثكلتك أُمك: أرأيت الوليد ينشأُ مع الوليد وليداً، ثم ينشأ معه شاباً ثم ينشأ معه كهلاً، أتراه يعرف من خلقه? قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: فبماذا أُحَاجّ رب العالمين إذا سألني من أمرت عليهم. فقلت: فلاناً، وأنا أعلم منه ما أعلم، كَلاَّ والذي نفسي بيده لأرُدَنَّها إلى الذي دَفَعَها إليّ، والله لوددت أنه كان عليها من هو خيرٌ مني لا ينقصني ذلك مما أعطاني اللّه شيئاً.) (تاريخ المدينة لابن شبَّة, باب وفاة عمر). عودتنا الروايات المبهمة في بعض كتب التاريخ بكلمة(فلان) وما يهم في هذا النص أن الخليفة يقول : (لأردنها الى الذي وضعها ألي!). وسيتبين فيما بعد أن الذي وضع الخلافة بيد عمر هو عثمان بن عفان لأنه هو الذي كتب وصية الخليفة الاول أبي بكر ( تفصيله في فصل أبوبكر وفي فصل عمر) , فعمر يرد جميل عثمان بتأهيله لخلافته.
يتبع ...