مشكلة: االمخدرات تنتشر بين الشباب في العراق
[align=justify]
يعد ادمان المخدرات وتعاطيها من اشد المشكلات النفسية والاجتماعية خطورة واعظمها اثرا في صحة الانسان البدنية على حد سواء وبات يوصف بانه واحد من الامراض النفسية ضمن ادلة تشخيص الاضطرابات النفسية والعقلية العالمية، وتشير الاحصائيات الصادرة عن البرنامج العالمي لمكافحة المخدرات التابع للامم المتحدة، الى ان هناك (200) مليون شخص يستخدمون المخدرات في العالم، يمكن عد (70%) منهم مدمنين، اي ما يعادل (3%) من مجموع سكان العالم تقريبا، وتقع اكثر من ثلث تلك النسبة في الولايات المتحدة الاميركية ودول اميركا اللاتينية.
وتؤكد الهيئات الدولية ان ادمان المخدرات اضحى السبب في مشكلات لا حصر لها، وعلى شتى الصعد الصحية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية فامراض مثل نزف الدماغ والجلطات الدموية والتهابات القلب والامعاء والمعدة والكبد، والاصابة بمرض الايدز من جراء تعاطي الحقن الملوثة، تعد جميعا نتائج مباشرة لتعاطي المخدرات فضلا عما تتسبب فيه من حوادث مختلفة يذهب ضحيتها الالاف سنويا، حتى باتت تلك الظاهرة تحقق معدلات في الوفيات اكثر من اية ظاهرة اخرى، في الجانب الاقتصادي يتكبد العالم سنويا خسائر تفوق حدود التصور، اذ اتضح ان هناك ما يقارب الـ(4) مليار دولار تهدر سنويا على تعاطي وزراعة وتصنيع تلك المواد، واضعاف هذا المبلغ هو مجموع ما يلحق من اضرار بالممتلكات والمنشآت من جرائه.. اما من الناحية الاجتماعية فان تلك الظاهرة قد تسببت في ضياع عائلات وتشريد صبية صغار، واشاعة اشكال من العنف العائلي والاجتماعي وانهيار مجتمعات في حين يرى الجانب القانوني ان المخدرات اضحت سببا في اشاعة الجريمة بانواعها كالسرقة، والقتل العمد، والمتاجرة بالجنس والمقامرة، ومن الجانب السياسي فانها اصبحت مسؤولة عن تهديد امن وسيادة حدود العديد من البلدان، واثارة البلبلة والفتن والحروب بين المجتمعات. اذن المخدرات باتت آفة مرعبة من شأنها ان تقلق الحكومات في الكثير من الدول، حتى ان هذه الحكومات اخذت تضعها في اهم اولوياتها وتخطط لمكافحتها، مثلما تضع خططا لمواجهة ظواهر الارهاب والجريمة المنظمة، فان خطرها لا يقل عن خطر تلك المسالك التي تؤدي في بعض المجتمعات الى اسفل درك من الحياة الاجتماعية وان متناوليها هم بمثابة مرض وبيل يؤثر في بقية ابناء المجتمع الاصحاء.
وقد عرف الفقه الاسلامي المخدرات اي المسكر بانه ما غطى العقل وعطله عن مقاصده (ما اسكر منه الفرق، فملء الكف منه حرام) كما يطلق اسم المخدرات عند اجهزة الامن واجهزة الاعلام، والقانون على انه مجموعة متباينة من العقاقير، التي تختلف في تأثيراتها الاجتماعية والنفسية والجسدية ومن امثلة ذلك الافيون ومشتقاته، وهي التي يطلق عليها في الطب والصيدلة لفظة المخدرات ـ المنومات والمهدئات.
اما عن اسباب تعاطي المواد المخدرة فهي كثيرة ومتشعبة وتختلف من شخص الى آخر بحسب الظروف والبيئة التي تحيط به من اهمها، ضعف الوازع الديني وسوء التربية الخلقية والاجتماعية اضافة الى فساد البيئة وعدم توفر المكان الصالح الذي يحمي الناشئة، فضلا عن التفكك الاسري والخلافات الزوجية وغياب الاب والام عن الابناء فترات طويلة.. كما ان الفراغ الذي يعانيه البعض سبب آخر في الوقت الذي تلعب الحالة الاقتصادية دورا مهما في هذا الصدد، وقد تسهم امور اخرى في انتشار المخدرات منها رفقاء السوء، وسفر الشباب الى خارج بلادهم دون ضرورة الى جانب استخدام بعض الادوية من دون استشارة طبية، ما يؤدي بمجملها الى التعامل مع هذه الظاهرة كعالم داخلي يدعو بمرور الوقت الى الادمان.
ومن المعروف ان تعاطيها قد يحطم ارادة الفرد، ويجعله خاويا هشا يتعطل عن عمله الوظيفي وكذلك عن التعلم والتعليم ويقلل انتاجيته ونشاطه الاجتماعي والثقافي ما يحوله الى شخص كسلان وسطحي، غير موثوق فيه ومهمل حتى لحاجاته الضرورية..
اما تأثيرها في الاسرة، فنجده يتجسد في الوضع المعاشي والصحي والتربوي اذ تتدنى مستويات هذه المسارات مما يجعلها فريسة للتوترات والشقاقات والخلافات بين افرادها، الى جانب الانفاق الذي يؤثر مباشرة في دخل الاسرة ويجعلها بالتالي في مهب ريح، ناهيك عن الاضرار الجسمية والنفسية التي تخلفها حالات الادمان والمشكلات الصحية والاضطرابات في المدارك الحسية، وتآكل ملايين الخلايا العصبية التي تكون المخ، مما يؤدي الى فقدان الذاكرة، وبروز الهلوسة السمعية والبصرية والذهنية.
وفيما يتعلق في سبل الوقاية والعلاج الاجتماعي والطبي والاهمية التي تنطوي عليه هذه المسألة فيجب وبالضرورة المسارعة الى دخول احد مراكز العلاج، والاستعانة بالطب النفسي والدخول في المجتمع والمشاركة في فعالياته وانشطته المختلفة قبل ان يستفحل المرض ويتجه الى كارثة خلقية واجتماعية وبدنية، يصعب عند ذاك معالجتها ووضع الحلول لها، فكلما بادر المريض الى العلاج كان الشفاء اقرب.
ويقول الاخصائيون في هذا المجال، ان الطريقة المثلى لعلاج المدمن والتعامل معه، هو ان المدمن يمر اثناء علاجه بمراحل ثلاث حيث يقيم المريض بالمستشفى اثناء المرحلتين الاولى والثانية اما المرحلة الثالثة فتكون للمتابعة.
ويضيف الاخصائيون بان علاج المدمن طويل الاجل وقد يصل الى اعوام عدة داخل المستشفى وخارجه.
العراق والمخدرات
يعد العراق من البلدان النظيفة والخالية من ترويج المخدرات وتعاطيها طوال العقود الماضية، ولم يكن المواطن العراقي يسعى او يرغب في التعامل مع هذه المواد او المتاجرة فيها، الا ان العقد الماضي شهد احداثا اثرت الى حد ما في المجتمع العراقي من خلال فرض الحصار الاقتصادي بسبب سياسات النظام السابق وحربه واحتلاله الكويت، الامر الذي الحق بابناء المجتمع قدرا كبيرا من الفقر والعوز والفاقة ادت الى بروز سلبيات عديدة تفاقمت مع مرور الوقت لتشكل وهنا واضحا في القيم الاجتماعية والاخلاقية انعكست على بعض اخلاقيات الشباب وهيأت قسما منهم للانغماس في ظواهر شاذة وبالتالي تفشيها بين صفوفهم وازداد اتساع هذه الظاهرة بعد سقوط النظام ونتيجة لغياب سلطة القانون والانفلات الامني وانعدام الرقابة على الحدود وفتحها امام المتسللين كثرت عمليات دخول المواد المخدرة بانواع واصناف جديدة وخطيرة ونشأت عصابات لترويجها داخل العراق، وقد نظمت وزارة الداخلية قبل اكثر من عام حملات مداهمة في مناطق عدة ومنها (البتاويين) في الباب الشرقي اظهرت حقيقة غاية في الغرابة هي كثرة وجود عدد من المتاجرين بالمواد المخدرة واعداد كبيرة من متناوليها وما زالت الاجهزة المعنية تلاحق عصابات المروجين والمتاجرين وتقديمهم الى الجزاء كي ينالوا العقاب الذي يستحقون فيما تم ضبط حالات مماثلة في كل من ميسان والبصرة والمثنى والديوانية فضلا عن عمليات تعاطي كان تم ضبطها في شقق سكنية ومقاه وساحات عامة، وكانت الناصرية وكربلاء والنجف قد شهدت احباط عمليات تهريب مواد مخدرة عبر السيارات تقدر بالاف الكيلو غرامات من الحشيش والاقراص المخدرة وغيرها من انواع التخدير.. وبناء على هذه المؤشرات فيمكن القول ان مجتمعنا قد وضع قدمه على عتبة الانخراط في هذه الظاهرة المدمرة، واذا لم يتم التصدي لها بقوة وسرعة من قبل الجميع، مؤسسات حكومية ومنظمات اجتماعية وهيئات صحية وتربوية ودينية، فاننا مقبلون على وباء اجتماعي سينخر عميقا في القيمة الانسانية لهذا المجتمع، لذلك ندعو الجهات المعنية المختصة ومنها الهيئة الوطنية للصحة النفسية والهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات الى العمل مع منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة، والمؤسسات الحكومية والاكاديمية والدينية والثقافية في تفاعل وظيفي على مستوى التشخيص والتحليل والتخطيط والتنفيذ لبرامج اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى والتأثير لاقتلاع الاسباب التكوينية لظاهرة لجوء الانسان لتعاطي ما يدمر جهازه العصبي والنفسي وسط حياة كان يمكن ان تكون فرصة لتفتحه العقلي والوجداني ضمن كينونته الحرة الآمنة وسط العائلة المتآخية روحا وعملا ومزاجا باتجاه تحقيق الاهداف القيمية للانسان.
لكن تقارير سابقة قد اشارت الى ان بعض الاجهزة المختصة في العراق قد تواجه مشكلة حقيقية لاسيما مع الارتفاع النسبي الملحوظ في معدلات المدمنين على المخدرات وخصوصا في المحافظات الجنوبية، وذلك في ظل غياب المؤسسات الكافية والمؤهلة لمعالجة اوضاع مماثلة اذ ذكر مصدر في وزارة الصحة خلال الندوة الوطنية الشاملة لمكافحة المخدرات التي عقدت في وقت سابق من العام الماضي ان عدد المدمنين على المخدرات شهد ارتفاعا في الاونة الاخيرة حيث تتجاوز الحالات المسجلة الالفين وغالبيتها في المحافظات الجنوبية مضيفا ان عدد المسجلين لدى الوزارة كمدمنين بلغ 2029 بحسب احصائية اجريت خلال عامي 2003 ـ 2004.
واوضح المصدر ان عدد المدمنين الذين ترددوا على العيادات الخاصة للعلاج في محافظة ميسان بلغ 286 حالة واكد ان اعلى النسب هي في محافظة كربلاء حيث بلغ عدد المسجلين في مراكز الصحة في المدينة حوالي 679 مدمنا توفي اربعة منهم، عازيا السبب الى دخول كميات من المواد المخدرة اليها من دول الجوار.
داعيا الى اهمية بناء مشروع متكامل لمواجهة المشكلة موضحا ان بناء قاعدة بيانات حقيقية امر يستحق بذل جميع الجهود من اجله اذ يعد الركيزة الاساسية في انجاح مشروع مكافحة المخدرات.
وبغية تسليط الضوء عما تفعله وزارة الصحة والهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات حيال هذه الظاهرة واستفحالها كنا التقينا الدكتور علي عبدالرزاق محمد مسؤول برنامج وحدة مكافحة المخدرات والادمان في الوزارة ومقر الهيئة الذي حدثنا قائلا:
ـ اود ان اؤكد على ان الوزارة ماضية في سعيها لمكافحة هذه الظاهرة السلبية التدميرية للمجتمع وذلك عن طريق تفعيل مراكز العلاج التابعة لها او تنفيذ القرارات التي تتخذها الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات مضيفا ان هذه الهيئة تضم ممثلين عن وزارة الصحة والعدل والعمل والتعليم العالي والشباب والخارجية والوقفين السني والشيعي فضلا عن ممثلي مجلس شورى الدولة ومجلس القضاء الاعلى، وهذه الهيئة تجتمع كل ثلاثة اشهر لدراسة وتحليل واقرار جوانب المشكلة واتخاذ السبل والامكانات الكفيلة بعلاجها والقضاء عليها نهائيا.
واشار د. علي عبدالرزاق محمد ان الوزارة شاركت في عدد من المؤتمرات العلمية التي اقامتها الامم المتحدة لمكافحة هذه الظاهرة، وقدم الوفد العراقي دراسات وبحوث عن واقع المشكلة وسبل علاجها.
موضحا ان آخر مؤتمر عالمي ناقش مواضيع تخص مكافحة المخدرات كان عقد في فينا منتصف شهر آذار من العام الحالي، وتطرق المؤتمر الى وضع خطط عالمية تتعلق بالحد من الانجاز وترويج المخدرات بصورة غير شرعية اضافة الى عقد بعض الاتفاقيات الدولية وتفعيلها على ارض الواقع وقد قدم الوفد العراقي دراسة تتركز حول دور التوعية والوقاية في صفوف الشباب من مخاطر الادمان على المخدرات ذات التأثير السلبي على العقل.
مبينا ان العراق سيشارك في المؤتمر العالمي لمكافحة خطر المخدرات والذي سيعقد في العاصمة الاردنية عمان يوم 26 من الشهر الجاري، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات وسيقدم بحثا علميا بهذا الشأن.
من جانب آخر اوضح د. محمد بان الاحصائيات الخاصة بعدد متعاطي المواد المخدرة في العراق ليست دقيقة كون ان عملية التعاطي تتم في الخفاء اضافة الى ان المدمنين على المخدرات لا يراجعون المراكز الصحية المختصة بهذا الجانب، ربما لخوفهم او لخجلهم مضيفا ان الدكتور محمد الكرخي استاذ طب المستنصرية لديه دراسة استبيانية اعتدمت على اخذ نموذج من ادرار المتعاطي وفحصه بواسطة اجهزة خاصة وحقق نتائج سليمة في هذا المجال وكانت الدراسة قد اجريت على ما يقارب 140 شخصا.
ودعا مسؤول وحدة مكافحة المخدرات الى تكثيف كل الجهود للسيطرة على هذه المعضلة والحد من خطورتها من خلال تشكيل لجان مشتركة بين الوزارات ذات المسؤولية المباشرة حول تفشي الظواهر الشاذة والمؤثرة في حياة المجتمع العراقي.
من جانبه اكد الباحث الاجتماعي علي كاظم الشمري ان المعطيات الموثقة في المجتمعات كثيرة تشير الى انتشار تعاطي المخدرات على نحو خاص بين الافراد باعمار المراهقة والشباب المبكر في الغالب، نظرا لما تتصف به هذه المراحل العمرية من مظاهر نفسية وسلوكية غير مستقرة مثل تقلب المزاج، وضعف الاتزان الانفعالي، والحساسية العالية تجاه المواقف الضاغطة ومحاكاة الكبار، فضلا عن الاستعراضية والميل للتمرد والتحدي والرغبة في الحصول على الاثارة والمتعة..
موضحا ان العالم العربي ليس بمنأى عن هذه الظاهرة، اذ اصبح يحتل جزءا مهما ضمن منحنى انتشارها ويمكنني القول في ضوء التقارير الصادرة عن المكتب العربي لشؤون المخدرات ان شيوعها بات بارزا في مصر ولبنان وتونس والمغرب ودول الخليج وكذلك اليمن الذي يأخذ منزلة خاصة بسبب انتشار تعاطي مخدر القات في مجتمعه، حتى اصبح من سلوكيات الحياة اليومية، وبقدر ما يخسره هذا البلد سنويا بـ(35000) مليون ساعة عمل، يهدرها ابناؤه في مضغ القات.
واشار الشمري، الى ان العراق يمكن ان يصنف ضمن البلدان شبه النظيفة من المخدرات نظرا لوقوعه في اسفل سلم انتشار هذه الظاهرة في العالم، اذ كان نمط الادمان فيه يكاد ينحصر بالعقاقير المخصصة لمعالجة الاضطرابات النفسية والعقلية، مثل (الفاليوم والارتين والسومادريل والموكادين) وكذلك الشرابات المحتوية على مخدر الكودائين والساملين والبلموكودين، اضافة الى استنشاق الغازات الطيارة كالبنزين
والثنر والسيكوتين وخصوصا من قبل الصبيان، الا ان انفتاح الحدود على نحو غير مسبوق وخصوصا خلال الثلاث سنوات الاخيرة جعل امكانية التسلسل وتهريب المخدرات واقعا ملموسا في العراق ينبغي التصدي له ومواجهته بأسرع ما يمكن من خلال وضع حلول ومعالجات وعلى نطاق واسع.
فيما رأى الاستاذ جاسم الموسوي اختصاص علم النفس الاجتماعي ان اهم عامل اساسي يتمثل في عدم انزلاق الابناء في مستنقع المخدرات يقع بالمرتبة الاولى على عاتق الاسرة وخاصة الاب، ولي الامر المسؤول عن تربية الابناء، فان المتابعة والرعاية الحنونة وتلبية الاحتياجات وعدم المعاملة بالترهيب والتعنيف والعقاب من قبله ومن قبل افراد الاسرة سيجعل التحصين قويا من مغبة السقوط والانغماس في ذلك المستنقع.
داعيا اجهزة الدولة المختصة ومنظمات المجتمع المدني الى الاهتمام والاخذ بعين الاعتبار المسؤولية في التصدي لهذه الظاهرة، وتنظيف العراق من شرورها ومخلفاتها السلبية بعيدا عن خطرها الداهم وكوارثها اللاحقة.[/align]