المستور من احداث إنقلاب 8 شباط الاسود
مذكرات حازم جواد وذيل الكلب الذي لن يستقيم
د. أحمد حمودي ربيعة
[email protected]
الى روح عمي الشهيد الزعيم الركن طه الشيخ أحمد
يرفع حازم جواد نظارته السوداء ليكشف عن بعض من بشاعة تلك الصورة التي تنشر له في وسائل الاعلام والتي من خلالها تعرفنا عليه وبما تثير قدر غير قليل من الامتعاض لرويتها، نحن الاجيال التي عاشت ملامح مجزرة 8 شباط او التي ولدت لاحقا، ليكشف لنا في سلسلة ( يتذكر) المنشورة في جريدة الحياة اللندنية تفاصيل الانقلاب الدموي والكثير بما يتعلق بتاريخ ومسيرة البعث العراقي وفي حقيقي الامر عند التوقف عند ما نشر وخاصة في بعض التفاصيل وعند مقارنتها بما سبق نشره لبعض المشاركين والشهود لهذه التفاصل والمجازر والاحداث، تقودك هذه المقارنة لفكرة انة لم يجري كتابة الاحداث كما جرت وانما يجري اعادة تركيب لبعض الاحداث وهذا ما سوف اتوقف عنده في مقالتي السريعة هذة.
بدءا اشير الى اني من جيل عاش ملامح هذا الانقلاب الدموي، ولم يكن عمري سوى سبعة سنوات عند قيامه، ولكن هذا اليوم كان اول تأسيس لذاكرتي السياسية ومازالت الكثير من أحداث تلك الجمعة الدامية وما لحقها محفورة بذهني، ففي هذا اليوم أعلن في البيان الثاني للانقلاب عن اعدام عمي االزعيم الركن طه الشيخ أحمد (مدير الخطط الحربية) مع كل من الزعيم الركن عبدالكريم قاسم ( رئيس الجمهورية العراقية والقائد العام للقوات المسلحة) والعقيد الركن فاضل عباس المهداوي ( رئيس محكمة الشعب) وعلى اثر اذاعة البيان تعالى الصراخ واللطم والبكاء والعويل من والدتي ونساء البيت الاخريات في بيتنا الواقع في منطقة 14 تموز في مدينة البصرة حيث كنا نعيش اربعة اطفال مع ولدتي في بيت مشترك مع اخوانها بعد وفاة والدي قبل ذلك بسنوات عديدة وحيث كان عمي طه الشيخ احمد هو احد المتكفلين الاساسين برعاية اولاد اخيه المتوفي وكان يسعي في تلك الفترة نقلنا الي بغداد لنكون بالقرب منه. وفي كل الاحوال تجمع رجال البيت ومن التحق بهم من الجيران واخرين من مناطق أبعد من الشيوعين واصدقائهم ليبدوا باعداد اللافتات واعداد قوائمها من اعمدة الخشب وجرائد سعف النخيل المننتشر في المنطقة، ولينطلقوا بها باتجاه مركز المدنية حيث احتشدت المظاهرات امام مبني المتصرفية في العشار وليتحول هذا البيت لاحقا الي مركز للاجتماعات والاعداد ومقر لدفن السلاح في حديقتة والذي سبق ان تم استدانة جزء من مبلغه من والدتي للمجموعة البصراوية التي ساهمت في حركة المقدام حسن سريع، حيث كان يقف احد أخوة والدتي على راس هذه المجموعة وهو جعفر نجم النداف الموظف السابق في دائرة كهرباء وماء البصرة. وقد حكم لاحقا على كل أعضاء هذه المجموعة بالاعدام وبقيت سنوات طويلة بانتظار التنفيذ، واستطاعت امي أن تنقذ راس اخيها من الاعدام برشوة صالح مهدي عماش لتخفيف الحكم الى المؤبد. وقد تحول اخيها هذا لاحقا في السبعينات الى أحد كلاب السلطة في مطاردة الشيوعين واصدقائهم وكل العناصر الديقراطية مبتدا بعائلته. لقد حفر البعثيون أخاديد لا تنسي في ذاكرتي ومن كان من جيلى واللذين امتدت ايدي البعث وحرسه اللاقومي وبدون أي رحمة الى عوائلهم وأكمل فيما بعد وريثهم الشرعي صدام حسين ونظامه المقبور سلوكهم هذا المجلل بالعار والخزي.
يتحدث حازم جواد من منفاه اللندني بعد صمت دام عشرات السنوات وبعد ان سبق له رفض العديد من الدعوات لوسائل الاعلام وخاصة في مناسبات ذكرى هذا اليوم المشوؤم او الحديث لباحثين مهتمين بهذا الموضوع، بل انه وكما هو معروف انه ابتعد عن تجمع يتواجد فيه العراقين وانقطعت علاقاته لسنوات طويلة أو باقل حد ممكن لمشاركيه في تلك الاحداث.
وحازم جواد كما يذكر الباحث المرحوم علي كريم في مقدمة كتابه ( عراق 8 شباط 1963. من حوار المفاهيم الي حوار الدم، مراجعة في ذاكرة طالب شبيب الصادر عن دار الكنوز 1999) واحد من اربعة اشخاص لاتكتمل صورة 8 شباط اذا لم تدون شهادتهم وهم علي صالح السعدي أمين سر الحزب ونائب رئيس الوزراء ووزير الارشاد ( صاحب المقولة المشهورة حول وصول البعث العراقي في 1963 للسلطة بواسطة القطار الامريكي – التاكيد من عندي)، وحازم جواد وزير الداخلية ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية ( وهو القائد الفعلي والأساسي الذي وقف علي راس الاحداث)، وطالب شبيب وزير الخارجية وعضو القيادتين، واحمد حسن البكر.
(يتذكر) حازم جواد بعد سقوط صدام وربما يتوارد للقراء في البداية أن الصمت الذي لفه كان بسب الخوف من ارهاب النظام الذي امتد لكل معارضي النظام والمطلعين علي تاريخ وأسرار نظامه وحزبه، ولكن يظهر من هذه الذكريات انها لم تحتوي ذلك القدر المخيف والهام من المعلومات وكشف الاسرار، عما جرى كشفه سابقا او لما هو متداول من معلومات سابقة من رفقاء صدام نفسه بل على العكس من هناك الكثير من الدلائل تشير ان قدر وافي من الاسرار التي تتعلق بتاريخ هذا النظام وحزبه وخاصة في مرحلة الانقلاب المشوؤم في 1963 يجري االتكتم عليها او كشفها بشكل ناقص او اعادة صياغتها. وبتقديري انه ليس سقوط النظام وارهابه هو الذي حرك (ضمير) هذا القائد الفعلي واللاعب الاساسي في 1963 وما بعدها، ولكن يظهر ان القضية التي كرس لها شبابه وجهده وهي قتل الزعيم عبدالكريم قاسم وإبادة الحزب الشيوعي العراقي من أجل تحقيق اهدافهم القومانية والتي لم يحققوا لاحقا أي شى منها، عادت من الجديد للظهور وبقوة منقطعة النظير، فما ان سقط النظام حتى انطلقت الجماهير العراقية وبشكل عفوي للتغنى بذكريات الزعيم وامجاده وترفع صوره وتطلق اسمه على احد الساحات وبعض المناطق او المشاريع المزمع القيام به، بل وكنست الي المزبلة كل من تمثال احمد حسن البكر احد المشاركين في اعدام قاسم ورفاقه الابطال في الاذاعة ورئيس الوزراء في عهد الانقلابين ورئيس الجمهورية لاحقا، وتمثال الغريري، احد المساهمين الاساسين في محاولة أغتيال عبدالكريم قاسم في 1959 والتي اغتيل في هذه العملية برصاص المشاركين الاخرين، والذي عمل البعث ونظام صدام لاحقا على تصويره بطل وطني وقومي واقام تمثال له واطلاق اسمه على الساحة التي يتواجد فيها التمثال وبهذه الطريقة ردت الجماهير العراقية ( الفضل) لهولاء( الابطال)، و ما مظاهرة 14 تموز بعد سقوط النظام الا احد الأعراس الشعبية للاحتفال بذكرى الثورة وقائدها،. أما قضية الحزب الشيوعي والذي تقترب الذكرى السبعين لتاسيسه، فقد أكدت الاحداث بعد سقوط النظام جذوره العميقة في المجتمع العراقي ونفوذه رغم كل الارهاب والمحن التي مرت عليه، وعادت راياته تنشر اجنحتها من شمال الى جنوب العراق.
بتقديري هذه الامور التي حركت ذاكرة حازم جواد لاعادة صياغة الاحداث وبما كان يتمنها في يوم ما وليس على اساس ما حدث وخاصة في بما يتعلق تفاصيل الساعات الاخيرة والتفاصيل الصغيرة قبل اعدام الزعيم وتحديه الموت وهو ورفاقه الابطال طه الشيخ أحمد والمهداوي وكنعان حداد وكذلك فيما يتعلق بالصمود البطولي لسلام عادل, السكرتير الاول للحزب الشيوعي العراقي، والذي تحول الي ماثرة خالدة ليس للشيوعين العراقين فقط وانما للكل الاحرار والوطنين الذين ينشدون الوطن الحر والشعب السعيد.
أنها محاولة جديدة لاعدام عبدالكريم ورفاقه الابطال, محاولة جديدة للتمثيل بجثة سلام عادل وكل الابطال الذين تحدوا مجازر مجرمي 8 شباط، وهذا ليس جديد على قسم من المشاركين في تلك الاحداث فقد حدثني الصديق المخرج العراقي قاسم حول انه في احد المرات حينما احتاج الصحاف المدير السابق للاذاعة والتلفزيون ووزير اللاعلام لاحقا لبعض الامور التي تتعلق بمرحلة مابعد تموز 1958 واضطراره لاستخدام ارشيف الاذاعة والتلفزيون، فقد لاحظ وشاهد ان الارشيف ملئ بالافلام الوثائقية عن الزعيم عبدالكريم قاسم وعن ثورة تموز وبما اثار انزعاجه وغضبه وقال قتلنا عبدالكريم وبعد كل هذه السنوات ورغم نحن في السلطة فانه مايزال يعيش في الارشيف، وبذلك أمر بحرق الارشيف المتعلق بثورة تموز والزعيم عبدالكريم. ومثال أخر علي هذا، في أحد الندوات التي عقدها المرحوم الباحث د. علي كريم في مدينة لاهاي حول كتابه المشار اليه اعلاه، واكد احد الحاضرين حديث منقول عن احد المشاركين باعدام قاسم و8 شباط ( طالب شبيب) قوله في احد جلساته في دمشق انه لوعاد عبدالكريم للحياة من جديد لاعدامناه من جديد.
واعتقد ان حازم جواد لم ينسى الرسالة الشهيرة للسيد احمد الميرزا أب الشهيد الشيوعي البطل صاحب الميرزا والتي أذاعتها اذاعة الصوت الشعب العراقي واثناء حكم الانقلابين والموجه للراي العام العالمي والتي يفضح فيها اساليب التعذيب والقتل ويرد فيها اسم حازم كاحد المجرمين القتلة، وقد ذكر لي احد معاصري تلك الايام كيف قام الشهيد صاحب وعائلته بحماية وإيواء حازم جواد في فترات سابقة حين كان مطاردا فرد الجميل لصديقه السابق ولعائلته بان اعدمه. وعلى سياق ذلك اسيق الحادثة التالية فقد ذكرت لي المرحومة زكية شاكر (العضوة السابقة لمنطقة بغداد للحزب الشيوعي ومراسلة سلام عادل) وزوجها السيد كاظم جواد المقيم حاليا في السويد (عضو سابق في منطقة بغداد واصبح 1965 عضو اللجنة المركزية) وكان تربطه علاقة وثيقة بعلي صالح السعدي اضاقة لزمالة الدراسة الجامعية في كلية المحاسبة وقد قام السيد كاظم جواد وعائلته في فترة ما قبل 1958 بكفالة السعدي للمرتين حين تعرضه للتوقيف بعد ان رفض حتى والد السعدي في كفالته ومن المعروف ان السعدي كان شاب مشرد، اضافة لايواه في بيته لفترة من الزمن وهذا جزء من قيم وشيم العراقين المعروفة, ولكن كيف رد السعدي معروف هذه العائلة حين اعتقلت الزوجة في 8 شباط وحين كان زوجها متواجد خارج العراق للدراسة الحزبية. لقد كان رد السعدي ورفاقه العددين اللذين كانوا يرتبطون بعلاقة مع هذه العائلة واقتسموا الملح والزاد معهم، بانها تعرضت الى كل ما يتصوره الانسان في مسلخ قصر النهاية وشاهدة على كل ما جرى فيه من قتل واجرام ، وفي احد المرات سرق منها احد هولاء المعارف السجانين والمعذبين قلم ذهبي هو عبارة هدية من زوجها ، بل في احد المرات سمح لصدام حسين حينما لم يكن قاتل سوى صغير في الحرس القومي بتعذيبها. وعن هذا السلوك المشابه قرانا كيف قتل صدام احد اقرباه الشيوعين ليلا بعد ان كان جليسه في المقهى نهارا وقد استلف منه مبلغ من المال, وكيف رد المجرم ناظم كزار الفضل للعائلة التي ساعدتهم للسكن في بغداد بعد رحليهم من العمارة وكيف قام لاحقا باعدام احد ابناء هذه العائلة وكيف قامت لاحقا أم هذا الشيوعي المغدور به بان حولت تعزيتها لعائلة كزار الذي اعدام من قبل رفاقه القدامى، لساعة لنزع حزنها الاسود ولتملئ هي وبناتها بيت كزار بهلاهل العراقيات المعروفة ثارا لدم ابنها وغيرها من ما نشر من حوادث على هذا المنوال. مااريد قوله ان أعداد كبيرة من هولاء البعثين والقلتة أعمتهم ويظهر الى الابد قضية الحقد والكره لعبدالكريم قاسم ومعاداة الحزب الشيوعي العراقي, ولو توفرت لهم أي فرصة لقاموا بقتلهم منفردين او مجموعين كل يوم دون ان يلتفتوا ولو لمرة واحدة الى أي مستنقع جرتهم هذه السياسة والطريقة في التفكير وفي أي مزبلة القاهم التاريخ فيها، وبالتالي وبعد هذه السنون الطوال يطرح السوال التالي نفسه من أعدم من. لقد تم اعدام قاسم ورفاقه الابطال في مبنى الاذاعة وسلام عادل والالاف من رفاقه في مسلخ قصر النهاية ودهاليز الحرس القومي مرة واحد ولكن دماء واروح هولاء الضحايا اصبحت لعنة ابدية تطارد جلاديها وتعدمهم في كل مكان وزمان.
تمتاز كتابات او اعترافات او مذكرات معظم البعثين اللذين يتناولوا فترة 1958 وما بعدها وبالذات انقلاب شباط الاسود في 1963 ببعض امميزات منها.
1- أن صدام هو لقيط سياسي على البعث وحركته وهذا ما يبدا به حازم جواد ذكرياته حيث ان انقلاب 17 تموز 1968 ابتدا بالتامر وانتهى الامر به كذلك، وانه صدام مجرم وقتل ومشبوه وطائفي وغيرها من التسميات، وكثير من البعثين وقيادتهم تندب حظ حزبهم العاثر على هذا الامر، ولكن عندما يمتد الامر الى التفاصيل التي رافقت صعود البعث في 8 شباط وما بعدها، تقود هذه التفاصيل القارى وبدون عناء يذكر الى استنتاج مفاده ان صدام ومجمل سياسته الاجرامية هي وريث شرعي لانقلاب 8 شباط ولم يكن صدام سوي الابن البار والامين لهذا الانقلاب الفاشي و بكل امتدادته الفكرية والسياسية والتنظمية وارتباطاته المشبوه ولكن صدام ونظامه اطلق العنان لهذه السياسيه السابقة وباقبح الاشكال. الم يبدا الانقلابيون حياتهم الجديدة بالقتل الجماعي والفردي بدون محاكمات او بمحاكمة شكلية كما في محكمة الاذاعة لقاسم ورفاقه الابطال، ألم يطلقوا الارهاب ضد العراقين الى اقصى مدياته، الم يشنوا الحرب علي الشعب الكردي وتسليم قيادة الوحدات في كرستان العراق لاكثر القادة العسكرين شوفنية وعنصرية، الم يهجموا على المنجزات التى حققتها ثورة تموز للعراقين، الم يتأمروا بعضهم على الاخر كاي عصابة، الم يتنازعوا على احتلال الكويت وغيرها من التفاصيل.
2- أن 8 شباط كانت عملية تصحيحة لثورة 14 تموز، واذ يصمتوا لماذا لم ينجز الانقلابين المهام التي كانت مطروحة امام 14 تموز، فانهم لا يخوضوا في الاسباب الحقيقة وراء الانقضاض على منجزات تموز بل وكيف تحول البعث وجبهته القومية وشعاراتة الى جبهة جمعت كل القوى الرجعية واليمينية وكل من عادى مصالح الشعب العراقي ومن تيارات مختلفة.
3- أن الارتباطات المشبوه للانقلابين ترتبط بالجناح العسكري أساسا وليس بالجناح المدني وهذه واحدة من الفرضيات التي كان يسعى لاثباتها المرحوم علي كريم وما تجده في ثنايا حديث حازم جواد والذي كان هو يقف على راس هذا التنطيم وكذلك في كتابات اخيرين ولكن متابعة ماكتبه البعثين انفسهم من عاش تلك احداث فان قائمة الاتهامات تمتد الى عناصر هامة من قيادات التنطيم المدني ويمكن الرجوع في هذا الامر الى كتابات هولاء انفسهم. وماذا لو اخبرنا حازم جواد عن اجتماعات قيادات من البعث والمخابرات الأمريكية وممثلي شركات النفط التي تضررت من قرارات ثورة تموز في البحرين والكويت ثم حديث الملك حسين عن ارتباطات الانقلاب بهذه الجهات والاذاعة السرية من الكويت. اما في يخص القطار الامريكي والذي يردد هنا نفس ما طرحه سابقا صلاح عمر العلي من هذا التشكيك بهذا الامر، فاشير الى انه قد ظهرت عدة شهادات ولمرات عدة من شهود مختلفين اكدوا سماع هذا الامر من السعدي ثم انه صدر قبل سنوات قليلة مقالة في (رسالة العراق) المجلة التي كان يصدرها الحزب الشيوعي في الخارج اكدت وجود وثيقة بهذا الامر والتي هي عبارة رسالة من السعدي واكدت المقالة على أي راغب ومشكك بهذا الامر الاتصال بمكتب لندن للحصول على نسخة منها واعتقد ان الاوان الان لنشر هذه الوثيقة وبشكل علني وواسع للجم كل مشكك ورغم هذا فلو جرى حساب نتائج الانقلاب ومن قاده وارتباطتهم المشبوه فانه سنصل الى نفس النتيجة. بل ان حازم جواد يسعى الى لعبة خبيثة حين يبدء مذكراته بالحديث عن الشخصيات الغامضة وارتباطاها الخفية وليزج باسم رشيد مطلق وهنا يحاول ان يشر من طرف خفي الى ارتباطات مشبوه تمتد الى عبدالكريم قاسم وليضفي صفة المفاوض علي شخصية رشيد مطلق ورغم ان اشاراته حول الاخير ليس فيها أي دليل ووانما استنادا لان مطلق لم يكون معروف وكيف اطلق انقلابي شباط سراحه( ربما يحز في نفس حازم جواد لحد الان أنه لم يعرف من استلم الرشوة واطلق سراحه وبذلك انخفض عدد ضحاياه واحد) ورشيد مطلق لم يكن مفاوض قاسم ولكن صديقه ومراسله وصلته مع الحزب الشيوعي العراقي والمرحوم الجادرجي وهو شخصية وطنية عراقية معروفة وليست غامضة وقد كتب عنها وتجري الاشارة لها دائما عند الحديث عن الاستعدادات لثورة 14 تموز ولم يتطرق أي كاتب عراقي أو غير عراقي مهما كان اتجاه الى ما يسئ لسمعة هذا الرجل الوطني والشريف وما يزال الكثير من اللذين عرفوه على قيد الحياة ولم يشروا لهذه الشخصية الا بما هو خير وطيب، بل ان المرحوم عامر عبداللة يشير الى انه استغرب عندما اتصل به رشيد مطلق واخبره بسعي قاسم للثورة ورغبته التنسيق والاتصال بالحزب الشيوعي وكان المرحوم عامر قد التقى قاسم في بداية 1952في سهرة والتقاه ايضا ثانية، حيث لم يبدو على قاسم أي اهتمام بالسياسة ولم يكن يلفت الانتباه. ولم يشغل رشيد مطلق أي موقع سياسي او حكومي بعد ثورة تموز ماعدا ما اشير حول مديرية السياحة.
4- الشيوعين ليس هم المستهدفين أساسا من هذا الانقلاب ولم تكن النية المسبقة لتصفيتهم، ولكن واقع الاحداث يقول شىء اخر فليس غريبا ان ثلاثة من اربعة قتلوا في 9شباط 1963 هم شيوعيون ( طه الشيخ احمد ، المهداوي، كنعان حداد)، أن الانقلابين كانوا بالاساس يطالبون براس الحزب الشيوعي وهذه لم تكن رغبتهم فقط وانما تجمعوا ودعموا من قبل حلفائهم على هذا الاساس وفي هذا المجال هناك الكثير من الامثلة والادلة وليس غريبا انه بعد هذه السنوات العديدة ان يخرج السيد صلاح عمر العلي في برنامج شاهد على العصر بان يوكد انه كان يجب معاقبة الشيوعيون ولكنه يخففها لو كانت بدرجة اقل.
5- السعي لتحميل جريمة القتل على اسماء محدد لم يعد لها وجود، اما غيبها الموت او ساقها والكل يحاول رمي الذنب على الاخرين.
6- اثارة الشكوك حول صمود الضحايا وتناقض الرويات.وهذا ما سأتناوله بتفصل اكثر في هذه المقالة وبالذات موقف قاسم ورفاقه قبل الاعدام وكذلك محاولة تشويه موقف سلام عادل.
7- الكذب حول عدد القتلى والضحايا اللذين تم قتلهم بشكل فردي او جماعي والصمت عن جرائم التعذيب والقتل. ولا اعرف الى أي مصدر او دلائل يستند اليها حازم جواد ليشير ان عدد القتلى من كل طرف في الايام الاولى لم يتجاوز الخمسين قتيلا. ، ان كل الدلائل تشير الى عكس ذلك بل وتقدر بالالاف ولاحظ كيف يذكر اطلاق النار في راسى الشخص المتظاهر الذي صعد الي منصة الدبابة لمفاوضة قائد مجموعة الدبابات الذهابة لمهاجمة الدفاع، ثم يذكر كيف اطلقت الدبابات النار فوق روؤس الجماهير المتظاهرة والواقع يعرف من عاش تلك اللحظات فانه يتذكر ان الدبابات اطلقت نيرانها على الجماهير ،وهل يتذكر حازم جواد اعداد جثث المدافعين والمتظاهرين حول وزارة الدفاع وكيف جمعت، وحبذا لو تذكر حازم جواد ادوات وطرق التعذيب التي استخدمت خلال الايام الاولى والايام اللاحقة، هل مازال يسمع صرخات ضحاياهم من المعتقلين والمعدومين ولماذا يصمت بشكل كامل عن الاساليب البشعة التي استخدمت في التعذيب ولحد الان مازال على قيد الحياة الالاف من جربت او استخدمت ضدهم هذه الاساليب. هل يستطيع حازم جواد ان يذكر لنا شئ عن قلع الاظافر والتعليق من الايدي او الارجل او اجبار المعتقلين الجلوس على القناني الفارغة واغتصاب العذارى والنساء واغتصاب حتى قسم من الرجال والصعق بالكهرباء وخاصة في المناطق الحساسة والسحل بالسيارات وقطع بعض الاجزاء الحية من الجسم كتقطيع الاصابع او الاطراف او نشر الضحايا وهم أحياء ودفن المعتقلين وهم أحياء، أما الاساليب الاخرى كالفلقة والتعطيش والتجويع وغيرها فقد اسقطناها من الحساب لانها اساليب لا تصل الى الدور الثوري والقومي الذي قام به مجرمي شباط الاسود وربما يستطيع بهاء شبيب الذي شارك وبفاعلية في هذه الاساليب والمقيم الحالي في امريكا وعضو قيادة الموتمر الوطني أن يشاطره في احياء الذاكره باعتبارهم شركاء في الجريمة. اما بخصوص البراءات التي ينكر حازم جواد أن الانقلابين وحرسهم الاسود لم يسعوا لانتزاعها من المعتقلين لان البعثين هم كانوا في فترات سابقة ضحايا اسلوب البرائات هذا , شخصيا اعتبر اعتراف بهذا الشكل والى هذه الدرجة من الكذب الرخيص نكتة بايخة. هل لنا ان نبحث من جديد عن نسخة من كتاب ( المنحرفون) الذي اصدره حليفهم في الانقلاب عبدالسلام عارف بعد 18 تشرين الثاني للتذكير. ولحد الان يتذكر العراقين كيف سلم حرسهم القومي سلاحه للحكومة وبالطريقة المخجلة ام ان ذاكرة جواد غير قادرة على استرجاء هذه المشاهد المخيفة والمخجلة. لم تكن ياحازم جواد، انت ومجرمي 8 شباط سوى قتلة ساديين. واتمنى أن تكون شهادتك هذه محفزا لمنظمات حقوق الانسان العراقية او غيرها المتواجدة داخل بريطانيا او خارجها للمطالبة بمحاكمتك باعتبارك مجرم متهم بانتهاك فض لحقوق الانسان وبالقتل الجماعي وغيرها من الجرائم المناقضة لحرية وكرامة الانسان العراقي.
8- ان قسم من سلوك الانقلابين تميز بالتسامح في بعض الحالات مثلا مكرمة قطار الموت، الونداوي واعفائه عن بعض المشاركين في حركة سريع فيا ذكره في كتاب علي كريم حول حسن سريع، وكذلك ما ذكر عن دفن وصفي طاهر بعد ان جلبت جثته الى دار الاذاعة والرواية التي ينقلها حازم جواد عن التعامل مع جثه وصفي والتي هي غير قابلة للتصديق، ليس انطلاقا من عقدة الشك وانما لانه لم ترد اشارة حتى ولو بشكل بسيط من أي من تواجد في تللك اللحظة في دار الاذاعة والاهم من ذلك لا يوجد أي دليل او اثر لشئ من اخلاق التسامح او اخلاق احترام الخصم الذي يدافع ببطولة عن مواقعه بل على العكس تميزت اخلاق الانقلابين بالحقد اللئيم على كل من دافع عن ثورة تموز او من دافع عن قاسم او من دافع عن شرفه العسكري وخاصة ان وصفي كان احد المدافعين وببطولة عن احد النقاط الاساسية الثلاثة في وزارة الدفاع التي شهدت دفاعا مستميتا عن كل شبر فيها وامتد القتال من غرفة الى اخرى دفاعا عنها على عكس ما يحاول حازم الايحاء بان الكل كانوا ضعفاء مترددين ويكن الرجوع الى شهادات عديدة منها كتاب بطاطو ج 3
ما يتذكره حازم جواد يضع القارئ امام ثلاثة احتمالات لا مفر منا وهي لا تحتاج الى الكثير من الذكاء لاكتشافها وهي اما ان يكون ماذكره حازم جواد قد وقع فعلا واخص بالذات تسليم واعدام قاسم ورفاقه وكذلك اللقاء واعدام الشهيد البطل سلام عادل اما البقية من بعض افلامه الهندية فيما يخص البعث فانا غير معني بها واما ان يكون النسيان قد اصاب ذاكرته فاختلط عليه الامر وأما ان يسعى الى تركيب جديد للاحداث وفقا لرغباته. وفيما يخص الاحتمال الثاني يظهر ان الزمن لم يمس ذاكرتة الرجل بشكل جاد خاصة ان موضوع كهذا شغل حيز كبير من الاهتمام واما الاحتمال الاول فانه من حسن حظ الشعب العراقي ومن حسن حظ تاريخه ومن جانب اخر ولسوء حظ حازم جواد فان هناك اخرين كانوا شهود على ما حدث واستطاع البعض ان يسجل شهادته وهنا يمكن الرجوع الى بعض المصادر التي شاركت حازم نفس التوجه او بعض المصادر التي هي محايدة والتي هي مناقضة في الكثير من التفاصل لما ذكره حازم جواد وهذا بالتالي يفتح الافاق امام الاحتمال الثالث وهي اعادة تركيب الاحداث وفقا لرغبة المتذكر ووفقا لما كان يتمنها ويحلم به.
من المصادر المهمة هو الندوة الاذاعية التي اجرتها الاذاعة الكويتية والتي ادلي الاذاعي العراقي ابراهيم الزبيدي بشهادته حول تفاصيل الاحداث في الاذاعة التي تواجد فيها بسبب حكم عمله وهذه واحدة من الشهادات الهاهة لانها من طرف محايد وبالمناسبة ان مقدم هذه الندوة د. نجم قد وجه الدعوة لحازم جواد لمشاركة ولكنة رفض ذلك، كتاب اوكار الهزيمة احد المساهمين الاساسين في انقلاب شباط والعضو القيادي السابق للبعث هاني الفكيكي وكذلك كتاب د. علي كريم عراق 8 شباط الذي مر ذكره اعلاه، البرنامج التلفزيوني بين زمنين (عبدالكريم قاسم) الذي عرضته قناة ابو ظبي وبالذات شهادة عبدالستار الدوري احد المساهيمن في الانقلاب ومدير الاذاعة في زمن الانقلاب وكذلك شهادة العسكري الذي قام باطلاق النار علي قاسم ورفاقه والذي ادعى انه كان الوقت قصير ولم يعد يتذكر اللحظات الاخيرة وردة الفعل في لحظات الاعدام، شهادة عبد الغني الراوي احد المساهمين في الانقلاب والذي قاد مجموعة الاعدام واعطي الامر باطلاق النار وهو الوحيد الذي بقى في الغرفة مع مجموعة الاعدام والذي لا يخفي لحد الان حقده المتأصل ضد عبدالكريم قاسم ورفاقه وضد الشيوعين، كتاب بطاط (العراق ج 3) وما نشر من مذكرات احمد طه العزوز في جريدة الزمان وهو احد اللذين ساهموا في محاولة قتل قاسم في 1959 في راس القرية والذي يشيد ببطولة قاسم. لنرى ماهو في هذه المصادر ولنضع كل المصادر الاخرى جانبا والتي ربما تتهم بالتعاطف مع قاسم او ثورة تموز والشيوعين.