فريحة محمد كريم: التغير التنظيمي: أبعاده واستراتيجياته
التغير التنظيمي: أبعاده واستراتيجياته
أ.فريحة محمد كريم
أستاذ مساعد بجامعة باجي مختار- عنابة- قسم علم الاجتماع
إشكالية الدراسة:
لقد أصبح التغير حقيقة لابد منها, فالعصر الحالي هو عصر التغيرات السياسية والاقتصادية والفكرية والتكنولوجية فالعالم اليوم هو عالم تتعدد فيه المؤثرات وتتنوع أشكال المنافسة وتنهار الفواصل الزمنية والمكانية بين الدول والأسواق. فالحدود المادية بين الدول لم تعد تؤثر على الأعمال كما كان الوضع في الماضي, حيث أن بقاء هذه الأعمال بات يتوقف على النظرة الشمولية للعالم ككل.
والتغيير كونه سمة من السمات الحضارية للعالم المتقدم فهو يمس الأفراد والمنظمات والمؤسسات دون استثناء.
لقد أصبحت كل مؤسسة وإدارة تواجه موقف جديد وأضحى القيادي أمام حالة مفروضة تغيرت فيها المفاهيم والأسس والقيم والأعراف السائدة, فوضع الجميع أمام مواقف لا تترك مجالا للاختيار إما السير معها ومجاراتها لمواكبة ما يحصل وربما تحقيق السبق فيه وأما مواجهته بقصد الصدام معه وتحمل نتائج ذلك الخيار فلا مجال للوقوف موقف المتفرج. كما أن العمل على اكتشاف التغيرات محاولة التعامل معها أصبح غير كاف بل يجب توقعها أو ربما المبادرة بإحداثها, فالمبادرة هي التي تحقق النتائج الجيدة وليس القدرة على رد الفعل.
إن إدارة اليوم يجب عليها إدارة المنظمة استراتيجيا فلم يعد في مقدورها أن يتخذ قراراتها في ضوء قواعد جامدة أو سياسات تاريخية أو مجرد استقراء بسيط للأحداث الجارية. بدلا من ذلك فانه يجب أن يتوفر لديها الرؤية لاستطلاع الأحداث المستقبلية عند التخطيط للأهداف التنظيمية ووضع سياسات وتصميم الاستراتيجيات المبنية على تحليل معمق للبيئة الداخلية والخارجية واستكشاف الفرص والمخاطر باعتبارها الأساس في عملية تكوينها. إن نتائج التغيرات البيئية تؤثر بشكل أو بآخر على التنظيم وبالتالي لابد من تأثيرها المباشر أو غير المباشر في السلوك التنظيمي بكل أبعاده، فالبيئة الخارجية تِأثر على المنظمة في سلوكها وأدائها في كونها تمثل المصدر الأساسي لمدخلات المنظمة، ومنها تستمد القيم والأهداف التي تسترشد منها،وهي التي تتلقى أو ترفض مخرجات المنظمة
تتألف ثقافة أي مؤسسة من أعراف سلوكية ، وهي الطريقة التي يتعرف بها الأفراد والمنتظر أن يتعرفوا بها ، وتعكس ثقافة المؤسسة نصيب القيم المشتركة السائدة فيها ويتطلب تغيير الثقافات عملا جبارا وصبرا طويلا فكيف يمكن غرس الممارسات الجديدة في ثقافة المؤسسة ؟
أسلوب دفاعي ويتمثّل في الغالب في محاولة سدّ الثغرات وتقليل الأضرار التي يسببها التغيير، إذ إن من الواضح أن كل تغيير أو تجديد أو تطوير يستلزم هدم غير النافع أولاً قبل البناء. والإدارة التقليدية حيث لا تؤمن بضرورة التغيير، أو لا تملك شجاعة الإقدام عليه أصلاً أو أسلوباً، فإن حكمتها تدفعها لسدّ الثغرات والنواقص التي تنجم عن العملية التغييرية، لأن ذلك في نظرها أفضل أسلوب يحفظ إلى حدٍّ ما كيان المؤسسة مع خسائر أقل؛ لذلك فإن هذا الأسلوب يتّسم بأنه دفاعي، ويتخذ شكل رد الفعل عن فعل التغيير، بينما قد تستدعي الحكمة في بعض الأحيان مواكبة التغيير بأسلوب مدروس والسعي للاستفادة من الفرص الجديدة التي يتيحها تبديل بعض المواقع أو الأفراد والعاملين أو تطوير أساليب العمل، لأن هذا أضمن لبقاء المؤسسة.
أسلوب الاحتواء وهو أسلوب هجومي في الغالب يقوم بالتنبؤ بما تتطلبه المرحلة من طموحات وآمال وما تملكه من قدرات، وتوجهها بالحكمة والحنكة نحو تحقيق الأهداف برويّة وموازنة، وهذا يتطلب من المدراء توقع التغيير بل والتنبؤ به ليمكّنهم من التعامل معه ثم تحقيق النتائج الأفضل.
وهذا الأسلوب يتطلب من الإدارة المبادرة لاتخاذ خطط وبرامج من جانبها لإحداث التغيير أو تنظيمه وضبطه ليصبّ في الصالح العام، هذا في البعد الإيجابي، أما في البعد السلبي فإنه يتطلب منها اتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع التغيير السلبي المتوقع أو تجنبه.
إن التحدي الأساسي الذي يواجه المسئولين عن إدارة الموارد البشرية في مختلف المؤسسات يتمثل في حقيقة حدوث تغيرات في الهيكل التنظيمي والتي يجب على الموظفين استيعابها ضمن وقت قصير , فكيف يمكن تحقيق ذلك ؟
وهكذا يتضح أنه من الضروري إيجاد التناغم بين التغييرات التنظيمية كنتيجة لعمليات إعادة الهندسة والصفات الواجب توافرها في العنصر البشري الذي تعتمد عليه المؤسسة في تنفيذ هذه التغيرات . لن تكسب المؤسسة أي شيء بتنفيذ عمليات التغييرإذا لم يتم دعم هذه العمليات بتكيف العنصر البشري مع المتطلبات الجديدة . ويجب مراجعة عدد وصفات العامل في الأجزاء المختلفة من المؤسسة مراجعة شاملة . ونظراً لعلاقة ذلك بعملية إعادة هندسة المؤسسة تسمى هذه العملية "إعادة هندسة الموارد البشرية" في المؤسسة.
كما أن التغير التنظيمي لا يقصر على تغيير الجوانب المادية فقط بل يتعدى إلى النسق الإجتماعي للمؤسسة ، فالتغيير يستلزم تنظيمها للجانب البشري لكي يتماشى معه و يعمل على نجاعته في الميدان و لذلك فإن كل تغيير يحدث في المؤسسة يصاحبه بالضرورة تغيير في جانبها البشري مما يؤثر على وضعية العمال بها . فقد تتعرض التنظيمات لبعض الهزات التي تفقدها توازنها ،حينئذ تقوم الدولة بإحداث بعض التغيرات محاولة منها لإعادة التوازن لها ، لكن كثيرا ما تجد هذه التغيرات صدى و مقاومة من طرف العمال إذ ما أحسوا أنها تهدد علاقاتهم و مناصب عملهم و تدفعهم لتبني أنماط سلوكية لا تخدم كلها المنظمة.
و الواقع أن التغير التنظيمي لا ينشأ من فراغ بل هو نتيجة المحاولة لتقدم نحو الحسن و النهوض بالمؤسسات لإنعاش الإقتصاد الوطني ،و إذا كان هذا الوضع هو حال معظم بلدان العالم الثالث فإنه ينطبق على تنظيمات العمل الصناعية في الجزائر ،حيث شهدت المؤسسات تحولات تنظيمية على المستوى الإقتصاد و السياسي و الإجتماعي.
يعتبر التغيير أحد أوجه حياة المنظمة ، وقد خلفت التغيرات السريعة التي حدثت نهاية القرن العشرين ، ضغوطا متزايدة على المؤسسات الاقتصادية الجزائرية, وتركت آثارها على كل جوانب الحياة في المؤسسة ، بدءا من قيم الأفراد ووصولا إلى التكنولوجيا المعتمدة فيها ، وأصبحت تهدد حالة الاستقرار مما انعكس على سلوك الأفراد داخل المؤسسات لتبقى إشكالية التغيير تطرح نفسها لمواكبة تغير الظروف البيئية ومحيط المؤسسة ولكن يبقى التساؤل المطروح حول المنهج الصحيح في التغيير الذي ينتج أقل نسبة من الإنعكاسات السلبية على العمال من هنا جاءت مداخلتنا هذه لتسلط بعض الضوء على التعريف بالتغيير كظاهرة رغبة منا في إثراء الجانب النظري، هذا من جهة, ومن جهة أخرى ما أفرزته هذه الظاهرة من استراتيجيات جديدة في تسيير الموارد البشرية.
مما سبق حددت الدراسة التساؤلات التالية:
بالنسبة للتساؤل الأول هو :
ما مدى تناغم مخطط التغيير التنظيمي و متطلبات الموارد البشرية داخل المؤسسة الجزائرية.
بخصوص التساؤل الثاني و هو:
ما مدى إدراك العامل الجزائري للتغير التنظيمي.
أما بالنسبة للتساؤل الثالث و هو:
ما مدى مساهمة التغير التنظيمي في تحسين وضعية العامل الجزائري.
مفهوم التغير التنظيمي :
يعرفه مصطفى عشوي على أنه "الانتقال من حالة إلى حالة أخرى مغايرة لها و عادة ما يفترض أن يكون التغير لما هو أحسن من الوضعية السابقة و هو خطوة من الخطوات التغير و يهدف إلى إنجاز المهام عن طريق إتباع إستراتيجية الانتقال من الجزئي إلى الكلي و الأهداف التي تأسست من أجلها المنظمة بمنهجية أحسن و فعالية أفضل لغرض إشباع الحاجات المادية و المعنوية للأفراد اللذين ينشطون داخل المؤسسة" ([1])
أما عند أحمد زايد" فإن التغير الحادث في التنظيم يهدف إلى تعديل سياسات الإدارة أي عنصر من عناصر العمل التنظيمي و بالتالي فهو يحدث تغيير الأفراد العاملين إما باستبدالهم بآخرين أكثر أو برفع و تنمية مهاراتهم من خلال نظم التدريب و تطبيق قواعد المكافآت و الجزاءات التنظيمية أو تغيير في النظم و الإجراءات و تطوير النظم بهدف تخفيض الوقت و الجهد و الموارد المستخدمة لأداء الأعمال التنظيمية و صولا إلى كفاءة عالية أيضا يشمل للهيكل التنظيمي و هذا بهدف توزيع الاختصاصات و تجميع الوظائف مع إعادة تصميم خطوط الاتصالات و قنوات تدفق السلطة وقد تشمل إعادة هيكلة التنظيم و زيادة وحدات تنظيمية جديدة" ([2] )
أما الأستاذ عبد الرزاق جلبي بأنه "اختلاف حجم التنظيم مثلا من وقت لآخر و تباين بنائه عبر الزمن واستبدال أهدافه ووظائفه مع الوقت" ([3])
و ينظر هذا التعريف إلى التغير التنظيمي من زوايا الآتية:
· تغير الهيكل التنظيمي وفقا لتغيير حجم التنظيم من جهة أو لتحقيق الفعالية من جهة أخرى.
· اختلاف حجم التنظيم بمعنى زيادة أو نقصان عدد المشاركين و ذلك بفتح أو غلق ورشات أو أقسام إنتاجية تغير الأهداف أي استبدال التنظيم لأهدافه بأخرى و التزامه بمسؤوليات مغايرة تجاه بيئته.
· تغير الوظائف و ينجز ذلك من إدخال آلات و تقنيات جديدة للعمل مما يستوجب إعادة تقسيم العمل كما يرى جرينس و بارنس أن " أي تغيير تنظيمي مهما كان نوعه سواء عن طريق تصميم هيكلة جديدة أو عن طريق برامج تكوينية هي في القاعدة محاولة دفع العمال لتبني أنماط سلوكية جديدة و خلقية و قواعد تنظيم العلاقة بين بعضهم البعض" (([4]
إضافة إلى ما سبق فإنه يعتبر تغييرا تنظيميا تعديل سلوك الأفراد عن طريق برامج تكوينية و ذلك لزرع الضمير المهني الانضباط، الفعالية، لكن لا يمكن تحقيق هذا في الواقع إذ أنه من الصعب التحكم في سلوك أفراد لهم أفكار و تجارب و قناعات مختلفة فسلوك الفرد يمكن تعديله عن طريق فرص رقابة صارمة.
أما التعريف الإجرائي من خلال التعاريف السابقة يمكن القول بأن التغيير التنظيمي هو ظاهرة مصاحبة للتحول الاقتصادي الذي أجبر المؤسسات الوطنية بصفة عامة و الاقتصادية منها بصفة خاصة على البحث عن مواطن الضعف في تنظيمها من اجل إعادة التوازن لها من جهة و تحقيق المزيد من الفعالية و الكفاية في النظام الجديد، و يظهر ذلك في أبعاد ثلاثة تتعلق بالقدرة على إنجاز الأهداف العامة و هي:
1. تجديد الهيكل التنظيمي و ذلك بإعادة تصميمه بشكل يضمن المؤسسة تحقيق أهدافها بطريقة أحسن التغير في الأنساق التنظيمية للمؤسسة، كنسق المشاركة العمالية، الاتصال التكوين الترقية........إلخ
2. التغير في الدور الذي تمارسه نقابة العمال إضافة إلى التغير في العلاقات الاجتماعية الذي ينجم عن التغيير التنظيمي ظهور اتجاهين متضاربين لدى العمال اتجاه يدفع إلى التغير و هو المستفيد من عملية التغيير التنظيمي وإتجاه يرفض و يقاوم التغيير و هو المستفيد من الأوضاع الراهنة .
نظريات التغير التنظيمي:
1/ النظرية الكلاسيكية(التقليدية):
يرجع أصول هذه المدرسة إلى مبادئ التسيير العلمي التي صاغها تايلور"1856-1915"
إضافة إلى مساهمات بعض العلماء الآخرين في هذه المدرسة أمثال فايول"1841-1925"
بهدف إيجاد معايير علمية تعوض النظرة السابقة المرتكزة على المحاولة و الخطأ، خاصة و أن قضية رفع الإنتاج أصبحت من الاهتمامات الأساسية لرجال الأعمال المسيرين و ذلك بإيجاد العلاقة بين الإنتاجية و المؤسسة، و اعتبارها أحد عوامل نمو المؤسسة و نجاحها لذلك اتجه تايلور إلى دراسة العامل الصناعي لتتوسع بعد ذلك الدراسة إلى دراسة بناء التنظيم ككل بفضل فايول.
كان تايلور مهندس أمريكي(صناعي) من ضمن من قدموا مساهمات عظيمة في سبيل تطور الإدارة حيث قام بدراسة ميدانية لمشاكل الصناعة و الجهد الإنساني في شركة الحديد و الصلب التي كان يعمل بها، و قد ضم أهم آرائه للإدارة في كتابه الذي نشره سنة1911 "مبادئ الإدارة العلمية".
أوضح تايلور في كتابه هذا بأن أسلوب التسيير والإدارة المتبع في المصانع الأمريكية و القيام على مبدأ أساسي و هو أن المكافأة المالية تكون حسب المبادرة الشخصية لم يحقق الفعالية اللازمة في رفع الإنتاج،كما اعتقد بأن الطرق التي يتبعها العمال في أداء المهام طرق عقيمة في معظمها تؤدي إلى تبذير في الطاقة و المال، لهذا يجب تدريب و اختيار العمال لأداء مهامهم على أفضل الطرق و المدروسة عملياً. و لهذا فإن تسيير الإدارة والعمال حسب اعتقاد تايلور يجب أن يكون وفق مبادئ علمية يلخصها فيما يلي: (5)
- تقسيم العمل على أساس التخصص.
- اختيار و تدريب العمال لأداء مهامهم في المصنع على أسس علمية،و ذلك بدلا من الطريقة السابقة المتمثلة في ترك العامل يختار العمل الذي يراه مناسبا و كذلك ترك العامل يدرب نفسه حسب ما يراه.
- وضع نظام صارم للمراقبة و إجراءات توزيع المهام.
- المكافأة اليومية المالية للعمال كحافز مادي لتحقيق امتثالهم للأوامر و الإجراءات المفصلة و المتعلقة بأداء عمل ما.
- إيجاد تسلسل رتبي بحيث يكون لكل عامل رئيس واحد.
و لقد تبنى الكثيرون من المهتمين بشؤون الإدارة في الولايات المتحدة الأمريكية آراء تايلور و طورها.
أما بالنسبة إلى فايول فتبرز مساهمة في كتابة الذي ألفه تحت عنوان "الإدارة العمومية و الصناعية" و الذي كتب فيه بشكل متكامل عن النظرية في الإدارة،و بالرغم من أنه كان يعالج نفس الموضوع مع تايلور حيث يركزان على الدور الذي تلعبه الإدارة إلا أن اختلافهما من زاوية الدراسة كان و كما عرضنا سابقا بالنسبة إلى تايلور فهو ركز على دراسة الإدارة في المستويات الدنيا للتنظيم (تحليل الوظائف، دراسة الحركة و الزمن)، في حين نجد أن فايول أولى عناية بالعملية التسييرية ذاتها أو ما يسمى بالتسيير على مستوى الإدارة العليا، لأنه اعتبر" الوظيفة الإدارية تنشأ مع أعضاء تنظيم و الجماعات الإنسانية فيه، و أن نظام العمل السليم بين الجماعات التنظيمية ينهض على بعض الاشتراطات المتميزة التي يطلق عليها مبادئ ". (6)
بدلا من القوانين لأن الأمر لا يتعلق بتنظيم ورشة و إنما الإدارة في معناها العام، حيث أبرز عنصر التسيير كنشاط مميز للمؤسسة الصناعية ضمنه الوظائف التسييرية الأساسية(التخطيط، التنظيم، الأمر، التنسيق، الرقابة) بحيث أن الأعمال أو الأنشطة التي تقوم بها أي مؤسسة يمكن تقسيمها إلى وظائف وظيفة فنية،وظيفة تجارية،وظيفة مالية،وظيفة أمنية، وظيفة المحاسبة،وظيفة إدارية(التسيير).
و نظرا لأن فايول يعتقد بأن النشاطات الإدارية هي أهم ما تقوم به المنظمة فقد خصص بحوثه في تحليل هذه النشاطات.
اعتقد فايول أن التسيير الجيد يرتكز على أربعة عشر مبدأ، استخدمها في حياته العلمية و هي ذات صفة عامة يمكن تطبيقها على كافة النشاطات،لكن لم يطالب بالتطبيق الأعمى لهذه المبادئ و إنما اعتبر التطبيق السليم يعتمد على الخبرة و القدرة على الاستيعاب.
و أهم هذه المبادئ: تقسيم العمل، السلطة و المسؤولية، الإنظباط، وحدة الأمر، وحدة التوجيه، خضوع المصلحة الفردية للمصلحة المشتركة، المركزية، تعويض الأفراد...
حاول فايول توسيع نطاق الدراسة لتشمل بناء التنظيم ككل، كما أنه لا يوجد عدد محدد من المبادئ يمكن أن ترفع من أداء الأفراد و إلا يمكننا اعتبار كل الإجراءات التي تحسن من عمل الأفراد أن نطلق عليها مبادئ.
كما أن فايول ركز على التنظيم الرسمي وأهمل المجموعات الغير رسمية و ذلك من خلال حذف المشاكل الإنسانية المعقدة للوظائف بطرق معيارية فهو سلوك آلي و ممل.
عدة دراسات قد تعرضت للجوانب السلبية التي ترتبت عن تطبيق هذه المدرسة و خاصة التوجه التايلوري في ميدان السلوك التنظيمي، و من أهم الاعتقادات ما يلي:
إن هذه المدرسة اعتبرت الإنسان آلة منتجة، كما استغل هذا النوع من التنظيم في رفع أرباح أرباب الأعمال على حساب العمال.
إن التقسيم الدقيق للعمل قد أدى إلى نتائج سلبية على مستوى السلوك التنظيمي و ذلك نتيجة اضطرار العمال و خاصة في وحدات الإنتاج وفق العمل المتسلسل إلى تكرار حركات معينة محدودة كل يوم طوال السنة،و هذه الحركات الروتينية أدت بالعمال إلى الإحساس بالملل و بتفاهة الأعمال التي يقومون بها، و بالتالي الإحساس بتفاهة مستواهم الاجتماعي.
و قد أثر هذا الإحساس على آداء العمل مما أدى إلى حدوث مشاكل سلوكية عديدة،مما أدخل بكمية و نوعية الإنتاج و قد بينت عدة دراسات في الولايات المتحدة الأمريكية ارتفاع نسبة التغيب، تسرب العمال، الاستقلالية و التذمر في أوساط العمل.
أهملت هذه المدرسة التفاعل الذي يحدث بين التنظيم الصناعي و محيطه الخارجي.
لم يراعي التوجه التايلوري العلاقات اللارسمية كالاتصال و التنظيم اللارسمي بين العمال أنفسهم من جهة و بين الإدارة و العمال من جهة أخرى، و بالعكس فقد اهتمت هذه المدرسة بالتنظيم الهرمي للسلطة و بالاتصال العمودي الرسمي كوسيلة لتنفيذ القرارات و تطبيق الإجراءات المتعلقة بالعمل.( 7)
إن هذه المدرسة قد فقدت فعاليتها في التسيير مما أدى إلى ظهور عدة نظريات أخرى محاولة تدارك سلبيات هذه المدرسة القائمة على الروح الفردية و تعويضها بمبادئ لا تهمل الجوانب النفسية الاجتماعية كسلاح جديد لتحقيق مكاسب أكبر، هذه المدرسة التي نتعرض لها فيما يلي.
2/ مدرسة العلاقات الإنسانية:
لقد عانت المؤسسات الصناعية الميسرة وفق المبادئ التايلورية في الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها من عدة مشاكل تنظيمية و سلوكية كالعجز عن رفع الإنتاج و تحسينه وعدم ضمان ولاء العمال و غير ذلك من المشاكل كالإضرابات و الغيابات.( 8
إن المشكلة الحقيقية في التنظيم أنها ليست تنظيما ماديا معقدا فحسب و لكنها تتضمن تنظيما إنسانيا بالضرورة، طالما أنها تعتمد على الطاقة الإنسانية في أداء وظيفتها، و لهذا فإن مدرسة العلاقات الإنسانية قد جاءت ببعض المبادئ النظرية و التقنيات للتغلب على المشاكل التي واجهت المؤسسات الرأسمالية و المسيرة وفق المبادئ التايلورية، و لقد اتضحت معالم هذه الحركة مع نتائج دراسات التي استغرقت خمس سنوات(1927-1932) و تشكل أساس نظرية العلاقات الإنسانية في دراسة السلوك التنظيمي، و اقترنت باسم إلتون مايو(1880-1949) حيث بينت هذه الدراسات بأن الأجر ليس هو المحفز الوحيد في العمل و إنما هناك عوامل أخرى نفسية و اجتماعية، وهكذا فإن الاهتمام قد تحول من تمجيد إلى التركيز على الناحية الاجتماعية.
لقد برز هذا التحول في المبادئ الرئيسية التي دعت إليها مدرسة العلاقات الإنسانية، كما أنها لأول مرة تولي اهتمام بالغ لمواقف العمال و اتجاهاتهم، و الجماعات الغير رسمية و كذلك العلاقات الاجتماعية داخل التنظيم.
من أهم إسهامات مدرسة العلاقات الإنسانية هي اكتشاف التنظيم الغير رسمي، الذي لا يظهر على الهيكل التنظيمي للمؤسسة فالسلطة الغير رسمية تعد شخصية، في حين تكون السلطة الرسمية مؤسساتية، و طالب أصحاب هذه الاتجاه بخلق مناخ مناسب لإقامة روابط متينة بين الأفراد و علاقات جيدة بين الرؤساء و المرؤوسين و فتح المجال لإبداء الرأي في مختلف المواضيع المتعلقة بالمؤسسة و قد استنتجت مدرسة العلاقات الإنسانية من الدراسات التجريبية بعض المبادئ وهي كالتالي:
أن الحاجات الاجتماعية للعمال أهم من حاجاتهم الاقتصادية، حيث لا يستجيب العامل للدافع المادي فحسب و إنما هناك دوافع ذات بعد بسيكوسوسيولوجي.
يستجيب الفرد للمواقف المختلفة من خلال التنظيم الاجتماعي الغير رسمي.
ليس من الضروري أن يصاحب التخصص الوظيفي كفاءة في الأداء التنظيمي لوجود إمكانية المساعدة المتبادلة بين العمال في موقف العمل.( 9)
و على هذا الأساس يتطلب تغييرا في طبيعة العلاقات السائدة بين الأفراد، ولأن العلاقات تتحكم إلى حد بعيد في سلوك الأفراد نظرا لتشكل الجماعة بطريقة غير رسمية من خلال تفاعل أفرادها في موقف العمل،فقد أوضح بعض العلماء أمثال كورت لوين و فريديريك هرزبرغ بأن المسير الذي يكون خبير في العلاقات الإنسانية.
ويكون قادر على خلق مناخ مناسب و يرفع الإنتاجية و كذا يسير النزاعات التي يمكن أن تحدث و في نفس الوقت يدعم العلاقات بين أفراد الجماعة لتحقيق التعاون من أجل إنجاز الأهداف، و باستطاعته أن يكون على دراية بمختلف المحفزات التي تحفز العمال.
لقد ركزت هذه المدرسة على الخصائص الاجتماعية و السيكولوجية للأفراد وجماعات العمل، فإن الفعالية في التنظيم مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحاجات الاجتماعية و الفردية للعمال بدلا من ارتباطها بمدى انضمامهم إلى الهيكلة الرسمية بحيث ركزت هذه المدرسة على التنظيم الغير رسمي مهملة في نفس الوقت التنظيم الرسمي، كما أنها تنظر إلى التنظيم كنسق مغلق لا يتفاعل إلا بصورة ضعيفة مع المحيط، و ينظر هنا إلى التنظيم على أنه نظام اجتماعي له وظيفتين اجتماعيتين الأولى وظيفة إنتاجية الثانية وظيفة الحفظ أي إشباع الرغبات لجماعات و أفراد التنظيم، وبهذا سلكت منحنى سلوكيا متحيزا، فقد بينت دراسات كارتر(1950) بأن الروح المعنوية الجيدة لا تؤدي بالضرورة إلى تحقيق إنتاجية مرتفعة ذلك أن مردو دية الأفراد تكون عالية رغم عدم الرضا (10) و هو ما وضع حد أمام تألق حركة العلاقات الإنسانية خاصة مع تغير الظروف الاقتصادية و الاجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية نجد التعقد التكنولوجي من جهة و الحاجة الماسة إلى مهارات عديدة لتحقيق التحكم التكنولوجي من جهة و فعالية التسيير و الإدارة من جهة أخرى. بهذا اتجهت الدراسات مرة ثانية إلى التركيز على العوامل التكنولوجية و التنظيمية حيث أدت إلى بروز التيار التكنولوجي التقني.
3/ التيار التكنولوجي:
بالمعنى الدقيق لا يوجد فعلا و حقيقة مدرسة تكنولوجية كما هي في أدب نظريات التنظيم و إنما يمكن استنباط ملامح هذا التصور من خلال الممارسات اليومية والعلمية في التنظيم، حيث تؤخذ بعين الاعتبار التكنولوجيات في طريقة هيكلة و تنظيم المؤسسات.
و يرى هانت أن مصطلح التكنولوجيا واسع جدا، و علمي قليلا كمفهوم، لذا اقترح استبداله بالنسق التقني و الذي يشير إلى مجموعة الأدوات الجماعية المستعملة في الإنتاج و التي تسمح من خلال دراسة مرونتها الاختيار الممكن للأعضاء و تعقدها بصفتها نسق و تكنولوجيا بالفهم الجيد لهيكلة المؤسسة.( 11)
إن هذه التحولات التكنولوجية بما فيها من نظم جديدة: أجهزة الحسابات الإلكترونية، نظم المراقبة، نظم التحكم عن بعد...كانت بمثابة ثورة في وسائل الاتصال كون عصرنا هو عصر الاتصالات. من بين خصائص هذا التيار الفكري هو التحصيل على أكبر إنتاجية و ذلك من خلال البحث عن الوسائل التي تسمح بالحصول على أكبر كميات من الإنتاج مقابل أصغر كميات من العمل، و قد كان لهذا التيار أثر كبير و واضح في زيادة الكفاءة الإنتاجية، و كذا ازدياد درجة التخصص في ميدان العمل.
أما من ناحية التسيير فإنه حاول تقديم علاج لمشاكل الأداء و المراقبة عن طريق التحكم التقني الدقيق في تصميم البرامج و كذا إثراء الوظائف عن طريق التطوير التنظيمي و هذا اعتمادا على المبادئ الضمنية التالية:
- الاستغلال الأمثل للموارد.
- العقلانية التسييرية.
- الاعتماد على التقنيات المتطورة.(12
و كذا تمكن فعالية التسيير في إيجاد نظام لتبادل المعلومات بين مختلف المستويات الهرمية لتحقيق التكامل و التوازن. إلا أن كون التكنولوجيا هي نتاج الحصيلة العلمية التي هي ممولة و مصانة من طرف الحاجزين على الوسائل المادية للإنتاج لا يمكن أن تكون إلا لخدمة مصالح الذين يستعملونها، ولهذا أصبح المسيرون يبحثون عن أحداث التكنولوجيات و ذلك على حساب هيكلة التنظيم و كذا الأخذ بعين الاعتبار التكاليف الباهضة للتحصل على هذه التكنولوجيات التي لا تضمن المردودية العالية كون فعاليتها متوقفة على مدى كفاءة الذين يستخدمونها.
كما أن هذا التيار طرح العديد من المشاكل منها: فصل العمل اليدوي و العمل العقلي من معارف، ذكاء...الذي جعل من العامل مقعدا ومجزأ، وكذا القضاء على الكثير من العادات في العمل كالتفكير و الاتصال و بالتالي خلق لدى الفرد نوع من الإحساس بالرقابة القاهرة.
و لهذا كان الاعتقاد الكلي على هذا النوع من التصور الفكري " التيار التكنولوجي" شيئا سلبي و ذلك للأسباب التي سبق ذكرها و لذا اتجهت الدراسات للبحث عن إيجاد سبل للتوفيق و التكامل و الانسجام بين الفرد كركيزة أساسية في التنظيم و التقنية كعامل هام و أساسي لزيادة المردودية و الفعالية الإنتاجية و ذلك لمواجهة التطورات والتغيرات السريعة التي يعرفها المحيط و محاولة التكيف مع هذه الظروف لخلق مناخ داخلي يتميز بالاستقرار، و لهذا و من أجل ذلك ظهر الاتصال كأداة فعالة لمواجهة مثل هذه التحديات و لذا فإن الدراسات التي تناولت موضوع الاتصال في التنظيمات من حيث العلاقة بين نظام الاتصال و الكفاءة التنظيمية و الأداء أدت إلى إبراز الاتصال كأداة للتسيير يظهر دور الفرد في التنظيم، و يحقق التفاعل و التلاحم بين وحدات التنظيم بجميع مستوياته الهرمية و ذلك بإشراك الأعضاء في وضع الأهداف في الميدان.
4/ التوجه الإستراتيجي المعاصر:
إن المجتمعات الصناعية تختلف الآن اختلافا جوهريا عن ملامحها منذ عدة سنوات، فقد مرت هذه المجتمعات بثورتين أساسيتين، و تعيش الآن أكثر الثورات نضوجا في ميدان الأعمال هي ثورة المعلومات.
حيث مرت بالثورة الصناعية التي استلزمت توافر"الإدارة الصناعية" مهمتها الأساسية هي زيادة الإنتاجية لمواجهة فائض الطلب على السلع و الخدمات، ثم جاءت بعد ذلك ثورة المستهلكين التي تطلبت توافر "إدارة تسويقية" تسعى إلى محاولة اكتشاف حاجات المستهلك تمهيدا لإنتاج أو تقديم السلعة أو الخدمة التي تشبع هذه الحاجات فضلا عن معرفة مدى رضا المستهلك عن ما يقدم له من سلع أو خدمات.
و لذلك فإن التوجه المعاصر انتقد الاتجاهات السابقة لأنها لم تقدم معالجات كافية حيث ركزت على ما ينبغي تحقيقه من أهداف غير أن السلوك التنظيمي يركز أساسا على الطريقة التي ينبغي أن يفكر بها الإنسان عن نفيه و عن الآخرين، و لقد برز هذا التوجه المعاصر حاليا من خلال كتابات الدراسات التي حاولت فهم النموذج الياباني في الإدارة و التسيير باعتباره أكبر القوى الاقتصادية التنافسية، حيث تبين أن التسيير له علاقة وثيقة بالقيم الثقافية للمؤسسة و هو ما أعطى لأسلوب التسيير فعالية أكبر.( 13)
و بهذا تميز التوجه المعاصر على التيارات الأخرى بحيث دعا إلى ضرورة الاهتمام بالإنسان، و ضرورة أن تتمحور سياسات التسيير حول هذا الإنسان الذي هو المصدر الإستراتيجي لإنتاج الثورة، إذا يجب العمل على إدماجه و تحفيزه لتمكينه من تحقيق ذاته أو تمكين المؤسسة من الاستفادة من طاقاته و قدراته الإبداعية في إطار صيغ تنظيمية جديدة لأن التقدم التقني أو التكنولوجي أصبح لا يعني بالضرورة تقدم الإنسان، الذي أصبح يعاني من مشاكل و قضايا أنتجها التطور التكنولوجي، بالإضافة إلى متغيرات أخرى على مستوى المؤسسة، أين أصبحت المؤسسات معرضة للعديد من التحديات منها التغير المستمر في الأفكار و التكنولوجيا، و الأذواق،و المنتجات و الخدمات، ظهور تحولات سريعة في الطلب الاجتماعي و احتياجات الزبائن و غيرها، و التي أصبحت من أكبر التحديات التي تواجه المنظمات و بذلك ازدادت الفرص و الأخطار بصورة متجددة طرحت عدة قضايا منها:
- ضرورة التكيف مع المتغيرات الدقيقة.
- وضع إستراتيجيات محددة مرنة على المدى الطويل.
- ثقل الاستثمارات، و أهمية القرارات المتخذة في هذا المجال.
إذن فمواجهة التغيير و مواكبة التقدم،و التكيف مع البيئة تمثل الشروط الضرورية لتحقيق أهداف التسيير الإستراتيجي، و إذا كان البعض يرى أن معظم التهديدات التي تواجه المنظمة عادة ما تأتي أو يكون مصدرها البيئة، فإن التهديدات الداخلية كهروب العمال ، المديرون أو عدم رضا العاملين و غيرهم...لا تقل في تأثيرها على المنظمة عن نظيرتها الخارجية.
و من ثم فإن الإستراتيجية هي الطريق الذي يحدده التوجهات الخاصة بالأنشطة و مواجهة المشاكل و التعامل مع التغيرات الداخلية و الخارجية، و كذلك حالات عدم التأكد، و بذلك فإن التنظيمات بجميع أحجامها و على مختلف أنشطتها تثبت فكرة تطبيق نظام الإدارة بالإستراتيجيات، أو بمعنى آخر "الإدارة الإستراتيجية" فهي تشير إلى تصور المنظمة لمركزها في إطار المستقبل...أي أنها توضح طبيعة و اتجاه المنظمة و أهدافها الأساسية فهي إطار يرشد إلى اختيارات بعيدة المدى، بحيث تصف كذلك طرق تحقيق المنظمة لأهدافها مع الأخذ بعين الاعتبار التهديدات و الفرص بالبيئة و الموارد والإمكانيات الحالية لهذه المنظمة.
إن الاتجاه نحو الإدارة الإستراتيجية يقوم على عدد من الأسس من بينها ما يلي:
- دراسة و فهم بيئة العمل العامة الداخلية والخارجية للتنظيم التي تتصف بالتغيير الدائم.
- إدارة التغيير، و إدارة البيئة كخلق و اكتشاف الفرص الحالية و المستقبلية و استغلالها و تجنب التهديدات و الأخطار، و إدارة التنظيم في وقت واحد.
- تنمية المركز التنافسي للمنظمة.
- بعد النظر"نظرة مستقبلية" لدى التنظيم لخارجه.
- إدارة متكاملة و منه التنسيق بين وحدات التنظيم.
- الابتكار و الأداء الإستراتيجي يؤدي على تلبية حاجات و رغبات الموارد البشرية.
- وجود رقابة إستراتيجية تعتمد أساسا على نظام جيد للمعلومات.
- إيجاد العلاقة و تنميتها بين التنظيم و المحيط الذي تعمل فيه أساس و محور اهتمام القرارات الإستراتيجية.
كثيرة هي الفوائد التي يمكن تحقيقها من خلال الإدارة الإستراتيجية و من هذه الفوائد كما أشارت إليه نتائج العديد من الدراسات الميدانية ما يلي:
- التوحيد بين جميع الجهود و الإدارات لتحقيق أهداف و غايات واحدة.
- توفير فرص مشاركة جميع المستويات الإدارية في عملية اتخاذ القرارات و منه تقليل المقاومة الممكن حدوثها عند القيام بتنفيذ القرارات أي برنامج للتغيير.
- جعل المديرين بصفة دائمة أكثر استجابة و وعيا بظروف المحيط و تغيراته.
- دقة التنبؤ بنتائج التصرفات الإستراتيجية و كذا تساعد على تحديد و تقدير الفرص المستقبلية و المشاكل المتوقعة.
- تنمية عادات التفكير في المستقبل وهي من أبرز نتائج الإدارة الإستراتيجية.
- توضيح الأهداف والتوجه اللازم لمستقبل المنظمة ككل.(14
إن نجاح الإدارة الإستراتيجية يتوقف على تجنيد الموارد البشرية و وضع إستراتيجيات لتسييرها لضمان انسجام و تناسق الفاعلين على مستوى المؤسسة.
إن مواقف العامل تجاه العمل قد تغير، فلقد أصبح يطالب بحقه في موضوع العمل و المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمؤسسة و القيام بعمل مهم مفيد من الناحية المادية و السيكولوجية وللتمكن من تلبية هذه المطالب كان من اللازم إيجاد صيغ تنظيمية جديدة لطرق عمل يسمح بانفتاح الأفراد على كل وحدات التنظيم و السلطة و ذلك لا يكون إلا من خلال التسيير بالمشاركة.
1/ دراسات إهتمت بالتغير التنظيمي في البلدان الغربية:
1/1 دراسة كوتش و فرانس (1948): و التي وضعت تجارب للتغلب على مقاومة التغيير، مقترحين بذلك أسلوب اللقاءات الجماعية كطريقة يتم فيها الاتصال بين العمال و الإداريين و كذلك المشاركة في تخطيط التغيير.( 15)
و ما يؤخذ على هذه الدراسة أنها اهتمت بإيجاد حلول المقاومة للتغيير، حيث أنها لم تهتم كيف يتم هذا التغير و ما هي نتائجه و انعكاساته على التنظيم بصفة عامة و العمال بصفة خاصة، و لم تتعامل معه كضرورة تنظيمية و تعديل أسلوب التنظيم بما يتماشى و متطلبات هذا التغيير.
1/2 دراسة حالة إضراب العمل على مستوى البناء القانوني: و قد أجريت هذه الدراسة لمصنعين إيطاليين، وجهت لتحليل الآثار المترتبة عن تطبيق قانون العمل، و فحص آثار هذا الميثاق "ميثاق العمل الإيطالي 1970" و الذي يهدف إلى إدخال تغيرات واسعة النطاق على أماكن العمل داخل المصنع في محافظة "ميلانو" و قد تم جمع البيانات عن طريق استمارات مفتوحة، و استعملت الملاحظة لمدة 9 أشهر و فحص سجلات الشركة و توصلت النتائج التالية:
إن القوانين التي وضعت لمواجهة الصراعات الاجتماعية لم تتمكن من القضاء عليها نهائيا، و لكن تستطيع التخفيف من حدتها.( 16)
و لقد حاولت الدراسة أن تفسر أن هذا القانون لم يستطيع أن يستجيب للمتغيرات الجديدة التي تحدث في محيط العمل.
1/3 دراسة كاتز و كاهن (1966- 1976): و هي مماثلة للدراسة السابقة، أكدت على وجود منهجية للتغيير التنظيمي و التي تتطلب مراعاة ثلاث مسائل:
حالة المنظمة في الحاضر و تحديد الحوافز التي يمكن أن تكون منطلقا للتغيير، و أن هناك عدة أساليب لتحقيق هذا التغيير منها:
- إلقاء محاضرات
- وضع برامج تدريبية
- القيام باستطلاع الآراء
كما يرى الباحثين أن عملية التغيير تهدف إلى التأكد من مدى فعالية التغير التنظيمي و هذا الأخير يشمل عدة عناصر هي:
- تغيير هرم السلطة
- تغيير نظام تقسيم العمل
- تغيير نظام توزيع الأرباح
و توصلا على وجود 6 مصادر لمقاومة التغييرات التنظيمية هي:
- أن الأنساق تتضمن آليات تحقق لها الثبات و الأفراد يتبعون نمطا معينا، و لذا فإن مطالب العمال بالتغيير تتصادم مع النفوذ الذي اكتسبوه.
- يؤدي التغيير في نماذج التنظيم إلى تهديد علاقات السلطة
- إن التغير يهدد خبرة الجماعات المتخصصة في مهارات معينة
- قيام جماعات مستفيدة من الوضع بالمقاومة، إذا كان هناك مساس بمصالحها.( 17)
و بالرغم من وضوح الهدف إلا أنها لم توضح الإجراءات المنهجية المستخدمة، و أنها ركزت على أسباب المقاومة وعدم تركزها على ما يترتب على هذه المقاومة.
1/4 دراسة آل درفر (1976): الذي يرى بأن جوانب التغير التنظيمي تكون موجهة لتغيير العلاقات بين الأفراد و التي تكون مركزة على الفرد و الجماعة، و تأكد بأن مختلف التقنيات التي استعملت لتغيير الأنساق البشرية، فقد ركزت على الحاجات الأولية عند الأفراد و هي:
- حاجات الوجود (أكل وشرب)
- حاجات التقارب (العلاقات)
- حاجات النمو(رغبة الشخص في الحصول على الإثارة)
و بالتالي فإنه يمكن حدوث التغيير بواسطة إثارة مختلف مستويات الحاجة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.( 18)
و لقد كانت الدراسة بمثابة محاولة لوصف العوامل التي يمكن أن تحدث بسببها التغير التنظيمي إلا أنها لم تحدد الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء هذا التغير.
و خلاصة القول إن هذه الجهود تعتبر بمثابة نقطة تحول نحو الزيادة في الاهتمام بهذا الموضوع، و قد تباينت هذه الجهود من حيث الطرح لهذه القضايا المرتبطة بجوهر عملية التغير و كذا النتائج المترتبة عليها.
2/ دراسات اهتمت بالتغير التنظيمي في البلدان العربية: من بين الدراسات التي تناولته:
2/1 دراسة محمد علي محمد: و التي ركزت أساسا على تحليل مظاهر التغير التنظيمي في المصنع، و هذا من خلال مقارنة تنظيمين صناعيين أحدها قديم والآخر حديث.
استندت الدراسة على المنهج المقارن بغرض التعرف على خصائص كل تنظيم، وتم جمع البيانات عن طريق الملاحظة و المقابلة و فحص بعض السجلات، كما اهتمت بتقديم صورة واقعية لهذه التغيرات مستعينة بإجراءين، يتمثل الأول في الكشف عن مدى إدراك جماعات العمل للتغيير التنظيمي أما الثاني فيسعى إلى قياس فعالية هذه التغيرات من خلال التعرف على وجهة نظر أعضاء التنظيم و كانت النتائج كما يلي:
- القيود التي فرضت على التنظيم من الخارج قد دفعته إلى المزيد من الكفاية في الأداء
- الاتجاه نحو البيروقراطية قد ارتبط بالرشد في تناول أمور التنظيم و لزيادة القرارات التي تصدر عن مستويات متدرجة في التسلسل التنظيمي
- أدى الارتباط في التخصصات الصناعية بالمؤسسات العامة إلى تزايد المركزية إلى حدها .
- ضعف اهتمام الإدارة بمشكلات التوازن الداخلي و أهمها شبكة الاتصالات بينها و بين المستويات الأدنى في التسلسل التنظيمي
- عدم العناية بالشكل المطلوب بتلك الأنشطة الثقافية و الاجتماعية التي يمكن أن تسهم في تحقيق الأهداف، بالإضافة إلى عدم تغير الدور الذي يؤديه التنظيم النقابي مما يشير إلى أن الوظائف الجديدة التي كان على النقابات القيام بها، لم تمارس بالفعالية المطلوبة بعد التغيير. (19
2/2 دراسة التغير في بناء القوة في التنظيمات الصناعية المصرية(1956- 1980): حاولت هذه الدراسة أن تبين أهم عوامل التغير في بناء القوة و طبيعة هذه التغيرات و أثرها على التنظيم الصناعي عامة و هذا من خلال دراسة ميدانية للتنظيم الصناعي لشركة مصر للغزل و النسيج في "المحلة"، و كان الهدف هو تقديم رؤية تحليلية تاريخية و مقارنة تكشف عن أهم الفترات التي مر بها التنظيم الصناعي، مع الرجوع إلى الوراء و التعرف على التجارب التصنيعية السابقة و قسمت البحث إلى ثلاث فترات، الفترة الأولى من (1956- 1960) و(1961- 1970) و(1971- 1980) واعتمدت على المنهج التاريخي و المنهج المقارن، و قد طبق الأول بقصد التعرف على تغير بناء القوة في فترات تاريخية محددة، أما الثاني فقد كان الهدف منه عقد المقارنات الإحصائية الخاصة بالتطور التاريخي لمجتمع البحث و استخدمت المقابلة و الملاحظة كما استعانت بذوي الخبرة عن تطبيق الاستبيان، و توصلت إلى النتائج التالية:
- كانت المشاركة العمالية في مجلس الإدارة منعدمة وكان العمال مجرد تابعين للإدارة يقومون بتنفيذ قراراتها و هذا في الفترة الممتدة بين (1956- 1960)
- حدوث تغير ملحوظ في بناء القوة في التنظيم الصناعي في الفترة (1961- 1971) حيث تجسدت المشاركة العمالية الفعلية للعمال و أصبحوا يدافعون عن مصالحهم
- في الفترة الممتدة بين (1971- 1980) ظهرت تغيرات في الوظائف القيادية، وهذا داخل
المصنع، و ترك هذا التغير تأثيرات عديدة على العمال، و كان الهدف منه هو تحقيق مصلحة العمال و لقد كان هدف الدراسة هو تحليل ظاهرة تغير بناء القوة داخل التنظيم الصناعي و دراسة التكامل و الصراع، لكنها ركزت على الأول و أهملت ردود أفعال العمال إزاء هذه التغيرات. 20
2/3 دراسة الدكتور سيد الحسيني: الذي أجراها على تنظيمين صناعيين أحدها قديم يمارس صناعة تقليدية وهو" شركة النصر للغزل و النسيج"، أما الثاني فهو يتمثل في مصنع الثلاجات تابع إلى "شركة إيدايال".21
و كانت هذه الدراسة موجهة للكشف عن أبعاد التغير التنظيمي و مصادره و مراكز المقاومة فيه، و لتحقيق هذا الهدف اعتمد على المنهج المقارن للمقاومة بين التنظيمين بالإضافة إلى الاستعانة بأدوات منهجية منها الملاحظة و المقابلة و استمارة إستبار و بعض الوثائق و السجلات و توصل إلى نتائج أهمها:
- أن أفراد التنظيم الحديث يقبلون التغيرات و كانت نسبتهم 81 % و هذا القبول راجع لمرونة هذا التنظيم و كذلك أنه جزء من طرف تنظيمي خبروه و عايشوه.
– قبول أفراد التنظيم القديم للتغيرات التنظيمية و هذا بنسبة 85% و هذا راجع إلى عدم الرضى التزايد على الطريقة التي تؤدي بها الأعمال سابقا.
- مصادر التغيير التنظيمي في التنظيم الحديث هي الظروف التكنولوجية من ناحية و الضغوط الاقتصادية و السياسية، أما على مستوى التنظيم القديم فقد كانت الصراعات القائمة بين الإدارة العليا و صغار الرؤساء من ناحية أخرى.
- مصادر المقامة في التنظيم القديم راجعة إلى التسلسل الرئاسي للحفاظ على الأوضاع و خاصة المناصب، في حين أن التنظيم الحديث كانت سياسة تكنولوجية في طابعها.22
و بالرغم من إحاطة هذه الدراسة بأبعاد التغير من مصادره و مصادر المقاومة، إلا أنها أغفلت ما يترتب على هذا التغيير من سلوكيات مناقضة لأهداف المنظمة، قد تؤثر على النتائج العامة للتنظيم أي تحقيق أهدافه الاقتصادية و الاجتماعية.
2/4 دراسة عبد الرزاق جلبي: و التي كانت حول "الأبعاد التنظيمية و العمليات الاجتماعية" في تنظيمين صناعيين مصريين، و قد استعمل المنهج المقارن للنفاذ إلى التنظيم و فهم ما يجري فيه فهما عميقا، و تم التعرض إلى8 متغيرات أساسية حيث كان التغير التنظيمي أحدهما و توصل الباحث إلى النتائج التالية:
- في التنظيم الأول وجد أن التغير التنظيمي كان مصدره داخلي لأن الأفراد اكتسبوا حصانة ضد تقبل التغيرات التي تطرأ على أساليب الإنتاج و الإدارة التي لم تقبل بتغير تنظيمي داخلي حول الإستراتيجية القائمة.
- سياسة الإدارة العليا لهذا التنظيم المبنية على الضبط المطلق و محاولة كسب الرؤساء لصالحها كونت اتجاها سلبيا لدى جماعات العمل.
- أما في التنظيم الصناعي الثاني فكان مصدر التغير خارجي يمثل تلك الظروف التكنولوجية و الضغوط الاقتصادية التي علقتها الدول على التنظيمات و التي تمثلت في إحداث تغيرات على المنتج و استحداث طرق مختلفة تساير التطلعات الحديثة التي إستطاعت الإدارة أثناء مواجهتها لمشاكل كبح الإنتاج و عدم توافر المواد الأولية مواجهة مراكز المقاومة عن طريق إيديولوجية قائمة على التعاون و التضامن و المشاركة في صنع القرارات الخاصة بالتغيير و إقناع الأفراد بحتمية التغيير.23
و من خلال ما تقدم يمكن القول بأن هذا الباحث حاول تبيان مصادر التغير و كيفية مواجهته و مقاومة العمال له، لكنه أغفل ما يترتب عن تلك المقاومة.