كيف يتم تأهيل رفاق الامس من القنادر العتيكة

كيف يتم تأهيل رفاق الامس من القنادر العتيكة (القديمة)!

بعد ان تهترئ القندرة (الحذاء) من كثرة لبسها وانتعالها يقوم صاحبها باخذها الى القوندرجي (الاسكافي) , ليضيف القوندرجي عليها قطعا من جلود ويثبتها بمسامير ويقويها باللاصق القوي ثم يطليها ويضعها في قالب ليوم او يومين لتستعيد عافيتها , ثم يعود صاحبها ليأخذها ويعيد لبسها وكأنها قندرة جديدة يُباهي بها الاحباب والخلان , وهكذا دواليك حتى تهترئ وتُستهلك مرة اخرى ليعيدها كرة اخرى الى القوندرجي , ثم تصل بصاحبها الى يأس من اصلاحها فيتركها في زاوية بيته زاهدا في التخلص منها متحسرا على فراقها ,تلك التي حملته طوال سنين وكانت الشاهد الصامت على خطواته في دروب حياته وازقتها, ينظر اليها صاحبها ويقول :
(خلص وكتك يا قندرة وراح زمانج من جنتي(عندما كنت) لماعة ومعصفرة !)



وهكذا تنتهي حياة القندرة العتيكة (القديمة) في زاوية البيت وقد ينعم عليها الحظ بان يبيعها صاحبها لابو العتيك (بائع الخردة), فيأخذها ابو العتيك الى الاسكافي مرة اخرى لعله يعيد اليها الحياة من جديد بعد تقادم السنين لتنعم بخطوات جديدة تحت أقدام غريبة ..
يأخذها الاسكافي ويتفحصها مبتسما متذكرا فيها كعوبا قد سمرها اياها ,وقطع جلود قد لصقها بها فيقول في نفسه : (تاليتك ترجعين الي وما راح اخليج وحيدة وان شاء الله ارجعك للشارع يا قندرة!)..
فيغسلها من التراب وعوالق الارض ومزابلها ويبدأ عمله في تأهيلها لارجاعها للاستعمال بعد تقادم السنين, وهكذا يكون الى ان يشتريها احد الافندية العفطية ليكشخ (ليفتخر) بها ويطأها ويدوسها لتستعيد عافيتها بالتقندر من جديد..
بهذه الطريقة ايضا وبنفس طريقة الاسكافي , يتم اعادة تأهيل من اكل عليهم الدهر وشرب من رفاق الامس ممن كان في شبابه حالما بمنصب او جاه ولكن تقادم السنين وقسوة الحياة وكمخاتها (ضرباتها على الرأس) جعلته منزويا في زواية العجز والترقب..
بقليل من ريالات وقليل من صبغ وطلاء يتم تأهيل الشيخ الرفيق فيستعيد الفاشل جزءا من احلامه التي ضاعت في قسوة الحياة ودوراتها , وبدلا من ان ينتبه لكبر سنه واقترابه من حتفه ليكفر عن ذنوبه ويصلح ما فسد من عمره فيفعل خيرا , بدلا من ذلك تعيد اليه الريالات وجنجنتها شيئا من شبق عشق الحياة وذكريات فورات الشباب وانانيته وتطلعات الامل المسحوق تحت وطأت الازمنة وتقلباتها, فيعود الى صخب الحياة متأبطا شرا ظانا انه سيحقق ما عجز عن تحقيقه في شبابه المنصرم , متحسرا على ايامه وازمانه فيحسب حقا انه سيستعيد صدى ايامه الخالية, فيدخل من جديد الى شارع الحياة الفانية كما دخلت القندرة العتيكة الى الشارع بعد اعادة تأهيلها, فيرغي ويزبد ويدلي بدلوه ويكتب مقالات هنا وهناك ويبث اخبارا ويتفيسبوك ويتوتر وينستغرم بل حتى يتتوتوب بدلوه منتظرا فرجة امل باعادة ما تعود فعله في شبابه من اعتام ما حوله من ضياء وسد منافذ النور, وكما يسد القوندرجي ثقوب القندرة العتيكة بقطع بالية من جلود , يسد هو ايضا في لؤمه وتعنته الشيخوخي كل بصيص نور او حزمة ضياء قد تفضحه وتبين سفالة اصله , وقد يحالفه الحظ بفضل الريالات المذهبة ان يظهر في احدى فضائيات القنادر العتيكة ليبدي وجهة نظره باستعلاء وتفاخر القندرة المُقّومة بقالب جديد, ولكنه في كل جهده الجديد هذا يتناسى المسكين انه ليس اكثر من شبيه وصنو لتلك القندرة العتيكة التي تقادم عليها الزمن فرماها صاحبها وزهد فيها , ومهما فعل فان فعله لايجديه ولايجدي اسياده المنعمين عليه بالريالات المجنجنة في احابيلهم الفاشلة , فنور المعرفة قد غمر كل شئ وفضح كل الزوايا والمقانئ , المسكين يظن حقا انه بنضاله الجديد المبعوث من عمق غور القنادر العتيكة سيحقق شيئا بتقليده لحال القندرة العتيكة, ولكن هيهات فما فات لن يعود, ولاينال المجد من تشبه بالقندرة ..:icon_biggrin:

14-11-2018

مروان ..

14-11-2018