القبائل الكردية فـي العصر العباسي.. انتشارها وتوزيعها جغرافياً
القبائل الكردية فـي العصر العباسي.. انتشارها وتوزيعها جغرافياً
د. فرست مرعي
كانت القبيلة وتفرعاتها المختلفة هي النمط السائد عند الكرد منذ ظهورهم وحتى العصر العباسي، وظلت مستمرة في بعض الجهات من المنطقة الكردية إلى أيامنا هذه. وكانت التنظيمات الإدارية التي قادت ورافقت المجتمع الكردي في مسيرته التاريخية عبارة عن تنظيمات قبلية واتحادات عشائرية تستند على أسس ثقافية (وحدة اللغة) وإقليمية (جغرافية)، أي بعبارة أخرى لها وحدة سياسية وليست نسبية، قلما تعتمد على النسب والأصل المشترك الذي يلاحظ في القبيلة العربية.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بان القبيلة الكردية هي قبيلة أرض وليست قبيلة نسب، وهي أقرب في أصلها إلى (قرية) تتجول في مواطن صيفية وأخرى شتوية، ويتجلى هذا واضحاً في إشارة ابن حوقل إلى حركة القبيلة الكردية بقوله: (ينتجعون في الشتاء والصيف المراعي والمصائف والمشاتي إلا القليل فهم على حدود الصرود، فأما أهل الجروم فلا يزلون ولا يتنقلون بل يترددون فيما لهم من النواحي..).
ويعد ابن خرداذبة (ت 300هـ/912م) أول بلداني مسلم ذكر مناطق تمركز الأكراد في إقليم فارس وحددها بأربعة مناطق (زموم)، حيث يقول بهذا الصدد: (زموم الأكراد بفارس وهي أربعة زموم وتفسير الزموم محال الأكراد فمنها زم الحسن بن جيلويه يسمى البازنجان من شيراز على أربعة عشر فرسخاً (84كم)، وزم أردام بن جواناه من شيراز على ستة وعشرين فرسخاً (156كم)؛ وزم القاسم بن شهربراز يسمى الكوريان من شيراز على ستة وعشرين فرسخاً (156كم)، وزم الحسن بن صالح يسمى السوران من شيراز على سبع فراسخ ـ 42كم).
أما الاصطخري فقد ذكر خمسة زموم للأكراد بإقليم فارس بزيادة زم واحد عما ذكره سلفه ابن خرداذبة، إضافةً إلى تقسيم هذه الزموم إلى وحدات أصغر، وكيفية استيفاء الخراج، حيث يقول بهذا الصدد: (وأما رمومها فإن لك رم منها مدناً وقرى مجتمعة قد ضمن خراج كل ناحية منها رئيس من الأكراد وألزموا إقامة رجال لبندرقة القوافل وحفظ الطرق ونوائب السلطان إذا عرضت وهي كالممالك)، ثم يشير إلى الزموم مع اختلاف في أسمائها وحدودها قائلاً: (فأما رم جيلويه المعروف بالرميجان فإن مكانه في الناحية التي تلي أصبهان وهي تأخذ طرفاً من كورة اصطخر وطرفاً من كورة سابور وطرفاً من كورة أرجان فحد منه ينتهي إلى البيضاء وحد منه ينتهي إلى حدود أصبهان وحد منه ينتهي إلى حدود خوزستان وحد منه ينتهي إلى ناحية سابور وكل ما وقع في هذه المدن والقرى فمن هذا الرم، وسجاحهم في عمل أصبهان البازنجان وهم صنف من البازنجان الذين هم برم شهريار وليس من هؤلاء البازنجان أحد في عمل فارس إلا أن لهم بها قرى وضياعاً كثيرة، وأما رم الديوان المعروف للحسين ابن صالح وهو من كورة سابور فإن حداً منه يلي أردشير خره وثلاثة حدود يحيط بها كورة سابور وكل ما كان من المدن والقرى في أضعافها فهي منها، وأما رم اللوالجان لأحمد بن الليث وهو في كورة أردشير خرة فحد منه يلي البحر ويحيط بثلاثة حدود له كورة أردشيرخره وما وقع في أضعافه من القرى والمدن فهو منه، وأما رم الكاريان فإن حداً منه إلى سيف بني الصفار وحداً منه إلى رم البازنجان وحداً منه إلى حدود كرمان وحداَ منه إلى أردشيرخره وهي كلها في أردشيرخره).
ويعتقد الباحث أن سبب زيادة رم واحدة في مصنف الاصطخري ربما يعود إلى الفترة الزمنية الطويلة ما بين تصنيف ابن خرداذبة لمصنفه المسالك والممالك في (250هـ/864م)، وبين كتابة الاصطخري لمؤلفه مسالك الممالك في 340هـ/951م)، وهذه المدة الطويلة أحدثت دون شك تغيرات اجتماعية واقتصادية بل وحتى سياسية في بنية المجتمع القبلي الكردي في إقليم فارس، من حيث زيادة عدد أفراد هذه القبائل، إضافةً إلى حدوث تغيرات جغرافية في مناطق نقل هذه القبائل بين المناطق الباردة (الصرود) في فصلي الربيع والصيف، والمناطق الحارة (الجروم) في فصلي الخريف والشتاء، تبعاً للمستجدات السياسية والعسكرية في هذا الإقليم المضطرب.
أما بالنسبة للقبائل الكردية ومناطق انتشارها وتوزيعها جغرافياً إضافةً إلى عددها وأسمائها فيكاد يكون المسعودي (ت 346هـ/957م) البلداني والمؤرخ الأول الذي تطرق إلى هذه الناحية حيث ذكر أسماء ست عشرة قبيلة كردية هم: (البازنجان والشوهجان والشاذنجان والنشاورة البوذيكان واللورية والجوزقان والجاوانية والباريسان والجلالية والمستكان والجابارقة والجروغان والكيكان والماحردان والهذبانية وغيرهم..).
وبخصوص أماكن انتشار هذه القبائل جغرافياً فقد أشار إليها المسعودي مرتين الأولى: في مصنفه (التنبيه والإشراف) ولكن بصورة غير متجانسة، حيث خصص أقاليم كثيرة تقع بعضها ضمن نطاق المنطقة الكردية، والأخرى خارجها (... ممن بزمام فارس وكرمان وسجستان وخراسان وأصبهان وأرض الجبال من الماهات: ماه الكوفة، وماه البصرة، وماه سبذان والأيغارين وهما البرج وكرج أبي دلف وهمذان وشهرزور ودراباذ والصامغان وأذربيجان، وأرمينية وآران والبيلقان والباب والأبواب، ومن الجزيرة والشام والثغور).
أما الثانية: فقد ذكرها في مؤلفه الآخر (مروج الذهب) بتحديد أقرب إلى الدقة العلمية، مع اختلاف في أسماء بعض القبائل، ربما يرجع إلى تصحيفات أثناء نقل النصوص، إضافة إلى وجود قبيلة تحت اسم اليعقوبية لم ترد في المصنف الأول (التنبيه) ووجود قبيلتين باسم النشاوردة والجروقان لم تذكرا في مصنفه الآخر (المروج) مع وجود اختلافات في أسماء بعض القبائل بين مصنفي المسعودي، مثل الهذبانية في (التنبيه) والهلبانية في (المروج)، اللرية في (التنبيه)، واللزبة في (المروج)، الجلالية في (التنبيه) والخالية في (المروج) ويعتقد الباحث بأن هذه الاختلافات مجرد تصحيفات جاءت إثر نقل النساخ لهذه المخطوطات، إضافة إلى صعوبة كتابة بعض هذه الألفاظ غير المفهومة أصلاً، وصعوبة كتابتها على أيدي الكتاب المتمرسين باللغة العربية آنذاك، فضلاً أن المسعودي كتب المروج مرتين آخرهما قبيل وفاته.
أما بالنسبة لياقوت الحموي (ت 626هـ/1228م) المتأخر زمنياً عن سلفه المسعودي، فقد تطرق إلى أكثر من عشر قبائل كردية، وحدد أماكن توزيعها الجغرافي بصورة مغايرة عما فعله المسعودي، فهو يذكر مثلاً اسم منطقة أو مدينة ثم يذكر اسم القبيلة الساكنة في ربوعها، فقبائل الجلالية، والباسيان، والحكمية، والسولية، مناطق انتشارها تقع في أطراف شهرزور، أما قبائل البشنوية والبختية فأن ديارها تقع في منطقة زوزان، ولها عدة قلاع، (فمن قلاع البشنوية قلعة برقة وقلعة بشير، وللبختية قلعة جرذقيل، وهي أجل قلعة لهم: وهي كرسي ملكهم، وآتيل وعلوس…)، أما قبيلة الجورقان، فتعيش في منطقة همدان، فيما تتركز قبيلة الداسنية في الجبال الواقعة شمال مدينة الموصل، فيما تنتشر قبيلة الهكارية في الإقليم الذي سمى باسمها، أما قبيلة اللر فتقع مساكنهم في إقليم اللر، الذي انقسم بعد ذلك التاريخ إلى قسمين: اللر الكبير واللر الصغير، وهكذا بالنسبة لقبيلة البلاشجان التي تقع في إقليم أذربيجان وذكرها لأول مرة البلاذري وعنه نقلها ياقوت الحموي.
أما المقريزي فقد ذكر اسم إحدى وعشرين قبيلة كردية منهم: (الكورانية، بنو كوران، والهذبانية والبشنوية، والشاهنجانية، والسرجلية، واليزولية، والمهرانية، والزرزارية، والكيكانية، والجاك، واللو، والدنبلية، والروادية، والديسنية، والهكارية، والحميدية، والوركجية، والمروانية، والجلالية، والشنبكية، والجوبي..).
ويعد القلقشندي عشرين طائفة (قبيلة) من الأكراد، يتفق في معظمها مع المصدرين السابقين ياقوت الحموي والمقريزي، موضحاً مناطق كل من هذه القبائل وعدد مقاتليها، مشيراً إلى من كان لها زعيم يدير شؤنها، كما يعدد قبائل أخرى من الأكراد الذين تفرقوا بعد اجتماع ويذكر خمساً وعشرين موضعاً آخر تقطنها القبائل الكردية التي اتخذت من القلاع مراكزاً لها.
ومن جانب آخر فقد كان للكرد تجمعات كبيرة وقبائل كثيرة في إقليم فارس الخارج عن نطاق المناطق الكردية، أشار إليها الاصطخري ذاكراً أسماء ثلاثة وثلاثين حياً من أحيائهم (ربما كانت أفخاذ وبطون للقبائل الكردية الرئيسية)، وعنه نقل كل من ابن حوقل، والمقدسي، مع اختلاف بسيط من حيث الترتيب، وهذه الأحياء هي: (الكرمانية والرامانية ومدثر وحي محمد بن بشر والبقيلية والبندادمرية وحي محمد بن إسحاق والصباحية والإسحاقية والأذركانية والشهركية والطمادهنية والزيادية والشهرونية والبندادكية والخسروية والزنجية والصفرية والشهيارية والمهركية والمباركية والاشتامهرية والشاهونية والفراتية والسلمونية والصيرية والازدادختية والبرازدختية والمطلبية والممالية والشاهاكانية والكجتية والجليلية..).
ويبدو للباحث أن الاصطخري أشار إلى أحياء أخرى للأكراد ولكنه لم يذكرها بأسمائها (فهؤلاء الذي حضرني ذكرهم من أسماء هذه الأحياء ولا يتهيأ تقصيهم إلا من ديوان الصدقات…)، وحول عدد هذه الأحياء يذكر (.. وهم فيما يقال يزويدون على مائة حي وإنما حضرني نيف وثلاثون حياً).
والنتيجة التي يستخلصها الباحث بعد دراسة الروايات المتعلقة بأسماء القبائل الكردية ومناطق انتشارها، إن الغالبية العظمى من هذه القبائل كانت تتمركز في إقليم فارس، إذن.. ماذا حل الدهر بهذه القبائل الكثيرة والتجمعات الكبيرة للأكراد (الزموم)؟، علماً بأن هذا الإقليم كانت تسوده على الأعم الغالب الصبغة الفارسية، ولماذا لم يصبح هذا الإقليم جزءاً من المنطقة التي أطلق عليها فيما بعد مصطلح كردستان؟.
وللإجابة على هذه الأسئلة لابد من الرجوع إلى مرويات البلدانيين المتأخرين زمنياً، فابن البلخي أشار إلى أن أكراد الزموم الخمسة في إقليم فارس قد أبيدوا على بكرة أبيهم أثناء الفتوحات الإسلامية وما أعقبها في بلاد فارس من ثورات وحروب، فلم ينج من هذه العشائر والزموم إلا عشيرة آلاك التي اعتنقت الإسلام، أما أكراد أصفهان فقد نقلهم أخيراً عضد الدولة البويهي إلى إقليم فارس.
ويبدو للباحث أن رأي ابن البلخي ربما يكون مقتبساً من الرواية التي ينقلها ابن قتيبة الدينوري (ت 276هـ/889م) بقوله: (.. ولى الحجاج محمد بن القاسم بن محمد الحكم الثقفي قتال الأكراد بفارس فأباده منهم ثم ولاه السند..).
والملاحظ أن شيخ الربوة الأنصاري يؤكد ما سبق أن قاله ابن قتيبة حول انتهاء الوجود الكردي في إقليم فارس ولكن من خلال تعليل آخر، يقول بهذا الصدد: (… وكان فيها ما يزيد على مائة ألف بيت تشملهم إثنان وثلاثون حياً، يخرج من الحي ألف فارس إلى مائة فارس إلى ما دون ذلك أبادتهم سيوف التتار بما حكم به عليهم مولج الليل في النهار).
ولكن مع هذا فقد ذكر المستوفي اسم قبيلة كردية تدعى شبانكاره تسكن الإقليم الذي يتوسط مقاطعات فارس وكرمان وبحر فارس (الخليج العربي)، وأن معقل هذه القبيلة مدينة إيك، وجاء ابن البلخي ليؤكد بأن لهذه القبيلة خمسة بطون وهي: الإسماعيلية، الرومانية، والكرزوية، المسعودية، والشكانية).
ويرى الباحث أن هناك تشابهاً بين اثنين من أسماء بطون قبيلة شبانكاره التي ذكرها ابن البلخي، وما أورده كل من الاصطخري وابن حوقل والمقدسي عند تعرضهم لذكر القبائل الكردية في إقليم فارس وهي: (الرامانية) و(الشاهاكانية). وهذا ما يدلل على استحالة انقراض جميع القبائل الكردية في إقليم فارس، وإنما اختلطت مع قبائل فارسية حيث تفرست بمرور الزمن، أو انتقلت إلى مناطق اللر الكردية الواقعة إلى الشمال الغربي من إقليم فارس بين مدينتي تستر وأصفهان.
ومما يؤكد وضوحاً ما ذكره القلقشندي عند تعريفه الشبانكاره كإحدى أقسام الكرد بقوله: (..شبانكاره وهم أحسن من اللر طريقاً وآمن فريقاً ومنهم رعاية الزمام، وتمسك من الشريعة المطهرة ولهم بأس وشجاعة ولأمرائهم سمع وطاعة..).
ومن جانب آخر هناك ظاهرة ملفتة للنظر عند دراسة تاريخ القبائل الكردية تساعد الباحث على إماطة اللثام عن التغيير الحاصل في أسماء هذه القبائل بين الذين أرخوا لها في فترة إلى أخرى، فعند دراسة المؤرخ الكردي شرفخان البدليسي (ت 1017هـ/1608م) لهذه القبائل نلاحظ وجود أسماء أخرى بعيدة كل البعد عن أسمائها التي دونها رواد الجغرافية الأوائل، وقد استمرت هذه الظاهرة إلى العصور العثمانية المتأخرة، ويعتقد الباحث أن الكثير من العشائر الكردية قد اتحدت حول عشيرة قوية وغنية واستمدت منها اسمها، أو أن أحد الزعماء الأقوياء الذي ينتسب إلى قبيلة أخرى استطاع بدهائه ونفوذه أن يجمع عدداً من القبائل أو العشائر تحت سلطته، مما أدى في نهاية الأمر إلى أن يكون اسمه هو ما يتسمى به هذا الاتحاد القبلي وهذا يبدو جلياً في روايات الاصطخري وابن حوقل والمقدسي (مدثر وحي محمد بن بشر وحي محمد بن إسحاق والإسحاقية والمطلبية..)، إضافةً إلى ظاهرة أخرى يذكرها البدليسي وهي أن قبيلته اتحدت في يوم واحد فلذلك سميت روزكي (بالزاء الفارسية) ومعناها باللغة الكردية يوماً ما، أو أنها تمكنت من فتح معاقلها بعد أن كان الأعداء قد سيطروا عليها، وصادف هذا النصر يوم السبت فلذلك سموا أنفسهم بعائلة شنبو أي يوم السبت في اللغة الكردية، وبقيت هذه التسمية طاغية على أسم العائلة ومن ثم أصبح مرادفاً لاسم القبيلة.
ولكن مهما يكن من أمر فإن القبائل الكردية التي ستدخل مجال بحثنا عددها قليل نسبة إلى الأعداد الكبيرة التي ذكرتها المصادر، ومن هذه القبائل هي: البرزيكان والعيشانية والشاذنجان التي تقطن إقليم الجبال الغربي الذي يقع في المنطقة الغربية من إيران الملاصقة للحدود العراقية وهذه تمكنت من تأسيس الإمارتين الحسنوية والعنازية.
أما القبائل الأخرى كالحميدية والحاربختية والبشنوية التي كانت مناطق سكناها يتركز في إقليم الجزيرة شمال وشرق الموصل، فقد تمكنت من تأسيس الإمارة المروانية فيما كان لقبائل أخرى دور في تأسيس إمارات وكيانات سياسية ليست مجال بحثنا.
كوردستان
ينشر بالاتفاق مع دار حجلنامه
http://www.kurdistan-times.com/viewa...20061022-10774
الاكراد الفيليه مابين العراق وايران
الاخ الفاضل المحترم
لم نجد اشاره للكرد الفيليه الساكنين مابين العراق وايران حبذا لو نورتمونا باحوالهم ، عشائرهم وشيوخهم وعلاقتهم بكرد كردستان مع التقدير *