النتائج 1 إلى 8 من 8
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي العراقي إشكالية الهوية وأزمة الإنتماء

    العراقي إشكالية الهوية وأزمة الإنتماء

    الجزء الأول

    طور بعض علماء الإجتماع ما عرف بنظرية الهوية الإجتماعية، وتتأسس هذه النظرية على ثلاثة أفكار مهمة
    التصنيف والتعرف والمقارنة.

    وتقوم فكرة التصنيف على أساس أن الإنسان بطبعه يتجه إلى تصنيف الأشياء التي يتعامل معها يومياً كي يسهل عليه فهمها وبالتالي التعامل معها. وبنفس الطريقة يصنف الآخرين الذين يتعامل معهم أيضاً، كالأقارب أو غير الأقارب، أو الجيران أو غير الجيران، أو الطلاب أو غير الطلاب أوالمسلمين أو الغير مسلمين وهكذا دواليك. ووفقاً لهذه العملية فإن الإنسان يستطيع أن يتعرف بشكل أفضل على نفسه من خلال إختيار المجموعة أو المهنة أوالعرق أو الدين الذي ينتمي إليه. إختيار الجماعة التي تحتويه.

    أما التعرف أو التوحد –كمصطلح إجتماعي وليس كمصطلح نفسي فردي- فهو حسب تعريف مجمع اللغة العربية في القاهرة " آلية ذهنية غير واعية يتوحد بها الشخص مع شخص آخر باتخاذ صفات هذا الشخص وخصائصه وإضفائها على نفسه. أو تشكل شخصية على شاكلة شخصية أخرى، وفي هذه الحالة نجد أن الشخصية القائمة بالتوحد تشعر وتنفعل وتهتم بنفس ما يشعر وينفعل به ويهتم به من تقوم بالتوحد معه، كتوجد الإبن بأبيه. ويتم التوحد على مستوى لا شعوري دون أن يدركه الفرد وهذا ما يفرقه عن المحاكاة".
    ويحتوي التعرف أو التوحد على جزئين مهمين، الجزء الأول هو أن تكويننا يتعلق بإنتمائنا للجماعة، إذ أننا ننظر أحياناً إلى أنفسنا بعين الجزء من كل، من خلال إحساسنا بالإنتماء إلى جماعة أكبر تحتوي كياننا، هذه النظرة هي التي تجعلنا نفكر بأنفسنا أحياناً بأننا "نحن" ، والآخرين "هم"، أو "نحن" والآخرين"أنتم". إذ تبدو هذه الهوية الجماعية أكثر وضوحاً مقابل الهوية الفردية التي نطلقها لغوياً بشكل "أنا" و"أنت" أو "هو" و"هي". يبقى أن هذه الهوية الجماعية أو الفردية ليست ثابتة وتكون ي كثير من الأحيان نسبية ،ـ فهي تتغير حسب الظروف، وتقوى أو تضعف حسب المتغيرات التي تحيط بالإنسان، وبالأوضاع التي يمر بها.

    أما الجزء الثاني فيتعلق بمستوى القرب أو مستوى التطابق الذي نشعره تجاه أفراد الجماعة. فعندما نقول أحياناً أننا نتشابه مع الآخرين في الجماعة، فإننا إنما نقول بمعنى آخر أن أفراد الجماعة الآخرين هم الذين يشبهوننا بشكل أو بآخر والعكس صحيح. ولنأخذ مثال الحروب والمجموعات القتالية، فإن الذين ينتمون إلى المجموعات القتالية، ينظرون إلى المجموعات المعادية التي يحاربونها على أن افرادها متطابقون. ألم نسمع لفظة "كلهم نفس الشيئ"، هذه النظرة لا تميز بين فرد وآخر في الجماعة التي تحارب الأخرى. ويعتقد علماء الإجتماع أن هذه النظرة ليست شيئاً غريباً أو شاذاً في سوك الجماعات البشرية أو المنتمين إليها, إذ أنها تصرفات تبدو طبيعية جداً في ظروف العداء والصراع المسلح ؟

    العامل الثالث المحدد للهوية الإجتماعية حسب نظرية الهوية الإجتماعية هو عامل المقارنة. حيث يشعر أغلب الناس بنوع من تحقيق الذات والفخر من خلال إنتمائهم لجماعة تشعر بالتميز وعلو الشأن. ولكن من اين يأتي هذا الإحساس لدى أعضاء هذه الجماعة بأنهم متميزون. يجيب أصحاب هذه النظرية أن هذا الإحساس يعتمد بشكل رئيسي على عملية مقارنة مستمرة يقوم بها هؤلاء بين جماعتهم وبين الجماعات الأخرى، من أجل أن تتكون لديهم صورة إيجابية عن الجماعة التي ينتمون إليها، مقارنة تأخذ في الحسبان مدى رقي أو تطور الجماعة بالجماعات الأخرى. ينبغي التنبه هنا إلى أن علماء الإجتماع، وعلم النفس الإجتماعي يقولون أن الناس بطبعهم يتجهون إلى النظر إلى الجماعة التي ينتمون إليها على أنها أفضل نسبياً من الجماعات التي تمتلك تشابهاً مع جماعتهم . غذ كلما إزداد التشابه كلما إزداد إحساس الجماعة بدرجة التفوق على الجماعة المتشابهة الصفات. كما أن الجماعات الأقل مستوى من الأخرى تتجه إلى نقليل الإختلافات التي تجعلها في مستوى أقل من الأخرى بما يضمن إستمرار النظرة الإيجابية في عيون أفرادها. فقد ترى بعض الجماعات –سواء أكانت كبيرة أم صغيرة- أنها متميزة بتقدم علمي أو عسكري أو ماشابه مقارنة بالجماعات الأخرى، ومع ذلك فإن الجماعات الأخرى التي تشعر بمستوى أقل من هذه الجماعات تحاول التقليل من شأن هذا الضعف من خلال إبراز صفات أو مواقف أخرى لا تملكها تلك الجماعات. مثل القول أن نمط حياتها أفضل من تلك التي تمتلك التفوق المادي لأنها تمتلك تفوقاً روحياً مثلاً.

    ماذا يعني هذا الكلام على مستوى واقعنا العراقي ؟
    هل هناك مشكلة إنتماء لدى الفرد العراقي، وهل هناك أزمة هوية لدى الإنسان العراقي، وهل هناك عدة هويات إجتماعية لدى العراقيين، بشكلها المرضي والسلبي طبعاً. مما يؤثر على وضع البلد، والإنسان، وكل شيئ.

    البقية في الجزء الثاني

    لمزيد من التعمق بنظرية الهوية الإجتماعية

    [align=left]Social identity theory
    Henri Tajfel and John Turner

    , Categorization
    Identification
    Comparison [/align]
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    العراقي إشكالية الهوية وأزمة الإنتماء

    الجزء الثاني

    المذهب والطائفة

    قال إبن منظور في لسان العرب " قال مجاهد: الطائفةُ الرجل الواحد إلى الأَلف، وقيل: الرجل الواحد فما فوقه، وروي عنه أَيضاً أَنه قال: أَقَلُّه رجل، وقال عطاء: أَقله رجلان".

    وهنا عندما نحدد مصطلح الطائفة على أنها الجماعة من الناس، فإننا نرى أننا نستطيع إعتماد بعض أجزاء نظرية الهوية الإجتماعية لهنري تايفل ووجون تيرنر في تحليل بعض محاور الوضع المأساوي في العراق من وجهة نظر علم النفس الإجتماعي.

    وحتى نكون أثر تحديداً في تعريفنا للطائفية في العراق أو في العالم العربي أو الإسلامي، فإننا نقصد بها تحديداً الطائفة الدينية، والتي هي إحدى التفرعات المأساوية التي تمددت في الواقع الإسلامي نتيجة الجدل المذهبي، والإغراق في بحث المسائل التأريخية، والأجواء الغير متسامحة التي شاعت في العالم الإسلامي على مدى قرون، إضافة إلى رعاية مستمرة من قبل الدول المتعاقبة للحل الطائفي الممزوج بالقسوة أحياناً كثيرة. ولابد لنا هنا أن نميز بين المذهب والطائفة، فالمذهب هو حركة فهم إجتهادية لبعض النصوص الدينية أو الوضعية أو حتى العلمية، تخضع خلالها بعض مفردات النص أو العقيدة أو النظرية على بساط البحث والدراسة تؤدي في النتيجة إلى تفسيرات جديدة أو ربما إستنتاجات تضع في الحسبان أسس المذهب ألا وهي العقيدة التي ينطلق منها، لكنه يتحرك في أجواء التطور والإنطلاق في تفسير النص، مقترباً أو مبتعداً عن روحه.

    وفي تصوري فإن المشكلة لا تكون في التمذهب بحد ذاته، لأنه جزء من ديناميكية الإنسان وسعة أفقه في ممارسة حرية إستقراء النص وأجوائه وحركته في فضاءات التأريخ والمجتمع وبالتالي تكوين فهم معين عن هذا الدين يشكل أطروحة قابلة للتطور والحركة في أفق الواقع المتغير خاصة إذا إنطلق بروح البحث عن الحقيقة وروح التسامح والإخلاص، ولكن الخطورة تأتي عندما يتحول هذا المذهب إلى جماعة، تقدسه، وتعبده، وتضعه فوق مستوى العقيدة التي بني عليها. أي عندما يتحول إلى تشكيل طائفي تتبناه مجموعة من البشر على أنه يمثل الحقيقة المطلقة، أنه يمثل الدين، أو الإسلام، وأن كل من لا يؤمن به يكون خارجاً عن الدين، خارجاً عن الملة. عندما يتحول إلى جماعة تعتمده كاساس لتعريف هوية الفرد وإنتمائه، بكل ما يعنيه ذلك من إنغلاق وتصادم وبعد عن فئات المجتمع وجماعاته وأفراده.

    وهنا لابد من الإشارة إلى أن الطائفية غذتها كثيراً عقلية المجادل المذهبي، الذي يتخذ هذا الجدال المذهبي المؤطر بفرضيات يعتبرها مسلمات دينية أو تأريخية. ،كما أن الطائفة لا تقتصر على بؤر تواجد تنتشر على شكل مذهبي بحت، بل إننا نجد أن في المذهب الواحد قد تتكون عدة طوائف ولنسمها "طوائف مصغرة" قد تكبر أو تصغر حسب الظروف وآليات واسباب صناعة هذا التشرذم الطائفي، سياسياً أو إجتماعياً أو إقتصادياً.

    الطائفة كجماعة تمثل حالة إنتماء قوية جداً، لا لأنها تمثل أحياناً رد فعل على تشنجات وظواهر إجتماعية سيئة، كإنعدام العدالة الإجتماعية أو تسلط الدولة الطاغي، أو الإحساس بالتهديد، أو لمجرد تعصب مذهبي أو تحرك ثوري ضد أمر ما، وإنما لأن الطائفة مؤسسة ناجحة جداً في خلق أجواء تعرف أو توحد قوية جداً لدى أعضائها من خلال إشاعة مشاعر قوية بأن هذه الطائفة هي الأفضل، أو الأقوى، أو الأذكى، أو الأكثر إرتباطاً بعالم الغيب. الطائفة من خلال بعض ظروف الإنعزال والسرية وتشتت الواقع الإجتماعي تخلق أحياناً رموزها وطقوسها الخاصة بها التي تشكل أهم آليات التعرف فيها وتؤدي إلى تمكين هذا التعرف في نفوس المنتسبين إليها مكونة حالة الإنتماء ، ومنمية هوية إجتماعية ذات بعد طائفي قوي عند الفرد.كما أنها تبني منظومتها القيمية الخاصة بها، التي تأخذ بعض أشكالها من الدين قشرياً. هذه المنظومة القيمية.

    والطائفة قد تشرعن قتل مع من يختلف معها –على اساس طائفي- رغم أنها لا تمتلك حق هذه الشرعنة من خلال الدين الذي تدعي الإلتزام به. كما أنها قد تشرعن الكثير من الممارسات والتصرفات التي لا تمتلك روح أو جوهر الدين، من سرقة، أو إعتداء، أو تخريب للأمن العام وما إلى ذلك. إضافة إلى أنها تسعى –خاصة إذا أحست بنوع من القوة أو التهديد- إلى فرض إرادتها، وقيمها ورموزها على الإنسان الأضعف، الإنسان المدني الذي يكون على الأغلب محايداً، فمتجهة إلى وضعه تحت غطائها، أو ربما لإزاحته من طريقها لأنه قد ينتمي طائفياً إلى طائفة أخرى تحتك معها إجتماعياً أو سياسياً. هذه الطائفة قد تأخذ شكل مؤسسات دولة، أو حزب سياسي، أو مجاميع أفراد، وقد تكون مجرد ظاهرة عضوية غير منظمة تتحرك في المجتمع تبحث عن أفق ما كي تتشكل من خلاله بشكل أكثر تنظيماً وقوة. وهنا تبرز أهمية الدولة في صياغة نظام عقد إجتماعي عام يكفل عدم سيطرة جماعة أو طائفة على مقاليد صناعة القرار، وأجهزته المهمة، لأن ذلك من شأنه إضعاف النظام العام وسقوط المجتمع في دوامة حروب الطوائف. ولا ننسى أن الدولة عندما تحقق حداً أدنى من الرفاهية والعدالة الإجتماعية، وضمان توزيع السلطة وصناعة القرار دون إقصاء لأي مواطن فإنها ستتحقق نوعاً من حالة الإنتماء للوطن، وبالتالي تقوية الهوية الوطنية.
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    العراقي إشكالية الهوية وأزمة الإنتماء

    الجزء الثالث

    أزمة الهوية عند الإنسان العراقي

    تعدد الهويات الإجتماعية في أي مجتمع كان لا يدل على ضعف هذا المجتمع أو خوائه. ولكن المشكلة تكون عندما تطغى هوية إجتماعية معينة أو هويات إجتماعية تعمل على تفتيت الوئام والسلم الإجتماعي، وإضعاف الروابط الإجتماعية، وتسعى كل الشرائع والقوانين إلى خلق واقع إجتماعي متوازن من خلال خلق هوية موحّدة ، أو متجانسة للمجتمع سواء أكانت دينية كالإسلام، أو كالوطن، أو ربما القيم الإنسانية.

    يعاني الإنسان العراقي من أزمة هوية حقيقية، على مستويين. مستوى الهوية الفردية، ومستوى الهوية الإجتماعية. ولن نبالغ إذا قلنا أن هذه الأزمة تترك بصماتها واضحة على مستوى تفكير العراقي، وسلوكه، وربما نظرته إلى بلده والمتغيرات التي تحيط به. هذه الأزمة ليست نتاج مرحلة ما بعد سقوط صدام، وإن بدت أكثر وضوحاً بعد إنهيار الصنم. إن لهذه الأزمة جذوراً تضرب في التأريخ ، جذوراً غذت هذا الواقع المأساوي. ولن نكون متحيزين إذا إفترضنا أن الكثيرين من الذين إستلموا القيادة في العراق الحديث إستلهموا الكثير من تصوراتهم في الحكم والإدارة وتخطيط المجتمع من اساليب بلغت أوجها في القسوة والإضطهاد ومصادرة الإنسانية. هذا التكرار المتعاقب لهذه التجارب رسخ بوضوح حالة التشرذم والضياع على مستوى الإنتماء لدى الإنسان العراقي، وتعدد مراكزه. بل إن حالة هذا التيه على مستوى الإنتماء، تحول فيما يبدو إلى ثقافة ترسم بوضوح معالم الكثير من السلوك والتفكير للفرد العراقي. هذه الأزمة وإن كانت تتباين شدتها عند المسلمين مثلاً، لأن هنالك صراعاً دفيناً يجعل المسلم يعيش إزدواجية الهوية بين إسلامية الإنتماء و وطنيته بشكل يومي تقريباً، وعلى وجه الخصوص عندما تطل بعض الأزمات التي تتعطل خلالها آلية إتخاذ القرار بسبب تذبذب هذا القرار بين تناقض الإنتماء الديني الإسلمي، وبين الإنتماء الوطني مثلاً. تبقى المسألة أكثر تعقيداً وخطورة عند العراقي نظراً للتعقيد التأريخي والسياسي والديموغرافي للعراق، ونظراً للعلاقة الغير متجانسة بين الدولة وبين المواطن.

    هذه الأزمة لم تأت من فراغ. فإن الأنظمة المتعاقبة بدلأ من أن تؤسس أسساً سليمة لبناء هوية إجتماعية تبنى على حب الوطن، والإنتماء إليه على اساس المساواة في الحقوق والواجبات، كانت دوماً تتجه إلى تعميق الفرز الطائفي، وتقوية الإنتماء الطائفي لدى أفراد المجتمع. فمع الإهمال في بناء أية مؤسسة عامة ثقافية أو صحية أو تعليمية تصب في خدمة المجتمع، كان السلطة تهتم ببناء مقر حزبي، أو مؤسسة أمنية أو جامع ينشر الحس الطائفي، ويقوي مشاعر التميز التي تحملها جماعة من الجماعات طائفياً. كل هذا كانت تصاحبه عمليات عزل ومحاصرة وإستئصال تطال كل من لا يتفق أو من بقي على الحياد في التعاطي مع الطائفة التي سيطرت على السلطة والمال والسلاح.

    وكنتيجة لهذا الأمر أصبح العراقي مختلفاً عن الآخرين. فعندما كنا نرى الكويتي-وهويمكن تصنيفه على أنه صاحب مستوى عال من الإنتماء الوطني- يكنس منطقته، ويخبز، في ظروف إنهيار الدولة وتهميشها، رأينا حالة هياج شبه عام ضد كل ما يمت للدولة من صلة، كسرقة الأموال العامة، ونهبها، إضافة إلى تدمير الكثير من البنى التحتية في العراق، من أناس قد نسميهم عاديين جداً. ورغم تداخل عوامل الفقر والحرمان، وشيوع الجريمة، إلا أن ضعف مشاعر الهوية الوطنية أو الإنتماء الوطني قد تعطي تفسيراً مقنعاً لمن يحاول أن يجد تفسيراً لحالات السلب والنهب التي صاحبت سقوط الدولة العراقية. وهي حالات أصبحت مع الأسف ظاهرة مميزة للمجتمع العراقي تتكرر في ظروف إنهيار الدولة وضعفها الشديد. ورغم أن الدول لا تنهار بين الفينة والأخرى، كما يحدث في العراق، فإن الإستقرار السياسي، وتجانس المجتمع قد يلعب دوراً في تثبيت الهوية الوطنية، والإنتماء للوطن. وسواء أكانت هذه الظاهرة الإجتماعية ناتجةً عن فقر، أو سلوك ثوري، أو تفريغ لعقد نفسية، أو لسيطرة أفكار البداوة، أو لمقاومة، أو لتعاقب سقوط الدول وإنهيارها أو غير ذلك فإن النتيجة واحدة، التخريب بسبب عدم إحساس الجماهير بقيمة الوطن. ولابد من الإشارة هنا إلى مقولة أحد الحواسميين وقد أوقفته كاميرا صحفي وهو يقوم بعملية نهب إحدى الوزارات مبرراً عملية نهبه لمبنى بأنه يمارس إستحقاقاً على دولته، فهو أجبر على الدخول في حروب، وأتى اليوم الذي يسترد فيه حقه.

    هذا السلوك المميز شرحه كثيراً الدكتور علي الوردي حيث يقول " أوضح مثال على ذلك ما حدث في بعض المدن العراقية أثناء الحرب العالمية الأولى، فقد حصلت إذ ذاك فترة خليت فيها تلك المدن من أية سلطة حكومية، إذ إنسحب الجيش العثماني من قبل أن يدخلها الجيش البريطاني، وعند هذا إنثال الناس على دوائر الحكومة، وبعض الدور والدكاكين، ينهبونها ويبعثرون أوراقها وينتزعون أبوابها وشبابيكها وقد يولعون فيها النار". ويضيف علي الوردي " لا ننكر أن هذا الذي حث في العراق قد يحدث مثله في أي بلد آخر حين تمر به فترة يخلو فيها من السلطة الحكومية، غير أن الذي حدث في العراق يختلف عما يحدث في غيره من حيث الطابع البدوي الذي يتميز به، فالنهابون في العراق يوجهون معظم هجومهم على دوائر الحكومة قبل غيرها، وكأنهم يريدون الإنتقام منها، وقد يشترك في النهب أشخاص محترمون إذ هم لا يختلفون في ذلك عن المبتذلين والصعاليك مما يدل على طابع القيم الإجتماعية السائدة فيهم، وقد تكرر هذا خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها". (لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الثاني، ص 10)، أشير هنا أن ملاحظة أن الكثيرين من الميسورين ساهموا في النهب قد سمعتها تتكرر في أرجاء المدن العراقية، حيث تتوفر مشاهدات على أن الكثيرين من الذين قاموا بعمليات السلب هم الميسورين، من الذين لم يحتاجوا إلى نهب مكيفات الهواء، أو أكياس السكر والدقيق من مخازن معرض بغداد الدولي مثلاً.

    العراقي ليس كالآخرين ممن يشعرون أن هويتهم الأشمل يحددها الإنتماء القطري، بمعنى الإنتماء إلى وطن محدد المعالم، والثقافة، والعادات والتقاليد. ليس لأن العراقي غير وطني، أو غير متدين، أو لا يمتلك ثقافته الخاصة به، بقدر ما أن الإحساس بالإنتماء للوطن دمرته عقود، بل قرون من التسلط الطاغي، والبالغ القسوة من قبل الدولة التي تمسك زمام الأمور في الوطن، وعلى اساس طائفي. وكما أن الإنتماء الطائفي كان الأداة التي تشد المجتمع إلى إنتماءات من أنواع جديدة، وتزيده تطرفاً وعنفا، فقد كانت التركيبة العشائرية للمجتمع من العوامل الأخرى التي أدت إلى إضعاف وجود هوية وطنية عراقية واضحة المعالم. هذا التعدد في الإنتماء خلق ، مع عدم إستقرار الدولة وقسوتها أدى إلى ما يمكن أن نسميه حالة عسكرة للمجتمع، بما تستدعيه من عنف، وفوضى، وحالة من عدم الإستقرار مستمرة للمجتمع، هذه العسكرة مع تعدد الولاءات، وقوة الإنتماء للجماعة أو الطائفة أوجدت حالة تطرف عند العراقي في إنتمائه إلى الجماعة التي ينتمي إليها، يقترب كثيراً من التطرف الذي ينتاب العسكري الذي يخرج مع وحدته كي يحارب وحدات معادية له.

    اي أن الدولة بقيادتها ومؤسساتها وقوانينها وأنظمتها سخرت كي تمارس الحل الأمني الذي يستهدف الإنسان المدني العراقي، على اساس طائفي، بشكل لا يستطيع أن ينكره مؤرخ أو باحث منصف. هذا الإستهداف الإستئصالي بشكله الطائفي خلق حالة من الرفض الذاتي للدولة، للمؤسسة الرسمية، للقوانين والأنظمة، وبالتالي خلق حالة رد فعل ضد الوطن كمحصلة ثانوية. العراقي ليس إنساناً من نوعية أخرى لا يمكن حكمه إلا بالنار والحديد كما تشيع الكثير من الكتابات الغير منصفة والمتحاملة والمبررة لقسوة وظلم الطغاة على مر العصور. لكن هذه القسوة جعلت من العراقي يعيش حالة إنهيار الولاء للوطن وللسلطة الرسمية، وتحولت هويته الإجتماعية بالتالي من الإنتماء إلى الوطن، الجماعة الكبرى التي تحتضنه ويشعر بالفخر من خلال إنتمائه إليها، إلى أنواع أخرى من الإنتماء، وإلى أنواع أخرى من حمل الهوية الإجتماعية، تتناقض ربما كثيراً، مع هوية الوطن، أو ربما الدين، وهما أهم وأقوى أنواع الولاء التي يمكن أن يحملها الإنسان. ولا بد أن نذكر هنا أن الضغط الطائفي الذي إستعمل على مدى أجيال خلق جماعات في المجتمع، جماعات على أسس طائفية، جماعات تشعر بالإمتهان وقلة الحيلة ، وجماعات تشعر بالتفوق والتميز تحتقر الآخر وتمارس ضده التمييز المتعسف في كثير من الأحيان. إذن الواقع يقول أن الإنسان العراقي كان ومايزال ضحية قسوة وبطش، الحكومات المتغايرة إضافة إلى إستخدام الطائفية كأساس لهذه العمليات. الطائفية والبطش أدتا إلى أن تكون أهم هوية يحملها الإنسان العراقي هي الهوية الطائفية.
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2003
    المشاركات
    205

    افتراضي

    الظلم والتسلط يفقد الإنسان احترامه وحبه لوطنه (الوطن الذي تمثله الدولة السائدة بكافة مؤسساتها)..

    أما الوطن بأرضه وسمائه فالولاء له أمر محسوم فطرياً ...


    الأمر لا يقتصر على العراق ، ولا يقتصر على تأثير التقسيمات الطائفية ، الأمر يكمن في احترام الدولة لمواطنيها ....

    معظم الدول العربية تعاني من هذه الأزمة ...

    أمة تلعن الطغيان وتمجد الطغاة ....!
    لا تغرنكم الحياة الدنيا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    العراقي إشكالية الهوية وأزمة الإنتماء

    الجزء الرابع

    هل الطائفة هي هوية الفرد العراقي الإجتماعية ؟

    لا تستغرب عندما تتحرك في مناطق العراق المختلفة عندما تكتشف أن هنالك تأكيداً على الهوية الطائفية يتخطى الهوية الوطنية. أي أن العراقي يستعمل كافة الرموز الممكنة كي يقول لك ما هي الطائفة التي ينتمي إليها. الشعارات، والرموز، والكلمات، والملابس، والصور، والألوان، والشخوص وغيرها من أساليب تستخدم بكثافة للتدليل على إنتماء الفرد العراقي لطائفي. هذا الإنتماء الطائفي لمن يستقرئه يفهم أن العراق كوطن يضم الجميع بدون تلك الفوارق لا يوجد على المستوى الوجداني العراقي، فالسني العراقي يعتقد أن العراق من أقصاه إلى أقصاه –طائفياً- هو بلد سني، حكمته الطائفة السنية على مدى قرون، أي أن العراق بوجهه المشرق –حضارياً- صاغته اليد السنية-طائفياً- قيادة وحكماً وإدارة. إضافة إلى النظر إلى المذهب الشيعي على أن أتباعه إنما هم روافض، يتميزون بالغدر وقلة الوفاء، مع أصولهم الإيرانية، هذه الخرافات التأريخية التي ثبتها العقل الطائفي في الوجدان السني عراقياً وعربياً، ولدت مشاكل كبيرة في الواقع الإجتماعي العراقي لا يمكن التخلص منها بسهولة. فالسني العراقي ينظر إلى نفسه من خلال إنتمائه إلى جماعته على أنه متميز، فهو الذي يقود ويحكم، ويتخذ القرار، بينما الآخر هو الذي ينفذ وعليه السمع والطاعة. هكذا تم تسييس الطائفية من خلال أسوء عملية هندسة إجتماعية على مدى قرون. رمزية هذا الشعور نجده واضحاً في العراق على سبيل المثال عندما نرى المسجد السني وقد تسيّس بقوة ورفع العلم العراقي ذي النجمات الثلاث وعبارة الله أكبر كأنه إحدى الدوائر الحكومية، مستخدماً العلم كرسالة تحد واضحة "أننا نحن الذي نمثل الدولة والسلطة". بينما نرى الطائفي الشيعي من منطلق ردة الفعل، والهرب إلى الإنتماء الطائفي كمحاولة ربما للحصول على أمان معنوي، وشعوري، يضع أعلاماً سوداء تشير إلى الحسين، وأعلاماً حمراء تشير إلى العباس كإستعراض لهويته الطائفية أيضاً.

    هذا الفرز الطائفي، خلق حواجز كبيرة تقف عقبة في تقدم المجتمع، لأن روح الدين الذي تدعي هذه الطوائف الإنتماء إليه قد غيبت في وسط هذا الإنتماء الطائفي الطاغي. الإ نتماء الطائفي هذا إبتعد بالإنسان عن روح التقوى والورع عن سفك الدماء، أو التعذيب. كما أنه إبتعد عن روح التسامح وتقبل الآخر، وإحترام الجار، والضعيف، وإبن البلد، والقريب. لأن الهوية الطائفية إجتماعياً أصبحت هي الأساس التي يتعامل من خلالها الفرد العراقي. لابد أن نضيف أن هذه الهوية وجدت تشجيعاً منهجياً ومبرمجاً كي تنمو وتتضخم على حساب الهوية الوطنية، أو الإسلامية الخالصة مع تغييب كامل لكافة وسائل التثقيف والإبداع والإنفتاح على قيم الأصالة. فمع كل تشجيع ورعاية كانت الطائفة السنية تحصل عليه من خلال أجهزة الحكم ومؤسساته، كان تنمو تحت الأرض جذور طائفية مضادة لهذا الضخ الطائفي الرسمي.

    أمثلة لتبني الدولة للفرز الطائفي
    لن أدخل في جوانب هذا الفرز من خلال كتب التأريخ القديم، لأننا سنجد المئات من الأمثلة للسيطرة الطائفية المتشنجة في العراق، ولن أدخل في تفاصيل العهد البعثي، لأنه يعج بآلاف الأمثلة الحية والواقعية على مسألة تمييز طائفي سيئ في الواقع العراقي.

    لكن المستغرب حقاً أن مناطق سنية يدعى إنتماؤها إلى العراق كانت تعيش في أوضاع سيئة جداً من الفرز الطائفي، والروح الغير متسامحة . وقد أثار عبدالرزاق الحسني هذا التساؤل عندما قال " وكنت ـ وانا اتجول في لواء الدليم ـ اسمع عن الشيعة وعن عاداتهم واوصافهم الخلقية ومصيرهم بعد الموت ما لا يكاد يخرج عن اساطير الف ليلة وليلة واحلام قمر الزمان وشهرزاد مع ان مساكن الشيعيين في الفرات الاوسط لا تبعد عن مساكن اخوانهم السنيين في لواء الدليم الا ببضعة اميال "، هذا التساؤل طرح في بدايات القرن العشرين.

    أما الإقصاء عن مواقع صناعة القرار، فيكفي أن نشير إلى أن من بين 59 وزارة عراقية في العهد الملكي وعلى مدى 38 سنة، لم يتمكن الشيعة أن يشغلوا رئاستها سوى خمس مرات إستمرت بمجموعها مدة لا تتجاوز السنة. أما الفترة التي تلت الحكم الملكي فقد أخذت السيطرة الطائفية أبعاداً أكثر دراماتيكية ووحشية. ويعزو الكثيرون أن إحد أهم الأسباب التي أدت إلى إسقاط وقتل عبدالكريم قاسم، هو تسامحه الطائفي، وتركيزه على الهوية الوطنية، مما أثار حفيظة التيار الطائفي السني ضده وضد سياساته. ولا ننسى إستخدام كلمة شعوبية بكثرة في عهده، والعهود التي تلت عهده، كتعبير واضح يقصد منه أغلب الأحيان "الشيعة". وقد لاحظت عودة هذه النبرة مرة أخرى إلى الظهور على لسان فخري القيسي أحد المسؤولين في هيئة علماء المسلمين في العراق، وهو ينتقد عدم إنحياز الشيعة وعلمائهم للفلوجة.
    "أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام"
    كونفوشيوس (ع)

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2003
    الدولة
    الغنى في الغربة وَطنٌ. والفقر في الوطن غُربةٌ
    المشاركات
    1,266

    افتراضي

    يجب تغيير تفكير وسلوك سنة العراق باتخاذ برامج اجتماعية توعوية تقوم بتثقيف السني العربي بأن الإسلام دين تسامح و بأن الجميع سواسية أمام الله
    والدين لله
    والوطن للجميع

    ومحاربة الفكر السلفي الوهابي الذي يغذي هذا الشئ في أنفسهم وحقدهم على الشيعة

    وأن يضرب الشيعة عند توليهم للحكم أروع مثال على العدالة والحرية والمساواة وأن يقوم بالتعامل مع جميع مناطق العراق نفس المعاملة
    وأن يعمر كافة المدن ويقيم المشاريع الإقتصادية

    أما المؤسسة الأمنية والجيش فتحتاج إلى عملية نبش وتدقيق وتمحيص عن كل شخص يحمل نفس عرقي او طائفي

    أما إذا كان العربي السني لا يستطيع ان يتخيل ان شيعي يحكمه ومستعد لكي يفعل الأفاعيل ليسقط هذا الحاكم ، فقسموا العراق إلى ثلاثة أقسام عرقية مذهبية ليرتاح الجميع
    وسيكون هم الخاسرين حيث ان معظم نفط العراق وثرواته الإقتصادية في الجنوب

  7. #7

    افتراضي

    اخواني، ما ايصير هيجي
    يجب ان تفرقوا بين السنة والوهابية

    السنة صح يعتبرون الشيعة جهلة او ذو عقائد شاذة، لكنهم لا يعادون الشيعة

    اما الوهابية ففهم شرذمة وهم الشيطان ولا امل فيهم

  8. #8

    افتراضي الاخ العقيلي

    اعتقد ان الظلم والطغيان هو هو احد اسباب هذه الظاهره نعم
    ولكن الذي رافق حاله التجويع المبالغ فيها للناس من قبل الحكومات والذي سبق سقوطها وانهيارها بالكامل كان
    احد الاسباب في سرقة المال العام من قبل الطائفة التي ذكرتها , فأن كنت ذكرت بعض الميسورين الذين قاموا
    بنفس الفعل فهذا يرجع الى مسأله فضلا عن الذي ذكرت لا يمكن اغفالها , فهناك ثقافة مشاعة في المجتمع
    ومشرعنة ضمن الطائفة التي ذكرت , لا تعتقد ان هناك ملكية عامة بل ان هناك مجهول مالك , يمكن التصرف
    به بعد اخراج (........... .) ومشروط ان لا يلحقك ضرر خاص , وربما هذه احد الاسباب التي نسيت ان تذكرها . فأن هذه الثقافات وغيرها كانت وراء كل هذا الضعف والتشرذم لهذه الطائفة فقد شغلتنا عيوب الغير عن النظر الى عيوبنا فنحن نجيد تقييم الاخرين لكن لم نحاول ان نقييم فكرنا وثقافتنا

    :=
    محمد باقر

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني