العراق المحجب


بقلم: جمال محمد تقي

الحجاب والنقاب والقناع زي موحد يشترك به كل العراقيين، نساء ورجالا، رجال مقاومة وعملاء، سنة وشيعة، كردا وتركمانا، مسلمين ومسيحيين، حكاما ومحكومين. العراق اليوم هي بلاد يغمرها الحجاب!

ميدل ايست اونلاين
في العراق الاميركي، العراق الطائفي والاثني، العراق المفصص، العراق المحصص على قوائم السماسرة من حملة رايات الملل والنحل، صار الحجاب والنقاب وكل انواع الستائر والحواجز والموانع والمقاطع طاغية على البشر والحجر، حتى الرجال يتحجبون كي لا يستدل من ملامحهم على انتماء ما في وسط يريد امتلاك المنتمين!

اليزيدي يرتدي ما لا يشير على انه يزيدي عندما يضطر للقدوم الى مركز دهوك وهكذا تفعل النساء!

التركماني يخفي سحنته ولكنته حتى لا يستدل عليه عندما يضطر للسير في منطقة رحيم اوى!

وعبد الحسين يحسب الف حساب عندما تتوجب زيارته لأقاربه في بلد والدجيل!

اما عمر فقد غير اسمه الى عبد الحسن حتى يستطيع مواصلة عمله الذي عاشره عشرة العمر في الكرادة! اما الزايرة فضيلة التي يناطح عمرها السبعين او الثمانين والساكنة مدينة الثورة فهي ترسم خط سيرها لزيارة الكاظم مئة مرة لولدها ستار حيث سيرافقها لاداء مراسم النذر الذي لا ينتظر التأجيل، تشدد عليه تجنب الاعظمية وسلوك طريق الباب الشرقي ـ العلاوي ـ ثم الكاظم مرورا بمنطقة النواب، انه أأمن! الزايرة فضيلة تلتقط ما يتحدث به الناس عن مخاطر المرور بالاعظمية، اما ستار فهو يحاول ان يظهر قدرته على حماية أمه حتى لو اضطر للمرور بمناطق مزروعة بالألغام انها حالة ليست جديدة عليه، وهو الحائز على نوط الشجاعة في الحرب الايرانية العراقية، حيث كان يفجر الغام جند خميني بالحجر الذي يرميه عليها وهو منبطح في موقع آمن!

ابن الزبير اذا اراد العشار فعليه ان يرتدي البنطلون بدل الدشداشة الزبيرية، نعم آمن!

الحواجب والستائر الاسمنتية تنزرع في كل مفصل للمرور وفي كل الطرق المهمة وغير المهمة!

حواجز السيطرات الطيارة والثابتة تتمترس هنا وهناك، ابراج المراقبة لقوى الحمايات الخاصة تستخدم نواظيرها النهارية والليلية لمراقبة السير والمارة واحيانا بيوت الجيران وغرف نومهم!

واذا سلم حي ما من الستائر والحمايات والسيطرات فانه لم يسلم من وجود خيمة لموكب حسيني او حسينية او مسجد ووجود هذا الاخير حالة طبيعية قبل الانفجار الديمقراطي الحاصل حاليا في العراق لكن الفارق الان هو انتماء المسجد، فإذا كان المسجد بأصول سنية فهو قد يتعرض وبأي لحظة لهجمة غادرة مجهولة واذا كان المسجد شيعيا فانه قد يتعرض للمصير نفسه وهكذا الحال دواليك!

الفصل والتطهير الطائفي والتهجير وأعمال الانتقام المدروسة وغير المدروسة تلعب مع الهواء السائد لعبة الموت الاسود.

بالقطع الذي خطط ونفذ تفجير رمز التلاحم المذهبي الشاخص في عاصمة المعتصم ضريح الامامين العسكريين في سامراء الغراء والذي بقي متحديا الفرقة والتخندق ان كان جغرافيا او سكانيا ورغم انف المتحجرين في سراديب السدنة المتلاقحة مصالحهم مع مصالح المحتلين، لم يكن غبيا ولا هاويا ولا مجنونا، انه يعي ويجيد تحويل افتراضاته المطلوبة الى حقائق على الارض، هذا الفاعل هو فاعل بالفعل لأنه انجز بضربة معلم ما لم ينجزه قبل احتلاله وبعد احتلاله بأكثر من سنتين، وبحسبة رقمية فهو قد خفض من خسائره المحتملة الى حوالي النصف وهذا انجاز سيمنحه القدرة على المراوغة المجدية لتحقيق تكامل النتائج مع الاهداف القريبة والبعيدة.

هل سينقلون ضريح الامامين الى النجف لتكون حلقات التمركز الطائفي قد تحققت بانتظار لحظة الانفكاك من حالة التعاشق السائدة عمليا لإعلان دولة صاحب الزمان الذي طال انتظاره؟

كيف يجرؤون وارض سامراء شربت من اجسادهم الطاهرة ما لم تشربه منطقة اخرى؟

كيف وأهل سامراء هم أهل الامامين دون حجاب ونقاب لمذهب او ولاية او وصاية انهم اقرب للإمامين من اي مدعي مهما ادعى؟

نعم هذا القول يخيفهم هذا الواقع يفضح لا مصداقية ما يزعمون، لذلك كله قرروا نسف التجسيد الشاخص وجعله شاهد زور على صدق ما يطرحون!

عندما سأل احد الصحفيين الاجانب بيان جبر وزير المالية في الحكومة الحالية ووزير الداخلية اثناء حصول حادثة تفجير مراقد سامراء عن نتائج التحقيق بعد مرور اكثر من 6 اشهر عليها اجابه بيان جبر قائلا: التحقيق اثبت وجود عصابات مدربة وهي ارهابية اكيد!

فقال له الصحفي فخامة الوزير هذا كلام عام ما هي النتائج الملموسة الاسماء التمويل المخططين الاعترافات؟ فأجابه الوزير مستدركا التحقيق مازال جاريا!

وحتى هذه اللحظة لم تظهر نتائج التحقيق! والسبب بسيط هو ان القوى التي قامت بالتفجير لم تترك اي اثر يستدل عليها لأنها هي من يشرف على حماية سامراء وبغداد والرمادي وتمكنت طوال الوقت من تشتيت اصابع الاتهام!

بالقطع ستكون المرأة هي ـ حمالة الاسية ـ هي الضحية الاولى لكل الذي يجري في العراق اميركيا شيعيا او سنيا او كرديا او يزيديا او مسيحيا او تركمانيا، كل يافطة تتوجه الى المرأة على انها متلقية وهي شيء يجب حجبه عن الاخرين خاصة وان الاخرين اشرار!

لا عمل لا تعليم لا رعاية صحية، لا امان لا ضمان، ولا دولة تحمي الحقوق حتى وان وجدت مسطرة على الورق!

شيء فوق الطبيعي ان تسود ظاهرة الحجاب والنقاب بين الفتيات والنساء عموما فالحالة كلها محجبة ومنقبة بل وصلت لدرجة ان المرأة تتحجب حتى امام زوجها! ربما كان زوجها سنيا، ولا يجوز كشف المستور امام زوج من مذهب اخر!!

لا تستغرب عزيزي القارئ فقد اجبرت الكثير من العوائل على الانفصال بسبب من اختلاف مذهب الزوج عن الزوجة!

ناهيك عن تحجب الرجال ايضا بواسطة اطلاق العنان للحاهم او تقصد التنكر او التلثم او ارتياد الحسينيات او المساجد بغير عادتهم محاباة للمليشيات وخوفا من سطوتها!

ففي اي مجتمع اذا سادت عمليات تحجيب او تنقيب المرأة فيه فانه هو، اي المجتمع كله محجب ومنقب من المعرفة المنتجة والعلاقة السوية والاستقرار الحقيقي والتكافل المتكافئ والتعافي النفسي.

المفارقة هنا ان الكثير من اصحاب مذهب التحجيب والتنقيب في مجتمعاتهم والذين يدعون بالاخلاق والالتزام الاجتماعي والديني ثم يناقضون ذواتهم بالحجر على طاقات بعضهم بعضا بازدواجية تستر حقيقتهم الانطوائية المريضة بالحشرية والشذوذ المقنع بالنقاب فالانسان السوي الواثق من قيمه واخلاقه لا يخفي نفسه وسلوكه على الاخرين ان كان رجلا ام امرأة واذا عرف السبب بطل العجب ويمكن تلافيه لكنه ان خفي وتم التستر عليه فستكون عواقبه وخيمة وعظيمة.

حتى رجال الشرطة والامن يتحجبون لاخفاء هوياتهم خوفا من حالة معاكسة!

الحجاب والنقاب والقناع زي موحد يشترك به كل العراقيين، نساء ورجالا، رجال مقاومة وعملاء، سنة وشيعة، كردا وتركمانا، مسلمين ومسيحيين، حكاما ومحكومين، حتى قوات الاحتلال تتحجب وخاصة عند اداء مهمات خاصة او خاصة جدا، بلاد يغمرها الحجاب!

حجب الحقائق عن الناس ومحاولة تطويعهم للانسياق للتلقين الاعمى والانشغال عن مكامن العلل بالجزئيات والقشريات والتعصب المهووس بالانانية والذاتية المحضة والغيبية المتسترة، اسلوب معتمد ليس فقط عند متعصبي الدين والمذاهب وانما عند النمط الاحتكاري العولمي ورموزه وقادته ونهجه وهؤلاء يتغذون على زاد هؤلاء والعكس صحيح، ان محاولة ظهور بوش وكأنه صاحب رؤية الهية واجب اطاعتها ومن لم يفعل فهو من محور الشر وجنوده جنودا للشيطان هو خير مثال على التغذية المتبادلة، وما كان يجري بين مشايخ الجهاد واميركا ايام الحرب الباردة ضد الشيوعية في افغانستان من غزل حتى خيل للبعض وكان آيات الله في البيت الابيض هم اكثر جهادية من اقرانهم في النجف او الازهر لهو مثال حي اخر لا ينسى رغم التناسي المتعمد من قبل الايات الجدد!

وهذا درس تاريخي ليس فقط للمخدوعين من مقلدي المراجع والمذاهب والاديان وانما من المتطرفين من اعدائهم جماعة الليبراليين الجدد الذين يعتقدون بجدوى الالتحام بمشاريع ايات البيت الابيض، الدرس يقول: كلهم آيات تحجب النور الكامن في ضمير وعقل وقلب الانسان لتكريس تبعيته، وان اختلفوا بطرق حجابهم معممين كانوا ام رجال كاوبوي!


جمال محمد تقي