ربطة عنق المالكي وكأس نبيذ خادم الحرمين وصليبه
رياض الحسيني
ركّزت بعض وسائل الاعلام السعودية على المظهر الذي ظهر فيه رئيس الوزراء العراقي الاستاذ نوري كامل المالكي في مقابلته للمرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية في ايران وهو يرتدي ربطة العنق. هذه الحادثة الاعتيادية جعلت من بعض وسائل الاعلام السعودية ان ترفق صورة قديمة للمالكي وهو من دون ربطة عنق وتبرز بذلك تحقيقا صحفيا لم يشبهه اي تحقيق اخر سوى حادثة حذاء الزيدي! لقد فات هذا الاعلام ان يتطرّق الى لون عباءة الخامنئي حيث كانت داكنة اللون في اللقاء الثاني بينما كانت سوداء في الاول، من يدري ربما سيتحدّثون عنها في مناسبات قادمة!
طبعا هذه القنوات الاعلامية لم تتطرق الى حادثة احتساء "خادم الحرمين" الملك عبدالله للنبيذ وقرعه الكؤوس مع من يسمونهم "الصليبيين" في قمة العشرين الاقتصادية التي رصدت لها السعودية بلايين الدولارات وذلك لمساعدة الاقتصاد الامريكي فيما هو اقتصاد يهودي في النهاية وذلك للنهوض من كبوته مرة اخرى. نقول لم يأخذ هذا الحدث منها ما أخذته حادثة ارتداء المالكي ربطة العنق او خلعها! أليس الامر في غاية الغرابة والصفاقة معا؟! ولنفرض ان من احتسى النبيذ كان المالكي، ترى كيف كان سيكون شكل التحقيقات السعودية في هذا السياق؟!
قضية اخرى حدثت خلال الحرب العراقية الايرانية مع "خادم الحرمين" السابق الملك فهد بن عبد العزيز يوم ارتدى الصليب التي حاول الاعلام السعودي حينها التعتيم عليها بكل الوسائل لدرجة انه منع دخول الصحف البريطانية الى السعودية من جهة ومن جهة اخرى سارع لاخفاء الصليب باستخدام برنامج (الفوتوشوب)! كل ذلك لم يجدي نفعا لان الصورة قد تسرّبت من خلال وسائل اعلام دولية محايدة الى كل مكان وكانت محط تندّر خاصة بعد ترديد فتوى كاذبة على لسان مفتي السعودية عبد العزيز بن باز التي أشيع انه قال "لبس الصليب حلال باعتبارها هدية وهدية الملوك لاتُرد" الامر الذي كذّبه الباز حينها وأكّد على الحرمة الكلية الغير قابلة للتجزئة او التخصيص! هذه ليست الحادثة الاولى فقد سبقه ابيه عبد العزيز في لبس الصليب في بدء زرع دعائم حكم آل سعود في نجد والحجاز!
أيضا هذا الاعلام حاول جاهدا تبرير ارتداء الملك عبدالله ايضا يوم كان وليا للعهد للصليب واعتبر الامر "بروتوكولا" معمولا به في دولة النمسا ليبدو ان حلال النمسا حرام في ايران رغم الفارق الكبير بين الحدثين طبعا. خصوصا لو علمنا ان لبس ربطة العنق في حضرة المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية في ايران لايتعدّى كونه نوعا من الاحترام ليس اكثر بينما لبس الصليب للمسلم يعد حراما شرعا بأجماع كل المسلمين ليس لانه صليبا بحد ذاته ولكن لكونه رمزا واعتقادا منافي للواقع من حادثة صلب النبي عيسى (ع) وهو مايقف بالضد مما جاء به القرآن وفقا لقوله جل شأنه "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ " (النساء 157). اضافة الى ذلك فان لبس الصليب والقبول به انما يقع في باب الموالاة التي بيّنها القرآن في قوله جل شأنه "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (المائدة51).
لقد بات من الواضح والجلي مدى التمادي والتضليل والتدليس الذي تمارسه القنوات الاعلامية السعودية وبالتحديد فيما يخص الشأنين العراقي واللبناني تحديدا. هنا تبرز قضية تبنّي السعودية من خلال امرائها كمالكين لغالبية الاعلام العربي من فضائيات وصحف ومواقع انترنتية وخطواتها العملية الحثيثة كدولة وهابية. تلك الدولة التي تنتهج توجيه كل هذه الادوات باتجاه خدمة مشروع "الطائفية" املا في تغيير او على الاقل تحييد البوصلة الاسلامية والعروبية والرأي العام العربي والاسلامي في الصراع العربي الاسرائيلي مستغلة وجود بيت الله الحرام كقبلة للمسلمين من جهة والثروة البترولية التي تسهّل عليها حركة التغلغل لخدمة هكذا مشاريع مدسوسة.
مثلا الاعلام السعودي بكل اشكاله وخلال تغطيته للهجمة الصهيونية على قطاع غزة وقتله للشعب الفلسطيني لم يكن حتى محايدا على الاقل كأعلام يحترم الاختلاف فبدى اعلاما منحازا لاسرائيل في تغطيته. الاعلام السعودي حاول ولازال جاهدا لابراز ان مايجري في غزة ماهو الا صراع سلطوي بين اسرائيل وبين حركة حماس "المتغطرسة" على حد تعبير احدى الصحف السعودية التي تبرز نفسها كصحيفة ليبرالية صاعدة! هذا الوصف والتحريف والتزييف ليس غريبا على الاعلام السعودي بكل اشكاله فقد سبقه وصف حزب الله اللبناني باقذع الاوصاف وذلك من قبيل نعته بـ (حزب اللات) واحيانا (الحزب الفارسي). اما سيد المقاومة السيد حسن نصرالله فلايمر به هذا الاعلام والا ويصفه بـ "الارهابي" رغم ان الرجل لم يفجّر حزاما ناسفا ولم يزرع عبوة لقتل الابرياء في السعودية وكل اعماله الوطنية والاسلامية تصب في الدفاع عن بلده لبنان ضد الصهاينة المغتصبين في وقت تسرح وتمر ح فيه الوهابية في بيروت وبغداد وتتنقل من تفجير الى اخر ومن ذبح على الهوية الى مؤامرة تلو اخرى لتفتيت الوحدة الوطنية واللحمة بين ابناء هذين البلدين. بيد ان اطلاق هذه الصفات والنعوت على المقاومة الاسلامية ماهو الا ترديد وتعضيد للهجمة الصهيونية على العرب والمسلمين ليبدو بذلك الاعلام السعودي متصهينا اكثر من الصهاينة!
طبعا الاعلام السعودي المأجور لايقوى على مناقشة ولو بعضا من هذه التجاوزات اللاأخلاقية بينما يسلّط الضوء وبشكل واسع وكبير ولفترة مفتوحة في تبنيه الشعار الصدامي البعثي "الهجمة الفارسية على البوابة الشرقية للوطن العربي"! ترى هل سنشهد اعلاما عربيا منصفا يعيد لهذه الامة بهائها وهيبتها ام سيبقى الاعلام السعودي سيد الساحة يتفانى في خدمة المشاريع الاستعمارية في المنطقة العربية؟ سؤال نضغه امام اصحاب رؤوس الاموال من الشرفاء والخيرين الذين يهمهم امر هذه الامة المغلوبة على أمرها.
كاتب وناشط سياسي عراقي