كنت دائماً من المعجبين بأعمال المعماري العراقي المخضرم د.محمد مكية
فهي عكست رؤية محلية فنية راقية معمارياً....و خصوصاً في عمارته للمساجد...
و التي توزعت ابداعاته فيها في بلاد الأرض في الكويت...سلطة عمان...لبنان ..وطبعاً بلده العراق...و غيرها..
قرأت له بالصدفة كتاب وقع تحت يدي منذ أيام قليلة ...
وفيه سجل هذا الفنان المبدع بعض من خواطره تحت عنوان سيرة معماري و يوميات محلة بغدادية..
و كان ذلك في كتاب تحت عنوان (خواطر السنين) طباعة دار الساقي....
و ما هالني عند قراءة بعضاً من ذكريات هذا المعمار المبدع هو اصطدام هذا الفنان بالسلطات "الطائفية المتعاقبة" في العراق!
و رغم أن د.محمد مكية نفسه هو علماني متحرر و هو أقرب الى الليبيرالية المتحررة من الى "شيعيته"!!!...
لكن يبدو ان هذا الأمر لم يغفر له عند قوى الظلام و التخلف في أركان الطائفة المنصورة في أنظمة الحكم المتعاقبة في العراق!
وقد ظهر ذلك جلياً في مواقف عديدة ...ساقطتف منها بعض الأمثلة من سيرته الطويلة مع العمارة :
ذكر محمد مكية كيف فرض عليه في حينه أن تكون "مدينة الزبير"ذات النسيج السني ...
مركزاً لجامعة "البصرة" أو أن تفرض بعضاً من كلياتها في مدينة الزبير!!!
و كيف كانت تلك التوجهات "الطائفية" هي رغبة "الدولة" أيام عبد السلام عارف!!!...
و كيف اشعره أحد المدراء (وكان من أهل الموصل) أن اهتمامه( محمد مكية) ببناء جامع الخلفاء
هو لأنه قريباً من محلته "الشيعية"!!!أي محلة صبابيغ الآل التي ولد فيها المعمار..
و كيف طلب للمحاكمة فيما بعد على يد وزارة الأوقاف بتهم ملفقة (بعد انقلاب 8 شباط 1963)..
وكيف جيء بظيوف مستوردين "سنة" من خارج المحلة "الشيعية" في افتتاح الجامع المذكور!!...
و كيف فرضت مسألة "سنية" الجامع في محلة شيعية!!!...
لأنه جامع هو للدولة بحسبهم ومذهب الدولة "سني"آنذاك ... وهكذا!...
و غيرها من الأمور و أخطرها..عرقلة نظام البكر الطائفي قيام جامعة الكوفة ...حلم حياة المعماري محمد مكية....
سأقتبس هنا كلمات محمد مكية:
حقيقة لم يكن ببالي و أنا أنوي تأسيس الجامعة المذكورة بأني شيعي, و لكن ما واجهته من تعصب و تعنت ضد مذهبي ما جعلني اتذكر بانني شيعي, ولعل ذلك دفع بي نحو ما لا أقره في شخصية الفرد العراقي .فالطائفية تغدو مخيفة عندما تظهر من رجال الدولة و السياسة...
ثم يذكر محمد مكيه في سرده لسيرته الذاتية مسألة اططدام مشروعه بالنظام السني آنذاك..يقول محمد مكية:
أخبرني وزير الدولة السابق السيد عامر عبد الله , اثناء قيام ما يسمى بالجبهة الوطنية بين حزبي البعث الحاكم و الحزب الشيوعي العراقي ,ذكر لي أنه تحدث مع رئيس الجمهورية آنذاك أحمد حسن البكر السنة 1974 حول احياء مشروع الجامعة المذكور, فهناك من التبرعات التي حصل عليها المشروع ما يكفي لانجازه, وسبب ذلك أن طلبات سمعها الوزير يوم كان بزيارة تفقدية للمنطقة نيابة عن رئيس الجمهورية (البكر). و كان جواب البكر لعامر عبد الله ما معناه: " أنت يبدو اصبحت شيعياً !!!" و اتهام المشروع بأنه محتكر من قبل (الشيعة)...فهو بمنطقة شيعية!!! قريبة من النجف...وقد كان ذلك عقبة بوجه المشروع أدت الى الغائه سنة 1969 اي بعد ثلاثة سنوات على انبثاقه!!!