النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: مصطلحات قرآنية

  1. #1

    افتراضي مصطلحات قرآنية

    [align=center]المقدمة [/align]


    عـند دراسة النتاج الضخم لسماحة آية اللّه العلامة مرتضى العسكري , نكتشف منذ الوهلة الاولى اهـتـمـامـه بـدراسة وتعريف المصطلحات في كل حقل من حقول البحث التي يتناولها في دراساته فـالـمصطلح عند السيد العلامة ضرورة من ضرورات البحث , ومقدمة اساسية لا يمكن تجاوزه من اجل الوصول الى النتائج العلمية الموثقة المطابقة لحقيقة الفكر الاسلامي .
    وعـلـى هذا فان دراسة المصطلح وتقديم مفهومه الصحيح , يمثل منهجا ثابتا في المشروع الفكري لـلـسـيـد العسكري , والذي يهدف فيه الى اعادة الاصالة الى التراث الاسلامي , وتصحيح المفاهيم والعقائد والاراء التي لحق بها التحريف والتشويه .
    ان اهـمـيـة الـمـصطلح كما يراها العلامة العسكري , جعلته يبذل جهودا علمية كبيرة في دراسة وتـعريف المصطلحات بشكل موضوعي دقيق , بحيث شكلت دراساته في هذا الخصوص مادة ثقافية موثقة تساهم بشكل اكيد في فهم وتوجيه الدراسات العقائدية والتاريخية وغيرها من حقول المع فة الاسلامية وهو بذلك يسجل سبقا آخر في الدراسات العلمية يضاف الى جهوده الرائدة في مجالات العقيدة والتاريخ والحديث وعلوم القرآن .

    [align=center]نظرية العلامة العسكري في المصطلحات [/align]


    قد يتصور البعض ان المصطلح له اهميته في مجالات محدودة من حقول المعرفة فحسب , ولا يمكن تـعـمـيـم هذه الاهمية على كل مجالات الثقافة لكن السيد العلامة يرفض هذا الراي بشكل قاطع , ويـؤكـد عـلـى ان الـمـصـطـلـح لـه اهـمـيـتـه في كل الحقول المعرفية , وينطلق في ذلك من مرتكزين اساسيين :
    الاول : ان الاسـلام عقيدة متكاملة غير قابلة للتجزئة والتفكيك , وان لكل مدرسة فكرية وعقائدية مـصـطلحاتها وللاسلام مصطلحاته الخاصة , وان هذه المصطلحات اساس ثابت من مفاهيمه وثقافته والـتراث الاسلامي لا يعاني من اي نقص في هذا المجال , فهو غني بالمصطلحات سواء امصطلحات الاسـلامـيـة الـشـرعـيـة التي جاءت في القرآن الكريم وحديث الرسول (ص ), او مصطلحات المتشرعة التي اطلقها علماء المسلمين في مختلف العصور.
    الثاني : ان فهم الاسلام الاصيل لا يمكن ان يتحقق الا من خلال فهم الاصول العقائدية التي جاءت في الـقـرآن الـكريم وسنة الرسول (ص ) وان لهذه الاصول مصطلحاتها الخاصة التي عن طريق فهم مـعـانـيـهـا الحقيقية يتسنى لنا فهم واستيعاب عقائد الاسلام ومفاهيمه على النحوالسليم بعيدا عن الـتـشويه والخلل وهذا ما يمكن اكتشافه في بحوث العلامة العسكري في المواضيع التي بحثها في مـجـالات العقيدة والتاريخ وعلوم القرآن وغيرها من مجالات المعرفة التي نشا الخلاف حولها بين المسلمين .
    ان نـظـرية العلامة العسكري حول المصطلحات يمكن ان نطلق عليها تسمية (وثائقية المصطلح ), وخـلاصـتها انه جعل من المصطلح اداة للتوثيق في مجالات العقيدة والمفاهيم والاحكام الاسلامية حـيـث يـدرس سـمـاحته تاريخ المصطلح من الناحية الزمنية وفترات استخدامه , وتطور دلالاه ومعانيه .
    كـمـا انـه يـدرس دائرة اسـتـخـدام المصطلح الجغرافية , ويؤكد على ضرورة التمييز بين هذه المصطلحات بحسب البلدان المتداولة فيها, ويضع سماحته ضابطة جغرافية لمثل هذه المصطلحات , حـتـى لا تـكون مطلقة غير مقيدة , فهي ليست من اصطلاح المسلمين او عرف المتشرعة , بل هي خاصة بب د معين , مما يستدعي ذكر الاصطلاح مقرونا باسم البلد.
    وفـي هـذا السياق ايضا يرى العلامة العسكري ضرورة التمييز بين الاصطلاحات المتداولة لدى مـذهـب مـن المذاهب الاسلامية او لدى فرقة تنتمي الى الاسلام , فهناك تسميات خاصة بها, وهي لـيـست من اصطلاح المسلمين , بل ان لها معنى يختلف تماما عن المعنى المتعارف عليه عند غيره من الـمـسلمين الامر الذي يتطلب التعامل مع كل لفظ من هذه الالفاظ بالمعنى المستخدم عند المذهب او الـفـرقة المتداول لديها وهنا يرى سماحة العلامة ضرورة تسمية مثل هذه الاصطلاحات مقرونة باسم المذهب والفرقة , فيقال : (هذا اصطلاح مدرسة اهل البيت ), و(هذا اصطلاح مدسة الخلفاء), و(هذا اصطلاح الخوارج ).
    ان هـذا الـمنهج الذي اسسه العلامة الكبير مرتضى العسكري في دراسة المصطلحات , منهج رائد, وابـداع كـبير تفرد به في مجال التوثيق التاريخي يضاف الى ابداعاته المشهودة منذ اكثر من نصف قرن من الزمن .
    ولـقـد قدم العلامة العسكري في ضوء هذا المنهج , المفاهيم الاصيلة للعقيدة الاسلامية , كما يجدها الـبـاحـث والقارئ في كتابه (عقائد الاسلام من القرآن الكريم ) الذي صدر منه الى الان الجزءان الاول والـثـانـي فـفي هذا الكتاب قدم السيد العلامة دراسة موسعة , عرف فيه المصطلحات بشكل دقيق , بحيث شكلت مقدمة علمية لها اهميتها الكبيرة في تعريف عقائد الاسلام كما وردت في القرآن الكريم .
    والامر نفسه يجده الباحث والقارئ في كتاب سماحته (القرآن الكريم وروايات المدرستين ) حيث برهن السيد العلامة من خلال دراسة المصطلحات القرآنية في مجلده الاول وبمنطق علمي لا يقبل الـشـك , مـدى الخطا الكبير الذي وقع فيه قسم من المسلمين في علوم القرآن , واثر ذلك في مجال الـعقيدة , نتيجة تغيير معاني بعض المصطلحات عما كانت عليه في عصر الرسول (ص ) والصحابة وائمة اهل البيت (ع ).
    فـعـلـى سـبـيل المثال ناقش سماحته في المجلد الثاني من هذا الكتاب , روايات مدرسة الخلفاء التي اسـندت الى الرسول (ص ) انه اجاز تبديل اسماء اللّه في القرآن الكريم بعضها ببعض فعقد العلامة الـعسكري دراسة مقارنة بين موارد استعمال اسمي (الاله ) و(الرب ) واثبت مبلغ بع هذا القول عن الصواب , وعدم صحة نسبة تلك الروايات الى رسول اللّه (ص ) وصحابته .
    ان هـذا الـنـموذج الذي ذكرناه عن منهج البحث عند العلامة العسكري في خصوص المصطلحات يكشف لنا ان قسما كبيرا منها لم يستوعب بشكلها الصحيح , ولنا ان نقدر حجم الخلل في هذا المجال اذا مـا عـرفـنـا ان هـناك الكثير من المصطلحات المتداولة بين المسلمين قد تبدلت معانيهاالى معان اخرى .
    وفي كتاب (معالم المدرستين ) باجزائه الثلاثة , درس العلامة العسكري ضمن المنهج نفسه , الكثير مـن المصطلحات المتداولة في التراث الاسلامي , وبرهن على الخطا الذي وقع فيه علماء مدرسة الخلفاء في عدد من الاحكام والمفاهيم الاسلامية , كالخمس والغنيمة والصحبة والاجتها وغير ذلك من المصطلحات التي تتاسس عليها الكثير من المفاهيم والعقائد والاحكام الشرعية .
    لـقـد اثـبـت الـعـلامـة العسكري بما لايقبل الشك , وبمنطق البحث العلمي الموضوعي ان دراسة الـمـصطلحات الاسلامية , تمثل ضرورة من ضرورات البحث العلمي , وانها المقدمة الاساسية لفهم عقائد الاسلام ومفاهيمه فهما اصيلا, اضافة الى دور المصطلح في عملية التوثيق التاريخي وهو ما يـحـتـاج الـى دراسة خاصة حول نظرية العلامة العسكري في التوثيق التاريخي من خلال دراسة المصطلحات .
    وانطلاقا من اهمية فهم المصطلحات الاسلامية فهما صحيحا كما قدمها العلامة الكبير حفظه اللّه , قمنا بمراجعة نتاج سماحته , حيث استخرجنا منها بحوثه حول المصطلحات الاسلامية , من اجل ان تـكـون فـي مـتـنـاول ابناء الامة الاسلامية , والباحثين الاسلاميين , فهي تمثل قيمة علمية كبيرة , وحصيلة جهد علمي طويل زاد على نصف قرن من الزمن .
    نـسـال اللّه تعالى ان يحقق بهذا الكتاب الفائدة المرجوة وان يتقبل منا هذا المجهود الضئيل , انه نعم المولى ونعم النصير.
    سليم الحسني .
    21 رمضان 1418 هق .
    .

    [align=center]اللغة العربية والمصطلحات الاسلامية
    اولا ـ تعريف المصطلحات وهي :[/align]


    ا ـ لغة العرب . ب ـ المصطلح الشرعي او المصطلح الاسلامي .
    ج ـ مصطلح المتشرعة او مصطلح المسلمين .
    د ـ الحقيقة والمجاز.
    ونـسـمـي الاول احـيـانـا بــ (تـسمية العرب ), والثاني بـ (تسمية الشارع ) والثالث بـ (تسمية المسلمين ) ونقول :
    ا ـ لغة العرب :
    انما نتحدث عن لغة العرب , لان القرآن نزل بلغتهم , فنقول :
    ان جـل الالفاظ العربية التي نستعملها اليوم , كانت شائعة في معانيها قبل الاسلام وبعد الاسلام حتى اليوم , مثل : الاكل والنوم والليل والنهار.
    ومـن تلكم الالفاظ ما ورد في لغة العرب في معان متعددة , مثل لفظ: (غنم ) الذي كان في البدء بمعنى كـسب الغنم , ثم استعمل ايضا في لغة العرب بمعنى الفوز بالشي ء بلا مشقة , ثم استعمل في الاسلام في الفوز بالشي ء مطلقا, سواء اكان الفوز بمشقة ام دون مشقة .
    وقـد يرد لفظ عند قبيلة بمعنى , وعند اخرى بمعنى آخر, مثل (الاثلب ) فانه في لغة اهل الحجاز: الحجر, وفي لغة تميم : التراب ((1)) .
    وفـي عـصـرنـا يـستعمل لفظ: (المبسوط) ويراد به عند العراقيين : المضروب , ولدى الشاميين والـلبنانيين : المسرور, وفي مثل هذه الحالة يجب ان نقول مثلا: (الاثلب ) في لغة تميم بمعنى كذا, وفي لغة الحجازيين بمعنى كذا, وكذلك الامر في (المبسوط).
    ب ـ المصطلح الشرعي او (المصطلح الاسلامي ):
    عـنـدمـا بـعـث اللّه خاتم انبيائه (ص ) استعمل بعض الالفاظ العربية في غير معانيها الشائعة لدى الـعـرب , مـثـل : (الصلاة ) التي كانت تستعمل في مطلق (الدعاء) واستعملها رسول اللّه (ص ) في عـبادة خاصة لها قراءات خاصة مقارنة بافعال خاصة من قيام وركوع وسـجود, مما لم تك معروفة لدى العرب وهذا ما نسميه بـ(المصطلح الشرعي او الاسلامي ) سواء في ذلك اغير المعنى اللغوي لـلفظ مثل (الصلاة ) ام جاء الشارع الاسلامي بلفظ جديد في معنى جديد, مثل : (الرحمن ) صفة للّه تعالى .
    ويعرف (المصطلح الشرعي ) بورود اللفظ في معناه في القرآن الكريم او الحديث النبوي الشريف , وبدون ذلك لا يوجد المصطلح الشرعي .
    اذا فالمصطلح الشرعي : ما استعمله الشارع في معنى خاص وبلغ الرسول (ص ) ذلك .
    ج ـ مصطلح المتشرعة او (تسمية المسلمين ):
    مـن الالـفـاظ مـا هـي شائعة في معان خاصة بها لدى المسلمين عامة مثل : (الاجتهاد) و(المجتهد) الـشـائعـين لدى عامة المسلمين في الفقه والفقيه , وكان اللفظان في لغة العرب بمعنى بذل الجهد في طـلـب الامر ((2)) , وباذل الجهد, واسـتعملا بنفس المعنى اللغـوي في حديث الرسول (ص ) كما روي عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
    (فضل العالم على المجتهد مائة درجة ), اي على المجتهد في العبادة ((3)) .
    وفي ما روي عن سيرته (ص ) وقيل :
    كان رسول اللّه يجتهد في العشر الاواخر ما لا يجتهد في غيره ((4)) .
    ولـم يـرد (الاجـتـهاد) و(المجتهد) بمعنى : الفقه والفقيه , في القرآن الكريم ولا الحديث النبوي الشريف , ونسمي هذا النوع من التسمية بـ (عرف المتشرعة ) و(تسمية المسلمين ).
    ومـن هـذا النوع من التسمية ما لايكون شائعا لدى عامة المسلمين , بل يكون شائعا لدى بعضهم , مثل كـلمة : (صوم زكريا) المستعمل لدى بعض المسلمين في الصوم مع الالتزام بالصمت والامتناع عن التكلم وهذا النوع من المصطلح ينبغي ان نسميه باسم البلد الشائع فيه , فنقول .
    هذا اصطلاح المسلمين من اهل بغداد, او اصطلاح المسلمين في القاهرة مثلا, ولا يصح ان نسـميه بـ (اصطلاح المسلمين ) او (عرف المتشرعة ) او (تسمية المسلمين ) مطلقا وبدون تقييد.
    وكـذلـك الامـر بالنسبة الى التسمية الشائعة لدى اهل مذهب من المذاهب الاسلامية او لدى فرقة تنتمي الى الاسلام .
    مـثـل : (الـشـاري ) و(الـمشرك ) لدى الخوارج , فـ (الشاري ) عندهم بمثابة المجاهد عند كافة المسلمين , و(المشرك ) عندهم : جميع المسلمين وكل من لا ينتمي الى الخوارج .
    ومثل (الرافضي ) الذي ينبز به بعض اتباع مدرسة الخلفاء بعض اتباع مدرسة اهل البيت (ع ).
    و(الـناصبي ) عند اتباع مدرسة اهل البيت (ع ) الذي يسمون به : كل من يبغض الائمة من اهل البيت (ع ).
    وفـي مـثل هذه الحالة , نسمي الاول بـ (اصطلاح الخوارج ) والثاني بـ(اصطلاح مدرسة الخلفاء) والثالث بـ (اصطلاح مدرسة اهل البيت ).
    وبـنـاء على ما ذكرنا, فاذا ورد لفظ (الناصبي ) لدى اتباع مدرسة الخلفا لا ينبغي ان نفهم منه اعداء اهـل الـبـيـت (ع ) وكذلك اذا ورد لفظ (الشاري ) عند غير الخوارج لا نفهم منه ما اصطلح عليه الخوارج .
    د ـ الحقيقة والمجاز:
    اذا شـاع اسـتـعـمال اللفظ في معناه , بحيث لم يتبادر الى ذهن السامع عند استماع الكلمة غير ذلك المعنى , مثل لفظ: (الاسد) الذي يفهم منه : الحيوان المفترس , لا غيره ومثل لفظ: (الصلاة ) التي لا يفهم منها لدى المسلمين غير: القيام بالاعمال الخاصة المقرونة باذكار خاة .
    فـي مثل هذه الحالة , يوصف (الاسد) بانه حقيقة في الحيوان المفترس , و(الصلاة ) بانها حقيقة في الاعمال المخصوصة , ويسمى الاول بـ (الحقيقة اللغوية ) والثاني بـ (الحقيقة الشرعية ).
    وقـد يستعمل لفظ (الاسد) ويقصد به : الرجل الشجاع , ويقال : رايت اسدا يتكلم في المسجد وهذا الاستعمال يسمى استعمالا مجازيا ويقال : استعمل (الاسد) مجازا في الرجل الشجاع ولابد عند ذلك مـن وجـود قـرينة في الكلام او في المقام , تدل على انه لم يقصد من (الاسد)المعنى الحقيقي , مثل قـولـك هنا: (يتكلم في المسجد) فان الاسد لا يتكلم , وهذه قرينة على ان القائل لم يقصد الحيوان المفترس , وانما قصد رجلا شجاعا.

    [align=center]ثانيا ـ كيفية تاليف مجاميع اللغة العربية :[/align]

    عـندما قام علماء اللغة العربية بتدوين اللغة العربية في القرنين الثاني والثالث الهجريين , سجلوا امام كل لفظ ما وجدوا له من معنى , منذ العصر الجاهلي الى زمانهم , سواء اكان ذلك المعنى شائعا عند اهل الـلغة ام في الشرع الاسلامي , او لدى المسلمين , غير ان فقهاء المسلمين بذلوا جهدا مشكورا مدى الـقـرون في تحديد المصطلحات الاسلامية الفقهية وتعريفها, مثل مصطلح الصلاة والصوم والحج وغيرها, فاصبحت المصطلحات الاسلامية الفقهية معروفة لدى جميع المسلمين ولما لم يبذل نظير ذلـك الجهد في تعريف المصطلحات الاسلامية غير الفقهية , اصبح بعض المصطلحات غير معروف لـدى الـمـسـلـمـيـن , اهي من نوع الاصطلاح الشرعي ؟ ام من نوع تسمية المسلمين واصطلاح المتشرعة وادى ذلك الى اللبس والغموض في ادراك المفاهيم الاسلامية , واحيانا في معرفة بعض الاحكام الشرعية , نظير ما وقع في لفظي الص ابي , والصحابة .

    [align=center]مصطلحات الالوهية والربوبية
    ـ الاسم . ـ الاله .
    ـ الرب .
    ـ ذو العرش ورب العرش .
    ـ الكرسي .
    ـ اللّه .
    ـ القيوم .
    ـ الرحمن الرحيم .
    ـ العبادة .[/align]

    الاسم
    للاسم في لغة العرب معنيان : ا ـ اللفظ الذي يدل على مسمى به يميز ويعرف مثل : مكة علم للبلد الذي فيه الكعبة بيت اللّه الحرام , واسماء الاشخاص في عصرنا: كيوسف وفيصل وعباس الخ .
    ب ـ الـلـفـظ الـذي يـدل على حقيقة المسمى او صفته مثل : (اسم ) في قوله تعالى : (سبح اسم ربك الاعلى ) (الاعلى / 1).
    اذ ليس معنى (اسم ربك ) هاهنا لفظ ربك فيكون المعنى : سبح لفظ ربك , وانما معناه صفة ربك فيكون المعنى : سبح صفة ربك , اي نزه ربوبية ربك الاعلى عما لا يليق بذكره .
    ومن هذا الباب قوله تعالى : (وعلم آدم الاسماء كلها) (البقرة / 31) وليس معنى الاسماء التي علمها اللّه لادم خـلـيـفـتـه اسـماء عواصم البلدان : بغداد وطهران ولندن , واعضاء جسد الانسان : العين والراس والرقبة , واسماء الفواكه : التين ولزيتون والرمان , والاحجار: الياقوت والدر والزبرجد, والمعادن : الذهب والفضة والنحاس والحديد الى ما لا يحصى من الالفاظ التي سمى البشر بها الاشياء بلغاتهم , وانما القصد انه علمه صفات الاشياء وحقائقها.

    الاله
    اولا ـ في معاجم اللغة : موجز ما في المعاجم حول الـ (اله ):
    (اله ) على وزن كتاب من مادة اله ياله بمعنى عبد, يعبد, عبادة : اي اطاع اطاعة بتذلل وخضوع , ثم ان لـفـظ (الـه ) كــ (كتاب ) مصدر واسم مفعول معا, فكما ان الكتاب مكتوب , فان الذي جاء بمعنى (مالوه ) ياتي ايضا بمعنى : معبود او مطاع .
    اذا اله في اللغة يعني :
    1 ـ العبادة , اي : الاطاعة المطلقة بتذلل وخضوع .
    2 ـ المعبود والمطاع .
    كان ذلكم معنى (اله ) في اللغة .
    ثانيا ـ في محاورات العرب :
    جاء الاله في محاورات العرب بمعنيين :
    1 ـ الـه : اي اجـرى لـلمعبود العبادات الدينية مثل : الصلاة والدعاء وتقديم القرابين و(الاها) على وزن كـتـابـا: بـمعنى المالوه اي المعبود الذي يعبد وتجرى له الطقوس الدينية كما ان الكتاب يرد بمعنى المكتوب والعرب تسمي كل ما يعبد: (الها), وجمعها: (الالهة ) خ ‌لقا كان ذلك الاله او مخلوقا, مثل الاصنام والتماثيل والشمس والقمر والابقار التي يعبدها الهنود.
    2 ـ ياتي الاله احيانا بمعنى المطاع ((5)) كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى :
    ا ـ في سورة الفرقان :
    (ارايت من اتخذ الهه هواه افانت تكون عليه وكيلا) (الاية 43).
    ب ـ في سورة الجاثية :
    (افرايت من اتخذ الهه هواه واضله اللّه على علم ) (الاية 23).
    والـمعنى في الايتين : (ارايت من اتخذ الهه هواه ): اي اطاع هوى نفسه , ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة القصص :
    (ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من اللّه ) (الاية 50).
    ج ـ في سورة الشعراء في حكاية قول فرعون لموسى (ع ) :
    (لئن اتخذت الها غيري لاءجعلنك من المسجونين ) (الاية 29).
    ويـدل على ذلك (اي على ان فرعون وقومه كانت لهم آلهة يعبدونها) ما حكى عنهم سبحانه وتعالى فـي سـورة الاعـراف فـقال : (وقال الملا من قوم فرعون اتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض ويذرك وآلهتك ) (الاية 127).
    ان الالهة التي ذكرت هنا كانت معبودات فرعون وقومه , يقربون لها القرابين ويجرون لها الطقوس الدينية اما فرعون نفسه فقد كان الها, اي مطاعا.
    ومـن الـمـحـتمل ان فرعون ـ ايضا ـ كان يدعي لنفسه الالوهية بالمعنى الاول , كما جاء عن بعض الاقـوام انـهـم كانوا يزعمون ان ملوكهم من سلالة الالهة (شمسا كانت او غيرها), ويجرون لهم بعض الطقوس العبادية .
    ثالثا: في القرآن الكريم :
    بـالاضـافـة الى ما ذكرناه نجد ان صفة الخالقية ابرز صفة للاله في القرآن الكريم , ولذا نجده بعد قوله تعالى :
    (ما خلقنا السموات والارض وما بينهما الا بالحق).
    يسال الكفار ويقول :
    (قـل ارايـتم ما تدعون من دون اللّه اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا او اثارة من علم .
    ان كنتم صادقين ) (الاحقاف / 4) وكذلك الامر في قوله تعالى :
    ا ـ (واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون )(الفرقان / 3).
    ب ـ (افمن يخلق كمن لا يخلق افلا تذكرون ) (النحل / 17).
    ج ـ (والذين يدعون من دون اللّه لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ).
    (النحل / 20).
    د ـ (ايشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ) (الاعراف / 191).
    هــ ـ (ام جـعـلوا للّه شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل اللّه خالق كل شي ء وهو الواحد القهار) (الرعد / 16).
    و ـ (اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات ).
    (فاطر / 40).
    ز ـ (انـ الـذيـن تـدعـون مـن دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ) (الحج / 73).
    في كل هذه الايات نرى اللّه سبحانه وتعالى يتحدى المشركين في خالقية آلهتهم ويؤكد سبحانه ان تلك الالهة لم تخلق شيئا بنفسها.
    منفردة ولم تشترك مع اللّه في خلق شي ء.
    ويـسـال اللّه جل شانه في الايتين هـ ـ و الماضيتين عما خلقت تلكم الاصنام التي يدعونها بالالهة من مخلوقات الارض : هل كانوا شركاء في خلق السموات ؟.
    هل اتخذ المشركون للّه شريكا, خلق مثل خلق اللّه , فاشتبه الامر عليهم في الالوهية ؟.
    ويسال في الايات الاخرى :
    هـل الـذي يـخـلق ـ وهو اللّه سبحانه وتعالى ـ كمن لا يخلق ـ كالاصنام التي يعبدونها ـ على حد سواء؟.
    ويصل التحدي الى مداه في الاية الاخيرة حين يقول :
    ان الـذيـن اتـخـذتـموهم آلهة من دون اللّه ضعفاء الى حد انهم لايستطيعون ان يخلقوا الذباب ذلك الـمـخلوق المهين , بل ان عجزهم اكبر من ذلك , فان ذلك المخلوق الضعيف المهين ان سلبهم شيئا لا يستطيعون انقاذ حقهم منه .
    ونـستنتج من كل ذلك ان القرآن الكريم قد حصر (الالوهية ) باللّه سـبحانه , واستدل على ذلك بان كل ما يتخذ من دون اللّه من آلهة لا يستطيعون ان يخلقوا شيئا.
    اذا يتضح ان ابرز صفة في (الاله ) هي : (الخالقية ).
    ويزيد الامر وضوحا الايات التالية :
    (ذلكم اللّه ربكم لا اله الا هو خالق كل شي ء فاعبدوه ) (الانعام / 102).
    هكذا ينحصر خلق كل شي ء باللّه , فلا اله الا هو, وينحصر كل ايجاد به ايضا, كما قال سبحانه :
    ا ـ (قـل ارايـتم ان جعل اللّه عليكم الليل سرمدا الى يوم القيامة من اله غير اللّه ياتيكم بضياء افلا تـسـمـعـون قل ارايتم ان جعل اللّه عليكم النهار سرمدا الى يوم القيامة م ن اله غير اللّه ياتيكم بليل تسكنون فيه افلا تبصرون ) (القصص / 71, 72).
    وكذلك يسخر القرآن من عقائد من اتخذ الها غير اللّه لينفعه في جانب ما في الكون كما ياتي :
    ب ـ (واتخذوا من دون اللّه آلهة لعلهم ينصرون ) (يس / 74).
    ج ـ (واتخذوا من دون اللّه آلهة ليكونوا لهم عزا) (مريم / 81).
    د ـ (ام اتخذوا آلهة من الارض هم ينشرون ) (الانبياء / 21).
    هـ ـ (ام لهم آلهة تمنعهم من دوننا) (الانبياء / 43).
    و ـ (فما اغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون اللّه من شي ء).
    (هود / 101).
    ز ـ (قل لو كان معه آلهة اذا لابتغوا الى ذي العرش سبيلا).
    (الاسراء / 42).
    والانبياء كانوا يقولون :
    (ااتخذ من دونه آلهة ان يردن الرحمن بضر لاتغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون ) (يس / 23).
    كـان ذلكم منطق القرآن ومنطق الانبياء في شان الالهة , ولكن الكفار كانوا يعتقدون ان آلهتهم تؤثر في الكون ويطلبون منها انزال المطر وانبات النبات وشفاء المرضى والاغناء من الفقر والنصرة على الاعـداء, ويـتقربون اليها بتقديم القرابين واجراء بعض الطقوس الدينية ل ا, وخاطب بعضهم هودا وقال له :
    (ان نقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) (هود / 54).
    وتـعـددت الالـهة لدى بعض الامم : فللمطر اله وللرياح اله وللنبات اله , وهكذا لغيرها آلهة في ما يعتقدون ولكن القرآن الكريم يقيم الدليل تلو الدليل على بطلان تعدد الالهة ويقول :
    (قل لو كان معه آلهة كما يقولون اذا لابتغوا الى ذي العرش سبيلا) (الاسراء / 42).
    اي لشاركوا اللّه في تدبير امر العالم من خلق الخلق و و و.
    ولما لم يفعل اي من الالهة شيئا من ذلك علمنا ان اللّه واحد, احد, صمد, لم يلد, ولم يولد, ولم يكن له كفوا احد.
    اذ لو كان له ولد او صاحبة لشاركاه في شي ء من القدرة الى حد ما, وصدق اللّه حيث يقول :
    (انما اللّه اله واحد سبحانه ان يكون له ولد) (النساء / 171).
    ويقول :
    (لقد كفر الذين قالوا ان اللّه ثالث ثلاثة وما من اله الا اله واحد).
    (المائدة / 73).
    ويقول :
    (ما اتخذ اللّه من ولد وما كان معه من اله ) (المؤمنون / 91).
    (واذ قـال اللّه يـا عـيـسى ابن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون اللّه ) (المائدة / 116).
    (وقال اللّه لا تتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد) (النحل / 51).
    ونلخص ما تقدم بالقول :
    ان الاله في المصطلح الاسلامي من اسماء اللّه الحسنى , ومعناه : المعبود, وخالق الخلق وقد جاء في القرآن الكريم بالمعنى اللغوي مع وجود قرينة تدل على ان المقصود معناه اللغوي , مثل قوله تعالى في سورة الحجر: (الذين يجعلون مع اللّه الها آخر) (الاية 9).
    فـان لـفـظي : (آخر) و(مع اللّه ) في الاية يدلان على ان المقصود من الاله : معناه اللغوي : المطاع والـمـعـبـود, وجاء مطلقا في معناه الاصطلاحي في آيات كثيرة اخرى من القرآن الكريم , والتي تحصر الالوهية في اللّه سبحانه .
    واجمع القول في معنى الاله ما نقله ابن منظور في مادة (اله ) من لسان العرب عن ابي الهيثم انه قال :
    قـال اللّه عـز وجـل : (مـا اتخذ اللّه من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق ) قال : ولا يـكون الها حتى يكون معبودا, وحتى يكون لعابده خالقا ورازقا ومدبرا, وعليه مقتدرا, فمن لم يكن كذلك فليس باله , وان عبد ظلما, بل هو مخ ‌وق ومتعبد.

    الرب
    الـربـ: من اهم المصطلحات الاسلامية , وفهمه ضروري لفهم كثير من الايات القرآنية التي يدور البحث فيها حول الربوبية وما يتصل .
    بها.
    ونحن المسلمون نكرر تلاوة الاية الشريفة : (الحمد للّه رب العالمين ) يوميا مع غفلة عن معناها, ولا يـتـضـح لنا معناها ومعنى كثير من الايات القرآنية امثالها ما لم يتضح لنا معنى الرب, وعلى فهم معنى مصطلح (الرب) تتوقف ـ ايضا ـ معرفة توحيد الل ومعرفة الرسول (ص ) والوصي (ع ) وامثالها من مصطلحات عقائد الاسلام .
    الرب في اللغة :
    قال الراغب (ت : 502 هـ):
    الرب في الاصل التربية : وهو انشاء الشي ء حالا فحالا الى حد التمام .
    فمن مارس امر تربية حيوان او انسان ـ منذ بداية وجودهما حتى يبلغا درجة الكمال في وجودهما ـ كـان مـربـيـا لـهـمـا, واضـاف اكثر علماء اللغة الى معنى المربي معنى التملك , اي ان الرب يملك المربوب ((6)) .
    وقال الراغب : ان العرب استعاروا لفظة الرب ـ المصدر ـ واستعملوها في اسم الفاعل ((7)) , وبناء على ما ذكرناه فان رب الشي : هو المالك المدبر المربي له ((8)) .
    وربـ الدجاج مالكه ومن يرعى بيض الدجاج في الحقل حتى تفرخ , ثم يطعم الفراخ ويسقيها ويكافح امراضها حتى تبلغ درجة الكمال .
    في وجودها وتصبح كل منها دجاجة بالغة .
    وكـذلك يسمى مالك البيت رب البيت ويسمى ـ ايضا ـ المدبر لكل امور البيت : رب البيت , ويقال لمربي كل شي ء: رب ذلك الشي .
    وبـنـاء على ما ذكرنا يكون معنى (الحمد للّه رب العالمين ) في سورة الفاتحة : الحمد للّه مالك جميع افراد الخلق ومربيها حتى يبلغ كل فرد منها درجة كمال وجوده .
    ويـضاف الرب الى مربوبيه في الكلام في ما عدا اللّه , ويقال : رب الفرس , ورب الدجاج , ورب البيت واذا ورد لفظ الرب في الكلام غير مضاف الى شي ء مثل قوله تعالى : (بلدة طيبة ورب غفور) (سبا / 15), اريد بـ (الرب ) عندئذ: اللّه وحده جل اسمه .
    وقال الراغب :
    اذا كـان لـمـعـنـى اللفظ جزءان , استعمل تارة في الجزءين معا, واخرى في احدهما منفردا, مثل : المائدة , اسما للخوان والطعام الذي عليه , فانه يستعمل تارة في : الخوان والطعام الذي عليه واخرى في الخوان وحده , او في الطعام وحده ((9)) .
    وفـي مـا نـحـن فيه يستعمل الرب تارة في المالك المربي , واخرى في المربي وحده , واحيانا في المالك وحده .
    ومـع مـلاحـظـة معنى الرب وموارد استعماله في كلام العرب يتيسر لنا ان نعي معارك الانبياء مع اممهم في ما ياتي .
    ويـظـهـر من اخبار الرسل مع اممهم في القرآن ان جل الامم وطواغيتها كانوا يؤمنون بان اللّه جل اسمه هو خالق الخلق جميعا, وانما كان الخلاف في حصر الربوبية في اللّه سبحانه .
    وانـما حكى اللّه مواجهة الانبياء لاممهم وطواغيت زمانهم في الربوبية لندرك الصراع المماثل لها في عصر خاتم الانبياء (ص ) ,.
    فقد روى المفسرون عن عدي بن حاتم (ت : 68 هـ) قال : اتيت رسول اللّه (ص ) وفي عنقي صليب مـن ذهـب فـقال لي : يا عدي سورة براءة هذه الاية : (اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابامن دون اللّه ) حتى فرغ منها, فقلت له : انا لـسـنـا نعبدهم , فقال : اليس يحرمون ما احل اللّه فتحرمونه , ويحلون ما حرم اللّه فتستحلونه ؟ قال قلت : بلى , قال : فتلك عبادتهم ((10)) .
    وبناء على ما ذكرناه فان ابرز معنى للرب في القرآن الكريم انما هو صفة تشريع الدين .
    بعد فهم معنى الرب وموارد استعماله في الكلام , ندرس في ما ياتي بحوله تعالى اخبار صراع الانبياء مع اممهم ونقدم خبر صراع الكليم مع جبار عصره فرعون لوضوح كيفية الصراع بينهما وتنوعه .
    اخبار الكليم موسى (ع ) مع فرعون :
    ان فـرعـون مصر في تلك الايام كان مالكا لمصر وجميع ما في مصر, وكان اي عامل في اي عمل انما يعمل لفرعون واجيرا لفرعون .
    وبناء على ذلك اجتمعت لفرعون جميع لوازم الربوبية في ظاهر الامر, فهو المنعم على جميع اهل مصر ما يحتاجون في حياتهم من .
    المسكن والماكل والملبس والحاجات الاخرى .
    ومن اجل ذلك كان هو واهل مصر معه يرون لفرعون الربوبية عليهم , وحق تشريع القوانين لجميع مـن يـعـيـش في مصر, ويرون ان على الجميع ان يطيعوا اوامره , ويدينوا بما يضع لهم من انظمة لـحـياتهم ((11)) وبناء على ذلك اذا امر باسترقاق بني اسرائيل لاهل مصر وذبح ابنائهم واتحياء نـسائهم , وانهم الاراذل في ذلك النظام الطبقي واهل مصر الاقباط هم الاشراف كان ذلك حقا ودينا يـجـب ان يـعملوا به تدينا, اذا فان الربوبية التي كان يدعيها فرعون مصر لم تكن ادعاء بالالوهية , بمعنى انه خالق السموات والارض وما على الارض , وانماكان يدعي ربوبية مصر وحدها.
    اخبرنا اللّه تعالى عن ذلك بقوله جل شانه لموسى واخيه هارون :
    (اذهـبـا الى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى قالا ربنا اننا نخاف ان يفرط عـلـينا او ان يطغى قال لا تخافا انني معكما اسمع وارى فاتياه فقولا انا رولا ربك فارسل معنا بني اسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بية من ربك والسلام على من اتبع الهدى انا قد اوحي الينا ان العذاب على من كذب وتولى ) (طه / 43 ـ 48).
    ومـن الـطبيعي ان فرعون الذي لم يقبل بوجود رب له لا يقبل منهما هذا الكلام , فسالهما عن ربهما وقـال : (فـمن ربكما يا موسى ) اي انتما اللذان لم تقبلا ربوبيتي واعتبرتما غيري ربا تاخذون منه القوانين فمن هو هذا الرب ؟ فـ(قالا ربنا الذي اعطى كل شي ء خلقه ثم هدى ) (طه / 50).
    اي : ان ربنا هو الذي خلق جميع الخلق ثم تكفل ربوبيتها وهداها جميعا بربوبيته .
    ولـما راى فرعون ان كلام موسى (ع ) ادحض كل ما تشبث به من الحجج امام قومه وخشي ان يقع كلام موسى في قلوب قومه , بادر بالقاء الشبهات في اذهانهم وقال : (فما بال القرون الاولى ) (طه / 51), فاجاب موسى (ع ) وركز في الاجابة على ربوبية الخالق وقال :
    (علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ) (طه / 52).
    وتتابعت الحوادث ولجا فرعون الى حيلة اخرى لتحطيم منطق موسى (ع ) وسعى لتاليب الراي العام وتـهييج عواطف الناس ضده وخاطبه قائلا: (اجئتنا لتخرجنا من ارضنا بسحرك يا موسى فلناتينك بـسـحـر مثله ) (طه /57, 58), وجمع السحرة بار فرعون وامرهم فرعون ان يواجهوا موسى (ع ) , ولما جابهوه بما عندهم من سحر اتضحت قدرة رب العالمين وابطل سحر السحرة , ولما كان اولـئكـم السحرة اعلم بالسحر وحقيقته من سائر الناس , سجدوا عند رؤية القدرة الالهية وقالوا: (آمـنا برب هارون وموسى )(طه / 70), وحينما هددهم فرعون وخوفهم , جابهوه واعلنوا ايمانهم وقالوا:
    (انا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما اكرهتنا عليه من السحر واللّه خير وابقى ) (طه / 73).
    فـي هـذه الـقـصة نجد لفظ الرب يتكرر عدة مرات , والطرفان يتحدثان عن الرب فيذكره موسى ويؤمن به السحرة ويرفضه فرعون .
    وبـذلك يتضح ان الصراع بين جبهة الرحمن وجبهة الشيطان , بين محبي اللّه واعدائه , بين الانبياء والـطـواغـيـت , غـالـبا ما كان حول الربوبية وحول من له تشريع القوانين والحكم , كما نجد ذلك الصراع قبل موسى (ع ) في سيرة النبي ابراهيم (ع ) , كما اخبر سبحانه عنه وقا:
    (الـم تـر الـى الذي حاج ابراهيم في ربه ان آتاه اللّه الملك ) (البقرة / 258) وسبب الصراع بين ابـراهـيـم ونمرود, هو ان اللّه سبحانه كان قد اعطى نمرود ملكا وسلطانا عظيمين ودفعته هذه الـقـدرة الكبرى الى الطغيان والكفر بربوبية اللّه عز وجل , ولصراع مع نبي اللّه , اذ قال له النبي ابراهيم (ع ) كما حكى سبحانه وتعالى عن ذلك وقال :
    (اذ قال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال انا احيي واميت ) (البقرة / 258), عندما اطلق نمرود سـراح مـن حكم عليه بالاعدام واعتبره احياء للميت , واتى بخر يمشي في السوق فاعدمه من غير ذنب , وبذلك القى الشبهة في قلوب الحاضرين بان البري ءكان حيا.
    فـقتله واماته , اذا فان كان الرب هو الذي يحيي ويميت فان نمرود ايضا يحيي ويميت , واوشكت تلك الشبهة ان تنطلي على الجاهل ويصدق زعم نمرود ولكن النبي ابراهيم (ع ) عرض فورا استدلالا آخر كما حكى اللّه وقال :
    (قـال ابراهيم فان اللّه ياتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر واللّه لا يهدي القوم الظالمين ) (البقرة / 258) فبهت نمرود ولم يحر جوابا.
    كان ذلك نموذجا من جهاد بطل التوحيد ابراهيم الخليل (ع ).
    وفي سبيل مجاهدة عبدة الكواكب والشمس والقمر, حضر الى ناديهم وناقشهم وفق منطقهم منطلقا في حديثه من الامور التي يؤمنون بها وباسلوب يفهمون معه الحق وتتمزق عنهم حجب الجهل , وكان الوقت ليلا اذ راى ابراهيم (ع ) كوكبا ساطعا مما يعبدون فنظر اليه وقال :
    كما حكى ذلك سبحانه وتعالى وقال :
    (فلما جن عليه الليل راى كوكبا قال هذا ربي ) (الانعام / 76).
    ومر الوقت وغاب الكوكب فقال ابراهيم كما حكى سبحانه عنه :
    (فلما افل قال لا احب الافلين ) (الانعام / 76).
    وتكرر الامر مع القمر كما قال سبحانه :
    (فـلـمـا راى الـقـمر بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين ) (الانعام / 77).
    وكذلك تدرج في افهامهم كما حكى اللّه عنه ـ ايضا ـ وقال سبحانه :
    (فـلـمـا راى الـشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر فلما افلت قال يا قوم اني بري ء مما تشركون ) (الانعام / 78).
    وهـكـذا رفـض ابـراهيم (ع ) ربوبية كل آفل , ولم يترك ابراهيم (ع ) الناس وشانهم بل استمر الحوار بين الجانبين واخبر اللّه عن ذلك وقال تعالى :
    (وحـاجـه قـومه قال اتحاجوني في اللّه وقد هدان ولا اخاف ما تشركون به الا ان يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شي ء علما افلا تتذكرون )(الانعام / 80).
    مـن الـواضـح ان قوم ابراهيم كانوا يعرفون اللّه ولكنهم كانوا يعتقدون ان للّه شركاء في ربوبيته وكـان ابراهيم (ع ) يجادلهم في شركهم باللّه , وفي واقعة اخرى واجه ابراهيم (ع ) قومه عبدة الاصنام في ناديهم وخاطبهم قائلا:
    ( مـا هذه التـماثيل التي انتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم انتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا اجئتنا بالحق ام انت من اللاعبين ) (الانبياء / 52 ـ 55).
    ورد عليهم ابراهيم قائلا:
    (بل ربكم رب السموات والارض الذي فطرهن وانا على ذلكم من الشاهدين ) (الانبياء / 56).
    ولما كانت عبادة قومه (اهل بابل ) للكواكب والشمس والقمر نتيجة لاعتقادهم بتاثيرها في حياتهم , وان بـيـد تـلكم الموجودات تحديد المصير, الحسن او السيئ للانسان , اعتقدوا بانها ارباب مدبرة لـلـعـالـم واتـجـهوا لعبادتها, اي انهم اتصفوا بنوعين من الشرك , شرك في الربوبية , وشرك في الالـوهـية , والنبي ابراهيم (ع ) استنادا الى اعترافهم بخالقية اللّه تعالى رد شركهم في الربوبية والالوهية .
    وفـي قصة اصحاب الكهف , كانوا فتية آمنوا بربهم في العصور الغابرة , ونهضوا في وجه طاغوت عـصـرهـم , ولهجت السنتهم بربوبية اللّه خالق السموات والارض كما حكى اللّه سبحانه وتعالى عنهم وقال :
    (وربـطـنا على قلوبهم اذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والارض لن ندعو من دونه الها) (الكهف / 14).
    كان منطق الفتية المؤمنين ان هذا الشخص الذي ادعى الربوبية وفرض على الناس طاعته والنظام الذي سنه لحياتهم ليس بربنا وليس لهذا الطاغوت حق التقنين وسن نظام لحياة الناس , بل ان ذلك للّه رب السماوات والارض .
    وعـنـد دخـول الاسـلام الى ايران حدثت مثل تلكم المواجهة فان ايران كانت نموذجا واضحا لقيام مـلـوكـها بسن القوانين وتشريع النظام لحياة البشر, وان الرسول الاكرم (ص ) واجههم واعلن ان الـتـقـنـيـن وتـعيين النظام للمجتمع البشري خاصان بمقام الربوبية ولا رب الااللّه رب السماوات والارض , وحتى هو (نبي الاسلام ) ليس له ذلك , بل هو مطيع مطلق للّه تعالى , ومبلغ لتشريعه , كما يتضح ذلك من الخبر الاتي :



    ارسل الرسول (ص ) كتابا الى ملك فارس [كسرى خسرو پرويز (ت : 628 م )] فلما قرا الكتاب شـقـه ثم كتب كسرى الى واليه على اليمن ان ابعث الى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جـلـديـن فـلياتياني به فارسل الوالي ممثلين الى الحجاز, فلما بلغا مدينة الرسول (ص ) دخلاعلى الـرسول (ص ) وقد حلقا لحاهما واعفيا شواربهما فكره النظر اليهما ثم اقبل عليهما فقال : ويلكما مـن امركما بهذا؟ قالا امرنا بهذا ربنا ـيعنيان كسرى ـ فقال رسول اللّه (ص ) : لكن ربي قد امرني باعفاء لحيتي وقص شاربي ((12)) .
    نلاحظ هنا ان للربوبية دخلا حتى في هذه المسالة من التشريع .
    كـانـت تـلـكم نماذج من تاريخ الرسالات السماوية التي تبين حقيقة الامر في مواجهة الانبياء (ع ) لطواغيت عصرهم وعلة الصراع بين اولياء اللّه وحزبه والاحزاب المخالفة لهم , فالربانيون ـ من جـهـة ـ يقولون : ليس هناك غير اللّه من يستطيع ان يسن نظاما لحياة الانسان فلا رب للانسان سواه وهـو رب العالمين , والطواغيت ـ من جهة اخرى ـ يدعون ان لهم حق سن القوانين المنظمة لامور الـبـشـر, وكـانـت تلكم النماذج كلها تبين مواجهة الرسل والربانيين لطواغيت عصورهم في شان الـربـوبـيـة , وفـي ما ياتي نورد نوعا آخر من صراع ال نبياء حول الربوبية , وذلك في مواجهتهم لـلاحبار والرهبان الذين كان لهم حق التمثيل الديني عند الناس , والانبياء هنا ايضا يجاهدون بالعزم

  2. #2

    افتراضي

    والـتـصـميم السابقين في كشف زيفهم وتدخلهم الباطل في تغيير الاحكام وتبديلها, وانهم بذلك قد جعلوا انفسهم اربابا من دن اللّه , وقد تحدث القرآن الكريم عن ذلك وقال :
    (اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون اللّه ) (التوبة / 31).
    اوضـحـت الـروايـات الـتي وردت عن رسول اللّه (ص ) واهل البيت (ع ) القصد من اتخاذ الناس للاحبار والرهبان اربابا من دون اللّه , كما اوردناه في خبر عدي بن حاتم مع رسول اللّه (ص ) آنفا والذي بين فيه رسول اللّه (ص ) كيفية تدخل رجال الدين في الشريعة حينما وضعواقوانين بشرية قائمة على الاهواء مكان الشرائع التي وضعها رب العالمين للبشر.
    وهـذه الـحـقيقة موجودة بين النصارى حتى اليوم , فالبابا (القائد الديني للمسيحيين ) له حق تغيير تشريعات المذهب الكاثوليكي وهم يقبلون ذلك منه بدون تامل , وتدعي الكنيسة ـ على اساس الانجيل الـمـوجود ـ ان لها حق التشريع ويكون ما تصوبه الكنيسة في الارض مقبول في السماء, كما نقرا ذلك في انجيل متى حيث يقول :
    (انـت بـطـرس , وعـلى هذه الصخرة ابن كنيستي , وابواب الجيم لن تقوى عليها, واعطيك مفاتيح مـلكوت السموات , فكل ما تعقده على الارض معقود في السموات , وما تحله في الارض فهو حلال في السماء) ((13)) .
    وانـمـا سـمـى الـقرآن احبار النصارى ورهبانهم اربابا لانهم كانوا يشرعون النظام لحياة البشر, فيحلون ما حرم اللّه ويحرمون ما احل بينما كان جهاد الانبياء في سبيل ان يخضع البشر لربوبية اللّه وحده ولا يقبلوا الا اوامره وياخذوا منه الحلال والحرام وذه هي حقيقة الدين .
    وان الانـسان الذي اجبر على اخذ حكم من جبار خلافا لاحكام اللّه وعمل به وهو لا يعتقد به , في مثل هذه الحال لم يتخذ هذا الانسان ذلك الجبار ربا له , وان اتخاذ بعض العباد بعضهم الاخر اربابا لا يصدق الا مع اختيار الانسان في اخذ الانظمة من الطاغية والعمل بها خلافا لتشريع اللّه عز وجل , وفـي مـثـل هـذه الـحـال يـكون الانسان قد اتخذ المشرع ربا, ومن باب المثال نجد كبير اساقفة الـمـسيحية (بولس ) يقول : (انا بولس اقول لكم : اذا اختتنتم لا ينفعكم المسيح في شي ء) ((14)) , وقـبل النصارى منه ذلك باختيارهم ولم ي تنوا اولادهم , وكان يقول : اشربوا الخمر فهو جائز لكم وان الدين يسمح لكم , وقبل النصارى منه ذلك مختارين , ففي مثل هذه الحال كانوا قد اتخذوا القسس اربابا لهم .

    [align=center]ذو العرش ورب العرش [/align]

    مما جاء فيه ذكر عرش اللّه في القرآن الكريم المواضع التالية : ا ـ في سورة هود:
    (وهـو الـذي خـلـق الـسموات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا) (الاية 7).
    ب ـ في سورة يونس :
    (ان ربكم اللّه الذي خلق السموات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش يدبر الامر) (الاية 3).
    ج ـ في سورة الفرقان :
    (الـذي خـلـق السموات والارض وما بينهما في ستة ايام ثم استوى على العرش الرحمن فاسال به خبيرا) ((15)) (الاية 59).
    د ـ في سورة غافر:
    ( الـذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شي ء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ) (الاية 7).
    هـ ـ في سورة الزمر:
    (وترى المـلائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد للّه رب العالمين ) (الاية 75).
    و ـ في سورة الحاقة :
    (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) (الاية 17).
    الرحمن :
    قال سبحانه :
    ا ـ في سورة طه :
    (وان ربكم الرحمن ) (الاية 90).
    ب ـ في سورة الانبياء:
    (وربنا الرحمن ) (الاية 112).
    ج ـ في سورة النبا:
    (رب السموات والارض وما بينهما الرحمن ) (الاية 37).
    الرحيم :
    ا ـ قال سبحانه في سورة (يس ):
    (سلام قولا من رب رحيم ) (الاية 85).
    ب ـ في سورة الشعراء:
    (وان ربك لهو العزيز الرحيم ) (الايات 9, 68, 104, 122, 140, 159, 175, 191).
    ج ـ وجاء الاسمان كلاهما جميعا في سورة الفاتحة في قوله تعالى :
    ( رب العالمين الرحمن الرحيم ) (الايتان 2 و 3).
    شرح الكلمات :
    ا ـ العرش :

    العرش في اللغة : شي ء مسقف , وجمعه عروش , وسمي مجلس السلطان : عرشا, اعتبارا بعلوه , وكني به عن العز, والسلطان , والمملكة , في لسان العرب : ثل اللّه عرشهم اي هدم ملكهم ((16)) .
    وفي هذا المعنى قال الشاعر:
    اذا ما بنو مروان ثلث عروشهم ـــــ واودت كما اودت اياد وحمير.
    اراد اذا ما بنو مروان هلك ملكهم وبادوا ((17)) .
    ب ـ استوى :جاء في مادة (سوى ) بكل من :
    ا) كتاب (التحقيق في كلمات القرآن ) ((18)) :
    الاستواء يختلف باختلاف المواضع , ففي كل موضع بحسبه وعلى ما يقتضيه .
    ب ) مفردات الراغب :
    استوى فلان على عمالته , واستوى امر فلان , ومتى عدي بعلى اقتضى معنى الاستيلاء كقوله :
    (الرحمن على العرش استوى ) (طه / 5).
    ج ) المعجم الوسيط:
    يقال استوى على سرير الملك , او على العرش : تولى الملك .
    كما قال الاخطل في مدح بشر بن مروان الاموي :
    قد استوى بشر على العراق ـــــ من غير سيف او دم مهراق ((19)) .

    الكرسي
    الكرسي في اللغة : السرير والعلم . روى الـطـبـري والقرطبي وابن كثير عن ابن عباس واللفظ من الطبري بايجاز انه قال : كرسيه : علمه .
    قـال الـطـبري : كما اخبر عن ملائكته انهم قالوا في دعائهم : (ربنا وسعت كل شي ء رحمة وعلما) فـاخبر تعالى ذكره ان علمه وسع كل شي ء, فكذلك قوله (وسع كرسيه السموات والارض ), قال : واصل الكرسي العلم , ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب : كراسة ومنه يقال للعلماء الكراسي .
    ومنه قول الراجز: (حتى اذا ما احتازها تكرسا) يعني : علم .
    ومنه قول الشاعر:
    تحف بهم بيض الوجوه وعصبة ـــــ كراسي بالاحداث حين تنوب .
    يعني بذلك علماء بحوادث الامور ـ انتهى ما نقلناه عن الطبري .
    وحكى اللّه عن ابراهيم (ع ) انه قال لقومه :
    (وسع ربي كل شي ء علما افلا تتذكرون ) (الانعام / 80).
    وعن شعيب (ع ) انه قال لقومه :
    (وسع ربنا كل شي ء علما) (الاعراف / 89).
    وعن موسى (ع ) انه قال للسامري :
    (انـمـا الـهـكـم اللّه الذي لا اله الا هو وسع كل شي ء علما) (طه / 98) وقال الامام الصادق (ع ) السادس من اوصياء الرسول (ص ) في جواب من ساله عن قوله تعالى :
    (وسع كرسيه السموات والارض ) (البقرة / 255).
    قال : علمه ((20)) .
    وان الكرسي جاء في القرآن الكريم ـايضاـ بمعنيين :
    ا ـ بمعنى السرير, كما جاء في قوله تعالى في قصة سليمان :
    (والقينا على كرسيه جسدا)(ص / 34).
    ب ـ بمعنى العلم , كما جاء في قوله تعالى :
    (يـعـلـم مـا بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشي ء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السموات والارض ) (البقرة / 255).
    ومجيئه في هذه الجملة بعد علمه يدل على ان المقصود من كرسيه , علمه تعالى ويكون معنى الجملة عـنـدئذ يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشي ء من علمه الا بما شا وسع علمه السموات والارض .
    وعلى هذا فان معنى بعض الروايات ان (كل شي ء في الكرسي ) اي ان كل شي ء في علم اللّه .

    اللّه (جل جلاله )
    اللّه جـلـ جلاله , اسم للاله الخالق , والرب المربي والرحمن الرحيم , والحي القيوم الى آخر اسماء اللّه الحسنى وصدق اللّه العظيم حيث .
    يقول : (وللّه الاسمـاء الحسنى ) (الاعراف / 180).
    وبناء على ذلك فعندما نقول : (لا اله الا اللّه ).
    نعني :
    ان لا خالق ولا معبود الا الذي هو رب ورحمن ورحيم وحي وقيوم الى آخر اسماء اللّه الحسنى .
    واخـطـا من علماء اللغة العربية من زعم ان (اللّه ) اصله (اله ) الذي هو اسم جنس للالهة , ودخلت عـلـيها الالف واللام للتعريف وصار (الاله ) ثم حذفت الالف وادغم اللامان فصار (اللّه ) ((21)) وعـنـدئذ يـكون (اله ) و(اللّه ) مثل (رجل ) و(الرجل ) الاولان منهما اسما جنس لك الالهة ولكل الـرجال , والثانيان منهما عرفا بالالف واللام وبهما شخص الرجل المقصود والاله المقصود وعليه فان معنى (لا اله الا اللّه ) يكون : لا اله الا الاله الذي اقصده واعنيه .
    لـقد اخطا القائلون بهذا القول , فان لفظ (اللّه ) علم مرتجل باصطلاح النحويين سمي به الذات الذي صـفاته جميع الاسماء الحسنى , ولا يشاركه في التسمية غيره , كما لا يشاركه غيره في الالوهية والربوبية .
    وكذلك الامر في اللغة العبرية , فان (يهوه ) اسم للّه وحده , و(ال ه ) بمعنى (اله ) و(الوهيم ) بمعنى الالهة ((22)) .
    وعلى ما تقدم من بحث يكون معنى (بسم اللّه الرحمن الرحيم ):
    ا ـ (بسم ) اي : بحقيقة , بصفات .
    ب ـ (اللّه ) ذات البارئ المتصف بجميع اسماء اللّه الحسنى .
    ج ـ (الرحمن والرحيم ) خصصا بالذكر من صفات ربوبية اللّه .
    اذا, يكون المعنى : استعين في تلاوة السورة برحمانية اللّه الرب ورحيميته .
    وفـي ايـراد الـبسملة اوائل السور براعة استهلال , لان جميع السور القرآنية تشرح جوانب من ربوبية اللّه الرحمن الرحيم وتبينها, عدا سورة براءة التي لم يبدا فيها بالبسملة .

    القيوم
    مـن اسـماء اللّه الحسنى ولا يوصف به سوى اللّه , ومعناه : القائم الحافظ لكل شي ء والمعطي له ما به قوامه .

    الرحمن والرحيم

    الرحمن من الانسان : رقة قلب وتعطف على المرحوم , ومن اللّه : انعام وافضال عليه . والـرحيم يدل على دوام اتصاف الراحم بالرحمة , ويوصف البارئ ـ عز وجل ـ بالرحيم لاستمرار صدور الرحمة منه , ويوصف بها الانسان الذي يرق قلبه على الدوام .
    والرحمن يدل على كثرة صدور الرحمة من الراحم ولا يطلق الا على اللّه , لان معناه لا يصح الا له , اذ هـو الذي وسع كل شي ء رحمة , وعمت رحمته في الدنيا المؤمن والكافر وجميع الخلق , ودامت رحمته بالمؤمنين خاصة يوم القيامة , فهو رحمن الدني ورحيم بالمؤمنين في الاخرة .
    وبـمـا انـه رب العالمين ومربي العالمين ومدبر امرهم في الدنيا, فهو رحمن الدنيا, وبما انه يجزي المؤمنين بحسنات اعمالهم في الاخرة فهو رحيم بالمؤمنين في الاخرة .
    اذا فان الرحمن والرحيم هما من صفات الرب وهما والرب والاله من صفات اللّه جل اسمه .

    العبادة


    في مفردات القرآن للراغب : العبودية : اظهار التذلل , والعبادة ابلغ منها. وفي القاموس المحيط للفيروزآبادي : عبد عبادة وعبودة وعبودية : اطاع .
    وفي الصحاح للجوهري : اصل العبودية : الخضوع والتذلل والعبادة والطاعة .
    بناء على ما ذكروا يكون لـ (عبد عبادة ) معنيان :
    ا ـ خضع وتذلل واجرى الطقوس الدينية .
    ب ـ اطاع .
    وبالمعنى الثاني ورد في حديث الامام الصادق (ع ), (ت : 148 هـ) في قوله :
    (من اطاع رجلا فقد عبده ) ((23)) .
    وفي رواية الامام الرضا (ع ) , (ت : 203 هـ) عن جده الرسول (ص ) انه قال :
    (مـن اصـغى الى ناطق فقد عبده , فان كان الناطق عن اللّه فقد عبد اللّه , وان كان الناطق عن ابليس فقد عبد ابليس ) ((24)) .
    وعلى هذا يكون معنى :
    عبادة الاله الخالق جل وعلا: اجراء الطقوس الدينية له مثل اقامة الصلاة واداء مناسك الحج وصيام شهر رمضان وعبادة الاصنام : اجراء الطقوس الدينية لها.
    وعـبـادة الـرب: اطاعة الرب, لان الرب هو المربي الذي يسن نظام الحياة لمن يربيه فمعنى قولنا لرب العالمين : (اياك نعبد): نطيع اوامرك لهدايتنا الى الصراط المستقيم .

    مصطلحات النبوة
    ـ الوحي . ـ النبي .
    ـ الرسول .
    ـ خليفة اللّه .
    ـ الائمة المبلغون .
    ـ الصحابي والصاحب .

    الوحي ونزوله

    ا ـ الوحي في اللغة والمصطلح الاسلامي : في اللغة :
    اوحـى الـيه وله : اشار واوما, وكلمه بكلام خفي يخفى على غيره , وامره , والهمه , واوحى فلان الكلام الى فلان : القاه اليه ((25)) .
    في المصطلح الاسلامي :
    الـكـلمة الالهية التي يلقيها الى انبيائه ورسله بواسطة ملك يشاهده الرسول ويسمع كلامه , كتبليغ جبرائيل لخاتم الانبياء (ص ) او سماع كلام اللّه من غير معاينة , كسماع موسى كلام اللّه .
    او بالرؤيا في المنام كما اخبر اللّه عن قول ابراهيم لابنه اسماعيل في سورة الصافات :
    (انـي ارى فـي الـمنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء اللّه من الصابرين ) (الاية 102).
    او بانواع اخرى من الوحي يعلمه اللّه وتدركه رسله صلوات اللّه عليهم اجمعين .
    ومن موارد استعماله في المصطلح الاسلامي في القرآن الكريم قوله تعالى :
    ا ـ في سورة النساء:
    (انـا اوحـيـنا اليك كما اوحينا الى نوح والنبيين من بعده واوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والا سباط) (الاية 163).
    ب ـ في سورة الشورى :
    (وكذلك اوحينا اليك قرآنا عربيا لتنذر ام القرى ومن حولها) (الاية7 ).
    ج ـ في سورة المؤمنون :
    (فاوحينا اليه ان اصنع الفلك باعيننا ووحينا) (الاية 27).
    د ـ في سورة الاعراف :
    (واوحينا الى موسى ان الق عصـاك فاذا هي تلقف ما يافكـون ) (الاية117 ).
    ( واوحينا الى موسى اذ استسقاه قومه ان اضرب بعصاك الحجر) (الاية 160).
    ب ـ نزول الوحي وتنزيله :
    1 ـ نزل نزولا: انحط من علو الى سفل مكانا او معنى , ونزول الكتب السماوية بلوغها الى من انزلت عليه .
    2 ـ تنزل تنزلا: نزل في تمهل وتدرج .
    3 ـ انـزلـه نـزولا ونـزلـه تنزيلا: جعله ينزل , والفرق بين الانزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة ان التنزيل يختص بالموضع الذي يشير الى انزاله ويكون التنزيل تدريجيا بينما الانزال عام .
    ومثال النزول من الاعلى مكانا الى الاسفل قوله ـ تعالى ـ في سورة النحل :
    (واللّه انزل من السماء ماء فاحيى به الاءرض ) (الاية 65).
    ومثال النزول المعنوي وبلوغ الكتب السماوية الى من انزلت عليه قوله تعالى :
    ا ـ في سورة الشعراء:
    (نزل به الروح الا مين على قلبك لتكون من المنذرين ) (الايتان 193 و194).
    ب ـ في سورة طه :
    (ما انزلنا عليك القرآن لتشقى ) (الاية 2).
    ومثال التنزل في تمهل وتدرج قوله تعالى في سورة فصلت :
    (ان الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزل عليهم المـلائكة الا تخافوا ولا تحزنوا) (الاية 30).
    ومثال الاختصاص بالموضع الذي يشير الى انزاله قوله تعالى :
    ا ـ في سورة الانعام :
    (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين ) (الاية 7).
    ب ـ في سورة الانعام :
    (ولو اننا نزلنا اليهم المـلائكة ) (الاية 111).
    ومثال الانزال التدريجي قوله تعالى في سورة الاسراء:
    (وقرآنا فرقناه لتقراه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) (الاية 106).
    وجاء في القرآن نزل وانزل بمعنى اوحى في قوله تعالى :
    ا ـ في سورة البقرة :
    (والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون ) (الاية 4).
    ب ـ في سورة آل عمران :
    (وانزل التوراة والا نجيل من قبل هدى وانزل الفرقان ) (الايتان 3 و4).
    ج ـ في سورة يوسف :
    (انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) (الاية 2).
    د ـ في سورة الانسان :
    (انا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا) (الاية 23).
    هـ ـ و(نزل به ) في قوله تعالى في سورة الشعراء:
    (وانـه لـتنزيل رب العالمين نزل به الروح الا مين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) (الايات 192 ـ 195).
    كما جاء اوحى بمعنى نزل وانزل في قوله تعالى :
    ا ـ في سورة الشورى :
    (وكذلك اوحينا اليك قرآنا عربيا لتنذر ام القرى ومن حولها) (الاية 7).
    ب ـ في سورة الانعام :
    (واوحي الي هذا القرآن لا نذركم به ومن بلغ ) (الاية 19).
    والـوحـي والانزال من اللّه قد يكون معناه ولفظه وكتابته من اللّه سبحانه وينزله اللّه مرة واحدة على رسوله كما كان شان التوراة حيث قال اللّه سبحانه في سورة الاعراف :
    (وكتبنا له في الالواح من كل شي ء موعظة ) (الاية 145).
    وقـد يـكـون لـفـظه ومعناه من اللّه وينزل متدرجا على الرسول (ص ) كما قال سبحانه في وصف القرآن :
    ا ـ في سورة المزمل :
    (انا سنلقي عليك قولا ثقيلا) (الاية 5).
    ب ـ في سورة الاسراء:
    (وقرآنا فرقناه لتقراه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) (الاية 106).
    وقـد يوحي اللّه المعنى الى رسوله ويبلغ الرسول (ص ) المعنى بلفظه وهو بعض من سنة الرسول اي حديثه كما روى الدارمي بسنده وقال :
    (كان جبريل ينزل على رسول اللّه بالسنة كما ينزل بالقرآن ) ((26)) .
    وكذلك كان اللّه يوحي الى الرسول (ص ) ببيان الايات مع انزال الايات كما اخبر اللّه تعالى عن ذلك في سورة القيامة حيث قال تعالى :
    (ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قراناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه ).
    (الايات 17 ـ 19).
    خلاصة البحث :
    اولا ـ الوحي :
    الـوحي في المصطلح الاسلامي كلمة اللّه ـ جل اسمه ـ التي يلقيها الى انبيائه ورسله بسماع كلام اللّه ـ جل جلاله ـ دونما رؤية اللّه ـ سبحانه ـ مثل تكليمه موسى بن عمران (ع ), او بنزول ملك يشاهده الرسول ويسمعه مثل تبليغ جبرائيل (ع ) لخاتم الانبياء (ص ) , او بالريا في المنام مثل رؤيا ابراهيم (ع ) في المنام انه يذبح ابنه اسماعيل (ع ) , او بانواع اخرى لا يبلغ ادراكها علمنا.
    ثانيا ـ نزول الوحي :
    انزل اللّه وحيه وكتابه ونزله : جعله ينزل .
    وانـزال الـقـرآن والـملائكة الى محل نزوله مثل قلب النبي , والتنزيل : انزال تدريجي للوحي او الكتاب والانزال عام .
    والتنزل : نزول في تمهل وتدرج .
    واستعمل نزل وانزل في القرآن الكريم بمعنى اوحاه , وكذلك العكس .
    ثالثا ـ ما اوحى اللّه الى رسله :
    ينقسم ما اوحى اللّه الى رسله الى قسمين :
    ا ـ ما اوحي اليهم لفظه ومعناه وكان ذلك شان كتبه التي انزلها الى رسله وآخرها القرآن الكريم .
    ب ـ ما انزل اللّه المعنى وبلغته رسله بلفظهم وهذا ما يسمى بالمصطلح الاسلامي سنة الرسول ومن جملتها احاديث الرسول (ص ) في تفسير آي القرآن وبيان مجملها ومتشابهها.

    النبي والنبوة

    النبوة في اللغة : الرفعة وعلو المنزلة , وورد النبي في قوله تعالى في سورة آل عمران : (مـا كـان لـبشر ان يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون اللّه ) (الاية 79).
    نظيرا لمن آتاه اللّه الكتاب والحكم وقسيما لهما.
    اذا فـالنبوة منزلة خاصة فضل النبي بها بما آتاه اللّه من العلم وقرب المنزلة من اللّه , وعليه فان النبي من اوتي تلك المنزلة , وهي المقصودة في خطابه تعالى لنبيه وقوله في سورة الاحزاب :
    (يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى اللّه باذنه وسراجا منيرا) (الاية 45).
    فان المعنى : يا ذا المنزلة الرفيعة , انا ارسلناك الخ .
    وكذلك في قوله تعالى في سورة الاحزاب :
    (النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم ) (الاية 6).
    والنبي يوحى اليه , كما قال سبحانه وتعالى في سورة النساء:
    (انا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح والنبيين من بعده ) (الاية 166).
    اذا فـالنبي مصطلح اسلامي بمعنى : انسان ذي منزلة رفيعة عند اللّه يوحى اليه , وقد يبعث اللّه الرب النبيين رسلا مبشرين ومنذرين لهـداية الناس , كما قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة :
    (كان الناس امة واحدة فبعث اللّه النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب ) (الاية 213).
    وانزل معهم الكتاب اي : ان اللّه الرب انزل الكتب مع من كان من النبيين , وليس المقصود ان الرب انزل مع كل نبي كتابا.
    ثم ان الرب فضل بعض النبيين على بعض كما قال سبحانه في سورة الاسراء:
    (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ) (الاية 55).
    وارسل رسله الى الناس من النبيين كالاتي بيانه .

    الرسول
    الرسول : حامل الرسالة , وهو وسيلة هداية الرب للناس , وله شرف الوساطة بين الرب والمربوبين من البشر, ومرسل برسالة خاصة اليهم , ويختاره اللّه ممن ارسل اليهم ومن اهل لغتهم كما قال سبحانه وتعالى في سورة ابراهيم :
    (وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم ) (الاية 5).
    وفي قوله تعالى :
    (والى عاد اخاهم هودا) (في سورتي الاعراف 65, وهود 45).
    وفي قوله تعالى :
    (والى ثمود اخاهم صالحا) (في سور: الاعراف 73, وهود 61, والنمل 45).
    وفي قوله تعالى :
    (والى مدين اخاهم شعيبا) (في سور: الاعراف 85, وهود 84, والعنكبوت 36).
    وان الحكمة في ذلك واضحة : ليتقوى برهطه في اداء التبليغ كما حكى اللّه تعالى في سورة هود عن قوم شعيب انهم قالوا لشعيب : (ولولا رهطك لرجمناك ) (الاية 91).
    ويرسل الرب الرسل لهداية الناس واتماما للحجة عليهم كما قال سبحانه في سورة النساء:
    (ورسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل ) (الاية 165).
    وقال تعالى في سورة الاسراء:
    (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) (الاية 15).
    وقال عز اسمه في سورة يونس :
    (ولكل امة رسـول فاذا جاء رسـولهم قضي بينهم بالقسـط وهم لا يظلمون ) (الاية 47).
    وتـستحق الامم التي تعصي الرسول عذاب الدنيا والاخرة كما اخبر سبحانه عن فرعون ومن قبله وقال في سورة الحاقة :
    (فعصوا رسول ربهم فاخذهم اخذة رابية ) (الاية 10).
    وتكون معصية الرسول معصية اللّه الرب , كما قال سبحانه في سورة الجن :
    (ومن يعص اللّه ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها ابدا) (الاية 23).
    واخـتار اللّه الرسل من الانبياء, وكان عدد الرسل اقل من عدد الانبياء كما ورد ذلك في ما رواه ابو ذر وقال :
    [ فقلت : يا رسول اللّه (ص ) قـال : (مـائة الـف واربـعـة وعـشـرون الـفـا, الـرسـل مـن ذلك : ثلاثمائة وخمسة عشر, جما غفيرا)] ((27)) .
    وبـنـاء على ما ذكرناه فان كل رسول نبي, وليس كل نبي رسولا مثل اليسع (ع ) فانه كان نبيا ووصيا للكليم موسى بن عمران (ع ).
    ومن الرسل من جاء بشريعة ناسخة لبعض ما في الشريعة السابقة من المناسك , كما كان شان شريعة موسى (ع ) بالنسبة الى الشرائع .
    الـسابقة على شريعته , ومنهم من جاء بشريعة متممة ومجددة للشريعة السابقة كما كان شان شريعة خـاتـم الانـبـياء (ص ) بالنسبة الى حنيفية ابراهيم الخليل (ع ) كما قال سبحانه وتعالى في سورة النحل :
    (ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا) (الاية 123

  3. #3

    افتراضي

    ).
    وقال تعالى في سورة المائدة :
    (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) (الاية 3).

    خليفة اللّه في الارض . 1 ـ في المصطلح الاسلامي : ورد (خليفة اللّه في الارض ) في المصطلح الاسلامي بمعنى من اصطفاه اللّه من البشر وجعله اماما للناس وحاكما.
    وقد ورد بهذا المعنى في قوله تعالى في سورة البقرة :
    (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة ) (الاية 30).
    وفسر بعضهم الاية بان اللّه تعالى جعل آدم (ع ) خليفته في الارض , وفسرها آخرون بان اللّه تعالى جعل نوع الانسان خليفته في الارض , ويؤيد التفسير الاول قوله تعالى في سورة (ص ):
    (يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس ) (الاية 26).
    فـانـه لـو كـان مـعنى الاية الاولى : ان اللّه جعل نوع الانسان خليفته في الارض فلا معنى عندئذ لـتـخصيص داود (ع ) بجعله خليفة اللّه في الارض من بين نوعه الانساني الذي كان اللّه قد جعله خليفته في الارض قبل داود (ع ) ومع داود (ع ) وبعده .
    وقد استعمل خليفة اللّه بهذا المعنى في روايات ائمة اهل البيت (ع ) ((28)) .
    جعل اللّه خلفاءه ائمة للناس :
    وقـد جعل اللّه تعالى خلفاءه في الارض ائمة للناس وآتاهم الكتاب والنبوة , كما اخبر اللّه تعالى عن ابراهيم ولوط واسحاق ويعقوب في سورة الانبياء وقال :
    ( وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا واوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) (الايتان 72 و73).
    وقال جل ذكره في سورة الانعام :
    (وتلك حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومـن ذريـتـه داود وسـلـيمان وايوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى والياس واسـمـاعـيـل والـيسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين واجتبيناهم وهديناهم الى ص اط مستقيم اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة ) (الايات 83 ـ 89).
    اذا فـان من جعله اللّه خليفة في الارض يحكم بين الناس , جعله ـ ايضا ـ اماما لهم يهديهم بكتاب اللّه ويـبـلـغهم شريعته وبناء على ذلك يكون اهم وظائف خلفاء اللّه التبليغ كما ورد التصريح بذلك في قوله تعالى :
    ا ـ في سورة النحل :
    (فهل على الرسل الا البلاغ المبين ) (الاية 35).
    ب ـ في سورة النور (الاية 54) وسورة العنكبوت (الاية 18):
    (وما على الرسول الا البلاغ المبين ).
    ج ـ وامثالهما في سور:
    آل عـمـران (الايـة 20), والـمائدة (الايتان 92, 99), والرعد (الاية 40), وابراهيم (الاية 52), والنحل (الاية 35), والشورى (الاية 48), والاحقاف (الاية 35), والتغابن (الاية 12).
    ثم انه لا يبلغ عن اللّه عز وجل الا رسول يوحى اليه , او وصي عينه اللّه لذلك كما نجد مثالا له في خبر تبليغ الايات العشر الاولى من سورة براءة كالاتي تفصيله :
    ا ـ في مسند احمد وغيره واللفظ لمسند احمد قال :
    (عن علي قال :
    لـما نزلت عشر آيات من براءة على النبي (ص ) دعا النبي (ص ) ابا بكر فبعثه بها ليقراها على اهل مكة , ثم دعاني النبي (ص ) فقال .
    لـي : ادرك ابـا بـكـر, فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب به الى اهل مكة فاقراه عليهم , فلحقته بالجحفة فاخذت الكتاب منه , ورجع ابو بكر الى النبي (ص ) فقال : يا رسول اللّه لا ولكن جبرائيل جاني فقال : لن يؤدي عنك الا انت او رجل منك ) ((29)) .
    ب ـ في تفسير السيوطي عن ابي رافع قال :
    بـعث رسول اللّه (ص ) ابا بكر (رض ) ببراءة الى الموسم , فاتى جبرائيل (ع ) فقال : انه لن يؤديها عنك الا انت او رجل منك , فبعث عليا (رض ) على اثره حتى لحقه بين مكة والمدينة فاخذها فقراها على الناس في الموسم ((30)) .
    ج ـ وفي رواية اخرى عن سعد بن ابي وقاص قال :
    (ان رسـول اللّه (ص ) بـعـث ابـا بكر (رض ) ببراءة الى اهل مكة , ثم بعث عليا (رض ) على اثره فاخذها منه فكان ابا بكر (رض ).
    وجد في نفسه فقال النبي (ص ): يا ابا بكر ((31)) .
    فـي هـذا الـخـبـر ارسـل الرسول (ص ) صحابيه ابا بكر لتبليغ عشر آيات من صدر البراءة الى المشركين في حج العام التاسع للّه جرة , فاتاه جبرائيل ـامين وحي اللّه ـ وقال له : انه لن يؤديها عنك الا انـت او رجل منك اي ان تبليغ عشر آيات من سورة البراءة للمخاطبين بها م اشرة وظيفة تبليغية خـاصة بالرسول , ولن يؤدي هذه الوظيفة عن الرسول الا هو او رجل منه وهو علي ابن ابي طالب وصـيه على شريعته كما ستاتي الروايات في تعيين الوصي للرسول (ص ) في بحث الوصية ان شاء اللّه تعالى , ومن ثم ندرك ان التبليغ عن اللّه مباشرة وظيفة وولاية للرسول ووصيه .
    يؤتي اللّه خلفاءه ما يعجز عنه البشر.
    احـيـانا تقتضي حكمة اللّه ان ياتي خليفته ـ الذي جعله اماما للناس ومبلغا لكتابه وشريعته ـ بية تدل على صدقه في ما يبلغ عن اللّه , وتسمى تلك الاية في العرف الاسلامي بالمعجزة , لعجز البشر عن الاتيان بمثلها.
    كما اخبر اللّه تعالى عن بعض ما اتى به رسولاه موسى وعيسى (ع ) وقال في خبر ما اتى به كليمه موسى (ع ) :
    ا ـ في سورة الاعراف :
    (فالقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين ) (الاية 107).
    (ونزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين ) (الاية 108).
    (واوحينا الى موسى ان الق عصاك فاذا هي تلقف ما يافكون ) (الاية 117).
    (واوحـينا الى موسى اذ استسقاه قومه ان اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم ) (الاية 160).
    ب ـ في سورة الشعراء:
    (فالقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين ) (الاية 32).
    (فالقى موسى عصاه فاذا هي تلقف ما يافكون ) (الاية 45).
    (فاوحينا الى موسى ان اضرب بعصاك الحجر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ) (الاية 63).
    واخبر جل ذكره عما آتى رسوله عيسى بن مريم (ع ) في سورة المائدة , فقال تعالى :
    ( اذ ايـدتـك بـروح الـقـدس تـكـلم الناس في المهد وكهلا واذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والانـجـيـل واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيها فتكون طيرا باذني وتبرئ الاكمه والابرص باذني واذ تخرج الموتى باذني ) (الاية 110).
    وفي سورة آل عمران حكى عن عيسى (ع ) انه قال :
    ( واحيي الموتى باذن اللّه وانبئكم بما تاكلون وما تدخرون في بيوتكم ) (الاية 49).
    واخبر تعالى عما آتى داود وسليمان الوصيين على شريعته في سورة الانبياء وقال عز اسمه :
    (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير) (الاية 79).
    (ولـسـلـيمان الريح عاصفة تجري بامره ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك ) (الايتان 81 و82).
    ولـيـس مـن الضروري ان يؤتي اللّه جميع الائمة جميع المعجزات كما لم يذكر سبحانه عن هود ولـوط وشـعـيـب انه آتاهم معجزات موسى وعيسى وداود وسليمان صلوات اللّه عليهم اجمعين , وكـذلـك لـم يـمـكن الناس بعض الرسل من ان يحكموا بينهم بالعدل , كذلك لم يتسن للرسول موسى (ع )ولـخاتم الرسل محمد (ص ) ان يحكما بين الناس في اول امرهما, بينما هم ائمة خلفاء منذ بدء تـكليفهم بالتبليغ اذا فان الخلافة والامامة ملازمتان لتعيين اللّه صفيا من اصفيائه لتبليغ كتابه ودينه , وليستا ملازمين للحكم بين الناس واتيان المعجزات وبناء على ذلك فان خليفة اللّه هو المبلغ عن اللّه .
    كان ذلكم معنى خليفة اللّه في كتاب اللّه .
    وورد مـعـنـى خليفة الرسول (ص ) في حديث الرسول (ص ) كالاتي : (اللّه م ارحم خلفائي , اللّه م ارحم خلفائي , اللّه م ارحم خلفائي ).
    قيل له : يا رسول اللّه قال : (الذين ياتون من بعدي يروون حديثي وسنتي ) ((32)) .
    اذا فـان خـليفة اللّه هو الذي عينه اللّه لتبليغ شريعته , وخليفة الرسول هو الذي يقوم بتبليغ حديث الرسول وسنته من تلقاء نفسه .
    كـذلـك اسـتـعـمل مصطلحا خليفة اللّه وخليفة الرسول في الكتاب والسنة واستعملا في مصطلح المسلمين كالاتي بيانه :
    2 ـ الخليفة وخليفة اللّه في مصطلح المسلمين :
    سـيـاتـي بـنا في بحث معنى الخليفة اللغوي ان ابا بكر كان يسمى بخليفة رسول اللّه (ص ) وعمر بـخـليفة خليفة رسول اللّه (ص ) , وانه سمي بعد ذلك بامير المؤمنين , وبقي ذلك متداولا الى آخر الخلفاء العثمانيين , والى جانب ذلك سمي الحاكم الاسلامي الاعلى بما ياتي :
    ا ـ في العصر الاموي والعباسي :
    تـعـارف اتـباع مدرسة الخلفاء منذ العصر الاموي والى العصر العباسي على تسمية الحاكم الاعلى بخليفة اللّه .
    فقد قال الحجاج في خطبة صلاة الجمعة :
    فاسمعوا واطيعوا لخليفة اللّه وصفيه عبدالملك بن مروان ((33)) .
    ولما قيل في مجلس المهدي العباسي : ان الخليفة الاموي الوليد كان زنديقا, قال المهدي : خلافة اللّه عنده اجل من ان يجعلها في زنديق ((34)) .
    واشتهر ذلك على لسانهم في العصر الاموي والعصر العباسي , وورد ذكره في شعر الشعراء, كما قال جرير في قصيدة انشدها في .
    الخليفة عمر بن عبدالعزيز وقال :
    خليفة اللّه ماذا تامرون بنا ـــــ لسنا اليكم ولا في دار منتظر ((35)) .
    وان عمر بن عبدالعزيز مع اشتهاره بالتدين لم ينكر ذلك من قول جرير.
    وقال ـ ايضا ـ مروان بن ابي حفصة (ت : 182ه) في الخليفة ابي جعفر المنصور في قصيدته التي مدح بها معن بن زائدة الشيباني (ت : 151 هـ) حيث قال :
    ما زلت يوم الهاشمية معلنا ـــــ بالسيف دون خليفة الرحمن .
    فمنعت حوزته وكنت وقاءه ـــــ من وقع كل مهند وسنان ((36)) .
    ب ـ في العصر العثماني :
    في عصر العثمانيين استعمل لفظ الخليفة اسما لسلطان المسلمين الاعظم ((37)) بدون اضافة الى (اللّه ) او (الرسول ).
    ج ـ في عصرنا:
    اشـتـهـر في عصرنا ان المقصود في قوله تعالى للملائكة : (اني جاعل في الارض خليفة ) ان اللّه تـعـالـى جـعـل نـوع الانسان خليفته في الارض ((38)) وبناء عليه يكون معنى (خليفة اللّه في الارض ) نـوع الانـسـان , ومـعـنـى (استخلف ) و(يستخلف ) وغيرهما مما ورد من مادة (خلف ) استخل ف نوع الانسان , واشتهر ـ ايضا ـ ان المقصود في تسمية الحاكم الاعلى للمسلمين بالخليفة الـى آخـر عـصر الخلافة العثمانية انه خليفة رسول اللّه (ص ) في الحكم على المسلمين وعليه يـكـون مـعنى (الخليفة ) خليفة رسول اللّه (ص ) , ويصفون الخلفاء الاربعة بعد رسول اللّه (ص ) ب لـراشـديـن دون من جاء بعدهم الى آخر العثمانيين , واشتهرت هذه التسمية بين المسلمين حتى اليوم .
    انتقال مصطلح الخليفة من مدرسة الخلفاء الى اتباع مدرسة اهل البيت (ع ).
    جـرى بعد الرسول (ص ) كل ذلك التبديل لمعنى (الخليفة ) و(خليفة اللّه في الارض ) في مدرسة الخلفاء.
    وفـي مـدرسة اهل البيت (ع ) ورد لفظ (خليفة اللّه في الارض ) في روايات ائمة اهل البيت (ع ) بمعنى المصطلح الاسلامي كما اشرنا اليه .
    وانتقل مصطلح (الخليفة ) بمعنى : خليفة رسول اللّه (ص ) من مدرسة الخلفاء الى اتباع مدرسة اهل الـبـيـت (ع ) مـنـذ الـقرن الخامس الهجري وحتى اليوم واستندت مدرسة الخلفاء الى عدم ورود (الخليفة ) بالمعنى الذي استحدثوه بعد الرسول (ص ) في حديث الرسول (ص ) , وقالوا: ان الرول (ص ) ترك امته هملا ولم يعين المرجع من بعده .
    وفـي مـقام الرد عليهم استند اتباع مدرسة اهل البيت (ع ) الى ما ورد عن الرسول (ص ) في تعيين الامـام عـلـي وصـيا من بعده وقالوا: ان الرسول (ص ) عينه خليفة من بعده بالمعنى الذي استحدث للخليفة بعد الرسول (ص ) ولم يترك امته هملا ((39)) .
    جـرى كـل ذلـك من اتباع المدرستين غفلة منهم عن ان المصطلح الذي احدثته مدرسة الخلفاء بعد الرسول (ص ) لم يكن ليرد في حديث الرسول (ص ).
    الخلاصة :
    ا ـ خليفة الشخص في اللغة : من يقوم بعمله في غيابه , وقد ورد بالمعنى اللغوي في القرآن وحديث الرسول (ص ) ومحاورات الصحابة .
    ب ـ خـلـيـفة اللّه في الارض في المصطلح الاسلامي : من يعينه اللّه تعالى لتبليغ شريعته آخذا من الـوحي او من الرسول (ص ), وللحكم بين الناس , ويؤتي بعضهم ما يعجز البشر عن الاتيان بمثله , وقد ورد بهذا المعنى في القرآن وروايات ائمة اهل البيت (ع ).
    ج ـ خليفة الرسول في حديث الرسول (ص ) : من يقوم بتبليغ حديثه وسنته .
    د ـ فـي مـصـطـلح المسلمين سمي ابو بكر بخليفة رسول اللّه (ص ), وسمي عمر بخليفة خليفة رسـول اللّه , ثـم سمي عمر باميرالمؤمنين وبقيت هذه التسمية للحاكم الاسلامي الاعلى الى آخر الـخـلفاء العثمانيين , وفي العهدين الاموي والعباسي اضيف الى ذلك تسميته بخليفة الل ه , والى جانب ذيـن الاسـمـين اشتهرت تسمية الحاكم الاعلى في العهد العثماني بـ (الخليفة ) اي خليفة الرسول , وانتشرت هذه التسمية لدى المسلمين بعد العهد العثماني حتى اليوم , وقيل لجميع من ولي الحكم بعد الـرسـول (ص ) الـى العثمانيين بـ (الخليفة ) اي خليفة الرسول (ص ),وسمي الخلفاء الاربعة بعد الرسول (ص ) بـ(الخلفاء الراشدين ), وانتقل مصطلح (الخليفة ) الى اتباع مدرسة اهل البيت (ع ), وقد ادت الغفلة عن هذا الامر الى التشويش على المسلمين فاشتهر لدى مدرسة الخلفاء ان الرسول (ص ) تـرك امته هملا ولم يعين المرجع من بعده لان المصطلح الذي استحدثوه بعد الرسول (ص ) لم يرد في حديث الرسول (ص ), واستند اتباع مدرسة اهل البيت الى ما ورد عن الرسول (ص ) في تعيين الامام علي وصيا بعده , وقالوا: ان الرسول (ص ) عينه خليفة للمسلمين بالمعنى الذي استحدثه المسلمون للخليفة بعد الرسول (ص ), واشتد الخلاف بين المسلمين في هذا الامر.

    الائمة المبلغون



    الامام في اللغة : الانسان الذي يؤتم به ويقتدى بقوله او فعله محقا كان او مبطلا ((40)) . فمن الاول ما ورد في قوله تعالى في سورة البقرة : (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتـمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) (الاية 124).
    ومن الثاني ما ورد ذكره في قوله تعالى : (فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون ) (التوبة 12).
    والامـام فـي الاسـلام هو الهادي الى سبيل اللّه بامر من اللّه , انسانا كان , كما ورد ذكره في قوله تعالى : (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتـمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) (البقرة 124).
    وقوله تعالى : (وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا) (الانبياء 73).
    او كان كتابا كما ورد ذكره في قوله تعالى : (ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة ) (هود 17).
    ونـدرك من فحوى الايات المذكورة اعلاه ان شرط الامام في الاسلام ان كان كتابا ان يكون منزلا مـن قبل اللّه على رسوله لهداية الناس كما كان شان كتاب محمد (ص ) : القرآن الكريم , ومن قبله كتاب موسى : التوراة , وكذلك شان سائر الانبياء.
    وان كان انسانا, ان يكون معينا من قبل اللّه , لقوله تعالى : (اني جاعلك للناس اماما) و(عهدي ).
    وان يكون غير ظالم لنفسه ولا لغيره اي غير عاص للّه , لقوله تعالى : (لا ينال عهدي الظالمين ).
    في ضوء ما سبق يتضح ان الامام في الاصطلاح الاسلامي هو: ا ـ الكتاب المنزل من قبل اللّه على رسوله لهداية الناس .
    ب ـ الانسان المعين من قبل اللّه لهداية الناس وان يكون معصوما من الذنوب .
    ثم ان الامام المعين من قبل اللّه تعالى لهداية الناس اما ان يكون رسولا صاحب شريعة , او وصيه على شريعته وستاتي دراسة مصطلح (الوصي ) في فصل الامامة بعونه تعالى .

    الصحابي والصاحب
    في اللغة : الصاحب (وجمعه : صحب واصحاب وصحاب وصحابة ): المعاشر ((41)) والملازم ((42)) ولا يقال الا لمن كثرت ملازمته ((43)) , وان المصاحبة تقتضي طول لبثه ((44)) .
    وبـمـا ان الصحبة تكون بين اثنين , فقد لزم اضافة [(صاحب ) وجمعه الصحب و] الى اسم آخر في الكلام كما ورد في قوله تعالى في .
    سورة الشعراء: (قال اصحاب موسى ) (الاية 61).
    تعريف الصحابي لدى المدرستين .
    تعريف الصحابي في مدرسة الخلفاء.
    قال ابن حجر في مقدمة الاصابة , الفصل الاول في تعريف الصحابي : الـصحابي من لقي النبي (ص ) مؤمنا به , ومات على الاسلام فيدخل في من لقيه من طالت مجالسته له او قـصـرت , ومن روى عنه او لم يرو, ومن غزا معه او لم يغز, ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه , ومن لم يره لعارض كالعمى ((45)) .
    وذكر في (ضابط يستفاد من معرفته صحبة جمع كثير) وقال : (انهم كانوا في الفتوح لايؤمرون الا الصحابة ).
    (وانه لم يبق بمكة ولا الطائف احد في سنة عشر الا اسلم وشهد مع النبي حجة الوداع ) و(انه لم يـبـق فـي الاوس والخزرج احد في آخر عهد النبي (ص ) الا دخل في الاسلام ) و(ما مات النبي (ص ) واحد منهم يظهر الكفر) ((46)) .
    واذا راجـع باحث اجزاء كتابنا (خمسون ومائة صحابي مختلق ) يرى مدى تسامحهم في ذلك ومبلغ ضرره على الحديث .
    تعريف الصحابي بمدرسة اهل البيت (ع ).
    ان مدرسة اهل البيت ترى ان تعريف الصحابي : هو ما ورد في قواميس اللغة العربية كالاتي : الـصاحب وجمعه : صحب , واصحاب , وصحاب , وصحابة ((47)) و(الصاحب : المعاشر ((48)) والـمـلازم ((49)) , (ولا يـقـال الا لـمـن كثرت ملازمته )(5), (وان المصاحبة تقتضي طول لبثه )(6).
    وبـما ان الصحبة تكون بين اثنين , يتضح لنا انه لابد ان يضاف لفظ (الصاحب ) وجمعه (الصحب و) الـى اسـم مـا فـي الكلام , وكذلك ورد في القرآن في قوله تعالى : (يا صاحبي السجن ) و(اصحاب مـوسى ), وكان يقال في عصر الرسول (ص ) : (صاحب رسول اللّه ) و(اصحاب رسول اللّه مضافا الـى رسول اللّه (ص ) كما كان يقال : (اصحاب بيعة الشجرة ) و(اصحاب الصفة ) مضافا الى غيره , ولـم يـكـن لـفـظ الصاحب والاصحاب يوم ذاك اسماء لاصحاب الرسول (ص ) ولكن المسلمين من اصـحـاب مـدرسـة الـخـلافـة تدرجوا بعد ذلك في تسمية اصحاب رسول اللّه (ص ) بالصحابي وااصحاب , وعلى هذا فان هذه التسمية من نوع (تسمية المسلمين ) و(مصطلح المتشرعة ).

    مصطلحات قرآنية
    ـ القرآن . ـ الكتاب .
    ـ المصحف .
    ـ السورة والاية .
    ـ الجزء والحزب .
    ـ التلاوة والقراءة والاقراء.
    ـ النسخ .

    القـرآن
    الـقـرآن : هـو كـلام اللّه الذي نزله نجوما ـ في اوقاتها المعينة لانزالها ـ على خاتم انبيائه محمد (ص ) , بلغة العرب ولهجة قريش منهم , ويقابله الشعر والنثر في الكلام العربي .
    وعليه فان الكلام العربي ينقسم الى قرآن وشعر ونثر.
    وكما انه يقال لديوان الشاعر: (شعر), وللقصيدة في الديوان : (شعر), وللبيت الواحد فيه : (شعر) ولـلشطر الواحد ايضا: (شعر), كذلك يقال لجميع القرآن : (قرآن ), وللسورة الواحدة : (قرآن ), وللاية الواحدة : (قرآن ), واحيانا لبعض الاية : (قرآن ), مثل (ومما رزقناهم )في الاية الثالثة من سـورة الـبـقرة والقرآن بهذا المعنى , مصطلح اسلامي وحقيقة شرعية ان منشا هذه الاستعمالات مجيئه في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف .
    اسماء اخرى للقرآن ((50)) : اسـتـخرج العلماء من القرآن اسماء اخرى للقرآن الكريم مثل : (الكتاب ) و(النور) و(الموعظة ) و(كريم ).
    1 ـ الكتاب : لقوله تعالى في سورة البقرة : (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) (الايتان 1 و2).
    2 ـ النور: لقوله تعالى في سورة النساء: (وانزلنا اليكم نورا مبينا) (الاية 174).
    3 ـ الموعظة : لقوله تعالى في سورة يونس : ( قد جاءتكم موعظة من ربكم ) (الاية 57).
    4 ـ كريم : لقوله تعالى في سورة الواقعة : (انه لقرآن كريم ) (الاية 77).
    وندرس من الاسماء الانفة الكتاب فيما ياتي .

    الكـتاب
    يـظـهـر بادنى تدبر في موارد استعمال الكتاب في القرآن الكريم بانها جاءت هي ونظائرها وصفا لـلـقـرآن الكريم , وليست اسماء له , ما عدا الكتاب الذي ليس واضحا انه ليس اسما للقرآن الكريم , ومن ثم ندرس موارد استعمال لفظ (الكتاب ) في اللغة والقرآن الكريم في ما.
    ياتي باذنه تعالى : جاء استعمال الكتاب في اللغة والقرآن لمعان متعددة منها: اولا ـ في اللغة : ا ـ كتب الكتاب كتبا وكتابا.
    اي دون حروف الهجاء على اشكال تكون فيها الكلمات والجمل مثل قوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة : (فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم ) (الاية 79).
    ب ـ جـاء الـكـتـاب مصدرا سمي به المكتوب فيه , مثل قوله تعالى في حكاية قول بلقيس في سورة النمل : (قـالت يا ايها الملا اني القي الي كتاب كريم انه من سليمان وانه بسم اللّه الرحمن الرحيم ) (الايتان 29 و 30).
    ثانيا ـ في القرآن الكريم : اطلق الكتاب في القرآن على التوراة والانجيل والقرآن وكل كتاب انزله اللّه على رسله مثل قوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة : 1 ـ (ولقد آتينا موسى الكتب ) (الاية 87) للتوراة .
    2 ـ ( وقالت النصارى ليست اليهود على شي ء وهم يتلون الكتاب ) (الاية 113) للانجيل .
    3 ـ (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) (الايتان 1, 2) للقرآن الكريم .
    4 ـ ( فـبعث اللّه النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب ) (الاية 213) اي انزل مع كل منهم كتابا.
    وسمى اليهود والنصارى اهل الكتاب في قوله تعالى في سورة المائدة : (قل يا اهل الكتاب لستم على شي ء حتى تقيموا التوراة والا نجيل ) (الاية 68).
    كـان هـذا مـعـنى الكتاب الذي يساوي المصحف في المعنى في اللغة والقرآن الكريم واشتهر عند النحويين كتاب سيبويه في النحو بـ (الكتاب ).
    قال حاجي خليفة في باب الكتاب من كشف الظنون : (كـتـاب سـيـبـويـه في النحو: كان كتاب سيبويه لشهرته وفضله علما عند النحويين , فكان يقال بـالـبـصـرة : وقـرا فلان الكتاب , فيعلم انه كتاب سيبويه , وقرا نصف الكتاب , فلا يشك انه كتاب سيبويه ).
    وشـرحـه ابو الحسن علي بن محمد المعروف بابن خروف النحوي الاندلسي الاشبيلي (ت : 609 هـ), وسمـاه تنقيح الالباب في شرح غوامض الكتاب .
    وشرح ابو البقاء عبداللّه بن الحسين العكبري البغدادي الحنبلي (ت : 616 هـ) ابياته وسمـاه : لباب الكتاب .
    ولابي بكر محمد بن حسن الزبيدي الاندلسي الاشبيلي (ت : 380 هـ): ابنية الكتاب ((51)) .
    اذا فليس (الكتاب ) اسما للقرآن في القرآن الكريم ولا في عرف المسلمين .
    ونستنتج من هذا البحث ونقول : ان الـعـلـمـاء اخطاوا اذ فسروا ما جاء من لفظ (الكتاب ) او (كتاب ) في محاورات الصحابة بمعنى القرآن , في حين انهم قصدوا من (الكتاب ) ما فرض اللّه على عباده , كما درسناها مفصلا في بحث روايات اختلاف المصاحف , في المجلد الثاني من كتاب (القرآن الكريم وروايات المدرست ن ).

    [color=#33CC00]المصـحف . 1 ـ في اللغة : (الـصـحـيـفـة : التي يكتب فيها, والجمع صحائف وصحف وصحف , والمصحف والمصحف : الجامع للصحف بين الدفتين ) ((52)) .
    وقالوا في تفسير الدفتين , الدفة : الجنب من كل شي وصفحته , ودفتا الطبل : الجلدتان اللتان تكتنفانه , ويـضـرب عـلـيهما, ومنه دفتا المصحف , يقال : حفظ ما بين الدفتين ((53)) ـ اي حفظ الكتاب من الجلد الى الجلد.
    وبـنـاء على ما ذكرنا, فان المصحف : اسم للكتاب المجلد, وذلك لانه اذا كانت الصحيفة هي ما يكتب فيها وجمعها الصحف , والمصحف : هو الجامع للصحف بين الدفتين , والدفتان ـ هما جلدتا الكتاب ـ فالمصحف في كلامهم بمعنى الكتاب المجلد في كلامنا.
    وبناء على ما ذكرنا, ان المصحف : اسم لكل كتاب مجلد قرآنا كان ام غير قرآن .
    2 ـ في مصطلح الصحابة : استعمل المصحف بالمعنى اللغوي الذي ذكرناه في روايات (جمع القرآن ) حتى عهد عثمان .
    فقد روى البخاري عن الصحابي زيد بن ثابت ما ملخصه : ان الخليفة ابا بكر امره بجمع القرآن قال : (فـتـتبعت القرآن اجمعه , فكانت الصحف عند ابي بكر حتى توفاه اللّه , ثم عند عمر في حياته , ثم عند حفصة بنت عمر (رض ).
    وروى بعدها عن انس ما ملخصه : (ان عـثـمـان عـندما اراد ان يجمع القرآن ارسله الى حفصة : ان ارسلي الينا بالصحف ننسخها في المصاحف , ثم نردها اليك ) الخبر ((54)) .
    ومـن الـواضـح ان الـصـحف والمصاحف ذكرا في الخبرين المذكورين آنفا بنفس المعنى اللغوي : (الكتاب المجلد).
    واكـثر تصريحا مما جاء عند البخاري , ما جاء عند ابن ابي داود السجستاني في باب : جمع القرآن في المصحف من كتابه : (المصاحف ), فقد روى فيه : ا ـ عن محمد بن سيرين , قال : (لما توفي النبي (ص ) اقسم علي ان لايرتدي الرداء الا لجمعة , حتى يجمع القرآن في مصحف ).
    ب ـ عن ابي العالية : (انهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة ابي بكر).
    ج ـ عن الحسين : (ان عمر بن الخطاب امر بالقرآن , وكان اول من جمعه في المصحف ) ((55)) .
    اسـتشهدنا بهذه الروايات الثلاث لانها تدل على ان في عصر روايتها كان المصحف في كلامهم اعم من القرآن , فقد جاء فيها على حسب التسلسل : ا ـ (حتى يجمع القرآن في مصحف ).
    ب ـ (جمعوا القرآن في مصحف ).
    ج ـ (وامر بالقرآن فجمع , وكان اول من جمعه في المصحف ).
    ولو كان المصحف لديهم هو القرآن لكان تفسير الروايات كالاتي : ا ـ حتى يجمع القرآن في القرآن .
    ب ـ جمعوا القرآن في القرآن .
    ج ـ وكان اول من جمع القرآن في القرآن .
    3 ـ في روايات ائمة اهل البيت (ع ) : وقد جاء المصحف في روايات ائمة اهل البيت (ع ) بنفس المعنى اللغوي لمدرسة الخلفاء, فقد روى الكليني في باب (قراءة القرآن في المصحف ): الحديث الاول عن ابي عبداللّه جعفر الصادق (ع ) , قال : من قرا القرآن في المصحف متع ببصره , وخفف عن والديه , وان كانا كافرين .
    وفـي الـحديث الرابع منه ـ ايضا ـ عن ابي عبداللّه (ع ) , قال : (قراءة القرآن في المصحف تخفف العذاب عن الوالدين , ولو كانا.
    كافرين ) ((56)) .
    وبـنـاء عـلى ما ذكرنا ثبت ان المصحف كان يستعمل في كلام الصحابة والتابعين والرواة بمدرسة الخلفاء ومدرسة اهل البيت (ع ).
    ويـراد بـه الـكتاب المجلد, اي : ان المصحف استعمل في محاوراتهما في عصر الاسلام الاول في معناه اللغوي واشتهر بعد ذلك في مدرسة الخلفاء تسمية القرآن المدون والمخطوط بين الدفتين بـ (المصحف ).
    4 ـ في اخبار مدرسة الخلفاء: وقد سمي في مدرسة الخلفاء غير القرآن بالمصحف كالاتي : مصحف خالد بن معدان : روى كـل من ابن ابي داود (ت : 316 هـ) وابن عساكر (ت : 571 هـ) والمزي (ت : 742 هـ) وابن حجر (ت : 852 هـ) بترجمة خالد بن معدان وقالوا: ان خالد بن معدان كان علمه في مصحف له ازرار وعرى ((57)) .
    فمن هو خالد بن معدان صاحب المصحف ؟.
    كان خالد بن معدان من كبار علماء الشام ومن التابعين , ادرك سبعين من الصحابة , ترجم له ابن الاثير (ت : 630 هـ) في مادة .
    الكلاعي ((58)) , وقال : توفي خالد سنة ثلاث او اربع او ثمان ومائة هجرية .
    5 ـ اشتهار المصحف في كل ما كتب وجعل بين الدفتين : الكتاب المجلد.
    كـان اسـتـعـمال المصحف في ما كتب وجعل بين الدفتين , اي الكتاب المجلد مشهورا ومتداولا لدى العلماء والباحثين بمدرسة الخلفاء, واليكم المثالين الاتيين لذلك : ا ـ عنوان ابن ابي داود السجستاني من اعلام القرن الثالث الهجري في كتابه المصاحف كالاتي : 1 ـ جمع ابي بكر الصديق (رض ) القرآن في المصاحف بعد رسول اللّه (ص ).
    2 ـ جمع علي بن ابي طالب (رض ) القرآن في المصحف ((59)) .
    ب ـ ومـن المعاصرين قال ناصر الدين الاسد في كتابه مصادر الشعر الجاهلي : وكانوا يطلقون على الكتاب المجموع : لفظ المصحف , ويقصدون به مطلق الكتاب , لا القرآن وحده , فمن ذلك ما ذكره .
    ثم نقل خبر مصحف خالد بن معـدان من كتاب المصـاحف لابن ابي داود السجستاني ((60)) .
    6 ـ في مصطلح الامم السابقة : تسمية الكتب الدينية للامم السابقة بالمصحف : وكذلك سميت الكتب الدينية للامم السابقة بالمصحف كما جاء في طبقات ابن سعد بسنده : عن سهل مولى عتيبة انه كان نصرانيا من اهل مريس , وانه كان يتيما في حجر امه وعمه , وانه كان يقرا الانجيل , قال : فاخذت مصحفا لعمي فقراته حتى مرت بي ورقة , فانكرت كتابتها حين مرت بي ومسستها بيدي , قال : فنظرت فاذا فصول الورقة ملصق بغراء, قال : ففتقت ها فوجدت فيها نعت محمد (ص ) , انـه لا قـصـير ولا طويل , ابيض , ذو ضفيرين , بين كتفيه خاتم , يكثر الاحتباء, ولا يقبل الـصدقة , ويركب الحمار والبعير, ويحتلب الشاة , ويلبس قميصا مرقوعا, ومن فعل ذلك فقد برئ مـن الـكبر, وهو يفعل ذلك , وهو من ذرية اسماعيل اسمه احمد, ق ل سهل : فلما انتهيت الى هذا من ذكـر مـحمد (ص ) جاء عمي , فلما راى الورقة ضربني وقال : ما لك وفتح هذه الورقة وقراءتها؟ فقلت : فيها نعت النبي (ص ) احمد, فقال : انه لم يات بعد ((61)) .
    وهكذا وجدنا المصحف اسما عاما للصحف بين الدفتين وان صح ما جاء في رواية المصاحف لابن ابي داود ان الـخـلـيـفة ابا بكر كان قد سمى القرآن بالمصحف فان هذه التسمية لم تشتهر حتى عصر عـثمان , كما يظهر ذلك من الخبرين اللذين نقلناهما آنفا من صحيح البخاري , وانما اش هرت تسمية الـقـرآن بالمصحف بعد ذلك , وعند ذاك ايضا لم تبق هذه التسمية منحصرة بالقرآن , بل سميت كتب اخـرى في مدرسة الخلفاء ومدرسة اهل البيت بـ(المصحف ) وكان منها مصحف فاطمة ابنة رسول اللّه (ص ) كالاتي خبره : 7 ـ مصحف فاطمة ابنة الرسول (ص ) : جـاء فـي الـروايـات ان فـاطـمـة ابنة رسول اللّه (ص ) كان لها كتاب اسمه المصحف فيه اخبار بالمغيبات .
    لقد جاء في بصائر الدرجات باكثر من سند عن الامام الصادق (ع ) قال : قال ابو عبداللّه لاقوام كانوا يـاتـونه ويسالونه عما خلف رسول اللّه (ص ) الى علي (ع ) وعما خلف علي الى الحسن : لقد خلف رسول اللّه (ص ) عندنا ما فيها كل ما يحتاج اليه حتى ارش الخدش .
    والظفر, وخلفت فاطمة مصحفا ما هو قرآن الحديث ((62)) .
    اذا فقد كان لابنة رسول اللّه (ص ) مصحف كما كان لخالد بن معدان كتاب اسمه المصحف فيه علمه .
    وان ائمـة اهـل البيت الذين انتشر منهم هذا الخبر نصوا على انه ما هو بالقرآن وليس فيه شي ء من الـقـرآن , بل فيه اخبار بالحوادث الكائنة في المستقبل ومع الاسف الشديد افترى بعض الكتاب في مـدرسـة الـخـلفاء وقال : ان مصحف فاطمة عند اتباع مدرسة اهل البيت : قرآن آخر مدرسة اهل البيت لم يقولوا هذا القول في شان مصحف خالد ولا الكتاب لسيبويه .
    8 ـ مصاحف الصحابة : ذكـرنـا فـي بحث اختلاف مصاحف الصحابة في المجلد الثاني من كتاب (القرآن الكريم وروايات المدرستين ): انـه كـان لـكـثير من الصحابة مصاحف كتب كل منهم في مصحفه القرآن وما سمعه من رسول اللّه (ص ) فـي تـفسير بعض آيات القرآن , اذا كان معنى مصاحف الصحابة في عصر الصحابة : القرآن الـمـكتوب مع حديث الرسول في تفسير بعض آياته كما هو الحال في تفاسير القرآن بالماثور مثل الـدرالمنثور في تفسير القرآن بالماثور للسيوطي في مدرسة الخلفاء والبرهان في تفسير القرآن لدى اتباع مدرسة اهل البيت (ع ).
    مثالان لمصاحف الصحابة : ا ـ مصحف ام المؤمنين عائشة : رووا عـن ابـي يونس مولى عائشة انه قال امرتني عائشة ان اكتب لها مصحفا وقالت : اذا بلغت هذه الاية فذني : (حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى ) فلما بلغتها آذنتها فاملت علي (حافظوا على الـصـلوات والصلاة الوسطى (وصلاة العصر) وقوموا للّه قان ين ) قالت عائشة سمعتها من رسول اللّه (ص ).
    ب ـ مصحف ام المؤمنين حفصة : عـن ابي رافع مولى حفصة انه قال : استكتبتني حفصة مصحفا, فقالت : اذا اتيت على هذه الاية , فتعال حـتـى امـلـيها عليك كما قراتها, فلما اتيت على هذه الاية : (حافظوا على الصلوات ), قالت : اكتب : (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) [وصلاة العصر]((63).
    ومصاحف اخرى سوف نذكرها في ما ياتي باذنه تعالى .
    9 ـ مصحف الرسول (ص ) : اوصى الرسول (ص ) الامام عليا ان لايرتدي رداءه بعد وفاته حتى يجمع الصحف التي كانت في بيت الرسول (ص ) التي كتب عليها القرآن بامر الرسول (ص ) , ولم تكن آي القرآن التي كتبت في تلك الـصـحف بدعا عما كتبها الصحابة في صحفهم مما تعلموها من لفظ الايات ومعانيها م ا تلقاها الرسول (ص ) جميعا عن طريق الوحي , بل لابد ان تكون مشابهة لمصاحف الصحابة في كتابة اللفظ والمعنى مـعـا ما عدا امرا واحدا وهو ان كل صحابي كان يكتب مع ما يكتب من آي القرآن ما بلغه عن رسول اللّه (ص ) فـي تـفـسـيـر الايـة , وكان رسول اللّه (ص ) قد امر الامام عليا بكتابة كل ما يحتاجه المسلمون في تفسير الايات مما تلقاه عن طريق الوحي ((64)) .

    السورة والاية
    ا ـ السورة : 1 ـ في اللغة : اختلفوا في اصلها لغة , منها قولهم : انها من سور المدينة لاحاطتها بياتها واجتماعها كاجتماع البيوت بالسور ((65)) .
    2 ـ في المصطلح الاسلامي القرآني : جـزء مـن الـقـرآن يـفتتح بالبسملة ما عدا سورة براءة , ويشتمل على آي ذوات عدد, وقد جاءت بالمعنى الاصطلاحي في القرآن الكريم بلفظ المفرد تسع مرات , وبلفظ الجمع مرة واحدة .
    وان اصغر سور القرآن الكوثر واكبرها البقرة .
    3 ـ في القرآن الكريم : نـرى ان اسـمـاء سـور الـقـرآن الـمـنحصرة باسم واحد مثل (الرحمن ) و(الانفال ) و(الانعام ) مـصـطلحات اسلامية نزلت عن طريق الوحي الى رسول اللّه (ص ) وما اشتهر لها اسمان او اكثر مـثل سورة الاسراء التي تسمى ايضا بني اسرائيل ينبغي ان ندرس الروايات المروية عن الرسول (ص )في شان تعدد اسماء بعض السور لمعرفة المصطلح الاسلامي منهما عن مصطلح المسلمين .
    ب ـ الاية : في اللغة : اشـهـر مـعاني (الاية ) في اللغة : العلامة الواضحة للشي ء المحسوس , والامارة الدالة على المراد للامر المعقول .
    ومثال الاول قوله تعالى في سورة مريم في حكاية قول زكريا (ع ): (قال رب اجعل لي آية قال آيتك الا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) (الاية 10).
    اي : قال اجعل لي علامة واضحة .
    ومثال الثاني قوله تعالى في سورة يوسف : (وكاين من آية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون ) (الاية 105).
    اي كم من امارة تدل على قدرة اللّه وحكمته , او غيرها من صفاته يمرون عليها وهم عنها معرضون .
    وقول الشاعر: وفي كل شي ء له آية ـــــ تدل على انه واحد.
    في المصطلح الاسلامي : ما قاله الراغب في مفردات القرآن : (ويقال لكل جملة من القرآن دالة على حكم : آية , سورة كانت , او فصولا, او فصلا من سورة .
    وقد يقال لكل كلام منه , منفصل بفصل لفظي : آية .
    وعلى هذا اعتبار آيات السورة التي تعد بها السورة ) ((66)) .
    وتضاف اليه الحروف المقطعة المبدوء بها بعض سور القرآن مثل قوله تعالى في سورة البقـرة : (الم ذلك الكتاب ) وفي سورة فصلت

  4. #4

    افتراضي

    : (حم تنزيل من الرحمن الرحيم ).
    قال المؤلف : ان الـراغـب وان لـم يـفـرق بين المعنى اللغوي للاية والذي قدم ذكره وبين معانيها في المصطلح الاسلامي والتي اخر ذكرها, غير انا لما وجدنا المجموعة الثانية لم ترد عند العرب وانما جاءت في الكتاب والسنة خاصة , وشاع فيهما استعمال (الاية ) في تلك المعاني , قل ا بانها من معاني (الاية ) فـي الـمـصـطـلح الاسلامي , وكذلك القاعدة في معرفة المصطلح الاسلامي , مثل مصطلح الصلاة والزكاة والخمس في الشريعة الاسلامية .
    وان الراغب في تعريفه معنى (الاية ) قسم ما وصفناه بالمصطلح الاسلامي الى قسمين : 1 ـ ما اعتبر (الحكم ) في التسمية , حيث قال : (كل جملة دالة على حكم آية , سورة كانت او).
    2 ـ ما اعتبر (اللفظ) في التسمية , حيث قال : (كل كلام ).
    ونحن بعد البحث والفحص عن موارد استعمال (الاية ) في القرآن الكريم وجدنا الراغب مصيبا في قوله , واليكم الدليل على ذلك : اولا ـ وجدنا من امثلة القسم الاول : 1 ـ قوله تعالى في سورة البقرة : (ما ننسخ من آية او ننسها نات بخير منها او مثلها) (الاية 106).
    2 ـ قوله تعالى في سورة النحل : (واذا بدلنا آية مكان آية ) (الاية 101).
    3 ـ وقوله تعالى في سورة الاحزاب في خطابه لازواج النبي (ص ): (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات اللّه والحكمة ) (الاية 34).
    4 ـ ومنها قوله تعالى في سورة القصص : (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في امها رسولا يتلو عليهم آياتنا) (الاية 59).
    وقـوله تعالى في سورة الزمر في حكاية خطاب الملائكة لاهل جهنم : (وقال لهم خزنتها الم ياتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا) (الاية 71).
    5 ـ وقوله تعالى في سورة آل عمران : (ليسوا سواء من اهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات اللّه آناء الليل ) (الاية 113).
    والمعنى في الاية الاولى : ما ننسخ من حكم في فصل من كتاب اللّه او ننسه نات بخير منه او بمثله .
    وفي الاية الثانية : واذا بدلنا حكما في فصل او فصول من كتاب اللّه بحكم آخر في فصل او فصول من كتاب اللّه .
    وفـي الايـة الثالثة : واذكرن يا ازواج النبي (ص ) ما يتلى في بيوتكن من احكام اللّه التي جاءت في فصول كتاب اللّه .
    وفـي الاية الرابعة : حتى يبعث اللّه في ام القرى رسولا يتلو على اهلها احكام اللّه في فصول كتاب اللّه .
    وفـي الايـة الـخامسة : ليس اهل الكتاب متساوين في امر الدين , منهم امة مستقيمة يتلون احكاما من فصول كتاب اللّه .
    ثانيا ـ وجدنا من امثلة القسم الثاني , قوله تعالى في سورة يوسف : (الر تلك آيات الكتاب المبين ) (الاية 1).
    وقوله تعالى في سورة الرعد: (المر تلك آيات الكتاب والذي انزل اليك من ربك ) (الاية 1).
    وكذلك جاء نظيرها في اول يونس والنمل , والثانية من الشعراء والقصص ولقمان .
    ان هـذه الايـات ونـظـائرها تشير الى الايات التي تشخص في كل سورة بالعدد, ويقال مثلا: سورة الحمد سبع آيات , كما جاء في حديث الرسول (ص ).
    والايـة بـهـذا الـمعنى لم ترد في القرآن الكريم بغير لفظ الجمع , وقد قصد من (الاية ) هنا الفاظ الجملة القرآنية دون معناها.
    ونـضـيـف الى ما سبق ما جاء في مادة الاية من معجم الفاظ القرآن الكريم قولهم : وسميت معجزات الانبياء (آية ), لانها علامة على صدقهم وعلى قدرة اللّه .
    ونقول : ان منها قوله ـ تعالى ـ في حكاية قول صالح لقومه : (هذه ناقة اللّه لكم آية ) (الاعراف / 73), و(هود / 64).
    وقوله تعالى في سورة النمل في خطابه لموسى بن عمران حين ارسله الى فرعون وقومه : (وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات الى فرعون وقومه انهم كانوا قوما فاسقين ) (الاية 12).
    وبـناء على ما بيناه فلفظ (آية ) مشترك بين ثلاثة معان في المصطلح الاسلامي مضافا الى معانيها في اللغة العربية .
    وقد استعملت (الاية ) بكثرة في معانيها اللغوية والاصطلاحية جميعا في القرآن الكريم .
    ولا بـد لـنا في تشخيص المعنى المقصود ان نعمل بما قرره العلماء في علم اصول الفقه من ان اللفظ المشترك اذا جاء في الكلام لابد ان تدل قرينة على المعنى المقصود منه .
    وعـلـيـه يـنـبغي لفهم المراد مما جاء من مادة (الاية ) في القرآن , ان نبحث عن القرينة الدالة على المعنى المقصود في التعبير القرآني .
    الخلاصة : السورة في المصطلح القرآني جزء من القرآن يفتتح بالبسملة عدا سورة براءة , ويشتمل على آيات تميز بالترقيم , ونرى ان اللّه قد سمى كل سورة باسم واحد وما اشتهر لها اكثر من اسم واحد مثل سـورة الاسـراء وسـورة بـنـي اسرائيل ينبغي ان يبحث في السنة النبوية عن اسمها في المصطلح القرآني .
    (الاية ) في اللغة : العلامة الواضحة على شي ء محسوس او الامارة الدالة على شي ء معقول .
    وفـي الـمـصـطلح الاسلامي قد تكون (الاية ): معجزة من معاجز الانبياء او جملة من الفاظ سورة قرآنية معينة بالعدد او فصلا او فصولا من كتاب اللّه تبين حكما من احكام شريعته .
    ولا نـقـول : ان معنى الاية في المصطلح الاسلامي ينحصر بما ذكرناه , بل نقول : هذا ما عرفناه من معاني الاية الى اليوم , ولعل البحث يعرفنا بعد اليوم غيرها من معاني الاية في المصطلح الاسلامي .
    اذا لفظ الاية مشترك في المصطلح الاسلامي بين عدة معان , ولا يستعمل اللفظ المشترك في الكلام دونما قرينة تعين المعنى المقصود.

    الجزء والحزب
    قـسـم الـمـسـلمون القرآن الى ثلاثين قسما وكل قسم سموه جزءا ((67)) , والجزء الى اربعة احزاب , وهما من مصطلح المسلمين , لعدم استعمالهما بهذا المعنى في الكتاب والسنة .

    التلاوة والقراءة والاقراء
    ا ـ التلاوة : يـقال : تلا الكتاب تلاوة , اذا تلفظ بكلمات كتاب يجب اتباعه مثل التوراة والانجيل والقرآن مع تدبر معاني جملاته .
    ولا يقال : تلوت كتابك في ما لا يجب اتباعه , وبهذا المعنى جاء في قوله تعالى : 1 ـ في سورة الكهف : (واتل ما اوحي اليك من كتاب ربك ) (الاية 27).
    2 ـ في سورة العنكبوت : (اولم يكفهم انا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) (الاية 51).
    جـاء فـي سيرة ابن هشام وتاريخ الطبري عند ذكرهما خبر دعوة الرسول (ص ) في موسم الحج رهطا من الخزرج قالا: (فدعاهم الى اللّه ـ عز وجل ـ وعرض عليهم الاسلام , وتلا عليهم القرآن ) ((68)) .
    ب ـ القراءة والاقراء: 1 ـ في اللغة : قرا الكتاب قراءة وقرآنا تتبع كلماته نظرا ونطق بها ((69)) .
    2 ـ في المصطلح الاسلامي : لـمـعـرفـة مـعنى القراءة والاقراء في المصطلح الاسلامي نتدبر ما جاء من هذه المادة في القرآن الكريم وسنة الرسول (ص ).
    اما القرآن فقد قال اللّه سبحانه : ا ـ في سورة العلق : (اقرا باسم ربك الذي خلق ) (الاية 1).
    ب ـ في سورة القيامة : (لا تـحـرك بـه لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرآنه فاذا قراناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه ) (الايات 16 ـ 19).
    ج ـ في سورة الاعلى : (سنقرئك فلا تنسى ) (الاية 6).
    د ـ في سورة الفرقان : (وقـال الـذيـن كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) (الاية 32).
    هـ ـ في سورة الاسراء: (وقرآنا فرقناه لتقراه على الناس على مكث ) (الاية 106).
    و ـ في سورة النحل : (وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ) (الاية 44).
    ج ـ جمعه في كلام الرسول (ص ).
    د ـ جمعه حفظا في صدور من حفظه من الصحابة .
    هـ ـ جمعه كتبا في ما كتبه الصحابة في مصاحفهم .
    وفي السنة : ا ـ نقرا في اخبار سيرة الرسول (ص ) عندما آمن به من دعاهم من الخزرج في موسم الحج ما رواه ابن هشام : فـلما انصرف عنه (ص ) القوم بعث رسول اللّه (ص ) معهم مصعب بن عمير ابن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي , وامره ان .
    يقرئهم القرآن , ويعلمهم الاسلام , ويفقههم في الدين , فكان يسمى بالمدينة المقرئ ((70)) .
    ب ـ نقرا عن سيرة الرسول في اقرائه القرآن لاصحابه ما رواه احمد وغيره واللفظ لاحمد: قال : كانوا ـ اي الصحابة ـ يقترئون من رسول اللّه عشر آيات عشر آيات , فلا ياخذون في العشر الاخرى حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل ((71)) .
    تفسير الايات : فـي سـورة الـعلق امر اللّه نبيه ان يقرا, وفي سورة القيامة بين كيفية القراءة والاقراء وقال ـ جل اسمه ـ :لاتعجل في القراءة ان علينا جمعه , اي : ان على اللّه جمع القرآن بكل ما للجمع من معنى اي جمع لفظ القرآن ومعناه .
    ا ـ جمعه في كلام جبرائيل للرسول (ص ).
    ب ـ جمعه في صدر الرسول (ص ).
    و ـ جمعه حفظا في صدور بعض المسلمين .
    ز ـ جـمـعـه كتبا في ما يكتبه البشر وتسجيلا على وسائل التسجيل في من سجله من البشر على الاشرطة الى يوم الدين .
    كـل ذلـك جـمـع للقرآن من قبل اللّه ـ تبارك وتعالى ـ وتحقيق لوعده , وذلك بقاعدة (وما رميت اذ رميت ولكن اللّه رمى ) (الانفال / 17).
    ويـفهم من قوله تعالى : (ثم ان علينا بيانه ) انه ـ تبارك وتعالى ـ علم رسوله معاني القرآن مع تعليمه تـلاوة الفاظه اذا فان اقراء اللّه نبيه في قوله تعالى : (سنقرئك ) كان بتعليمه تلاوة لفظ القرآن مع تعليمه معنى اللفظ في ما احتاج فهم معنى اللفظالى تعليم اللّه اياه ((72)) .
    وتـعـلـيم معاني آي القرآن الكريم بما فيها آيات الاحكام كان بحاجة الى سعة في الوقت لاستيعاب المعنى , فكان من الحكمة ان ينزل القرآن متدرجا, وليعلم الرسول (ص ) المؤمنين كذلك تلاوة الفاظ القرآن مع ما تلقاه ـ ايضا ـ عن طريق الوحي من معاني الايات متدرجا لي توعبوها, ومن اجل ذلك لم يـنـزل اللّه الـقـرآن مرة واحدة , بل انزله على مكث , ليثبت به فؤاد الرسول (ص ) اولا ثم يقرئ الـرسول (ص ) المؤمنين على مكث , اذا فان معنى (سنقرئك فلا تنسى ) نعلمك تلاوة ولفظ القرآن مـع بـيان معناه وانك لاتنسى ما علمناك من ل ظ القرآن وبيان معانيه , وكذلك فعل الرسول (ص ) في تـعليم القرآن للصحابة فانه (ص ) كان يقرئ اصحابه عشر آيات عشر آيات على مكث يعلمهم في كل مرة تلاوة الفاظ الايات العشر مع تعليمهم ما فيه من العلم والعمل .
    وكان الاصحاب الذين تعلموا لفظ القرآن ومعناه من الرسول على مكث يعلمون الاخرين تلاوة اللفظ والـمـعنى معا وكذلك كان الجميع يتقاراون القرآن على عهد الرسول (ص ) مثل النفر الذين سموا بالقراء من اصحاب الرسول (ص ) الذين بعث منهم سبعين شخصا لتعليم القرآن , ف ستشهدوا في بئر معونة .
    وكـان رسـول اللّه (ص ) عندما ينتخب الاقرا من اصحابه , ليوليه على المسلمين مهما استطاع الى ذلك سبيلا ينتخب الاكثر علما بتلاوة لفظ القرآن مع فهم معناه .
    ومن جملة ذلك انه (ص ) بعث مع الانصار بعدما بايعوه في العقبة بمنى مصعب بن عمير بن هاشم بن عـبـد مـنـاف , وامـره ان يقرئهم القرآن , ويعلمهم الاسلام , ويفقههم في الدين , فكان يسمى مصعب بالمدينة المقرئ ((73)) .
    وكذلك كان يفعل الصحابي الفقيه ابن مسعود الذي عينـه عمر بن الخطاب , ليعلم اهل الكوفة القرآن في مسجد الكوفة عندما كان يقرئ القرآن فانه لم يكن معلم كتاتيب يعلم الاطفال تلاوة الفاظ القرآن , بل كان مقرئا يعلم طلاب علوم القرآن تلاوة لفظ القرآن مع بيان معانيه .
    وبـناء على ذلك كان معنى الاقراء على عهد الرسول الى سنوات قليلة من بعده تعليم تلاوة اللفظ مع تعليم معناه .
    والمقرئ من يعلم تلاوة لفظ القرآن مع تعليم معنى اللفظ, والقارئ وجمعه القراء من تعلم تلاوة لفظ القرآن مع تعلم معنى اللفظ.
    وقـد قـال الراغب في مادة (قرا) من مفردات القرآن (كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحـد مـنهما اذا انفرد كالمائدة للخوان وللطعام , ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به ) وكذلك جـرى الامر في استعمال مادة الاقراء فانه كان في عصر الرسول (ص ) يستعمل في المعن ين تعليم تـلاوة الـلـفظ وتعليم معنى اللفظ واصبح بعد انتشار تعلم القرآن يستعمل الاقراء في احد المعنيين وهـو تعليم معنى الايات التي تحتاج الى تفسير, ومن تلك الموارد ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس انه قال : كـنـت اقـرئ رجالا من المهاجرين منهم عبدالرحمن بن عوف , فبينما انا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها الحديث ((74)) .
    واذا عـلمنا ان اسلام عبدالرحمن بن عوف كان في السنة الثالثة من البعثة حسب ما يذكر ابن هشام من اخبار السابقين الى الاسلام من المهاجرين ((75)) .
    وان آخـر حجة حجها عمر كانت سنة 23 هـ, وقتل في الشهر نفسه , قتل في المدينة , عرفنا ان الـمـدة بـين الزمانين اكثر من اثنتين وثلاثين سنة ولم يكن كبراء المهاجرين امثال عبدالرحمن بن عوف اطفال كتاتيب ليقرئهم ابن عباس تلاوة الفاظ القرآن وانما كان يعلمهم تفسير القرآن .
    ما يؤيد ان الصحابة كانوا يعنون بتعلم معنى القرآن : سـياتي في اخبار القرآن في عصر الخليفة عمر انه كان يساله عن معاني القرآن وانه كان يقول في حقه (نعم ترجمان القرآن عبداللّه بن عباس ).
    وكـيـف روض الخليفة عمر كبار الصحابة ان يقترئوا القرآن من ابن عباس وكان الذين يفتون في عـصر عمر هم الذين يقراون القرآن , اي لهم حق تعليم معنى القرآن كما سندرسه ـ باذنه تعالى ـ بعد ايراد اخبار وروايات في شان القرآن في ما ياتي .
    اخبار وروايات في شان القرآن : 1 ـ عندما حضر الرسول (ص ) : في صحيح البخاري وغيره بسندهم الى ابن عباس انه قال : (لما حضر النبي (ص ) وفي البيت رجال فـيـهـم عـمر بن الخطاب , قال : هلم اكتب كتابا لكم لن تضلوا بعده , قال عمر: ان النبي (ص ) غلبه الوجع , وعندكم كتاب اللّه واختلف اهل البيت , واختصموا, فمنهم من يقول ما قال ع ر.
    فلما اكثروا اللغط والاختلاف قال : قوموا عني ولاينبغي عندي التنازع ).
    وفي لفظ بعض الروايات وما شانه اهجر ((76)) .
    2 ـ في اول عهد ابي بكر: روى الـذهـبي ان الخليفة ابا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم , وقال في ما حدثهم : ( فلا تحدثوا عن رسـول اللّه (ص ) شـيـئا, فمن سالكم , قولوا: بيننا وبينكم كتاب اللّه , فاستحلوا حلاله , وحرموا حرامه ) ((77)) .
    3 ـ على عهد عمر: روى الـطـبـري فـي سـيـرة عمر وقال : كان عمر اذا استعمل العمال خرج معهم يشيعهم فيقول : (جردوا القرآن واقلوا الرواية عن محمد (ص ) وانا شريككم ) ((78)) .
    4 ـ خبر صبيغ بن عسل : كـان صبيغ بن عسل يذهب الى الاجناد اي البلاد التي يسكنها جنود المسلمين مثل البصرة والكوفة والاسكندرية وكان من ضمن اولئك الجنود صحابة الرسول (ص ) الذين اخذوا من الرسول تفسير الـقـرآن فـيـسـال منهم عن معاني آي القرآن الكريم , فاخبر الخليفة عمر بذلك فجلبه الى المدينة واحـضـر له عراجين النخل وضرب بها راسه حتى ادماه , وفي المرة الثانية ضرب بها على ظهره حتى ترك ظهره دبرة اي على ظهره مثل قرحة الدواب , ثم تركه حتى برئ واعاد ضربه ثالثة ثم نفاه الى البصرة وحرمه عطاءه ونهى عن مجالسته , فكان اذا حضر مجلسا في المسجد ت رقوا عنه , وبقي كذلك حتى تشفع له الوالي ابو موسى عند الخليفة فرفع العقاب عنه ((79)) .
    وبـنـاء عـلـى مـا ذكرنا حصر الخليفة عمر تعليم معنى القرآن بعدد معدود, منهم ابن عباس ومنع الاخـريـن من البحث عن معاني القرآن , وامرهم بالاقتصار على تلاوة ـ لفظ ـ القرآن , وانتج ذلك تبدل معنى القراءة والاقراء كالاتي بيانه باذنه تعالى .
    تبدل معنى القراءة والاقراء في مصطلح المسلمين : [/color]


    كـان الـرسول (ص ) يتلقى عن طريق الوحي تلاوة لفظ القرآن ويتعلم معناه في ما يحتاج معناه الى تـعـلـم مـن جبرائيل : مثل آيات الاحكام في الوضوء والتيمم وركعات الصلاة واذكارها وما شابهها وذلكم معنى (سنقرئك فلا تنسى ) (الاعلى / 6).
    وكـان الرسول كذلك يفعل في اقرائه القرآن للصحابة ويسمى عندئذ من تعلم شيئا كثيرا من تلاوة لفظ القرآن مع تعلم معناه بالقارئ , واذا قام القارئ باقراء الاخرين يسمى بالمقرئ .
    وبـنـاء عـلـى ذلـك كانت القراءة في عصر الرسول (ص ) بمعنى تعلم تلاوة القرآن مع تعلم معناه , والاقراء تعليم تلاوة لفظ القرآن مع تعليم معنى اللفظ الذي يحتاج الى تعلمه .
    وكان لمعنى مادة القراءة والاقراء في عصر الرسول (ص ) جزءان : ا ـ تعلم تلاوة اللفظ وتعليمها.
    ب ـ تعلم معنى اللفظ وتعليمه .
    اذا فـان الـقـراءة والاقـراء كان في المصطلح الاسلامي في عصر الرسول (ص ) بمعنى تعلم لفظ القرآن وتعلم معناه وتعليمهما معا.
    وبهذا المعنى استعمل في قوله تعالى (سنقرئك فلا تنسى ).
    وايـضـا استعمل في القرآن الكريم في معناه اللغوي احيانا في مثل قوله ـتعالى ـ في سورة المزمل : (فاقراوا ما تيسر من القرآن ) (الاية .
    20), وقوله تعالى في سورة الحاقة : (فاما من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقراوا كتابيه ) (الاية 19).
    كـمـا ان لـفـظ الصلاة استعمل في المصطلح الاسلامي بمعنى الصلاة التي تقرا سورة الفاتحة في الركعتين الاوليين منها.
    وبهذا المعنى استعمل في قوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة : (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) (الاية 238).
    كما استعمل ـ ايضا ـ في معناه اللغوي في مثل قوله تعالى في سورة النور (الم تر ان اللّه يسبح له من في السموات والارض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه واللّه عليم بما يفعلون ) (الاية 41).
    واسـتـعـمـلـت القراءة والاقراء بعد عصر الرسول (ص ) غالبا في المعنى الاصطلاحي , واحيانا استعمل في احد جزءي المعنى الاصطلاحي وهو تعليم معنى القرآن اي تعليم تفسير القرآن .
    وقد قال الراغب في مادة (قرا) من مفردات القرآن : (كـل اسـم مـوضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منه اذا انفرد كالمائدة للخوان وللطعام , ثم قد يسمى كل واحد منهما بانفراده به ) ونرى ان ما جاء في صحيح البخاري ان ابن عباس كان يقرئ في مـنـى فـي آخـر سنة من خلافة عمر كبار الصحابة امثال عبدالرحمن بن عوف القرآ, جاء بمعنى اقرائهم معنى الايات اي انه كان يقرئهم تفسير القرآن .
    وكان المسلمون صحابة وتابعين يعنون بتعلم معاني القرآن بعد تعلم تلاوته , يسافرون من بلد الى بلد في سبيل ذلك كما فعل ذلك صبيغ بن عسل التميمي واخذ يسافر من بلد فيه جند من اجناد المسلمين الـى بلد آخر, ويسال من صحابة الرسول بيان الرسول (ص ) حول الايات , وكانت الصحابة يومذاك في اجناد المسلمين .
    كـان صـبـيـغ يـحاول ان يتعلم منهم ويقترئ عليهم ما خفي عليه من معاني القرآن وكذلك كان يفعل الـمهاجرون الاولون امثال عبدالرحمن بن عوف حين كان يقرئهم ابن عباس في منى في آخر حجة حـجـهـا عمر, اي : في شهر ذي الحجة سنة 23 ه, فان المهاجرين الاولين الذين كانوا قد اس موا بـمـكـة , ومضى على اسلامهم اكثر من ربع قرن لم يكونوا اطفال كتاتيب يحتاجون الى تعلم تلاوة القرآن , اضف اليه انا راينا الخليفة عمر يساله عن تفسير القرآن بمحضر الصحابة .
    وبـذلـك كـان قـد رشحه لتعليم تفسير القرآن كما درسنا ذلك في بحث من تاريخ القرآن على عهد الخليفة عمر ((80)) .
    وكذلك نفسر ما جاء من مادة (قرا) في حديث الخليفة عمر في الشهر نفسه في آخر خطبة جمعة خطبها في مسجد الرسول قبل ان .
    يطعن .
    وكـذلـك نـفسر ما جاء عن ائمة اهل البيت (ع ) ان المهدي اذا ظهر يامر بتعليم القرآن في مسجد الكوفة .

    في مصطلح المسلمين :
    وبـنـاء على ما ذكرنا آنفا فان مادة القراة في المصطلح الاسلامي كانت تدل على تعلم لفظ القرآن مع تـعـلم معناه واستعمل في عصر الصحابة في المدينة بمعنى تعلم المعنى كما يظهر ذلك من كلام ابن عـباس ولما امر الخليفة عمر بتجريد القرآن عن بيان الرسول (ص ) ونهى عن السؤال عن معانيه , ونـكـل بـمن سال عنه , ونسخ الخليفة عثمان القرآن في مصاحف مجردا عن حديث الرسول (ص ) ووزعها في بلاد المسلمين وحرق ما عداها, انتشرت القراءة المجردة للقرآن .
    وفي اخريات القرن الاول الهجري قام علماء العربية بتحريف القرآن وسموا كل تحريف (قراءة ) وسـمـوا كل من يعلم تلك التحريفات المقرئ وسموا بعضهم المقرئ الكبير وسموا الذي تعلم تلك التحريفات القارئ وجمعه القراء اي الذي يقرا القرآن بتلك التحريفات .
    واسـتمر الامر على ذلك قرونا حتى نسي معنى القراءة والاقراء في المصطلح الاسلامي الذي كان تعلم اللفظ والمعنى معا.
    ونـتـيـجـة لـتـبـدل مـعنى القراءة والاقراء في محاوراتهم فسروا ما جاء منها في الكتاب والسنة ومحاورات الصحابة بالمعنى المتداول عندهم , اي : قراءة القراءات المختلفة كما درسناها في بحث القراءات ((81)) .
    نتيجة البحث : يقال : تلا الكتاب لكتاب يجب العمل به مثل كتب اللّه المنزلة على رسله .
    ويقال في لغة العرب : قرا الكتاب قراءة اذا تتبع كلماته نظرا ونطق بها.
    وفي المصطلح الاسلامي : يقال قرا القرآن واقتراه فهو قارئ اذا تعلم تلاوة لفظ القرآن مع بيان معانيه , ومعنى اقراه ويقرئه : علم تلاوة لفظه مع تعليم معناه فهو عندئذ: مقرئ .
    ولـمـا رفـع الـخلفاء الثلاثة شعار (جردوا القرآن من حديث الرسول ), وكتبوا نسخة من القرآن مـجردا عن حديث الرسول (ص ) , ونسخوا عليها نسخا, ووزعوها في بلاد المسلمين , واحرقوا مصاحف الصحابة التي كان اصحابها قد دونوا فيها لفظ القرآن مع ما اخذوا من الرسول (ص )في بيان معاني آياته انتشر بين المسلمين نسخ القرآن بدون بيان الرسول (ص ).
    وبعد ذلك التاريخ سمي القرآن المجرد عن بيان الرسول (ص ) بالمصحف .
    اذا فـالمصحف قبل احراق المصاحف كان اسما للقرآن الذي كتب معه شي ء من بيان الرسول (ص ), وبعد احراق المصاحف اصبح اسما للقرآن دون بيان الرسول (ص ).
    وبعد ان اصدر الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور في عام 143 هـ امرا بتدوين العلوم وبدا العلماء يـدونون النص القرآني مع بيان معانيه سميت تلك المدونات بالتفسير وبقي اسم القرآن المجرد عن بيان معاني الايات بالمصحف , واشتهرت هذه التسمية على عهد الخلفاء العث انيين بحيث اصبح القرآن والمصحف بعد ذلك كالانسان والبشر لفظين مترادفين لمعنى واحد.

    النسـخ
    النسخ في اللغة : ازالة شي ء بشي ء يتعقبه , يقال : نسخت الشمس الظل ((82)) . وفي المصطلح الاسلامي : نسخ احكام في شريعة باحكام في شريعة اخرى ((83)) مثل نسخ بعض احكام الشرائع السابقة باحكام في شريعة خاتم الانبياء (ص ).
    وكذلك نسخ حكم مؤقت بحكم ابدي في شريعة خاتم الانبياء (ص ), مثل نسخ حكم توارث المتخيين من المهاجرين والانصار في المدينة قبل فتح مكة بحكم توارث ذوي الارحام بعد فتح مكة .
    وقد صنف اتباع مدرسة الخلفاء النسخ الى ثلاثة اصناف : ا ـ نـسـخ التلاوة والحكم : ويقصدون منه ان اللّه ـ سبحانه ـ كان قد انزل من القرآن آيا او سورا عـلـى رسـولـه (ص ) تـتـضمن حكما شرعيا ثم نسخ تلاوة ذلك القرآن , فلم يكتب في المصحف المتداول بين المسلمين , ونسخ حكمه من شريعة الاسلام .
    ب ـ نسخ التلاوة دون الحكم : ويقصد منه ان اللّه ـ سبحانه ـ كان قد انزل من القرآن آيا او سورا عـلى رسوله (ص ) ثم نسخ تلاوتها, فلم تكتب في المصحف المتداول بين المسلمين , وابقى حكمها في شريعة الاسلام .
    ج ـ نـسـخ الـحـكـم دون الـتـلاوة : ويـقصد منه ان اللّه ـ سبحانه ـ انزل من القرآن آيا عمل بها المسلمون , ثم نسخ تلك الايات بيات اخرى , وبقيت الايات المسمـاة منسوخة مكتوبة في المصحف , ونسخ حكمها.
    .

    مصطلحات عقائد الاسلام
    ـ مشيئة اللّه . ـ البداء.
    ـ الجبر والتفويض .
    ـ القضاء والقدر.
    ـ الدين والاسلام .
    ـ الايمان والمؤمن .
    ـ النفاق والمنافق .

    مشيئة اللّه رب العالمين
    من صفات اللّه رب العالمين مشيئته في الهداية والرزق والعذاب والرحمة , كما ياتي بيانها في اربعة بحوث : اولا ـ المشيئة في اللغة والقرآن الكريم : ا ـ المشيئة في اللغة : في لغة العرب , شاء يشاء مشيئة : اراد ارادة , وبهذا المعنى اسندت المشيئة الى الناس في قوله تعالى : (ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا) (المزمل 19) و(الانسان 29).
    اي ان الانـسـان اذا اراد ان يتخذ الى ربه سبيلا فانه قادر على ان يفعل ذلك بكامل حريته ومحض اخـتياره , وورد نظيره ـ ايضا ـ في : سورة المدثر (55) وسورة عبس (12) والتكوير (28) والكهف (29) وغيرها من الموارد في القرآن الكريم .
    وبالمعنى اللغوي ـ ايضا ـ اسندت المشيئة الى اللّه سبحانه وتعالى في قوله : 1 ـ في سورة الفرقان : (الم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا) (الاية 45).
    2 ـ في سورة هود: (فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك عطاءغير مجذوذ) (الايات 106 ـ 108).
    وجاء نظيرهما ـ ايضا ـ في سورة الاسراء (86) والفرقان (51).
    المعنى في الايات الماضية : 1 ـ في المورد الاول قال سبحانه وتعالى : (الـم تـر الـى ربك كيف مد الظل ) شيئا فشيئا بعد الظهيرة من المغرب الى المشرق حسب اقتراب الشمس من الافق , حتى اذا غربت كانت في نهاية الامتداد في الليل ولو شاء لجعل الظل ساكنا دائما, اي ان تمدد الظل وتحركه يجري بقدرة اللّه ووفق ارادته ولي خارجا عن ارادته .
    2 ـ في المورد الثاني قال سبحانه وتعالى : انـ اهـل الـنـار خالدون في النار ابدا, واهل الجنة خالدون في الجنة ابدا وان ذلك كائن بقدرة اللّه وارادته وليس خارجا عن ارادته وقدرته .
    كان ذلكم من موارد اسناد المشيئة الى اللّه والى الناس بمعناه اللغوي .
    ب ـ مشيئة اللّه في الاصطلاح القرآني : اذا اسندت المشيئة في القرآن الكريم الى اللّه ما بعد مادة : الرزق والهداية والعذاب والرحمة اريد بـهـا جريان الرزق والهداية وامثالهما للانسان وفق سنن قررها لها اللّه وفق حكمته وان سنة اللّه في ذلكم الامر لن تتبدل وهي اذا من مصاديق قوله تعالى في سورتي الاحزاب (38) و(62) والفتح (23): (سنة اللّه ولن تجد لسنة اللّه تبديلا).
    وقوله تعالى في سورة فاطر: (فلن تجد لسنة اللّه تبديلا ولن تجد لسنة اللّه تحويلا) (الاية 43).
    كما ياتي بيانها بحوله تعالى .
    ثانيا ـ مشيئة اللّه في الرزق : جاء ذكر مشيئة اللّه في امر الرزق في قوله تعالى : 1 ـ في سورة الشورى : (له مقاليد السموات والارض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر انه بكل شي ء عليم ) (الاية 12).
    ونظيره في سورة الرعد (الاية 26).
    2 ـ في سورة العنكبوت : (وكـايـن مـن دابـة لا تـحـمل رزقها اللّه يرزقها واياكم وهو السميع العليمولئن سالتهم من خلق السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن اللّه فانى يؤفكون اللّه يبسط الرزق لمن يشاء من عـبـاده ويـقدر له ان اللّه بكل شي ء عليم ولئن سالتهم من نزل من السماء ماء فاحيى به الارض من بعد موتها ليقولن اللّه قل الحمد للّه بل اكثرهم لا يعقلون ) (الايات 60 ـ 63).
    3 ـ في سورة سبا: (قـل انـ ربـي يـبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما انفقتم من شي ء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ) (الاية 39).
    4 ـ في سورة الاسراء: (ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسـورا ان ربك يبسط الرزق لـمـن يـشـاء ويـقــدر انـه كـان بـعــبـاده خبيرا بصيرا ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نـرزقـهـم واياكم ان قتلهم كان خطا كبيرا ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفـوا بـالـعهد ان العهد كان مسؤولا واوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وحسن تاويلا) (الايات 29 ـ 31 و34, 35).
    5 ـ في سورة آل عمران : (قـل اللّه م مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الـخـير انك على كل شي ء قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ) (الايتان 26, 27).
    ما هي مشيئة اللّه في امر الرزق ؟.
    لـقـد مر بنا في بحث (جزاء الاعمال ) ان اللّه سبحانه وتعالى جعل توسعة الرزق في صلة الرحم , جعل الولد يرث اثر صلاح ابيه , كما مر بنا في خبر موسى والعبد الصالح عندما بنى جدارا يريد ان ينقض ليبقى الكنز المدفون لليتيمين لان اباهما كان صالحا وليستخرجاه ع دما يبلغان اشدهما, وهذان مثالان لمشيئة اللّه في امر الرزق وانها تجري وفق سنن لاتتبدل .
    ثالثا ـ مشيئة اللّه في الهداية : ياتي ذكر هداية الانسان في القرآن بمعنيين : 1 ـ بمعنى تعليم الانسان عقائد الاسلام واحكامه : ويسنده القرآن غالبا الى الانبياء الذين بعثهم اللّه لتبليغ الانسان عقائد الاسلام واحكامه .
    واحيانا يسنده الى اللّه جل اسمه لانه الذي ارسل الانبياء بدين الاسلام .
    2 ـ بمعنى توفيق اللّه الانسان الى الايمان بعقائد الاسلام والعمل باحكامه وهذا ما يسنده القرآن الى اللّه وحده , تارة مع وصف ان هذه الهداية من مشيئة اللّه , واخرى بدون ذكر مشيئة اللّه .
    وقـد اشـتـرط اللّه لـهذا النوع من الهداية ان يرضاها الناس ويختاروها ويباشروا العمل من اجل الوصول اليها كما ياتي بيانها في ثلاثة بحوث بحوله تعالى .
    وفي ما ياتي امثلة من مواردها في القرآن الكريم : ا ـ الهداية بمعنى التعليم : اسند القرآن هداية الناس بمعنى تبليغ الاسلام الى الانبياء في موارد منها الايات الاتية : 1 ـ في سورة الشورى : (وانـك لـتهدي الى صراط مستقيم صراط اللّه الذي له ما في السموات وما في الارض الا الى اللّه تصير الامور) (الايتان 52, 53).
    واحيانا ياتي اسناد عن الانبياء في الهداية الى اللّه تعالى كما قال سبحانه : 2 ـ في سورة الانبياء: (وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا) (الاية 73).
    3 ـ في سورة الفتح : (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ) (الاية 28).
    وبهذا المعنى ـ ايضا ـ اسندت الهداية الى الكتب السماوية مثل قوله تعالى : 1 ـ في سورة البقرة : (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) (الاية 185).
    2 ـ في سورة آل عمران : (وانزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس ) (الايتان 3, 4).
    وقد ياتي في القرآن اسناد الهداية التعليمية الى اللّه جل اسمه مثل قوله تعالى : 1 ـ في سورة البلد في وصف الانسان : (الم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين ) (الايات 8ـ 10).
    2 ـ في سورة فصلت : (واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) (الاية 17).
    اذا فـان اللّه تـبـارك وتـعالى يسند الهداية بمعنى تعليم الاسلام الى انبيائه وكتبه تارة , والى نفسه تـبـارك وتعالى تارة اخرى , لانه الذي ارسل الرسل بتلك الكتب لتعليم الناس , ثم ياتي بعد ذلك دور الانسان في قبول الهداية او رفضها كالاتي بيانه بحوله تعالى .
    ب ـ اختيار الانسان الهداية او الضلالة وآثارهما: بعد ارسال اللّه الانبياء بالكتب الى الناس فان الناس ينقسمون الى فريقين : فريق يختارون الهداية على الـضـلالـة , وفريق يختارون الضلالة على الهداية كما اخبر اللّه سبحانه وتعالى عنهم في الايات الاتية وقال عز اسمه : 1 ـ في سورة النمل : (وان اتلو القرآن فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل انما انا من المنذرين ) (الاية 92).
    2 ـ في سورة يونس : (قل يا ايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل ) (الاية 108).
    ونظيرها في سورة الاسراء (15).
    وياتي بعد ذلك توفيق اللّه سبحانه وتعالى للمهتدي , كما اخبر اللّه عز اسمه وقال : 1 ـ في سورة مريم : (ويزيد اللّه الذين اهتدوا هدى ) (الاية 76).
    2 ـ في سورة محمد: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) (الاية 17).
    انـ الـذيـن اخـتاروا الهداية بعد ارسال الرسل , وجاهدوا في سبيل اللّه , استحقوا توفيق اللّه لهم , والـذيـن كـذبوا الرسول واتبعوا هوى النفس حقت عليهم الضلالة , كما اخبر اللّه سبحانه وتعالى عنهما وقال : 1 ـ في سورة العنكبوت : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان اللّه لمع المحسنين ) (الاية 69).
    2 ـ في سورة النحل : (ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا اللّه واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى اللّه ومنهم من حقت عـليه الضلالة فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ان تحرص على هداهم فان اللّه لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ) (الايتان 36 و 37).
    3 ـ في سورة الاعراف : (فـريـقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون اللّه ويحسبون انهم مهتدون ) (الاية 30).
    وهذا النوع من الهداية هو الذي ياتي بمشيئة اللّه , كما ياتي بيانه بحوله تعالى .
    ج ـ الهداية بمعنى توفيق الايمان والعمل مسندة الى مشيئة اللّه .
    جاء ذكر الهداية بمعنى توفيق الايمان والعمل مسندة الى مشيئة اللّه في قوله تعالى : 1 ـ في سورة البقرة : (واللّه يهدي من يشاء الى صراط مستقيم ) (البقرة 142 و213) و(النور 46) و(يونس 25).
    2 ـ في سورة الانعام : ( من يشا اللّه يضلله ومن يشا يجعله على صراط مستقيم ) (الاية 39).
    3 ـ في سورة القصص : (انك لا تهدي من احببت ولكن اللّه يهدي من يشاء, وهو اعلم بالمهتدين ) (الاية 56).
    شرح الكلمات .
    صراط مستقيم : الصراط من السبيل الواضح , والمستقيم بلا التواء فيه .
    والصراط المستقيم من امر الدين ما شرحه اللّه تعالى في سورة الفاتحة وقال : (صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) (الاية 7).
    وقـد بـيـن اللّه تـعـالى من انعم عليهم في سورة مريم وقال بعد ذكره خبر زكريا ويحيى ومريم وعيسى (ع ): واذكر في الكتاب ابراهيم (واذكر في الكتاب موسى و اسماعيل و ادريس ) ثم قال تعالى : (اولئك الذين انعم اللّه عليهم من النبيين وممن هدينا واجتبينا) (مريم 1 و63).
    وصراطهم هو دين الاسلام الذي كانوا يدعون اليه , وسيرتهم في عملهم بالاسلام .
    والمغضوب عليهم هم اليهود خاصة كما وصفهم اللّه تبارك وتعالى في سورة البقرة وقال عز اسمه : (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من اللّه ذلك بانهم كانوا يكفرون بيات اللّه ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا.
    وكانوا يعتدون ) (الاية 61).
    وكذلك في سورة آل عمران الاية (112).
    و(ولا الـضالين ) الضالون هم الذين لا يتخذون الاسلام دينا كافة كما صرح بذلك تبارك وتعالى في سورة آل عمران وقال عز من قائل : (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه واولئك هم الضالون ) (الايات 85 ـ 90).
    يهدي : راجع شرحه في بحث هداية رب العالمين للاصناف الاربعة من الخلق .
    رابعا ـ مشيئة اللّه في العذاب والرحمة : قد جاء ذكر مشيئة اللّه في العذاب والرحمة في موارد من القرآن الكريم منها الايات الاتية : ا ـ في سورة الاعراف حكاية قول كليم اللّه موسى (ع ): (واكـتـب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة انا هدنا اليك قال عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسـعت كل شي ء فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويـحـلـ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فاذين آمـنـوا بـه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون ) (الايتان 156, 157).
    ب ـ في سورة الانبياء: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهم يـلـعبون لاهية قلوبهم واسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا الا بشر مثلكم افتاتون السحر وانتم تـبـصـرون قال ربي يعلم القول في السماء والا رض وهو السميع العليم بل قالوا اضغاث احلام بل افتراه بل هو شاعر فلياتنا بية كما ارسل الا ولون ما ام ت قبلهم من قرية اهلكناها افهم يؤمنون وما ارسـلـنـا قبلك الا رجالا نوحي اليهم فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا ياكلون الطعام وما كانوا خال ين ثم صدقناهم الوعد فانجيناهم ومن نشاء واهلكنا المسرفين لقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم افلا تعقلون ) (الايات 1 ـ 10).
    ج ـ في سورة الاسراء: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن اراد الا خـرة وسـعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا كل نمد هؤلا ء وهؤلا ء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) (الايات 18 ـ 20).
    د ـ في سورة الانسان : (ان هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا نحن خلقناهم وشددنا اسرهم واذا شئنا بدلنا امـثـالـهم تبديلا ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا وما تشاؤن الا ان يشاء اللّه ان اللّه كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين اعد لهم عذابا اليما) (الايات 27 ـ 31).
    كان ذلك معنى مشيئة اللّه رب العالمين , ومن صفات اللّه تعالى انه يمحو ما يشاء ويثبت , كما ياتي معناه في البحث الاتي باذنه تعالى .

    البداء او يمحو اللّه ما يشاء ويثبت
    اولا ـ البداء في اللغة : للبداء في اللغة معنيان : ا ـ بدا الامر بدوا وبداء: ظهر ظهورا بينا.
    ب ـ بدا له في الامر كذا: جد له فيه راي , نشا له فيه راي .
    ثانيا ـ البداء في مصطلح علماء العقائد الاسلامية : بدا للّه في امر بداء اي ظهر له في ذلك الامر ما كان خافيا على العباد.
    واخطا من ظن ان المقصود من بدا للّه في امر بداء جد له في ذلك الامر غير الامر الذي كان له قبل البداء, تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.
    ثالثا ـ البداء في القرآن : ا ـ قال اللّه تعالى في سورة الرعد: (ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه ) (الايتان 7 و27).
    ثم قال تعالى : (ومـا كان لرسول ان ياتي بية الا باذن اللّه لكل اجل كتاب يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب وان مـا نـريـنك بعض الذي نعدهم او نتوفينك فانما عليك البلاغ وع لينا الحساب ) (الايات 38 ـ 40).
    شرح الكلمات .
    1 ـ آية : الاية في اللغة : العلامة الظاهرة كما قال الشاعر: وفي كل شي ء له آية ـــــ تدل على انه واحد.
    وسميت معجزات الانبياء آية لانها علامة على صدقهم وعلى قدرة اللّه الذي مكنهم من الاتيان بتلك المعجزة , مثل عصا موسى وناقة صالح , كما جاءت في الاية (67) من سورة الشعراء والاية (73) من سورة الاعراف .
    وكـذلك سمى القرآن انواع العذاب الذي انزله اللّه على الامم الكافرة بالاية والايات , كقوله تعالى في سورة الشعراء عن قوم نوح : (ثم اغرقنا بعد الباقين ان في ذلك لاية ) (الايتان 120, 121).
    وعن قوم هود: (فكذبوه فاهلكناهم ان في ذلك لاية ) (الاية 139).
    وعن قوم فرعون في سورة الاعراف : (فارسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات ) (الاية 133).
    2 ـ اجل : الاجل : مدة الشي ء والوقت الذي يحدد لحلول امر وانتهائه , يقال : جاء اجله اذا حان موته , وضربت له اجلا: اي وقتا محددا لعمله .
    3 ـ كتاب : لـلـكـتاب معان متعددة , والمقصود منها هنا: مقدار مكتوب او مقدر, ويكون معنى (لكل اجل كتاب ): لوقت اتيان الرسول بية زمان مقدر معين .
    4 ـ يمحو: محاه في اللغة : ازالة وابطله , او ازال اثره مثل قوله تعالى : ا ـ في سورة الاسراء: (فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) (الاية 12).
    وآية الليل هي الليل , ومحو الليل : ازالته .
    ب ـ في سورة الشورى : (ويمح اللّه الباطل ويحق الحق بكلماته ) (الاية 24).
    اي يذهب بثار الباطل .
    تفسير الايات .
    اخبر اللّه سبحانه وتعالى في هذه الايات ان كفار قريش طلبوا من رسول اللّه (ص ) ان ياتيهم بيات , كما بين طلبهم ذلك في قوله تعالى في سورة الاسراء: (وقـالـوا لـن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا او تاتي باللّه والملائكة قبيلا).
    (الايتان 90 و92).
    وقال في الاية (38) من سورة الرعد: (وما كان لرسول ان ياتي بية ) مقترحة عليه (الا باذن اللّه ) وان لكل امر وقتا محددا سجل في كتاب .
    واسـتثنى منه في الاية بعدها وقال : (يمحو اللّه ما يشاء) من ذلك الكتاب ما كان مكتوبا فيه من رزق واجـل وسـعادة وشقاء وغيرها (ويثبت ) مما لم يكن مكتوبا في ذلك الكتاب (وعنده ام الكتاب ) اي اصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ الذي لايغير ما فيه ولا يبدل .
    وبـنـاء على ذلك قال بعدها: (وان ما نرينك بعض الذي نعدهم ) من العذاب في حياتك (او نتوفينك ) قبل ذلك (فانما عليك البلاغ ) فحسب .
    ويدل على ما ذكرناه ما رواه الطبري والقرطبي وابن كثير في تفسير الاية وقالوا ما موجزه : ان الخليفة عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت ويقول : اللّه م ان كنت كتبتني في اهل السعادة فاثبتني فـيـهـا, وان كنت كتبتني في اهل الشقاوة والذنب فامحني واثبتني في اهل السعادة والمغفرة , فانك تمحو ما تشاء وتثبت , وعندك ام الكتاب .
    وروي عن الصحابي ابن مسعود انه كان يقول : اللّه م ان كـنـت كـتبتني في السعداء فاثبتني فيهم , وان كنت كتبتني في الاشقياء فامحني من الاشقياء واكتبني في السعداء, فانك تمحو ما تشاء وتثبت , وعندك ام الكتاب .
    وروي عـن ابـي وائل انه كان يكثر ان يدعو: اللّه م ان كنت كتبتنا اشقياء فامح واكتبنا سعداء, وان كنت كتبتنا سعداء فاثبتنا, فانك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك ام الكتاب ((84)) .
    وفـي الـبحار: (وان كنت من الاشقياء فامحني من الاشقياء واكتبني من السعداء, فانك قلت في كتابك المنزل , على نبيك صلواتك عليه وآله : (يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ) ((85)) .
    واسـتدل القرطبي ـ ايضا ـ على هذا التاويل بما روى عن صحيحي البخاري ومسلم ان رسول اللّه (ص ) قال : (من سره ان يبسط له في رزقه وينسا له في اثره ـ اجله ـ فليصل رحمه ).
    وفي رواية : (من احب ان يمد اللّه في عمره ويبسط له رزقه فليتق اللّه وليصل رحمه ) ((86)) .
    ونقل عن ابن عباس انه قال في جواب من ساله وقال : كيف يزاد في العمر والاجل ؟.
    قال اللّه عز وجل : (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده ) فالاجل الاول اجل الـعـبد من حين ولادته الى حين موته , والاجل الثاني ـ يعني المسمى عنده ـ من حين وفاته الى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه الا اللّه , فاذااتقى العبد ربه ووصل رحمه , زاده اللّه في اجل عمره الاول من اجل البرزخ ما شاء, واذا عصى وقطع رحمه , نقصه اللّه من اجل عمره في الدنيا ما شاء, فيزيده من اجل البرزخ الحديث ((87)) .
    واضاف ابن كثير على هذا الاستدلال وقال ما موجزه : وقد يستانس لهذا القول ما رواه احمد والنسائي وابن ماجة عن النبي (ص ) انه قال :

  5. #5

    افتراضي

    (انـ الـرجـل لـيـحـرم الـرزق بـالـذنب يصيبه ولا يرد القدر الا الدعاء ولا يزيد في العمر الا البر) ((88)) .
    وقال : وفي حديث آخر: (ان الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والارض ) ((89)) .
    كـان مـا ذكـرناه وجها واحدا مما ذكروه في تاويل هذه الاية وذكروا معها وجوها اخر في تاويل الاية مثل قولهم : ان الـمـراد محو حكم واثبات آخر, اي نسخ الاحكام , والصواب في القول , انه يعم الجميع وهذا ما اختاره القرطبي ـ ايضا ـ وقال : ( الاية عامة في جميع الاشياء وهو الاظهر واللّه اعلم ) ((90)) .
    وروى الـطـبـري والـسيوطي عن ابن عباس في قوله تعالى : (يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ) قال : يقدر اللّه امر السنة في ليلة القدر الاالسعادة والشقاء ((91)) .
    يـمـحـو اللّه ما يشاء ويثبت قال : من احد الكتابين هما كتابان يمحو اللّه من احدهما ويثبت وعنده ام الكتاب اي حملة الكتاب ((92)) .
    ب ـ قال سبحانه وتعالى في سورة يونس : (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين ) (الاية 98).
    شرح الكلمات .
    ا ـ كشفنا: كشف عنه الغم : ازاله , وكشف العذاب : ازاله .
    ب ـ الخزي : خزي خزيا: هان وافتضح .
    ج ـ حين : الحين : الوقت والمدة من غير تحديد في معناه بقلة او كثرة .
    تفسير الاية .
    قصة يونس بايجاز كما في تفسير الاية بتفسير الطبري والقرطبي ومجمع البيان ((93)) : ان قوم يـونـس كـانـوا بـنينوى من ارض الموصل وكانوا يعبدون الاصنام , فارسل اللّه اليهم يونس (ع ) يـدعـوهم الى الاسلام وترك ما هم عليه فابوا, وتبعه منهم عابد وشيخ من بقية علمائهم وكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم والعالم ينهاه ويقول له : لا تدع عليهم فان اللّه يستجيب لك ولا يحب هـلاك عـبـاده فقبل يونس قول العابد فاخبر اللّه تعالى انه ياتيهم العذاب في شهر كذا في يوم كذا, فاخبرهم يونس بذلك فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العاب وبقي العالم فيهم وقال قومه : لـم نـجـرب ـ يونس ـ عليه كذبا فانظروا فان بات فيكم الليلة فليس بشي ء وان لم يبت فاعلموا ان العذاب مصبحكم , فلما كان في جوف الليل خرج يونس من بين اظهرهم ولما علموا ذلك وراوا آثار العذاب وايقنوا بالهلاك ذهبوا الى العالم فقال لهم : افزعوا الى اللّه فانه يرحمكم ويرد العذاب عنكم , فاخرجوا الى المفازة وفرقوا بين النساء والاولاد وبين سائر الحيوان واولادها ثم ابكوا وادعوا, ففعلوا.
    خرجوا الى الصعيد بانفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ولبسوا المسوح واظهروا الايمان والتوبة واخـلـصـوا الـنـية وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والانعام , فحن بعضها الى بعض وعلت اصـواتـهـا واختلطت اصواتها باصواتهم وتضرعوا الى اللّه عز وجل وقالوا آمنا بماجاء به يونس , فـرحمهم ربهم واستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعدما اظلهم , بعد ان بلغ من توبتهم الى اللّه , ردوا المظالم بينهم حتى ان كان الرجل لياتي الحجـر وقد وضع عليه اساس بنيـانه فيقتلعه ويرده وكذلك محا اللّه العذاب عن قوم يونس بعد ان تابوا وكذلك يمحواللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب .
    ج ـ قال سبحانه وتعالى في سورة الاعراف : (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة ) (الاية 142).
    وقال في سورة البقرة : (واذ واعدنا موسى اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون ) (الاية 51).
    رابعا ـ البداء في روايات مدرسة الخلفاء: روى الطيالسي واحمد وابن سعد والترمذي واللفظ للطيالسي بايجاز: قال : قال رسول اللّه (ص ): ان اللّه ارى آدم ذريته فراى رجلا ازهر ساطعا نوره .
    قال : يا رب من هذا؟.
    قال : هذا ابنك داود قال : يا رب فما عمره ؟.
    قال : ستون سنة قال : يا رب زد في عمره قال : لا الا ان تزيده من عمرك قال : وما عمري قال : الف سنة قال آدم : فقد وهبت له اربعين سنة من عمري .
    فلما حضره الموت وجاءته الملائكة قال : قد بقي من عمري اربعون سنة .
    قالوا: انك قد وهبتها لداود ((94)) .
    هـذه الرواية بالاضافة الى ما سبق ايراده من اخبار آثار صلة الرحم ونظائرها بمدرسة الخلفاء من مصاديق (يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ).
    وقد سمى ائمة اهل البيت (ع ) المحو والاثبات بالبداء كما سندرسه ان شاء اللّه تعالى في ما ياتي .
    خامسا ـ البداء في روايات ائمة اهل البيت (ع ): فـي الـبـحار عن ابي عبداللّه (الامام الصادق ) (ع ) قال : (ما بعث اللّه عز وجل نبيا حتى ياخذ عليه ثلاث خصال : الاقرار بالعبودية , وخلع الانداد, وان اللّه يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشا) ((95)) .
    وفـي روايـة اخـرى وصف الامام الصادق (ع ) هذا الامر بالمحو والاثبات وقال : (ما بعث نبيا قط حـتـى يـاخـذ عـلـيه ثلاثا: الاقرار للّه بالعبودية وخلع الانداد, وان اللّه يمحو ما يشاء ويثبت ما يشا) ((96)) .
    وفـي رواية ثالثة سمى المحو والاثبات بالبداء, وقال ما موجزه : (ما تنبا نبي قط حتى يقر للّه تعالى بالبداء) الحديث ((97)) .
    وعن الامام الرضا (ع ) انه قال : (ما بعث نبيا قط الا بتحريم الخمر, وان يقر له بالبداء) ((98)) .
    وفـي روايـة اخرى اخبر الامام الصادق (ع ) عن زمان المحو والاثبات وقال : (اذا كان ليلة القدر نـزلت الملائكة والروح والكتبة الى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء اللّه تعالى في تلك السنة فـاذا اراد اللّه ان يـقـدم شـيـئا او يـؤخره او ينقص شيئا امر المل ان يمحو ما يشاء ثم اثبت الذي اراد) ((99)) .
    واخـبـر الامـام الباقر (ع ) عن ذلك وقال ما موجزه : (تنزل فيها الملائكة والكتبة الى سماء الدنيا فـيـكتبون ما هو كائن في امر السنة وما يصيب العباد فيها قال : وامر موقوف للّه تعالى فيه المشيئة يـقـدم مـنـه مـا يـشـاء ويـؤخـر مـا يـشاء, وهو قوله تعالى : يمحو الل ه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ) ((100)) .
    وفي حديث آخر له قال : (في قول اللّه : (ولن يؤخر اللّه نفسا اذا جاء اجلها).
    ان عـند اللّه كتبا موقوتة يقدم منها ما يشاء ويؤخر فاذا كان ليلة القدر انزل اللّه فيها كل شي ء يكون الـى لـيـلة مثلها, وذلك قوله : (لن يؤخر اللّه نفسا اذا جاء اجلها) اذا انزل , وكتبه كتاب السماوات وهو الذي لا يؤخره ) ((101)) .
    وروى الـمجلسي في هذا الباب خبر هبة آدم (ع ) اربعين سنة من عمره لداود (ع ) الذي اوردناه آنفا في روايات مدرسة الخلفاء ((102)) .
    هـذا هو البداء في اخبار ائمة اهل البيت (ع ), واما البداء بمعنى ان اللّه جد له راي في امر لم يكن يـعـلمه ـ معاذ اللّه ـ فقد قال ائمة اهل البيت (ع ) فيه ما رواه المجلسي عن الامام الصادق (ع ) انه قال : (من زعم ان اللّه عز وجل يبدو له في شي ء لم يع مه امس فابراوا منه ) ((103)) .
    اثر الاعتقاد بالبداء.
    لـو اعتقد الانسان ان من الناس من كتب في السعداء فلن تتبدل حاله ولن يكتب في الاشقياء, ومنهم من كـتب في الاشقياء فلن تتبدل حاله ولن يكتب في السعداء, وجف القلم بما جرى لكل انسان , عندئذ لا يتوب العاصي من معصيته بل يستمر في ما هو عليه لاعتقاده بان الشقاء قد كتب عليه ولن تتغير حاله , ومـن الجائز ان يوسوس الشيطان الى العبد المنيب انه من السعداء ولن يكتب في الاشقياء وتؤدي به الوسوسة الى التساهل في الطاعة والعبادة , وعدم استيعاب بعض المسلمين معاني الايات والروايات الـمذكورة في المشيئة , اعتقدبعضهم ان الانسان مجبور على ما يصدر منه وآخرون على ان الامر كله مفوض للانسان , كما سندرسه في البحث الاتي لنعرف الحق في ذلك باذنه تعالى .

    الجبر والتفويض
    معنى الجبر والتفويض والاختيار. الجبر والتفويض والاختيار: ا ـ الجبر في اللغة : جبره على الامر واجبره : قهره عليه , واكرهه على الاتيان به .
    ب ـ الجبر في مصطلح علماء العقائد الاسلامية : الجبر: اجبار اللّه تعالى عباده على ما يفعلون , خيرا كان او شرا, حسنا كان او قبيحا, دون ان يكون للعبد ارادة واختيار الرفض والامتناع , ويرى الجبرية الجبر مذهبا يرى اصحابه ان كل ما يحدث للانسان قدر عليه ازلا, فهو مسير لا مخير, وهو قول الاشاعرة (104)).
    ج ـ التفويض في اللغة : فوض اليه الامر تفويضا: جعل له التصرف فيه .
    د ـ التفويض في مصطلح علماء العقائد الاسلامية : هو ان اللّه تعالى فوض افعال العباد اليهم , يفعلون ما يشاؤون , على وجه الاستقلال , دون ان يكون للّه سلطان على افعالهم , وهو قول المعتزلة ((105)) .
    هـ ـ الاختيار في اللغة : خيره : فوض اليه الاختيار بين امرين او شيئين او اكثر.
    و ـ الاختيار في مصطلح علماء العقائد الاسلامية : ان اللّه سبحانه كلف عباده بواسطة الانبياء والرسل ببعض الافعال ونهاهم عن بعض آخر, وامرهم بطاعته في ما امر به ونهى عنه بعد ان منحهم القوة والارادة على الفعل والترك وجعل لهم الاختيار في ما يفعلون دون ان يجبر احدا على الفعل .

    القضاء والقدر
    تستعمل مادتا القضاء والقدر لعدة معان منها: في ما يخص البحث من مادة القضاء. ا ـ قضى او يقضي بين المتخاصمين كقوله تعالى : (ان ربك يقضي بينهم يوم القيامة في ما كانوا فيه يختلفون ) (يونس / 93) و(الجاثية / 17).
    ب ـ قضى اللّه الامر: انباه به كقوله تعالى في ما اخبر به لوطا عن مصير قومه في سورة الحجر:


    (وقضينا اليه ذلك الامر ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ) (الاية 66) اي انباناه . ج ـ قضى اللّه الشي ء, وبه : اوجبه , امر به كقوله تعالى في سورة الاسراء: (وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه ) (الاية 23).
    اي امر ربك واوجب عليكم الا تعبدوا الا اياه .
    د ـ قضى اللّه الامر او الشي ء: تعلقت ارادته به , قدره كقوله تعالى في سورة البقرة : (واذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون ) (الاية 117).
    اي اذا اراد امرا.
    وقوله تعالى في سورة الانعام : (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا) (الاية 2).
    اي قدر لكل انسان مدة يحيا فيها.
    ومن مادة القدر: ا ـ قـدر عـلـى الشي ء او العمل : استطاع ان يفعله , يتغلب عليه فهو قادر, والقدير: ذو القوة كقوله تعالى : 1 ـ في سورة يس : (اوليس الذي خلق السموات والارض بقادر على ان يخلق مثلهم ) (الاية 81).
    2 ـ في سورة البقرة : (ولو شاء اللّه لذهب بسمعهم وابصارهم ان اللّه على كل شي ء قدير) (الاية 20).
    اي ذو القدرة على فعل كل شي ء على قدر ما تقتضي الحكمة .
    ب ـ قدر: 1 ـ قدر الرزق عليه ويقدر: ضيقه كقوله تعالى في سورة سبا: (قل ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) (الاية 36).
    2 ـ قدر اللّه الامر بقدره : دبره او اراد وقوعه , كقوله تعالى في سورة المرسلات : (فقدرنا فنعم القادرون ) (الاية 23).
    ج ـ قدر: 1 ـ قدر اللّه الامر: قضى به او حكم بان يكون , كقوله تعالى في شان زوجة لوط, في سورة النمل : (فانجيناه واهله الا امراته قدرناها من الغابرين ) (الاية 57).
    اي حكمنا, او قضينا عليها بان تكون من الهالكين .
    2 ـ قدر في الامر: تمهل وتروى في انجازه كقوله تعالى في سورة سبا مخاطبا داود (ع ): (وقدر في السرد) (الاية 11).
    اي تمهل وترو في صنعه كي تحكم عمله .
    د ـ القدر: 1 ـ الـقـدر: المقدار والكمية , كقوله تعالى في سورة الحجر: (وان من شي ء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم ) (الاية 21).
    اي بمقدار وكمية معلومة .
    2 ـ قدر الشي ء: زمانه او مكانه , كقوله تعالى في سورة المرسلات : (الم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين الى قدر معلوم ) (الايات 20 ـ 22).
    اي الى زمان محدد معلوم .
    3 ـ قدر اللّه : قضاؤه المحكم , او حكمه المبرم على خلقه , كقوله تعالى في سورة الاحزاب : (سنة اللّه في الذين خلوا من قبل وكان امر اللّه قدرا مقدورا) (الاية 38).
    اي قضاء محكما, وحكما مبرما.
    لـعـلـ تـعدد معاني ما ينسب الى اللّه من مادتي القضاء والقدر, قد ادى الى لبس معنى ما ورد منهما في الـقـرآن والحديث واعتقاد بعض المسلمين بان الانسان يسير في حياته , في كل ما يعمل من خير او شـر وفـق مـا قـضـى اللّه عليه وقدر قبل ان يخلق ويطلق في الاخبار لفظ القدري على الجبري والـتـفويضي كليهما ((106)) وعليه فان القدر اسم للشي ء وضده كالقر, اسم للحيض والطهر معا ولا نـطـيل البحث بايراد اقوال المعتقدين بذلك , والاجابة عليها, وانما نكتفي بايراد الاحاديث التي نجد فيها جوابا لتلكم الاقوال توضيحا ويانا للامر بحوله تعالى .

    روايات من ائمة اهل البيت (ع ) في القضاء والقدر
    اولا: عـن اول ائمـة اهـل البيت علي بن ابي طالب (ع ) روي في توحيد الصدوق بسنده الى الامام الحسن (ع ), وفي تاريخ ابن عساكر بسنده الى ابن عباس واللفظ للاول قال : دخل رجل من اهل العراق على اميرالمؤمنين (ع ), فقال : اخبرنا عن خروجنا الى اهل الشام ابقضاء مـن اللّه وقدر؟ فقال له اميرالمؤمنين (ع ): اجل يا شيخ , فواللّه ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد الا بقضاء من اللّه وقدر, فقال الشيخ : عند اللّه احتسب عن ئي ((107)) يا اميرالمؤمنين , فقال : مهلا يـا شـيـخ , لعلك تظن قضاء حتما وقدرا لازما ((108)) لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والامر والـنـهي والزجر, ولسقط معنى الوعيد والوعد, ولم يكن على مسي ء لائمة ولا لمـحسن محمدة , ول ان المـحسن اولى باللائمة من المذنب والمذنب اولى بالاحسان من المـحسن ((109)) تلك مقالة عـبدة الاوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الامة ومجوسها يا شيخ ان اللّه عز وجل كلف تخييرا, ونـهـى تـحذيرا, واعط على القليل كثيرا, ولم يعص مغلوبا, ولم يطع مكرها, ولم يخلق السموات والارض وما بينهما باطلا, ذلك ظن الذين كفروا فويل للدين كفروا من النار ((110)) .
    قال : فنهض الشيخ وهو يقول : (انت الامام الذي نرجو بطاعته ـــــ يوم النجاة من الرحمن غفرانا).
    (اوضحت من ديننا ما كان ملتبسا ـــــ جزاك ربك عنا فيه احسانا).
    (فليس معذرة في فعل فاحشة ـــــ قد كنت راكبها فسقا وعصيانا) ((111)) .
    ثانيا: عن السادس من ائمة اهل البيت (ع ), الامام ابي عبداللّه جعفر بن محمد الصادق (ع ): ان الناس فـي الـقدر على ثلاثة اوجه : رجل يزعم ان اللّه عز وجل اجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم اللّه في حكمه فهو كافر.
    ورجل يزعم ان الامر مفوض اليهم فهذا قد اوهن اللّه في سلطانه فهو كافر.
    ورجـل يزعم ان اللّه كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لايطيقون واذا احسن حمد اللّه واذا اساء استغفر اللّه فهذا مسلم بالغ ((112)) .
    ثالثا: وعن الثامن من ائمة اهل البيت الامام ابي الحسن الرضا (ع ) قال : ا ـ ان اللّه عز وجل لم يطع باكراه , ولم يعص بغلبة , ولم يهمل العباد في ملكه , هو المالك لما ملكهم والـقـادر على ما اقدرهم عليه , فان ائتمر العباد بطاعته لم يكن اللّه منها صادا, ولا منها مانعا, وان ائتـمـروا بـمعصيته ف اء ان يحول بينهم وبين ذلك فعل وان لم يحل وفعلوه فليس هو الذي ادخلهم فيه ((113)) .
    يـعـني ان الانسان الذي اطاع اللّه لم يكن مجبرا على الطاعة , والانسان الذي عصاه لم يغلب مشيئة اللّه بل اللّه شاء ان يكون العبد مختارا في فعله .
    ب ـ قال : قال اللّه تبارك وتعالى : يـا ابـن آدم بمشيئتي كنت انت الذي تشاء لنفسك ما تشاء, وبقوتي اديت الي فرائضي , وبنعمتي قويت عـلـى مـعصيتي , جعلتك سميعا بصيرا قويا, ما اصابك من حسنة فمن اللّه وما اصابك من سيئة فمن نفسك ((114)) .
    وفي رواية عملت بالمعاصي بقوتي التي جعلتها فيك ((115)) .
    وعن الامام ابي عبداللّه الصادق (ع ) قال : ا ـ لا جـبـر ولا تـفويض ولكن امر بين امرين , قال : قلت : وما امر بين امرين ؟ قال : مثل ذلك رجل رايته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته ففعل تلك المعصية , فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت انت الذي امرته بالمعصية ((116)) .
    ب ـ ما استطعت ان تلوم العبد عليه فهو منه وما لم تستطع ان تلوم العبد عليه فهو من فعل اللّه .
    يـقول اللّه للعبد لم عصيت ؟ لم فسقت ؟ لم شربت الخمر؟ لم زنيت ؟ فهذا فعل العبد, ولا يقول له لم مرضت ؟ لم قصرت ؟ لم ابيضضت ؟ لم اسوددت ؟ لانه من فعل اللّه تعالى ((117)) .
    شرح الروايات .
    ان للجبر والتفويض جانبين : ا ـ ما كان منهما من صفات اللّه .
    ب ـ ما كان منهما من صفات الانسان .
    فما كان منهما من صفات اللّه فينبغي اخذه منه بوساطة الانبياء, واوصياء الانبياء عن الانبياء, وما كان مـن صفات الانسان فان قولنا: افعل هذا او لا افعله دليل على انا نفعل ما نفعله باختيارنا, وقد عرفنا مما سبق ان سير الانسان في حياته لا يشابه سير الذرة واكواكب والمجرات المسخرات بامر اللّه في كل حركاتها وما يصدر منها من آثار.
    ولم يفوض اللّه اليه امر نفسه وكل ما سخر له ليفعل ما يشاء كما يحب, وكما تهوى نفسه , بل ان اللّه ارشـده بـوسـاطـة انبيائه كيف يؤمن بقلبه بالحق , وهداه الى الصالح النافع في ما يفعله بجوارحه , والـضار منه , فاذا اتبع هدى اللّه , وسار على الطريق المستقيم خطة اخذ اللّه بيده وسار به عشر خـطوات ثم جزاه بثار عمله في الدنيا والاخرة سبعمائة مرة اضعاف عمله واللّه يضاعف لمن يشاء بحكمته ووفق سنته .
    وقـلـنا في المثل الذي ضربناه في ما سبق , بان اللّه ادخل الانسان المؤمن والكافر في هذا العالم في مطعم له من نوع (سلف سرويس ) كما قال سبحانه في سورة الاسراء: (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) (الاية 20).
    فـلولا امداد اللّه عبيده بكل ما يملكون من طاقات فكرية وجسدية , وما سخر لهم في هذا العالم لما اسـتـطـاع المؤمن ان يعمل عملا صالحا, ولا الضال الكافر ان يعمل عملا ضارا فاسدا, ولو سلبهم لـحظة واحدة اي جزء مما منحهم من الرؤية والعقل والصحة و و لما استطاعو ان يفعلوا شيئا, اذا فان الانسان يفعل ما يفعل بما منحه اللّه بمحض اختياره , وبناء على ما بيناه , ان الانسان لم يفوض اليه الامـر في هذا العالم , ولم يجبر على فعل بل هو امر بين الامرين , وهذه هي مشيئة اللّه وسنته في امر افعال العباد, ولن تجد لسنة اللّه تبديلا.

    الدين والا سلا م
    ا ـ الدين : في اللغة : الطاعة والجزاء.
    وفي المصطلح الاسلامي : الشريعة .
    وذلك معنى قوله تعالى : (ان الدين عند اللّه الاسلام ) (آل عمران / 19).
    كما ياتي بيانه باذنه تعالى .
    ب ـ الاسلام : في اللغة : اسلم اسلاما: انقاد, فهو مسلم .
    وفي المصطلح الاسلامي : دخل في الاسلام فهو مسلم .
    ويـتـحـقـق دخول الانسان في الاسلام بالاقرار باللسان بقوله : اشهد ان لا اله الا اللّه , واشهد ان محمدا رسول اللّه .
    ومعنى الشهادة الاولى : الاقرار بان لا خالق ولا معبود الا اللّه .
    ومعنى الشهادة الثانية : الاقرار بان اللّه الرب ارسل محمدا (ص ) بشريعة الاسلام , وان المقر يتعهد بالعمل بتلك الشريعة .
    والاسـلام : اسم لجميع الشرائع التي انزلت على رسل اللّه قبل خاتم الرسل (ص ) كما يظهر ذلك من قوله تعالى في سورة آل عمران : (انـ الـديـن عـند اللّه الا سلام وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ) (الاية 19).
    وقوله تعالى فيها: (ومن يبتغ غير الا سلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين ) (الاية 85).
    وكما اخبر اللّه سبحانه وتعالى ان ابراهيم (ع ) كان مسلما وقال تعالى : (ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما) (آل عمران / 67).
    وحكى (في سورة البقرة ) عن وصية ابراهيم (ع ) لبنيه ان يكونوا مسلمين وقال سبحانه : (ووصـى بـهـا ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان اللّه اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وانتم مسلمون ) (الاية 132).
    وكـان ذلك معروفا ـ ايضا ـ لدى الكفار في الامم السابقة كما يظهر ذلك من قول فرعون عند موته حيث اخبر اللّه عنه وقال تعالى في سورة يونس : (وجـاوزنـا بـبني اسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى اذا ادركه الغرق قال آمنت انه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين ) (الاية 90).
    وما اخبر تعالى عن شان عيسى (ع ) مع الكفار ومحاورته للحواريين بقوله : (فـلـمـا احس عيسى منهم الكفر قال من انصاري الى اللّه قال الحواريون نحن انصار اللّه آمنا باللّه واشهد بانا مسلمون ) (آل عمران / 52).
    اذا فقد كان اسم شريعة ابراهيم وموسى وعيسى (ع ), الاسلام , وانما غير اهل الكتب اسم دينهم , فـتـسـمـى الـذيـن زعـموا انهم على شريعة موسى باسم اليهودية نسبة الى مدينة يهودا في جبل صهيون ((118)) .
    وتسمى الذين زعموا انهم على شريعة عيسى باسم النصارى نسبة الى الناصرة البلدة التي ولد فيها عيسى بن مريم (ع ) واسم المسيحي نسبة الى لقب عيسى المسيح (ع ).
    وهكذا حرفوا اسم دين اللّه كما حرفوا كتابيه : التوراة والانجيل .
    واقـرهـم اللّه على ما سموا به انفسهم وسمـاهم في القرآن الكريم , اليهود والنصارى , لان الدين الذي يدينون به ليس الاسلام الذي جاء به الرسولان , موسى وعيسى (ع ), وليسوا بمسلمين .
    وقـد اوحـى اللّه سـبحانه شريعة الاسلام الى رسله في الكتب التي انزلها اليهم وبلغتها الرسل الى امـمـهـم وفـسـروا الكتب بحديثهم , فمن اظهر الخضوع والانقياد وقبول الشريعة التي جاءت بها الرسل من عند اللّه فهو مسلم , فان كان منه ايمانا بالقلب واقرارا باللسان وعم ا بالاركان فهو مؤمن , والا فهو منافق كالاتي بيانه .

    الايمان والمـؤمن
    آمن ايمانا فهو مؤمن : ا ـ في اللغة : اذعن وصدق .
    ب ـ في المصطلح الاسلامي : يقال المؤمن لمن آمن باللّه ورسله منذ آدم حتى الرسول الخاتم , واذعن وصدق بما اوحى اللّه اليهم .
    ولا يـتـم ذلـك بـان يـؤمن الانسان ببعض ما اوحى اللّه ويكفر ببعض كما قال اللّه تعالى في سورة البقرة : (امـن الـرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير) (الاية285 ).
    وقد فصل اللّه القول في ذلك في قوله تعالى في سورة النساء: (يـاايـها الذين امنوا امنوا باللّه ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي انزل من قبل ومن يكفر باللّه وملائكته وكتبه .
    ورسـلـه واليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا ان الذين امنوا ثم كفروا ثم امنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كـفـرا لـم يـكـن اللّه ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا بشر المنافقين با لهم عذابا اليما الذين يتخذون الـكـافـريـن اولياء من دون المؤمنين ايبتغون عندهم العزة فان العزة للّه جميعا وقد نزل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم ايات اللّه يك ر بها ويستهزا بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره انـكم اذا مثلهم ان اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا الذين يتربصـون بكم فان كان لكم فت من اللّه قالوا الم نكن معكم وان كان للكافرين نصيب قالو الم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا) (الايات 136 ـ 141).
    في هذه الايات يطلب اللّه تعالى من الذين آمنوا الايمان بجميع ما فصل ذكره فيها, وهو الايمان باللّه ورسـولـه ـ الـخـاتـم ـ والكتاب الذي نزل عليه , والكتاب الذي انزله من قبله , وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر.
    ويـقـابـل هـؤلاء المؤمنين , المنافقون الذين آمنوا ـ بالسنتهم ـ ثم كفروا ـ في قلوبهم ـ فعلوا ذلك مـرات مـتـعددة ومن افعالهم , اتخاذ الكافرين اولياء من دون المؤمنين يطلبون العزة عندهم والعزة جـمـيـعـها للّه , وعلى المؤمنين اذا سمعوا آيات اللّه يكفر بها ويستهزا ب ا ان لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره , وان لبث المؤمنون في تلك المجالس مع المستهزئين كانوا منافقين مثلهم , وينهى اللّه المؤمنين ـ ايضا ـ عن اتخاذ الكافرين اولياء من دون المؤمنين .
    وبـنـاء عـلى ذلك فان على المؤمنين (اي المسلمين ) ان يؤمنوا باللّه في بذل الطاعة في كل ما امر, والامتناع عن فعل كل ما نهى عنه ,.
    وعند ذلك يكون المؤمن مؤمنا حقا.
    وخـلاصة القول : اذا كان الانسان يؤمن بما يرتضي مما انزل اللّه ويرضيه , ويترك مما انزل اللّه ما لا يرتضيه فليس بمؤمن , ومن ثم يخاطب اللّه المؤمنين ويقول لهم : (يا ايها الذين آمنوا آمنوا بما و و) (النساء / 136).

    النـفاق والمـنافق
    ا ـ في اللغة : نافق اليربوع , اذا ضرب براسه النافقاء من جحره ومرق منه , وذلك لان لجحر اليربوع بابا ظاهرا يـسـمى (القاصعاء), ومخرجا قد رقق التراب من جانبه دون ان يظهر ذلك من سطح الارض , فاذا هوجم من بابه القاصعاء ضرب براسه النافقاء ومرق منه وهرب , وعندئذ يقال : (نافق اليربوع ).
    ب ـ في المصطلح الاسلامي : نافق الرجل نفاقا: اظهر الاسلام وعمل بعمله وابطن الكفر, فهو منافق .
    قال اللّه سبحانه في سورة (المنافقون ): (اذا جـاءك الـمنافقون قالوا نشهد انك لرسول اللّه واللّه يعلم انك لرسوله واللّه يشهد ان المنافقين لكاذبون اتخذوا ايمانهم جنة ).
    (الايتان 1 و 2).
    اي اتخذوا ما يحلفون به سترا سميكا اذا فهم يسترون نفاقهم بستر سميك من اليمين الكاذبة , واللّه يكشف للرسول (ص ) زيف قولهم .
    وقال سبحانه في سورة النساء: (ان المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ) (الاية 142).
    ثـم ان الاسـلام الـذي انـزلـه اللّه في الكتب السماوية قد بلغه الرسل الى اممهم , وفسروا الكتب بحديثهم .

    مصطلحات الامامة والخلافة
    ـ الخليفة والخلافة . ـ امير المؤمنين .
    ـ الامام .
    ـ الوصي .
    ـ الامر واولو الامر.
    ـ الشورى .
    ـ البيعة .
    ـ اهل البيت (ع ).
    ـ السنة والشيعة او مدرسة الخلفاء ومدرسة اهل البيت (ع ).

    الخليفة والخلافة
    الخلافة في لغة العرب : النيابة عن الغير ((119)) . والخليفة : من يخلف غيره , ويقوم مقامه , ويسد مسده ((120)) .
    وبهذا المعنى ورد في القرآن الكريم , في قوله تعالى : ا ـ في سورة الاعراف : (واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ) (الاية 69).
    (واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد) (الاية 74).
    (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ) (الاية 169).
    ب ـ في سورة مريم : (فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة ) (الاية 59).
    ج ـ في سورة الانعام : (ان يشا يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء) (الاية 132).
    وكذلك ورد في غيرها ونظائرها من آيات كريمة .
    وورد في المعنى اللغوي ـايضاـ في حديث الرسول (ص ) في قوله : (اللّه م ارحم خلفائي , اللّه م ارحم خلفائي , اللّه م ارحم خلفائي ).
    قيل له : يا رسول اللّه (ص ) من خلفاؤك ؟.
    قال : (الذين ياتون من بعدي يروون حديثي وسنتي ).
    واستعمل ـايضاـ في المعنى اللغوي في عصر الصحابة كالاتي : ا ـ على عهد الخليفة الاول : قال ابن الاثير في نهاية اللغة : وفي حديث ابي بكر, جاءه اعرابي فقال له : انت خليفة رسول اللّه ؟.
    فقال : لا.
    فقال : ما انت ؟.
    قال : انا الخالفة من بعده .
    قال ابن الاثير: الخالفة : الذي لا غناء عنده ولا خير فيه , وانما قال ذلك تواضعا ((121)) .
    ب ـ على عهد الخليفة الثاني : روى الـسـيـوطي (ت : 911 هـ) فـي تـاريـخه وقال : (فصل في نبذ من اخباره وقضاياه ) اخرج الـعـسـكـري فـي (الاوائل ) والـطبراني في (الكبير) والحاكم في (المستدرك ): (ان عمر بن عـبـدالـعـزيـز سال ابا بكر بن سليمان بن ابي حثمة : لاي شي ء كان يكتب : (من خليفة رسول اللّه (ص )) فـي عـهـدابي بكر؟ ثم كان عمر كتب اولا: (من خليفة ابي بكر), فمن اول من كتب : (من امـيـر الـمـؤمنين )؟ فقال : حدثتني الشفاء ـوكانت من المهاجرات ـ ان ابا بكر كان يكتب : من خليفة رسول اللّه , وكان عمر يكتب : من خليفة خليفة رسول اللّه , حتى كتب عمر الى عامل العراق ان يبعث الـيـه رجـلـيـن جـلدين يسالهما عن العراق واهله , فبعث اليه لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم , فقدما الـمـديـنـة , ودخلا المسجد, فوجدا عمرو بن العاص , فقالا: استاذن لنا على امير المؤمنين , فقال عـمرو: انتما واللّه اصبتما اسمه فدخل عليه عمرو, فقال : السلام عليك يا اميرالم منين فقال : ما بدا لـك فـي هـذا الاسم ؟ لتخرجن مما قلت فاخبره وقال : انت الامير ونحن المؤمنون , فجرى الكتاب بذلك من يومئذ).
    وروى عن النووي في تهذيبه , وقال : قـال عـمـر للناس : انتم المؤمنون وانا اميركم , فسمي اميرالمؤمنين , وكان قبل ذلك يقال له : خليفة خليفة رسول اللّه , فعدلوا عن تلك العبارة لطولها ((122)) .

    اميرالمؤمنين
    مما اوردنا سابقا عرفنا ان لفظ اميرالمؤمنين استعمل منذ عصر الخليفة عمر بن الخطاب واريد به الحاكم الاسلامي الاعلى , وبقي متداولا كذلك الى عصر العثمانيين .

    الامـام .
    الامـام فـي الـلغة : الانسان الذي يؤتم به ويقتدى بقوله او فعله محقا كان او مبطلا ((123)) , كما ورد في قوله تعالى : (يـوم نـدعو كل اناس بامامهم فمن اوتي كتابه بيمينه فاولئك يقراون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا) (الاسراء/ 71, 72).
    ومن الثاني ما ورد ذكره في قوله تعالى : (فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون ) (التوبة / 12).
    والامام في الاسلام هو الهادي الى سبيل اللّه بامر من اللّه انسانا كان كما ورد ذكره في قوله تعالى : (واذ ابـتـلـى ابـراهيم ربه بكلمات فاتمهن , قال اني جاعلك للناس اماما, قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) (البقرة / 124).
    وقوله تعالى : (وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا) (الانبياء/ 73).
    او كان كتابا كما ورد في قوله تعالى : (ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة ) (هود/ 17).
    ونـدرك مـن فـحـوى الايتين المذكورتين اعلاه ان شرط الامام في الاسلام ان كان كتابا ان يكون منزلا من قبل اللّه على رسله لهداية .
    الـنـاس , كما كان شان كتاب محمد (ص ): القرآن الكريم , ومن قبله كتاب موسى : التوراة , وكذلك شان كتب سائر الانبياء ((124)) .
    وان كان انسانا ان يكون معينا من قبل اللّه لقوله تعالى : (اني جاعلك للناس اماما) و (عهدي ).
    وان يكون غير ظالم لنفسه ولا لغيره , اي غير عاص لقوله تعالى : (لا ينال عهدي الظالمين ).
    وفي ضوء ما سبق يصح القول بان الامام في الاصطلاح الاسلامي هو: ا ـ الكتاب المنزل من قبل اللّه على رسله لهداية الناس .
    ب ـ الانسان المعين من قبل اللّه لهداية الناس , وشرطه ان يكون معصوما من الذنوب .

    الوصي
    ورد مصطلح الوصي والوصية ومشتقاتهما في كلام العرب بالمعاني الاتية : يـقـال لانـسـان حـي يعهد لانسان آخر ان يقوم بامر يهمه بعد وفاته : الموصي , وللاخر: الوصي , ولـلامـر الموصى به : الوصية , وتجري الوصية بلفظ الوصية ومشتقاتها تارة مثل ان يقول الموصي لـوصـيه : اوصيك بعدي برعاية اهلي او ادارة مدرستي , وان تفعل كذا وكذا, واخرى ب فظ يؤدي مـعنى الوصية , مثل ان يقول الموصي لوصيه : اطلب منك ان تقوم بعدي برعاية اهلي وادارة مدرستي وتفعل كذا وكذا.
    ويخبر الموصي الاخرين عن وصيته احيانا بلفظ: اوصيت الى فلان , ووصيي فلان , واخرى يقول : عهدت الى فلان , او: اوكلت اليه ان يقوم بكذا, وكلا اللفظين يؤديان معنى واحدا, وهكذا نظائرهما.
    كان هذا موجز معنى مصطلح الوصي والوصية ومشتقاتهما في لغة العرب , وبنفس المعنى وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة , قال اللّه سبحانه في سورة البقرة (الايات : 180 ـ 182): (كـتـب عـليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية ) ـالى قوله تعالى ـ: (فمن خاف من موص جنفا او اثما فاصلح بينهم ), وفي .
    سورة المائدة (الاية : 106): (يا ايها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم ), وكذلك وردت في سورة النساء (الايتان : 11 و12).
    ومـما ورد في السنة النبوية ما رواه كل من البخاري في اول كتاب الوصايا من صحيحه , ومسلم في كتاب الوصية من صحيحه ((125)) .
    ان رسول اللّه (ص ) قال : (ما حق امرئ مسلم له شي ء يوصي فيه ان يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده ).
    وللوصية احكامها في الفقه الاسلامي وبناء على ما ذكرناه ان لفظي الوصي والوصية من المصطلحات الاسلامية .
    والوصية من الانبياء والرسل ان يعهد الرسل الى اوصيائهم بعدهم الى الناس ورعاية امتهم من بعدهم .
    وفـي هـذه الامـة فعل خاتم الانبياء (ص ) مثل من سبقه من الرسل وعهد الى الامام علي (ع ) تبليغ شـريـعته ورعاية امته من بعده , وبواسطته عهد ذلك الى بنيه الائمة الاحد عشر من بعده , واخبر النبي المسلمين بكل ذلك , تارة بلفظ الوصي والوصية ومشتقاتهما, واخرى بالفاظ اخرى تؤدي المعنى نفسه فلقب الامام علي (ع ) بلقب الوصي واصبح علما له .

    الامر واولو الامر.
    لـمـعرفة معنى (الامر) و (اولي الامر) وهل هما مصطلحان شرعيان ام لا؟ نستعرض في ما يلي موارد استعمالهما في لغة العرب وعرف المسلمين والنصوص الاسلامية كتابا وسنة , فنقول : ا ـ في لغة العرب : ورد فـي سيرة ابن هشام , والطبري , وغيرهما, ان رسول اللّه كان يعرض نفسه في المواسم على قـبـائل الـعرب , يدعوهم الى الاسلام , ويخبرهم انه نبي مرسل من قبل اللّه , ويسالهم ان يصدقوه ويمنعوه حتى يبين عن اللّه ما بعثه به .
    قال : وانه اتى بني عامر بن صعصعة ذات مرة فدعاهم الى اللّه عز وجل , وعرض عليهم نفسه , فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس ((126)) : واللّه لو اني اخذت هذا الفتى من قريش لاكلت به العرب ثم قال له : ارايت ان نحن تابعناك على امرك ثم اظهرك اللّه على م خالفك , ايكون لنا الامر من بـعـدك ؟ قـال : (الامـر الى اللّه يضعه حيث يشاء), قال : فقال له : افنهدف نحورنا ((127)) للعرب دونك , فاذا اظهرك اللّه كان الامر لغيرنا؟ ((128)) .
    ان هذا العربي كان يفهم (امر رسول اللّه (ص ) على انه سيادة وحكم على العرب , فاراد ان يعقد مع الـرسول (ص ) حلفا يكون لقبيلته الحكم والسيادة على العرب من بعد الرسول (ص ), لكن الرسول (ص ) امـتنع من اجابته رغم حاجته الشديدة يومذاك الى المؤازرين , لان الامر لي اليه وانما الامر الى اللّه يضعه حيث يشاء.
    وكـذلـك كـان شان هوذة بن علي الحنفي في طلبه من الرسول (ص ) حين دعاه الرسول (ص ) الى الاسلام كما في طبقات ابن سعد, ما ملخصه : كتب رسول اللّه (ص ) الى هوذة بن علي الحنفي يدعوه الى الاسلام , فكتب في جواب النبي (ص ): مـا احسن ما تدعو اليه واجمله , وانا شاعر قومي وخطيبهم , والعرب تهاب مكاني , فاجعل لي بعض الامر اتبعك , فقال النبي (ص ): (لو سالتني سيابة من الارض ما فعلت ) ((129)) .
    نرى ان الرسول (ص ) قصد من (سيابة ): الارض المهملة اذن فقد طلب هوذة من الرسول (ص ) ان يـجعل له بعض الامر: امارة ما على ارض او قبيلة وما شابههما, فاجابه الرسول (ص ) انه لايؤمره ولا عـلى سيابة من الارض , وهذا القول من الرسول (ص ) نظير قول اهل الكوفة او البص ة عندما وظـف والـيـهـم على كل واحد منهم نقل كمية من الحصباء الى مسجدهم الجامع ليفرشه بالحصباء, وامر عليهم احدهم وكان يتعصب في قبول الحصباء منهم , فقالوا: يا حبذا الامارة ولو على الحجارة وكـذلـك الامـر في الخبر السابق , فان هوذة طلب من الرسول الامارة (ول على الحجارة ) فاجابه الرسول (ص ): لا, ولا على الحجارة .
    ب ـ في عرف المسلمين : كـان اكثر استعمال (الامر) في عرف المسلمين يوم السقيفة وما بعدها, قال سعد بن عبادة للانصار يوم السقيفة : (استبدوا بهذا الامر دون الناس ).
    واجابته الانصار بقوله : (نوليك هذا الامر).
    ثم ترادوا الكلام وقالوا: (فان ابت مهاجرة قريش فقالوا: نحن عشيرته واولياؤه , فعلام تنازعوننا هذا الامر من بعده ؟).
    وقال ابو بكر في احتجاجه عليهم يومذاك : (ولن يعرف هذا الامر الا لهذا الحي من قريش ).
    وقال ـايضاـ في قريش : (هم احق الناس بهذا الامر من بعده , ولا ينازعهم ذلك الا ظالم ).
    وقال عمر ـايضاـ يوم السقيفة : (من ذا ينازعنا سلطان محمد وامارته ونحن اهله وعشيرته ).
    وقـال الحباب بن المنذر في جوابه : (لاتسمعوا مقالة هذا واصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر فانتم واللّه احق بهذا الامر).
    وقال بشير بن سعد عندئذ في حق قريش : (لايراني اللّه انازعهم هذا الامر ابدا) ((130)) .
    ج ـ في النصوص الاسلامية : لـقـد ورد فـي حـديث الرسول ذكر (الامر) كثيرا ونكتفي هنا بتسجيل كلمة الرسول (ص ) في جواب العامري : (ان الامر الى اللّه يضعه حيث يشاء).
    وقد ورد في كتاب اللّه تعالى : (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) (النساء/ 59).
    فـي كل هذه الموارد سواء في لغة العرب , وعرف المسلمين , والنصوص الاسـلامية سنة وكتـابا, انما اريد من (الامر) امر الامـامة والحكم على المسلمين .
    وعـلـى هذا فان (الامر) استعمل في الشرع الاسلامي بنفس المعنى الذي استعمل فيه لدى العرب والمسلمين , ولا مانع بعد ذلك ان نسمي (اولي الامر) مصطلحا شرعيا وتسمية اسلامية وانه اريد بـه الامـام بـعـد النبي (ص ), ولا خلاف في ذلك , ولكن الخلاف بين المدرستين ف من يصدق عليه تـسمية اولي الامر, فان مدرسة اهل البيت (ع ) ترى انه لما كان المقصود من اولي الامر: الائمة , فلابد ان يكون منصوبا من قبل اللّه , معصوما من الذنوب .
    وتـرى مدرسة الخلافة ان (اولي الامر): من بايعه المسلمون بالحكم وبناء على ذلك يرون وجوب طـاعـة كـل مـن بايعوه , وعلى هذا الاساس اطاعوا الخليفة يزيد بن معاوية , فقتلوا وسبوا آل بيت رسول اللّه (ص ) بكربلاء, واباحوا مدينة الرسول (ص ) ثلاثة ايام ,.
    ورموا الكعبة بالمنجنيق , بحثنا ذلك في المجلد الثالث من كتاب (معالم المدرستين ).

  6. #6

    افتراضي

    الشـورى .
    التشاور, والمشاورة , والمشورة في لغة العرب : استخراج الراي بمراجعة البعض البعض الاخر. وشاوره : استخرج ما عنده من راي .
    واشار عليه بالراي , يشير: اذا ما وجه الراي .
    (وامـرهـم شـورى بـيـنهم ) (الشورى / 38), من صار هذا الشي ء شورى بين القوم اذا تشاوروا فيه ((131)) .
    لـم يتغير معنى مشتقات هذه المادة في استعمال القرآن الكريم , والحديث الشريف , ولدى المسلمين عـمـا كانت عليه في لغة العرب , وانما الكلام في مورد الشورى والمشاورة في الشرع الاسلامي وحكمها وقد بحثنا هذا الموضوع في المجلد الاول من كتاب (معالم المدرستين ).

    البيـعة .
    ا ـ البيعة في لغة العرب : الـبـيـعـة في لغة العرب : الصفقة على ايجاب البيع ((132)) , وصفق يده بالبيعة والبيع , وعلى يده صفقا: ضرب بيده على يده عند وجوب البيع , وتصافقوا: تبايعوا ((133)) كان هذا معنى البيعة لدى العرب .
    اما العهد والحلف : فقد كانت العرب تعقد الحلف والعهد باساليب مختلفة , مثل ما فعل بنو عبد مناف حين ارادوا ان يقاتلوا بني عبدالدار على من يقوم بحجابة البيت وسقاية الحاج وغيرهما من اعمال السيادة بمكة .
    فـروى ابن اسحاق ان بني عبد مناف اخرجوا جفنة مملوءة طيبا فوضعوها في المسجد عند الكعبة , ثـم غـمـسـوا ايديهم فيها, وتعاقدوا هم وحلفاؤهم , ثم مسحوا الكعبة بايديهم توكيدا على انفسهم , وسموا (المطيبين ) ((134)) .
    وروى ـايـضـاـ في امر تجديد الكعبة : ان البنيان عندما بلغ موضع الركن اختصموا فيه , كل قبيلة تـريـد ان تـرفـعه الى موضعه دون الاخرى , حتى تحاوروا وتحالفوا, واعدوا للقتال , فقربت بنو عـبدالدار جفنة مملوءة دما, ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت ,وادخلوا ايديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة , فسموا (لعقة الدم ) ((135)) .
    ب ـ البيعة في الاسلام : كانت البيعة , اي : صفق اليد على اليد, في لغة العرب علامة على وجوب البيع , واصبحت في الاسلام علامة على معاهدة المبايع المبايع له ان يبذل له الطاعة في ما تقرر بينهما, ويقال : بايعه عليه مبايعة : عاهده عليه .
    وورد في القرآن الكريم في قوله تعالى : (ان الـذيـن يبايعونك انما يبايعون اللّه , يد اللّه فوق ايديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه اللّه فسيؤتيه اجرا عظيما) (الفتح /10).
    ونذكر من سنة الرسول (ص ) ثلاث مرات اخذ الرسول (ص ) فيها البيعة من المسلمين : 1 ـ البيعة الاولى : ان اول بيعة جرت في الاسلام هي بيعة العقبة الاولى , اخبر عنها عبادة ابن الصامت وقال : (وافى موسم الحج من الانصار اثنا عشر رجلا ممن اسلم منهم في المدينة , وقال عبادة : بـايـعـنـا رسول اللّه (ص ) بيعة النساء, وذلك قبل ان يفترض علينا الحرب , على ان لانشرك باللّه شـيـئا, ولا نسرق , ولا نزني , ولا نقتل اولادنا, ولا ناتي ببهتان نفتريه من بين ايدينا وارجلنا, ولا نعصيه في معروف , فان وفيتم فلكم الجنة , وان غشيتم من ذلك شيئا فاخذتم بح ه في الدنيا فهو كفارة لـه , وان سـتـرتـم عـلـيـه الـى يـوم الـقـيامة فامركم الى اللّه عز وجل , ان شاء عذب , وان شاء غفر ((136)) وسميت هذه البيعة ببيعة العقبة الاولى ).
    2 ـ البيعة الثانية الكبرى بالعقبة : روى كعب بن مالك وقال : خـرجنا من المدينة للحج وتواعدنا مع رسول اللّه (ص ) العقبة اواسط ايام التشريق , وخرجنا بعد مـضـي ثلث الليل متسللين مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا وامراتان , فجاء رسول اللّه (ص ) ومعه عمه العباس , فتكلم رسول اللّه (ص ) ف لا القرآن ودعا الى اللّه ورغب في الاسلام ثم قال : (ابـايـعكم على ان تمنعوني مما تمنعون نساءكم وابناءكم ), فاخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : نعم والـذي بـعـثـك بالحق لنمنعنك مما نمنع به ازرنا ((137)) , فبايعنا يا رسول اللّه فنحن واللّه اهل الحروب .
    فـقـال ابو الهيثم بن التيهان : يا رسول اللّه ان بيننا وبين الرجال حبالا, وانا قاطعوها (يعني اليهود), فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك ثم اظهرك اللّه ان ترجع الى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول اللّه (ص ) ثم قال : (بل الدم الدم والهدم الهدم ) اي : ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم .
    وقال رسول اللّه (ص ): (اخرجوا الي منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم ) فاخرجوا منهم اثني عشر نقيبا, تسعة من .
    الـخـزرج وثـلاثـة مـن الاوس , قال رسول اللّه (ص ): (انتم على قومكم بما فيكم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم , وانا كفيل على قومي ) يعني : المسلمين قالوا: نعم .
    واختلفوا فيمن كان اول من ضرب على يده , اسعد بن زرارة ام ابو الهيثم بن التيهان ((138)) .
    3 ـ بيعة الرضوان , او بيعة الشجرة : في سنة سبع من الهجرة , استنفر رسول اللّه (ص ) اصحابه للعمرة , فخرج معه الف وثلاثمائة , او الـف وستمائة , ومعه سبعون بدنة , وقال : لست احمل السلاح , انما خرجت معتمرا واحرموا من ذي الـحـلـيـفة , وساروا حتى دنوا من الحديبية على تسعة اميال من مكة , فبلغ الخبر اهل مكة فراعهم , واسـتنفروا من اطاعهم من القبائل حولهم وقدموا مائتي فارس عليهم خالد ابن الوليد او عكرمة بن ابـي جـهل , فاستعد لهم رسول اللّه (ص ) وقال : ان اللّه امرني بالبيعة فاقبل الناس يبايعونه على الا يـفروا, وقيل : بايعهم على الموت , وارسلت قريش وفدا للم اوضة , فلما راوا ذلك تهيبوا وصالحوا رسول اللّه (ص ) ((139)) .
    هذه ثلاثة انواع من البيعة على عهد الرسول (ص ) وهي : ا ـ البيعة على الاسلام .
    ب ـ البيعة على اقامة الدولة الاسلامية .
    ج ـ البيعة على القتال .
    والـبيعة الثالثة تجديد للبيعة الثانية , وذلك لان الرسول (ص ) كان قد استنفرهم للعمرة وبعد تبدل الحالة من العمرة الى القتال , كانت الحالة الحادثة مخالفة للعمل الذي استنفرهم له وخرجوا من اجله , فـكـانـه كـان مخالفا لما عاهدهم عليه , فلذلك احتاج الى اخذ البيعة ل قيام بالعمل الجديد, وفعل ذلك واعطى ثمره في ارعاب اهل مكة , وحصول النتيجة المطلوبة .
    ونختم البحث بست روايات في البيعة وطاعة الامام : 1 ـ روى ابـن عـمـر قـال : كـنـا نبايع رسول اللّه (ص ) على السمع والطاعة ثم يقول لنا: (في ما استطعت ) ((140)) .
    2 ـ وفي رواية , وقال علي : (ما استطعتم ) ((141)) .
    3 ـ وفي رواية , وقال جرير: قال : (قل : في ما استطعت ) ((142)) .
    4 ـ وروى الـهـرمـاس بـن زيـاد قـال : مـددت يـدي الـى الـنـبي (ص ) وانا غلام ليبايعني , فلم يبايعني ((143)) .
    وعن ابن عمر قال : قال رسول اللّه (ص ): (عـلى الم ءر المسلم السمع والطاعة في ما احب وكره , الا ان يؤمر بمعصية فاذا امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) ((144)) .
    5 ـ وعن ابن مسعود قال : قـال (ص ): (سـيـلي اموركم بعدي رجال يطفئون السنة ويعملون بالبدعة , ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها) فقلت : يا رسول اللّه ادركتهم كيف افعل ؟ قال : (تسالني يا ابن ام عبد كيف تفعل ؟ لا طاعة لمن عصى اللّه ) ((145)) .
    6 ـ وعن عبادة بن الصامت في حديث طويل آخره : (فلا طاعة لمن عصى اللّه تبارك وتعالى , فلا تعتلوا بربكم ) ((146)) .
    وفي رواية : (لا تضلوا بربكم ) ((147)) .
    يتضح لنا من دراسة البيعة في سنة الرسول (ص ) ان للبيعة ثلاثة اركان : اـ المبايع .
    ب ـ المبايع له .
    ج ـ المعاهدة على الطاعة للقيام بعمل ما.
    وتـقوم البيعة اولا على تفهم ما يطلب الطاعة على القيام به , ثم تنعقد المعاهدة بضرب يد المبايع على يـد الـمبايع له بالكيفية الواردة في السنة , والبيعة على هذا مصطلح شرعي , غير ان شروط تحقق البيعة المشروعة في الاسلام غير واضحة لكثير من المسلمين اليوم فنقول : تنعقد البيعة في الاسلام اذا توفرت فيها الشروط الثلاثة التالية : اـ ان يكون المبايع ممن تصح منه البيعة , ويبايع مختارا.
    ب ـ ان يكون المبايع له ممن تصح مبايعته .
    ج ـ ان تكون البيعة لامر يصح القيام به .
    وعـلى ما بينا لاتصح البيعة من صبي او مجنون , لانهما غير مكلفين بالاحكام في الاسلام , ولاتنعقد بـيـعـة المكره , لان البيعة مثل البيع , فكما لاينعقد البيع باخذ المال من صاحبه قهرا ودفع الثمن له , كذلك البيعة لاتنعقد باخذها بالجبر وفي ظل السيف .
    وكـذلـك لاتصح البيعة للمتجاهر بالمعصية , ولاتصح البيعة للقيام بمعصية اللّه اذن فالبيعة مصطلح اسلامي , ولها احكامها في الشرع الاسلامي .
    الخلاصة.
    البيعة في لغة العرب الصفقة على ايجاب البيع وفي الاسلام امارة على معاهدة المبايع المبايع له على ان يـبـذل لـه الطاعة في ما تقرر بينهما, ولاتنعقد اذا لم تتوفر شروطها, فانها لاتصح من صبي او مجنون , ولاتنعقد البيعة من مكره ولاتصح للمتجاهر ولاتصح ل قيام بمعصية اللّه .
    وقـد بـايـع رسـول اللّه (ص ) عـلـى الاسلام اولا, وعلى اقامة الدولة الاسلامية ثانيا, كما بايع المسلمين على القتال , واشار اللّه سبحانه وتعالى الى الاخير في قوله تعالى.
    (ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه يد اللّه فوق ايديهم ) (الفتح / 10).

    اهل البيت (ع ) في المصطلح الاسلامي.
    ورد لفظ (اهل البيت (ع )) في قوله تعالى في سورة الاحزاب. (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) (الاية / 33).
    وفسره الرسول (ص ) في سنته قولا وعملا, فقد روى الحاكم (ت 405ه) في المستدرك على الصحيحين ما موجزه.
    [ان رسول اللّه (ص ) لما راى الرحمة هابطة قال (ادعوا لي , ادعوا لي ) قالوا: من يا رسول اللّه قال (اهل بيتي , عليا وفاطمة (ت 11ه) والحسن والحسين ), فجي ء بهم , فالقى عليهم النبي (ص ) كساءه ثم رفع يديه , ثم قال (اللّه م هؤلاء آلي فصل على محمد وآل محمد), وانزل اللّه عز وجل.
    (انما يريد اللّه )] ((148)) .
    وروت ام سلمة (ت بين سنة 61 و 64 ه) كيفية الخبر في روايات متعددة وموجزها:
    [ان ذلك كان في يوم ام سلمة وفي بيتها, وان الرسول (ص ) جللهم بكساء كان عليه , ثم قال (هؤلاء اهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا), فنزلت الاية حين اجتمعوا, فقالت ام سلمة ما انا من اهل البيت ؟ قال (انك الى خير, وه لاء اهل بيتي , انك من ازواج النبي )] ((149)) .
    ومـن اجـل ان يعرف النبي (ص ) مصطلح (اهل البيت ) للمسلمين , قال صلوات اللّه عليه وعلى اهل بـيـتـه (نزلت هذه الاية في خمسة , في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة , انما يريد اللّه ليذهب ) الاية .
    ومـزيـدا لـلـتوضيح كان (ص ) كلما خرج الى الصلاة يمر بباب فاطمة وعلي ـوكان باب دارهم شـارعـا الـى مـسـجـد الرسول (ص )ـ فيقول (الصلاة يا اهل البيت , انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) يفعل ذلك كل يوم خمس مرات .
    الخلاصة.
    كان الرسول (ص ) في بيت ام المؤمنين ام سلمة لما راى آثار رحمة اللّه هابطة , فدعا عليا وفاطمة والحسن والحسين (ع ), وجللهم ونفسه بالكساء, فنزلت آية التطهير, فقال الرسول (ص ): (هؤلاء هـم اهـل بيتي ), فقالت ام سلمة ما انا من اهل البيت ؟, فقال (انك الى خير, هؤلاء اهل بيتي انك من ازواج النبي ).

    : السنة والشيعة او مدرسة الخلفاء ومدرسة اهل البيت (ع ).
    انقسم المسلمون بعد رسول اللّه (ص ) الى مدرستين. ا ـ الـمدرسة التي ترى وجوب طاعة الخلفاء, بدءا بالخليفة الاول ابي بكر, وانتهاء بخر خليفة من الخلفا العثمانيين في تركيا, بما فيهم يزيد بن معاوية الذي قتل سبط الرسول (ص ), وسبى ذراريه وسـار بهم من بلد الى بلد, واباح المدينة ثلاثة ايام , ورمى الكعبة بالم جنيق , الى نظرائه من الخلفاء, وسـمـي اتـبـاع هـذه المدرسة بـ (اهل السنة والجماعة ) وكان بدء هذه التسمية سنة 41 ه بعد تـجـمـعـهـم عـلى بيعة معاوية كما صرح بذلك ابن كثير في تاريخه , وقال (وسمي هذا العام عام الجماعة لاجتماع الكلمة فيه على امير واحد) ((150)) .
    ب ـ الـمـدرسـة الـتـي تـرى وجـوب طاعة ائمة اهل البيت (ع ) وسمي اتباع هذه المدرسة بـ (الشيعة ), اي شيعة اهل البيت (ع ) وكذلك سمي محبو اهل البيت ـايضاـ بـ (الشيعة ).
    وفي كلتا التسميتين تسامح ملحوظ, فان اتباع مدرسة الخلفاء لايعباون بسنة الرسول (ص ) المروية عـن طـرق ائمة اهل البيت , فان الشيخين مسلما والبخاري لم يخرجا روايات سبط الرسول (ص ) الاكـبر الامام الحسن (ع ) في صحيحيهما, ولم يخرج الشيخ البخاري روايات الامام جعفر الصادق (ع ) (ت 148 هـ) فـي صـحيحه , بينما اخرج الحديث عن عمران بن حطان الخارجي (ت 84 ه) ((151)) الذي اثنى على ضربة ابن ملجم (ت 40ه) للوصي الامام علي (ع ) بقوله.
    يا ضربة من تقي ما اراد بها ـــــ الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا.
    اني لاذكره يوما واحسبه ـــــ اوفى البرية عند اللّه ميزانا.
    كـمـا تـسامحوا في التسمية بـ (الشيعة ), فانهم وصفوا بعض ائمة علماء الحديث بمدرسة الخلفاء بالتشيع لانهم فضلوا الامام عليا (ع ) على من قاتله , او رووا في فضله رواية عن رسول اللّه (ص ).
    مثل ابي بكر عبدالرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 ه), فقد قال ابن حجر في ترجمته بـ (تقريب التهذيب ): (ثقة حافظ منصف شهير وكان يتشيع ) ((152)) .
    فما وجه تشيعه وقد خرج احاديثه جميع اصحاب الصحاح والسنن والمسانيد؟.
    وقال الذهبي في ترجمته بـ (تذكرة الحفاظ): (كان من اوعية العلم ), وقال (ونقموا عليه التشيع , وما كان يغلو فيه بل كان يحب عليا ويبغض من قاتله ), وكان يقول (واللّه ما انشرح صدري قط ان افضل عليا على ابي بكر وعمر) ((153)) .
    ومثال آخر من ذلك الحاكم , فقد قال الذهبي في ترجمته بتذكرة الحفاظ ما موجزه.
    [الحافظ الكبير امام المحدثين , ابو عبداللّه , محمد بن عبداللّه النيسابوري المعروف بابن البيع .
    سمع من الفي شيخ او نحو ذلك , بلغت تصانيفه قريبا من خمسمائة جزء, ومن تليفه (فضائل الشافعي (ت 204 هـ)), ونـقل ان مشايخ الحديث كانوا يذكرون ايامه , وان الائمة من مقدمي عصره كانوا يقدمونه على انفسهم ويراعون حق فضله ويعرفون له الحرمة .
    الاكيدة .
    وسـئل عـن حـديـث الطير فقال (لا يصح , ولو صح لما كان احد افضل من علي (رض ) بعد النبي (ص ))].
    ثـم تغير راي الحاكم واخرج حديث الطير في مستدركه وجمع فيه احاديث وزعم انها على شرط الـبـخـاري ومـسـلم , منها: (حديث الطير), و(من كنت مولاه فعلي مولاه ), فانكرها عليه اصحاب الحديث فلم يلتفتوا الى قوله .
    وقال الذهبي.
    [امـا (حـديـث الـطـير) فله طرق كثيرة جدا قد افردتها بمصنف ومجموعها هو يوجب ان يكون الحديث له اصل .
    واما حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه ), فله طرق جيدة , وقد افردت ذلك ايضا].
    يعني الذهبي انه الف في حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه ), كتابا خاصا.
    وقال الذهبي [قالوا فيه ثقة في الحديث , رافضي خبيث .
    كان يظهر التسنن في التقديم والخلافة , وكان منحرفا عن معاوية وآله ـيعني يزيداـ متظاهرا بذلك ولا يعتذر منه ].
    وقال الذهبي.
    [قـلـت اما انحرافه عن خصوم علي فظاهر, واما امر الشيخين فمعظم لهما بكل حال , فهو شيعي لا رافضي ].
    وقال [فانه غض فضائله بسوء تصرفه ] ((154)) .
    وقـد سـمـينا في بحوثنا المدرسة الاولى بـ (مدرسة الخلفاء), والمدرسة الثانية بـ (مدرسة اهل البيت ).
    وينبغي ان نذكر الفروق بين المدرستين في البحث الاتي.
    الفروق بين المدرستين.
    تـرى مدرسة الخلفاء: ان اللّه ورسوله تركا المسلمين هملا بعد وفاة الرسول (ص ), فانتخبوا من بـيـنـهم الصحابي ابا بكر خليفة لهم وبايعوه , فاصبح ذلك حاكما على المسلمين تجب عليهم طاعته , وانه استمر الامر كذلك الى عهد الامويين والعباسيين والى آخر العثمانى ين ((155)) .
    وترى مدرسة اهل البيت (ع ) ان اللّه تعالى يعين بعد الرسل (ع ) اوصياء يحافظون على شريعتهم , كـمـا كان شان شيث وصي آدم من بعده , وسام بعد نوح , واليسع بعد موسى , وان اوصياء خاتم الرسل (ص ) اثنا عشر, وهم ائمة المسلمين من بعده , اولهم علي بن ابي طاب (ع ) وآخرهم المهدي (عج ), ابـن الـحسن العسكري (ع ) (ت 260 ه), وان الرسول (ص ) بلغ المسلمين ذلك من قبل اللّه كما بـلـغـهم سائر احكام الاسلام وعقائده ((156)) , وان اولئك الاوصياء بعد الرسول (ص ) حفظوا سنته وبيانه لتفسير كتاب اللّه من التبديل والتحرف والكتمان وبلغوهما للناس جيلا بعد جيل .
    وبـالاضـافـة الى ما ذكرنا, تختلف المدرستان في الاعتماد على الوسائط الى الرسول (ص ) لاخذ سـنـته , وذلك ان مدرسة الخلفاء تقول بعدالة جميع الصحابة , ولا يتطرق الشك عندهم في عدالة اي فرد منهم , ولذلك فانهم ياخذون سنة الرسول (ص ) من اي فرد وصف عندهم بانه صحابي .
    لـسـت ادري كـيف يكون كل الصحابة عدولا, وان اللّه سبحانه يقول في سورة التوبة (ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم ) (الاية 101).
    وان الذين اخبر اللّه بنفاقهم وان الرسول (ص ) لايعلم نفاقهم , كانوا من الصحابة من اهل المدينة .
    وكيف يكون كل الصحابة عدولا والرسول (ص ) يقول لهم (لاترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) ((157)) .
    فان الذين خاطبهم الرسول (ص ) بهذا القول كانوا ممن يعاشرونه من الصحابة .
    لست ادري كيف يكون كل الصحابة عدولا وقد قال الرسول (ص ):
    (انه يجاء برجال من امتي , فيؤخذ بهم ذات الشمال , فاقول يا رب اصيحابي .
    فيقال انك لاتدري ما احدثوا بعدك .
    فاقول كما قال العبد الصالح (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم ) (المائدة / 117).
    فيقال ان هؤلاء لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم ) ((158)) .
    وفي رواية.
    (لـيـردن عـلي ناس من اصحابي الحوض حتى اذا عرفتهم اختلجوا دوني , فاقول اصحابي فيقول لاتدري ما احدثوا بعدك ) ((159)) .
    وفي صحيح مسلم.
    (ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني حتى اذا رايتهم رفعوا الي اختلجوا دوني , فلاءقولن: اي رب اصيحابي فليقالن لي انك لاتدري ما احدثوا بعدك ) ((160)) .
    والـيـكم موردين من مصاديق احاديث الرسول (ص ) او بالاحرى صدق تنبئه عن الحوادث الكائنة بعده.
    المورد الاول ـ قتل الصحابي ابي الغادية الصحابي عمار بن ياسر (ت 37 ه), واليكم خبر ذلك.
    جاء في ترجمة ابي الغادية في اسد الغابة.
    [ابـو الـغـادية الجهني بايع النبي (ص ) سكن الشام , قال ابو الغادية خطبنا رسول اللّه (ص ) غداة الـعقبة فقال (الا ان دماءكم واموالكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا, الا هل بلغت ).
    قال نعم .
    وكـان من شيعة عثمان (رض ) وهو قاتل عمار بن ياسر وكان اذا استاذن على معاوية (ت 60 ه) وغيره يقول قاتل عمار بالباب , وكان يصف قتله لعمار اذا سئل عنه كانه لايبالي به .
    وفـي قصته عجب عند اهل العلم روى عن النبي (ص ) النهي عن القتل , ثم يقتل مثل عمار واللّه لو ان عمارا قتله اهل الارض لدخلوا النار] ((161)) .
    اما عمار فاليكم ترجمته.
    [ابـو الـيقظان , عمار بن ياسر المذحجي العنسي, وهو من السابقين الاولين الى الاسلام , وهو حليف بني مخزوم , وامه سمية وهي اول من استشهد في سبيل اللّه عز وجل (عام 7 ه), وهو وابوه وامه من السابقين .
    اسـلم عمار ورسول اللّه (ص ) في دار الارقم (ت 55 ه) هو وصهيب بن سنان (ت 38 ه) في وقت واحد قال عمار: (لقيت صهيب بن سنان على باب دار الارقم ورسول اللّه (ص ) فيها, فقلت ما تـريـد؟ فقال وما تريد انت ؟ فقلت اردت ان ادخل على محمد (ص ) واسم كلامه فقال وانا اريد ذلك , فدخلنا عليه فعرض علينا الاسلام فاسلمنا).
    اخذه المشركون فعذبوه فلم يتركوه حتى سب النبي (ص ) وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه , فلما اتى الرسول (ص ) قال (ما وراءك ؟).
    قال شر يا رسول اللّه , ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال (كيف تجد قلبك ؟), قال مطمئنا بالايمان , قال (فان عادوا لك فعد لهم ).
    وكان رسول اللّه (ص ) مر بعمار وامه وابيه وهم يعذبون بالابطح في رمضاء مكة , فقال (صبرا آل ياسر مـر رسـول اللّه (ص ) بـعمار بن ياسر وهو يبكي ويدلك عينيه , فقال رسول اللّه (ص ): (ما لك ؟ اخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت كذا وكذا؟ فان عادوا لك فقل كما قلت ).
    شهد بدرا واحدا وغيرهما, وقال النبي (ص ) فيه (من عادى عمارا عاداه اللّه , ومن ابغض عمارا ابغضه اللّه ).
    وجاء عمار يستاذن النبي (ص ) فقال (ائذنوا له وقال له (ص ): (ابشر يا عمار قدم رسول اللّه (ص ) المدينة اول ما قدمها ضحى فقال عمار: ما لرسول اللّه بد من ان نجعل له مكانا اذا اسـتظل من قائلته ليستظل فيه ويصلي فيه فجمع حجارة فبنى مسجد قباء, فهو اول مسجد بني وعمار بناه .
    وشـهـد عمار قتال مسيلمة (ت 12 ه) فشوهد يوم اليمامة على صخرة قد اشرف يصيح يا معشر المسلمين يقاتل اشد القتال .
    شهد مع علي (ع ) الجمل وصفين , فكان لاياخذ في ناحية ولا واد من اودية صفين الا رايت اصحاب النبي (ص ) يتبعونه كانه علم لهم .
    وقال لهاشم بن عتبة بن ابي وقاص (ت 37 ه): يا هاشم القى الاحبة , محمدا وحزبه .
    وقـال في يوم صفين ائتوني بشربة , فاتي بشربة لبن فقال ان رسول اللّه (ص ) قال (آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن ), وشربها ثم قاتل حتى قتل وكان عمره يومئذ اربعا وتسعين سنة وقيل ثلاثا وتسعين وقيل احدى وتسعين .
    شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لايسل سيفا, وشهد صفين ولم يقاتل وقال لا اقاتل حتى يقتل عمار فـانـظـر من يقتله , فاني سمعت رسول اللّه (ص ) يقول (تقتله الفئة الباغية ), فلما قتل عمار, قال خزيمة ظهرت لي الضلالة , ثم تقدم ف اتل حتى قتل (سنة 37 ه).

  7. #7

    افتراضي

    ولـمـا قتل عمار قال (ادفنوني في ثيابي فاني مخاصم ) قتله ابو الغادية الجهني, طعنه فسقط, فلما وقـع اكب عليه آخر فاحتز راسه , فاقبلا يختصمان كل منهما يقول انا قتلته فقال عمرو بن العاص (ت 43 هـ): واللّه ان يـخـتـصمان الا في النار, والل لوددت اني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة ودفنه علي في ثيابه ولم يغسله ] ((162)) .
    لـسـت ادري كـيـف يكون الصحابي ابو الغادية عادلا يصح اخذ حديث الرسول (ص ) منه بعد قتله الصحابي البر حبيب رسول اللّه (ص ),.
    عمار بن ياسر؟ لست ادري المورد الثاني خبر معاوية وعلي كالاتي بيانه.
    ا ـ الصحابي الشهير خليفة المسلمين معاوية بن ابي سفيان .
    ب ـ الصحابي الوصي ابن عم الرسول وزوج ابنته وخليفة المسلمين علي ابن ابي طالب (ع ).
    شـارك مـعاوية (ت 60 ه) قومه في حربهم لرسول اللّه (ص ) في بدر وتحت راية ابيه في احد والـخـنـدق , واسـلم بعد فتح مكة واعطاه الرسول (ص ) من غنائم حنين سهم المؤلفة قلوبهم على الاسلام ((163)) , وسكن المدينة في عصر الرسول (ص ) زهاء سنة ونصف السنة .
    وعـنـدما جهز الخليفة ابو بكر في سنة 13 ه جيشا لفتح بلاد الشام وولى عليه يزيد بن ابي سفيان (ت 18 ه), سار معاوية في ركاب .
    اخـيـه , ولما توفي اخوه في طاعون عمواس سنة 18 ه, ولاه الخليفة عمر (ت 23ه) على جند اخيه , وعندما استخلف عثمان , عزل سائر الولاة عن تلك البلاد وجمعها لمعاوية .
    ولـمـا قـامت الفتنة ضد عثمان استنصره واستمد منه , فارسل جيشا من الشام واوصى امير الجيش وقـال لـه (اذا بـلغت ذا خشب ((164)) , انزل جيشك هناك ولا تتعداه ولا تقل يرى الحاضر ما لايرى الغائب , فانا الحاضر وانت الغائب ), فبقي هناك حتى قتل عثمان , فاسترجعهم معاوية الى الشام , فـلـمـا بايع المسلمون الامام عليا (ع ) طلب معاوية منه امارة الشام ومصر طعمة ليبايعه , فابى عليه الامام علي (ع ) فاشهر في بلاد الشام ان الامام عليا (ع ) قتل عثمان , وحرضهم على الطلب بدمه من الامام علي (ع ), واستوثق له ذلك بعد حرب الج ل ((165)) .
    اشرنا الى هنا الى سيرة معاوية حتى عهد بيعة الامام علي (ع ), واوردنا تفصيل سيرته وما ورد من الرسول (ص ) في حقه في فصل (مع معاوية ) من كتابنا (احاديث ام المؤمنين عائشة ).
    كان ذلكم شان معاوية .
    امـا الامام علي (ع ) فقد اخذه الرسول (ص ) الى بيته وهو طفل صغير كما وصف ذلك الامام بنفسه وقال ما موجزه.
    (وضعني في حجره وانا ولد, يضمني الى صدره , ويكنفني في فراشه , ويمسني جسده , يرفع لي كل يـوم مـن اخـلاقـه عـلما ويامرني بالاقتداء به , ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فاراه ولا يراه غ يـري , ولـقـد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه فقال هذا الشيطان ايس من عبادته , ولم يـجـمـع بـيـت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول اللّه (ص ) وخديجة (ت 10 من البعثة ) وانا ثالثهما) ((166)) .
    كـان ذلـكـم شانه مع رسول اللّه (ص ) حتى هاجروا الى المدينة ومواقفه في بدر واحد والخندق وغيرها معروفة كان

    يقاتل فيها جيش قريش الذي فيه معاوية .
    امـا تـعلمه من الرسول (ص ) فقد كان الرسول (ص ) يملي عليه كل ما ينزل عليه من وحي ويكتب الامام في كتاب مدرج من الجلد طوله ستون ذراعا واسمه الجامعة ((167)) .
    واستمر ذلك بينهما حتى آخر ساعة من حياة الرسول (ص ) كما روت ذلك ام سلمة وقالت (فاكب عليه ـعلى علي ـ رسول اللّه (ص ) وجعل يساره ويناجيه ثم قبض من يومه ذلك فكان اقرب الناس به عهدا) ((168)) .
    وبعد وفاة الرسول (ص ) جلس الوصي في البيت ثلاثة ايام كما وصاه الرسول (ص ) حتى اكمل جمع القرآن الذي كان في بيت الرسول (ص ) والذي كان قد كتب بامر من الرسول (ص ) ((169)) .
    كـان هذا بعض شان الوصي مع النبي (ص ), وعندما بويع بالخلافة بعد عثمان وجهز معاوية جيشا لقتاله باسم الطلب بدم عثمان والتقوا.
    بـصفين في ربيع الاول سنة 36 ه وقتل من اهل الشام خمسة واربعون الفا ومن اهل العراق خمسة وعـشـرون الـفـا وبـان الانكسار في جيش معاوية , اشار عليهم عمرو بن العاص برفع المصاحف يـدعـون الـى الـرجوع اليها, فانخدع جيش العراق واجبروا الوصي على قبول التحكيم وان يكون الحكم ابا موسى الاشعري (ت 44 ه).
    ولـمـا عـيـن مـعاوية عمرو بن العاص واجتمعا للتحكيم , خدع عمرو ابا موسى فتقدم وخلع عليا ومعاوية , وتقدم عمرو بعده فنصب معاوية للخلافة وخلع عليا, فاستتب الامر لمعاوية في الشام سنة 37 هـ ((170)) فاخذ يبعث الغارات على المسلمين الذين كانوا تحت حكم الوصي (ع , وكان ممن ارسـل فـي تـلكم الغارات الصحابيين نعمان بن بشير الانصاري (ت 66 ه) وعبداللّه ابن مسعدة الفزاري , وكذلك سفيان بن عوف الغامدي في ستة آلاف رجل , وقال له في ما اوصاه فاقتل من لقيته مـمـن لـيـس هـو عـلـى رايـك , واخـرب كـل ما مررت به من القرى واحرب ال موال فان حرب الاموال ((171)) شبيه بالقتل وهو اوجع للقلب .
    فـقـصـد الى الانبار ((172)) , وقتل رجالا ونساء فبلغ ذلك الوصي , فخطب اهل الكوفة وقال في خطبته.
    (هـذا اخـو غامد قد جاء الانبار فقتل عاملها وقتل رجالا كثيرا ونساء واللّه لقد بلغني انه كان ياتي الـمراة المسلمة والاخرى المعاهدة فينزعها حجلها ورعاثها فلو ان امرا مسلما مات دون هذا اسفا لم يكن عليه ملوما).
    وارسـل مـعاوية , الصحابي بسر بن ابي ارطاة في ثلاثة آلاف وقال له ( فاطرد الناس , واخف من مررت به , وانهب اموال كل من اصبت له مالا ممن لم يكن له دخل في طاعتنا).
    وامـرهـم ان يـسيروا في البلاد فيقتلوا كل من وجدوه من شيعة علي , ولا يكفوا ايديهم عن النساء والصبيان .
    وفـي روايـة ابـن عساكر: ليستعرض الناس فيقتل من كان في طاعة علي فسار حتى دخل المدينة واخـاف اهـلـهـا وبقية الانصار, وهدم فيها دورا وقتل قوما من بني كعب على مائهم في ما بين مكة والمدينة والقاهم في البئر.
    وفـي مـروج الـذهـب لـلـمـسـعودي (ت 346 ه): قتل بين المسجدين خلقا كثيرا وكذلك قتل بالجرف ((173)) خلقا كثيرا من الابناء ((174)) , ولم يبلغه عن احد يمالئ عليا او يهواه الا قتله .
    وفي الاغاني , لابي فرج الاصفهاني واتى نجران ((175)) فقتل اصهار عبيداللّه ابن العباس (ت 58 هـ) عامل علي على اليمن ـوكان غائباـ ووجد ابنين له صبيين فذبحهما بسر بيده , فقالت امراة له يا هذا ارطـاة ان سلطانا لايقوم الا بقتل الصبي الصغير, والشيخ الكبير, ونزع الرحمة , وعقوق الارحام , لسلطان سوء ((176)) .
    قالوا: فولهت عليهما امهما, وكانت لاتعقل , ولا تصغي الا لمن يخبرها بقتلهما, ولا تزال تنشدهما في المواسم.
    ها من احس بابني اللذين هما ـــــ كالدرتين تشظى عنهما الصدف .
    ها من احس بابني اللذين هما ـــــ قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف .
    ها من احس بابني اللذين هما ـــــ مخ العظام فمخي اليوم مزدهف .
    من ذل والهة حيرى مدلهة ـــــ على صبيين ذلا اذ غدا السلف .
    نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا ـــــ من قولهم ومن الافك الذي اقترفوا.
    احنى على ودجي ابني مرهفة ـــــ من الشفار كذاك الاثم يقترف .
    وفـي الاسـتيعاب , لابن عبدالبر (ت 463 ه) واسد الغابة ((177)) اغار بسر ابن ارطاة (ت 86 ه) على همدان , وقتل , وسبى نساءهم , فكن اول مسلمات سبين في الاسلام , فاقمن في السوق .
    وقتل معاوية , الصحابي حجر بن عدي (ت 51 ه) ومن معه بمرج عذراء, لانهم لم يلعنوا عليا (ع ) ولم يبراوا منه .
    وقتل في سبيل اخذ البيعة لابنه يزيد, الصحابي سعد بن ابي وقاص (ت 55 ه), والصحابي سبط الرسول (ص ) الاكبر الحسن بن علي (ع ).
    ذكرنا من موارد مصاديق ما انبا به الرسول (ص ) اصحابه وقال لهم (لاترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ), قتل الصحابي ابي الغادية الصحابي عمار بن ياسر, وقتل الصحابي معاوية في صـفـيـن مـن قتل , وقتل الصحابي بسر وغيره من ولاته من قتلوا, وقتله الصحابي حجرا ومن معه لامتناعهم عن لعن الصحابي علي (ع ) والتبرؤ منه وقد سن الصحابي معاوية لعن الصحابي علي (ع ) في خطب الجمعة على جميع منابر المسلمين منذ سنة 40 ه, الى سنة 132 ه, واستيلاء بني العباس على الخلافة ما عدا م ة خلافة عمر بن عبدالعزيز (99 ـ 101 ه).
    امـا الاعـتـذار بـان ذلك القتل في صفين كان في سبيل الطلب بدم الخليفة عثمان , فيكشف زيفه قتل عشرات الالوف في غارات الصحابة , المسلمين الذين لم يشهدوا قتل عثمان .
    ويـكشف زيفه ـايضاـ قول معاوية بعد دخوله الكوفة وبعد صلحه مع الامام الحسن (ع ) في خطبته لاهل الكوفة.
    (اني واللّه ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا, انكم تفعلون ذلك , وانما قاتلتكم لاتامر عليكم , وقد اعطاني اللّه ذلك وانتم كارهون ) ((178)) .
    وقال (الا ان كل شي ء اعطيته الحسن فتحت قدمي هاتين ) ((179)) .
    لـم نـورد مـا اوردناه آنفا عن بعض الصحابة لغاية المدح او الذم , بل كانت غايتنا غاية علماء دراية الـحـديـث عندما يذكرون في ترجمة الرواة ما يستدلون به على عدالة الراوي وعدمها, ومن باب الجرح والتعديل , ولنبرهن على عدم صحة القول بعدالة جميع الصحابة ومن هنا ن ات تسمية من اخذ سنة الرسول (ص ) من اي فرد من الصحابة بـ (اهل السنة ).
    ومن الاحاديث التي عدت من سنة الرسول (ص ) وتسالموا على صحتها ما رواها مسلم في صحيحه بـاسـانـيـده وقال قال رسول اللّه (ص ): (يكون بعدي ائمة لايهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي , وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشي طين في جثمان انس ).
    قال , قلت كيف اصنع يا رسول اللّه ان ادركت ذلك ؟.
    قال (تسمع وتطيع للامير, وان ضرب ظهرك واخذ مالك , فاسمع واطع ).
    وروي عن ابن عباس (ت 68 ه) ان رسول اللّه (ص ) قال.
    (من راى من امامه شيئا يكرهه فليصبر, فانه من فارق الجماعة شبرا فمات , مات ميتة جاهلية ).
    وفي اخرى.
    (ليس احد خرج من السلطان شبرا فمات عليه الا مات ميتة جاهلية ).
    وروي عن عبداللّه بن عمر بن الخطاب (ت 73 ه) انه حين كان من امر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية (ت 64 ه) قال سمعت رسول اللّه (ص ) يقول.
    (مـن خـلـع يـدا مـن طاعة لقي اللّه يوم القيامة لا حجة له , ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) ((180)) .
    وتـسـالـم عـلماء مدرسة الخلفاء جيلا بعد جيل على صحتها مثل ما قال النووي (ت 677 ه) في شرحه لصحيح مسلم بباب لزوم طاعة الامراء في غير معصية.
    (وقـال جـمـاهـيـر اهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين لاينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الـحقوق , ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك , بل يجب وعظه وتخويفه للاحاديث الواردة في ذلك )وقال قبله.
    (وامـا الـخـروج عليهم وقتالهم فحرام باجماع المسلمين وان كانوا فسقة ظالمين , وقد تظاهرت الاحاديث بمعنى ما ذكرته , واجمع اهل السنة انه لاينعزل السلطان بالفسق ) ((181)) .
    وقال القاضي ابو بكر محمد بن الطيب الباقلاني (ت 403 ه) في كتاب التمهيد ((182)) , في باب ذكر ما يوجب خلع الامام وسقوط فرض طاعته ماملخصه.
    [قـال الـجـمـهور من اهل الاثبات واصحاب الحديث لاينخلع الامام بفسقه وظلمه بغصب الاموال , وضـرب الابشار, وتناول النفوس المحرمة , وتضييع الحقوق , وتعطيل الحدود, ولا يجب الخروج عـلـيـه , بـل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شي ء مما يدعو اليه من معاصي اللّه واحتجوا في ذلك باخبار كثيرة متظافرة عن النبي (ص ) وعن الصحابة في وجوب طاعة الائمة وان جاروا واستاثروا بالاموال , انه قال (ع ): (اسمعوا واطيعوا ولو لعبد اجدع , ولو لعبد حبشي, وصلوا وراء كل بر وفاجر).
    وروي انه قال (اطعهم وان اكلوا مالك , وضربوا ظهرك )].
    وفـي مـقـابـل تلكم الروايات عن اولئكم الصحابة , وتلكم الاقوال عن اولئك العلماء, نجد الصحابي السبط الشهيد الحسين بن علي (ع ) يروي عن جده الرسول (ص ) انه قال.
    (من راى سلطانا جائرا, مستحلا لحرم اللّه , ناكثا لعهد اللّه , مخالفا لسنة رسول اللّه (ص ) يعمل في عـبـاده بـالاثم والعدوان , فلم يغير عليه بفعل ولا قول , كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله , الا وان هـؤلاء قـد لـزمـوا طاعة الشيطان , وتركوا طاعة الرحمن , واظهروا الفساد, وعطلوا الحدود, واستاثروا بالفي ء, واحلوا حرام اللّه وحرموا حلاله , وانا احق من غير) ((183)) .

    : مصطلحات الفقه
    ـ الفقه . ـ الاجتهاد.
    ـ السنة .
    ـ البدعة .
    ـ الزكاة .
    ـ الصدقة .
    وقـال رسول اللّه (ص ): (نضر اللّه عبدا سمع مقالتي هذه فبلغها, فرب حامل فقه غير فقيه , ورب حامل فقه الى من هو افقه منه ) ((184)) .
    وروي انه قال (فقيه اشد على الشيطان من الف عابد) ((185)) .
    و(من فقه في دين اللّه ونفعه ما بعثني اللّه به , فعلم وعلم ) ((186)) .
    و(خياركم احاسنكم اخلاقا اذا فقهوا) ((187)) .
    و(خيارهم في الجاهلية , خيارهم في الاسلام اذا فقهوا) ((188)) .
    و(خصلتان لا تجتمعان في منافق حسن سمت ولا فقه في الدين ) ((189)) .
    و(من يرد اللّه به خيرا يفقهه في الدين ) ((190)) .
    و(ان رجـالا يـاتـونـكـم مـن اقـطـار الارضـيـن يـتفقهون في الدين , فاذا اتوكم فاستوصوا بهم خيرا) ((191)) .
    وانه دعا لابن عباس وقال (اللّه م فقهه في الدين ) ((192)) .
    وورد في محاورات اهل البيت والصحابة بعد رسول اللّه.
    قـول الامام علي (الا اخبركم بالفقيه حق الفقيه ؟ قالوا بلى يا اميرالمؤمنين , قال من لم يقنط الناس من رحمة اللّه , ولم يؤمنهم من عذاب اللّه , ولم يرخص لهم في معاصي اللّه ) ((193)) .
    وقـال يـحـيـى بـن سـعـيـد الانـصـاري (مـا ادركـت فقهاء ارضنا الا يسلمون في كل اثنين من النهار) ((194)) .
    وقال عمر: (تفقهوا قبل ان تسودوا) ((195)) .
    (فـمـن سـوده قـومـه عـلـى فقه كان حياة له ولهم , ومن سوده قومه على غير فقه كان هلاكا له ولهم ) ((196)) .
    وقال ابن عبدالرحمن في وصف ابن عباس (انه قارئ لكتاب اللّه , فقيه في دين اللّه ) ((197)) .
    وفـي باب اختلاف الفقهاء من سنن الدارمي (كتب عمر بن عبدالعزيز الى الافاق ليقض كل قوم بما اجتمع عليه فقهاؤهم ) ((198)) .
    وفـيـه ايضا: (واذا جلسوا العشاء ـ الاخرة ـ جلسوا في الفقه ) ((199)) , (ولا باس بالسمر في الفقه ) ((200)) , (وكانوا يتجالسون بالليل ويذكرون الفقه ) ((201)) .
    وفـي صحيح البخاري باب السمر في الفقه ((202)) وقال الشعبي (لما قدم عدي بن حاتم الكوفة اتيناه في نفر من فقهاء اهل الكوفة ) ((203)) .
    وعن عمران المنقري قال قلت للحسن يوما في شي ء قاله (يا ابا سعيد ليس هكذا يقول الفقهاء ويـحـك ورايت انت فقيها قط, انما الفقيه الزاهد في الدنيا, الراغب في الاخرة , البصير بامر دينه , المداوم على عبادة ربه ) ((204)) .
    هذا بعض ما ورد في كتب حديث مدرسة الخلفاء, وورد في كتب حديث مدرسة اهل البيت.
    ا ـ عـن رسول اللّه (ص ): (الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا) ((205)) , (من حفظ على امـتـي اربـعـيـن حـديـثـا مـن امـر ديـنـها ينتفعون بها في امر دينهم , بعثه اللّه يوم القيامة فقيها عالما) ((206)) .
    ب ـ فـي نـهـج البلاغة من كلام الامام علي (من اتجر بغير فقه فقد ارتطم في الربا) ((207)) , (وربيعا لقلوب الفقهاء) ((208)) , (وتفقه في .
    الدين ) ((209)) .
    ج ـ وعـن الامـام الـصـادق (لـيـت الـسـيـاط عـلـى رؤوس اصـحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام ) ((210)) , (لا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا) ((211)) .
    وقـوله (من كان من الفقهاء صائنا لنفسه , حافظا لدينه , مخالفا على هواه , مطيعا لامر مولاه , فللعوام ان يقلدوه ) ((212)) .
    كـان هـذا مـدلـول الـفـقه والفقيه في الكتاب والسنة ثم اختص لدى علماء مدرسة اهل البيت بالعلم بالاحكام الشرعية عن ادلتها التفصيلية .
    قـال جـمـال الـدين الحسن بن زين الدين (ت 1011 هـ) في كتابه , معالم الدين , المشهور بـ(معالم الاصول ):
    الفقه في اللغة الفهم .
    وفي الاصطلاح (هو العلم بالاحكام الشرعية الفرعية عن ادلتها التفصيلية ) ((213)) .
    يقصد بالاصطلاح , اصطلاح علماء مدرسة اهل البيت (ع ).

    : الاجتهـاد
    اولا ـ الاجتهاد في اللغة. قال ابن الاثير: (الاجتهاد بذل الجهد في طلب الامر, وهو افتعال من الجهد الطاقة ) ((214)) .
    وفي هذا المعنى , استعمل على عهد الرسول واصحابه الى آخر القرن الاول .
    فقد ورد عن رسول اللّه.
    ا ـ اما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن ان يستجاب لكم ((215)) .
    ب ـ صلوا علي واجتهدوا في الدعاء ((216)) .
    ج ـ فضل العالم على المجتهد مائة درجة ((217)) , اي المجتهد في العبادة .
    وعن محمد القرظي (كان في بني اسرائيل رجل فقيه عالم , عابد مجتهد) ((218)) .
    وعـن عـائشـة (كـان رسول اللّه يجتهد في العشر الاواخر ما لا يجتهد في غيره ((219)) اي يجتهد في العبادة ).
    وفـي حـديـث طلحة عن رجلين على عهد رسول اللّه (كان احدهما اشد اجتهادا من الاخر, فغزا المجتهد منهما فاستشهد) ((220)) .
    وعن ابي سعيد: (كان رسول اللّه (ص ) اذا حلف واجتهد في اليمين , قال ) ((221)) .
    وفي خبر عبداللّه بن ابي في غزوة المصطلق (فاجتهد بيمينه ما فعل ) ((222)) .
    وفي سؤال الصحابية ام حارثة عن شان ابنها حارثة من رسول اللّه (ص ): ان كان في الجنة , صبرت وان كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ((223)) .
    نعرف من هذه الموارد والكثرة الكاثرة من نظائرها, انه كان المتبادر من الاجتهاد في القرن الاول , هـو بذل الجهد, ثم تطور مدلول الاجتهاد لدى المسلمين , واصبح يدل في اصطلاحهم على استنباط الاحكام الشرعية من ادلتها التفصيلية .
    ثانيا ـ الاجتهاد في اصطلاح المسلمين.
    قال الغزالي في تعريف الاجتهاد: (هو عبارة عن بذل المجهود واستفراغ الوسع في فعل من الافعال ولا يـسـتـعـمل الا في ما فيه كلفة وجهد لكن صار اللفظ في عرف العلماء مخصوصا ببذل المجتهد وسعه في طلب العلم باحكام الشريعة ) ((224)) .
    وقـال الـدهلوي (حقيقة الاجتهاد استفراغ الجهد في ادراك الاحكام الشرعية من ادلتها التفصيلية الراجعة كلياتها الى اربعة اقسام.
    الكتاب والسنة والاجماع والقياس ) ((225)) .
    وكذلك عرف محمد امين ادلة الاحكام في كتاب تيسير التحرير ((226)) .
    كان هذا لدى اتباع مدرسة الخلفاء, وقد شاع هذا الاصطلاح لدى علماء مدرسة اهل البيت بعد القرن الـخـامس كما ورد في كتاب مبادئ الوصول للعلامة الحلي (ت726 هـ) في الفصل الثاني عشر, البحث الاول في الاجتهاد ما ملخصه.
    (الاجـتـهـاد: هو استفراغ الوسع في النظر في ما هو من المسائل الظنية الشرعية , على وجه لا زيادة فيه .
    ولا يـصح في حق النبي (ص ) لقوله تعالى (وما ينطق عن الهـوى ) (النجم 4) ولان الاجتهاد انما يـفـيد الظن , وهو (ع ) قادر على تلقيه من الوحي ولانه كان يتوقف في كثير من الاحكام حتى يرد الوحي ولو ساغ له الاجتهاد لصار اليه .
    ولانه لو جاز له , لجاز لجبرائيل (ع ).
    وذلك يسد باب الجزم , بان الشرع الذي جاء به محمد (ع ) من اللّه تعالى .
    ولان الاجتهاد قد يخطئ وقد يصيب , فلا يجوز تعبده (ع ) به لانه يرفع الثقة بقوله .
    وكذلك لا يجوز لاحد من الائمة (ع ) الاجتهاد عندنا, لانهم معصومون , وانما اخذوا الاحكام بتعليم الرسول (ع ), واما العلماء فيجوز لهم الاجتهاد, باستنباط الاحكام من العمومات , في القرآن والسنة , وبترجيح الادلة المتعارضة .
    اما باخذ الحكم من القياس والاستحسان فلا) ((227)) .
    ونـرى ان عـلـمـاء مـدرسة اهل البيت (ع ) حين استعملوا مصطلح الاجتهاد والمجتهد لم يتركوا اصطلاح الفقه والفقيه بل جمعوا بين الاصطلاحين كما فعل ذلك جمال الدين صاحب المعالم فانه قال في اول كتابه كما مر علينا:
    (الفقه في اللغة الفهم .
    وفي الاصطلاح هو العلم بالاحكام الشرعية الفرعية عن ادلتها التفصيلية ).
    وعقد بعد ذلك فصلا لتعريف الاجتهاد وقال في فصل آخر:
    (الاجـتهاد في اللغة تحمل الجهد واما في الاصطلاح فهو استفراغ الفقيه وسعه في تحصيل الظن بحكم شرعي ) ((228)) .

    : السـنة
    ا ـ في اللغة. السيرة .
    ب ـ في المصطلح الاسلامي.
    سنة الرسول في المصطلح الاسلامي حديثه وسيرته وتقريره .
    وتـقريره ان يرى رسول اللّه (ص ) عملا من مسلم ولا ينهاه عن ذلك , فانه قد اقر بسكوته صحة ذلك الفعل .
    امـا مـا اسـتحدث في الدين من امر ولم يؤخذ من الكتاب والسنة فهو بدعة كما سندرسه في البحث الاتي باذنه تعالى .

    : البـدعة .
    الـبـدعـة احـداث امـر فـي الـشريعة , لم يرد فيها نص, سواء اكانت اصلها مبتدعة او خصوصيتها مبتدعة ((229)) .
    والـمـقصود من النص , نص من القرآن الكريم وسنة الرسول (ص ) من حديث او عمل او تقرير, وتـقرير الرسول (ص ) ان يرى الرسول (ص ) مسلما يعمل عملا ولا ينهاه (ص ) عن ذلك العمل , عندئذ يعد ذلك العمل مما اقر الرسول (ص ) فعله .
    قـال رسـول اللّه (ص ): (ان افـضـل الـهـدي هـدي مـحـمد, وشر الامور محدثاتها, وكل بدعة ضلالة ) ((230)) .
    وقـال (ص ): (مـن احـيـى سنة من سنتي فعمل بها الناس كان له مثل اجر من عمل بها لا ينقص من اجورهم شيئا, ومن ابتدع بدعة فعمل بها, كان عليه اوزار من عمل بها لا ينقص من اوزار من عمل بها شيئا) ((231)) .

    : الزكـاة
    الـزكـاة في اللغة الطهارة والنماء والبركة والمدح ((232)) مثل قوله تعالى (ايها ازكى طعاما) (الكهف / 19) اي اطهر, وما روي عن الامام الباقر (ع ) انه قال (زكاة الارض يبسها) ((233)) اي طـهارتها يبسها وقول الامام علي (ع ): (العلم يزكو على الانفاق ) ((234)) اي ي مو, وقولهم (زكا الزرع ) ((235)) اذا حصل منه نمو وبركة , وقوله تعالى (الذين يزكون انفسهم ) (النساء / 49) اي يـمـدحونها وفي الشرع ما يخرجه الانسان من حق اللّه تعالى الى مستحقيه , وتسميته بذلك لما يكون فيها رجاء البركة او لتزكية النفس اي تنميتها باخيرات والبركات او لهما جميعا فان الخيرين موجودان فيها ((236)) .
    وزكى ادى زكاة ماله .
    هذا ملخص ما ذكره اهل اللغة في بيان معنى الزكاة ((237)) .

    : الصـدقة .
    قال الراغب في مفرداته (الصدقة ما يخرجه الانسان من ماله على وجه القربة كالزكاة لكن الصدقة تقال في الاصل للمتطوع به , والزكاة للواجب ) ((238)) .
    وقـال الـطـبـرسـي فـي مجمع البيان (الفرق بين الصدقة والزكاة ان الزكاة لا تكون الا فرضا, والصدقة قد تكون فرضا وقد تكون نفلا) ((239)) .
    ومـن ثـم نـرى ان الـزكاة لوحظ فيها معنى الوجوب وقصد منها حق اللّه في المال , كما لوحظ في الـصـدقة التطوع اي اعطاء المال قربة الى اللّه تعالى وقد تلحظ فيها الرحمة على المعطى له مثل قول اخوة يوسف له (وتصدق علينا) (يوسف / 88).



    وبـمـا ان الزكاة لوحظ فيها الوجوب اي حق اللّه في المال نرى انها تشمل انواع الصدقات الواجبة والخمس الواجب وغيرهما من كل ما كتب اللّه على الانسان في المال .
    ويشهد لهذا ما جاء في كتاب رسول اللّه (ص ) لملوك حمير: (وآتيتم الزكاة من المغانم خمس اللّه وسهم النبي وصفيه وما كتب اللّه على المؤمنين من الصدقة ) ((240)) .
    فان لفظ (من ) بعد الزكاة لبيان انواع الزكاة المذكورة بعدها وهي :
    ا ـ من المغانم خمس اللّه .
    ب ـ سهم النبي وصفيه .
    ج ـ ما كتب اللّه على المؤمنين من الصدقة اي القسم الواجب من الصدقة .
    وهـكـذا جـعـل الـصدقة الواجبة قسما واحدا من اقسام الزكاة وقد حصر اللّه الصدقة بالمواضع الـثـمـانـيـة المذكورة في قوله تعالى : (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قـلـوبـهـم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السبيل فريضة من اللّه وال ه عليم حكيم ) (الـتوبة / 60), ولم يحصر الزكاة بمورد ما, بل قرنها بالصلاة في خمس وعشرين آية من كتابه الـكـريم ((241)) , وكلما قرنت الزكاة بالصلاة في كلام اللّه وكلام رسوله قصد منها مطلق حق اللّه في المال والذي منه : حقه في ما بلغ النصاب من النقدين والان ام والغلات اي الصدقات الواجبة , ومنه حقه في المغانم اي الخمس , وحقه في غيرهما.
    واذا قـرنت في كلامهما بالخمس , قصد منها الصدقات الواجبة خاصة وكذلك اذا اضيفت في الكلام الى احد موارد اصناف الصدقة مثل (زكاة الغنم ) او (زكاة النقدين ) قصد منها عند ذاك ايضا صدقاتها الـواجبة ويسمى العامل على الصدقة في الحديث والسيرة بالمصدق ((242)) ولايقال (المزكي ) ويقال لمعطي الصدقة : (المتصدق ) ((243)) ولا يقال المزكي او المتزكي , و(الصدقة ) هي التي حرمت على بني هاشم ((244)) وليست الزكاة , ولم ينتبه مسلم الى هذا وكتب في صحيحه (باب تـحريم الزكاة على رسول اللّه (ص ) وعلى آله ) ((245)) واوردفي الباب ثمانية احاديث تنص على حرمة الصدقة عليهم وليست الزكاة كما قال , وعلى هذا فكل ما جاء في القرآن الكريم من امثال قوله تعالى (واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ((246)) فهو اولا امر باقامة كل ما يسمى صلاة سواء الـيـومـيـة منها او صلاة الايات او غيرهماوثانيا امر باداء حق اللّه في المال سواء حقه في موارد الصدقة الواجبة , او حقه في موارد الخمس او في غيرهما.
    وكـذلـك الـمـقـصـود فـي مـا روي عـن رسـول اللّه انه قال : (اذا اديت زكاة مالك فقد قضيت ما عـلـيـك ) ((247)) اي انك اذا اديت حق اللّه في مالك اي جميع حقوق اللّه في المال فقد قضيت ما عليك , وكذلك ما روي عنه انه قال (من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول الحول ) ((248)) اي لا حـق للّه فـي ماله وجاء في احاديث ائمة اهل البيت : (وحق في الاموال الزكاة ) ((249)) ولعل سبب خفاء ذلك على الناس , ان الخلفاء لما اسقطوا الخمس بعد رسول اللّه ولم يبق مصداق للزكاة في ما يعمل به غير الصدقات , نسي الخمس تدرجا, ولم يتبادر الى الذهن من الزكاة في العصور الاخيرة غير الصدقات
    الفـي ء.
    الفي ء في اللغة : الرجوع ومنه ما يقال الفي ء لرجوع الظل بعد زوال الشمس . وفـي الـشرع كما في لسان العرب : (ما حصل من اموال الكفار من غير حرب ) و(ما رد اللّه تعالى على اهل دينه من اموال من خالف اهل دينه بلا قتال , اما بان يجلوا عن اوطانهم ويخلوها للمسلمين او يصالحوا على جزية يفتدون بها من سفك دمائهم , فهذا المال هو الفي ء في كتاب اللّه ) ((250)) .
    وقـولـه تـعـالى في سورة الحشر: (وما افاء اللّه على رسوله من اهل القرى فللّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) (الاية 7).
    هذه الاية وسورة الحشر كلها, نزلت في قصة بني النضير وذلك ان يهود بني النضير, نقضت عهدها مع رسول اللّه , وارادت ان تغدر به وتقتله بالقاء صخرة عليه حين ذهب مع عشرة من اصحابه اليهم , فاخبره الوحي بما بيتوا من نية الغدر فخرج مسرعا كانه يريد حاجة , ومضى الى المدينة فلما ابطا لـحـق به اصحابه فبعث النبي اليهم يخبرهم بغدرهم ويامرهم بالجلاء, فابوا وتحصنوا 15 يوما ثم نـزلـوا على ان لهم ما حملت الابل غير الحلقة اي السلاح فخرجوا على ستمائة بعير وذهبوا الى خـيـبر وغيرها, فجعل اللّه ما خلفوه من سلاح كثير واراض ونخيل لرسول اللّه , فقال عمر: الا تـخمس ما اصبت ؟ (اي تاخذ خمسه وتقسم الباقي على المسلمين ) فقال رسول اللّه (ص ): لااجعل شيئا جعله اللّه لي دون المسلمين بقوله : (ما افاء اللّه على رسوله ) الاية كهيئة ما وقع فيه السهمان للمسلمين .
    وقال الواقدي وغيره :
    انـمـا كان ينفق على اهله من بني النضير, كانت له خالصة , فاعطى من اعطى منها وحبس ما حبس , واستعمل على اموال بني النضير مولاه ابا رافع ((251)) .

    الصـفي .
    الـصـفي ويجمع على الصفايا كان يقال في العصر الجاهلي , لما ياخذه الرئيس من المال المسلوب من الـعدى قبل القسمة وفي الشرع الاسلامي , لما كان لرسول اللّه خالصا دون المسلمين من مال منقول وغير منقول من اراض وعقار, غير سهمه في الخمس ((252)) , يستفاد ما ذكرناه مم ننقله في ما ياتي :
    روى ابو داود بسننه ((253)) عن الخليفة عمر انه قال :
    ا ـ كانت لرسول اللّه ثلاث صفايا: بنو النضير وخيبر وفدك الحديث .
    ب ـ وفي حديث آخر له :
    ان اللّه خص رسول اللّه (ص ) بخاصة لم يخص بها احدا من الناس , فقال (فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن اللّه يسلط رسله على من يشاء واللّه على كل شي ء قدير) (الحشر / 6) وكان اللّه افاء على رسوله بني النضير الحديث .
    ج ـ وقال في حديث آخر بعد ان ذكر الاية الانفة : (هذه لرسول اللّه خاصة قرى عربية فدك وكذا وكذا).
    وروى ابو داود عن الزهري انه قال :
    صالح النبي اهل فدك وقرى وهو محاصر قوما آخرين فارسلوا اليه بالصلح , قال : (فما اوجفتم عليه مـن خـيـل ولا ركـاب ) يـقـول , بـغـير قتال , قال : وكانت بنو النضير للنبي خالصا لم يفتحها عنوة (افتتحوها على صلح ) ويثبت مما ذكرنا ان البحاثة ابن الاثير لم يصب في قوله بمادة (صفا) من نهاية الـلـغة حين قال : الصفي ما كان ياخذه رئيس الجيش ويختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة ويقال له الـصـفية والجمع الصفايا, ومنه حديث عائشة : كانت صفية (رض ) من الصفي , يعني صفية بنت حيي كـانـت مـمـن اصـطـفاه النبي (ص ) من غنيمة خيبر وقد تكررذكره في الحديث اي ذكر الصفي والصفايا.
    وقـال : (وفي حديث علي والعباس انهما دخلا على عمر (رض ) وهما يختصمان في الصوافي التي افـاء اللّه عـلـى رسوله (ص ) من اموال بني النضير, الصوافي : الاملاك والاراضي التي جلا عنها اهـلـها او ماتوا ولا وارث لها واحدها صافية , قال الازهري : يقال للضياع التي يستخلصها الس طان لخاصته : الصوافي ).
    واخـذ مـن الازهري وابن الاثير من جاء بعدهما من اللغويين مثل ابن منظور بمادة (صفا) من لسان العرب .
    وخـلاصـة قولهم : ان الصفي ويجمع على الصفايا يقال : لما يصطفيه الرئيس من غنائم الحرب غير الـمـنـقولة والصافية وتجمع على الصوافي لما يستخلصها السلطان من اراض وضياع ولست ادري كـيـف يـصـح ذلك وقد راينا الخليفة عمر يسمي فدك وخيبر وقرى عربية اخرى بصفايا رسول اللّه ووجـدنـا ابـا داود ((254)) الـمتوفى سنة (275 هـ) يعقد بابا في سننه باسم (باب صفايا رسول اللّه ) يذكر شان تلك القرى التي جاءت في حديث عمر وغير عمر.
    ورايـنـا التقسيم المذكور قد استفيد من الازهري ((255)) المتوفى سنة (370 هـ) اي بعد ما يقارب قرنا من ابي داود, ولعله اخذه من المتعارف في عصره وليس من قبله , وخاصة من القرامطة الذين عاشرهم دهرا وهو في اسرهم واستفاد من محاوراتهم كثيرا.
    وخلاصة القول :
    ان الـصفايا ومفردها الصفي كانت تطلق حتى عصر ابي داود على كل ما كان خالصا لرسول اللّه من اموال وضياع وعقار.

    الانفال
    الانـفـال : جمع النفل , والنقل في اللغة : العطية والهبة , والنفل بالسكون : الزيادة على الواجب , ونفله نـفـلا وتـنـفـيـلا ونـفـلـه وانـفـلـه ايـاه اعطاه نفلا اي زيادة , ومنه : نفله سلب القتيل , ونوافل الصلاة ((256)) .
    واستعمل لفظ الانفال في الشرع الاسلامي لاول مرة بسورة الانفال في قوله تعالى : (ويسالونك عن الانفال ) الاية وشان هذه السورة ان المسلمين خاضوا اول معركة حربية تحت لواء قائدهم الاعظم رسـول اللّه (ص ) في غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة , ولما انتهت امعركة بفوزهم الساحق على قريش اختلفوا في ما ظفروا به من جهة العدى ورجعوا الى رسول اللّه (ص ) في ذلك , فنزلت الايات الكريمة من اول سورة الانفال :
    (يـسـالـونـك عـن الانـفال قل الانفال للّه والرسول فاتقوا اللّه واصلحوا ذات بينكم واطيعوا اللّه ورسوله ان كنتم مؤمنين ) الايات .
    فـي سيرة ابن هشام والطبري وسنن ابي داود ((257)) وغيرها واللفظ للاول : (ان رسول اللّه (ص ) امـر بـمـا في العسكر مما جمع الناس فجمع فاختلف المسلمون فيه , فقال من جمعه : هو لنا, وقـال الذين كانوا يقاتلون العدو ويطلبونه : واللّه لولا نحن ما اصبتموه , لنحن شغلنا عنك القوم حتى اصبتم ما اصبتم , وقال الذين كانوا يحرسون رسول اللّه (ص ) مخافة ان يخالف اليه العدو: واللّه ما انتم باحق به منا, لقد راينا ان نقتل العدو اذ منحنا اللّه اكتافهم , ولقد راينا ان ناخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه , ولكنا خفنا على رسول اللّه () كرة العدو, فقمنا دونه , فما انتم باحق به منا).
    وروى ابـن هشام ـ ايضا ـ عن عبادة بن الصامت انه قال عن سورة الانفال : (فينا اصحاب بدر نزلت حـيـن اخـتـلـفنا في النفل وساءت فيه اخلاقنا, فنزعه اللّه من ايدينا فجعله الى رسول اللّه (ص ) فقسمه بين المسلمين على السواء).
    وروى عـن ابـي اسيد الساعدي قال : اصبت سيف بني عائذ المخزوميين ويسمى المرزبان يوم بدر فلما امر رسول اللّه (ص ) الناس ان يردوا ما في ايديهم من النفل اقبلت حتى القيته في النفل .
    قـال ابـن هشام : ثم اقبل رسول اللّه (ص ) قافلا الى المدينة ومعه الاسارى من المشركين حتى اذا خـرج مـن مـضـيـق الـصفراء نزل على كثيب , فقسم هنالك النفل الذي افاء اللّه على المسلمين من المشركين على السواء

  8. #8

    افتراضي

    ((258)) .
    نـفـهـم من كل ما سبق ان اللّه سبحانه حين استعمل لفظة الانفال في الاية الكريمة قصد منها معناها اللغوي وهو الهبة والعطية , اي ان ما استوليتم عليه من اموال العدى ليس من باب السلب والنهب وفق قواعد الجاهلية لتتملكوه , بل هو عطاء من اللّه , ثم هو للّه ولرس له .
    وعليكم ان تردوه الى رسوله ليعمل فيه وفق رايه .
    ومن هنا نعرف المناسبة في ما استعملت فيه لفظة الانفال باحاديث ائمة اهل البيت , واريد بها: (كل ما اخذ من دار الحرب بغير قتال ,.
    وكـل ارض انـجلى عنها اهلها بغير قتال , وعلى قطائع الملوك اذا كانت في ايديهم من غير غصب , والاجـام وبـطـون الاودية والارضون الموات وما شابهها) ((259)) فانها جميعا عطاء من اللّه , وهبه لرسوله ثم للائمة من بعده وبهذا الاستعمال الاخير اصبحت الانفال في العرف الاسل مي لدى مدرسة ائمة اهل البيت (ع ) اسما لما ذكرناه بين القوسين آنفا.

    الغنيمة والمغنم
    ان الـغـنـيمة والمغنم قد تطور مدلولاهما بعد العصر الجاهلي مرتين : مرة في التشريع الاسلامي , واخـرى لدى المتشرعة (اي بين المسلمين ) حتى اصبح اخيرا مدلولاهما عندهم مساوقين للسلب والنهب والحرب وبيان ذلك ان العرب كانت تقول :
    سلبه سلبا اذا اخذ سلبه وسلب الرجل ثيابه , وما ياخذه القرن من قرنه مما يكون عليه ومعه من لباس وسلاح ودابة وغيرها, والجمع .
    اسلاب .
    وتـقـول : حـربه حربا, اذا سلبه كل ماله وتركه بلا شي ء, وحرب الرجل ماله سلبه فهو محروب وحريب والجمع حربي وحرباء, وحريبته ماله الذي سلب منه , واخذت حريبته اي ماله الذي يعيش به , واحربه : دله على ما يسلبه من عدوه .
    وتـقـول : نـهـبـه ونهبه اذا اخذ ماله قهرا, والنهب والنهبى والنهيبى : اخذ المال قهرا والجمع نهاب ونهوب , والنهب ايضا ضرب من الغارة والسلب , وانهب عرضه وماله اباحه لمن شاء.
    هـكذا فسرت الالفاظ الانفة في معاجم اللغة ((260)) واستعملت في تلكم المعاني ايضا في السيرة والحديث ومن قبل الصحابة كما ياتي في ما يلي :
    في الحديث :
    (من قتل قتيلا فله سلبه ) ((261)) .
    وفـي قـول رسـول اللّه لـلمغني الذي استجازه ان يغني في المدينة (واحللت سلبك نهبة لفتيان اهل المدينة ) ((262)) .
    وفي السيرة :
    لـما اعطى رسول اللّه (ص ) في غزوة حنين كلا من ابي سفيان بن حرب وصفوان بن امية وعيينة بن حصن والاقرع بن حابس مائة من الابل واعطى عباس بن مرداس دونهم قال عباس بن مرداس :
    اتجعل نهبي ونهب العبي ـــــ بين عيينة والاقرع .
    الابيات ((263)) .
    وقالت قريش في قصة بدر: (اخرجوا الى حرائبكم ) ((264)) .
    وفي حديث رسول اللّه : (فان قعدوا قعدوا موتورين محروبين ) ((265)) .
    وفي حديث عمر: (اياكم والدين فان اوله هم وآخره حرب ) ((266)) .
    وفـي تـاريـخ عـصر الصحابة : قال معاوية في وصيته لسفيان بن عوف الغامدي لما بعثه لغزو بلاد الـمسلمين خارج بلاد الشام : (فاقتل من لقيته ممن ليس هو على رايك , واحرب كل ما مررت به من القرى , واحرب الاموال فان حرب الاموال شبيه بالقتل وهو اوجع للقلب ) ((267)) ,.
    يقصد اسلب جميع اموالهم .
    وفـي الـحـديث : ان اصحاب النبي اصابوا غنما فانتهبوها فطبخوها فقال النبي (ص ) (ان النهبى او النهبة لا تصلح ) فاكفاوا القدور ((268)) .
    وفـي غزاة كابل اصاب الناس غنما فانتهبوها فامر عبدالرحمن مناديا ينادي : اني سمعت رسول اللّه يقول : (من انتهب نهبة فليس منا) فردوا هذا الغنم , فردوها فقسمها بالسوية ((269)) .
    كـانـت هذه معاني السلب والنهب والحرب , اما الغنيمة والمغنم فقد قال الراغب والازهري في مادة غـنـم : (الـغـنـم مـعروف والغنم اصابته والظفر به , ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغـيرهم , قال تعالى : (واعلموا ان ما غنمتم من شي ء), (فكلوا مما غنمتم حلالا طى با) والمغنم ما يغنم وجمعه مغانم قال تعالى : (فعند اللّه مغانم كثيرة ) انتهى ((270)) .
    وفـي لـسان العرب وتهذيب اللغة للازهري ونهاية اللغة , وفي معجم الفاظ القرآن الكريم : (الغنم : الظفر بالغنم , ثم استعمل في كل ما يظفر به من جهة العدو وغيرهم غنم كسمع غنما والغنم ما يغنم وجمعه مغانم ).
    (الغنم : الفوز بالشي ء من غير مشقة ).
    (وغنم الشي ء: فاز به والاغتنام انتهاز الغنم ) ((271)) .
    وفـيـه وفـي نـهاية اللغة لابن الاثير بنفس المادة : في الحديث (الرهن لمن رهنه , له غنمه وعليه غرمه ) غنمه : زيادته ونماؤه وفاضل قيمته انتهى .
    وفي صحاح الجوهري : (المغنم والغنيمة بمعنى ) ((272)) .
    وجـاء فـي الحديث من هذه المادة واريد به الفوز بالشي ء في باب ما يقال عند اخراج الزكاة من سنن ابن ماجة عن رسول اللّه (ص ): (اللّه م اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما) ((273)) .
    وفي مسند احمد عن رسول اللّه (ص ): (غنيمة مجالس الذكر الجنة ) ((274)) .
    وفي وصف شهر رمضان : (هو غنم للمؤمن ) ((275)) الى غير هذه الموارد من الحديث وجاء في كتاب اللّه تعالى : (فعند اللّه مغانم كثيرة ) (النساء / 94).
    ويتلخص مما سبق :
    ان العرب كانت تقول في الجاهلية والاسلام : سلبه اذا اخذ ما مع المسلوب وما عليه من ثياب وسلاح ودابـة , وتـقول : حربه اذا اخذ كل ماله , وكانت النهيبة والنهبى عندهم تساوق الغنيمة والمغنم في عصرنا.
    ووجـدنا غنم الشي ء غنما عندهم بمعنى فاز به بلا مشقة , والاغتنام : انتهاز الغنم , والمغنم : ما يغنم وجمعه مغانم وفي الحديث : (له غنمه ) اي نماؤه وفاضل قيمته , وفي وصف شهر رمضان : (هو غنم للمؤمن ), وفي الدعاء عند اداء الزكاة : (اللّه م اجعلها مغنما) و(غنيمة مجال الذكر الجنة ).
    وقـالوا: الغنم في الاصل : الظفر بالغنم ثم استعمل في كل ما ظفر به من جهة العدى وغيرهم وارى شمول الغنم لما ظفر به من جهة العدى وغيرهم صار في العصر الاسلامي لا قبله .
    وذلـك لان المسلمين خاضوا اول معركة حربية تحت لواء رسول اللّه (ص ) في بدر وتنازعوا في الاسلاب بعد انتصارهم وسلب اللّه .
    عنهم ملكية ما استولوا عليه من اموال العدى وجعله للّه ولرسوله وسمـاه بالانفال , وبعد نزول هذا الـحكم في سورة الانفال , كان الغزاة في جميع الغزوات ياتون بكل ما ظفروا به الى القائد ليتصرف فـيـه كما يراه , ولم يكن لاحد منهم ان ينهب شيئا جهارا او يغله سرا فقدحرم رسول اللّه الانتهاب كما رواه ابن ماجة واحمد واللفظ للاول , قال : قال رسول اللّه : (ان النهبة لا تحل ).
    وقال : (من انتهب نهبة فليس منا) ((276)) .
    وفي صحيح البخاري ومسند احمد عن عبادة قال : بايعنا النبي على ان لاننتهب ((277)) .
    وفي صحيح البخاري عن رسول اللّه (ص ): (لاينتهب نهبة ذات شرف وهو مؤمن ) ((278)) .
    وفي سنن ابي داود باب النهي عن النهبى عن رجل من الانصار قال : خرجنا مع رسول اللّه في سفرنا فـاصـاب الـناس حاجة شديدة وجهدوا واصابوا غنما فانتهبوا, فان قدورنا لتغلي اذ جاء رسول اللّه يـمشي على قوسه , فاكفا قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال : (ان النهبة ليست باحل من الميتة ) ((279)) .
    وحـرم اللّه ورسـوله الاغلال قال اللّه سبحانه : (ومن يغلل يات بما غل يوم القيامة ) (آل عمران / 161).
    وفـي حـديـث رسـول اللّه (ص ): (لا نـهـب ولا اغـلال ولا اسـلال ومـن يغلل يات بما غل يوم القيامة ) ((280)) الاغلال : السرقة الخفية , والاسلال : السرقة .
    في هذا الحديث ذكر النهب والاغلال في عداد السرقة .
    وفي حديث آخر قال : (ادوا الخيط والمخيط, فما فوق ذلك فما دون ذلك , فان الغلول عار على اهله يوم القيامة وشنار وعار) ((281)) .
    قال ابن الاثير: الغلول : الخيانة في المغنم , والسرقة من الغنيمة قبل القسمة , والشنار اقبح العيب .
    وعـن عـبـداللّه بن عمرو بن العاص : كان رسول اللّه اذا اصاب غنيمة امر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه ,.
    فـجـاء رجل من ذلك بزمام من شعر, فقال : يا رسول اللّه هذا ما كنا اصبنا من الغنيمة , فقال : (اسمعت بلالا نادى ثلاثا) قال : نعم , قال :
    (ما منعك ان تجي ء به ؟) فاعتذر, فقال : (كن انت تجي ء به يوم القيامة فلن اقبله منك ) ((282)) .
    وفـي بـاب الـغلول من كتاب الجهاد بسنن ابن ماجة : توفي رجل من اشجع بخيبر فقال النبي : (صلوا على صاحبكم ) فانكر الناس ذلك .
    وتغيرت له وجوههم فلما راى ذلك قال : (ان صاحبكم قد غل ) ((283)) .
    وفي باب (ما جاء في الغلول من الشدة ) من كتاب السير بسنن الدارمي عن عمر بن الخطاب قال : قتل نفر يوم خيبر فقالوا: فلان شهيد حتى ذكروا رجلا فقالوا: فلان شهيد, فقال رسول اللّه : (كلا اني رايته في النار في عباءة او في بردة غلها) ((284)) .
    وفـي بـاب الغلول من كتاب الجهاد بسنن ابن ماجة : (كان على ثقل النبي رجل يقال له كركرة فمات فقال النبي : ( وهو في النار) فذهبوا ينظرون فوجدوا عليه كساء او عباءة قد غلها) ((285)) .
    وفـي صـحيحي البخاري ومسلم وسنن ابي داود بلفظ آخر وفي آخر الحديث : فجاء رجل ـ حين سمع ذلك ـ بشراك او بشراكين , فقال رسول اللّه (ص ) (شراك او شراكان من نار) ((286)) .
    واذا كـان الاسـلام قـد منع افراد الجيش من النهب ـاي استملاك المال المظفور به من جهة العدى جـهاراـ حتى ان الرسول اكفا قدور الجائعين الذين كانوا قد نهبوا الاغنام وارمل لحومها ونهى عن الاستيلاء عليه سرا وسمـاه الغلول اي الخيانة , وقال الرسول : (ادوا ال يط والمخيط فما فوق ذلك فما دون ذلك ), ولم يصل على من غل ولم يسم القتيل الذي غل عباءة بشهيد, وبذلك سلب الاسلام عن افراد الجيش الغازي ملكية المال المظفور به من جهة العدى مهما كان , ولو كان شراك نعل , وكيفما كـان , سرا او جهارا, وسمـاه القرآن انفالا, وجعله للّه ولرسوله وليتصرف فيه رسول اللّه كيفما يرى , فماذا فعل رسول اللّه بالمال المظفور به من جهة العدى .
    اعـطى الـرسول في غزواته للراجل ما راى ان يعطيه وللفارس كذلك ((287)) , سواء اكانا ممن استولى على المظفور به او لم يكونا منهم , ورضخ للمراة ((288)) .
    واكـثـر مـن ذلـك انه اعطى لمن لم يشهد الغزاة بالمرة , مثل ما فعل مع عثمان في غزاة بدر, ومع اصـحـاب جعفر في غزاة خيبر, كما في صحيح البخاري ومسندي الطيالسي واحمد وطبقات ابن سـعـد: ان رسـول اللّه خـلـف عـثمان في غزاة بدر على زوجته ابنة رسول اللّه وكانت مريضة , واسهم له في ما اصابوا كواحد ممن حضر الغزوة ((289)) .
    وفـي الصفحة نفسها من صحيح البخاري عن ابي موسى قال : بلغنا مخرج النبي (ص ) ونحن باليمن , فـخـرجـنـا مـهاجرين اليه في بضع وخمسين رجلا من قومي , فركبنا سفينة فالقتنا الى النجاشي بـالـحبشة , ووافقنا جعفر بن ابي طالب واصحابه , فاقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا النبى (ص ) حين افتتح خيبر, فاسهم لنا اصحاب سفينتنا مع جعفر واصحابه وقسم لهم معهم ((290)) .
    وكذلك اعطى النبي المؤلفة قلوبهم في حنين ـكما مر ذكره ـ اضعاف سهم المؤمن المجاهد.
    هـكـذا سـلـب الاسلام ملكية المال المظفور به من جهة العدى ممن ظفر به وجعله للّه ولرسوله , فـتـصرف فيه الرسول وقسمه حسب ما رآه , وصح بهذا الاعتبار ان نقول : ان الذي اصابه سهم من المظفور به سواء من حضر الغزوة او من لم يحضرها, ظفر به بلا مشقة لانه ظفر به من يد رسول اللّه ولـيـس من الغزو, وصح بهذا الاعتبار ان نحسب المظفور به من نوع (الغنيمة والمغنم ) بعدما كـانت الغنيمة والمغنم لدى العرب تدلان على ما ظفر به بلا مشقة من غير جهة العدى , وكان للذي ظـفر به من جهة العدى تسميات اخرى ذكرناها في ما سبق وبهذا الاعت ار نزلت آية (واعلموا ان مـا غـنمتم ) في هذه الغزوة بعد نزول آية الانفال بصدر السورة , او نزلت في غزوة احد, واصبح للغنيمة بعد نزول هذه الاية معنيان :
    1 ـ مـعـنى لغوي : وهو الفوز بالشي ء بلا مشقة , وليس من ضمنه المظفور به من جهة العدى , فان له تسميات خاصة وهي : السلب .
    والنهب والحرب .
    2 ـ مـعـنـى شرعي : وهو (ما ظفر به من جهة العدى وغيرهم ) كما فسره الراغب , وهكذا جعل الاسلام اسلاب الحرب من مصاديق المغنم بعد ان لم تكن من مصاديقه .
    ووجدنا الغنيمة والمغنم مستعملين في الحديث والسيرة , في معناهما اللغوي تارة , كما يستعمل اللفظ فـي مـعـنـاه الحقيقي دونما حاجة الى قرينة كما مر بنا سابقا وتارة في معناهما الشرعي مع وجود قرينة في الكلام , او في حال التخاطب تدل على المعنى الشرعي المقصود.
    هـكذا استعمل اللفظان في المعنيين حتى عصر انتشار الفتوح على عهد الخليفة عمر فما بعد, حيث كـثـر استعمال مشتقات مادة (غنم ) في ما ظفر به من جهة العدى خاصة مع وجود قرائن حالية او مقالية تدل على هذا القصد وعندما جاء اللغويون بعد ذلك , واستقراوا موارد استع ال مادة (غنم ) لدى العرب في عصرهم فما فوق , وجدوها مستعملة كما يلي :
    ا ـ في الفوز بالشي ء بلا مشقة , في العصر الجاهلي وصدر الاسلام لدى العرب عامة .
    ب ـ فـي الـفـوز بالشي ء من جهة العدى وغيرهم , بعد نزول آية الخمس لدى المسلمين خاصة منذ عصر الرسول حتى عصر الصحابة .
    ج ـ فـي مـا ظـفـر به من جهة العدى خاصة , في عصر الفتوح مع قرائن لم ينتبه اليها, ثم استعملت متدرجا الى عصر اللغويين بلا قرينة في المجتمع الاسلامي خاصة , وعندما قام رواد اللغة بتدوينها لم يتنبهوا الى تطور مدلول مادة (غنم ) كما ذكرنا, وانتج ذلك ان بعض م لاحظ استعمالها في المدينة بعد تشريع الخمس مثل الراغب فقال : (استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغيرهم ).
    ولاحـظ ابـن مـنـظـور وغـيره تارة استعمالها في العصر الجاهلي , وقالوا: (غنم الشي ء: فاز به , والاغتنام : انتهاز الغنم ).
    وتـارة اسـتـعـمالها في عصر الفتوح مع قرينة خفيت عليهم وبعدها بلا قرينة , فقالوا: (الغنيمة ما اصيب من اموال اهل الحرب ).
    وتردد صاحب القاموس في (الغنم ) هل هو بمعنى الفوز والفي ء ((291)) كليهما اي انه مشترك بين المعنيين , او ان الغنيمة بمعنى الفي ء وسائر مشتقات المادة بمعنى الفوز بالشي ء ((292)) .
    هكذا خلطوا في تفسير مادة (غنم ), والصواب ان نلاحظ تطور مدلول المادة كما ذكرنا ونقول : ان مادة (غنم ) كانت :
    ا ـ في العصر الجاهلي وصدر الاسلام , في اللغة : حقيقة في الفوز بالشي ء بلا مشقة .
    ب ـ بـعـد نـزول آية الخمس في الشرع : حقيقة في ما ظفر به من جهة العدى وغيرهم , الى جنب حقيقتها اللغوية فانها لم تكن منسية .
    يومذاك .
    ج ـ فـي عـصر تدوين اللغة فما بعد: حقيقة عند المتشرعة ـاي المسلمين ـ في ما ظفر به من جهة العدى خاصة , وذلك ايضا الى جانب حقيقتها اللغوية .
    وعلى هذا فانا اذا وجدنا احدى مشتقات هذه المادة مستعملة في الكلام حتى صدر الاسلام , ينبغي ان نحملها على معناها اللغوي خاصة اي (الفوز بالشي ء بلا مشقة ) وفي غير ما ظفر به من جهة العدى .
    واذا وجـدناها مستعملة بعد تشريع الخمس عند المسلمين او في التشريع الاسلامي , فاما ان تحمل عـلـى معناها اللغوي المذكور واما على معناها الشرعي : (الظفر بالشي ء من جهة العدى وغيرهم ) فانها مشتركة بينهما.
    واذا وجـدنـاها مستعملة عندهم في عصر تدوين اللغة فما بعد, فالارجح حملها على المشهور منها يومذاك عندهم , اعني الظفر بمال العدى خاصة .
    ويـتـضـح مـما ذكرنا انا وجدنا احدى مشتقات هذه المادة مستعملة في الحديث وغيره بعد تشريع الخمس منذ عصر الرسول وحتى عصر.
    الـصـحـابة , فلابد ان نحملها على احد معنيين اما اللغوي (الفوز بالشي ء بلا مشقة ), واما الشرعي (الظفر بالشي ء من جهة العدى وغيرهم ) فينبغي والحالة هذه ان نبحث عند ذاك عن قرينة تدل على المقصود.
    وفي استقرائنا لموارد استعمال هذه الكلمة في ذلك العصر غالبا ما وجدناها مصحوبة بقرينة حالية او مـقـالية تدل على المعنى الشرعي , مع وجود موارد كثيرة استعملت فيها في معناها اللغوي دونما قرينة .

    الخمس
    الخمس في اللغة : اخذ واحد من خمسة , وخمست القوم : اخدت خمس اموالهم . اما معناه الشرعي فينبغي لدركه ان نرجع اولا الى عرف العرب في العصر الجاهلي لمعرفة نظامهم الاجـتـمـاعـي يـومـذاك في هذا الخصوص , ثم نعود الى التشريع الاسلامي لندرس الخمس فيه , وندرس امره بعد ذلك لدى المسلمين بالتفصيل ان شاء اللّه تعالى , فالى دراستهما ف ما يلي :
    اولا: في العصر الجاهلي .
    كـان الرئيس عند العرب ياخذ في الجاهلية ربع الغنيمة , ويقال : ربع القوم يربعهم ربعا اي اخذ ربع امـوالـهـم , وربع الجيش اي اخذ منهم ربع الغنيمة , ويقال للربع الذي ياخذه الرئيس : المرباع وفي الـحـديـث , قـال الـرسـول لـعـدي ابـن حـاتم قبل ان يسلم : (انك لتاكل المرباع وهو لايحل في دينك ) ((293)) وقال الشاعر:
    لك المرباع منها والصفايا ـــــ وحكمك والنشيطة والفضـول .
    الصفايا ما يصطفيه الرئيس , والنشيطة ما اصاب من الغنيمة قبل ان تصير الى مجتمع الحي , والفضول ما عجز ان يقسم لقلته فخص به الرئيس ((294)) .
    وفي النهاية : (ان فلانا قد ارتبع امر القوم , اي انتظر ان يؤمر عليهم , وهو على رباعة قومه اي هو سيدهم ).
    وفي مادة (خمس ) من النهاية : ومنه حديث عدي بن حاتم (ربعت في الجاهلية وخمست في الاسلام ) اي قـدت الـجيش في الحالين , لان الامير في الجاهلية كان ياخذ ربع الغنيمة , وجاء الاسلام فجعله الخمس وجعل له مصاريف انتهى ((295)) .
    ثانيا: في العصر الاسلامي .
    هـذا مـا كـان فـي الجاهلية , اما في الاسلام فقد فرض الخمس في التشريع الاسلامي , وذكر في الكتاب والسنة كما يلي :
    ا ـ الخمس في كتاب اللّه :
    قال اللّه سبحانه : (واعلموا ان ما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه وللرسول ولذي القربى والمساكين وابن السبيل ان كنتم آمنتم باللّه وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان , واللّه على كل شي ء قدير)(الانفال / 41).
    هذه الاية وان كانت قد نزلت في مورد خاص , ولكنها اعلنت حكما عاما وهو وجوب اداء الخمس من اي شـي ء غنموا ـ اي فازوا به ـ لاهل الخمس ولو كانت الاية تقصد وجوب اداء الخمس مما غنموا في الحرب خاصة , لكان ينبغي ان يقول عز اسمه :
    واعلموا ان ما غنمتم في الحرب , او ان ما غنمتم من العدى , لا ان يقول : ان ما غنمتم من شي ء.
    فـي هذا التشريع : جعل الاسلام سهم الرئاسة الخمس بدل الربع في الجاهلية , وقلل مقداره , وكثر اصـحـابـه فـجـعله سهما للّه , وسهما للرسول , وسهما لذوي قربى الرسول , وثلاثة اسهم لليتامى والـمساكين وابن السبيل من فقراء اقرباء الرسول , وجعل الخمس لازما لكل ما غنموا من شي ء عامة ولم يخصصه بما غنموا في الحرب , وسمـاه الخمس مقابل المرباع في الجاهلية .
    ولما كان مفهوم الزكاة مسوقا لحق اللّه في المال ـكما اشرنا اليه في ماسبق ـ فحيث ما جاء في القرآن الـكـريم حث على اداء الزكاة في ما ينوف على ثلاثين آية ((296)) , فهو حث على اداء الصدقات الواجبة والخمس المفروض في كل ما غنمه الانسان , وقد شرح اللّه ف المال في آيتين : آية الصدقة وآية الخمس .
    كان هذا ما استفدناه من كتاب اللّه في شان الخمس .
    ب ـ الخمس في السنة :
    امر الرسول باخراج الخمس من غنائم الحرب ومن غير غنائم الحرب , مثل الركاز كما روى ذلك كل من ابن عباس , وابي هريرة , وجابر, وعبادة ابن الصامت , وانس بن مالك كما يلي :
    وفـي مسند احمد وسنن ابن ماجة ـواللفظ للاول ـ عن ابن عباس قال : (قضى رسول اللّه (ص ) في الركاز الخمس ) ((297)) .
    وفي صحيحي مسلم والبخاري , وسنن ابي داود, والترمذي , وابن ماجة , وموطا مالك , ومسند احمد واللفظ للاول : عن ابي هريرة قال :
    قـال رسول اللّه (ص ): (العجماء جرحها جبار, والمعدن جبار, وفي الركاز الخمس ), وفي بعض الروايات عند احمد: البهيمة عقلها جبار ((298)) .
    وفـي مـسـنـد احمد عن الشعبي عن جابر بن عبداللّه قال : قال رسول اللّه (ص ): (السائمة جبار, والجب جبار, والمعدن جبار, وفي الركاز الخمس ), قال الشعبي : الركاز الكنز العادي ((299)) .
    وفـي مـسـنـد احمد عن عبادة بن الصامت قال : من قضاء رسول اللّه (ص ) ان المعدن جبار, والبئر جبار, والعجماء جرحها جبار, والعجماء البهيمة من الانعام وغيرها والجبار هو الهدر الذي لايغرم , وقضى في الركاز الخمس ((300)) .
    وفي مسند احمد عن انس بن مالك قال : خرجنا مع رسول اللّه (ص ) الى خيبر, فدخل صاحب لنا الى خـربـة يـقـضـي حاجته فتناول لبنة ليستطيب بها فانهارت عليه تبرا فاخذها فاتى بها النبي (ص ) فـاخـبـره بـذلـك , قـال : (زنـهـا), فـوزنـهـا, فـاذا مـائتـا درهم , فقال النبي : (هذا ركاز وفيه اخمس ) ((301)) .
    وفـي مـسـند احمد: ان رجلا من مزينة سال رسول اللّه مسائل جاء فيها: فالكنز نجده في الخرب والارام ؟ فقال رسول اللّه (ص ): (فيه .
    وفي الركاز الخمس ) ((302)) .
    اسـتـعـرضـنا في ما سبق روايات رسول اللّه (ص ) التي امرت بدفع الخمس عن اشياء غير غنائم الحرب , وفي ما يلي نستعرض كتب .
    الرسول (ص ) وعهوده التي ورد فيها امر بدفع الخمس .
    الخمس في كتب الرسول (ص ) وعهوده :
    ا ـ في صحيحي البخاري ومسلم وسنن النسائي ومسند احمد واللفظ للاول : ان وفد عبد القيس لما قالوا لرسول اللّه (ص ): (ان بيننا وبينك المشركين من مضر, وانا لا نصل اليك الا في اشهر حرم , فمرنا بجمل من الامر ان عملنا به دخلنا الجنة , وندعو اليه من وراءنا).
    قال : (آمركم باربع وانهاكم عن اربع , آمركم بالايمان باللّه , وهل تدرون ما الايمان باللّه , شهادة ان لا اله الا اللّه , واقام الصلاة , وايتاء الزكاة , وتعطوا الخمس من المغنم ) الحديث ((303)) .
    ان الرسول (ص ) لما امر وفد عبد القيس ان يعطوا الخمس من المغنم , لم يطلب اخراج خمس غنائم الـحـرب مـن قوم لايستطيعون الخروج من حيهم في غير الاشهر الحرم خوفا من المشركين من مـضـر, وانما قصد من المغنم معناه الحقيقي في لغة العرب وهو: الفوز بالشي ء بلا مشق ة , كما سبق تفسيره , اي : ان يعطوا خمس ما يربحون , او لا اقل من انه قصد معناه الحقيقي في الشرع وهو: (ما ظفر به من جهة العدى وغيرهم ).
    وكـذلـك الامر في ما جاء في كتب عهوده للوافدين اليه من القبائل العربية وفي ما كتب لرسله اليهم وولاته عليهم , مثل ما جاء في فتوح البلاذري , قال :(لما بلغ اهل اليمن ظهور رسول اللّه وعلو حقه , اتته وفودهم , فكتب لهم كتابا باقرارهم على مااسلموا عليه من .
    امـوالهم واراضيهم وركازهم , فاسلموا, ووجه اليهم رسله وعماله لتعريفهم شرائع الاسلام وسننه وقبض صدقاتهم وجزى رؤوس من اقام على النصرانية واليهودية والمجوسية ).
    ثـم ذكر هو وابن هشام والطبري وابن كثير واللفظ للبلاذري قال : كتب لعمرو بن حزم حين بعثه الى اليمن :
    ب ـ (بـسـم اللّه الـرحـمـن الـرحـيـم , هـذا بـيان من اللّه ورسوله , (يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود) ((304)) عهد من محمد النبي رسول اللّه لعمرو بن حزم حين بعثه الى اليمن امره بتقوى اللّه فـي امـره كـلـه , وان ياخذ من المغانم خمس اللّه , وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وسقت السماء, ونصف العشر مما سقى الغرب ) ((305)) .
    البعل : ما سقي بعروقه , والغرب : الدلو العظيمة .
    ج ـ (ومثل ما كتب لسعد هذيم من قضاعة , والى جذام كتابا واحدا يعلمهم فرائض الصدقة ويامرهم ان يدفعوا الصدقة والخمس الى .
    رسوليه ابي وعنبسة او من ارسلاه ) ((306)) .
    ان الـرسول (ص ) حيث طلب من قبيلتي سعد وجذام ان تدفعا الصدقة والخمس الى رسوليه او لمن يـرسـلاه الـيـه , لم يكن يطلب منهما خمس غنائم حرب خاضتاها مع الكفار, وانما قصد ما استحق عليهما من الصدقة وخمس ارباحهما.
    د ـ وكـذلـك مـا كـتـب لمالك بن احمر الجذامي , ولمن تبعه من المسلمين امانا لهم ما اقاموا الصلاة واتـبـعوا المسلمين وجانبوا المشركين وادوا الخمس من المغنم وسهم الغارمين وسهم كذا وكذا, الكتاب ((307)) .
    هــ وما كتب للفجيع ومن تبعه : (من محمد النبي للفجيع ومن تبعه واسلم واقام الصلاة وآتى الزكاة [واطـاع ] ((308)) اللّه ورسوله , واعطى من المغانم خمس اللّه , ونصر النبي واصحابه , واشهد على اسلامه , وفارق المشركين فانه آمن بامان اللّه وامان محمد) ((309)) .
    وـ وما كتب للاسبذيين :
    (مـن مـحـمـد الـنبي رسول اللّه لعباد اللّه الاسبذيين ملوك عمان , من منهم بالبحرين انهم ان آمنوا واقـاموا الصلاة وآتوا الزكاة واطاعوا اللّه ورسوله , واعطوا حق النبي , ونسكوا نسك المسلمين فـانـهـم آمنون وان لهم ما اسلموا عليه , غير ان مال بيت النار ثنيا لل ولرسوله , وان عشور التمر صـدقـة ونـصف عشور الحب , وان للمسلمين نصرهم ونصحهم , وان لهم ارحاءهم يطحنون بها ما شاؤوا) ((310)) .
    ان الـمقصود من حق النبي في هذا الكتاب هو الخمس وحده او الخمس والصفي معا, وقد سبق شرح الصفي .
    ز ـ وكـذلـك الـمقصود من (حظ اللّه وحظ الرسول ) هو الخمس في ما كتب (لمن اسلم من حدس ولـخم ) واقام الصلاة واعطى الزكاة واعطى حظ اللّه وحظ الرسول , وفارق المشركين فانه آمن بذمة اللّه وذمة محمد, ومن رجع عن دينه فان ذمة اللّه وذمة رسوله منه .
    بريئة ) ((311)) الكتاب .
    ان شان الخمس في كل تلك الكتب والعهود شان الصدقة فيها وهما حق اللّه في اموالهم حسبما فرضه اللّه فيها.
    ويـؤكـد مـا ذكـرنـاه من ان الخمس فيها ليس خمس غنائم الحرب , ويوضحه ان حكم الحرب في الاسـلام يـخـالـف ما كان عليه لدى القبائل العربية قبل الاسلام في ان يكون لكل مجموعة او فرد الاخـتيار في الاغارة على غير افراد القبيلة وغير حلفائها لنهب اموالهم كيفما اتفق وانه عند ذاك يـمـلـك كل فرد ما نهب وسلب وحرب , وما عليه سوى دفع المرباع للرئيس , ليس الامر هكذا في الاسـلام لـيصح للنبي ان يطالبهم بالخمس بدل الربع في ما يثيرون من حرب على غيرهم , لا, ليس لـفـرد مـسلم في الاسلام ولا لجماعة اسلامية فيه ان يعلن الحرب على غير المسلم من تلقاء نفسه ويـسـلـب وينهب كما يشاء ويقدر الشرع الاسلامي والفرد المسلم ينفذ قراره , ثم ان الحاكم الاسلامي ـبعد ذلك ـ او نائبه هما اللذان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب ,ولا يملك احد الغزاة عدا سلب القتيل شيئا مما سلب , وانما ياتي كل غاز بما سلب اليهما, والاعد من الغلول العار على اهله , وشنار ونار يوم القيامة .
    والـحـاكم الا سلامي هو الذي يعين ـبعد اخراج الخمس ـ للراجل سهمه وللفارس سهمه , ويرضخ لـلـمـراة , وقـد يـشرك الغائب عن الحرب في الغنيمة ويعطي للمؤلفة قلوبهم اضعاف سهم المؤمن المجاهد.


    واذا كـان اعـلان الـحـرب واخراج خمس غنائم الحرب على عهد النبي من شؤون النبي في هذه الامة , فماذا يعني طلبه الخمس من الناس وتاكيده ذلك في كتاب بعد كتاب وعهد بعد عهد ان لم يكن الـخـمـس فـي تلك الكتب والعهود مثل الصدقة مما يجب في اموال المخاطبين وليس خاص ا بغنائم الحرب .
    وعـلـى هـذا فـلابـد اذا من حمل لفظ الغنائم والمغنم في تلك الكتب والعهود على معناهما اللغوي : (الفوز بالشي ء بلا مشقة ), او معناهما الشرعي : (ما ظفر به من جهة العدى وغيرهم ).
    اضف الى هذا ما ذكرناه بتفسير الغنيمة من ان الغنيمة اصبحت حقيقة في غنائم الحرب في المجتمع الاسـلامـي بعد تدوين اللغة لا قبله ولا يصح مع هذا, حمل ما جاء في حديث الرسول على ما تعارف عـلـيـه الـنـاس قـرابة قرنين بعده , واما ما جاء في بعض تلك الكتب والعهود بلف (حظ اللّه وحظ الـرسول ), او (حق النبي ), او (سهم النبي ) وما شابهها, فان تفسيرها في الاية الكريمة (واعلموا ان مـا غـنمتم من شي ء فان للّه خمسه وللرسول ) وفي السنة النبوية التي تبين هذه الاية وتشرحها حيث تعينان سهم اللّه وسهم النبي في (ال غنم ) وهو الخمس وهو ايضا حقهما وحظهما.
    ومـمـا تقدم ثبت ان النبي كان ياخذ الخمس من غنائم الحرب ومن غير غنائم الحرب , ويطلب ممن اسلم ان يؤدي الخمس من كل ما غنم عدا ما فرض فيه الصدقة .

    [align=center]مصادر المصطلحات
    من كتب العلامة العسكري . مصادر مصطلحات الالوهية والربوبية :
    الاسم .
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1.
    الاله .
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1, عقائد الاسلام .
    من القرآن الكريم ج 1.
    الرب .
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1, عقائد الاسلام .
    من القرآن الكريم ج 1.
    ذوالعرش ورب العرش .
    عقائد الاسلام من القرآن الكريم ج 1.
    الكرسي .
    عقائد الاسلام من القرآن الكريم ج 1.
    اللّه (جل جلاله ).
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1, عقائد الاسلام .
    من القرآن الكريم ج 1.
    القيوم .
    كتبه العلامة العسكري بشكل مستقل .
    الرحمن الرحيم .
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1, عقائد الاسلام .
    من القرآن الكريم ج 1.
    العبادة .
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1, عقائد الاسلام .
    من القرآن الكريم ج 1.
    مصادر مصطلحات النبوة :
    الوحي .
    القرآن الكريم وروايات المدرستين ج 1.
    النبي .
    عقائد الاسلام من القرآن الكريم ج 1.
    الرسول .
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1, عقائد الاسلام .
    من القرآن الكريم ج 1.
    خليفة اللّه .
    قيام الائمة باحياء السنة ج1 , معالم المدرستين .
    ج1 .
    الائمة المبلغون .
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1.
    الصحابي والصاحب .
    قيام الائمة باحياء السنة ج1 , معالم المدرستين .
    ج1 .
    مصادر مصطلحات قرآنية :
    القرآن .
    معالم المدرستين ج 2, القرآن الكريم وروايات .
    المدرستين ج 1.
    الكتاب .
    القرآن الكريم وروايات المدرستين ج 1, قيام الائمة .
    باحياء السنة ج 1.
    المصحف .
    القرآن الكريم وروايات المدرستين ج 1.
    السورة والاية .
    القرآن الكريم وروايات المدرستين ج 1.
    الجزء والحزب .
    القرآن الكريم وروايات المدرستين ج 1.
    التلاوة والقراءة والاقراء.
    القرآن الكريم وروايات المدرستين ج 1.
    النسخ .
    عقائد الاسلام من القرآن الكريم ج 1.
    مصادر مصطلحات عقائد الاسلام :
    مشيئة اللّه .
    عقائد الاسلام من القرآن الكريم ج 1.
    البداء.
    عقائد الاسلام من القرآن الكريم ج 1.
    الجبر والتفويض .
    عقائد الاسلام من القرآن الكريم ج 1.
    القضاء والقدر.
    عقائد الاسلام من القرآن الكريم ج 1.
    الدين والاسلام .
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1, عقائد الاسلام .
    من القرآن الكريم ج 1.
    الايمان والمؤمن .
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1, عقائد الاسلام .
    من القرآن الكريم ج 1.
    النفاق والمنافق .
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1, عقائد الاسلام .
    من القرآن الكريم ج 1.
    مصادر مصطلحات الامامة والخلافة :
    الخليفة والخلافة .
    قيام الائمة باحياء السنة ج 1, معالم المدرستين .
    ج1 .
    اميرالمؤمنين .
    معالم المدرستين ج 1.
    الامام .
    معالم المدرستين ج 1.
    الوصي .
    قيام الائمة باحياء السنة ج1 , معالم المدرستين .
    ج1 .
    الامر واولو الامر.
    معالم المدرستين ج 1.
    الشورى .
    معالم المدرستين ج 1.
    البيعة .
    معالم المدرستين ج 1.
    اهل البيت (ع ).
    قيام الائمة باحياء السنة ج1 , معالم المدرستين .
    ج1 .
    مصادر مصطلحات الفقه :
    الفقه .
    معالم المدرستين ج 2.
    الاجتهاد.
    معالم المدرستين ج 2.
    السنة .
    قيام الائمة باحياء السنة ج1 , معالم المدرستين .
    ج2 .
    البدعة .
    قيام الائمة باحياء السنة ج1 , معالم المدرستين .
    ج2 .
    الزكاة .
    معالم المدرستين ج 2.
    الصدقة .
    معالم المدرستين ج 2.
    الفي ء.
    معالم المدرستين ج 2.
    الصفي .
    معالم المدرستين ج 2.
    الانفال .
    معالم المدرستين ج 2.
    الغنيمة والمغنم .
    معالم المدرستين ج 2.
    الخمس .
    معالم المدرستين ج 2.[/align]

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني