قصتي في «الصباح»: صراع لم ينتهِ ضد الاستبداد الاعلامي!
02/05/2007
محمد عبد الجبار الشبوط
توليت رئاسة تحرير "الصباح" في التاسع من مايس 2004، خلفا للزميل اسماعيل زاير، مؤسس الجريدة. وكانت سلطة الائتلاف اصدرت "الصباح" بعد سقوط النظام الصدامي، وتعاقدت مع شركة اميركية خاصة لتولي شؤونها، واعتبرت على نطاق واسع ناطقة باسم سلطة الائتلاف. وتعاقدت الشركة الاميركية مع شركة كويتية لتتولى هذه المسؤولية. وبعد مغادرة الزميل اسماعيل الجريدة، تعاقدت الشركة الكويتية معي لتولي رئاسة التحرير. ولم تكن للجريدة علاقة باي شكل من الاشكال بالحكومة العراقية، لا من الناحية المالية و لا الادارية ولا السياسية. كما ان الشركة الكويتية لم تكن تتدخل بالشؤون السياسية وقضايا التحرير في الجريدة. انما تركت هذه الامور بشكل كامل لي، امارس فيها حرية تامة، وصلاحيات كاملة. وكان عقد العمل لمدة ستة اشهر تتجدد تلقائيا ما دام عقد الشركة الكويتية ساريا.
لم يكن استلامي هذه الوظيفة طفرة في حياتي المهنية كصحفي. فقد احترفت هذه المهنة منذ عام 1976 في الكويـت، يوم بدأت محررا للشؤون الاسلامية في اسبوعية "صوت الخليج"، ثم كاتبا للافتتاحية، ثم محررا للشؤون الدولية واخيرا مديرا للتحرير حتى عام 1984. في اثناء ذلك اسست وتوليت رئاسة تحرير جريدة "الجهاد" الناطقة باسم حزب الدعوة الاسلامية في طهران اواخر عام 1981 وكل عام 1982 واوائل عام 1983. ثم اسست مجلة الجهاد الشهرية التي تولى رئاسة تحريرها الصديق الدكتور سليم الحسني. في سوريا اصدرت مع الصديق القديم عزت الشابندر صحيفة "البديل الاسلامي" في بيروت-دمشق، حيث توليت رئاسة تحريرها، وقبلها جريدة "الانصار" لحزب الدعوة فرع سوريا. في بيروت كنت اعمل في اكثر من صحيفة واذاعة كجزء من جهد شاق لتوفير لقمة العيش. وفي لندن توليت رئاسة تحرير جريدة "المؤتمر" الناطقة باسم المؤتمر الوطني العراقي الموحد الذي تأسس في عام 1992. وبقيت طيلة فترة وجودي في لندن، امارس العمل الصحافي الحر، بما في ذلك تزويد جريدة "الوطن" الكويتية بالتقارير والاخبار والمقابلات وغير ذلك من الفنون الصحافية. وفور عودتي الى العراق اصدرت مجلة "الاسلام والديمقراطية" الشهرية، ومجلة "المستقبل"الاسبوعية التي لم يكتب لها البقاء لاسباب مالية بحتة. في هذه الاثناء نشرت لي العديد من الصحف العربية في الخليج ولبنان وبريطانيا المئات من المقالات والدراسات والتقارير الصحافية. هذا اضافة الى تأليف ما يقرب من عشرة كتب. وبهذا التاريخ الطويل سجلت لنفسي حضورا ملموسا في عالم الكلمة والنشر والتأليف، واصبحت عضوا في اتحاد الصحافيين البريطانيين،وجمعية الصحافيين الكويتيين ونقابة الصحفيين العراقيين. والحمد لله.
استلمت رئاسة تحرير "الصباح" وهي توزع حوالي 23 الف نسخة يوميا، ب 16 صفحة، الا ان الاعلان في الجريدة كان يدار من قبل شركة عراقية خاصة، بموجب عقد تأجير مع الشركة الكويتية.
دخلت الجريدة وانا يداعبني حلم قديم في ان تصدر في العراق صحيفة كبرى، ذات مهنية عالية، يشار اليها، كما كان يشار الى جريدة "الاهرام" المصرية، خاصة في عهد رئيس تحريرها محمد حسنين هيكل. وامضيت ايامي الاولى في الجريدة ادرس الامكانيات المتوافرة، من بشرية ومالية وتقنية، ووجدت انها تمثل ثروة يمكن ان تكون منطلقا لتحقيق الحلم القديم. واعطيت نفسي مهلة شهر، تبدأ بعدها خطتي في التطوير والانطلاق بالجريدة. وفعلا، بدأت تدريجيا باحداث التغييرات التي كنت اراها ضرورية، ابتداء من تغيير الانطباع العام عن الجريدة، وخلق انطباع جديدة عنها بوصفها جريدة عراقية وطنية حرة مستقلة، تجسد مفاهيم البث العام الحديثة. وشرعت بخطة التطوير وانا واثق من النجاح، اعتمادا على خبرتي المهنية من جهة، وعلى فريق الصحفيين العاملين في الجريدة وقد كانوا نخبة محترفة،مثابرة، تحب عملها، وتبدع فيه من جهة ثانية. ولكني خرجت من الصباح ولم تتحق كل احلامي فيها بعد.
كان هدفي ان تتحول الصباح الى مؤسسة، وكان ذلك التعبير يعني في ذهني ثلاثة امور
الاول: هوية مهنية مميزة للصباح في اللغة والمعالجة والمهارات الصحافية الاخرى.
ثانيا، نظام مؤسسي لعمل الصباح. وقد كتبت كراسا لتحقيق الامر الاول والثاني، شارك فيه ايضا الزميل فلاح المشعل والمحامية اسماء الجلبي. وهذا ما دفعني الى تأسيس مجلس ادارة للجريدة، اضافة الى هيئة تحرير، ثم مجلس تحرير، اضافة الى اللجان التي كانت تدير مختلف شؤون العمل، مثل لجنة التعيينات.
ثالثا، تقنية متقدمة فيما يتعلق بالمطابع ووسائل العمل الاخرى.
بعد فترة وجيزة من عملي في الجريدة، ارتفع حجم المبيعات الى 50 الف نسخة، ب 24 صفحة اضافة الى ملاحق يومية متخصصة. ويعود الفضل في ذلك الى كفاءة الفريق العامل في الجريدة من محررين ومحررات وفنيين وعاملين في مختلف اقسام الجريدة بما فيها المطبعة.
في 28 حزيران 2004 تم تسليم السيادة الى الحكومة العراقية برئاسة الدكتور اياد علاوي، وبقيت اعمل في الصباح بموجب عقدي مع الشركة الكويتية، مع تصور عام من ان الشبكة الاعلام العراقي التي كانت تأسست بموجب الامر الاداري 66 الذي اصدره الحاكم المدني لسلطة الائتلاف المؤقتة بول بريمر في 20 اذار 2004، ستتولى تعيين رئيس تحرير جديد بعد انتهاء عقدي. وكان بريمر شكل مجلس حكماء لأدارة الشبكة، ما لبث ان غير اياد علاوي في الكثير من اعضائه. وكان الاعلامي المعروف جلال الماشطة مديرا عاما للشبكة الا انه استقال بعد فترة، وتم تعيين الاستاذ حبيب الصدر في محله.
استمرت حالة الحرية وعدم التدخل بشؤون الجريدة طيلة ولاية حكومة اياد علاوي، باستثناء عتب احد وزرائه المتكرر، عبر صديق مشترك، لما يعتبره عدم اهتمام الجريدة بتغطية اخباره، وباستثناء طلب لرئيس الوزراء نقله الي مستشاره الاعلامي واستجبت له ليوم واحد فقط، ثم عدلت عنه في اليوم التالي بعد ان اتضح انه اضر بالجريدة. وتم نسيانه .
في احد الايام زار الجريدة مجلس حكام الشبكة، بحضور المدير العام حبيب الصدر، وكان اجتماعا وديا، تم فيه تبادل الافكار والاراء، ومنها اقتراح بان تكون افتتاحية الجريدة معبرة عن رأي الحكومة، الامر الذي رفضته باعتبار ان الجريدة، بل الشبكة برمتها، غير خاضعة للحكومة، وان وظيفة مجلس الحكام، حسب قانون الشبكة، ان يكون حاجزا يحمي الشبكة من تدخلات الحكومة لا ان يكون اداتها. نجحت في دفاعي وتجاهل مجلس الحكام والمدير العام الاقتراح المذكور.
وفي الحقيقة، هذه هي خلاصة قصتي في الصباح، صراع مستمر من اجل تبقى بعيدة عن تدخلات الحكومة، أي حكومة. ايماني بحرية الاعلام واستقلاله عن الحكومة لا يعادله سوى ايماني بالله. ففضلا عن اعتقادي الراسخ بان الاعلام مرفق مهم واساسي في الحياة الاجتماعية، فاني اعتقد ايضا انه جزء مقوم للبعد الديمقراطي للعملية السياسية واحد ضمانات سلامتها. واول الطريق نحو حرية الاعلام هو استقلاله عن الحكومة، بل نديته لها. وليس ثمة التزام من الاعلام ازاء الحكومة، انما الالتزام الوحيد للاعلام هو امام المواطنين، والمواطنون يريدون من الاعلام، كما يوحي اسمه، معلومات عما تقوم به الحكومة، وعما يجري في المجتمع، واجابات تساعده على فهم ما يجري، ومن ثم على تقييم ما يجري.وقد تعلمت من سنوات منفاي الاختياري في بريطانيا انه حتى في الانظمة الديمقراطية العتيقة والعريقة والقديمة، فان الحكومات تميل الى حجب المعلومات، ووظيفة الاعلام ان يكشف هذه المعلومات. ولذا كنت اقول ان الحكومة لا يمكن ان تصنع اعلاما صالحا، لكن بمقدور الاعلام ان يصنع حكومة صالحة. مرة قلت لاحمد الجلبي، يوم كنت رئيس تحرير جريدة المؤتمر: يمكن للاعلام ان يصنع دكتاتورا، لكن ليس بمقدور الدكتاتور ان يصنع اعلاما.
انتهى عقد الشركة الكويتية، في 7/ 4/ 2005 وقررت الشبكة تولي ادارة الجريدة مباشرة، وراجت اشاعات ان مجلس الحكام ينوي استبدالي بشخص اخر، لكنه عدل عن ذلك، باقتراح من احد اعضائه، محمد خضير جاسم، وقرر مفاوضتي على الاستمرار بتولي رئاسة التحرير، وهذا ما حصل فعلا، ووقعت عقدا جديدا مع الشبكة ممثلة بمديرها العام الاستاذ حبيب الصدر، بعد تخفيض الراتب الذي كنت اتقاضاه من الشركة الكويتية الى اقل من النصف. وكان ذلك هو العقد الاول الذي اوقعه مع الشبكة بعد عودة السيادة العراقية ويغطي الفترة من 8/4/2005 الى 31/7/2005. وتضمن العقد الجديد، أي العقد الوطني، وليس الاجنبي، فقرة غريبة تقول:"يعمل الطرف الثاني (أي انا) لدى الطرف الاول (أي الشبكة) وتحدد مسؤوليته بالنهوض بادارة جريدة الصباح فنيا واداريا وماليا وامنيا وبالمستوى المتقدم كوسيلة اعلامية مكتوبة وتطويرها مع تحقيق ادارة اقتصادية كفوءة برفع الموارد وتخفيض الانفاق وتحقيق فائض اقتصادي يتناسب وحجم الاستثمار المالي في هذا المرفق." في المقابل نص العقد على تمتعي "بكافة الصلاحيات المنصوص عليها بالاوامر الادارية التي تسهل عمله." وفعلا كنت اتمتع بصلاحيات وسعت الكثير من عملي في الصباح، وارجو ان لا اكون قد اسأت استخدامها.
تولى الدكتور ابراهيم الجعفري رئاسة الوزارة خلفا للدكتور اياد علاوي، وكان ذلك بالنسبة لي سببا للتفكير بمستقبل وضعي في الجريدة بسبب العلاقة غير الجيدة السابقة بيني وبين حزب الدعوة، لأسباب قديمة. وكان من اوائل ما قام به هو فصل المفكر الاسلامي حسين دوريش العادلي من عضوية مجلس الحكام. وبهذا القرار فقد المجلس نصابه، واصبح هيئة غير قادرة على اتخاذ القرارات. واحتملت بان يكون هذا القرار مقدمة لفصلي انا من الجريدة. وكنت اتوقع ان يكون قادة حزب الدعوة، وخاصة بعد ان تم تعيين ابو مجاهد، جواد حسن طالب، مستشارا اعلاميا لرئيس الوزراء غير راغبين في بقائي على رأس تحرير الجريدة. ومن اجل استجلاء الصورة اجريت اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع الحكم الجديد، وقد ساهم السيد محمد بحر العلوم بهذه الاتصالات، وطلبت منهم اعلامي ان كانوا غير راغبين في بقائي، كي اقدم استقالتي بطريقة اصولية، ولم افلح في الحصول على فكرة واضحة. وقررت مقابلة جواد حسن طالب، وقلت له في لقاء مختصر، "ان كنتم ترغبون في استقالتي فارجو ابلاغي حتى استقيل، لأن الاستقالة اشرف لي من الفصل". قال لي انه "لم يفتح بعد ملف الصباح"، وسوف يخبرني بالموقف بعد ان يدرس الموضوع.
في هذه الاثناء اوقفت العمل بعقد ايجار الاعلان في الجريدة، وشكلت قسما خاصا بالاعلان، ما ادى الى ارتفاع موارد الاعلانات المالية من 3,5 مليون دينار في اليوم الى اكثر من 15 مليون دينار. وصارت الجريدة تصدر ملحقا رياضيا، وحوالي خمسة ملاحق متخصصة منوعة اخرى.
صرنا نسمع عن تدخلات المستشار الاعلامي بعمل الشبكة، وعن زياراته المتكررة لها. وبمرور الوقت صار واضحا لدي ان المستشار الاعلامي يتصور انه له سلطة على الشبكة، وهذا غير صحيح، لأن الشبكة مستقلة عن الحكومة، ومنصب المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء لا يخول صاحبه سلطة من أي نوع على العاملين فيها.
بعد فترة اخبرني المدير العام ان المستشار الاعلامي قدم عدة طلبات وشروط يتعين علي قبولها حتى يمكن تجديد عقد العمل الذي كان سوف ينتهي بعد اكثر من شهر ونصف. ومن هذه الشروط:
1.رفع اسمي من الصفحة الاولى
2. ان اكون رئيس تحرير القسم السياسي فقط من الصباح
3. ان اتوقف عن كتابة عمودي اليومي في الصفحة الاولى، وان ينقل الى الصفحة الثانية، على ان اكتبه ثلاث مرات في الاسبوع وليس يوميا.وان يشترك اخرون في كتابته.
4. ان يتم تعيين رؤساء تحرير اخرين لملاحق الجريدة الاخرى.
5. ان يتم تعيين مراقب سياسي من قبل الشبكة للجريدة بعنوان مستشار سياسي.
6. ان يتم فصل المطبعة عن الجريدة.
لا تتعلق هذه الطلبات بسياسة الجريدة ولا بتوجهاتها، بقدر ما تتعلق بي شخصيا. وفهمت منها ان من وضعها يستهدف مضايقتي حتى اقدم استقالتي من رئاسة التحرير. واعتبرت ان هذا هو جواب جواد حسن طالب عن سؤالي المار ذكره.
بقيت افاوض حوالي اسبوعين حول هذه الشروط، طمعا من اجل تغييرها او تعديلها، وكسبا للوقت، لحين انتظار تطورات اخرى قد تحصل، ولكني لم اوفق في ذلك، فقررت قبولها، وابقى في الجريدة، افشالا لمخطط ابعادي منها، مع الطلب في ان يبدأ تنفيذها بعد توقيع العقد الجديد، يعني بعد انتهاء العقد الذي لم تتنه مدته بعد. رفض جواد حسن طالب هذا الطلب. فقلت انا لله وانا اليه راجعون، كان صدام يفرض شروطه على الصحافيين واليوم جواد حسن طالب، مستشار رئيس الوزراء يمارس نفس السلطة.
اتصل بي المدير العام في الساعة الرابعة من يوم الاربعاء، 29 حزيران، وطلب مني الحضور الى مقر الشبكة لتوقيع العقد الجديد بالشروط الجديدة، في الساعة السادسة، للضرورة، لأنه سوف يسافر في اليوم التالي. وافقت على ذلك. لكن بمرور الوقت وانا اعمل في الجريدة، صار في ذهني ان لا اذهب، وانتظر الى يوم اخر، خاصة وان عندي حوالي 30 يوما اخرى في العقد. وهنا اعترف اني اخطأت في المراهنة على احترام الشبكة، او لمن فرض سيطرته عليها انذاك، للعقد وللمدة المتبقية فيه. واصلت عملي كالمعتاد، وفي الساعة الثامنة والنصف غادرت مكاتب الجريدة الى الفندق الذي اسكن فيه في الكرادة الشرقية. في الطريق، اخبرني احد الاصدقاء هاتفيا انه علم ان المدير العام وقع قرارا بعدم تجديد العقد وفصلي فورا من عملي، أي قبل 32 يوما من انتهاء العقد.. وكان ذلك فصلا قسريا، لأن العقد يسمح لي بالبقاء مدة شهر اخر، حتى في حال قررت اصحاب القرار فسخ العقد معي، لأن من شروط الفسخ ان ابلغ به قبل ثلاثين يوما تكون ضمن حقي في البقاء في العمل.
طبعا، كان من الممكن ان اوقع عقدا جديدا ارادوه ان يكون لمدة ثلاثة اشهر اخرى، تنتهي في 31/10، (رفضوا ان يكون العقد اكثر من ذلك، ولا ادري لماذا؟) لو كنت ذهبت الى مقر شبكة الاعلام العراقية الساعة السادسة من مساء ذلك الاربعاء من اجل توقيع العقد الجديد، لكان تم ذلك، لكن عدم ذهابي(لأي سبب من الاسباب) ادى بادارة شبكة الاعلام الى اتخاذ قرار تعسفي في وقت ما بعد الساعة السادسة، اي خارج اوقات الدوام، بعدم تجديد العقد من جهة، وبعدم السماح لي باكمال المدة المتبقية من العقد السابق من جهة ثانية. هذا رغم انه كان بالامكان توقيع العقد في اليوم التالي، او في اي يوم اخر يسبق يوم 31 تموز. وينص القرار على مايلي:
"اشارة الى المكالمة الهاتفية التي جرت بيننا ظهر هذا اليوم 29/6/2005 وبالنظر لعدم حضوركم الى مقر الشبكة عصر هذا اليوم وحسبما اتفقنا عليه لغرض توقيع العقد الجديد الذي احطتكم امس علما بتفاصيله لذلك نود ابلاغكم تعذر امكانية تجديد العقد السابق والمنتهية مدته في 31/7/2005 مع ضمان تعويضكم عن الفترة المتبقية منه وذلك بصرف راتبكم لشهر تموز معربين لكم عن خالص تمنياتنا لكم بدوام الموفقية."
طبعا من حق الشبكة ان تجدد العقد او لا تجدده، فهذا من صلب اختصاصها وشأنها وهي حرة فيه، فالشبكة حرة في التصرف، خاصة وان البلد لا يعتمد مبدأ "الرجل المناسب في المكان المناسب" ومبدأ "الكفاءة في تولي المناصب."
لكن الغريب هو الاصرار على حرماني من العمل في الصباح في المدة المتبقية من عقدي السابق. واذا كان من قيمة للعقد فهي اعطاء الضمانات الكافية للاجير من انه سوف لن يتعرض للظلم، فيكون العقد هو الية الحماية. وكنت انا طلبت مهلة الشهر كحماية بالنسبة لي من مثل هذه القرارات التعسفية والمزاجية والفورية وغير المسببة ما يشكل مخالفة صريحة للفقرة الرابعة من العقد التي تقول:"يحق للطرف الاول (اي الشبكة) فسخ العقد في حالة وجود اسباب تبرر ذلك على ان يشعر الطرف الثاني (اي انا) قبل ثلاثين يوما من تاريخ الغاء العقد." كما ان الفقرة الخامسة لا تمنحني حق التعويض في حالة فسخ العقد ومنه يفهم ان قرار الشبكة ليس فسخا للعقد لأنها قررت صرف راتبي لشهر تموز. وبالتالي فمن حقي مواصلة العمل في شهر تموز للقيام بما كنت اقوم به خلال السنة الماضية بموجب نص الفقرة الثانية من العقد ان تقول ان عليّ تحمل مسؤولية "النهوض بادارة جريدة الصباح فنيا واداريا وماليا وامنيا وبالمستوى المتقدم كوسيلة اعلامية مكتوبه وتطويرها مع تحقيق ادارة اقتصادية كفوءة برفع الموارد وتخفيض الانفاق وتحقيق فائض اقتصادي يتناسب وحجم الاستثمار المالي في هذا المرفق."
لكني مع ذلك، تركت الجريدة، وتم تعيين نائبي الزميل جمعة الحلفي، رئيسا للتحرير. وفي هذه الفترة اصدرت الصباح صفحة كاملة كرستها لمقالات كتبها محررون وعاملون في الجريدة في التشهير بي بما يستهدف تشويه سمعتي المهنية والاخلاقية. ولو كنا في بلد يحترم القانون والحقوق الشخصية لقمت برفع دعوة قضائية ضد من كتبوا، وضد الجريدة، وطالبت بتعويضات عما لحقني من ضرر معنوي. لكن تجربة الغاء العقد بالطريقة التي تمت فيها، جعلتني اؤمن ان البلد لا يخضع لقانون.
بعد ثلاثة اشهر عدت الى "الصباح" مرة اخرى، ولابد ان اوضح هنا ان عودتي الى الجريدة لم تترافق باية مظاهر عسكرية على عكس ما ادعاه البعض. ولكن في يوم عودتي الى الجريدة، سألني احد الزملاء عن مصير الاشخاص الذين كتبوا ضدي، قلت له "لا شيء، يستمرون في عملهم كالمعتاد، وينسون ما حصل". وقال لي بعضهم انهم لم يكتبوا ما نشر، وانما لفق على لسانهم، او ما شابه ذلك.
ووقعت عقدا لمدة 6 اشهر تبدأ في 28/9/2005 و تنتهي في 28/3/2006. وقد اضيفت فقرة جديدة الى العقد تقول:"يلتزم الطرف الثاني بسياسة واستراتيجية الشبكة وبالاوامر الصادرة عن الادارة العليا باعتبار جريدة الصباح جزء لا يتجزأ من شبكة الاعلام العراقي وكذلك الحفاظ على اسرار المهنة وكتمانها وعدم افشاء اية معلومات يطلع عليها او يكتسبها اثناء ممارسة العمل."
في هذه الفترة اختفى جواد حسن طالب، وتوقف مكتب رئيس الوزراء عن التدخل بشؤون الصباح.
ولكن رئيس الوزراء عين في 31/12/ 2005 عضوين جديدين في مجلس الحكام هما السيدان ستار غانم وجابر حبيب جابر
وفي 12/2/2006 عين كلا من جمعة الحلفي ومنال فنجان عضوين في المجلس ايضا.
وكانت وجهة نظري، استنادا الى الامر رقم 66، ان هذه التعيينات غير قانونية وغير شرعية، لأن رئيس الوزراء لا يملك سلطة التعيين، انما سلطة الترشيح على ان تصادق السلطة التشريعية على ذلك.
قبيل انتهاء المدة، وكان جعفري مازال في الحكم، رغم الخلاف على ترشيحه لولاية ثانية، سأل المدير العام مجلس الحكام عن رأيهم في تجديد عقدي. وكان الرد متوقعا فقد رفض المجلس ذلك في كتاب طويل موجه الى المدير العام بتاريخ 26/3/2006 وجاء فيه:
"درس اعضاء مجلس الحكام في الهيئة العراقية لخدمات البث الارسال موضوع عقد رئيس تحرير جريدة الصباح السيد (محمد الشبوط) من حيث تجديده او عدمه بناءاً على الطلب الذي تقدمتم به على لسان عضو مجلس الحكام السيد (محمد جاسم خضير) وبعد مناقشة اداء السيد رئيس تحرير جريدة الصباح تبين للهيئة عدة امور من الاهمية بمكان تؤثر سلبا على استراتيجية شبكة الاعلام والادوار الكبيرة والمهمة الموكلة اليها (دون ان يعني ذلك خلو المرحلة من الايجابيات) وهي:
1. كون السيد محمد الشبوط عضوا قياديا في تيار حزبي سياسي وهو ما ينتافى مع احد اهم المبادئ المنصوص عليها في الامر 66 الذي يؤكد على ضرورة ان لا يشغل العاملون في مرافق الشبكة أي وظيفة في أي حزب سياسي ضمانا للحيادية والاستقلالية.
2. عدم كفاءة السيد (محمد الشبوط) من الناحية الادارية حيث ضعف الاشراف على النشر وتراجع مستوى الجريدة من ناحية التحرير وكثرة الاخطاء اللغوية وركاكة الصياغة وذلك لأنشغاله بمهمات خارج عمل الجريدة (عضويته في لجان واصداره لمجلة خاصة بالتيار السياسي الذي ينتمي اليه وكثرة سفره خارج البلاد وكثرة تعرض الجريدة في المرحلة الاولى لتوليه المنصب الى خسائر مالية ضخمة من جراء التعاقد مع شركة نور الصباح للاعلانات وعدم فسخه)
3. تولد انطباعات لدى عديد من الناس فضلا عن المهتمين عدم التزام الجريدة ولو بصورة نسبية على القدر المطلوب من الحيادية والاستقلالية وتجلي ذلك في العديد من الافتتاحيات التي ينشرها السيد الشبوط.
4. ملاحظة تصدر عناصر ممن كانوا يمجدون النظام السابق لمهمات التحرير في الجريدة وملاحقها، واذا كنا نرى ضرورة اعادة تأهيلهم والاستفادة منهم فاننا ضد وضعهم بمراكز مسؤولة في الصدارة.
5. كما وان استراتيجية دعم الاعلام الحر المستقل الذي يدفع بالحياة الديمقراطية نحو الامام ويشيع ثقافة السلام والاستقلالية والحياد بشفافية ومصداقية يستدعي ان تكون هناك خيارات بديلة تخلق حالة من التنافس الشريف الذي يحفز الكوادر وطاقات الابداع التي هي من الكثرة بحيث لا تختزل بشخص دون اخر، ودون ان يعني خلو ذلك الشخص من كفاءة وايجابيات. وبناء عليه، ووفقا لصلاحيات مجلس الحكام في التوجيه والرقابة والادارة العامة والاشراف يرى المجلس عدم تجديد عقد السيد محمد عبد الجبار الشبوط لرئاسة تحرير الصباح اعتبارا من تاريخ انتهاء عقده في 31/3/2006.

توقيع (بدون اسم)
عـ/ مجلس الحكام
لا اخفي على قارئ هذه الصفحات ان هذه الرسالة صدمتني، بل اصابتني بالاحباط، لأن الملاحظات التي اوردها مجلس الحكام، رغم عدم شرعيته، ملاحظات اما غير صحيحة، او ليست بالمستوى الذي يبرر عدم تجديد العقد بالنسبة لموظف مثلي حقق نجاحات ملموسة في الجريدة. والا فما قيمة الاخطاء الطباعية في قرار مثل هذا النوع؟ وهل توجد صحيفة في العالم بدون اخطاء طباعية بل نحوية ايضا؟ واذا كانت هذه الاخطاء تسوغ اقالة رؤساء التحرير، لما بقي أي رئيس تحرير في منصبه يوما واحدا!
رفض المدير العام هذه التوصية، ورد عليها برسالة جوابية تقول ان الملاحظات غير صحيحة. وهذا موقف شجاع يسجل له.
ثم ذهب الى رئيس الوزراء المنتهية ولايته وسأله عن رأيه بتجديد عقدي لفترة جديدة، فقال له: "اذا اردت ان تجدد عقده، فخذ منه استقاله مسبقة، ووقعه على تعهد." اخبرني المدير العام بذلك، فقلت لنفسي "لا حول ولا قوة الا بالله! جعفري طلب من رئيس تحرير جريدة، مالم يطلب الدستور من الوزراء، وما لم يكن صدام يطلبه من الصحافيين في زمنه". قلت: اقدم استقالة مسبقة، لكني ملتزم فقط بالدستور وقانون الشبكة وقوانين البلد، وضحكت في سري، لأني ادركت انذاك ان مثل هذه المحاججة لم تعد مثمرة! وافقت؛ على امل ان يطاح بترشيح جعفري، وان يلغى التعهد والاستقالة المسبقة، او الاستقالة لاحقا اذا لم تتحسن ظروف العمل وشروطه.
اعفاني المديرالعام من الاستقالة المسبقة، لكنه اصر على التعهد لحماية الموقف، خاصة وان الصورة لم تكن واضحة فيما يتعلق بمستقبل جعفري نفسه.
وهكذا وقعت على العقد الثالث و الاخير الذي يبدأ من 28/3/2006 ولمدة ستة اشهر.
اما التعهد فكان ينص على مايلي:
-اني الموقع ادناه محمد عبد الجبار الشبوط رئيس تحرير جريدة الصباح/شبكة الاعلام العراقي:
-اتعهد امام مدير عام الشبكة بالالتزام الكامل بسياسة واستراتيجية الشبكة وبكافة الاوامر والتعليمات والنظم واللوائح الصادرة عن مجلس حكام الهيئة ومدير عام الشبكة الشفهية والتحريرية وتلك التي تدخل في اطار التعاطي مع الوضع السياسي الراهن والاداء الحكومي.
-كما اتعهد بالنهوض بادارة الجريدة فنيا واداريا وماليا وامنيا وبالمستوى المتقدم كوسيلة اعلامية مكتوبه وتطويرها باعتبارها جزء لا يتجزأ من شبكة الاعلام العراقي، مع تحقيق ادارة اقتصادية كفوءة برفع الموارد وتخفيض الانفاق وتحقيق فائض اقتصادي يتناسب وحجم الاستثمار المالي في هذا المرفق."
-واتعهد ايضا بالحفاظ على اسرار المهنة وكتمانها واسرار الشبكة وعدم افشاء اي معلومات اطلع عليها او اكتسبها اثناء ممارسة العمل.
-كما اتعهد باعتزال العمل السياسي وعدم الانحياز الى اية جهة او حزب سياسي ما دمت رئيسا للتحرير مع الحرص على تحقيق اعلى درجة من الحيادية والاستقلالية.
-واتعهد ايضا بالحيلولة دون تصدر عناصر محسوبة على النظام السابق لمهمات التحرير في الجريدة و ملاحقها.
-وفي حالة اخلالي باي نص ورد في هذا التعهد يعتبر عقد العمل الموقع مع الشبكة لاغيا ولا تترتب لي أي حقوق مالية او قانونية واتحمل كافة التبعات القانونية والاضرار المادية والمعنوية ويعتبر هذا التعقد جزء لا يتجزأ من العقد. ولأجله وقعت ببغداد بتاريخ 29/3/ 2006

(توقيع)
محمد عبد الجبار الشبوط
رئيس تحرير جريدة الصباح
كان هذا التعهد كالكابوس بالنسبة لي، لأن مواده مرنة، وغامضة، ويمكن تفسيرها بكل الاتجاهات، وبخاصة الفقرة الاخيرة منه. كما ان بنوده، وبنود العقد، ورسالة مجلس الحكماء، جعلتني في اتون معركة لم اكن ابدا احب ان اخوضها، وهي معركة البقاء في الوظيفة. لقد امضيت كل سنوات عمري وانا اعتبر نفسي مناضلا ومجاهدا من اجل قضية سياسية، تمثلت اولا في اقامة دولة اسلامية، ثم في اسقاط النظام الدكتاتوري واقامة دولة وطنية ديمقراطية حديثة تحترم الهوية الاسلامية للمجتمع العراقي. ولم اكن احب لنفسي ان اختم ذلك بان اكون "مناضلا" من اجل وظيفة استطيع ان احصل على مثلها، بغير شروطها، في مكان اخر.
وفي بلد كالعراق، كنت فعلا خائفا من تبعات هذا العقد، ولذا كتبت رسالة الى رئيس الجمهورية جلال الطالباني شرحت له فيها ظروف عملي في الجريدة، بما في ذلك العقد الجديد والتعهد الملحق به. واختتمت رسالتي قائلا :"انني فعلا خائف على سلامتي الشخصية بغض النظر عن وضعي الوظيفي." بعدما قلت في الرسالة ان "التعهد بحد ذاته خطير ويمكن ان يستخدم ضدي في اية لحظة."
واصلت عملي في الصباح وانا اترقب سير معركة ترشيح جعفري لرئاسة الوزارة، وانا اضمر قرارا في صدري: اذا بقي في الحكم فاني مستقيل لا محالة، واذا صعد غيره الى المنصب فسوف ارى كيف يتصرف، وبموجبه اتصرف، اما البقاء او الاستقالة.
لم يطل انتظار كثيرا، فقد تم ترشيح نوري المالكي لرئاسة الوزارة، الامر الذي رفع نصف الكابوس عني.وكان علي ان انتظر رفع النصف الثاني، ممثلا في الغاء التعهد وتعديل نصوص القعد، و كيفية تعامل رئيس الوزراء ومكتبه معي بوصفي رئيسا لتحرير الصباح.
طلبت من المدير العام ان يحقق لي ثلاثة طلبات: الاولى تغيير بنود العقد، خاصة لجهة مسؤوليتي عن الجانب الامني والتجاري في الجريدة، والثانية، الغاء التعهد، واخيرا جعل مدة العقد سنة او اكثر. وافق الرجل على الطلبين الاولين، لكنه لم يوافق على الطلب الثالث.
في احدى الليالي اتصل بي شخص ذو نفوذ من مكتب رئيس الوزراء الجديد، بعد حوالي اربعة ايام من نيله الثقة البرلمانية في 22 نيسان 2006. انفجر بي الاخ معاتبا عتبا شديدا وموجها اللوم لي، وقال بالحرف الواحد:"ليش يا ابو سعدي هيج، كلما نريد نصلح الوضع تخربه، مو قلنا نبدأ بداية جديدة." بعد نقاش طويل واستفسار اتضح ان الامر يتعلق بعدم نشر خبر لرئيس الوزراء في الصفحة الاولى. قلت لنفسي ما قاله ابو كاطع:"الحمار نفس الحمار بس الجلال اتبدل!!" ومن حينها قررت البحث عن وظيفة اخرى خارج العراق، وهذا ما كان، حيث حصلت في النهاية على عقد في جريدة "الوطن" الكويتية، بنفس راتب "الصباح"، لكن بدون شروطها!!
وهكذا تركت العراق في هجرتي الثانية، بعد30 عاما من هجرتي الاولى في عام 1976، هربا من بطش النظام الدكتاتوري الصدامي، تاركا حلمي العتيق بايدي زملاء اثق بقدرتهم على النضال من اجل تحقيقه.
غاية ما في الامر اني هذه المرة، تركت العراق هاربا من نظام المحاصصة القائم على مبدأي الانتماء والولاء، بعد ان تمت تنحية مبدأي المواطنة والكفاءة ومعهما مبدأ سيادة القانون.
كل البشر خطاؤون. ومن الممكن اني اخطأت بحق بعض العاملين في الصباح، لهذا السبب او ذاك. اقدم اعتذاري لكل من اخطأت بحقه، او اسأت اليه، عن غير قصد، وارجو منهم ان يتقبلوا اعتذاري. وعزائي الوحيد اننا جميعا استطعنا ان نحقق معا انجازا سنظل نفخر به.
ملحق:
"حديث الصباح"
بعد ان قبلت استقالتي من رئاسة تحرير الصباح، وانا في الكويت، تم الاتفاق بيني وبين الاخ فلاح المشعل، الذي اصبح رئيسا للتحرير، على ان اواصل الكتابة في الجريدة، في عمود يومي باسم "حديث الصباح" يحتل الزاوية اليسرى من الصفحة الثالثة. وهذا مكان متميز بالعرف الصحفي المهني. واعتبرت هذا نوعا من التكريم لي، اشكر الزميل فلاح على تقديمه لي، وهو تقليد محمود، قامت به جريدة "الحياة" من قبل، حين منح رئيس تحريرها جهاد الخازن عمودا في الزاوية اليسرى من الصفحة الاخيرة، ما زال يظهر يوميا حتى الان. وبقيت اكتب هذا العمود، الذي كنت استل موضوعاته من الرسائل الاليكترونية التي تصلني من القراء دون مشاكل الى ان اقدم رئيس الوزراء على تشكيل مجلس جديد للحكماء في شبكة الاعلام العراقي. والغريب ان من اولى الخطوات التي اتخذها المجلس هي منع المشعل من كتابة عموده اليومي الذي يحتل الزاوية اليسرى من الصفحة الاولى في الجريدة، ويمثل ما يشبه الافتتاحية، دون ان نكون مضطرين الى اعتباره كذلك، والطلب منه نقل جميع الاعمدة الى صفحة خاصة بالاراء. طبعا لم يكن في الجريدة غير عمودي، فكان من السهل اعتبار ان المقصود هو عمودي بالذات، مع الايحاء له بعدم نشره يوميا. وافقت على الشطر الاول من الطلب، لكن اشترطت ان يكون النشر يوميا. لكن لم يتم الالتزام بطلبي، فقررت التوقف عن الكتابة، وكان اخر مقال نشر لي في عمود "حديث الصباح" بعنوان "المالكي والاعلام" بتاريخ 11 نيسان 2007.
وطلبت من الزميل ستار جبار، رئيس تحرير "البينة الجديدة" ان يمنح عمودي "حق اللجوء السياسي" في جريدته حتى تنجلي الامور في الصباح. وهذا ما كان.
في الحقيقة لست ادري ما هو السر في ملاحقتي بهذه الطريقة، بل التضييق علي، بما يشبه الارهاب الفكري، الا اذا اعتبرنا ان طريقتي النقدية في التعامل مع القضايا العامة هي السبب في استياء البعض ممن لا يرضون للكاتب ان يكون ناقدا. هذا اذا استبعدنا الاسباب الشخصية التي قد تكون تدفع البعض الى اتخاذ مواقف من هذا النوع.
المهم احب ان اسجل هنا، انه تم من الناحية العملية منعي من الكتابة في صحيفة الصباح، التي تمول من المال العام، بعد عدة ايام فقط من اعلان رئيس الوزراء نوري المالكي احترام حكومته لحرية الاعلام والتعبير.
لكن الامر لم يمر بهدوء، فقد اثار اهتمام ومتابعة رئيس الجمهورية جلال الطالباني، الذي برهن مرة اخرى على انه نصير قوي لحرية الاعلام، وبعض الاخوة في مكتب رئيس الوزراء، من الذين كانوا حريصين على حرية الصباح، وبعد مباحثات واتصالات مكثفة، تم الافراج عن الافتتاحية وحديث الصباح، حيث عاد الزميل فلاح المشعل وعدت الى الكتابة في الصباح يوم 21 نيسان، بعد 10 من الانقطاع القسري.
... ولا يبدو انه هذه ستكون نهاية قصتي مع جريدة "الصباح" التي مازالت تمثل احلى ذكرى في فترتي عودتي الى العراق!


http://www.iraqoftomorrow.org/wesima...502-44388.html