جرأة السفير وقرار الوزير

جعفر الحسيني



يمكن القول أن هنالك هجمة شرسة يتعرض لها وزير الداخلية العراقي من أطراف وأحزاب وأشخاص معروفة توجهاتهم وأهدافهم السياسية والطائفية وربما تعد هذه الهجمة الأعنف على وزير في حكومة الدكتور الجعفري لم نر مثلها حين كانت حقيبة الداخلية في (يد) السيد فلاح النقيب رغم أن النقيب لم يقف مكتوف الأيدي أمام الإرهاب والإرهابيين والمجموعات المسلحة!.

الشيء المختلف في وزارة الداخلية الحالية أنها شهدت توسعاً غير مسبوق في إعداد القدرات القتالية وفي حماية الحدود وفي الانضباط العالي والسيطرة على الشارع والخبــرة المتزايدة بتطويق الإرهاب والتقليل من الخسائر التي تلحقها السيارات المفخخة بالمواطنين ما جعل مستوى العمليات الإرهابية تشهد انخفاضاً ملحوظاً في الشارع تعدى الـ 75%.

يبدو أن هذا الأمر لم يعجب الكيانات السياسية الطائفية التي تعول كثيراً وتراهن على (المقاومة) في خططها وإستراتيجياتها السياسية في تأسيس نفوذ لها في الحكومة العراقية المقبلة لذلك شنت وتشن هجوماً كبيراً وبكافة الأسلحة المتوافرة لديها لإسقاط هذه الوزارة وقد وصلت استخدامات أساليب التشويش هذه حداً أطلقت فيه هذه الكيانات والأحزاب الطائفية أول (حوار جدي) مع السفير الأميركي وأطراف في الإدارة الأميركية هدفه النيل من الوزير وإلصاق التهم الكاذبة به والطعن بأدائه وفوق هذا وذاك اتهامه بالطائفية وقلة الخبــرة والحرفنة وهي تهمة جاهزة دائماً تستخدمها تلك الأطراف لـ (حماية المقاومة) في إشارة إلى ضرورة إطلاق يد الإرهابيين يفعلون ما يشاؤون بحجة الوزير الطائفي والهدف دائماً وأبداً استخدام (الإرهابيين) قاعدة للمقاومة كي يبقى هامش النفوذ لدى هذه الأحزاب كبيراً للوصول إلى السلطة وابتلاع المواقع السيادية كوزارة الداخلية وتحويل سكاكين الذبح ومفخخات الموت من يد الإرهابيين ومجموعاتهم اللامنظمة إلى داخلية النفوذ الجديد!!.

من الطبيعي أن يكون الوزير الحالي حريصاً على أداء واجباته الرسمية الأمنية بكفاءة عالية وأن يستمر وبنشاط معهود في بناء هياكل وقواعد الوزارة وتطوير المؤسسات والكتائب والأجهزة التابعة لها وأن لا يعير أدنى أهمية للكلام الطائفي المسموم ولا يعتبــر طروحات الكيانات التحريضية وطنية أو جادة لأنها أساساً تنطلق في احتجاجاتها وحواراتها مع الجانب الأميركي وتوسلاتها المستمرة بأطراف الإدارة والضباط الأميركيين من قناعات ضيقة يغلب عليها الطابع الثأري ـ الطائفي وليست قناعات وطنية لها علاقة بالحرص على مصالح العراقيين. وإلا لو كان هؤلاء جادين بهذا الحرص وصادقين في التباكي على (مصالح الشعب العراقي وأمنه واستقراره) لكانوا أدانوا أو تباكوا على عشرات الشهداء الذين يسقطون يومياً بــرصاص وسكاكين ومفخخات القتلة والمجرمين والإرهابيين الذين يشكلون القاعدة الخلفية للدليمي وصالح المطلك وخلف العليان. هؤلاء الذين بدأوا يجاهرون بمعاضدتهم للقتلة بعنوان المقاومة وتهديدهم باستخدام كل الوسائل المتاحة من أجل أن لا يلتئم المجلس النيابي القادم وكأنهم بذلك يعلنون حرباً شعواء ضد العراقيين إن هم لم يصلوا إلى الحكم بعد أن عرت الانتخابات النيابية زيف أدوارهم وكشفت هزالة وجودهم السياسي في أوساط المجتمع العراقي.

ولو انساق الوزير لمزاجهم وقناعاتهم وأهدافهم الباحثة عن السلطة لكان بيان جبــر أول وزير للداخلية يحكم بالعدل والإنصاف ولو كان كذلك لطبل هؤلاء الحاقدون على العراقيين كثيراً وزمروا وملأوا الدنيا هتافاً. لكن كيف يريدون منه أن يخون أمانة الدم العراقي الذي يسيل بغزارة كل لحظة في شوارع بغداد وديالى والموصل والبصرة؟ كيف يريدونه أن لا ينقض أخوته في ألوية وكتائب الداخلية على المجرمين والمردة والقردة والمتوحشين الذين يذبحون الناس على الهوية؟ وكيف يريدونه أن يتماهى مع الذين يبقرون بطون الحوامل ويغتصبون البواكر المحصنات في تلعفر عبر القادمين من وراء الحدود؟ الأنهم مقاومون بنظر الدليمي والمطلك؟ ماذا سيفعل الدليمي ومطلك والعليان لو أن (مقاوماً شريفاً) قام باغتصاب اخواتهم أو أقربائهم أو ذبحوا اخوتهم في الرمادي أو الفلوجة؟

هل لأن الذين يذبحون شيعة؟

إذن أين هي (العراقية ) التي يرفعونها شعاراً في خطبهم ولقاءاتهم وزياراتهم للأميركيين في مقر السفارة ببغداد وظهورهم العلني مع زلماي خليل زاد؟

لو كان الدليمي يمتلك ذرة حياء ويكون منسجماً مع (ثوابته) التي يدعي (ومقارعته) الوجود الأميركي وصراخه الشديد عن إخراج المتعددة الجنسيات وأن يكون البلد خال من الاحتلال لما خرج في مؤتمر صحفي مشترك مع زلماي زاد. أهذه هي المقاومة؟

هؤلاء دجالون يحتالون على أخوتنا السنة للإطاحة بالحقوق الشيعية، السياسية والاجتماعية والفكرية والمدنية، مع أن شيعة العراق حين يطالبون بهذه الحقوق لا يتجاوزون بها على غيرهم بل يعتقدون في أعماقهم أن حقوق الأكثرية لا تتم عبــر غبن حقوق الأقليات الدينية والمذهبية والقومية وأن افضل مفهوم للأكثرية حماية الأقلية.

إنهم يركبون موجة الحقوق المدنية السنية لتصفية حسابات وثارات طائفية قديمة يعرفها شيعة العراق لكنهم ساكتون عنها خدمة لمصالح الوطن وإيمانهم بضرورة صياغة عقد اجتماعي ـ سياسي ـ قيمي يؤسس وطن العيش المشترك ويقيم دولة العدل والمساواة وحقوق الإنسان لا بلد الثارات والشعارات الكاذبة والأحقاد المتراكمة.

أعود فأسأل:

ماذا فعل وزير الداخلية حتى يجن جنون الدليمي فيأمر بتجييش الأوباش وعسكرة الجهلة والمتخلفين والمنقادين إليه بدواعي الخوف من الشيعة وصل حد إقامة المسرحيات على ظهور السيارات الكبيرة وهم يؤدون رقصة (التعذيب الذي يجري في الداخلية)!؟

ليتهم أخرجوا هذه التظاهرات (العظيمة) يوم كان علي حسن المجيد يقتل ويعذب ويغتصب ويذبح عشرات الآلاف من العراقيين في أقبيته السرية ومقابــره الجماعية.

ثم لماذا خانتكم الشجاعة في الزمن الذي كان يفرض استعراض بشاعة السلطة الدكتاتورية الغاشمة السابقة؟

هل كانوا خائفين مذعورين من المجيد وكتائبه وجنده وأقبيته وسحنته القبيحة أم أنهم كانوا متواطئين معه ويجدون في ذبح الشيعة واغتصاب نسائهم وقتل شبابهم وتشريدهم في الأقطار والمحيطات والبحار واجباً شرعياً وتكليفاً وطنياً؟

أين كان عدنان الدليمي زعيم جبهة التوافق والمطلك المسؤول عن مزارع ساجدة خير الله طلفاح والعليان أحد وجوه القصور الرئاسية المعروفة يوم كان العراق يتعرض لأكبــر جريمة سبي بابلي في التاريخ؟

إن وزير الداخلية جبــر الزبيدي في كل الذي قام به في وزارته لم يكن يريد الانتقام من سنة العراق كما يحاول الدليمي والآخرون تكريس هذه النعرة في نفوس السنة ـ بل يريد الانتقام للسنة الذين تعرض خيارهم وأبنائهم البــررة وشخصياتهم الوطنية النبيلة إلى الذبح والقتل على يد أوباش النظام السابق. ويريد الانتقام من المجيد وسحنته القبيحة وماضيه الإجرامي عبــر تحقيق العدالة في مطاردة المجرمين والقتلة من الذين عاثوا في الأرض فساداً وحولوا نهارات العراقيين إلى ظلام دامس ثلاثة عقود.

لكن هؤلاء لا يميزون ـ لأحقاد طائفية ـ بين سني مجرم موغل بدم العراقيين السنة والشيعة وبين السني النبيل الذي ناله من الظلم الشيء الكثير.

لكن من الظلم والجريمة أن نسمي هؤلاء بالأحزاب الوطنية ـ الدليمي ـ المطلك ـ العليان. وحرام أن يكونوا في قلب العملية السياسية. إذ كيف يكون في الحكم ومفرداته من يحرض علناً على الطائفية ويتحدث باسم سنة العراق لتدمير ركائز ومقومات المجتمع العراقي.

هؤلاء يجب أن يكونوا في موقع المسائلة عن الماضي والسلوك ودفائن الأحقاد التي بدأت تظهر بقوة خصوصاً بعد أن وجه لهم أبناء العراق صفعة لا ترد في الانتخابات.

إنني أعلنها أمام العراقيين وأقول:

العليان والدليمي والمطلك وأشباه الرجال من أمثالهم يريدون دولة على مقاسهم. وإذا لم تأت هذه الدولة فهم يعودون إلى قوانتهم القديمة في العزف المنفرد على آلة (المقاومة) ومقاطعة العملية السياسية وكأنهم (بنات) مدللات. وليسوا أحزاب سياسية!!.

وعلى فكرة.. إن تهديدهم بعدم المشاركة في العملية السياسية إذا لم تعاد الانتخابات في بعض مناطقهم الساخنة (الساخنة لضرورات انتخابية وليست وطنية) ليس موجهاً للحكومة العراقية بقيادة العربي العراقي إبــراهيم الجعفري بل هي رسالة موجهة للأميركان ومؤدى الرسالة يقول.. نحن بنات الرمادي والفلوجة إذا لم نشارك في الانتخابات فإن المصيبة ستحل على رؤوس العراقيين. لأنهم يعرفون (قيمة المرأة) عند الأميركان وإلا لو كان هنالك إحساس، مجرد إحساس بالرجولة والوطنية لما أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ولو كانوا كذلك ويعرفون مثلاً أن الأميركان سيواجهون تظاهراتهم مثلما يواجهون صعاليكهم في الرمادي لسكتوا ولاعتبــروا الموضوع منتهياً وأن الانتخابات نزيهة وأن المفوضية مقدسة وسيحمدون الزرقاوي كثيراً ويسبحون بحمده وبحمد الأميركان الذين أعطوهم أو منحوهم مقاعد في البــرلمان ولم يمنحوهم فرصة لأخذ مكانهم في مزابل التاريخ.

لذلك أقول للدليمي وحوارييه... إلعبوا غيرها فنحن نعرفكم ونعرف أنكم تعتبــرون خليل زاده ضمانة لتكريس وجودكم في العراق بعد سقوط زعيمكم وبينكم وبين المقاومة الحقيقية التي تقودها حكومة العربي العراقي الجعفري بعد المشرق عن المغرب.

إنني هنا لا أدافع عن الوزر ولا عن رئيس الوزراء لكنني أقول.. بأن الوزير كان يعمل بواجبه لحماية مواطنيه العراقيين سنةً وشيعة، لكنني أستغرب فعلاً كيف أحتملكم كل هذه الفترة ولم يبطش بصعاليككم ومردتكم ومكاتبكم التي تؤدي أكبــر خدمة للإرهابيين؟. ولو كنت مكان الوزير لأمرت شرطة الداخلية بتتبع آثاركم وتفتيش أوكاركم ولدي يقين أنني سأجد كوفية الزرقاوي في (كنتور) أحدكم. مع يقيني أن كوفية الزرقاوي يرتديها العليان دائماً وهي جزء من ثمن استمرار عمليات الزرقاوي ضد العراقيين لحساب الدليمي ـ العليان ـ المطلك وهم يعملون ليل نهار للاستحواذ على مواقع مهمة في السلطة.

أخيراً أهمس في أذن وزير الداخلية: أخي باقر جبــر الزبيدي دقق في كوفية العليان وأخضعها للفحص لأن هنالك شبهاً بينها وبين كوفية الزرقاوي التي ظهر بها في آخر مجموعة صور نشرت في جريدة الشرق الأوسط وعلى المحكمة الجنائية المختصة بمحاكمة رموز النظام المخلوع أن تجلب ثلاث كراسي جديدة وتوسع قفص المحاكمة ليشمل المزيد من المخلوعين الجدد.