مصحف بخط الإمام علي (ع) يبحث عن مخبأ من صواريخ كروز الأمريكية




بغداد: د. حميد عبدالله


في بيت تراثي صغير في العاصمة بغداد ترقد 47 ألف مخطوطة هي من انفس ما ابتكره العقل العربي الإسلامي منذ العهد الراشدي حتى العصور العباسية المتأخرة. لقد نجت هذه الوثائق والمخطوطات بنفسها من دمار هولاكو ومحرقة طغرل بيك السلجوقي الذي احرق 400 ألف مخطوطة عندما استبد به الجهل والحقد على بغداد وأهلها ، ثم يأتي يهوذا البغدادي ليهرّب اكثر من 6000 مخطوطة نفيسة من بغداد إلى الولايات المتحدة في مطلع الخمسينيات ، لحقتها 10000 مخطوطة أخرى في مطلع الستينيات من القرن الماضي.

ويدين ما تبقى من الوثائق بالفضل لنخبة من رجال الفكر الذين دفعتهم نخوتهم إلى جمع تلك المخطوطات والحفاظ عليها في مطلع القرن التاسع عشر أمثال أبوالثناء الالوسي، والأب انستاس الكرملي، وعباس العزاوي ، ومحمد علي البلاغي وغيرهم. ومنذ مطلع السبعينيات بدأت السلطات الأثرية في العراق بحملة مسح شاملة لجمع الوثائق والمخطوطات ، وعلى مدى اكثر من ثلاثة عقود تم جمع اكثر من 47 ألف مخطوطة جمعت في دار صدام للمخطوطات فضلا عن 50716 مخطوطة أخرى مسجلة في حيازة مواطنين وجهات رسمية. أكثر من ثمانية ملايين صفحة من الوثائق والمخطوطات تم إدخالها في أجهزة الحاسوب من اجل ان تكون في متناول الباحثين، ومن اجل الحفاظ على النسخ الأصلية من تلك المخطوطات النفيسة بعيدا عن الأيدي ، وبعيدا عن آثار القصف الأمريكي الذي سيطولها إذا بدأت واشنطن حربها على العراق. السيد أسامة النقشبندي مدير دار صدام للمخطوطات أفنى اكثر من 46 سنة من عمره في رعاية المخطوطات والحفاظ عليها، وعلى كثرتها فان النقشبندي يحفظها عن ظهر قلب ، ويعرف أماكنها على وجه الدقة.

حين سألنا النقشبندي عن أهم المخطوطات التي تضمها الدار عدّد العشرات بل المئات منها ومن بين أهمها صفحات من القران الكريم كتبت بخط الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومخطوطات تعود إلى القرون الثلاثة الأولى للهجرة، وأخرى كتبت بعد انتشار الورق في بغداد عام 174 هـ/790 م مثل المصحف المكتوب بخط الوزير بن مقلة المتوفى سنة 328 هـ ورسالة الواثق بخط ابن البواب ، ومجمل اللغة لاحمد بن فارس التي كتبت سنة 446 هـ /1054م وديوان الحاسة الكبرى لأبى تمام الذي كتبه سنة 504 هـ/1110م. وكتاب الشروط وعلوم الصكوك، ورسوم القضاة لنجيب الدين السمرقندي الذي كتب سنة 509 هـ/1115م ونسخة من ديوان الحطيئة واقدم نسخة من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الذي كتب سنة 556 هـ / 1160م. * يواصل النقشبندي تعداد ما في خزانته من درر ونفائس فيصل إلى اشهر الخطاطين الذين عرفهم التاريخ العربي وما تركوه لنا من آثار تتجدد قيمتها مع الزمن لكنها لا تتكرر، ومنها المصاحف وكتب كتبها ألمع الخطاطين مثل ابن مقلة واحمد السهروردي وحمد الله بن الشيخ الأماسي، وإبراهيم الموروي.. ويتوقف النقشبندي عند مخطوطات غريبة ونادرة استخدمت في كتابتها أساليب شبه إعجازية من بينها كتاب (قانون السياسة ودستور الرياسة) المكتوب سنة 753هـ/ 1352م وما يميز هذه المخطوطة وجود دائرة وسطية زرقاء مفصصة كتب في داخلها اسم السلطان وألقابه بالحبر السري الذي تعذرت قراءته إلا بالأشعة تحت الحمراء، وهناك مصحف كريم كتبه إبراهيم الموروي سنة 1203هـ/1788م واستخدم في كتابته أسلوبا متميزا بحيث جعل الحرف الأول من السطر الأول نفس الحرف الأول من السطر الأخير والحرف الاول من السطر الثاني هو نفس الحرف الأول من السطر الثاني قبل الأخير وهكذا إلى ان يصل إلى السطر الثامن فيكون الحرف الأول منه نفس الحرف الأول من السطر الثامن من الصفحة المقابلة، والأغرب ان ثمة مصاحف كتبت على جلد أفعى مدبوغ ومثمن الشكل لا يزيد قطره عن بوصة مربعة واحدة،

كما كتبت سورة الإخلاص مع البسملة والتصديق على حبة أرز، وسورة قريش على حبة قمح، كما كتب مصحف كامل على ورق بوجه واحد بقياس 75 سم، وكتب (جزء عم) بدقة متناهية داخل هلال قطره لا يتجاوز 10 سم. * وطيلة لقائنا معه لم يستطع أسامة النقشبندي ان يخفي قلقه على مصير خزانته وما فيها من نوادر ودرر إذا ما تعرضت بغداد للقصف الأمريكي ، فهو يرى ان له 47 ألف ولد، وهو عدد الوثائق التي تضمها الدار، وهؤلاء الأولاد هم أغلى ما يملك في هذه الدنيا، بل هم أغلى حتى من أفراد عائلته الحقيقيين. لكنه يطمئن نفسه بالقول: ان للمخطوطات قدسية تحميها.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/Arti...=47498&Sn=WORL