على أعتاب اتفاقية سحب القوات...
أي الجهات تعمل لصالح العراق وأيها تعمل ضده؟!



( بقلم : حسن الهاشمي )


تعد المرجعية الدينية العليا بحق صمام أمان للبلد من الانهيار والجماهير من التشرذم والإقتتال، وهي التي وقفت مع حقوق المواطن في العيش الكريم ودافعت عن سيادة واستقلال الوطن بكل ما أوتيت من قوة وذادت عن المبادئ والقيم والفضيلة في أحلك الظروف التي مرت بشعبنا الممتحن، وفيما يرتبط بأهم القضايا التي مرت على أمتنا وهي رهينة انعكاساتها على مدى عقود متمادية من الزمن، لذا اصدر مكتب المرجع الديني الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني ( دام ظله الوارف ) في النجف الاشرف في 18/11/2008م بيانا حول اتفاقية انسحاب القوات الأمريكية من العراق والتي أحيلت إلى مجلس النواب العراقي للنظر فيها والمصادقة عليها أو رفضها وجاء فيه:
( إن ما ابلغ به سماحة السيد ( دام ظله ) مختلف القيادات السياسية خلال الأيام والأسابيع الماضية هو ضرورة أن يبنى أي اتفاق يستهدف الوجود الأجنبي في العراق وإخراج البلد من تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على أساس أمرين :

أولا : رعاية المصالح للشعب العراقي في حاضره ومستقبله ، وتتمثل بالدرجة الأساس في استعادة سيادته الكاملة وتحقيق أمنه واستقراره .

وثانيا : حصول التوافق الوطني عليه ، بان ينال تأييد مختلف مكونات الشعب العراقي وقواه السياسية الرئيسية وقد أكد سماحته على أن أي اتفاق لا يلبي هذين الأمرين وينتقص من سيادة العراق سياسيا أو امنيا أو اقتصاديا ، أو انه لا يحظى بالتوافق الوطني فهو مما لا يمكن القبول به ، وسيكون سببا في المزيد من معاناة العراقيين والفرقة والاختلاف بينهم.

وشدد سماحته أيضا على أن ممثلي الشعب العراقي في مجلس النواب يتحملون مسؤولية كبرى في هذا المجال وعلى كل واحد منهم أن يكون في مستوى هذه المسؤولية التاريخية أمام الله تعالى وأمام الشعب فيتصدى لإبداء رأيه في هذا الموضوع المهم واضحا جليا ووفق ما يمليه عليه دينه وضميره بعيدا عن أي اعتبار آخر، والله الموفق ). المتابع لآراء المرجعية العليا في القضايا الحساسة خاصة يرى أنها تعتمد الحكمة والحنكة وبعد النظر في الطرح والمعالجات وأنها تصب دائما وأبدا في مصلحة الدين والشعب والوطن، وخلافا لبعض الآراء المتشنجة والمرتبكة والمتناقضة التي تطلقها بعض المرجعيات الدينية والسياسية، فإن المرجعية العليا عودتنا بأنها تضع البلسم على الجراح وتحاكي الواقع وتنطق عن الضمائر الحية التي تتوخى العدالة في الطرح والتوازن في المعالجات والحكمة في القرارات التي نراها جلية واضحة في جميع مواقفها وفي شتى الميادين، ولأبوة الطرح وشموليته فإن الجميع يتفاعل معه بغض النظر عن انتماءاته لأن الذي يخرج من القلب يدخل في القلب والكلمة الطيبة يلتف حولها الجميع ويتفاعل معها كل ذي لب: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء [إبراهيم : 24]

أي مرجع ديني أو سياسي يدافع عن الجميع وبدون تكلف؟! وأي رجل يسعى لتحقيق العدالة ولا يهاب في تطبيقها أية قوة في الأرض سوى الله تعالى؟! وأي عالم دين ينطق عن الحق وعن رضا الله ولا تدفعه في ذلك منفعة شخصية أو ولاء ضيق أو أجندة داخلية أو خارجية؟! وأي قائد يقابل الإساءة بالإحسان ويدعو إلى التهدئة مهما تمادى الأعداء ومهما اقترفوا من جرائم وموبقات، وأي حكيم لولا حنكته لانجرفت البلاد في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر حرثا ولا نسلا، هذه الأسئلة وغيرها أتركها لكي يجيب عليها كل شريف وكل من يكون دافعه إنسانيا ووطنيا لا يحمل حقدا وضغينة ولا يكون عرضة للميول والاتجاهات!!!

حقا إن رعاية المصالح العليا للشعب العراقي في الحفاظ على سيادته واستقلاله وعدم اتخاذ العراق منطلقا للاعتداء على دول الجوار هي أمور لا تخص جهة دون أخرى، وعليه فإن الكتل السياسية جميعا مدعوون لانتخاب أفضل الحلول الممكنة وهي القبول بالاتفاقية بعد إجراء التعديلات عليها وتصويبها من قبل مجلس الوزراء بأغلبية ساحقة، والبعض يتحرك بالضد من الاتفاقية بدوافع شخصية وحزبية بعيدا عن المصالح الوطنية التي هي مضمونة بالاتفاقية، وهي أفضل الممكن كما سماها البعض أي أفضل من اللجوء إلى مجلس الأمن وأفضل من جلاء القوات المفاجئ في حالة عدم جهوزية قواتنا المسلحة، وعلى كل حال أفضل من رفضها وما يتعقبه من إحداث فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية عارمة وهو ما يسعى إليه البعض نكاية بالمالكي وانتقاما من حكم الأكثرية ويحاول تمرير تلك السيناريوهات بشعارات وطنية ثورية مضللة.

وأن البعثيين ومن يدور في فلكهم يسعون لعرقلة الاتفاقية وإسقاطها لإرجاعنا إلى المربع الأول في الحكم الطائفي الديكتاتوري البغيض، ولو كان أحد أذنابهم على سدة الحكم لقبلوا بها منذ أكثر من عام من دون تعديل إرضاء لأسيادهم وتثبيتا لكراسيهم، ولكن النفاق الذي يعتمل صدورهم جعلهم يتخبطون في رفضها ما حدى برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن يصنف قوى عراقية بالازدواجية السياسية في خطابه الموجه للشعب العراقي، وذكر المالكي في خطابه: ما يثير استغرابنا أن البعض يمارس ازدواجية سياسية في مواقفه من اتفاقية سحب القوات الأجنبية، فما يتحدثون به لوسائل الإعلام يتناقض تماماً مع ما يقولونه في الاجتماعات الرسمية، كما إنهم يعملون على تضليل الرأي العام والتشويش عليه من خلال الادعاء بوجود بنود في الاتفاقية تتحكم من خلالها الولايات المتحدة بوزارتي الدفاع والداخلية والسيطرة على نفط العراق وثرواته.

وكشف المالكي في خطابه انه بالأمس كانت بعض القوى السياسية ترفع لافتة المطالبة بجدولة انسحاب القوات الأجنبية حتى وان كان على المدى البعيد، ومع شديد الأسف تراجعت هذه القوى عن مطلب وطني نسعى إلى تحقيقه وهو سحب القوات الأجنبية من العراق الذي أصبح حقيقة واقعة في نص الاتفاقية، إنهم في واقع الحال يريدون بقاء القوات الأجنبية في العراق ، فوجودها على الأراضي العراقية قد تحول لديهم بوعي أو بدون وعي، ومع شديد الأسف ، إلى مناورة سياسية لتنفيذ أهداف ومصالح غير وطنية...

والمتابع السياسي يعلم قبل غيره أية جهة سياسية كانت تمارس الازدواجية وأيها كانت تطالب بجدولة الانسحاب، وكذلك يعلم أي الجهات الدينية والسياسية تعمل لمصلحة العراق والعراقيين وأي الجهات تعمل لمصالحها الشخصية والحزبية والطائفية والإقليمية؟!