ومن الحسد ما يدمر!

حسد النساء اكبر عادة من الرجال

مع تزايد الفروق بين الناس في العصر الحديث فإن الحسد قد يتحول إلى أداة تدمير هائلة للنظم الاجتماعية



ميدل ايست اونلاين
ا
فرانكفورت - من توبياس ويتهوف



أصبح الحسد مشكلة متزايدة في مجتمع العصر الحديث... هذا ما أكده علماء النفس في أحدث الابحاث الاجتماعية.

وإذا كان العلماء أجروا بحوثا على الحسد ومشاكله وتأثيره في العصر الحديث إلا إن لا أحد لم يعرف الشعور بالحسد.

يمكن أن تشعر به إذا ما امتدح رئيسك في العمل أحد زملائك أو حين ينجح أحد الاصدقاء أو الجيران في إنقاص وزنه بصورة ملحوظة فالسعادة التي يتمتع بها الاخرين دائما ما تكون صعبة التحمل للاخرين.

وتقول الباحثة التي أعدت الدراسة أنتيا شروب من فرانكفورت إن النساء أكثر قابلية للشعور بالحسد لانهن عادة لا يتمتعن بحقوقهن كاملة.

والطريف أن هذا الحسد لا يوجه إلى الرجال لانهم أكثر تمتعا بالحقوق ولكنه غالبا ما يتجه نحو "نساء أخريات يمتلكن أكثر ولكنهن لا يمتعن بحقوقهن رغم ذلك".

ويقول سيجارد نيكيل عالم الاجتماع في فرانكفورت إن "الحسد كان دائما صفة إنسانية لا علاقة لها بالمجتمع الحديث" وإن الانسان حيوان اجتماعي يشكل صورته عن نفسه بمقارنتها بالاخرين.

وقال نيكيل "طالما قارن الانسان نفسه بغيره سيوجد الحسد".

والرفض الاجتماعي للحسد قديم قدم الحسد نفسه حيث أنه أحد الخطايا السبع الكبرى (وهي قائمة الخطايا التي وضعها البابا جريجوري في القرن السادس الميلادي) وهي الرغبة والغضب والحسد والشراهة والكسل والتباهي والطمع.

ولكن الحسد احتل مكانا بارزا في المجتمع الحديث. ويقول البروفيسور رولف هاوبل المتخصص في علم النفس إن الحسد كان "سابقا من المحرمات ولكن اقتصاديات السوق تستخدمه كعنصر إنتاجي" استغلالا لرغبة الناس في اقتناء ما لدى الآخرين.

وعادة ما يوجه المواطن العادي شعوره بالحسد تجاه الطبقات الاعلى أو الاكثر ثراء من صفوة المجتمع رغبة منه أن يصبح مثلهم وهنا يخلق الشعور بالحسد ديناميكية اجتماعية في المجتمع. ولكن في حالة اتساع الهوة بين هذه الطبقات قد يؤدي الامر إلى تصدع النظام الاجتماعي.

ويقول نيكيل إن النجاح لم يعد مرادفا للانجاز ولكن للصدفة. ولم تعد مزايا صفوة المجتمع من الاغنياء مبررة "وهذا يؤدي إلى نمو شعور الطموح الحاقد الذي يؤدي إلى شلل اجتماعي يظهر في نمو مشاعر الحسد المصحوب بالعنف".

ولكي يعي الفرد بوجود مثل هذا الشعور داخله عليه أولا أن يملك نظرة واعية واقعية لنفسه. وتقول أنتيا إن الحسد "هو الحرب التي نشنها على أنفسنا".

ويقول هاوبل إن الحقودين يحقرون امكانياتهم بالسعي وراء أشياء يرون أنها متوفرة للآخرين لكنها ليست لديهم.

وتقول أنتيا إن العديد من النساء يفضلن أن يصبحن مستقلات ماديا ولكنهن لسن مستعدات لدفع ثمن ذلك كأن يعملن ساعات أطول مثلا لكسب مزيد من المال. وتنصح أنتيا بضرورة الاهتمام بالاشياء التي يمكن أن تشعل الحماس لتحقيق ما يرغبه الانسان.

وتضيف أن النساء لديهن مشكلة مزدوجة لانهن لا يواجهن مشكلة إحساسهن بالحسد. بينما "يفخر الرجال فقط بما حققوه. وإذا شعرت المرأة بالحسد فهي عادة لا تظهر ذلك أبدا. فهي غالبا ما تلجأ إلى أصدقائها لتجد راحتها في النميمة بشأن ما يقلقها ويثير حسدها".

وتقول أنتيا انها تقابل نساء يشعرن بالحسد وهي تشعر بذلك دون أن يعبرن عنه حيث يظهرن حسدهن بشكل غير مباشر. وتقول "حينما أتكلم أمام جمع بينه عدد من النساء أشعر بان واحدة منهن ترغب بشدة في أن تقف مكاني".

وأصبحت أنتيا خبيرة في هذا الامر لانها أرادت أن تتعامل مع إحساسها الشخصي بالحسد. وقالت إنها شخصيا تمكنت من التغلب على الحسد عن طريق الدين وقالت "إن الله يحب الجميع .. دون أي شرط".

أما في الثقافة العربية فقد تناول البعض الحسد من منظور ديني حيث ذكر في القرآن والانجيل. ويرى مؤيدو هذا المنظور أن الحسد معصية تجاه الخالق يعاقب عليها مرتكبها. بينما شاب مفهوم الحسد العديد من المفاهيم الغيبية في بعض المجتمعات العربية.

ويقول القرآن على سبيل المثال في صورة الفلق (ومن شر حاسد إذا حسد). وروي عن النبي محمد (ص) في أحد أحاديثه (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب). بينما جاء في الكتاب المقدس في رسالة بولس الرسول إلى أهل كورونثوس "فاطرحوا كل خبث وكل مكر والرياء والحسد وكل مذمة.." وتضع المسيحية الحسد ضمن عمل الشيطان.

كما يتمتع الحسد بنصيب وافر في الحكم والامثال العربية التي شابها المفهوم الغيبي مثل "العين صابتني ورب العرش نجاني" وهو مثل مصري يرجع الحسد لاسباب غيبية مثل النظر بالعين من الحاسد و(عين الحسود فيها عود). كما يعالجون الحسد بنفس المفاهيم الغيبية مثل ارتداء الخرزة الزرقاء وغيرها من المظاهر التي يعتقد البعض أنها تقي من الحسد.