(«الشرق الاوسط») تستطلع الأوضاع في «مثلث الموت»

اللطيفية: مهدي العامري
عند رأس ذلك المثلث الذي بدا لنا وكأنه يقتحم الموت كنا باتجاه مجهول قد ينزل الغضب على كل من يسكن ذلك المكان الذي اطلقت عليه القنوات الفضائية والاعلام في كل مكان اسم «مثلث الموت». وصلت «الشرق الاوسط» الى رأس المثلث ودخلت الطريق الدولي الوحيد الذي يربط العاصمة بغداد بالجنوب والذي يمر عبر ذلك المثلث او منطقة اللطيفية والذي تقصده الاف الشاحنات شهريا وهي تنقل مواد غذائية، اضافة الى استخدامه من قبل القوات الاميركية لنقل معداتها والياتها.
الحذر كان يحيط كلمات كل من التقتهم «الشرق الاوسط» في منطقة اللطيفية، التي يؤكد اهلها على انه لا وجود للمسلحين فيها وان بعضهم يتسلل اليها من الخارج، ليدفع الابرياء ثمن وجودهم. وكان سيد النصح بأن لا نتوغل الى داخل المدينة، بالنظر للخطورة القصوى التي قد نواجهها. وبناء على تحذيرات القوات الاميركية، فلا يمكن ان نمر عبر الطريق المؤدي الى اللطيفية من دون التعرض الى الموت او للاعتقال. ومن بين اكثر الناس الذين تلقينا تحذيرا منهم، كبير شيوخ عشائر اللطيفية كاظم الشبلي الذي يقول ان القوات الاميركية والعراقية داهمت العديد من المنازل واخذت قسما من اصحابها. وعدّ الشيخ الشبلي هذه المداهمات بالمسألة الخطيرة التي لا يمكن السكوت عنها لانه، حسب قوله، لا يرضى بانتهاك الحرمات. وتساءل عما يريده الاميركيون من مدينته فيقول: ما الذي يريده الاميركي منا؟. ان مناطقنا وقرانا امنة ولا يوجد فيها من يحمل السلاح. لدينا سلاح.. نعم. ولكننا نستخدمه في حالة الدفاع عن النفس. اما من زعم بوجود مسلحين فاننا نقول له ان هذا الكلام غير دقيق وعوائلنا لا تحمي المخربين والمجرمين.
لم يكن الدخول الى مدينة الموت امرا هينا بسبب انتشار الاسلاك الشائكة ونقاط التفتيش، خاصة ان اهل المدينة يتبادلون الاشارات والتلميحات عن وجود طرق مسدودة مما يضطرهم الى استخدام طرق وعرة ترابية يسلكونها للتنقل حيث قامت القوات الاميركية بسد جميع المنافذ المؤدية الى المدينة وعزلت سكانها عنها وتركت طريقا ترابيا على يسار الشارع الرئيسي وهو الطريق الوحيد، اذ ينتشر افراد من الجنود الاميركيين على مداخل ومخارج المدينة، اما الجسر الوحيد في المدينة فقد دمرته العناصر المسلحة في احدى هجماتها الاخيرة وهو المكان الذي تنطلق منه تلك العناصر عبر المزارع والبساتين التي تحيط بالمدينة لشن هجماتها.
ويقول شهود عيان ان المكان الذي وصلت «الشرق الاوسط» اليه هو المكان الذي تشن فيه العناصر المسلحة هجماتها المستمرة مستهدفة الاليات العسكرية والشاحنات المدنية والمواد والذخائر وصهاريج الوقود التابعة للقوات الاميركية والجهات التي تتعاون معها أو تلك التي تحمل مؤنا غذائية الى العراقيين.
يروي لنا عماد الغريري، 30 عاما، ويعمل سائقا في اللطيفية والذي استعنا به للوصول الى قلب المدينة قائلا «نعاني من عدم التعاون من قبل افراد الحرس الوطني حيث قام هؤلاء بمداهمة البيوت وهم يصرخون ويسخرون منا ويقومون بسرقة البيوت بمساعدة القوات الاميركية.
ويقول محمد حسين من حي البعث، 20 عاما، ان افراد الحرس الوطني الذين ينتشرون في الحي قاموا مداهمة عدد من المنازل بحثا عن المسلحين واعتقلوا البعض منهم في مكان لم يعرف لحد الان». واصلت «الشرق الاوسط» جولتها في مدينة الموت، وبما ان الغذاء والدواء هما العاملان الاساسيان للعيش كان لزاما علينا ان نلتقي ابو عماد الوكيل الوحيد للمواد الغذائية في المدينة والذي يزود احياء اللطيفية بالمواد الغذائية، وكان محله مقفلا وعندما طرقنا بابه اجاب بالقول ان «المواد الغذائية تأخرت في الوصول الى المدينة وان الاهالي يشكون شظف العيش واغلب اصحاب المحال اغلقوا محالهم وتركوا اعمالهم خوفا على حياتهم، كما ان المدينة وكما ترون اصبحت مدينة اشباح».. بعدها اغلق الباب ودخل الى بيته.
المستشفى الوحيد في مدينة الموت كان خاليا من الاطباء والممرضين واصطف عدد من المرضى الى جوار وداخل المستشفى الذي يفتقر الى ابسط الخدمات وهو في حالة هزيلة حيث تعرض هو الاخر الى الدمار بفعل القصف. ولاحظنا ان المرضى بانتظار قدوم الطبيب الوحيد لعلاجهم وهم من النساء والاطفال والشيوخ الذين يعانون من امراض التايفوئيد والديزانتري والتهاب الكبد الفيروسي بسبب الماء الملوث.
كان جابر حسون يئن ويصرخ طالبا العلاج من الجميع لمساعدتهم ويقول «انقذوني فانني انزف دما. اعينوني وساعدوني ان صحتي بدأت تسوء». كان جابر يعاني من مرض الديزانتري الحاد هو ومجاميع اخرى نتيجة شربهم الماء الملوث وكان بحاجة الى العلاج وظل يصرخ الى ان اغمى عليه.
غادرنا المنطقة التي يطلق عليها مثلث الموت والمداهمات التي تقوم بها القوات الأميركية حيث انتشرت داخل وخارج المدينة بشكل كبير وقد حمّلنا اهالي المدينة باسئلة احترنا في الاجابة عليها وهي... هل ستتحول هذه المدينة الى الفلوجة رقم 2؟ سؤال على ما يبدو ان الاجابة عليه صعبة جدا في اجواء تبدو ملبدة بالغيوم خصوصا ان اهالي المدينة يؤكدون ان البساتين المحيطة بهم هي التي تضم مسلحين جاءوا من خارج المدينة والمداهمات تدخل المدينة على ان المسلحين يوجدون فيها.. القضية تبدو متشابكة ولكن الالم يكبر على القضية احيانا ونأمل لآلام اهالي اللطيفية ان تنجلي ويعمها السلام بعد ان احيطوا بالحرب من كل مكان!!