السلوك الانتخابي
يُعبر عن الانتخابات بأنها إثبات وجود ومفترق طرق ،فإما الإستمرار في الطريق المتبع ومواصلة المنهج أو تغيير المسار.
ولهذا يشحذ السياسيون ومن خلفهم ماكنتهم الاعلامية كل طاقاتهم للإعداد لحملة إنتخابية قد يُطلق عليها تسمية السلوك الانتخابي ، ويكون المواطن هو المتلقي لكل العروض من هؤلاء .
وتقع المسؤولية الأخلاقية والوطنية على شريحة الكتاب والمثقفين المشاركين في عملية صنع الحملة الانتخابية ووضع منهج للسلوك الانتخابي .
وبما أن أي حملة إنتخابية تعتمد على طرق ثلاث هي إما مهاجمة الخصم المنافس والتركيز على سلبياته وإبرازها بحيث تكون ككرة الثلج التي لا يمكن إذابتها من عقل المواطن .
أو عرض للبرنامج والدفاع عن الرؤية السياسية والاداء للفترة الماضية وما يُخطط له في المستقبل بناءا على نجاحه فيما سبق .
والطريق الثالث وهو الجمع بين الاول والثاني بدقة وحرفية وأن لا يغلب طريق على آخر .
والتساؤل هل يمارس السياسيون ومن خلفهم الكتاب والماكنة الإعلامية المنهج بصورة طبيعية دون زيادة أو نقصان ،وبصراحة أكثر هل تتم أو ستتم هذه الممارسات دون كذب وتدليس وافتراء و تسقيط وهو ما شاهدناه قبل الحملة الانتخابية !؟
بعضهم يُجيب مازحا وربما جادا في أحيان كثيرة بأن السياسة هي فن الكذب والتدليس والتلميع لمن تنتمي إليه وهذا ما نحتاجه في الانتخابات فالغاية تبرر الوسيلة لكسب الأصوات ولمنعها عن الاخرين .
فالغاية هي الفوز في الانتخابات ولا يكون ذلك إلا بخسارة الاخرين و لا يمكن ذلك إلا بالأمر أعلاه !!
وفي واقعنا العراقي بدأت الحملات الانتخابية المنظمة للكتل السياسية قبل بدئها رسميا ،وأكاد أفتقد حتى هذه اللحظة لسلوك متميز أو لخطاب إعلامي يعتمد الموضوعية والشفافية والصراحة المتناهية ومن ثم عدم إلصاق التهم بالاخرين .
وكأن العملية طبيعية جدا ولسان الحال يقول (إكذب إكذب حتى يُصدقك الناس ،واكذب واكذب حتى تُصدق نفسك) .
وما اُريد التركيز عليه وأتساءل هل نعيش أزمة أخلاقية وفكرية تستسيغ هذا المنهج ؟
ولست بحاجة إلى ذكر أمثلة فيما يُنشر يوميا أو يبث على مدار ساعات اليوم الأربع وعشرين من السياسيين والاعلاميين وكذلك من الذين تبرعوا ليكونوا مؤيدين ومناصرين لهذا أو ذاك لأننا سنهتم بالمثال ونترك جوهر الموضوع !!
وفي بعض الاحيان تصل إلى حد الغثيان والتقزز من الكذب ومن أُمور مطلع عليها بتفاصيلها وينقل لك الاخرون عبر وسائل الاعلام خلاف ذلك وقد تصل اليك عن طريق الاشاعة التي أرى أننا من أكثر الشعوب تناولا وتداولا لها ،على غرار ما حصل لأحد الفقهاء في فترة إنتشار الكذابين ووضاع الحديث فقد روي عنه في أحد المساجد حديثا كذبا لم يكن قد قاله او نقله ،فسأل الراوي من نقل هذا الحديث فقال فلان بن فلان وجاء على ذكر اسمه فقال انا هو ولكني لم أرو هذا الحديث فأجابه وهل أنت الوحيد بهذا الاسم!!
وإني أخشى ما أخشاه هو فقدان الثقة بالكل في زمن يُراد له أن يسقط الجميع في الفخ ويدب اليأس في المواطن العراقي ولا يجد مثلا واحدا تتجه إليه الأنظار .
وربما يُساعد في هذا الأمر السياسيون أنفسهم حينما يطلقون العنان لألسنتهم وربما لخيالاتهم فيرسم خارطة سوداء لمستقبل العراق وطبعا لاتجد فيها مكانا له أو ربما يكون هو النقطة البيضاء الوحيدة في هذه الخارطة !!.
فهل نحن بحاجة الى مفاهيم لسلوك انتخابي نلتزم بها ؟ وكم لنا من الوقت حتى نستطيع الالتزام بهذه المفاهيم أسئلة ربما لانجد الاجابة عليها في ظل هذه الضبابية التي رسمها لنا من تصدى للمشهد السياسي ولكنني لا أفقد الأمل بأن هذه الضبابية لابد لها من الذهاب لأنها ليست أصلا في النفس العراقية وهي ظاهرة طارئة ستتلاشى بقوة الأصالة والعودةإلى الفطرة السليمة على غرار المفهوم القراني ( وأما الزبد فيذهب جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) صدق الله العظيم .
عبدالأمير علي الهماشي
.