حينما ناضل الشعب العراقي وطيلة أكثر من أربعة عقود سوداء دموية وقاسية ضد حكم الزمرة والفئة البعثية الباغية فإنه فعل ذلك ليس تقربا أو تزلفا لفئة أو عشيرة أو حزب أو عمامة؟ بل فعل ذلك كرد فعل طبيعي لرفض الظلم ولنصرة الحرية ومن أجل أن يكون للعراق والعراقيين مكان تحت الشمس في عالم ينمو ويتطور بشكل ثوري بينما تنكفأ شعوبنا تحت رحمة الطغاة والجلادين والعشائريين وسقط متاع القوم من القتلة والمجرمين والمتخلفين، وحينما ضحى الشعب العراقي وقدم الدماء العبيطة من أجل الحرية والإنعتاق فلم يكن ذلك لمصالح وحسابات طائفية ومناطقية ضيقة وليس لحساب عمامة معينة أو لصالح أبناء الآلهة الجدد وإستبدال البعثيين الطغاة بالمعممين الذين لا يشبعون من النهب والإستحواذ والتسول المقدس والضحك على عقول البسطاء من المؤمنين؟ بل فعل ذلك من أجل التقريب من يوم الخلاص.
وما يدور في العراق اليوم من ظواهر شاذة هو أمر قد تجاوز كل التوقعات وحتى الإحتمالات ذات الطابع الكوابيسي المحض، فلقد تحولت حرية العراق لحرية النهب من قبل مجموعة من الذين كانوا بالأمس القريب يشكون من الفاقه والعوز وقلة الأعوان و يتلمسون المساعدات من هذا الطرف أو ذاك فإذا بهم بعد أن حقق الأمريكان لهم حلم حياتهم وأسقطوا النظام يتحولون لماكنة نهب لا تشبع ولطاحونة هيمنة وإستحواذ لا تعرف الكلل ولا الملل ولا الرحمة!! لقد تحول (مستضعفوا) الأمس القريب لطغاة الوقت الحاضر!! وكل ذلك يجري تحت شعارات (النهب الإيمانية) ولصالح المستضعفين!!. وسأوضح ما أقصده بالضبط خلال السطور القادمة التي تكشف واقعا مخزيا وحقائقا مؤلمة سكت عن أغلبها كتاب العراق لأسباب شتى لعل من بينها الخوف من إهدار الدم والتكفير! ومن أهمها (النفاق) وهي الصفة الملتصقة بغالبية كتابنا ومثقفينا للأسف؟ لأن هؤلاء قد أثبتوا على الطبيعة من أنهم ليسوا أهلا لحمل أمانة الكلمة أو لرسالة الحرية المقدسة التي لا تعلو فوقها أي هامة أو عمامة تدعي العصمة والألوهية المزيفة.
لقد لفتت نظري خلال مراسم عاشوراء الأخيرة في العراق والتي إستثمرتها الأحزاب الدينية والطائفية إستثمارا سياسيا مروعا في محاولة لإستعراض القوة والهيمنة على الشارع الشيعي العراقي من خلال المبالغة في الطقوس الغريبة عن الإسلام وحتى عن التشيع العربي المعروف قبل أن تشوهه المؤثرات الإيرانية والفارسية البعيدة كل البعد عن بساطة الدين وسماحة العقيدة وتراث أهل بيت النبوة الأطهار الرافض لكل ممارسات أهل الغلو والتطرف!... أقول لفت نظري قيام السيد (عمار الحكيم) إبن زعيم المجلس الأعلى (عبد العزيز الحكيم) بقراءة المقتل الحسيني أمام أعتاب وأقطاب رجال الحكومة العراقية الهمايونية السنية!! وقيام هؤلاء ومنهم الجلبي والربيعي وغيرهم بذرف دموع التماسيح الإستعراضية فكان منظرا هزليا أكثر من كونه مأساويا، فعمار الحكيم رغم (قداسته المفروضة وزعامته الطموحة) لا يصلح أساسا لقراءة المقتل لعدم خبرته ولصغر سنه ولضعف قابلياته إذا ما قورنت بكبار القراء من أمثال المرحوم (عبد الزهرة الكعبي)!!، فهذا الشاب الصغير قد أضحى الزعيم المقبل لآل الحكيم وحيث أخذت دوائر المجلس الأعلى الإعلامية تلمعه وتصقله وتعده لعرش الخلافة المنتظر؟ وهو ما تبذل من أجله اليوم كل الجهود وتتم كل الإستعدادات في ظل غياب القيادات الشعبية والوطنية العراقية وإنكفاء المشروع الوطني العراقي، وتعرض العراق للنهب والإستباحة من العصابات الدينية والطائفية التي تهيمن على شوارعه بدءا من عصابات المجلس الأعلى الإيرانية المسماة (فيلق بدر)!! وليس إنتهاءا بعصابات مقتدى المنغولي الصغير وجيشه المهدوي البائس وقطعانه الإجرامية من اللصوص والقتلة، وإذا كانت جماهير النجف قد خرجت سابقا وهي تهتف ضد مقتدى وجيشه قائلة : { جيشك مقتدى كله حرامية }، فإن جماهير النجف نفسها تتحدث اليوم عن حملات الهيمنة والإستحواذ والمصادرات الكبرى التي تمارسها جماعة المجلس الأعلى على المدينة ومقدراتها وهو أمر كتب عنه بعض المعلومات ثم توقف الحديث ليصبح صمتا هامسا في ظل الرعب والخوف من القتل والتصفية الجسدية لكل من يفكر في الوقوف بوجه العصابات الدينية والطائفية الجديدة.
فعمار الحكيم مثلا وقد أضحى في ظل مرض والده وإمكانياته المحدودة هو اللولب الحركي لجماعة المجلس أمينا عاما لما يسمى بمؤسسة (شهيد المحراب)!! وهي المؤسسة التي قامت بمصادرة العديد من قطع الأراضي الستراتيجية في مدينة النجف والدور السكنية التي كتب عليها أنها عائدة (للسيد عمار الحكيم)!! في موقف يذكرنا بتصرفات عدي صدام حسين أيام سطوته!!، فلقد تمت مصادرة الدور السكنية الكبيرة (600متر) وما فوق في المنطقة الواقعة بين ساحة ثورة العشرين وعلى إمتداد طريق (أبو صخير) بإتجاه الديوانية! أي ما مساحته عشرة كيلومترات ومن بلدية النجف وبسعر بخس ورمزي وبحجة أنها ستخصص كأماكن مهيئة لإستقبال الزوار الإيرانيين!! بل أن المجلس الأعلى وبقوة وإرهاب وسلاح منظمة بدر قد أرسلوا إنذارا صريحا لبلدية النجف أمده 3 أشهر لأخلاء البلدية والبحث عن مقر جديد وقد بقي من الموعد شهر حتى الآن!! والبلدية تبحث اليوم عن مأوى يأويها؟ كل ذلك من أجل عيون ما يسمى بمؤسسة (شهيد المحراب) وزعيمها السيد (عمار الحكيم) دام ظله الوارف!!.
كما أن حزب الدعوة وعبر زعيمه الجعفري غير راغب بالخروج من مولد النهب بلا حمص ولا عدس فقد هيمن هو الآخر على (منتزه النجف) ومتنفسها الوحيد ليحوله لما يسمى ب(مؤسسة الشهيد الصدر)!!
أما آل بحر العلوم (رعاه الله) فقد إكتفوا من الغنيمة والكيكة النجفية بقطعتي أرض فقط لا غير إحداهما قرب نقابة المعلمين والأخرى في (حي الفرات)!! وهنيئا لأهل القناعة!!.
أما الزعيم الخطير والمقاتل الصنديد مقتدى الصغير فقد أنشأ حي سكني أسماه (حي الرحمة) ووزع قطع الأراضي على أتباعه الصدريين بواقع 200 متر لكل عنصر!! وهو الحي الواقع ما بين حي المعارض والمنتزه المنهوب من قبل حزب الدعوة (طريق كربلاء)!!.
ومما زاد في هيمنة وإستحواذ جماعة المجلس الأعلى على أراضي النجف ومنشآتها هو وجود المحافظ من جماعة المجلس الأعلى وإسمه (أسعد سلطان أبو كلل) الذي لم يتورع أيضا عن تخصيص منطقة (الجدول) أو (النزلة) وهي منطقة زراعية منخفضة للإستثمار السياحي والفندقي مع شركات إيرانية وخليجية!!، والطريف أنه حتى القبور لم تسلم من عمليات النهب والهيمنة والإستحواذ!! فلقد أصدر نائب المحافظ وهو من المجلس الأعلى أيضا وإسمه (عبد الحسين عبطان) قرارا طريفا برفع أسعار المقابر، فلقد كان سعر المقبرة حجم 50 متر في زمن صدام 500 دينار فقفز اليوم بقرار من نائب المحافظ لسعر خيالي وهو نصف مليون دينار؟؟.
كل هذه المهازل تجري بتخطيط من عمائم العراق المقدسة والتي كانت حتى الأمس القريب تستجدي المعونات في لندن وطهران ودمشق فإذا بها اليوم تتحول لشركات سمسرة عقارية بوضع اليد!!.. وما يحصل في النجف هو جزء بسيط من سيناريو نهب واسع يمارس ضد العراقيين... فهل هذا هو العراق الذي حلمنا به؟
داود البصري