أمس الاثنين 17-7 طافت مظاهرة في غزة قام بها الإسلاميون بقيادة حماس، وصرح احد الناطقين باسم المظاهرة قائلا: (إن ما فعله حزب الله من تخفيف الضغط على غزة وفتح محور كبير على العدو الصهيوني يحتاج منا إلى وقفة شكر لحزب الله وهذا اقل ما نقوم به) .
إذن تقدير القيادة الفلسطينية لتوقيت عملية حزب الله هو لخدمة فلسطين وهو موقف ثمين. لأنه خفف الضغط المميت على الشعب الفلسطيني.
ولكن هل هذه القراءة الفلسطينية هي كل الحقيقة ؟
الجواب : يعتقد الكثير من المراقبين أن جذور دخول حزب الله إلى المعركة وافتعال عملية اسر الإسرائيليين يعود لتعقيدات في الموقف الدولي. وفي مجمل العمل السياسي في الشرق الأوسط . وقد يكون تم خلق المناسبة فلسطينيا لتظهر هذه العملية كعملية إنقاذ أخوي لشعب مظلوم.
التعقيد الدولي يبدأ من المشروع الأمريكي في العراق .
المشروع الأمريكي في العراق كل يقرأه كما يحلو له :
الإدارة الأمريكية تقرأه على انه مشروع نشر العدل والمساواة في العالم انطلاقا من العراق وإيقاف المد الإرهابي ، وتأمين إمداد الطاقة (وليس تخفيض سعرها)، والسماح لسيطرة أمريكا على العالم في القرن الواحد والعشرين.
و تقرأه الدول العربية بما فيها سوريا على انه مشروع تهيئة لإزالة الأنظمة الحالية خلال عشر سنوات وإزاحة كل السلاطين حتى الذين يدورون في فلك أمريكا . فهو العروس التي تبوّر الفتيات.
وتقرأه إيران على انه الخطر القريب من أراضيها والذي يهدد وجودها الثوري. والمشروع الذي لو نجح فسوف يكون أصعب منافس دينيا لدولة إيران لما في العراق من امتيازات تتعاظم بالحرية واستغلال الأموال في سبيل النهوض. وهو في نفس الوقت اختيار لمنطقة جغرافية تستطيع القوة الإيرانية أن تلعب دورا اكبر بكثير مما يظن الأمريكان في إحراجهم وإفشالهم ، ولهذا لم يختاروا نفس سلوكهم في أفغانستان.
ويقرأه شيعة العراق على انه الخلاص من حكم طاغية لا يمكن التخلص منه بالطرق العادية. وهو حكم عادل يوزع السلطة على الجميع.
ويقرأه سنة العراق على انه إزاحة تامة لامتيازاتهم في حكم مطلق شمولي ، وهو حكم يستحق الانتحار من اجله لما فيه من لذة وسلطة وإطلاق يد في الشهوات.
ويقرأه الأكراد على انه مرحلة لتمكينهم من سرقة الدول التي تحتوي على الأكراد بتأسيس دولة كردية حقيقية تحت رعاية وامتيازات دولة عظمى خطيرة.
هناك ظاهرة غريبة جدا في كل هذه المواقف تجاه الوجود الأمريكي في العراق ، وهو أن إيران تطالب بخروج الأمريكان من العراق ومعهم شيعة العراق ، والدول السنية المجاورة للعراق مع سنة العراق يطالبون بخروج الأمريكان من العراق ، والغريب ليس في المطالبة وإنما في تحليل كل من الطرفين لمطالبة الآخر.
فالسنة عموما قد أعلنوا إن مطالبة إيران لخروج الأمريكان هو للاستفراد بالمنطقة والهيمنة على الدول العربية الضعيفة أمامها -خصوصا بعد تخلصها من الملف النووي- بعد أن تخرج أمريكا منكسرة بدون تحقيق هدف حقيقي في العراق. وكان تعبير مصطفى العاني واضحا عن هذا التحليل للمطالبة.
وبالمقابل فإن شيعة العراق وبعض المحللين الإيرانيين يقولون بأنهم علموا سرا بأن التجمعات السنية في الأردن ودبي صرحت بأنهم يحاولون الاتفاق مع الأمريكيين لانسحاب مبرمج لهم حتى يعودون للاستفراد بالسلطة مع التفاوض على اخذ الإذن بقتل عدة ملايين من شيعة العراق إلى درجة المحق للشيعة في العراق بشكل نهائي عبر القتل المبرمج الفضيع المسكوت عنه دوليا. ويعتقد هؤلاء بان الأمريكان لم يعطوهم هذا الإذن لحد الآن ولكن بنفس الوقت هناك قطيعة كبيرة أمريكية شيعية نتيجة دسائس ومؤامرات البعثيين ودول الجوار.
هذه القراءات المتباينة جدا ، لم تكن مجرد قراءات على ورق. بل هي دوافع لتكوين أهداف وفرق عمل جاد في الشرق الأوسط وفي العالم وقد خلقت أحداثا جساما خلال العامين المنصرمين.
وقد قلنا أن التعقيدات تبدأ من الملف العراقي ولكن هناك ثلاث ملفات يجب أن تقرا جيدا :
الملف السوري : وهو يتعلق بضغوط وهزيمة فعلية تعانيها القيادة السورية نتيجة القرار 1559، وعليها تبني الكثير من التصرفات والتحركات السياسية من اجل فك الشرنقة.
الملف الإيراني : هناك معطيات كثيرة:
أولها شعور إيران بعدم الأمان من قبل أمريكا وإسرائيل ولا يوجد ما يطمئنها.
والثاني هو الضغط إلى مرحلة قريبة من الانفجار في الملف النووي الإيراني. وسبب هذا الملف يتعلق بسياسة إيران تجاه المشاريع في المنطقة وبتهديد العرب بصعود دولة نووية بجانب دول عربية عدائية الثقافة وتريد الانتقام من إيران ليس لأجل عداء اقتصادي أو سياسي وإنما من اجل إيديولوجية راسخة غير مفهومة. مليئة بالكراهية تجاه إيران أساسها تقديس أشخاص عاديين لحد القتل، ولعل الشعور الإيراني لا يقل عن شعور إخوانهم الأعداء. والتغطية على هذا الخوف من قبل المحيط العربي بتخويف إسرائيل و إحداث صراع سري. ظاهره إسرائيل وباطنه الطائفية البغيضة القائمة على القتال من اجل الصحابة من قبل الطرفين.
وإسرائيل تدخلت في المعادلة من سوء فهمها وقلة إدراكها لخطورة موقفها الآن، وعقّدت القضية عليها وعلى الشرق الأوسط. وقد استجابت إسرائيل للخديعة العربية لدق الإسفين الخطير بينها وبين إيران.. ظنا منهم إن هذه هي الطريقة المثلى للتخلص من المارد الإيراني باعتبار معرفة هؤلاء بأن الغرب لن يسمح بزوال إسرائيل التي يمكن أن يكون على يد الإيرانيين كقوة إقليمية كبيرة . ولهذا فلا بد من خسارة إيران بشكل حتمي وهم بذلك يعدون إسرائيل ضمانات بالعون والنصرة والتخذيل لعدوها. فإسرائيل استُخدمت مطية سهلة للحكام العرب في سبيل تنفيذ هجمة طائفية خطيرة لها آثارها. وقد تحولت إسرائيل بشكل تدريجي إلى عميل سهل للسلطان الإسلامي الطائفي. وليس العكس كما يفهم بعض من لا خبرة له في السياسة.
ملف حزب الله : بعد صدور قرار 1559 الذي كان قاصما للظهر بالنسبة لحزب الله ولسوريا وكان مادة التعويم لكل القوى المعادية لحزب الله داخل لبنان وإظهار قوتها وعدائها وعلى الأخص كتلة الحريري، أصبح حزب الله في موقف غاية في الإحراج والضغط الذي يقصم الظهر. ولا بد من خروج لهذا المأزق.
فهذه ظروف مسبقة تهيئ للحدث بشكل دراماتيكي ولكن في الحقيقة فإن بعض الدول العربية قامت بدور خطير في تثقيف الإدارة السورية للقيام بعمل ما، من أجل توريط إيران وإسرائيل بعملية ستكون ابتداءً لصالح إيران وسورية ولكن هذه الدولة تأمل أن تكون النتيجة التالية هي الضربات القاضية من الغرب. وقد جهزت هذه الدول ودول مساندة قاعدة قدرات معينة في الغرب وخصوصا أمريكا من اجل تطوير الحدث ودفع الدول الغربية لضرب إيران. ولعل هذا يجري في حسابات الولايات المتحدة من اجل إفشال المشاريع الإيرانية المعادية لها. فهي تريد من العالم الإسلامي دفعها باتجاه عقوبة إيران إذا اقتضى الأمر، بحسب سياقات الصراع في العراق.
ولكن كل يريدها من وجهة نظره لمصلحته.
القيادة السورية قامت بدور كبير في تسلسل الأحداث بشكل استثمر كل القابليات والاستعدادات بالملفات في إسرائيل و إيران وحزب الله والجهاد وحماس وبقية الفلسطينيين . وكانت بارعة في تنفيذ برنامج من اخطر البرامج في المنطقة. وقد استخدمت نقطة البداية في غزة حيث أرادت إفشال التوقيع على (وثيقة الأسرى) الخطيرة جدا في نظر سوريا. كما أن هناك رأيا يقول بأن قيادة حماس قد غشت القيادة السورية لأن العملية تأخرت لما بعد التوقيع على الوثيقة . فكانت العملية تغطية على التوقيع على الوثيقة التي أنهت قضية فلسطين ومسمى فلسطين وأنهت الصراع العربي الإسرائيلي إلى الأبد وأصبح من يطالب بفلسطين وينكر إسرائيل على أراضي فلسطين لما قبل حرب 1967 فهو خائن للقضية الفلسطينية، واختزال فلسطين بالضفة الغربية وغزة ، وهذه القراءة للحدث تعتمد على حقيقة القراءة السورية للوثيقة هل هي كما يقول أصحاب هذا الاتجاه في تفسير الحدث أم لا؟
وخلاصة القراءة لوثيقة الأسرى المعدّلة (وثيقةالحوار الوطني): هو إقامة دولة فلسطينية كاملة الاستقلال على أراضي الـ 67 وتوحيد كل القوى الفلسطينية تحت قيادة منظمة التحرير ولا يوجد قوى خارجها وتوحيد المقاومة وقيادتها تحت القيادة السياسية الموحدة وتقتصر على أراضي الـ 67، وتفويض المنظمة بالمفاوضات مع إسرائيل والعالم لتحقيق هذا. وترتيب المؤسسة الفلسطينية لتكون مؤسسة تامة السيادة والتنظيم ، وقد أضيف إليها للتعديل مشروع الوثيقة مقترح عودة اللاجئين إلى أراضيهم في الـ 48 من دون تدخل في صفة إسرائيل وهذا الشرط سوف لن تقبل به إسرائيل لأن معناه تدمير دولة إسرائيل وسوف توافق على جميع المتبقي.
ويعتمد صدق التحليل (القائل أن الفصائل الفلسطينية غدرت بالسوريين فأخروا العملية لما بعد التوقيع ولهذا اضطر السوريون لعمل اكبر) على فعلية توقيع الوثيقة فلو كان التوقيع قد تم فعلا فهذا الاحتمال وجيه من وجهة تحليلية. وإذا لم يوقعوا فيكون تحليل تخريب الوثيقة هو الأصح والمشاركة الفلسطينية في تخريبا.
http://www.ajras.org/?page=ShowDetai...566&table=news
إن هذه الوثيقة فيها حل وتنازل كلي عن مفهوم فلسطين من وجودها الشامل إلى وجودها فيما قبل حرب الـ 67 ، فإذا تم التوقيع على هذه الوثيقة واعتمادها قانونا فليس من حق احد عم الاعتراف بإسرائيل ، لأن الفلسطينيين حدودوا فلسطين بهذه البقعة وهي كامل ارض فلسطين، مع بعض التناقض في طلب حق العودة حيث لم يحدد أن العائدون هل هم فلسطينيون أم إسرائيليون؟
فإذن كان العرب على مقربة قاب قوسين من إنهاء المشكلة الفلسطينية، وقد حدث ما حدث .
الرئيس الأمريكي قال في سان بطرس بورغ : كنا على مقربة من تحقيق دولة فلسطينية كاملة السيادة وإنهاء مشكلة فلسطين إلى الأبد فخرّبها السوريون.
وهذا يعني أن وثيقة الأسرى لم تكن وثيقة موقعة فعلا من الأسرى وإنما هو جهد مشارك دولي كبير لحل المشكلة. ويعني كلام الرئيس بوش إن الوثيقة لم يوقع عليها ولم تصبح بقوة القانون الملزم لحل القضية الفلسطينية.
إذن هناك خفايا كثيرة، وتدخلات في مصير فلسطين خراج حدود فلسطين، لا يمكن الجزم بوجود الحق أو عدمه في تخريب العملية. لأن القضية تنطوي على أسرار خطيرة لتغيير الخارطة.
طبعا هذا الموقف سيزعج الأمريكان ومن ثم سيطلع عليه الغربيون بكامل عددهم وسينزعجون أيضا وسيكون هناك إجماع للتخلص من سوريا وإيران بشكل يرضي القادة الطائفيين العرب. وهذه هي فتنتهم الكبرى.
هذا من جهة حساب قادة عرب يتحركون كالأفعى في الظلام لزرع فتنة كبرى.
قد يقول قائل إن هذا غباء من هؤلاء القادة العرب لأنهم سيخسرون إسرائيل وعندها ستقل عندهم الحجج المضادة للديمقراطية ومبررات السيطرة على شعوبهم، ولكن يمكن الإجابة على هذا التصور إن هؤلاء يعلمون مقدار الالتزام بالحفاظ على إسرائيل، ولهذا هم يرون أن الأضعف في النتيجة هم السوريون الإيرانيون المتمردون على هؤلاء الحفنة من السكيرين.
بعد فهم هذه المقدمات في تعقيدات المعادلة مع بعض التعقيدات الدولية الأخرى مثل معادلة بناء القوة الأوربية ومعادلة استرداد روسيا لعافيتها وغير ذلك. علينا لدراسة حسابات القوة والنتائج في الحدث.
سوف لن أتطرق لحسابات كل من سوريا وإيران في الحدث، لكونه موضوعا متشعبا جدا ولكن الأرضية غير خافية على من يريد التعمق وهو الصراعات الطائفية الكبرى في المنطقة وجعل إسرائيل كلب الحراسة الأمين للمنطقة .
فإذن ينبغي قراءة الحدث بصورة أكثر دقة ولكن هذا لا يمكن في عرض علني مثل هذا. فعلينا الآن أن نثير قراءة كل من إسرائيل وحزب الله ونقاط الضعف والقوة فيهما.
وأولها القراءة المشتركة للطرفين. حيث أن كل من إسرائيل وحزب الله يعرفان قضية في غاية الخطورة وهي: أن إسرائيل الحقيقية تتركز من جنوب لبنان إلى جنوب القدس (بحدود ثلاثة أرباع السكان) ويتركز البعد الإسرائيلي الحقيقي من جنوب لبنان إلى جنوب حيفا (أكثر من النصف) . وهو البعد السياحي والصناعي والسكني والاقتصادي.
فإسرائيل الحقيقة هي هذه ، وهي بلا مقوم حقيقي للدولة عدى الاطمئنان لقوة الردع ، فإذا أزيلت هذه الستارة فقد أصبحت إسرائيل دولة ساقطة بكل المعايير.
فإن وجود صواريخ تضرب إسرائيل لا يشكل خطرا عليها ولكن وجود إرادة وتحدي لاستعمال هذه الصواريخ يجعل إسرائيل ساقطة عسكريا .
ولهذا فان إسرائيل تعتبر وجود السلاح عند حزب الله يشكل سقوطا (مع إيقاف التنفيذ) لدولة إسرائيل. فهو مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم.
حزب الله يعرف هذه الحقيقة فهو يعرف بأنه بقرار التسليح البعيد المدى عنده يعني إن إسرائيل تحت رحمته ويمكنه تهديد وجود إسرائيل من الأساس وليس تهديد القوة العسكرية الإسرائيلية.
هذه الأرضية المشتركة للفهم ، جعلت من حزب اللاعب رقم واحد في مسير القوة بالنسبة لإسرائيل، ولكنه في الحقيقة لا يريد استعمال القوة بشكل حقيقي وإنما هي لحين الحاجة، وهذه القدرة عند حزب الله من أواسط التسعينات. ولهذا فالقيام بعمليات من اجل التفاوض وإعادة ترتيب الأوراق هو تصريحات السيد حسن نصر الله نصره الله.
فقيادة حزب الله كانت على علم بأن إسرائيل لا يمكنها قبول حالة أسرها بهذه الطريقة فلا بد من قيامهم بعمل جنوني للردع ولهذا استعدوا احتياطا لتنفيذ خطة (كشف سقف دولة إسرائيل) باستخدام الصواريخ في العمق فيما إذا استغلت إسرائيل أي حدث، وإذا لم يقوموا بالردع فيكون الأمر قد آتى أكله.
ولكن إسرائيل استغلت حدث اسر جنديين لاستعجال كشف سقف دولة إسرائيل من اجل المعالجة الرادعة.
فكيف فكر الإسرائيليون في المسألة؟
ولماذا استعدوا لها هذه الاستعداد الواضح؟
إسرائيل كما قلت تعرف بأنها من سنين وهي لا تشعر بأمان حقيقي. نتيجة تسليط الخنجر على رقبتها ووقوع أهم ما يسمى بعناصر دولة إسرائيل تحت مقصلة حزب الله.
وقد تعبت جدا من محاولات إقناع الولايات المتحدة بدون فائدة، في إعطائها الضوء في إفناء لبنان وحزب الله نتيجة الخوف المتزايد في قلوب قادة إسرائيل من تحقق القدرة على تدمير الوجود الإسرائيلي.
كانت النظرية هي (القضاء على البنية اللبنانية حتى يقضي اللبنانيين بمساعدة إسرائيلية على حزب الله وقد اعدوا لهذه الحالة مجموعة الحريري فهم من يقود الفتنة وينفذها غيرهم)
لهذا قرروا التصرف الذاتي مع محاولة الإقناع الدولي بعد الحدث، واستغلال المباغتة لحين الضغط عليهم وإيقاف عملية القضاء على لبنان حتى يقضي لبنان على حزب الله.
وقد يأسوا من موقف الرئيس بوش الذي يوكلهم إلى أنفسهم من اجل أن يرتكسوا ونظريته إطلاق يد الفريقين في تدمير بعض. وهذا ما حدث فعلا منذ تسلم الرئيس بوش الابن لمقاليد السلطة. بينما كان كلنتن يقف حاجزا بين الطرفين وينهي الأعمال العسكرية بالتدخل عند الطرفين العربي والإسرائيلي. والإسرائيليين تفهموا موقف بوش ولم يستطيعوا الخروج منه.
ولهذا يريدون إحراجه في توريد قواتهم بتدمير لبنان ، وهذا ما رفضه بوش بصراحة وقال: (أنه لا يقبل بتدمير لبنان أبدا) ويعني انه لا يقبل بإعادة الحرب الأهلية من أجل أن يقضى على حزب الله وإنما يعتقد أن حزب الله لدية خطوط حمراء لا يتجاوزها ولديه شرعية يسعى للبقاء ضمنها وهذا صمام أمان لا حاجة لنزعه. وليس من حق إسرائيل نزع صمام الأمان في حزب الله.
فهو فعليا لم يستجب لإحراجهم ورأى إن الحل عبر سوريا وهذه ضربة قاضية لإسرائيل.
بعد أن أوضح الرئيس بوش وجهته . فدخلت الحرب إلى نفق مظلم ولم تؤتي الضربة الإسرائيلية الاستباقية أكلها.
فقد تبين ما يلي:
1. التهديد الحقيقي لوجود إسرائيل بكشف سقف جميع إسرائيل الحقيقية. وإنها دولة ساقطة عسكريا.
2. عدم قدرة إسرائيل على إصابة حزب الله أبدا فلم يسقط لهم إلا اقل من عشرة أنفار من المنتمين ولا يعلم كم عندهم من الصواريخ التي تهدد إسرائيل.
3. لم تستطع إسرائيل إحداث حالة حرب وحالة عداء لبناني لحزب الله من اجل القضاء عليه لبنانيا . لعدم موافقة أمريكا وفرنسا على هذا المشروع. ولعدم استجابة المسيحيين للمشروع فبقيت مجموعة الحريري وحدها تطالب بمعاقبة حزب الله وخلق فتنة ولكنها في الحقيقة لا تريد أن تقوم بذلك بنفسها وإنما تريد توريط المسيحيين والفلسطينيين في لبنان من اجل خلق الفوضى ولا يكون ذلك.
4. كان الانتقام لفشل مشروع وثيقة الأسرى هو فشل الوثيقة بشكل اكبر. فلو تمت الوثيقة الآن فلا قيمة لها لأن الغطاء الإسرائيلي قد انكشف ولم تنفع القوة الموجودة لمعالجة هذا الكشف.
حزب الله من جهته كان مستعدا جدا لهذه الضربة فمعلوماتي انه قد افرغ جميع مكاتبه المعروفة وذاب في لبنان ذوبان الملح في الماء وقد تحوّل إلى جن حقيقي. وهذا يعني تفشيل واحد من أسرع أهداف إسرائيل، والشيء الثاني أنه لوّح بعدم قبول المساعدة العربية وإنما سيقوم هو وبمساعدة دولة صديقة لإعمار لبنان ، وهذا تلويح لحصر الأموال الطائفية من الخليج لتصب في جيب المشروع الإسرائيلي وطلب معاقبة حزب الله لبنانيا.
وقد أحرج حزب الله جميع القوى اللبنانية نتيجة التعبئة الجيدة لكل اللبنانيين تقريبا لقبول التضحية المؤقتة من اجل كرامة الأمة العربية المهدورة على يد حكامها. فلا يجرؤ الآن أي سياسي للتفكير في موضوع خذلان أو معاقبة حزب الله فإذا ترك الموضوع ثلاثة أسابيع فان حزب الله يخرج سليما. وقد خلف وراءه حقيقة سقوط مدن إسرائيل عسكريا والتي تعني سقوط دولة إسرائيل. وهذه كارثة حقيقية تعد بالعد العكسي لإسرائيل التي لا يعرف كيف ستعالج الأمر.
إذا لم تقضي إسرائيل على قوة حزب الله عسكريا أو قانونيا أو بالفتنة ، فليس أمام إسرائيل إلا حدود ضيقة:
الأول: هو مهادنة حزب الله عشر سنين بالتفاوض معه، حتى يجدوا حلا لمصيبيتهم.
الثاني : هو عمل انتحاري كبير قد يصل إلى حد التهديد النووي لسورية وإيران وهذا سيكون ضد إسرائيل وسوف يقضى على إسرائيل إذا اختارته.
الثالث : تعليق الحالة والادعاء أنها حُلت. والبقاء لحين تغيير الإدارة الأمريكية عسى أن يأتي من يتبنى رأيهم.
وأنت ترى إن خياراتهم ضيقة وليست في مصلحتهم.
رأيي كمراقب أقول على حزب الله أن ينتبه للعدو الحقيقي الطائفي الذي يريد إزالته أكثر مما تريده إسرائيل، وانصح حزب الله بقبول مبدأ التفاوض إذا طلبوه فانه اكبر هزيمة لإسرائيل على أن يشمل التفاوض ثلاثة أمور مهمة هي أولا مسألة الاغتيالات المقترحة في أجندتهم والثانية الحرب الاقتصادية في الغرب الإفريقي لتجار الجنوب والثالث ترك استخدام الحاقدين ومساعدتهم على ما يريدون من تفتيت لبنان من اجل القضاء على حزب الله. وإلا فيجب أن يعود كشف الغطاء أوتوماتيكيا والتهديد انه بدل ضرب المخربين ستضرب إسرائيل وعند هذا لا يمكن أن يحدث شيء. وانصح حزب الله أن يسعى ليس للتعمير فقط وإنما لتطوير الاقتصاد بشكل كبير واسقاط حالة الفقر المفروضة على الجنوب.
وانصح كل القيادات الشيعية أن يفكروا جيدا بالتفريق بين الغرب عموما وبين إسرائيل وأن لا يفقدوا البوصلة.
مع إن رأيي لا زال مستقرا هو أن هذه المعارك هي دسيسة خبيثة للتدمير في المنطقة من قبل طائفيين قذرين لصالحهم الخاص، وان إسرائيل فقدت ذكاءها وأصبحت تخدم مشروعا خبيثا بطريقة مباشرة فقد كانت تخدم الحكام العرب بطريقة غير مباشرة بإعطائهم المبرر لقتل شعوبهم والسيطرة عليهم بحجة العمالة لإسرائيل والآن إسرائيل أخذت تتخبط وتعادي بغير عقل من عنده خطوطا حمراء بطريقة مجنونة فاقدة للخطوط الحمراء خدمة لمجرمين لا يملكون أي خطوط حمراء.
وما حدث الآن يجب أن يكون مصدرا لإعادة حسابات كل من إيران وسورية لمعرفة العدو الحقيقي وكيف انهارت قوى كبيرة نتيجة الخطأ في التقدير والدسائس الخبيثة وهذا يعني أنهم الآن في دائرة الشباك وعليهم إعادة النظر في تقييم الأعداء وحجم عداوتهم وحجم إرادتهم لنفي الأخر.
إن الهزيمة التي منيت بها إسرائيل الآن بإصرار أمريكا على عدم تطبيق الخطة الإسرائيلية السخيفة . يجب أن تُستغل جيدا من قبل إيران وسوريا وحزب الله، ويجب إن تكون حالة مناسبة لفرض الشروط وتعديل الحسابات والتمكن من تقليل التورط في مشاريع خفافيش الظلام. وإذا شاءت إسرائيل أن تدخل النفق المظلم فإن الضوء الأخضر مفتوح. فعليهم استغلاله تماما ولا يخافوا العواقب.
http://www.hajr.us/forum/showthread.php?t=402809157