نعم العودة الى الملكية خطوة الى الوراء!

بقلم: ريــاض الحسيني / إعلامي عراقي

صحيفة المؤتمر – العدد 337 – بتأريخ السابع من شباط لعام 2003
http://209.50.252.70/AlMutamar/mutamar337.p15.pdf


في العدد 334 من صحيفة المؤتمر، نشر الدكتور حسين ابو السعود مقالا هاجم فيه الجمهوريات ولمّع الملكيات. وانهى الامر على ان خطوة الرجوع الى الملكية لا تُعد خطوة الى الوراء. رغم توافقي مع ما طرحه الدكتور ابو السعود من حقائق حول الممارسات في ظل الحياة السياسية التي ارخت بظلالها على تفاعلات الحياة اليومية للفرد العراقي ايام الملكية واختلافها عن ايام الجمهورية، الا انني اشك في ان يوافقه الرأي احد على ان النظام هو المعني في تلك الممارسات وليس القائم عليه والمنفذ له والمتجاوز عليه.

ببساطة شديدة يمكننا اخذ مثالا بسيطا حول النظرية الاسلامية مثلا ومدى جديتها وصلاحيتها لادارة دفة الحكم والحياة العامة للناس. فالنظرية الاسلامية هي نظرية ربانية لا مجال لانكارها من جهة او الالتفاف حولها وتخطيئها من جهة اخرى. واذا كان الامر كذلك فانه لا يصح الطعن بمدى جدية النظرية الاسلامية وصلاحيتها كنظرية للحكم اذا ما اسئ استخدامها. كذلك لا يصح الطعن بقدرة الطبيب على مداواته للمريض اذا ما رفض ذاك المريض الامتثال لوصفة الطبيب ! من هذا المنطلق يمكننا الولوج الى النور ونقد كلا النظامين، كنظامين للحكم في جمهورية افلاطون لا في جمهورية الديكتاتور ولا في مملكة الخوف والقمع وسلب الارادات.
لقد كتبت شخصيا من قبل مقالين بخصوص عودة الملكية للعراق مستقبلا. ورغم الاعتراضات التي وصلتني من بعض الاخوة والتي اعتبروها لا تمت الى الواقع العراقي بصلة، الا انني اجد نفسي ملزما باستشراق الحقائق وتقديمها الى الجمهور الذي ستكون كلمة الفصل له بطبيعة الحال، حيث لا فرق عندي بين جمهورية وملكية الا بمدى عدالتها وتمثيلها الصحيح لهموم الناس، والا فان المسميات كثيرة وما يهمنا هو الجوهر واللب لا القشور. وارى من الحيادية ان تُطرح حسنات ومساوئ كلا النظامين ومن ثم الخروج بانجع وافضل الموجود، وذلك وفقا لطبيعة ومزايا كل نظام دون التطرق الى شخصية الحاكم والتي بدورها لا علاقة لها بشكل الحكم.
فلو تطرقنا لتجاوزات الملوك واربابهم في التأريخ العراقي لاحتجنا الى مؤلفات وكتب. ولو تطرقنا لتجاوزات من يدّعون تمثيلهم للجمهورية لاحتجنا الى نفس التكلفة ايضا. خذ مثلا والتأريخ شاهد حول التجاوزات التي خطتها الملكية منذ تسنمها للحكم في العراق ولمدة سبع وثلاثين سنة. الم يجبر الملك فيصل مجلس الوزراء في وزارة عبد الرحمن النقيب على ان يوقعوا على معاهدة وصاية بريطانيا على العراق وتمثيلها له دوليا ؟! حيث يُذكر وفي اطار المعاهدة السيئة الصيت هذه ان الحاج جعفر ابو التمن كان وزيرا للتجارة في حكومة عبد الرحمن النقيب. وفي جلسة مجلس الوزراء بتأريخ 22 حزيران 1922 عرض نص المعاهدة لمناقشتها. فاعترض الحاج جعفر ابو التمن قائلا (ان هذه المسألة لا يمكن للمجلس ان يقوم بها، ويجب ان تعرض على البرلمان. ان السادة الدينيين واعمدة الاسلام ضد اية معاهدة اطلاقا). وهذا ما حدى بالملك فيصل ان يبعث وراءه ليبلغه بان وزارته سوف تلغى من قبل لجنة (كديس)! الامر الذي حدى بالحاج جعفر ابو التمن ان يقدم احجاجا شديد اللهجة ضد المعاهدة التي وافق عليها الوزراء في غيابه، مما ادى الى ان يقدم الحاج جعفر استقالته في 26 حزيران من العام نفسه. الم يُستخدم الجيش العراقي كما في الجمهورية لضرب ابناء الشعب العراقي منذ ان خطت بريطانيا تأسيسه في مؤتمر القاهرة من قبل وزارة المستعمرات ؟ الم يكن هنالك جواسيس ورجالات امن ومخابرات في العهد الملكي ؟ كان المعروف عن نوري السعيد بقلعه لاظافر السياسيين ايام العهد الملكي البائد ! الم يؤد احتقان الشارع العراقي الى درجة سن سنة سيئة وهي طريقة (السحل) في شوارع المدن ؟ هذا بحد ذاته كفيل ودليل على مدى الكره الذي كان الشارع العراقي يكنه لسلطة الملك والنظام الملكي !
لذا من الافضل لنا جميعا كمثقفين ان نحاول ما اسعفنا الوقت الاستفادة من مساوئ كلا النظامين وتنوير الجماهير. اما محاولة القفز على الحقائق والمسلمات التأريخية فذلك يعني اننا نخدع انفسنا بالدرجة نفسها التي نخدع الاخرين بها. واذا كنا نلقي اللوم ونحمل الجمهورية كنظرية للحكم اخطاء الحاكم، فالحكم نفسه لا بد ان ينطبق على الملكية. والامر كذلك فان العودة الى الملكية ستكون حتما خطوة الى الوراء خصوصا وان 59 وزارة لم تفلح في ان تأتي بنهضة فعلية للمجتمع على مدى سبع وثلاثين عاما وهي فترة الحكم الملكي في العراق

:=