النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    1,658

    افتراضي هل تكفي العدالة شرطا للمرجعية ؟



    شرط العدالة في النصوص الاسلامية

    ان التحلي بالفضائل الاخلاقية والعدالة في الدين الاسلامي لا يعتبر شرطاً مؤكداً واساسياً يجب ان يتوفر لدى زعيم ‏المجتمع وقائد الاُمة فحسب، بل وكذلك بالنسبة لكثير من المناصب الاجتماعية الاخرى. وقد ورد تأكيد على هذا الشرط بتعابير مختلفة في النصوص المستندة الى الوحي. ونشير في البداية هنا الى نصوص ومستندات هذا الشرط،ثم نقيّم فلسفته.

    ورد في القرآن الكريم، نهي بشكل عام عن طاعة المسرفين والمفسدين في الارض والغافلين عن ذكر اللَّه والمتّبعين‏للاهواء النفسانية ولاهل المعاصي ولجاحدي النعم وللظالمين. (راجع: الشعراء: 152 - 151، الكهف: 28، الانسان: 24، هود: 113).

    ومن هذه التعاليم والاوامر الالهية، يُفهم جيداً ان الطوائف الآنفة ليست لديها صلاحية تولي امور المجتمع، ويجب ان لا تُتَّبَع كقائد للمجتمع ويُلاحظ هذا الشرط في الروايات الاسلامية ايضاً.

    روى الامام الباقر (ع) عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله انه‏قال: انّما الامام من كانت فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معصية اللَّه، وحلم يمنعه عن الغضب، ورئاسة على الناس‏يكون فيها كأبيهم في اشفاقه عليهم .

    وقال الامام علي (ع): وقد علمتم انّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين، البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف ‏للدول فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيهلك الاُمّة .

    ورُوي عنه (ع): ولكنني آسى أن يلي أمر هذه الاُمة سفاؤها وفجّارها فيتخذون مال اللَّه دولاً وعباده خولاً، والصالحين حرباً والفاسقين حزباً.

    ان هذا الكلام الذي يؤكد على التقوى لدى الحاكم الاسلامي يوضح سرّ هذا الشرط وضرورة هذه الخاصية ويبين ‏النتائج الخطيرة والتبعات لسلبية التي تحصل في المجتمع اذا نفذ الفسق والفجور والاباحية وعدم الالتزام، في رئيس‏الحكومة. ولذلك يُقسِم الامام الحسين (ع) في ردّه على رسائل اهل الكوفة قائلاً:
    انّما الامام من يحكم بكتاب اللَّه ويقيم القسط، ويدين بدين الحقّ، وحبس نفسه على ما أراد اللَّه.

    الحكمة والضرورة لشرط العدالة

    ان الاصرار على عنصر الايمان والتقوى لدى حاكم المجتمع، نابع من المباني، والحِكَم التي تبرر وتفسّر ضرورة هذا الشرط ؛ وبعبارة اخرى ان الموقع الذي يطرحه الاسلام للقائد وما يحمّله من مسؤوليات وما يرسم له من دور وتأثيرفي المجتمع، يتطلب توفر هذه الخاصية. وتبيّن المسائل التالية، اركان وضرورات هذه الخصلة لدى القائد:

    1 - التقوى والحيوية الاجتماعية

    لما كان المجتمع الاسلامي، يُدار على اساس الدين وهو مثل اي مجتمع عقائدي آخر، تتبلور هويته وهيكليته‏واتجاه حركته على اساس العقيدة، فان رسوخ العقيده لدى كوادره، هو أهم عوامل نمو وتقدم هذا المجتمع ؛ كما ان‏ضعف المعتقدات وعدم الالتزام بها من قبلهم، يبطي‏ء الحركة ويوقفها بالتالي.
    ومن القضايا المهمة التي حظيت باهتمام العاملين في مجال المباحث الاجتماعية والسياسية، هو دور وتأثير المعتقدات في حيوية النظام الاجتماعي. يقول برتراند رسال وهو فيلسوف ذو نزعة مادية:
    ان قوة المجتمع لا ترتبط بعدد افراده ومصادره الاقتصاديه وقابلياته الفنيه فحسب، بل ترتبط بمعتقداته ايضاً.
    ولغرض الاستدلال على هذا الرأي يتطرق الى التاريخ الاسلامي ويقول:
    ان الاسلام هو نموذج تولي السلطة بصورة كلاسيكية عن طريق العقيدة. ولم يضف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله شيئاً للمصادر المادية للعرب، ورغم ذلك فقد هزم العرب بعد وفاته بعدة سنوات اقوى جيرانهم، واقاموا امبراطورية كبيرة.ولا شك ان الديانة التي بناها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، كانت عاملاً أساسياً في نجاح الشعب العربي...
    لقد اتحد الشعب العربي في عصر النبي صلى الله عليه وآله، وبعده لعدة سنوات بسبب الايمان الديني وكان يزرع في قلوبهم‏القوة والجرأة في محاربة اولئك...
    ان حقيقة ان الايمان الديني والالتزام الديني مدعاة لقوة غير اعتيادية، والارتباط به هو اتصال بمنبع محرّك‏ومنشّط ومقوي، حظيت بتأكيد القرآن، وطُرحت على لسان الأنبياء. اضافة الى شهادة شواهد تاريخية كثيرة على‏ذلك.
    ويرتبط حفظ هذه الخصلة في المجتمع الاسلامي وتطبيقها في صلب النظام الاجتماعي، بمدى ايمان مسؤولي‏الحكومة. وبامكان القائد ان يلعب دوراً وتاثيراً اكثر منهم، ومن دون هذه الميزة لا يمكن التطلع الى ان تكون الحركة العامة للمجتمع، حركة نحو المعايير المقبولة دينياً والنماذج المطروحة فيه.

    2 - التقوى والسيطرة على السلطة

    ان الشخص الذي يتولى القيادة، يمسك بسلطة النظام الاجتماعي. وهذه السلطة، وان كانت من لوازم القيادة ومن ادواتها الضرورية، الّا أنها تعتبر آفتها، وقد يتحول قائد بنّاء مبتكر، الى قائد مخرب ومفسد، بسبب هذه الآفة.
    ويحظى موضوع الحؤول دون وقوع مخاطر السلطة، باهتمام علماء العلوم الاجتماعية ؛ وينهمك مفكرو العلوم ‏السياسية بطرح نظام يقلل من هذه المخاطر الى ادنى درجة. وقد دلّت التجارب المكررة في الانظمة السياسية، حيث‏ تحولت الديمقراطية الى ديكتاتورية، على اهمية الموضوع، وأدت هذه النقطة العمياء الى طرح مسأله توزيع السلطه‏ بدلاً من تمركزها، وتحديد السلطة بدلاً من اطلاقها واقامة منافسة في السلطة بدلاً من الاستئثار بها.
    ومن الفوارق التي تفصل النظرة الاسلامية لهذا الموضوع عن التحاليل الاُخرى، هو الاهتمام بالعوامل الباطنية.ففي الفلسفات السياسية القائمة، لا يُعتنى بكيفية تكوين شخصية الحاكم وخصائصه الروحية وخصاله الباطنية، وانماتوضع حواجز خارجية للسيطرة على رجال الدولة، وتفيد هذه الطريقه في الحالات التالية:
    اولاً: وقوع اعمال وتحركات رجال الدولة في دائرة رؤية اجهزة الرقابة.
    ثانياً: عدم وقوع هذه الاجهزة تحت نفوذ رجال الدولة.
    والحال ان رجال السلطة لديهم طرق عبور خفية كثيرة. وهي طرق لا يطّلع عليها الآخرون بسهولة، كما انهم‏يضعون الافراد والمؤسسات التي تثير مضايقة لسيطرتهم باستخدام ادوات ووسائل مختلفة.
    من هنا، فلا بد ان يمسك الملتزمون من افراد المجتمع بزمام الامور للحيلولة دون وقوع انحراف في جهازالحكم ورجال الدولة. ويكون للاشراف والسيطرة طابع عمومي، ليُستفاد من الدوافع الذاتية للشخص والتي تردعه عن‏الفساد، ولتُستخدَم العوام الخارجية بشكل صحيح وواسع.
    وتعتبر (العصمة) اسمى مراحل هذا الالتزام الذاتي والقداسه النفسانية والتي يعتبرها الشيعة شرطاً في الخلافة المباشرة لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله، والامامة العظمى.
    يقول العلامة النائيني: انّ العصمة أفضل وسيلة تحول دون تحول (الولاية) إلى (ملكية مطلقة) وتحول دون قلة الارتكابات الشهوانية وممارسة شائبة الاستبداد، وتعتبرها الطائفة الامامية معتبرة في (الولي النوعي).
    وفي المرحلة اللاحقة، يمكن ان تعلب التقوى هذا الدور.
    يقول العلامة النائيني: انّ الرادع والمانع عن الاستبداد واظهار المرادات الشهوانية بوصفه ديانة يتحدد بملكة التقوى والعدالة ولا يتصور عاصم آخر غير اجتماع الاوصاف التي وردت في الرواية: (صائناً لنفسه، حافظاً لدينه،مطيعاً لأمر مولاه، مخالفاً لهواه) وذكر اعتبارها في المرجعية الشرعية.

    ومن هنا فان قائد المجتمع يجب ان يكون هذّب نفسه الى درجة بحيث يمكنه ان يتخلى عن مصالحه المادية وميوله النفسانية من اجل تحقيق حاكمية الدين واهدافه.
    ان تولي الحكم يليق بالشخص الذي يمسك بزمام نفسه ويكون مالكاً لها قبل مسكه لزمام امور المجتمع.
    ويجب هنا ان نتأمل أكثر بشأن التقوى بوصفها اهم القيم الاسلامية وشرطاً لازماً لتولي المناصب الاجتماعيةونقوم بدراسة دورها في سلامة قيادة المجتمع.
    ان أبلغ التفاسير التي تُلاحظ للتقوى في كلام الائمة هو الكلام التالي للامام علي عليه السلام:

    ألا وان الخطايا خيل شُمُس حُمل عليها أهلها وخُلعت لُجمها فتقحمت بهم النار، ألا وان التقوى مطايا ذلك‏حمل عليها أهلها وأعطوا ازمّتها فأوردتهم الجنّة.

    لقد ذُكرت التقوى في هذا الكلام العلوي بوصفها حالة روحية ومعنويه تؤثر في السيطرة على النفس ويترتب ‏على فقدان التقوى وطاعة هوى النفس، الضعف وفقدان الشخصية امام ما يثير الشهوة والرضوخ لطغيان الاهواء النفسانية وفقدان السيطرة على النفس امام الجاذبيات الماكرة.
    ويكون الانسان في تلك الحالة مثل راكب دابة ليست لديه ارادة واختيار تحمله الدابة الى اي مكان ارادت. وبالعكس فان التقوى هي رأسمال قوة الارادة وامتلاك شخصية معنوية والسيطرة على دائرة وجود النفس ؛ مثل فارس‏ماهر يمتطي حصاناً مدرباً يسوقه بقوة وسيطرة تامة نحو الجهة التي يختارها وينقاد الحصان بكل سهولة.

    ان التقوى المتجذرة حين تمتد الى اعماق النفس وزواياها، تنتشر زهورها في كل شؤون الحياة وتصل روائحها الى كل أجزاء الحياة. وتظهر هذه البركات في مدير المجتمع حينما يكون للتقوى حضوراً في ادارة المجتمع. قال أمير المؤمنين (ع):

    الخير منه مأمول والشر منه مأمون... يعفو عمّن ظلمه ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه... في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور... لا يحيف على من يبغض ولا يأثم فيمن يحب .

    3 - التقوى ومسؤوليه الريادة

    يعتبر قادة كل مجتمع، أسوة له، ويقتدي الآخرون بسلوكهم وافعالهم، شاووا أم أبوا، وينظر اليهم الناس نظرةتأسي ويودون دائماً الاطلاع على زوايا حياتهم والتشبه بهم في السلوك.
    ان هذا التأثير النفسي للقيادة والذي يوجد جاذبة روحيه لدى الناس، هو اوسع دائره من المناصب التنفيذيةللقائد، ويجب ان يكون القائد رائداً في ساحة العمل واسوة من ناحيه الالتزام واداء الواجب من اجل ان يكون لذلك‏التأثير الطبيعي، آثاراً بنّاءة ويمكن استخدامه في تشجيع ودفع المجتمع نحو الاهداف الحميدة.
    وأشار القرآن الكريم الى سلسلة الانبياء وذكرهم بصفتهم أئمة يهدون بأمر اللَّه ثم ذكر مباشرة خاصية طاعةالامر واداء الواجب بصورة مستمرة ولها سابقة لديهم:
    (وجعلناهم أئمَّةً يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) .
    والقائد في نموذج القيادة الاسلامية، مسؤول ازاء عمله قبل ان يتولى عمل الآخرين. ومن هنا فانه رائد في طي‏المسير والتحرك نحو الغايه والسير في الطريق.
    ان (القائد الاسوة) هو القائد الذي يسبق امته في التقيّد بالقانون واداء الواجب نتيجة تهذيب النفس وتربيةالروح، ويتحرك امام الآخرين، في ساحة العمل بالواجبات واداء التكاليف، بدلاً من المنافسة في الوصول الى السلطة والتسابق في نيل الرئاسة ليتمكن من أن يعلن لجميع الناس كما اعلن امير المؤمنين (ع) قائلاً:
    ايها الناس انّي واللَّه ما احثكم على طاعة الا واسبقكم اليها ولاانهاكم عن معصية الا واتناهى قبلكم عنها.
    وقال (ع):اني لارفع نفسي، عن ان انهى الناس عما لست انتهي عنه او امرهم بما لا اسبقهم اليه بعملي.
    ان من الوظائف العامة للقادة في المدرسة التربوية والاخلاقية الاسلامية، هو السعي لاصلاح انفسهم قبل‏اصلاح الآخرين ليمكنهم ان يكونوا قدوة للمجتمع.
    قال امير المؤمنين (ع):من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ يتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه.
    ان سبب تأكيد الاسلام على الصلاحيات الاخلاقية والمؤهلات السلوكية للقائد، هو اهتمامه بمستوى تأثيره في‏المجتمع، والابعاد التربوية للقدوات الاجتماعية ويرى أن تولّي افضل ابناء الشعب للقيادة، هو بمعنى تكريم التقوى‏والنزاهة وجعل المتقين والصالحين اسوة وبالتالي، تحريك المجتمع في هذا المسير.

    4 - التقوى وروح المساواة

    تقع على عاتق القائد في المجتمع الاسلامي واجبات وتكاليف مهمة اضافة الى المسؤوليات التنفيذية ولهذا التكاليف طابع خاص وليس هناك واجب والتزام بالنسبة لعامة المواطنين ازاءها، وقد لا يكون من‏الصلاح ان تقع هذه التكاليف على عاتق جميع الناس وعلى العامة ولا هي ممكنة التحقق من الناحية العملية،فمثلاً ان (الزهد) هو امر خاص موجه لقادة المجتمع. ومن هنا فان من لا يكون في هذا الموقع، لا يطلب منه‏العيش عيشة الزهاد وهو حر في التمتع بعيش مقرون بالرفاه والراحة والانتفاع باللذات المشروعة والنعم‏ المتنوعة.
    ان تعامل الامام علي (ع) مع عاصم بن زياد واعتراضه على المعيشة المتقشفة لعاصم واجتناب المنافع‏ الدنيوية يبين مكانة الزهد وفلسفته الصحيحة في القيادة:

    قال العلاء بن زياد: يا أمير المؤمنين اشكو اليك أخى عاصم قال (ع): وما له؟ قال: لبس العباءة وتخلى‏عن الدنيا، قال (ع): عليّ به ،فلما جاء قال (ع): يا عُديَّ نفسه لقد استهام بك الخبيث! أما رحمت أهلك ‏وولدك؟ أترى اللَّه أحلّ لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها أنت أهون على اللَّه من ذلك.وحين قام عاصم بمقارنة وضع معيشته بوضع المعيشة البسيطة للامام، قال الامام (ع):
    ويحك، اني لست كأنت، ان اللَّه فرض على ائمة الحق ان يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيّغ بالفقير فقره.


    ويدل كلام الامام ان هناك وظيفتين على قائد المجتمع، ازاء الشرائح المحرومة: احداهما السعي لتغيير الوضع القائم وردم الهوة بين تخمة الظالم وجوع المظلوم. والاخرى مواساة المحرومين عن طريق تعريض ‏النفس الى المصاعب والمشكلات التي يعانون منها، والعمل من اجل التنفيس عن همومهم.

    ومن هنا، فان زعماء المجتمع لا يحق لهم جمع الامكانات الرفاهية لانفسهم وتبرير الاستفادة من اللذات‏المادية والانتفاع بالنعم الظاهرية بذريعة انهم حصلوا عليها من اموالهم الحلال، حتى لو كانوا يعملون بجديةتامة في اداء الواجب الاول وكانوا يسعون لرفع الحرمان من دون توقف.
    ولا يمكن انكار حقيقة أن المحرومين عندما ينظرون الى القادة المرفهين من جهة، ويشاهدون فقرهم من‏جهة اخرى، يحصل لديهم ألم مضاعف، وهذا الألم يقل عن طريق زهد القادة ومواساتهم للمحرومين.
    كما لا يمكن انكار حقيقة اخرى وهي انه اذا حصل تقصير في اداء الواجب الثاني، وعاش زعماء المجتمع مرفهين، يحصل اهمال للواجب الأول، لأن الغفلة هي من الآثار البارزة في حياة المتخمين والمتنعمين.
    قال الامام علي (ع):

    أأقنع من نفسي بأن يقال لي: هذا أمير المؤمنين ولا اشاركهم في مكاره الدهر أو أكون اسوة لهم جشوبة العيش؟... ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي الى تخيّر الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لاطمع له في القرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرقى وأكباد حرى .

    ان اختيار هذا النمط من العيش من قبل القائد، هي قضية أرقى من عدم استغلال السلطة وعدم التلاعب ‏ببيت المال. ويتقيد القائد بها في ظل قوة الايمان والتقوى، التقوى التي يمكنها السيطرة على الشخص وان‏توفرت له افضل الظروف والامكانات وجعل معيشته في مستوى معيشة اضعف طبقات المجتمع.
    ان هذه المرتبة السامية للتقوى، يستلهم منها الايثار والمواساة والتضحية وهي تخرج الانسان من اطار النظرة الانانية وتنقذه من وسوسة طلب اللذات.

    5 - التقوى واخلاق القيادة

    هناك معايير وضوابط محددة تبين الفضائل الاخلاقية لكل جزء في العلاقات الاجتماعية بين الناس:الاخلاق في محيط الاسرة والعلاقات العائلية، الاخلاق في محيط الاجتماعية وعلاقات الجيرة، الاخلاق في‏محيط التربية والتعليم، الاخلاق في محيط العمل والنشاط الاقتصادي، وأخيراً، الاخلاق في الادارة والقيادة.
    وقد ذكرت خصائص كثيرة للقائد في المعارف الاسلامية. وهي خصائص تبين اخلاق القيادة وتظهر اللياقة والصلاحية للقيادة لدى الشخص من خلال التحلي بهذه الفضائل.
    وتلاحظ هذه الميزات في كلام الامام علي (ع)، بوصفها اخلاق القائد:

    أ - ان لا يكون لديه تعلّق بالمنصب :واللَّه لهي (نعله) أحب اليّ من أمرتكم الا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً.
    ب - ان يكون متواضعاً للناس :فاخفض لهم جناحك وألِنْ لهم جانبك وأبسط لهم وجهك .
    ج - ان لا يتطلع الى المدح:فلا تكلموني بما تكلّم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ولا تخالطوني ‏بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي.
    د - أن لا تغيّره الرئاسة:أما بعد فان حقاً على الوالي ألا يغيره على رعيته فضلٌ ناله، ولا طول خُصّ به، وان يزيده ما قسم اللَّه به‏من نعمه دنواً من عباده وعطفاً على اخوانه .
    ه - ان لا يهمل الناس:وأمره ألا يجيبهم ولا يعضهم ولا يرغب عنهم .
    و - ان لا يفضّل أي شي‏ء على طلب الحق:خاطب الامام والي مصر قائلاً:ولا تُسخط اللَّه برضى أحد من خلقه .
    ز - أن لا تدفعه الاهواء النفسانية الى التمييز:أما بعد فان الوالي اذا اختلف هواه منعه ذلك كثيراً من العدل .

    ويرتبط توفر هذه الصفات لدى الحاكم الاسلامي بمدى اتصافه بالتقوى، ويوجد ضعف التقوى، مشاكل‏اخلاقية كثيرة، في طريقة القيادة وعلاقة القائد بالمجتمع وينجم عن فقدان التقوى وغلبة الاهواء النفسانية على ‏الحاكم المشاكل الاخلاقية التالية:
    حب السلطة، التعامل بتكبر مع الناس، تربية الناس على مدحه، التخلي عن كافة القيم والفضائل بعد تولي ‏الرئاسة، الاتصاف بصفة الشعور بالافضلية على الآخرين، عدم تحمل النقد، التمييز بين الناس في التعامل معهم‏ وغيرها .

    هل تكفي العدالة ؟

    طرح موضوع العدالة في كثير من المسائل الفقهية، فالعدالة شرط مثلاً لامامة الجماعة، الشهادة في‏المحكمة، القضاء ومرجعية التقليد، ومن لا تتوفر فيه هذه الصفة الاخلاقية فلا يحق له ان يكون امام جماعة أوشاهد أو قاضي او مرجع تقليد.
    والحاكم الاسلامي بنظر الفقهاء يجب ان يكون عادلاً، اي ان تكون لديه ملكة تردعه عنه مخالفة الاحكام الالهية. وتقتضي الموازين الفقهية انه اذا كانت العدالة شرطاً لتولي مناصب ادنى، مثل القضاء والشهادة،فان هذه الخاصية يشترط ان تتوفر لدى حاكم المسلمين والذي تعتبر دائرة عمله وصلاحياته أوسع بكثير.
    ومع هذا يرد السؤال التالي في الفقه الاسلامي وهو: هل تكفي العدالة بمعناها المعهود لتولي اعلى‏مسؤولية اجتماعية، مثل القيادة والمرجعية؟ وهل تبين العدالة بهذا المعنى، النصاب اللازم للتقوى المناسبة للقيادة؟

    ولتوضيح ذلك نقول: ان الشريعة لم تتشدد ولم تؤكد على مراعاة الشروط الصعبة في امور مثل صلاة الجماعة والشهادة، لان الاسلام اكد على صلاة الجماعة في السفر والحضر واذا لم يتمكن امام الجماعة من‏مواصلة الصلاة بسبب الموت او عارضة ما، يتولى الامامة شخص آخر من المأمومين. وتعبّر هذه الاحكام ‏والمقررات عن أن احراز شرط العدالة في امام الجماعة، ليس بالأمر الصعب، ولذلك يرى الفقهاء عادة حسن ‏الظاهر كافياً لتشخيص العدالة. وهكذا الحال بالنسبة للشهادة، لان هناك حاجة الى الشاهد في كثير من القضايا الحقوقية والجزائية والمعاملات، من قبيل: الطلاق، الدَين، الوصية وامثالها، ولو تشدد الشرع المقدس في هذا الصدد فان عدد الافراد الذين تكون لديهم صلاحية الشهادة هم قلة ونادرين. وتكون نتيجة ذلك تعرض الناس‏الى العسر والحرج مما يؤدي الى وقوع خلل في نظام الحياة الاجتماعية.

    ولكن هل تكفي العدالة بهذا المعنى السهل لزعامة الامة حيث يقع على عاتق فقيه نظام دين الناس‏ودنياهم؟ وهل يحق للفقيه الذي يتمتع بالحد الادنى من التقوى اللازمه لامام الجماعة ان يتولى المرجعية والقيادة ويطرح بوصفه (ولي الامر)؟

    يرى كثير من الفقهاء ان الجواب على السؤال المذكور هو بالسلب. ففي كتاب (العروة الوثقى) يضيف‏الفقيه اليزدي شرطاً آخر الى العدالة للزعامة الدينية والمرجعية ويقول:
    أن لا يقبل على الدنيا ولا يبحث عنها ولا يجد ولا يجتهد من أجل الحصول على الدنيا ؛ لأنه ورد في‏الرواية (من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ...).
    وهنا لم يفرق السيد محمد كاظم اليزدي، بين الطلب الحلال الدنيا، والطلب الحرام لها واعتبر طلب الدنيا عن الطريق الحلال والتطلع الى الرئاسة عن طريق شرعي يتنافى مع جواز التقليد، واعتبر هكذا شخص غير لائق للزعامة.
    وأيّد بعض الفقهاء ذلك الكلام واعتبروا هذا الشرط واجباً.
    وأفتى المرحوم السيد في مبحث الزكاة قائلاً:اذا أعطى شخص زكاته لحاكم الشرع وقام هو بتوزيعها على الفقراء للحصول على الرئاسة فليس مُجزي‏ والحاكم هنا من بالنسبة لذلك المال وان اعطى المال للفقراء .
    وقد حظي هذا الشرط الاضافي بالاهتمام في نصوص الافتاء التي ذكرت قبل تلك الفتوى، فمثلاً قال‏الشيخ جعفر الشوشتري، في رسالة (منهج الرشاد)، بعد ذكر العدالة، بوصفها الشرط الرابع، في الشرط الثامن:

    الثامن هو: أن لا يكون ذلك العالم مقبلاً على الدنيا ؛ أي لا يكون همّه في جمع الأوضاع الدنيوية الزائدة على المتعارف ولا تكون حواسه منشغلة التي هي محض حبّ الدنيا وليست ضرورية في أمر معاده ومعاشه، ولا يكون قلبه متعلقاً بالامور التي لا تترتب عليها المصلحة الدينية ولا يكون حب الدنيا من حيث هي قوي في‏ قلبه .
    ولهذه المسألة، سابقة لدى الفقهاء القدامى بتعبير آخر وكان كثير منهم لا يرى كفاية العدالة للتدخل في‏ امور المسلمين، فقد أفتى كل من الشيخ المفيد والمحقق الحلي بوجوب اعطاء الزكاة الى الفقيه (المأمون). وقد فسّر من شرح كلامهما (المأمون) بأنه شرط أهم كثيراً من العدالة.
    يقول المحقق الاردبيلي:الفقيه المأمون، أي الفقيه الذي لا يستخدم الحيل الشرعية .
    وكتب الشهيد الثاني في تفسير هذا العنوان يقول:المقصود من المأمون هو الفقيه الذي لا يجمع الحقوق الشرعية عن طريق الحيلة الشرعية من دون‏حاجة. وهذا العمل وان كان في حدّ ذاته جائزاً ومباحاً ولكن بالنسبة له انحطاط حيث يجب عليه مراعاةالمصالح العامّة .
    وفسّر صاحب المدارك، المأمون بهذا الشكل ايضاً .
    وذكر الفقيه الأقدم، ابو اصلاح الحلبي، شرطاً تحت عنوان (التدين) وأوضح ان الحاكم الذي يتولى‏الزعامة بوصفها رئاسة دنيوية او نزعة تفوقية على امثاله او امرار المعاش، قد يرتكب ظلماً ويلحق ضرراً.
    وأيّد ابن ادريس الحلي هذا الكلام ايضاً.
    وبحثت هذه في الكتب الفقهية الاستدلالية، وتطرق اليها المحدث البحراني اكثر من غيره وقال:
    ان معنى العدالة لدى الحاكم هو أخص من معناها في الموارد الاُخرى، مثل امام الجماعة ؛ لأن حاكم‏ الشرع هو نائب الامام (ع) ويجلس في موقع النبوة والامامة. من هنا يجب أن يكون لديه تناسب عن المنوب‏عنه.
    وذكر بعض الروايات كدليل على رأيه. واستناداً الى بعض هذه الروايات رآى الشيخ الحر العاملي،للمرجعية، أعلى درجات العدالة، واعتبر المرتبة الكافية لامامة الجماعة، قليلة وناقصة للزعامة. وذكرصاحب الجواهر كلامه وأيّده .
    ويمكن ان يقصد بهذه البحوث في الكتب الفقهية الفتوائية والاستدلالية مشكلة اجتماعية وقعت في‏تاريخ زعامة الشيعة مشكلة افراد ادّعوا الزعامة بعد اكتساب مقدار من العلم وسعوا الى كسب موالين لهم وكانوا يطمعون بالمرجعية لاغراض دنيوية، ويفتقدون الى الصلاحية الكافية في مجال التقوى لتولي هذه المسؤولية الكبيرة.

    ولذلك دعا علماء بارزون مثل الشيخ المفيد والمحقق الحلي والمقدس الاردبيلي والشهيد الثاني‏وصاحب المدارك، الناس الى تقليد الفقيه المأمون، أي الشخص الذي لا يفكر بجمع المال حتى عن الطريق‏الحلال، كما حذّر ابي الصلاح وابن ادريس، الناس من مراجعة العالم الذي يطلب السلطة ويحب الرئاسة.
    وفي هذا الصدد كان الفيض الكاشاني اكثر صراحة من الآخرين في الاستياء من الاوضاع آنذاك ووصف‏هكذا عناصر ب (المصيبة الكبرى) و (الفتنة العظمى) للدين والمجتمع.
    وأبدى المحدث البحراني تألمه من عدم اهتمام الناس بالضوابط والشروط التي طرحت لنائب الامام‏صاحب الزمان (ع) وعدم اعتنائهم بالقيم الاخلاقية عند اختيار الزعيم وقال:
    اشتهر بين أكثر الناس في أزمنة وأماكن مختلفة ان النائب عن الامام (ع) هو كل شخص له يد طويلة ومرتبة عالية من العلوم الرسمية، وان لم يتحل بالأخلاق والكمالات المعنوية .

    ان سرّ اعتبار هذه الطائفة من الفقهاء المرحلة العليا للعدالة او المرحلة التي تفوق العدالة، شرطاً في‏ الزعامة الدينية هو انهم كانوا يعتبرون تولي هذا المنصب المهم من قبل افراد متوسطين او افراد لا يزالون في‏بداية الطريق من حيث التقوى وتهذيب النفس، امراً خطيراً جداً، ولو اصبحت لهم مكانة بسبب تصديهم‏للمرجعية او القيادة بدعم من قبل الناس، فان من غير الواضح ماذا سيؤول اليه دين الناس ودنياهم. ومن هنا يشير المرحوم السيد الحكيم، الى مسألة اساسية ويقول:
    ان الانصاف هو انه اذا تولى شخص المرجعية العامة ولم تكن لديه مرتبة قوية عالية من العدالة ولم يكن‏من أهل المراقبة والمحاسبة، فان من الصعب جداً أن تبقى لديه عدالة، لأن هذا المنصب هو مكان زلل ومسقط كبير للرجال .


    المصادر :
    ـــــــــــــــــــــــــ
    القرآن الكريم ، الكافي ، نهج البلاغة ، موسوعة كلمات الامام الحسين (ع)، راسل: السلطة، ، الميرزا حسين النائيني: تنبيه الامة، مرتضى المطهري: جولة في نهج البلاغة، الميزان ، جواهر الكلام، العروة الوثقى، منهج الرشاد، مجمع الفائدة والبرهان، مسالك الافهام، ج 1، مدارك الاحكام ، الكافي في الفقه ، السرائر ، الحدائق الناضرة، وسائل الشيعة ،مستمسك العروة الوثقى .
    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)




  2. #2

    افتراضي

    كثير من العلماء نجدهم زاهدين بشوشين ، وما أن تسنح لهم الفرصة لتقلد زعامة أو يجدون بعض الإلتفاف الجماهيرى حولهم ، حتى تبدأ علامات الغرور والسقوط بالظهور لديهم ، وهذا دليل على أن الإيمان لديهم غير حقيقى ، وإنما كان بسبب التعود على مظاهر الصلاح التى كانت تخفى فسادا من خلفه ....لذلك نسأل الله دائما حسن الخاتمة .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    4,192

    افتراضي

    موضوع ذو شجون أخي قيصر !

    يختزل مأساة التشيع في واقعه الماضي والمعاصر !!

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني