يتشدّد بعض الآباء والاُمّهات في التعامل مع أبنائهما لدرجة التضييق وشدّ الخناق وأحياناً الحرمان . وإذا سألت أحدهم : لماذا ذلك ؟ يقول : لا بدّ أن يكون الأب حازماً .. أو لا بدّ أن تكون الاُم صارمة ، وإلاّ أفلت الزِّمام .
ومع اتفاقنا على أنّ الزِّمام لا ينبغي أن يفلت ، وأنّ الاُمور البيتية والشؤون الاُسرية لا بدّ وأن تُدار بحكمة عالية ، إلاّ أنّ هناك فرقاً واضحاً بين (القسوة) وبين (الحزم) ، نُحدِّدها على ضوء ما يرى علم النفس في النقاط التالية :
أ ـ يُقال إنّ الحزم (متبصِّر) أي يُقدِّر حالة الأبناء والبنات والظروف المحيطة بهما ، والوضع النفسي لهما ، ولذلك فهو يتحرّك ضمن حدود معلومة . أمّا (القسوة) فهي (عمياء) لا تأخذ شيئاً من ذلك في الاعتبار ، ولذلك فليس لها حدود بل هي منفلتة .
ب ـ الحزم هو صدى الحكمة والعقل والاهتمام بمصلحة الشاب أو الشابّة ، أمّا القسوة فهي صدى الانفعال الذي تفوح منه رائحة الغضب المستشيط والسيطرة والخروج عن حدِّ المعقول .
ج ـ يستهدف (الحزم) مساعدة الشاب على اصلاح نفسه بنفسه ، فهو عادة مصحوب بالحبّ الصادق ، بينما تستهدف القسوة سلب إرادة الشاب المراهق وجعله عاجزاً عن اصلاح نفسـه ، لأ نّها مشفوعة بالانفعالات . ومن هنا فإنّ الحـزم عامل بناء ، والقسوة عامل هدم وتدمير .
د ـ ( الحزم ) يساعد على الاسـتقلال التدريجي وتحقـيق قدر أكبر من التكيّف ، بينما القسـوة لا تُحقِّق إلاّ العبودية وفقدان الاحساس بالمسؤولية ، وتحول دون تبلور الشخصية السوية .
فإذا ما فرّقنا في التعامل بين (القسوة) كأداة سلبية وبين (الحزم) كأداة إيجابية ، فإنّنا لا نحتاج إلى التأكيد على ضرورة الحزم ، وعدم ترك الاُمور كالحبل على الغارِب .