خبراء: التضخم العراقي "حقيقي" والإنخفاض المعلن عنه مجرد "وهم"
بغداد - اصوات العراق 13 /05 /2008 الساعة 23:32:14


دق خبراء اقتصاد عراقيون ناقوس الخطر أمام الارتفاع الكبير في أسعار السلع، ووصف بعضهم الأرقام المنخفضة المعلنة لمعدلات التضخم بأنها مجرد "وهم" ولأغراض "دعائية"، معتبرين أن السياسة النقدية لم تأت بثمارها لمحاربته، وإنما أنصبت لصالح نفر من "المضاربين" بسبب عدم فهمها لنوع التضخم في العراق.

الباحث الإقتصادي حسام الساموك وصف أرقام ومؤشرات التضخم في العراق بـ "الوهمية"، وقال للوكالة المستقلة للأنباء ( أصوات العراق) إن "هناك وهما كبيرا وفرضا لأرقام خيالية لما يسمى بخفض مؤشرات التضخم في البلاد."
ولفت إلى أن هذه الأرقام "تعتمدها جهتان متناقضتان في قياس المؤشرات، هما: الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات، والبنك المركزي العراقي."
وضرب الساموك المثل بأن الجهاز المركزي للإحصاء "يقول إن نسبة التضخم (17%)، في حين البنك يقول إنها (12%) فقط."
وأردف قائلا "لكن الأمور على أرض الواقع تقول بارتفاع الأسعار، دون أن تحمل إجراءات البنك المركزي أي أثر في خفضها، أو حتى في تحديدها وجعلها تراوح في مكانها."
وعلل الباحث الاقتصادي ذلك بأن " أساس إجراءات البنك المركزي، التي يعتقد بأنها حازمة، هي أكثر من متساهلة في التعامل مع السوق"، معتبرا أن خفض المركزي لسعر الدولار "كان لصالح التجار، الذين لم يكتف نفر منهم (المضاربون) بالإستيلاء عنوة على فوائد انخفاض الدولار مقابل ارتفاع الدينار، وإنما زادوا أسعار مستورداتهم بشكل جعل حركة السوق في العراق عموما نهبا لأطماع الحلقات الطفيلية ومجاميع المضاربين في السوق."
وشدد الساموك على ضرورة أن يكون هناك "ضوابط ملزمة لمن يستفيد من خفض الدولار"، معتبرا أن البنك المركزي " أهمل تماما متابعة إجراءاته في خفض الدولار، بضرورة إلزام التجار بحدود معينة من الأسعار التي لا ترهق كاهل المستهلك، وبالتالي لا تدعو إلى ما يشهده السوق حاليا من سياقات عشوائية لعبت دورها في رفع عجيب لمؤشرات التضخم في السوق المحلية."
من جهته، أعرب رئيس قسم الدراسات الإقتصادية في (معهد الوطن العربي)، التابع للجامعة المستنصرية في بغداد، عن اعتقاده بـ "عدم وجود سياسة اقتصادية واضحة في العراق"، معتبرا ما يحصل حاليا هو مجرد "وجود مجموعة أفكار يتم تطبيقها."
وقال رئيس القسم الدكتور عبد الرحمن المشهداني لـ ( أصوات العراق) إن " لكل بلد سياسة معينة وإجراءات تتخذ بخطط تكون على الأغلب لخمس سنوات قادمة أو متوسطة تمتد بين (10- 15) سنة، فيما ترسم البلدان المتطورة خططها الإقتصادية لخمس وعشرين عاما قادمة."
واعتبر المشهداني أن "عدم امتلاك الإقتصاد العراقي، مممثلا في السلطتين المالية والنقدية، منهجا إقتصاديا واضحا أدى إلى ارتفاع مستمر بالأسعار"، لافتا إلى أن البنك المركزي "يتخذ منهج السياسة الإنكماشية لتخفيف حجم التضخم."
وأضاف أن هذا النهج يعد "مغالطة حقيقية، لأن التضخم في العراق هو تضخم حقيقي، وليس نقديا كما يعتبره البنك المركزي، وهو ناجم عن زيادة الطلب على السلع والخدمات مع نقص في المعروض."
وأشار إلى عدم كفاية الإنتاج المحلي " الذي لا يشكل نسبة مهمة من الطلب على السلع في السوق، بينما يغطى الطلب من خلال السلع المستوردة، الأمر الذي أدى إلى انتقال أزمة الغذاء العالمية بشكل سريع إلى الداخل بسبب الإرتباط الشديد بين السوق العراقية والخارج، لأن أغلب الاستهلاك المحلي من السلع المستوردة. أي أن التضخم الموجود في العراق ليس تضخما نقديا، إنما حقيقي."
وذكر الخبير الاقتصادي أن كل ما أشار إليه "يعد دليلا على فشل السياسة النقدية في مواجهة ما تعتقده تضخما نقديا، حيث خفضت أسعار الفائدة إلى (18%) ومع ذلك لم يحدث أي تغيير على نسب التضخم، بل حصل العكس حيث بدأت نسب التضخم بالتصاعد، على عكس ما يشاع من أنها إنخفضت إلى (17%)، وهي نسبة لغرض الدعاية الإعلامية."ودلل المشهداني على رأيه بأن البنك المركزي "يأخذ قياسات سنة (1993) كأساس في مقارناته لنسب التضخم مع العام الماضي، وهو قياس ليس بالصحيح على الإطلاق"، ويرى أن البنك " أمام خيارين، فإما أن يعيد المعدل إلى سنة الأساس، أو يعتمد العام الماضي كسنة أساس."
وعلل ذلك بـ " اختلاف نسب المعدلات، حيث أنه في العام (1993) المواد الأساسية الداخلة في نسب معدلات التضخم تختلف عن المواد الحالية، إذ كان هم المواطن الأساسي وقتها هو الحصول على المواد الغذائية، فيما تشكل مسألة الحصول على المشتقات النفطية (التي كانت تشكل 3% فقط من دخله) الأمر الأكثر أهمية للمواطن اليوم."
ويختم المشهداني قائلا "هذا معناه أن تلك النتائج المعلنة غير صحيحة، والهدف منها إعلامي."
أما التدريسي والباحث الاقتصادي هلال الطعان، فيرى أن التضخم "كان موجودا في العقود السابقة ، إلا أن نوعه اختلف حاليا."
وقال الطعان لـ ( أصوات العراق) إن التضخم "كان، في العقود السابقة، تضخما كاملا. فيما تحول ب عد أحداث العام (2003) وانفتاح السوق العراقية على الخارج، إلى النوع المسمى بالركودي، حيث هناك كساد وتضخم في آن واحد."
ويوضح الباحث الإقتصادي أن العراق "يواجه حاليا ثلاثة أنواع من التضخم، الأول: تنامي حجم الطلب الكلي على السلع بشكل كبير جدا، دون أن يكون هناك عرض موازٍ مع عدم كفاية الإنتاج المحلي له، الأمر الذي أدى إلى اللجوء للإستيراد من الخارج."
ويضيف "فضلا عن وجود تضخم التكلفة، بسبب ارتفاع اسعار الوقود نتيجة دخول العراق في اتفاقية مع صندوق النقد والبنك الدوليين."
ويشير الباحث إلى أن النوع الثالث من التضخم، الذي يؤثرعلى الإقتصاد العراقي حاليا، هو "التضخم المستورد، وسببه فتح الحدود على مصراعيها أمام البضائع الأجنبية، وإلغاء التعريفة الجمركية والإستعاضة عنها بضريبة تسمى (رسم الإعمار) نسبتها (5 %) فقط ، ما أدى إلى دخول بضائع رديئة" إلى الأسواق العراقية.
وختم الطعان حديثه بالقول إن "كل هذه الأسباب مجتمعة، أدت إلى زيادة نسب التضخم في العراق، حسبما نراه حاليا."
http://www.aswataliraq.info/look/art...=1&NrSection=4