قراءة في سيرة الشهيد السيد محمد باقر الصدر(الحلة الأولى):
1. الانقطاع الكامل لله تعالى في العبادة:
يحدثنا الشيخ النعماني – وكان من ملازمي السيد الصدر – عن عبادته وخشوعه وانقطاعه الكامل لله تعالى فيقول: كنت أتربص الفرص لأصلي خلفه جماعة في البيت، فكان في أحيان كثيرة يجلس في مصلاه فكنت أجلس خلفه، وقد دخل وقت الصلاة بل قد يمضي على دخول وقتها أكثر من نصف ساعة والسيد الشهيد جالس مطرق برأسه يفكر، ثم فجأة ينهض فيؤدي الصلاة..."
سأله النعماني عن سبب ذلك فأجاب:
"إنني آليت على نفسي منذ الصغر ألا أصلي إلا بحضور قلب وانقطاع، فاضطر في بعض الأحيان إلى الانتظار حتى أتمكن من طرد الأفكار التي في ذهني، حتى تحصل لي حالة الصفاء والانقطاع، وعندها أقوم إلى الصلاة".
ولعل الأفكار التي تزدحم في ذهن الشهيد السيد الصدر ، والتي يحاول أن يطردها لكي لا تشغله عن التوجه والانصهار والذوبان في العبادة، ليست هي من نوع الأفكار المشدودة إلى الدنيا وإلى شهوات الحياة، فالشهيد السيد الصدر ما كان يحمل في عقله وفي قلبه إلا هم الإسلام وهم المسلمين، وهم العلم وهم الدعوة إلى الله وهم الحوزة، وهم الأوضاع المأزومة والمتحركة في العراق، هذه هي الأفكار والهموم التي تزدحم دائما في داخله، ومع ذلك فهو لا يريد فكرة أو هم أن يزاحم انقطاعه الكامل إلى الله تعالى أثناء الصلاة، إنها لحظات أراد لها أن تكون منقطعة كل الانقطاع على إلى الله ، وخاشعة كل الخشوع إليه سبحانه، وهائمة كل الهيام في عشق الله سبحانه، وذائبة كل الذوبان في حبه ، وفي خشيته، وفي الحياء منه، وفي الطمع إلى رضوانه سبحانه وتعالى.
قيمة الصلاة بمقدار ما تحمل من الإخلاص والانقطاع والخشوع:
"قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ "
من خلال الخشوع الحقيقي في الصلاة تؤدي الصلاة دورها الفاعل في صنع الإنسان في خط الفلاح والصلاح وفي خط التقوى والاستقامة، صلاة ليس فيها خشوع ، وليس فيها انقطاع صلاة خاملة راكدة، إنها صلاة الكسالى:
"وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى"
"وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ"
كان سيدنا الشهيد الصدر صادقا كل الصدق في خشوعه و انقطاعه إلى الله، وما كان يرضى لصلاة خالية من الخشوع والانقطاع ، لذلك نراه ينتظر بعض الوقت أحيانا قبل الدخول في الصلاة لكي يتوفر على الدرجة التي يطمح إليها من الخشوع والانقطاع ، وهنا يعطينا الشهيد السيد الصدر دروسا في ضرورة التهيؤ الروحي لممارسة العبادة من خلال تهيئة القلب وخلق الاستعداد الكامل للوقوف بين يدي الله تعالى .
لكي نتوفر على الخشوع في الصلاة نحتاج إلى الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: التهيؤ للدخول في الصلاة: ومن خلاله يتم تفريغ القلب والنفس من كل الشواغل التي تصرف المصلي عن التوجه والخشوع والانقطاع.
الخطوة الثانية: أثناء الصلاة تحتاج إلى الإخلاص وحضور القلب"فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ "، وجاء في بعض الروايات:
• "لا ينظر الله إلى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه".
• "من صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر الله له ما تقدم من ذنبه"
ولكي نعيش الخشوع في الصلاة:صل صلاة مودع، ففي الحديث"إذا صليت صلاة فريضة فصلها لوقتها صلاة مودع يخاف ألا يعود"، وحسب بعض الوصايا: ضع الكعبة بين عينيك، والصراط تحت قدميك، والجنة عن يمينك، والنار عن شمالك، وملك الموت وراءك، وكن دائما بين الخوف والرجاء، وحاول أن تستوعب مضامين الأقوال والأفعال.
الخطوة الثالثة: بعد الفراغ من الصلاة، مسؤوليتنا أن نمارس المحاسبة الدائمة لصلاتنا.