المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي الهماشي
ربما لن يعلق شيء من زيارة بان كي مون للعراق في رأس الأول سـوى صدى الانفجار الذي دوّى حوله أثناء مؤتمره الصحفي المشترك مع الرئيس نوري المالكي . كان مشهداً مباشراً كثيفاً يلخص ويجسّــم بالأبعاد الزمكانية حالة العراق الراهنة ،ولعلّ المفارقة الطريفة التى احتوى عليها ذلك المشهد تخفف للحظات من ثـقـل المأساة التي يعيشها المواطن العراقي كمشاهد وبطل تراجيدي في آن معاً للعام الخامس على التوالي ، إذ بينما دفعت صدمة الإنفجار العنيف الأمين العام للأمم المتحدة الى الإختباء العفوي المفرط وراء منبـر لن يحميه في كل الأحوال ممّا قد يقـع ، ذهب الرئيس نوري المالكي بعفوية مُشبعة بالبرود ولكي يخفف على نفسه وضيفه من وطأة الصدمة الى اســتلال واحد من أمضى السيوف العراقية في مواجهة أشــرس الظروف : ماكو .. شى !!. قالها المالكي (باللهجة الدارجة) لضيفه المذعور قبل أن يستطرد موجها كلامه لأحد حراسه لاستطلاع الأمر. هنا كانت ذروة المشهد ، هنا لم يكن (الرئيس) المالكي سـوى ( إنسانا )عراقياً متأزماً يجابه عتـوّ الأزمة بفطرة موروثة ليس من شأنها ســوى أن تزدري مخاطر تلك الأزمة بما لا يتناسب وفداحتها ، ولهذا خرج المشهد على هذه الدرجة المفعمة بالتناقض الطريف بين شخصين جمعهما نفس الخطــر الداهم .
أستطيع هنا أن أستبعد احتمال ما قد يتصور مراقب آخر إنها حركة مفتعلة من الرئيس المالكي ، وذلك باستنادي على ما اعتبرها ثيمة المشهد متمثـلة بالجملة العراقية الخلابة ، فـ (ماكو شي) المجانية ، المتحدّية ، المماحِكة ،اللامبالية ، الجسورة ، القدريّة، المؤمنة ، تكـاد تكون واحــدة مــن المقومات الجامعة للشخصية العراقية ، لا بل إنها لازمة ( لغوية) عراقية ما برح الآخر يتعرّف من خلالها على العراقي . أمّا الى أي مدى تشارك تلك الـ (ماكـو شى) في صياغة حياة الإنسان العراقي ، فهذا ما أتركه للمتخصصين في الشــؤون السيكولوجية ، سوى أنني أعتقد أنها ما كانت لتخرج بهذه الكثافة والطرافة من فـم أي انسان آخر غير عراقي في مشهد مماثل . ومن يدري ، فقد يذهب بان كي مون بعد نقاهة الصدمة الى جمع السيكولوجيين لعلهم يستطيعون أن يرشدوه الى مبنى ومعنى هذه الماكوشي العراقية الخالصة بامتياز.