ليس من قبيل المصادفة أن يتحول شهر يوليو في مصر من شهر الثورة والاستقلال‏,‏ إلي شهر الخوف والفزع واستهداف المواطنين‏..‏ ولم يعد أدني شك في أن هناك أيادي خفية تخطط للعبث بمستقبل مصر‏,‏ وفرملة تحولاتها السياسية الكبري التي سوف يشهدها هذا العام‏(2005)‏ قبل أن ينصرم ويصبح في عداد الماضي‏.‏ فالخطوات التي أنجزتها مصر في السنوات القليلة الماضية في طريق الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي وأخيرا السياسي‏,‏ وضع‏(‏ أرض الكنانة‏)‏ مجددا تحت مجهر الانتهازيين‏(‏ في الداخل‏),‏ والقوي الكبري المتربصة بمصر‏(‏ في الخارج‏),‏ وأضاف إلي تحديات المرحلة الآنية تحديات مستقبل محفوف بالمخاطر من كل لون وجنس‏..‏ صحيح أن الإرهاب آفة تنخر في عظام الأمم منذ أزمان بعيدة‏,‏ لكن الصحيح أيضا أن دوائره ازدادت اتساعا‏,‏ وعمقا بعد وقوع أحداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ في أمريكا‏..‏ وهذا معناه أن خطة مكافحة الإرهاب التي اعتمدتها ومارستها أمريكا في السنوات الخمس الأخيرة‏,‏
ليست فاعلة لأنها جلبت علي عكس ما كانت تروج واشنطن مزيدا من القلاقل الأمنية للعالم أجمع‏.‏ هذا الواقع يحرض ـ في الحقيقة ـ علي طرح عدة تساؤلات تتعلق بصميم ظاهرة الإرهاب منها‏..‏ هل التقنية التي جرت بها تفجيرات شرم الشيخ خصوصا في جزئية المساحات الزمنية التي تفصل بينها‏,‏ تجعلها تتشابه مع تفجيرات‏7‏ يوليو في لندن و‏11‏ مارس‏2004‏ في مدريد‏,‏ وأحداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ في أمريكا‏.‏ بمعني آخر‏..‏ هل هناك عقول بعينها تقف وراء تدبير هذه الأعمال الإرهابية؟ التساؤل الآخر هو‏:‏ لماذا مدينة شرم الشيخ التي تعرف بأنها مدينة السلام التي يأتيها الناس من كل فج عميق طلبا للدعة والاسترخاء والراحة‏..‏ ثم انها المدينة التي احتضنت عشرات المؤتمرات وتستقدم القادة والحكام من كل أنحاء العالم‏,‏ ليفرغوا ما في جعبتهم من هموم وقضايا للتباحث والمكاشفة تحت سماء هذه المدينة‏..‏ ثم لماذا يتم ذلك في ذكري مرور‏53‏ عاما علي ثورة عبدالناصر التي انتقلت شرارتها الي دول العالم الثالث‏,‏ وقادت حركات التحرر لأكثر من ربع قرن وراء مبادئها الإنسانية والاجتماعية الرائدة‏..
‏ والتساؤل الثالث هو التالي‏:‏ ألم تفتح عواصم أوروبا الكبري‏(‏ وخصوصا لندن‏)‏ أرضها وسماءها أمام أفواج المتعصبين والفوضويين والإرهابيين يأتونها من أقاصي الدنيا ووفرت لهم المناخ الصحي الملائم للتكاثر فكريا ومذهبيا‏,‏ حتي أصبح حصرهم أمرا مستحيلا‏.‏ ثم ما مدي مصداقية ما يذاع علي النت
وأجهزة الاتصالات الإلكترونية حول مدبري تفجيرات شرم الشيخ أو لندن‏,‏ هل كل ما يبث فيها هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه‏.‏ بكلمة أخري‏:‏ هل هناك تنظيم حقيقي يعرف بتنظيم القاعدة في أرض الكنانة‏,‏ أم هو ليس أكثر من مجرد بيان يحمل إمضاء هذا التنظيم؟ وإذا كان موجودا‏(‏ فعلا لا قولا‏)‏ فمتي تأسس‏,‏ ومن هم رواده ومناصروه‏,‏ وما علاقته بالتنظيمات القاعدية الأخري في السعودية والمغرب وتونس وإندونيسيا ولندن وجوهانسبرج في جنوب افريقيا؟ وما معني أن تكتفي دول العالم بالإدانة والشجب لما حدث في شرم الشيخ‏,‏ وهل في هذا الموقف الخطابي والانشائي الدولي ما يضع علاجا ناجعا للظاهرة‏.‏ وبعد أن أبدت امريكا استعدادها للتفاوض مع مصر في مكافحة الإرهاب فما الذي ينبغي عمله‏,‏
هل هو مجرد اجتماع أمني يتبادل فيه الطرفان المعلومات الأمنية الضرورية‏..‏ أم عقد لقاءات موسعة يشارك فيها ممثلو بعض الدول في المنطقة وخارجها للاتفاق علي إنشاء مرصد دولي للارهاب علي غرار ما حدث في المملكة العربية السعودية بعد أن تعرضت لسلسلة من الأحداث الإرهابية التي توزعت بين عدد من المناطق والمدن الكبري فيها‏.‏ وهل سيكون المطلوب تكرار ما حدث بعد وقوع أحداث لندن عندما طالبت بريطانيا بوضع خطة أمنية لمراقبة الهواتف
والمراسلات والشبكات الالكترونية في جميع أنحاء الدول الـ‏25‏ الأعضاء في الاتحاد الأوروبي‏.‏ بمعني آخر‏:‏ هل ستكون نية أمريكا اخضاع الفضاء العربي والإسلامي لرقابة أمنية تتولي أجهزتها ـ وأجهزتها فقط ـ أمر إعدادها وتنظيمها والإشراف عليها‏..‏ المحقق أن هذه التساؤلات وغيرها تملأ رؤوس الكثيرين داخل مصر وهو ما يعطي مشروعية أخري لطرحها‏,‏ والإلحاح عليها خصوصا أن مصر التي تستهدفها الضربات الإرهابية اليوم لا توجد لها قوات في العراق ضمن ما يعرف بقوات التحالف‏,‏ وموقفها الثابت مما جري في العراق يعرفه القاصي والداني‏,‏ فمصر تطالب بضرورة الإسراع في وضع جدول زمني للانسحاب الأمريكي‏,‏ وتتمسك بوحدة الأراضي العراقية‏,‏ وتطالب بحق الشعب العراقي في أن يحكم نفسه
ويقرر مصيره دون تدخل أو ضغط من أحد‏.‏ وتتمسك بقوة بعروبة العراق كعضو داخل المنظومة العربية‏.‏ وبالتالي فإن تفجيرات شرم الشيخ لا يمكن تفسيرها علي أنها قصاص من موقف مصر السياسي في العراق‏,‏ كحال التفسير الخاص بتفجيرات لندن‏,‏ لأن الاخيرة حليف أساسي لأمريكا في الموقف من العراق‏(‏ حربا واحتلالا‏).‏ علي أي حال‏..‏ إن الاكتفاء بالتوجع والشعور بالألم لما حدث في مدريد ولندن وشرم الشيخ‏,‏ وقبل ذلك واشنطن ونيويورك والسعودية والمغرب والعراق‏,‏ ثم الحديث ـ مجرد الحديث ـ عن ضرورة مكافحة الإرهاب‏,‏ ووضع حد له واستئصاله‏..‏ لم يعد مجديا‏,‏ لأن ظاهرة الإرهاب تستفحل يوما بعد يوم‏,‏ وتحصد آلتها البشعة الأخضر واليابس ويقع صرعي لها الأبرياء من كل الأعمار والأجناس‏..‏ إن البوابة الصحيحة لمواجهة حتمية مع الإرهاب هي الاستجابة الفورية لدعوة مصر القديمة ـ الجديدة لعقد مؤتمر دولي للإرهاب‏,‏ يحدد مسئوليات كل دولة تجاه الظاهرة‏(‏ جذورا وفروعا‏)‏ ويضع التمييز الواجب بين النضال الوطني‏,‏ والإرهاب الأسود‏.‏ بغير ذلك سيظل الحديث عن الإرهاب أشبه بالحديث عن الطقس‏,‏ الكل يتحدث عنه‏,‏ لكن لا أحد يستطيع التحكم فيه أو وضع نهاية له
عن د‏.‏ سعيد اللاوندي‏.‏