[align=center]ترنيمات سوق الصفافير هل هي في طريقها الى الزوال ؟ .[/align]



تحقيق مفيد الصافي
تصوير سمير هادي

اخذ رنين طرقات السيد رياض الصفارعلى الاناء القديم الذي نقشت عليه اثار بابلية تزداد حدة .كان منزعجا من حال السوق الذي آل إليه. يتساءل إذا ما كان سيبيع محله في السنة التالية الى احد تجار الأقمشة التي غزت سوق الصفافير. ان مهنته التي ورثها عن آبائه تواجه الكثير من المصاعب ولكنه مازال يقاوم عوامل التغيير، ويهمس الى نفسه ،لابد ان يحدث شيء ما يغير هذه الأوضاع .فهل سيأتي دوري في بيع محل والدي؟ سقط نظره على تحفة (طوبة الحمام) التي كان جده مختصاً بصناعتها وتعلمها منه ، تحفة جميلة حافلة بالنقوش، كانت نساء ذلك الزمن يضعن فيها ادوات الاستحمام ،فتحسر على تلك الايام.
السياحة نهر من ذهب
ثمة خليط غريب من الأصوات وانت تدخل الى السوق من جهة شارع الرشيد.الاصوات تخفت ثم تزداد شدة. تستقر عيناك على محل حشرت فيه البضاعة حشرا.
بدأ السيد رياض حسين الصفار ،38 عاما ،وخريج كلية العلوم حديثه قائلا:
ان مهنة الصفار مهنة راقية ونحن نتميز بها ونتوارثها اباً عن جد واخذ يشير الى بعض المحال: هنا كان محل عمي ومحل جدي غير بعيد عنه. جد والدتي كان له محل هنا.لقد رحلوا جميعا .بدا الوضع يزداد سوءا منذ التسعينات والى الان.وعلى الدولة ان تعرف ان السياحة نهر من ذهب .لقد ذكر لي احد الأصدقاء بعد ان زار خان الخليلي في مصر ان محال الصفافير هناك تباع بالسنتيمات وليس بالأمتار.وان عملهم مربح هناك وان كل محل يبيع بما لايقل عن الف دولار في اليوم.والمحال تعمل هناك حتى الصباح.
لو كان دعم الدولة لنا متوفرا او تحرك النشاط السياحي لتحسن وضعنا كثيرا. مازلنا ننتظر استقرار الأوضاع ونتمنى على الدولة ان تهتم بهذا السوق . كما ان الصعوبات التي واجهتها صناعة النحاس كثيرة منها ،ان مادة النحاس تحتاج الى تبييض بالقصدير كل ستة اشهر حتى تكون هنالك طبقة عازلة . وبدا السوق يتقوض واصبح عدد الحرفيين فيه على عدد الاصابع .
حكاية السوق العتيق
واستمر صوت الصفار متحدثا "لدينا اسطوات قدماء اما المستجدون فعددهم قليل .فالاسطوات القدماء مثل حجي جعفر توفي في العام الماضي وكانت لديه خبرة كبيرة فهو يعمل كل شيء ،كما كان والدي رحمه الله من الحرفيين المشهورين. كما ان جدي كان مختصا بصناعة رقية الحمام والمنقلة والمقلاة واللكن أي المغسلة .انا عملت برقية الحمام والطاسة وبالصواني فالسوق يجعلك مختصاً في عمل ما. مضى علي 33 عاما وقد عملت هنا منذ كان عمري خمس سنوات.ان الوضع الحالي لايشجعك على الاستمرار بمهنتك. عملت في وظيفة حكومية لاربع سنوات ثم تركتها.محلنا باسم الوالد منذ 1953 ونحن ثلاثة اخوة.اخي الاصغر نقاش.انت ترى هنا بضائع محشورة في محلنا،لان البعض قد اخذ المخزن منا بعد ان زايدوا علينا بسعر مرتفع لاحد تجار الاقمشة وهم يزحفون علينا لان مصلحتنا مضروبة، وامكانياتهم قوية. لقد اغروا الكثير منا بالمال، ولكننا مانزال نقاوم.
خطوات العمل الا ولية
كان صوت الصفار منفردا عن الاصوات البعيدة وهو يقول " " تحدد القطع وتضرب بالقلم والسمبة فيكتمل الهيكل ونضعها على قطعة من المطاط حتى لاتتاثر بالطرق . نأتي بالقوالب من صور نرسم عليها بقلم من الرصاص او الجاف وبعد تشكيل الصورة نبدأ بتحديد الملامح. مثل الاثار العراقية واسد بابل وحمورابي والثور المجنح، ونأتي بالقالب ونعمله نحن حسب الحاجة.ناخذ النحاس وهو مقطع على شكل دوائر. والنحاس اما مستورد او نحصل عليه من مصنع الشهيد في مدينة الفلوجة بشكل بكرات ملفوفة ومختلفة الحجم من ملم ونصف ملم او 0.4 ملم حسب الحاجة المطلوب عملها. وأشار الى صينية قريبة قال نحدد أولا الاطار ونستعمل فيه الاقلام ومطارق خاصة نسميها مطارق النقش وتكون عادة اصغر من مطارق الطرق.اما اقلام النقش فتعمل حسب المواصفات التي نطلبها من الحدادين. لقد اصبحت الكثير من الصناعات التي كنا نقوم بها كتحف للزينة فقط .ما تراه الآن هذه سماورات الشاي وعمرها مئة عام.اصبح الطلب على الانتيكات قليلاً.فنحن نعتمد على السياحة او الشركات او السفارات.ولكن الوضع الامني متدهور الآن. بل اننا نأتي بصعوبة الى اماكن عملنا.نرجو من الدولة ان تلتفت الى السوق .فربما بعد عام لن ترى الا سوق القماش. لقد بقي ممن يمارس مهنتنا نحو 12-13 محلاً وسوف ينخفض هذا العدد اكثر اذا لم تتغير الأوضاع.
الفترة الذهبية للسوق
"في الماضي كان يعمل في كل محل ما لا يقل عن خمسة أشخاص. لان العوائل العراقية اعتمدت على هذا السوق، فكانت العائلة تشتري جهاز العرس من هنا، كذلك ادوات المطبخ، وكلها مصنوعة من النحاس مثل الطست والصواني والمشربة التي تستعمل لجلب الماء من الشط وكذلك الابريق والمقلاة وحتى الملاعق كانت تصنع من النحاس.وهنالك قدر الحمام او مايسمى بالبيضة وكان يستعمل في الخمسينات وتحول الناس عنه الى الالمنيوم والنايلون والستيل والتيفال.كما ان النحاس يحتاج الى تبييض بالقلاي او القصدير لانه يعطي مادة سامة وهذا العمل يكلف مالا اكثر.لهذا بدأ الابتعاد عن القدور النحاسية شيئا فشيئا".
الفراهيدي وبحور الشعر
واصل رياض الصفار حديثه قائلا " كانت الاصوات لاتنقطع في هذه السوق .يقال ان الفراهيدي مر من هنا واكتشف بحور الشعر واوزانه على اصوات المطارق. وكانوا يأتون بخيل الجيش الى هذا المكان حتى تسمع الاصوات العالية فلاتنفر في الحرب.السياح غير موجودون بعد سقوط النظام.ونحن ربما نغير مهنتنا.فالجميع يريد ان يعيش يومه ولا نعلم ان السياحة سوف تنشط أم لا.إننا نعمل بأيدينا الصواني والمواعين. وأر اني صحنا قام بصناعته وفيه رسومات جميلة كالثور المجنح .إننا خريجو كليات انا وإخوتي. انا أفكر بتغيير عملي. في ذلك الزمن كانت البيوت العراقية تعتمد علينا لاننا كنا نجهز اكثر ادوات المنزل كاللكن والاباريق والمشربيات والصواني والطست في الخمسينات والأربعينات. لكل عامل في السوق ادوات عمل خاصة حسب التحفة والمادة التي يعمل بها، والمطرقة الحديدية معقوفة في قمتها على شكل زاوية قائمة ونهاية المطرقة الأخرى ويوضع الاناء في زاوية معينة لأجل الطرق.والمطارق انواع مختلفة فالدلة لها مطرقتها الخاصة والقدور لها مطارقها كذلك،وان رأس المطرقة المدور يترك أثره على سطح النحاس .وان للدق أصوله فقد يبدأ بدقتين بطيئتين او بالعكس وقد تعقبهما دقات خفيفة .ويكون سقوط المطرقة متصلا زمنيا وهندسيا تبعا لخبرة الصفار ومهارته.

بائع تحفيات مستوردة
بائع التحفيات فاضل الحديدي 38 عاما قال متحدثا "ان سيد مهدي مختص بصناعة الدلال اما الحاج ابراهيم فمختص بصناعة قدور الولائم. والزبائن يعرفون كلاً بصنعته، انا استورد الكثير من التحفيات في محلي وهذا أمر لم يكن موجودا من قبل.أبيع تحفي معمولة بالنقش اليدوي. يشتري مني العراقيون ومن يسافر فيصطحب معه هدية او من يضعها في بيته للتزيين. هذه الأيام السوق تعبان واغلب الحرفيين هنا من دون عمل .ثم اشار الى شرائط نحاسية قال عنها " إنها تستعمل لتغليف الأبواب،او كمانع للرطوبة حتى لا تتآكل الأبواب او تستعمل في الحمامات،وهي من منشأ تركي .كثر الإقبال على التحفيات التي فيها صور آثار عراقية .وعندي سيوف سورية، هنا سعر الواحد منها خمسة وعشرين الفا .ومحلنا قديم أباً عن جد، مضى عليه 150 عاما. جدي اختص في صناعة (طوس )العمالة اما والدي فاختص بصناعة المفاتيح أما نحن فعملنا في البرنج والنحاس. انا لم اعمل بيدي.
تاجر الاقمشة الخبير
حجي عبد الرسول الظاهري تاجر اقمشة ،تحدث عن ذكرياته في السوق قائلا ":
هنا تباع النحاسيات والانتيكات ، والصناع يعتمدون على السواح او المسافرين الذين يحملون هدايا الى اصدقائهم او الزوار الذين ياتون الى العراق لغرض السياحة او من العرب. والاشياء المرغوبة هي المصباح السحري والدلة والجمل والعلب الصغيرة ، بعضها مستورد من الهند بعد ان اصبحت الايدي العاملة هنا قليلة. ان مهنة الصفّار، أصبحت قديمة بسبب الوضع الاقتصادي المتعب في العراق الذي اضعف هذه الصناعة، وانت اذا اردت ان تبيع النحاسيات فعليك الاعتماد على السياح،واذا قلت حركة السياح او موظفي الامم المتحدة او المسافرين او القادمين فسوف يضعف عمل هذه المهنة. لقد لعبت الحروب والحصار دورا سيئا في تقليص عدد الحرفيين العاملين في هذه المهنة. لقد زرت اصفهان ،وتاثرت كثيرا حينما سمعت حجم الطرق على النحاس هناك، قفز الى ذهني بسرعة سوق الصفافير في بغداد وقلت في نفسي ان هذا هو السوق الحقيقي ،لقد شجعتهم دولتهم في جميع المراحل وتعطيهم النحاس بسعر رمزي.
الترنيمات الخالدة
واصل الحجي حديثه قائلا "شيء جميل ان تسمع هذه الترنيمات،فاحدهم معروف بدقته ...طاخ طاخ او ....طق طق واخر يدق ....طم تك طم تك ،فكل حرفي له دقته المعروفة، ان احدى مشاكل سوق الصفافير هي غزو سوق الأقمشة لنا.ولكن لو كان لديك محل نحاسي ناجح وياتيك تاجر اقمشة يريد شراءه منك فلماذا تبيعه؟ واذا كان الصفار ليس لديه نحاس وهو يريد ان يعيش فانه يبيعه. بعض الصفارين تحولوا الى بيع الأقمشة. وبعضهم انتقل الى بيع التحفيات على الأجانب في الفنادق الراقية بشكل مباشر. كان والدي يملك محلا هنا منذ 1937 وتحول قسم منهم الى صناعة السلاسل التي تستعمل مع الإقفال او الى مواد الطباخات او صناعة الموازين والقبانات حينما اخذ الطلب عليها يزداد. ومنهم سيد مهدي واولاده المختصون بعمل الدلال العربية،محل الحجي هنا مختص بصناعة القدور التي تستعمل في الطبخ ايام عاشوراء.وانا اتذكر اليوم الذي جاءت فيه السيدة انديرا غاندي ورئيس باكستان ضياء الحق او الملك فهد الذي اشترى دلالاً غير موجودة عندهم، فشاهد دلة سيد مهدي واشتراها ايضاً.

الدلال العراقية
- حاولنا ان نلتقي باحد ابناء او صناع السيد مهدي ولكن وفاة قريب لهم منع ذلك- واصل الحجي عبد الرسول محدثا "ان تصميم دلال سيد مهدي لا يمكن لأحد ان يقلدها في أي مكان في العالم،رأيت مرة واحدة تشبهها ولكن كانت مصنوعة من الستيل.وتتشكل الدلة حسب شخصية الحرفي وفنه فمن بوزها او كعبها،استطيع ان أميزها من بعد عشرين مترا. لقد أراد السعوديون ان يقلدوا صناعتها أيام الحصار فأرسلوا تصميما الى كوريا فصنعوها هناك من الاستيل،ان النحاس يختلف بحرارته وبقائه في النار ولايفقد حرارته. أبناؤه يعملون الان بدلا منه.
في السوق لاتجد اية لافتة على المحال. لان الصناع هنا معروفون بالأسماء. فمنهم أولاد حجي حسين يعملون بالنحاس او القلاي، وأولاد حجي عمر.اما هناك ـ وأشار الى احد المحال ـ فهم مختصون بصناعة دلال من الفضة.وأولاد ابو علاء الصفار يعملون في نحاسيات في مراقد اهل البيت او يصنعون فوانيس ضخمة في المنازل الراقية.او ترتيبات شرقية مع الخشب .
مطرقة الاسطة من ذهب
اكمل الحجي قائلا " ان الأسطوات عدة أجيال،فالجيل الاول انتهى في فترة الأربعينيات اما الجيل الثاني فاعرف بعضهم وهم جيل الستينيات والسبعينيات. ان صنعة الاسطة وخبرته تشكل العامل الاول في نجاح المحل وصدق من قال ان مطرقة الاسطة من ذهب .ومن الحرفيين المعروفين كذلك ،ابن ألحجي عبد المحسن ابنه مازال يعمل حتى الان ومختص بعمل دلال الفضة.اسطوات سيد مهدي توفوا ويعمل أولادهم الان. ولو توفرت فرص عمل النحاسيات لعملت فيها انا، مع العلم أنني قمّاش، ولقد نشأت في هذا السوق واعرف كل كبيرة وصغيرة فيه.بعض محال الصفارين تحولت الى بيع التحف قرب المدرسة المستنصرية. روى لي السيد مهدي ابو الدلال عن تاريخ السوق، انه بني مع المدرسة المستنصرية وكان هنالك مطابخ تابعة لها مسؤولة عن إطعام الطلبة الذين يدرسون فيها وكانوا ياتون من مختلف أنحاء العالم. واحتاجت هذه المطابخ الى قدور تصنع قرب المدرسة نفسها وتطور العمل حتى اصبح سوقا. وفي زمن العثمانيين كانت الصناعة في السوق تعتمد على النحاس، والى فترة الخمسينات جاء الألمنيوم وحل محل النحاس، وبدأت اعمال الانتيكات تاتي من الخارج.
السيد أياد محمد 39 عاما والذي تحدث قائلا عن سبب قدومه الى السوق.
"أحاول ان اشتري أشياء تتلاءم مع ديكور منزلي ولقد اشتريت بعض انواع السجاد وابحث الان عن نحاسيات تلائم المنظر.ليس لدي خبرة في الأسعار".
ازمة السوق الكبيرة
ان الايدي العاملة تختفي بسبب الوضع في العراق وكان هنالك بعض التشجيع في بداية النظام السابق ولكنه لم يكن حقيقيا ،فكانوا يقولون سوف وسوف ولكنهم لايفعلون.اعرف شخصا كان مختصا بصناعة الدلال ،وحينما كبر اولاده أصبحوا اطباء تركوا مهنة والدهم بعد ان وجدوا انها لا تعينهم في الحياة. قالوا لو كانت مهنة ابينا مشجعة لعملنا بها. لقد زرت اصفهان ورأيت هناك عوائل كاملة تعمل في هذه المهنة، فاحدهم يضع التصميم والآخر يشكل معالمه او ينقشه.
مصادر قديمة
ذكرالسوق في احد المصادر على انه درب نافذ يتصل بدروب غير نافذة.مدخله الرئيس من شارع الرشيد الى سوق باب الاغا ويمتد على شكل قوس وتتقاطع نهايته بسوق البزازين. جدد بناؤه على الطريقة البغدادية. اما في كتاب الدكتور عماد عبد السلام "الاصول التاريخية لمحلات بغداد" ....فنقرأ انه سوق يتصل بسوق باب الاغا الجديد من جهة ودرب البزازين من جهة اخرى .وكان في العصر العباسي الاخير محلة قائمة تسمى درب المسعودة او المسعود ،أشير الى هذا الاسم في عام 1762.
انواع الحرف
قال ماجد صادق ابو ايلاف ،46 عاما .حدود سوق الصفافير من شارع الرشيد حتى شارع النهر قرب المستنصرية.الى تمثال الرصافي في باب الاغا.وفي السوق هنالك 145 محلا حسبتها في الثمانينات . عدد الفروع فيها ستة فروع الى اليسار واثنان الى اليمين . تتقاطع محالنا مع محال الأقمشة ، حتى اصبح هنا قرابة 15- 18 محل صفار. قبل عشرين عاما كان السوق فيه بيوتا للصفارين ، حتى يكونوا قريبين من عملهم، لانهم يخرجون فجرا ويستمرون بالعمل الى منتصف الليل وكانوا يعملون في اضواء الفوانيس. . ومهنة الصفارة تتألف من الصفار وصاحب التحفيات وعامل النيكل والنقاش .اننا من سكنة بغداد من زمن بعيد جدا. ابي كان صفارا،واندثرت البيوت وتحولت الى محال.
كان آباؤنا شبابا ونحن ذهبنا الى العسكرية.وعندما بدأو يشيخون تضاءلت صنعتهم.فاخذوا يبيعون محال.كما ان هنالك ورشاً خارج السوق لان السرقفليات غالية. وبعض من عمل في هذه المهنة بقي محافظاً عليها. ولم تهتم الدولة بهم اهتماما مناسبا .واعتمد السوق على السياح وعلى المسافرين.ان هذا السوق يمثل بصمة عراقية أصيلة .فلا تخلو المطبوعات السياحية العالمية عن العراق من صور سوق الصفافير.
حيدر محسن ،32 عاما ،يعمل في السوق مذ كان في العاشرة من عمره. ،كان منشغلا في اعادة نقش صينية بيضاء قديمة. نقش عليها صور لحمورابي والحدباء قال عن عمله " ورثت العمل عن ابي وكان صفارا. .ونحن نستعمل الأقلام في الرسوم ثم ننقشها على الورق الأساس ونطبعها بالكربون ثم ننقشها .نأخذ الصور من معايدات قديمة. يشاركه في نفس المحل،سمير قاسم عبد الحسن 43 عاما خريج المعهد التكنولوجي كان يبدو منسجما مع عمله ،تحدث قائلا "انا مختص بأدوات الحلويات .وهي حرفة أبي وجدي ونحن مازلنا متمسكين بها. ان التراث يجب ان يبقى .كنت اعمل في صناعة اللكن والطست والصواني، والمسافرون يشترون الأباريق والصواني المنقوشة.كانوا يعملون في السماورات والنقش.الكثير من اولاد الصفارين لم يتعلموا مهن آبائهم. وتجار الاقمشة بدأوا يدفعون اسعاراً خيالية.
الخروج من السوق
وفي درب غير نافذ ،وقبل الخروج من السوق التقينا بحرفي كان يجلس على الارض مع زميل له ،انتشرت امامه اجزاء من الدلال قال عن عمله " ان صناعة الدلال تمثل أصالة الشعب العراقي. اول خطوات العمل ان تقص على شكل دوائر.ونأتي بالمواد الأولية من سوريا .ان الدلة التي تدخل مهربة الى العراق من سوريا ارخص سعرا من الدلة التي نقوم بصناعتها وهذا يؤثر على عملنا، نبيع الواحدة بخمسة وثلاثين الفا وتصل الى اربعين الفا . اما الطقم الكامل فسعره نحو 150 الفا .الطقم (الناصي) يفضله اهل السعودية، وكان والدي يكثر من صناعته،كما ان هنالك الدلة البغدادية ،وكنا نصنع الدلال في وقت لم تكن فيه التحفيات الهندية دخلت الى السوق العراقية وهنالك طقم عرموطي الشكل على غطائه نقش يدوي.
عائلة حرفية
احيانا يملأ صخب الطرق المكان حتى بالكاد تسمع صوت الصفار يتحدث عن معاناة صنعته قال "كان الاسطوات في ذلك الزمن يشترون بيوتا ويسافرون الى الخارج.اما عملنا الا ن فعلى مقدار العيشة.انا اعمل ديكورات وسماور للشاي.عدد الصفارين بدأ يقل .كان عمل والدي ناجحا آنذاك بحيث كان يكفل معيشة عشرة أشخاص واشترى منزلين منها أما هذه الأيام فالمصلحة لا تشجع.ان عملنا منقرض ولم تساعدنا الدولة في زمن الدكتاتور. . . والدي محسن الصفار وسيد مهدي من أحسن من كان يصنع الدلال.انا زهير وأخي الأكبر عامر أيضا اختص بصناعة الدلة ونقشها. واذا تحسن السوق فسوف نأتي بأولادنا ليعملوا معنا".
السمفونيات القديمة
ونحن نغادر المكان ، استمرت المطارق القليلة في الخارج ترسل اصواتا مختلفة لتعبر عن هوية سوق الصفافير. اصوات تقاوم الزمن . ان من المخيف ان ياتي يوم لا تسمع فيه صدى هذه المطارق الجميلة التي تشكل معالم أشياء جميلة ونافعة، تعبر عن بغداد والعراق .


http://www.almadapaper.com/sub/09-499/p10.htm





.