حياته السياسية
العمل الحزبي في حزب الدعوة الإسلامية:
بغض النظر عن الحضور الديني في الممارسة السياسية عموماً لدى العلماء والقيادات الشعبية والذي تجلى في مقاومة الاستعمار والظلم ومظاهر البطش فقد كان المشروع السياسي الإسلامي ـ في العراق ـ غائماً وضبابياً، ويشكو من ثغرات كبيرة، خاصة على مستوى العمل الحزبي والتنظيمي. وعلى الرغم من بروز عدد من المحاولات(*) والتي ترجع إلى وقت مبكر فإنها لم تفلح في صياغة مشروع فكري وسياسي فاعل، وبقيت رهن الظروف الزمانية والمكانية.
وربما يكون في جملة الأسباب التي أدت إلى إخفاقها عدم بلوغ النضج السياسي أو عدم بلوغ المرحلة التاريخية ـ يومذاك ـ هذا المستوى، أو الإخفاق في إقناع الوسط الديني في تبنيِّها ومؤازرتها وتحديداً على المستوى القيادي.
هذه الجهود الدؤوبة والمتواصلة لعدد من العاملين الإسلاميين أثمرت في صيغة تنظيمية حملت اسم (حزب الدعوة الإسلامية) ذلك التنظيم الذي كان ـ بحق ـ التشكيل الحزبي الوحيد الذي كتب له النجاح على المستوى الإسلامي الشيعي. ولعلّ في جملة الأسباب التي أسهمت في هذا النجاح: توفر المظلة الدينية لهذا التشكيل، والذي تمظهر في مرجعية السيد محسن الحكيم، والإسهام الفاعل والكبير للسيد محمد باقر الصدر في تأسيسه وتبنَّيه، فضلاً عن توفر عدد من الكوادر العاملة على مستوى كبير من الثقافة والإخلاص والجديّة والواقعية أيضاً.
البدايات:
الشهادات المتوفرة بين أيدينا بخصوص تحديد تاريخ نشأة حزب الدعوة الإسلامية لا تخلو من غموض.
وربما يرجع ذلك إلى غياب الحسّ التاريخي والاهتمام بتسجيل مثل هذه الحوادث وخاصة البواكير والبدايات لدى المؤسسين أنفسهم، في وقت يتركز فيه العمل على الانطلاق بالمشروع السياسي، وافتراض التسجيل التاريخي من الفضول كما أفاد به أحد مؤسسي الحزب نفسه(1).
فيعمل تقادم السنين (مِعْوَله) في تهديم ذاكرة العاملين، وخاصة في ظل المعاناة والخوف والمطاردة. هذا مع وجود العنصر الذاتي الذي لا يمكن استبعاده في هذا المجال، والذي يلقي بظلاله على تسجيل التاريخ وإفادة الشهادات.
في شهادته حول فكرة الحزب وتأسيسه يقول الشهيد السيد مهدي الحكيم: ""وحول فكرة الحزب تكلّمت في وقتها مع السيد طالب الرفاعي وعبد الصاحب دخيل و.. على أساس أن نعمل حزباً، وعقدنا عدة اجتماعات وجلسات حول الموضوع، وكان السيد طالب الرفاعي أفضلنا من الناحية السياسية باعتبار اتصاله بحزب التحرير والأخوان المسلمين، ومن خلاله تعرفنا على الشيخ عارف البصري. وقد اقترح عليَّ السيد طالب طرح الموضوع على السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رض). ولما كنّا نخشى طرح مثل هذا الموضوع على مثل السيد الشهيد باعتباره مجتهداً لأننا كنا نخشى أن نُسبَّ أو نلعن أو نكفّر، فقد أبديت خشيتي، ولكن السيد طالب أخبرني بأن السيد الصدر ليس من ذلك النمط. التقيت بالسيد الصدر في بيته، وعرضت عليه الموضوع فوافق من دون ممانعة أو تردد""(2)
ويقول الشهيد الحكيم في شهادته: ""بعد ذلك اقترح عليَّ السيد الشهيد أن أطرح الموضوع على السيد مرتضى العسكري، ولما لم أكن قد تعرفت عليه سابقاً فقد كتب السيد الصدر رسالة أخذتها معي وسافرت إلى الكاظمية، ولما التقيت به أعطيته الرسالة، فقرأها ثم سألني: ما الموضوع؟ فأخبرته. قال: أنا موافق. فبدت عليَّ علائم الدهشة والاستغراب، فقال: لا تعجب فقد كنت أفكر في الموضوع منذ زمن، ولكن لم أجد الإنسان الذي أتحدث معه حول ذلك""(3).
وعن تطلعه لإنشاء حزب إسلامي في الوسط الشيعي كما هو الحال في الوسط السني يقول السيد مرتضى العسكري في شهادته عن هذه المرحلة: ""وفيما أنا أعيش هذه الأفكار جاءني المرحوم السيد مهدي الحكيم حاملاً رسالة من السيد محمد باقر الصدر.فتحت الرسالة، وكانت تقول: يحمل كلامي إليك السيد مهدي الحكيم. سألت السيد مهدي ـ رحمه الله ـ فقال لي: بأنني والسيد الصدر نفكر بتأسيس حزب، وأن السيد قال: إذا وافق السيد العسكري فإننا نستطيع السير في ذلك. قلت للسيد مهدي: اذهب وأنا سآتيكم. لا أذكر التاريخ بالضبط إن كان قبل أو بعد 14 تموز 1958، وإذا كان قبلها فان الأمر لا يتجاوز شهوراً قليلة. ذهبت إلى النجف واجتمعنا أربعة أشخاص: أنا والسيد مهدي الحكيم والشهيد الصدر والرابع لا أستطيع ذكر اسمه(*) لأنه لا يزال حياً، وقررنا تشكيل الحزب. وبعد ذلك دعا كل منا من يعرفه، فدعوت محمد هادي السبيتي ومحمد صادق القاموسي وصالح الأديب ـ والذي نشر حزب الدعوة في كربلاء، ودعا السيد مهدي الحكيم الشهيد عبد الصاحب دخيل ""(4).
وفي شهادة صالح الأديب يجد الباحث عدة تفصيلات، وهي لا تبتعد عن الشهادات التي تقدم ذكرها، فيقول: ""في العام 1956 تعرفت على السيد الشهيد ـ يعني به السيد محمد باقر الصدر ـ وكانت معرفتي به بواسطة السيد مهدي الحكيم. وكنت أتحدثُ عن ضرورة العمل الإسلامي المنظم في مدينتي ـ كربلاء ـ وفي الكلية، فيما كانت لي علاقة بأحد النشطاء السابقين في (جماعة الشباب المسلم) والتي يتزعمها الشيخ عز الدين الجزائري، إلاّ أنه كان يائساً من نجاح العمل فدلّني على السيد مهدي الحكيم الذي ذكر لي بخصوصه أنه أبرز من يفيدني في هذا المجال. وقد تعرفت على السيد مهدي الحكيم والتقيته في دار والده السيد محسن الحكيم، وقد استجاب للموضوع مباشرة. وأثناء الحديث ذكر لي السيد محمد باقر الصدر وذكر أنه يؤمن بالعمل المنظم واقترح أن أذهب بصحبته إلى دار السيد الصدر، حيث التقيناه. وفيما كان السيد مهدي الحكيم يتحدث عن سبب الزيارة، بادر السيد الصدر إلى الحديث عن ضرورة العمل الإسلامي المنظم في وجود حركة ذات فكر مستقى من القرآن الكريم والسنّة ومن سيرة الأئمة، غير أن تبني هذه الحركة لفكر أهل البيت (ع) لا يعني إشهاره بالطريقة الصارخة، بل تتبنى فكرهم (ع) بطريقة ضمنية ومن خلال عرضه والتعريف به. ثم توالت الاجتماعات بالشهيد الصدر وبصحبة السيد مهدي الحكيم، وكنّا نتناول ما يتصل بالعمل الإسلامي ووضع الأحزاب الأخرى في الجامعات، سواء كانت الأحزاب الإسلامية أم غير الإسلامية، وطلب الشهيد الصدر أن نجمع الأنظمة الداخلية لهذه الأحزاب، مثل الحزب الشيوعي وحزب البعث، والقوميون العرب، والكتب العشرة لتقي النبهاني، التي كانت بمثابة الفكر الأساسي لحزب التحرير، فيما لم نجد للأخوان المسلمين نظاماً داخلياً، لأنهم ـ حسب ما أعلمني بعض كوادرهم ـ أنهم يتدارسون كتاب (الدعوة والداعية) للبنا، وكتب عبد القادر عودة. وبالفعل أحضرت هذه الأنظمة، وعدداً من مجلة (الأخوان المسلمون) وأعداد أخرى من مجلة (المسلمون) التي يصدرها سعيد رمضان، وقد قرأها السيد الشهيد وأبدى إعجابه بمجلة الأخوان، وكانت مجلة كبيرة، وذات أركان متعددة: للمرأة، للعمال، ومواضيع أخرى. وعندما تخرجت من الكلية في سنة 1957م أبلغني السيد مهدي الحكيم، وكان كثير المجيء إلى كربلاء، أن نعقد اجتماعاً تأسيسياً للحزب، إذ كانت له دار هناك يسكنها في أيام زيارته لكربلاء. وقد حضر هذا الاجتماع عدد من الأخوة وكان بإدارة الشهيد الصدر، حيث بيَّن السيد الشهيد ضرورة العمل المنظم كبديهة عند الحاضرين ومحل اتفاقهم، وكان للسيد الشهيد مع كل واحد من هؤلاء الحاضرين لقاءات عديدة، أو مع السيد مهدي الحكيم، وكأنَّ اجتماعهم هذا كان لإعلان التأسيس الرسمي""(5).
وللسيد طالب الرفاعي شهادة تبتعد عن الشهادات الأخرى ـ على الأقل في بعض التفاصيل ـ وفقاً لها: ""كان مؤسسو حزب الدعوة ثلاثة أشخاص هم: السيد طالب الرفاعي نفسه، والسيد مهدي الحكيم، وشخص ثالث لم يرغب بذكر اسمه. وقد عرَّف السيد الرفاعي السيد الصدر على قيادة الحزب ودعاه إلى الانتماء إليه. ولم تمض فترة طويلة إلاّ وتصدَّر السيد الصدر رئاسة الحزب نفسه""(6).
وقد ذكر السيد الرفاعي أنه: ""لم يكن الشهيد الصدر المؤسس لحزب الدعوة، وإنما دعي إلى أن يكون على رأس الهرم التنظيمي ـ وكان هناك تمهيد لذلك ـ فأجاب""(7). وذكر ـ أيضاً ـ : ""إن السيد العسكري دعي إلى الانضمام للحزب بعد قيام الدعوة وبعد أشهر، إذ ذهب إليه السيد مهدي الحكيم ودعاه إلى الانضمام""(8).
أما الشيخ عبد الهادي الفضلي فقد كتب لي أنه: ""كانت هناك مجموعة من شباب الشيعة في بغداد والبصرة والنجف ينتمون إلى حزب التحرير الإسلامي، من أبرزهم السيد طالب الرفاعي في النجف والمهندسان محمد هادي السبيتي وأخوه مهدي في بغداد، والشيخ عارف البصري في البصرة. وإثر ما أثير حول الحزب من سلفيته المتشددة وتكفيره للشيعة استفتي السيد الحكيم حول الانتماء إليه فأفتى بالحرمة. وعلى أساس من هذه الفتوى تحرك الأخوان المهندسان وطلبا من السيد طالب الرفاعي أن يفاتح السيد الصدر بتأسيس حركة إسلامية شيعية، واستجاب السيد الصدر متحمساً للفكرة بعد أن استأنس برأي خاله الشيخ مرتضى والمرجع الديني السيد الحكيم، وبدأ عمله بوضع الأسس، وفوتح الأعضاء الأوائل للدعوة بالانتماء، فتجمعت حوله الطليعة المعروفة، وبهذا يعتبر هو المؤسس للدعوة""(9).
ويبدو أن هناك مجموعة من الشباب العاملين الواعين كانت تفكر في العمل الإسلامي وفقاً لما كانت عليه الأُطر التنظيمية السائدة يومذاك، وقد كان بعضها ـ غير الإسلامي تحديداً ـ قد غزا المجتمع وتغلغل فيه، في ظل غياب الإسلاميين وتقوقعهم في أُطر قديمة لم تعد تصلح للعمل. ويدعم ذلك أن هذا التفكير كان قائماً في سنوات المد الشيوعي ـ في العراق ـ خاصة. وتناغمت هذه الأفكار وهذه الآمال، لتتوحد عبر اجتماعات ثنائية وثلاثية لينبثق عنها ما يعرف بـا ""حزب الدعوة الإسلامية""، والذي تشكَّل رسمياً ـ من خلال الشهادات ـ في العام 1957 أو في العام 1958، في وقت تشير معظم الشهادات إلى أنَّ هناك إرهاصات وإعداداً أسبق من هذين التاريخين.
وفي خصوص التاريخ الرسمي للحزب فإن ثمة من يؤكد أن التأسيس كان في العام 1957م وهو ما أشار إليه الحاج صالح الأديب(10)، فيما يتردد التاريخ عند السيد مهدي الحكيم بين قبل أو بعد (14تموز) من العام 1958، وإن كان يظهر منه أن التاريخ الثاني هو تاريخ التسمية(11)، والذي ربما يريد منه الإعلان الرسمي. ويبدو الأمر مردداً ـ إلى حدّ ما ـ عند السيد العسكري الذي تقدمت شهادته. فيما أكَّد لي السيد طالب الرفاعي أنَّ تأسيس الدعوة كان في العام 1959، وفي الصيف من العام المذكور، ولعله على الأرجح في الشهر السابع، وإن كان لا ينفي وجود تمهيدٍ أسبق من هذا التاريخ(12). إلاّ أنه في إفادة أخرى ذكر ""إن تأسيس الحزب الفعلي، تم بعد أشهر قليلة من انقلاب عام 1958""(13). وهو التاريخ الذي يميل إليه السيد محمد باقر الحكيم، حيث يرى أنَّ بداية تأسيس الحزب كانت مقترنة مع تأسيس جماعة العلماء(14)، والتي تأسست ـ من وجهة نظره ـ في العام 1958 وبعد شهرين من انقلاب تموز(15).
وسيأتي أن تحديد تأسيس (جماعة العلماء) بالعام 1958م يؤكد القول بأنَّ تأسيس الحزب في العام 1957م، لأن تأسيس الحزب أسبق تاريخياً من تأسيس الجماعة كما تشير إليه المصادر العديدة.
وإذا كان هناك اختلاف في تاريخ التأسيس الفعلي والرسمي فيما أشرنا إليه فإن ثمة اختلافاً حول المكان ـ أيضاً ـ بعد أن نكون قد استثنينا البدايات التي ترجع إلى البحث في تشكيل الحزب، والتي ربما دار معظمها في النجف الأشرف إذ تشير بعض الشهادات إلى أن البداية كان في اجتماع كربلاء، وربما هو الاجتماع الذي أقسم فيه المجتمعون على العمل، والذي يحدده الأديب في العام 1957م، وفي منزل السيد محسن الحكيم في كربلاء الذي لم يكن معدّاً للسكن الدائم، بل أُعدّ لزياراته إلى كربلاء(16). وهو ما يؤيده السيد محمد باقر الحكيم(17)، وإن كان يؤكد في شهادة أخرى أن مكان الاجتماع التأسيسي كان قد عقد في دار السيد مهدي الحكيم وليس في دار والده السيد الحكيم(18).
ويبدو أن الاجتماع التأسيسي هو الذي ضمّ الروّاد ـ أو بعضهم ـ ليتفقوا على ولادة الحزب، وليس ثمة اجتماعان تأسيسيان، وإنْ كانت هناك اجتماعات ثنائية وثلاثية.. بين هؤلاء الروّاد والتي سبقت الاجتماع التأسيسي.
وقد حضر الاجتماع التأسيسي في كربلاء كل من: ""السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد باقر الحكيم، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد مهدي الحكيم، السيد طالب الرفاعي، الحاج محمد صادق القاموسي، الحاج عبد الصاحب دخيلّ، الحاج محمد صالح الأديب""(19). وقد ذكر لي الشيخ عبد الهادي الفضلي أن الشهيد الصدر لم يحضر الاجتماعات الحزبية خارج النجف إلاّ اجتماع كربلاء ولمرة واحدة(20). وربما يشير الفضلي إلى هذا الاجتماع.
وينفي السيد الرفاعي وقوع اجتماع كربلاء وأن يكون حضره، ويرجعه إلى الحاج صالح الأديب(21). إلاّ أننا نجده حدثاً واقعاً عند غير الأديب، كما هو الحال عند السيد محمد باقر الحكيم.
وقد لا يكون السيد الرفاعي حاضراً في الاجتماع التأسيسي المشار إليه ـ فإنَّ هناك من الروّاد من لم يحضر هذا الاجتماع(23)، ويغيب عن الاجتماع المذكور أحد أبرز المؤسسين، وهو المهندس محمد هادي السبيتي، وإن كان يظهر ـ وفق رواية السيد العسكري ـ أحد الحاضرين، إذ يبدو من السيد العسكري أنَّ ثمة اجتماعين تأسيسيين لحزب الدعوة أحدهما في النجف ـ وثانيهما في مكان لم يأت على ذكره، وربما هو كربلاء، إذ يقول وهو بصدد الحديث عن الرسالة التي حملها السيد مهدي الحكيم من السيد الصدر: ""قلت للسيد مهدي اذهب وأنا سآتيكم. لا أذكر التاريخ بالضبط إن كان قبل أو بعد 14 تموز 1958، وإذا كان قبلها فإن الأمر لا يتجاوز شهوراً قليلة. ذهبت إلى النجف(*) واجتمعنا أربعة أشخاص: أنا والسيد مهدي الحكيم والشهيد الصدر والرابع لا أستطيع ذكر اسمه لأنه لا يزال حياً، وقررنا تشكيل الحزب، وبعد ذلك دعا كل منا من يعرفه فدعوت محمد هادي السبيتي ومحمد صادق القاموسي وصالح ـ لا أتذكر من دعا(**)ـ ودعا السيد مهدي الحكيم الشهيد عبد الصاحب دخيل. عقدت هذه المجموعة اجتماعها الأول، وحين قررنا أداء اليمين كان النقاش من يؤدي اليمين أولاً، الشهيد الصدر أم أنا؟ إلاّ أنَّ الشهيد الصدر أصرَّ على أن أكون أول من يقسم، فكتب أول قائم بهذا العمل المبارك..""(24). ووفقاً لهذه الرواية يكون المجتمعون:
- السيد محمد باقر الصدر (أعدم 1980).
- السيد مرتضى العسكري (لا يزال حياً).
- السيد محمد مهدي الحكيم (اغتيل في السودان 1988).
- السيد محمد باقر الحكيم (اغتيل في النجف 2003).
- المهندس محمد هادي السبيتي (سلّمته السلطات الأردنية إلى النظام العراقي ولم يعرف مصيره).
- المهندس محمد صالح الأديب (ت 1996).
- الحاج محمد صادق القاموسي (ت 1988).
- الحاج عبد الصاحب دخيل (أُعدم 1972).
إنَّ هذا الغموض التاريخي يرجع إلى تقادم السنين من جهة، وإلى اهتمام الرواد بأصل العمل من دون الالتفات إلى هذه التفاصيل التي كانوا يظنونها من الأمور الترفية(25). وهناك أسماء أخرى للرّواد مثل الشيخ عارف البصري، والشيخ عبد الهادي الفضلي، والشيخ مهدي السماوي.. ولا نعرف تاريخ إلتحاقهم بالحزب تحديداً.
دور الشهيد الصدر في الحزب:
لقد كان الشهيد الصدر ـ على نحو الجزم ـ أحد المؤسسين لحزب الدعوة الإسلامية، بل كان الأساس في تشكيله. فقد ذكر السيد طالب الرفاعي أن السيد مهدي الحكيم مع إيمانه بالتنظيم إلاّ أنه كان متوقفاً عن تنفيذ الفكرة، وكان يعتقد ضرورة وجود فقيه على رأس التنظيم ـ وهو ما كنت أشاطره الرأي - والكلام للسيد الرفاعي - خشية ردود الأفعال السلبية التي يمكن أن تلحق بهم(26).
ولقد شكل وجود السيد الشهيد ـ كفقيه ـ غطاءً شرعياً للتشكيل الحزبي، فضلاً عن دوره الفكري في تأصيل النظرية السياسية للحزب.
ويمكن أن نُصنِّف دور الشهيد الصدر في حزب الدعوة إلى اتجاهين:
الأول: الدور الفكري ، إذ تفرّد السيد الشهيد بالتنظير للحزب، وذلك لجهة القدرات العلمية والفكرية التي يتوفر عليها الشهيد الصدر، مما جعل الروّاد ينتظرون ما يقرره. وقد كتب معظم ـ بل جميع ـ الأدبيات الفكرية للحزب في تلك الفترة، وكان أول ما كتبه (كيف تكون الدعوة إلى الإسلام) والتي يختصرها البعض بـ ""يجب أن تكون دعوتنا انقلابية"" وهي أول نشرة من نشرات حزب الدعوة الإسلامية(27). ثم كتب (أسس الدولة الإسلامية) والتي تعرف اختصاراً بـا(الأسس)، وكانت بمثابة دستور الحزب، بل دستور الدولة الإسلامية المتوقعة والمرتقبة، والتي كانت موضع التدارس في الحلقات الحزبية، بل كانت موضع الدرس في الحلقة المؤسِسة حيث قام الشهيد الصدر نفسه بتدريسها للمجموعة المؤسِسة التي كانت تحضر عنده، فيما كتب لها شرحاً لم يعرف مصيره(28)، هذا فضلاً عن كتابته بحثاً عن الاستدلال على مشروعية الحكومة الإسلامية(*)، والذي عرضه السيد محمد باقر الحكيم على بعض المجتهدين يومذاك كما يفيد(29)، وكتب ـ أيضاً ـ في تحديد (الشكل ومشروعية التنظيم والاسم)(*)، ويبدو أن هذا المقال يرجع إلى فترة ما بعد التأسيس، وتحديداً إلى العام (1960) وهو العام الذي حُدِّد فيه اسم التنظيم والتشكيل الحزبي، والذي أُسمي (حزب الدعوة الإسلامية)(30).
ويمكن القول ـ كما عن السيد محمود الهاشمي أحد أبرز تلامذة الشهيد الصدر ""كان الشهيد الصدر بمثابة الفقيه والأب الفكري والروحي لهذا الحزب.. ويمكن القول بأن 95% من الجوانب والمواضيع الفكرية لحزب الدعوة كانت تستلهم من كتابات وأفكار الشهيد الصدر""(31).
وبغض النظر عن الطابع الفكري العام الذي تركه الشهيد الصدر على حزب الدعوة الإسلامية، فإنَّ هناك معالم محددة يمكن أن نشير إليها، تلك المعالم التي شكلَّت ..
أهم المرتكزات الفكرية في الحزب:
1ـ القيادة الجماعية: إذ أسس الشهيد الصدر هذه المقولة على أساس ومبدأ الشورى، والذي يؤول بالمحصلة إلى العمل برأي الأكثرية، دونما ترجيح لرأي الفقيه أو غير الفقيه، بل كان يعتبر رأي الأكثرية في قيادة الحزب هو المحكّم(32)، وقد انعكس هذا الرأي على سلوكه في قيادة الحزب، إذ لم ير لنفسه أو لرأيه ـ كما تفيد بعض المصادر المؤسسِة للحزب ـ خصوصية تلزم الآخرين بالأذعان نظراً لكونه فقيه الحزب أو مفكره، مع أنه كان فقيه الحزب والمنظِّر له(33).
2ـ الطابع السلمي للحزب: فقد كان الشهيد الصدر يؤمن بإمكانية العمل السياسي عن طريق ما كان يُعرف بالبرلمان أو المجلس النيابي ـ وإن كان صورياً ـ وذلك عن طريق الزج ببعض العناوين والأسماء اللامعة من أبناء الحركة الإسلامية، وعدم ترك الساحة السياسية للحركات والأحزاب غير الإسلامية.
وتشير المصادر المؤسسة إلى شيوع هذا التفكير إلى زمن الحكم العارفي، حيث نشأ بعد ذلك التفكير بالانقلاب أو التحرك العسكري، ثم العمل المسلح والذي تبنّاه السيد الصدر نفسه(34).
وقد انعكس هذا الطابع في ما يعرف بـا(الأُسس) حيث حدَّد الوسائل التي عن طريقها تتم مواجهة الحكومات الجائرة، والتي تتراوح بين مصلحة الإسلام والمسلمين وطبيعة المخاطر التي يواجهونها، وبين حفظ النظام العام خشية وقوع الحرب الداخلية والاقتتال الأهلي.
3ـ الطابع السرّي: وقد اتخذ (حزب الدعوة الإسلامية) الطابع السري لحركته التنظيمية. والحزب مدين إلى الشهيد الصدر في هذا الطابع التنظيمي الذي تبنّاه الشهيد الصدر نفسه. إذ كتب في إحدى نشرات الحزب: ""الطريقة العامة في عمل الدعوة في هذه المرحلة هي السرية، لأن الدعوة يجب أن لا تبرز إلاّ في الوقت الذي تصبح فيه من الناحية الكمية والكيفية بدرجة من الاتساع والصلابة تجعل من العسير على أعدائها خنق أنفاسها والقضاء عليها. والسرية التي نعنيها في هذه المرحلة هي سرية تنظيم الدعوة وسرية الأعضاء والخطط والاجتماعات والتحركات التنظيمية، فلا يجوز للداعية أن يكشف للناس وجود الدعوة أو أسماء من يعرف من الدعاة حتى لو تعرّض للأذى والضرر، لأنه لا يجوز في الإسلام إيقاع الضرر بالغير حتى لدفعه عن النفس، مضافاً إلى أن كشف الدعاة يوقع الضرر بمصلحة الدعوة. وأما الأفكار والأهداف التي تتبناها الدعوة فليست سرية ولا داعي للتكتم بها.. ""(35).
وكما هو واضح من النص الذي كتبه الشهيد الصدر فإنّ السبب في تبني هذه السرّية هو حماية التنظيم وأعضائه والحؤول دون تصفية رموزه وكوادره وخنق الحركة التنظيمية ـ التي تتمثل في حزب الدعوة ـ وهي في مهدها، ولا يرجع تبني هذا الطابع إلى ميلٍ عقائدي بقدر ما هو حاجة أمنية محضة.
وتأثير الشهيد الصدر على حزب الدعوة الإسلامية في تبني الخيار السرّي على المستوى التنظيمي ليس مورداً للشك، وقد أشارت إليه عدة مصادر على اختلاف مصادرها، ومن تلك المصادر السيد محمد باقر الحكيم الذي أشار ضمناً إلى هذا التأثير، وهو في مقام الحديث عن التباين بين منهجي السيد الحكيم (المرجع) وبين السيد الصدر، إلاّ أنه أشار إلى انحياز السيد الصدر إلى منهج السيد الحكيم مؤخراً، في إشارة إلى تخليه عن الطابع السري عن التنظيم، فضلاً عن إعادة النظر في العلاقة مع التنظيم نفسه(36).
وقد نسب السيد محمد باقر الحكيم إلى والده جواب استفتاء في هذا الشأن ورد فيها: ""إذا كانت القيادة سرية فلا يمكن الانقياد إليها، لأنها إذا كانت ذكية يخاف منها، وإذا لم تكن ذكية فيخاف عليها""(37)، وفضلاً عن التشكيك الذي سجّلته بعض المصادر المطّلعة حول نسبة هذه الفتوى للسيد الحكيم (المرجع)، واحتمال تزويرها على السيد الحكيم(38)، فإن الفتاوى المنشورة والتي تصح نسبتها إلى السيد الحكيم تمنع من الانتماء إلى الأحزاب ذات القيادة المجهولة إذا كان الانتماء مطلقاً ـ على حد تعبيره ـ في مقابل الانتماء المحدود مع معرفة الغايات والأهداف(39)، هذا علاوة على إبلاغ السيد الحكيم تمنياته في لقاء مع قيادات حزبية اتخاذ الطابع السري(40).
على أن البحث عن ضرورة السرية أو عدمها وجواز تبنّيها خياراً تنظيمياً أو عدمه أمر في غاية الغرابة في ظل أجواء القمع والمطاردة والملاحقة المألوفة والمعروفة، فكيف يُعقل أن يتصدى نفر لعمل تنظيمي ـ وخاصة الإسلامي ـ وهم يعلنون على الملأ أسماء قياداتهم وكوادرهم وأعضاء تنظيمهم!!.
وأما ما ذكره السيد الحكيم من تغيّر وجهة نظر السيد الشهيد في التنظيم وتحديداً في الخيار السري فهو مما لا يساعد عليه الجو العام الذي كان شائعاً في العراق، وخصوصاً ما رافق منه الحقبة السياسية التي تسلّم فيها حزب البعث العراقي الحكم، مضافاً إلى ما تؤكده بعض المصادر المطّلعة والتي لا علاقة لها بحزب الدعوة الإسلامية إذ أشارت إلى أن الشهيد الصدر نفسه أكدّ في أواخر حياته على الخيار التنظيمي والذي يقوم على بناء الخلايا المتفرقة التي يصعب على أجهزة السلطة تصفيتها وكشفها بسهولة(41).
يتبع/