نص المقابلة الصحفية التي اجرتها صحيفة الحياة مع دولة رئيس الوزراء السيد نوري كامل المالكي
بسم الله الرحمن الرحيم
جمهورية العراق
رئاسة الوزراء
المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء
بيان
الاربعاء 26/5/2010
نص المقابلة الصحفية التي اجرتها صحيفة الحياة مع دولة رئيس الوزراء السيد نوري كامل المالكي
بغداد - غسان شربل
يعتبر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي شخصية محورية في الحياة السياسية في بلاده، وكذلك في أزمة تشكيل الحكومة والتي نشأت بفعل نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.
مؤيدو المالكي يقولون انه اتخذ قرارات صعبة ومؤلمة أنقذت الدولة من سطوة الميليشيات، وخصومه يتهمونه بمصادرة قرار مجلس الوزراء وتغطية سياسات فئوية، بينها حملة «اجتثاث البعث» وما رتبته من ذيول على العلاقات بين المكوّنات العراقية. مؤيدوه يقولون انه ثابت في رفض أي تدخلات من الخارج، وخصومه يقولون إن أسلوبه تسبب في أزمات مع دول الجوار.
في مكتبه في مقر رئاسة الوزراء في بغداد، استقبل المالكي «الحياة» واتسع صدره لأسئلتها في السياسة الداخلية والأمن والعلاقات الإقليمية. وكشف المالكي في حديثه انه كان مع رئيس الوزراء السابق الدكتور إبراهيم الجعفري حين بثت محطات تلفزيونية ان الأخير سيستضيف لقاء بينه وبين رئيس الوزراء السابق أياد علاوي رئيس القائمة «العراقية» التي احتلت الموقع الأول في الانتخابات. وقال ان الجعفري لم يكن على علم، وهو أيضاً، بمشروع اللقاء.
وهنا نص الحوار الذي شارك فيه مدير مكتب «الحياة» في بغداد الزميل مشرق عباس:
> هل هناك خوف من عودة شكلٍ من أشكال الديكتاتورية الى العراق؟
- لا، أبداً، ديكتاتورية الحزب الواحد والعائلة الواحدة والشخص الواحد لن تعود، الشعب العراقي تذوّق الديموقراطية والمساواة والشراكة.
> العراق في رأيك، غير قادر على إنجاب صدام حسين آخر؟
- اعتقد أنه ليست هناك قدرة على ذلك. مع وجود الدستور والحياة الديموقراطية التي عاشها العراقيون. هناك من يفكر بأن يصبح صداماً بديلاً، لكن طريقه مقطوع.
> مقطوع من قبل الناس؟
- من قبل الواقع والناس والنظام السياسي والدستور. هذه معوقات تحول دون عودة الديكتاتورية، سواء ديكتاتورية الفرد أم الجماعة والطائفة والقومية.
> تربيتم في أحزاب لم تكن شديدة الاعتناق للديموقراطية. الآن، بعد تجربتكم وممارسة الديموقراطية كيف وجدتموها؟
- أتحدث عن الحزب الذي أمثله (حزب الدعوة)، كانت حياته ديموقراطية منذ بداية تأسيسه. ليس فيه قائد واحد، والقرار فيه عبر مؤسسة تصويت، وقيادته تنتخب بالغالبية. الحياة الديموقراطية لم تكن بعيدة كما هي الحال بالنسبة الى الأحزاب الديكتاتورية. الديموقراطية عبر ملامحها الواضحة في العراق تعبر في المحصلة عن حالة إنسانية وجد العراقيون فيها لذة ومتعة سواء بالانتخابات أو بتشكيل منظمات المجتمع المدني أو الأحزاب. العراقي حين يقارن بين اليوم والأمس، وبين نظام صدام والبعث وهذا العهد يجد الفرق كبيراً جداً.
رصيد «البعث»؟
> هل هناك رصيد لحزب البعث في المجتمع؟
- لديه أعضاء كانوا ينتمون اليه وارتبطت مصالحهم به، أما رصيده كحزب عند المجتمع العراقي فهو يتآكل، حتى لدى الذين كانوا منتمين اليه. الآن كثيرون من العاملين في الدولة. في المؤسسات الأمنية أو العسكرية كانوا بعثيين، لكنهم تخلوا في شكل حقيقي عن حزب البعث. فإذا كان عضو فرقة في حزب البعث يتخلى، فما بالك بالناس الذين لم يكونوا تورطوا بهذا الحزب أو كانوا من ضحاياه.
> ألا تعتقد أنكم بالغتم في قصة «اجتثاث البعث»؟
- هذه المسألة متروكة للناس الذين عاشوا غبن حزب «البعث». ربما شخص آخر من الخارج يرى فيها مبالغة، لكن الناس الذين عاشوا ظلم «البعث» والمقابر الجماعية و «الانفال» ربما كان رد الفعل لديهم الى حد ما مقبولاً. ولولا وجود عقلاء من مرجعيات دينية وسياسية لحدثت في العراق موجة انتقام كاسحة من كل مَن له علاقة بحزب «البعث»، لكننا نجحنا في حصر رد الفعل في حدود لا تتجاوز الى الانتقام.
«البعث» والذبح
> الى أي حد لحزب «البعث» دور في العمليات العسكرية؟
- غالبية العمليات التي تنفذ تتم من خلال تواطؤ حزب «البعث» مع «القاعدة». هذا التواطؤ والتسهيلات المتبادلة نعتبرها المحرك الأول للعمليات، ولكن عبر المنظمات الأخرى المتطرفة ذات التوجه الطائفي، لأنه حزب منظم وقادر على أن يستغل حماقة تلك المنظمات إضافة الى العمليات التي يقوم بها.
أولى عمليات «الذبح» الغريبة عن الواقع العراقي حصلت في منطقة اليوسفية عام 2004 على أيدي ضباط من الاستخبارات العراقية.
> من ضباط سابقين في الاستخبارات؟ هل هذا الحديث مثبت؟
- نعم. مثبت بالدليل، لأنهم خطفوا خمسة أشخاص في منطقة اللطيفية، ذبحوا أربعة منهم وأطلقوا الخامس وقالوا له: قل لهم ان فلاناً وفلاناً من ضباط الاستخبارات العراقية هم مَن نفذوا العملية. وبالمناسبة، أذكر هذه الحادثة كشاهد لأن الناجي منهم كان من أبناء منطقتي.
> ما معلوماتكم عن عزة الدوري... أين هو؟
- المعلومات تؤكد تحركه بين بعض الدول العربية وبين مناطق في داخل العراق، لكنه يغادر الى خارج العراق أيضاً.
> هل راجعتم هذه الدول التي لديكم شبهة بأن الدوري يتردد عليها؟
- لم يُفتح حديث في شأن «لماذا تستقبلون عزة الدوري». يوجد كثيرون من البعثيين في هذه الدول، ومن جانبنا لا نعاتب الدول أن يوجد فيها أناس من حزب «البعث». ولكن نعاتبها حين يتحول هؤلاء الى خلايا تدريب وعمل مسلح. أما وجود بعثي في أي دولة فهذا لا يهمنا.
أزمة الحكومة
> فلنتقل الى الأزمة السياسية الحالية. هل ستعود رئيساً للحكومة؟
- كل شيء محتمل. في ظل الحوارات والمناقشات، كل شيء محتمل.
> هذا يعني انك مرشح؟
- بالتأكيد مرشح... ومن قائمة اكبر.
> قائمة أم كتلة؟
- نسميها قائمة أو ائتلاف. والمقصود «ائتلاف دولة القانون» التي تعتبر اكثر كتلة تماسكاً.
> هل تعتقد أن لديك أحقية بمنصب رئيس الحكومة؟
- لا ننطلق من الأحقية أو اللا أحقية. وإنما نتعامل مع القضايا بالواقع وعبر الدستور. إذا كان بإمكاننا ان نجمع العدد الأكبر فهذا دليل على ان الأكثرية راضية عنا. وإذا لم نستطع واستطاع غيرنا جمع العدد الأكبر فهذا دليل رضا الناس عنه. لهذا سنقف الى جانب الآخر الذي سيحصل على العدد الأكبر.
> لو حدثت تحالفات ولم تكن أنت رئيس الوزراء، هل ستسلم باللعبة الديموقراطية؟
- بالتأكيد. وسأقف الى جانب من يستطيع الحصول على النصاب الأكبر، دعماً وإسناداً، ولن أكون كما كان الآخرون معارضين ومعوقين لي.
> تبدو واثقاً بأنك أمّنت العدد المطلوب...
- ليس بالضرورة. المسألة متروكة للحوارات.
> والى أين وصلت الاتصالات مع الائتلاف الوطني العراقي؟
- مستمرة ومتقدمة في بعض خطوطها، وهناك خطوط أخرى تحتاج حوارات متواصلة. الحوارات مع الكتل الأخرى أيضاً متواصلة.
«لم أقتل أباه»
> ما قصة اللقاء مع الدكتور أياد علاوي؟ سمعنا انه يُعقد خلال أيام ثم ألغي... هل هناك كراهية بينك وبينه؟
- أبداً. لا توجد كراهية أو عداوة. لم أقتل أباه ولم يقتل أبي، ولكن يبدو أن اللقاء بذاته اصبح قضية وليس ما ينتج عنه، بدليل أنني أسمع من الإعلام ان هناك لقاء يوم السبت، كالذي حصل أخيراً.
> ولم يكن هناك أساس لهذا الحديث؟
- ليس لديّ علم، ولا الدكتور إبراهيم الجعفري الذي كان مفترضاً ان يستضيف اللقاء بحسب تلك الأنباء. فوجئنا عندما كنت في بيته وتابعت خبر الاجتماع على التلفزيون، فسألته: هل هناك اجتماع، قال لي: لا، وسألني هل لديكَ أنتَ علم باللقاء. قلت له لا،... إذاً، قضية اللقاء أصبحت لعبة سياسية، وإلا أنا أرحّب بهم متى أرادوا اللقاء، وقلت لهم تعالوا.
> تقصد «تعالوا الى مقري»؟
- نعم... ثم وحِّدوا موقفكم، لأنني أتلقى منهم إشارات بأن ليس لديهم رئيس قائمة، وان لـ «القائمة العراقية» قيادة جماعية. قلت: أهلاً وسهلاً بالقيادة الجماعية. الى اليوم، نرحب بهم وحتى بالدكتور أياد علاوي إذا أحب ان يشرّف فأهلاً وسهلاً به.
> هل لديك أمل بجمع الأعداد الضرورية لرئاسة الحكومة؟ هل لديك شعور بأنك ماضٍ في هذا الطريق؟
- لو لم يكن هذا الشعور موجوداً لما استمر الحوار. كنا سرنا مع مَن هو قادر على تجميع الأصوات المطلوبة.
> هل لنا ان نعرف ما هي العُقد التي تقف في وجه تشكيل الحكومة؟
- هذا الأمر يمر بمرحلتين: مرحلة داخلية بيننا وبين «الائتلاف الوطني العراقي» كي نتفق على مرشح الكتلة الأكبر بحسب رأي المحكمة الاتحادية، وهذا ما يتم الحوار حوله حالياً. هناك رغبة لدى آخرين في أن يقدموا مرشحين. «ائتلاف دولة القانون» لديهم مرشح واحد و «الوطني» لديه اكثر من مرشح، لذلك تحتاج المسألة الى حوار حول كيفية حسم الترشيح. سواء عبر الغالبية والأقلية أم لا. أما بالنسبة الى الآخرين فلديهم أيضاً مرشحون. «القائمة العراقية» لديها مرشح وتريد تقديمه من خلال الحوار.
الخلاف موجود وربما حُسِم القسم الأكبر منه عبر المحكمة الاتحادية، بالقول ان الكتلة النيابية الأكثر عدداً هي التي تتشكل لاحقاً لا تلك التي تفوز في الانتخابات، سواء كانت الكتلة الأكبر «الائتلاف الوطني» مع «دولة القانون» كما يجرى حالياً، أو أن تتشكل تلك الكتلة من «دولة القانون» و «التحالف الكردستاني» وشيء من «الائتلاف الوطني» وشيء من «القائمة العراقية». هذه المسألة هي محور الحوار.
لا حكومة خلال شهر
> هل نستطيع القول اننا سنرى حكومة عراقية خلال شهر؟
- لا... قطعاً لا. ستصادق المحكمة على أسماء الفائزين خلال 15 يوماً ويُعقد مجلس النواب ليختار في أولى خطواته رئيس المجلس، وعندما يباشر الأخير عمله يختار البرلمان رئيس الجمهورية، ورئيس الجمهورية يكلِف رئيس الوزراء الذي يُمنح مهلة شهر لتشكيل الحكومة. عليك ان تحسب هذه الفترة، بمعنى ان العملية قد تحتاج شهرين.
> ما هي مسؤوليات الحكومة المقبلة؟ لنفترض انك توليت المنصب، ماذا ستعمل؟
- بالنسبة إليّ الأمر واضح. فالبرنامج الذي عملنا به في المرحلة السابقة، سنقوم بإدامته وإنجاز ما تبقى من مفرداته. وعلى رأس القائمة في المهمات والواجبات حماية النظام السياسي الديموقراطي الاتحادي، وحماية الدستور. وثروات البلاد وسيادتها، وإبقاء الوضع الأمني على درجة من الاستقرار. كذلك، إدامة عملية الإعمار والاستثمار الأمثل لثروات العراق، وتحقيق افضل الخدمات لأبناء الشعب العراقي، والقضاء على الأزمات ومنها أزمة الكهرباء وإدامة المشاريع الزراعية.
أنا جئتك الآن من مشروع تجاري وسكني وترفيهي كبير جداً، في قلب بغداد، وستكون هناك مشاريع اخرى ومدن كاملة مثل بناء 65 ألف وحدة سكنية في معسكر الرشيد. و35 ألف وحدة سكنية في مدينة المستقبل، ومدينة كبيرة في كربلاء.
> على المستوى الأمني، هل تعتقد أن المواجهة مع «القاعدة» مستمرة؟
- هي الآن مستمرة ولكن بدرجات أدنى، وتنحسر تدريجاً حتى تنتهي.
> وهل تراجع الاحتضان الداخلي لـ «القاعدة»؟
- تراجع الى درجة كبيرة جداً، وإذا تشكلت الحكومة على أسس العملية السياسية الديموقراطية المتفق عليها، ستنتهي اي حاضنة لـ «القاعدة». الآن تنظيم «القاعدة» يعاني، ذهب الى المدن والصحارى والجبال، فكيف إذا تمت العملية السياسية وأشركت كل المكونات في شكل صحيح. بالتأكيد ستنتهي كل الحاضنات.
> هناك من يعتقد بوجود أخطار لعودة العنف المذهبي أو الحرب الأهلية، إذا تعمق الانقسام في الأزمة الحالية.
- بالتأكيد. واحد من الأمور التي تقتضي ان ندير الحوار في شكل سليم، وتأسيس الدولة أيضاً في شكل سليم هو الخوف من أن تشكيل حكومة على أسس غير سليمة وغير مستوفية متطلبات العملية السياسية والشراكة في إدارة البلد، ربما ستدفع الى عودة العنف. نشدد على تشكيل حكومة ليس فيها مَن يؤمن بالتطرف الطائفي أو القومي، أو من لا يؤمن بالعملية السياسية والديموقراطية والدستور. هذه كلها محاذير نقف عندها لئلا نرجع الى المربع الأول. وإذا رجعنا ستكون الفرصة الأكبر لعودة التنظيمات الإرهابية والميليشيات والعصابات.
سلة مثلثة
> يقال ان هناك سلة متكاملة من أسماء رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ورئيس الجمهورية. انطباعي ان هناك اتفاقاً في البلد على ان يكون جلال طالباني رئيس الجمهورية المقبل.
- بالنسبة لكل الصفقة، بالتأكيد. الى الآن المسلّم به أنه (طالباني) مرشح التحالف الكردستاني المقبول من قبلنا، والذي يعتبر أيضاً مرشحنا.
> تجربتك مع جلال طالباني هل كانت...
- (مقاطعاً) جيدة جداً.
> ألم يحدث سوء تفاهم أو احتكاكات؟
- لا، لم يحدث سوء تفاهم. ربما نختلف في وجهات النظر، لكن ذلك لا يرقى الى سوء تفاهم. بالعكس، كانت الأجواء كلها إيجابية، وأعتقد ان الرجل قادر على ان يكون في أقصى درجات المرونة والتوافق في ما يمكن الاتفاق عليه لإدارة البلد.
> يبقى اسما رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، أم حسِم اسم رئيس المجلس؟
- لا، رئيس مجلس النواب لم يُحسَم بعد.
> الدستور لا ينص على ان يكون رئيس الوزراء شيعياً...
- (مقاطعاً) ولا رئيس الجمهورية كردياً، ولا رئيس البرلمان سنّياً.
> هل يمكن ان نرى سنياً في رئاسة الوزراء؟
- ربما من الصعوبة حصول ذلك في هذه الدورة، ولكن في مسعانا لتعميم مبدأ المواطنة في تشكيل الحكومة، سيكون قطعاً مقبولاً بل مرجحاً ان يكون رئيس الوزراء سنّياً ورئيس البرلمان شيعياً وهكذا. لكن مخلفات السياسة الطائفية التي مرت بالعراق في الزمن الديكتاتوري وما تلاها بعد سقوط النظام، تقتضي منا دورة أو اثنتين كي نروّض هذا الواقع باتجاه قبول المواطنة، وليس الانتماءات الطائفية والقومية.
> أسمع دائماً في العراق هجاء للمحاصصة.
- وأنا أشجع الذين يهجونها.
> لكننا نكتشف ان البحث يتم فعلاً حول المحاصصة...
- لم تعد المحاصصة بالمعنى الذي كانت عليه، لكن لوناً من ألوان المحاصصة موجود وهذه هي الواقعية. لا نريد أن نقفز على الواقع وإنما نحركه باتجاه الوصول الى هدفنا نحو المواطنة وليس المحاصصة.
الانسحاب الأميركي
> هل أنت قلق من الانسحاب الأميركي؟
- لا، أبداً. الآن باتت للعراق قدرات عسكرية واستخباراتية وتجربة رائدة، وهو الذي ينهض منذ فترة للتصدي لمتطلبات العملية الأمنية. ليس هناك قلق على العراق، وإذا كانت هناك حاجة الى قوات أجنبية على أرضه فستكون كما الأمر في دول أخرى، لأغراض التدريب والقضايا الفنية، وليس في صلب العملية الأمنية.
> هناك كلام عن انحسار الدور الأميركي، وانه اصبح ثانوياً. هناك قوات أميركية ولكن ليس هناك حضور أميركي مؤثر، أليس كذلك؟
- بعد الاتفاق الذي وقِّع بيننا وبينهم، فإن الوجود الأميركي في العراق هو في بلد ذي سيادة كاملة، كما الوجود الأميركي في اليابان والمانيا وكوريا (الجنوبية).
> اليابان ليست على حدود إيران؟
- وإن يكن، لكن كوريا الجنوبية على حدود كوريا الشمالية.
> هناك مَن يعتقد أن ما نشهده حالياً هو تنافس إيراني - تركي على الملعب العراقي. ما شعورك عندما يقال «الساحة العراقية» بمعنى ان البلد يصبح «ساحة»، أو أن تستخدم كلمة «ملعب»؟
- هذا ما رفضناه في شكل قاطع. ان يتحول العراق الى ملعب للدول الأخرى، وندعو جميع الشركاء ان لا يقعوا في فخ فتح الأبواب للاعبين الدوليين والإقليميين. الحكومة العراقية يتم تأسيسها في العراق وليس في عواصم دول أخرى. هذه عوامل تؤثر في تشكيل الحكومة الحالية وأعني وجود لاعبين إقليميين في الشأن العراقي.
المالكي... «المشكلة»
> هل يمكن إدارة العراق من الخارج؟
- مستحيل. العراق ليس بلداً مجهرياً ليدار من الخارج. هو لا يُدار إلا من قبل أهله، والذين يراهنون على إدارة العراق من الخارج يصطدمون بإرادة وطنية.
«ائتلاف دولة القانون» لم يكن مدعوماً من أي دولة، بل كان مُحارَباً من كل الدول، لكنه استطاع ان ينال هذا العدد من المقاعد. وهذا مؤشر الى الإرادة الوطنية والحساسية التي تتصاعد في كل يوم، من التدخلات الإقليمية.
> إذا افترضت لائحة، هل أستطيع القول إن إيران هي اللاعب الأول اليوم وتركيا اللاعب الثاني، والعرب الثالث، على المسرح العراقي؟
- على أية قاعدة سنصنّف؟ هم لاعبون ولكن على اية قاعدة نصنّفهم؟
> النفوذ والتأثير...
- ليس لديّ شيء يميز دولة عن دولة، ولكن عندما تكون الأبواب مشرّعة، الكل يحب ان يكون لاعباً، وحين تُغلَق الأبواب تنحسر عملية اللعب.
> هل عانَيْتَ من هذه التدخلات في السنوات الماضية؟
- بالتأكيد.
> واضطربت علاقاتك بأكثر من جهة؟
- اضطربت علاقاتي مع الجميع لأنني ارفض تدخل الجميع. فوجود شخص مثل المالكي على رأس الحُكم يعتبر مشكلة بالنسبة الى اللاعب الإقليمي. «القاعدة» والتنظيمات الطائفية تعتبر وجود المالكي أيضاً مشكلة، لأنه يحول بينها وبين إثارة الموجة الطائفية. ولدينا وثيقة من هذه الجماعات تقول فيها انه مع وجود المالكي في الحكم فإنها لن تتمكن من إثارة الحرب الطائفية، وإذا جاء «فلان» سيكون بالنسبة اليها اسهل.
> مَن هو فلان؟
- فلان، لن احدد اسماً.... ربما يبلغك غيري.
> كيف تقوّم العلاقة العراقية - الإيرانية؟
- في شكل عام، علاقات العراق الخارجية ليست بالمستوى المطلوب. المطلوب ان تكون علاقات طيبة تحديداً مع دول الجوار، فهي دول لن ترحل عن حدودنا ولن نرحل نحن عن حدودها، مع إيران لدينا مشاكل وحروب، ومع الكويت (كان) هناك احتلال، ومع الأردن والسعودية وتركيا، لدينا مشاكل خلّفها لنا نظام صدام.
بعد تشكيل الحكومة، سنبدأ صفحة بناء علاقات طيبة ومتينة مع دول الجوار. قد نختلف معها أو نتباين في بعض المواقف، لكننا قطعاً سنلتقي على الكثير من المفاهيم المشتركة، مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية وتبادل المصالح المشتركة، واحترام الحدود واحترام الشأن الداخلي.
العراق خصوصاً لا يتحمّل ان تكون له علاقات مع جناح إقليمي على حساب جناح آخر، سواء كان جناحاً إيرانياً أم عربياً. قُدِّر للعراق ان يكون الحد الفاصل بين الجانب الإيراني والجانب العربي، وبإمكانه بحكم مكوّناته ان يكون الوسيط الأفضل في إقامة علاقات صداقة ومحبة مع هذه الدول، على قاعدة الاستقلال.
«المحاور انهيار»
> كأنك تقول ان العراق لا يريد أن يكون جزءاً من محور إقليمي...
- بالتأكيد، نريد ان نكون جزءاً من كل الإقليم وليس من جزء فيه، ونقيم علاقات إقليمية متينة. أنا أدعو كل الدول الى الابتعاد عن سياسة المحاور، فالمحاور في الوضع العربي أدت الى انهياره، والمحاور في المنطقة الإقليمية أدت الى حروب.
> وكيف تتوقع العلاقات السعودية - العراقية، إذا توليتَ رئاسة الحكومة؟
- أنا مطمئن إلى أن جملة من الخطوات اتخذت. بالنسبة إلينا الرغبة أكيدة. السعودية أول دولة زرتها عندما أصبحت رئيس وزراء، تقديراً لدورها.
في الآونة الأخيرة صدرت تصريحات ومواقف لجلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع مسؤولين عراقيين، أكدوا على موقف سعودي متوازن وداعم، واستعدادات سعودية لفتح آفاق في العلاقة مع العراق. كذلك، المواقف السعودية من دعاة التكفير كانت رائعة لوقف هذه الأصوات التي تشنّج الأجواء طائفياً. رسائل كثيرة ترد عن توجهات سعودية تتناغم مع الرغبة الأكيدة لدينا في علاقات طيبة مع المملكة. ومع سورية أيضاً ترد رسائل ومواقف جيدة جداً، تدعو الى التفاؤل بأن العلاقات تشهد تطوراً سواء كنت رئيساً للوزراء أم لا.
> وماذا عن العلاقة مع سورية؟
- العلاقات مع سورية ستكون أفضل. هي الآن بدأت تتحسن وتتطور، هناك لقاءات من الطرفين.
> وهل هناك وساطات؟
- ليست وساطات آخرين بل وساطات المصالح المشتركة والحدود المشتركة والتاريخ المشترك، ما يدفع سورية الى الانفتاح على العراق، والعراق الى الانفتاح على سورية.
> وهل يسهّل رحيل الأميركيين العلاقات مع سورية؟
- ربما... اذا كان وجودهم عقبة فرحيلهم سيسهّل العلاقات. لكنني لا أعتقد أن الوجود الأميركي عقبة بين العراق وسورية، لأن القرار العراقي يتم بكامل السيادة.
> لماذا العلاقات سيئة أو «ناقصة» مع سورية اذاً؟
- بسبب بعض القضايا التي حصلت من عناصر أساءت الى العلاقة، مثل عناصر حزب «البعث» و «القاعدة». لكن الأمور الآن تغيّرت كثيراً.
> وهل باتت الحدود مضبوطة في شكل افضل؟
- افضل من السابق، سواء من جانبنا أم من الجانب السوري.
> إذا كنت ستصف العلاقات الأميركية - العراقية، ماذا تقول عنها؟
- علاقات صداقة، يؤطرها اتفاق الإطار الاستراتيجي والذي سيبقى بعد نهاية (سريان) الاتفاقية الأمنية عام 2011، لتنمية العلاقات الاقتصادية والتنموية والعلمية.
> هل أبلغك الرئيس الأميركي باراك أوباما ان قرار الانسحاب قاطع؟
- بالتأكيد، ويؤكدون دائماً ان القرار قاطع.
> إذاً، الأميركيون ليسوا في وارد البقاء بعد مواعيد محددة؟
- ليسوا قادرين على البقاء. البقاء غير وارد، لأن الاتفاق الموجود لا يسمح ببقاء الأميركيين بعد العام 2011، وهو اتفاق لا يمدد إلا بموافقة الحكومة والبرلمان. الجانب الأميركي يؤكد رغبته في الانسحاب ونحن نؤكد تصميمنا على التزام الاتفاقات الموقعة.
> تتوقع إذاً تحسن علاقات العراق مع العالم العربي، في المرحلة المقبلة؟
- سأعطيها كل الجهد لتتحسن، سواء كنت رئيس وزراء أم نائباً في البرلمان، لأننا نريد علاقات حسنة لينصرف جهدنا الى البناء والإعمار. وأملي بالدول الصديقة والشقيقة ان تتعاون معنا.
> تدعو الدول الى طي صفحة الماضي...
- بالتأكيد، لكنني لا أريد أن أقفز على الحقوق.
> هناك حديث كبير عن الفساد في العراق.
- بلد مستهدف من أعداء، يتحدثون عنه بصدق وبكذب. نحن لا ننفي وجود الفساد، فهو موجود من زمن النظام السابق، لكن الحرب التي شنتها الحكومة على الفساد جعلته في أضيق دوائره، وربما إذا أردنا فتح ملفاته في دول اخرى سنجد أنها متقدمة على العراق.
كمثال، إحدى المنظمات المعنية بالفساد كانت وضعت العراق في صدارة الدول الأكثر فساداً. حين اتصلنا بهم وسألنا عن مصدر أرقامهم ومعلوماتهم، قالوا من كلام الناس والإعلام. فهل هذا معقول؟ ليست هناك موضوعية في التقويم. نعم، كان هناك فساد لكنه اليوم مُلاَحق بدرجة عالية من قبل اكثر من مؤسسة معنية بالنزاهة.
> هل أنت مرتاح الى العلاقات بين المكوّنين الشيعي والسني حالياً؟
- بالتأكيد اطمح الى ان تكون افضل مما هي عليه الآن، لكنها افضل مما كانت. كانت علاقات قطيعة وقتال وقتل، وأجواء طائفية أشاعتها «القاعدة». أطلقت والحكومة مبدأ المصالحة الوطنية منذ البداية، وقصدنا ان يتصالح الناس قبل السياسيين بعدما كان الأهالي يقتلون على الهوية. اليوم انتهت هذه الظاهرة وعادت الأوضاع في العلاقات الى افضل مما كانت عليه.
> عندما تقرأ في صحيفة من خارج العراق عبارة «عمليات المقاومة العراقية» بماذا تشعر؟
- هذه ليست مقاومة، وهي ليست من السنّة فقط بل موجودة من الشيعة أيضاً. نعم، هناك محاولات من «القاعدة» لضرب الأماكن الشيعية ولكن، الحمد لله لم يرد الشيعة على هذه العمليات لأنهم يدركون مؤامرة «القاعدة» ومن يقف خلفها.
> هل هناك دور في هذا الموضوع لآية الله علي السيستاني؟
- دوره كبير جداً، مع ان الرجل يقول دوماً انه لا يتدخل في شؤون الحكومة.
«محاولات لاغتيالي»
> هل تعرضت الى محاولة اغتيال؟
- هناك محاولات كثيرة، احداها ضرب إحدى الطائرات خلال عودتي من الموصل الى بغداد العام 2009 وفشلت. اطلق صاروخ على الطائرة، لكن وجود مصدات حرارية رد الصاروخ. مثل هذه المحاولة كثير لكنه يفشل.
> أكانت لديك أدوار أمنية في السابق؟
- على مستوى المقاومة نعم. فمن يعارض نظاماً كنظام صدام لا بد ان يكون لديه حس أمني.
> لا تخاف في الشدائد؟
- لا ينبغي للإنسان ان يخاف وهو يحمل قضية.
> ماذا لديك من طموحات؟
- ان أرى العراق بسيادة كاملة وشعبه مرفهاً ونظامه ديموقراطياً يحترمه جميع العراقيين. وان أرى للعراق علاقات طيبة مع دول الجوار، والعراقي مرفوع الرأس مع دول العالم.
بين عبدالناصر وباقر الصدر
> ماذا تقرأ؟
- أقرأ في السياسة، متابعات وكتباً لكنها قليلة ففي العامين الأولين من عمر الحكومة، لم يكن هناك متسع للنوم أو حتى الأكل بالمقدار الكافي.
> دراستك في الأدب؟
- دراستي في اللغة العربية والشريعة ثم الماجستير في الأدب.
> أي شاعر عربي يعجبك؟
- المتنبي.
> أين في المتنبي؟
- في شعر الحكمة.
> وهل تحب المتنبي لأنه قوي؟
- لأنه حكيم وشعره متين. بنية القصيدة لديه متينة، ولأنه يستطيع تقديم الصورة الشعرية بأجمل صورها. يجمع بين الحكمة والصورة الجميلة.
> في مطلع شبابك، مَن كان يعجبك من السياسيين؟
- كنت معجباً بجمال عبدالناصر.
> أتحب قدرته على الاتصال بالناس؟
- بالتأكيد. حبي كان مع أجواء أحداث 1967 وأجواء الحرب والتحدي، مع أننا صدِمنا بالهزيمة. الرجل كان يعتبر الرمز السياسي المتصدي. وكشخصيات أخرى، أنا معجب بمحمد باقر الصدر.
> هناك وجهات نظر تقول ان الشيعة حققوا انتصاراً كبيراً في العراق، وكان يمكن ان يعطوا جزءاً منه الى السنّة لطمأنتهم.
- ولذلك سنعطيهم كل ما يريدون لطمأنتهم، ولإشعارهم بأخوّتنا وشراكتنا معهم.
> هل نجتمع معك مرة ثانية كرئيس وزراء؟
- هذا متروك للأيام... لا يهمني كثيراً ان اكون رئيس وزراء. يهمني ان يبقى البلد في حالة تقدم واستقرار.
> «دولة الرئيس»... أنا احب من يحب السلطة وليس من يقول انه لا يحبها؟
- ربما لا تصدق لكنني لا احب شيئين، «السلطة» و «المال»، ولولا الواجب الشرعي لن أكون رئيس وزراء. فهذه مسؤولية شرعية ومسؤولية بلد، فحب الوطن من حب الله.
> يوم كنتَ في المنفى، هل توقعتَ ان تصبح رئيس وزراء؟
- يعرف من كان معي انني لم أصب باليأس والتعب أبداً. تعب بعضهم، لكنني كنت مصراً على التصدي، قالوا ان العراق انتهى، قلت لهم أعود اليه ولو على كومة تراب.
إعدام صدام خلاصه
> بماذا أحسست عندما وقعت على إعدام صدام؟
- لم تكن أمنيتي إعدام صدام، فهذا خلاص له... الإعدام بحقه قليل لما ارتكبه من جرائم. كان يجب ان يبقى سجيناً مُذلاً ومهاناً كنموذج للديكتاتوريين، لكنها رغبة الناس وعائلات الشهداء.
> وهل تخاف ان يحتفظ صدام بصورة البطل في الذاكرة العربية، لأنه سقط على يد قوة أجنبية؟
- صدام لا يمكن ان يحتفظ بصورة البطل إلا لدى مَن يشاركه السلوك، وإلا أي صورة بطولية يمكن أن تسجل؟ هزائمه وتخريبه أم سياسته التي انتهت بدخول القوات الأجنبية؟ أنصح جميع القادة بأن لا ينتهوا ببلدانهم كما انتهى صدام بالعراق.
> هل رأيت صدام مرة؟
- أبداً، لكنني اضطررت بعد إعدامه، وبعد إلحاح من بعض الإخوة. وقفت أمام جثته نصف دقيقة، وقلت له: ماذا ينفع إعدامك، هل يعيد لنا الشهداء والبلد الذي دمرته؟
> هل هناك وساطات من اجل طارق عزيز؟
- أبداً، ولن اسمح بذلك. هل يجرؤ أحد على أن يتوسط لطارق عزيز أو أي مجرم ممن ارتكبوا جرائم؟
> أتعتقد أنك حاكم عراقي قوي؟
- هذا يقرره الشعب العراقي.
> تحب صورة القائد القوي، باعتبارك تصديت للميليشيات؟
- وهل هناك من لا يحب القائد القوي.
> القوى السياسية تحب الحاكم الضعيف...
- لأنها لا تفهم. نعم ينبغي ألا نحب الديكتاتور الذي يبطش، أما القوي في إطار الدستور فنحبه.
> في حال لم تتولَّ رئاسة الحكومة، هل تعتقد أن الميليشيات ستعود الى الشارع؟
- بحسب طبيعة النظام المقبل. إذا جاءت حكومة تجامل على حساب الموقع، أو حكومة غير متوازنة أو شخص بخلفية طائفية، ستعود (الميليشيات).