بقلم: علاء الزيدي
الغول والعنقاء وديمقراطية قطر
[align=justify]
تبدو دولة قطر الخليجية نمطا غريبا من أنماط الدول . فهي دولة صغيرة ( تكاد تقترب ديموغرافيا من المليون نسمة بالكاد - اما مساحتها فتماثل مساحة لبنان تقريبا ) وفي حين تنشغل الدول الصغيرة بمشاكلها المحلية وأولويات البناء الداخلي متجنبة أية مواجهة محتملة مع الدول الأكبر حجما لما تعنيه مثل هذه المواجهة المحتملة من خسائر وأضرار ، تفتعل دولة قطر المشاكل والمواجهات والإثارات مع معظم الدول العربية والإسلامية تقريبا ، مع إدراكها- مثلا - بأن دولة قوية وكبيرة مثل السعودية المجاورة قادرة على اجتياح قطر عسكريافي نصف يوم ، كما حدث بين العراق والكويت صيف العام 1990 .
ولعل وجود كبرى القواعد الاميركية في الخليج والعالم ( السيلية ، العديد إلخ. ) في دولة قطر مدعاة لقوة قلب الدوحة في سياق افتعالها المواجهات التلفزيونية ( عبر قناتها المعروفة ) مع الدول العربية والإسلامية الأخرى ، فهي إذن قفاز أميركي ليس أكثر ، لكن جارتها المتعقلة مملكة البحرين تحظى بحماية أميركية أكثر تميزا عبر وجود الأسطول السابع ، ومع ذلك لم تناطح المنامة السحاب ولم تفتعل الحروب مع طواحين الهواء .
إعلاميون على قدر من الخبث يرون أن كل مسلكيات وتصرفات دولة قطر توحي بتعبير ما عن مركـّب نقص مستفحل ، ويضربون لذلك أمثالا وأمثالا .
في لندن ، العاصمة البريطانية ، اغتاظت الدوحة لكون غريمتها الرياض تسيطر بالكامل تقريبا على قنوات الإعلام العربي المهاجر ، ومن هنا بدأت المواجهة . فيوماً ما كانت السعودية أول من بدأ البث الفضائي العربي من لندن عبر قناة أم بي سي . وكانت الإذاعة العربية الوحيدة في لندن ( القسم العربي في سبكتروم ) تتمايل على أنغام الناي والمال السعودي . وكانت الشرق الاوسط والحياة جريدتي العرب الرئيسيتين في عاصمة المطر والضباب . أما اليوم ، فلم يبق للسعوديين سوى الأطلال والمجد المتلاشي . فقد أصبح آل ثاني ( حكام قطر ) ظاهرة لندنية مستديمة عبر شرائهم متجر هارودز الفاخر في حي نايسبرج الراقي من رجل الأعمال المصري محمد الفايد ، وعبر البث المتواصل 24/7 لإذاعتهم الغنائية ( صوت الخليج ) على امواج البث الرقمي باهظ الثمن ( هو بث كريستالي واضح ومجسم يختلف عن البث التماثلي التقليدي غالي الثمن هو الآخر ) ولست أدري ماإذا كان آل ثاني يفكرون ايضا بإصدار صحف يومية بالعربية او الإنكليزية أيضاً في العاصمة البريطانية ، ولكني اعلم بالتأكيد أنهم في صدد إنشاء سوق تجارية كبيرة في منطقة كامدن شمال لندن تقوم على انقاض سوق ( كامدن ماركت ) الشعبية للملابس .
وتعتبر سيارات صبيان العائلة الحاكمة في قطر بتصاميمهاالغريبة وألوانها المتنافرة معلما أخر بارزا من معالم لندن . وتصل أسعار هذه السيارات المطلية بالذهب إلى أكثر من مليون جنيه استرليني . وقد بلغت الغرامة التي فرضها مراقبو المرور في العاصمة البريطانية مؤخرا على ثلاث من هذه السيارات كانت متوقفة في مكان يمنع فيه وقوف السيارات مئات الآلاف من الجنيهات الإسترلينية . ويتفاخر صبيان العائلة القطرية الحاكمة بجلبهم سياراتهم هذه من قطر بطائراتهم الخاصة .
واستمرارا لمشاكساتها المعهودة تركز الحكومة القطرية عبر قناتها التلفزيونية ( الجزيرة ) على انتهاكات حقوق الإنسان في البلدان العربية الأخرى : مصر وسورية والعراق والجزائر وتونس والمغرب وإسرائيل والبحرين والسعودية وغيرها وتتغاضى تقريبا عن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان وليبيا واليمن ولبنان وغيرها لأسباب واضحة أو غامضة . والأهم والأخطر من ذلك إحجام الإعلام القطري عالي الصوت عن ذكر اي شيء يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في قطر ذاتها .
فمن صور الغرابة في المثال القطري للدولة ، أن هذه الدولة المنادية بالويل والثبور وعظائم الأمور بسبب التمييز العنصري أو الطائفي في كركوك أو تكريت أو الموصل مثلا تغمض عينها عن صور غير معقولة للتمييز العنصري في بلادها ذاتها .
على سبيل المثال : تقسم الجنسية القطرية إلى عدة أنواع مختلفة عن بعضها البعض في القيمة والامتيازات :
1- الجواز القطري بالمواطنة ( درجة اولى )
2- الجواز القطري بالمولد ( درجة ثانية )
3- الجواز القطري بالتجنس ( درجة ثالثة 9
4- جواز المهمّات ( يمنح للرياضيين بغض النظر عن جنسياتهم ) !
وإذا كان ثمة إنسان يحمل جوازا من الدرجة الثانية او الثالثة ويحمل شهادات خبرة وسيرة ذاتية ثرية ، قد تقدم الى وظيفة تقدم اليها ايضا إنسان يحمل جوازا من الدرجة الأولى ، فالقطري بالمواطنة يحصل على الوظيفة دون القطري بالمولد او المواطنة .
وهناك مثال شهير للتمييز العرقي والعنصري في قطر ربما بدا تكراره مملا ، وهو المتمثل بسحب الجنسية القطرية من عوائل فخذ ( الغفران ) من قبيلة ( آل مـُرّة ) ويبلغ عددهم ( 5266 ) مواطنا . وقد ادعت الحكومة القطرية أن هذا السحب جاء بسبب حمل هؤلاء الجنسية السعودية بالإضافة إلى القطرية . لكن السبب الحقيقي هو أن بضعة افراد من ( الغفران ) شاركوا في محاولة انقلاب فاشلة على الشيخ حمد بن خليفة لصالح والده الراحل الامير المخلوع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني .
والغريب في ديمقراطية قطر التي تكاد تبدو خرافية كالغول والعنقاء والخِـلّ الوفي أن الحكومة القطرية أجبرت شيخ عموم ( آل مرّة ) الشيخ طالب بن شريم على التصريح الى الصحف بأن ( الغفران ) يضخـّمون قضيتهم ، وأن قضيتهم هذه هي إنهم سعوديون وقد جاء العديد منهم الى قطر وحصلوا على الجنسية السعودية لكنهم بدأوا في السنوات الاخيرة باستخراج جنسيات سعودية ( بدل ضائع ) الأمر الذي دفع الحكومة القطرية الى تخييرهم بين إحدى الجنسيتين فمن رفض اسقاط السعودية أسقطت عنه القطرية . لكن مصادر ( الغفران ) تؤكد ان حكومة قطر تقولت الكلام المذكور على لسان الشيخ بن شريم وانه حتى من اسقط الجنسية السعودية اسقطت عنه الجنسية القطرية واصبح بدون !
مثال آخر للتمييز العنصري في ديمقراطية قطر الغريبة صدور قرار اداري للمدارس الإعدادية ( المتوسطة ) والثانوية بأن يلبس القطريون غترا بيضاء والأجانب ( اي العرب والمسلمون وإلا هل رأيت اوروبيا يدرس في مدرسة قطرية ! ) غترا حمراء !
ووصل التمييز بالضد من المقيمين العرب حدا لايطاق حينما فوجئ مدرس عربي مقيم برفض طلبه للإشتراك العائلي في ( نادي الدوحة ) بحجة كون راتبه أقل من أحد عشر الف ريال قطري . وهي حجة مفضوحة لاستبعاد المدرسين العرب من الأنتساب الى النوادي الاجتماعية وجعلها حكرا على القطريين بالمواطنة . ذلك لأنه ليس هنالك مدرس عربي في قطر يتجاوز راتبه ( 3700 ) ريال قطري .
أما الطامة الكبرى في الديمقراطية القطرية المزعومة فهي الانتهاك المتواصل لحقوق الشيعة القطريين .
تتراوح نسبة الشيعة في قطر حسب تقرير اميركي نشر العام 2007 بين 10 و 20 بالمائة من إجمالي عدد سكان قطر البالغ 900 الف نسمة .
ورغم هذه النسبة العددية التي تماثل تقريبا نسبة السنة العرب في العراق الذين يشاركون في الحكم الحالي بحجم كبير وقوي وكانوا احتكروه طوال الأعوام الواقعة بين تأسيس الدولة العراقية العام 1921 وسقوط صنم صدام في بغداد العام 2003 ، لكن الحكومة القطرية تفتقر الى وزير شيعي واحد على الأقل ، ولايمثل الشيعة القطريين في المؤسسات النيابية البدائية في الدولة غير عضو شيعي واحد في مجلس الشورى يعينه الأمير ، وعضو آخر في المجلس البلدي الذي ينتخب أعضاؤه بالكامل لكن العضوية تمنح في المجلس الاول وتكتسب في المجلس الثاني على أساس شخصي لاتمثيليا للمذهب او الطائفة .
وحتى العام 2005 ، كان الشيعة القطريون يحتكمون في قضايا الاحوال الشخصية الى المحاكم الشرعية الحنبلية (
المذهب الرسمي في الدولة هو الحنبلي ) لكن تقارب الحكومة القطرية مع ايران وحزب الله في لبنان لاهدافها الخاصة دفعها الى التنازل والرضوخ لمطلب انشاء شعبة للمذهب الجعفري ضمن المحاكم الشرعية الحنبلية .
والمثير للاستغراب والاستهجان معا ان الحكومة القطرية التي يدافع اعلامها عن حرية التعبير وحقوق الانسان حتى في مجاهل الامازون وجبال الانديز تضع مناهج للتربية الدينية لمدارس الدولة مستندة بالكامل الى المذهب الحنبلي الحاكم وليست فيها اية اشارة الى أكثر من مائتي الف مواطن يعتنقون مذهبا آخر . كما ان كتب التاريخ في المدارس تقتصر على الرؤية السنّية للتاريخ الاسلامي ، ولايوجد اي ذكر لأي من اهل البيت في اي كتاب دراسي .
وهكذا فبيت الحكومة القطرية من زجاج ، ومع ذلك تواصل قناتها التلفزيونية رمي الناس بالحجارة !
[/align]