|
-
( السِدرة )
الإهداء ...
(إلى الشهيد ،
الحيُّ الذي لا يموت ،
إلاّ ما شاء الله ،
صديقي ، وحبيبي ،
وسيدي ، وإمامي ... العراق )
+++
وأنا مولودٌ في بيتٍ قدْ يشبهُ بيتا ً آخرَ في
بعض ِ تـفاصيل ِ الأشكال ِ منَ الخارج ِ والداخل .
وحيـنَ تـدلـَى رأسي مِـنْ أعلى ،
بكيتُ !
كانَ بكائي الأولُ وأنا أخترقُ
هواءَ العالم ِ السُـفلي !
أذكـُرهُ !
وأذكرُ أ ُمي التي صَبَّتْ على جسدي
بعضَ الماءْ .
وعَمَّـدتـني بالترابْ !
قالتْ أ ُمي لأبي ،
(خـُذ ْ سُـرَّة َ إبنكَ هذا ،وادفِنها تحتَ السِدرة ِ !
أبي الخائفُ ، دفنَ السُرَّة َ ،
في السرِّ المخبوءْ !
وأذ َّنَ في الأ ُذن ِ اليمنى من رأسي ..
( أنْ هذا مهدُكْ. هذا بـيـتـُكْ.
هذا وطنكْ . هذا قبركْ !)
وأقامَ على عجل ٍ في الأ ُذن ِ اليسرى
( إيـَّاكَ أنْ تبيعْ
يا ولدي الرضيعْ !
ما قد بقى ، من سدِّكَ المنيعْ !
لأنَّ الوطنَ لا يحبُ الذينَ يبيعونَ
أشياءَهُ على قارعةِ الطريق !
من أجل ِ كِسْرةِ خبز ٍ
معجونةٍ بالـْهَمْ !
أو لحظةِ أمن ٍ مجبولةٍ بالدَم !! )
وغادرني مثلَ صوتٍ بعيد !
قالت أ ُمي ... سيعـودْ !
حينَ مرَّ يومٌ أو بعضَ يوم ،
كبُرَتْ سِـنـِّي .
وتعلمتُ التمييزَ على بـُعْـدٍ
بينَ الألوان .
كنتُ أ ُحبُّ اللونَ الأبيضَ ، مُـذ كنتُ صغيرا ً
أتعلـَّقُ في ثدي ِ حبيبةِ قلبي ، أ ُمي !
كانت تـُلقِمُني ثدييها ،
الواحد بعدَ الآخر
أتغذى منْ طـُهـْر ِ حليبِ طهارتـِها .
وأعرفُ أنَّ اللونَ الأسودَ
رمزا ً للحزن ِ !
فحيـنَ رحيل ِ أبي ،
كانت أ ُمي تـَتجَـلـبَبُ فيهِ !
في البيتِ منَ الداخل ِ ،
كـُنـَّا نرتديَ الليلَ علامة َ حُزن ِ الأبناءْ
على وطن ٍ غادرني ، وأنا فيهْ !
كـُنـَّا نـتـنـقـَّلُ بينَ جدار ٍ وجدار ٍ كالغرباءْ !
نبحثُ عنْ كسرة ِ خبز ٍ
أو قطرة ِ ماءْ !
وبعضٌ مِنـَّا
يبحثُ عن صوتِ إلهْ !
ساوَمَني بعضُ الحرَّاس ِ
على بعض ٍ منْ ذرَّاتِ تراب ٍ
أجمعُ فيها !
لكني أجْمَعْتُ على الرفض ِ
وأغْـلـَقـْتُ البابَ على نفسي !
ومِـنْ ألم ٍ ،
نامَ على رأسي ،
رأسي !
ومرَّ اليومُ طويلا ً دونَ الحُـقب ِ
ودونَ النصفِ منَ الحُـقب ِ ،
وأنا أتـلوى مِنْ ألم ِ الشوق ِ إلى
وطن ٍ أرفعُ رأسي فيه !
000000000000 !
أذكرُ مرَّة ً أنني أردتُ أن
أرفعَ هذا الرأسَ المشحونَ
بأفكار ٍ شتـَّى ،
في حبِّ الله ، الوطن ِ ، الماءْ .
باغـَتـَتـْني بعضُ مجاميع ٍ منْ
غربان ٍ سوداءْ !
وراحت تنقرُ في رأسي المتدلي للأعلى !
كانَ رأسي مُـقيدا ً منَ الخارج ِ !
و يدايَ ، مُـكبَّـلتان ِ ،
إلاّ مِنْ تصفيـق ٍ أعمى ، مأمورٌ فيه !
والحقيقة ُ تعلم ُ ،
أنَّ يديَّ
ما لـَّوثـَتـْها حروبُ الطلقاءْ !
ولمْ أرفعْ
في يوم ٍ ما
أصابعُ كفيَّ بتلويح ٍ
أو تصفيق ٍ أعمى
كالبلهاءْ !
لكني كنتُ
أسيرا ً في الوطن ِ المكسورْ !
كانَ هواءُ الوطن المأسور ِ
يُوَزَّعُ مِنْ خلفِ جدار ٍ مثـقوب !
وفي زنزاناتِ الأخوة / الأعداءْ !
لمْ يكن مسموحا ً لي
أن أنظرَ صوبَ الماءْ !
مرَّة ً قالَ لي حارسُ الشط ِّ ...
(... حذار ِ منَ النظر ِ إلى الماءِ !
فقد يكونُ بعضا ً منْ خَدَم ِ الوالي
هناكَ ، عرايا !!
فـَخـُذ ْ حصتكَ منَ الهواءِ
واقتصدْ فيها !!
وإيِّاكَ أنْ تنظرَ في المرايا !
فقد يكونُ الوالي فيها !!
كنْ مطيعا ً ولا تشاكسْ
في طرح ِ الأسئلةِ البلهاءْ !
أو تـُحرمْ منْ حصَّـتِكَ الآنْ ! ... )
في اليوم ِ المُظلم ِ منْ
أعوام ِ الغربةِ في الداخل ِ
كنتُ أحاولُ أن أستنشقَ بعضَ هواءٍ
خال ٍ منْ ثاني أوكسيد الكاربون !
كي تـتـنشط َ بعضُ خلايا رأسي !
لأعرفَ كيفَ أ ُشاكسُ مثلَ المسيحْ !!
قالوا ،
أنَّ ابنَ مريمَ كانَ مُشاكسا ً !!
والحسينُ ، خارجا ً عن ِ القانون !!
وقالوا ،
أنَّ القيصرَ ويهوذا كانا
كَحَمْـل ٍ وديعْ !!
وأنَّ ابنَ الطليـقَ عليهِ السلام !!
كنتُ أ ُداري حزني
مِنْ كـَذِب ٍ مفضوحْ .
وفي صمت ٍ ، أزفرُ من صدري
بعضَ بقايا من ذراتِ هواءٍ
كي لا تسمعني الريحْ ،
أو أحدٌ ،
أو تسمعني الحيطانْ !
فتـنقلُ ما يصدرُ عني
للوالي !
ومرَّ اليومُ طويلا ً وأنا في وطني
مذبوحْ !
ودمي كانَ مُباحا ً للغزواتْ !
ودهاليز ِ المعتقلاتْ !
كنتُ أ ُشاهدُ ما يجري
مِنْ تهجير ٍ للذاتْ !
وصناعةِ أمجادٍ زائفةٍ وبطولاتْ !
بقتل ِ فراشاتٍ و حماماتْ !
لكي لا يبقى في وطني بعض علاماتْ !
لكني
كنتُ أ ُعللُ نفسي بالصبر ِ
على درب ِ الأحرارْ !
وأشدُّ جذورَ الأرض ِ إلى جذري
كي لا يجرفني التيَّارْ !
مرَّ طويلا ً ليلُ الحجَّاجْ !
وأنا في السرِّ المخبوءْ !
كانت أ ُمي في عيني
مثلَ الضوءْ .
وفي قبضتها بعضُ تراب ٍ مِنْ
سدرةِ سرِّي المخبوءْ !
لتـُعَمِّدَني فيه !
وتـُدندنَ في أذني ...
( الوطنُ هواكَ . الوطنُ رؤاكَ . الوطنُ مُناكَ . الوطنُ أباكَ .
فلا تبتأسْ
إذا ما رماكَ ,
حرملة ً بالنبال ِ !
أو دعاكَ
إبنُ ذي الجوشن ِ للنزال ِ !
فأنتَ ابنُ العوالي ، العوال ِ ،
وإبنُ ذاكَ الحُسين .
فشمرٌ وحرملة ٌوالطلقاءْ
مثـل زَبَـدٍ في جفاءٍ سيذهبونْ
ويبقى أطفالكَ هاهنا يلعبونْ
ويبقى أبوكَ الحُسينْ )
وذاتَ نهار ٍ ، رأيتُ الطيورَ التيَ
غادرتْ أعشاشَها خائفة ً
واتـَّجَهتْ إلى البحر ِ
تعودُ مُحَمَّـلة ً بالياسمينْ .
والعصافيرُ التي أرْهَقـَتـْها
تقاريرُ المُخبـِرينَ
وأخـْرَسَتـْها ، المدافعُ والبنادقُ والمشانقُ
راحت تزقزقُ بصوت ٍ واحدٍ
على نـَغـَم ٍ وأ ُغنية ٍ
رددتها الحناجرُ في بلادي ....
هذه جثتي خذوها
واقطعوا عُنقي الرهينْ
والشمال ِ مزِّ قوها
واقطعوا منها اليمينْ
وفؤادا ً كانَ فيها
إقطعوا منهُ الوتينْ
لنْ تنالوا من رضاها
عن إمام ٍ كالحُسينْ .
كربلاء
2006م
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
|