محمد باقر الصدر ..
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق
قراءة في كتاب
السيد عبد السلام زين العابدين
مقدمة
قد يتصور البعض ان مهمة المورخ سهلة ويسيرة، ولا سيما اذا كان لشخصية قريبة ومعاصرة، لسهولة جمع المادة التاريخية من مصادرها الاولية والثانوية، وما على الباحث الا ان يقرا ويطلع ويستوعب وينتقي المعلومات والحقائق من مصادرهاالمتوفرة لديه، وما اكثرها! بيد ان هذه نظرة ساذجة للبحث التاريخي ولعمل المؤرخ، لان المسالة ليست مسالة جمع وانتقاء للمعلومات فحسب، بل هي عملية معقدة لا يدرك تعقيدها الا الباحثون الذين مارسوا البحث التاريخي العلمي.
ان على المؤرخ ان يبحث اولا عن المعلومات في مظانها ومصادرها، وان ينتقي الادق منها والاقرب الى الحقيقة والواقع، وطبيعة الاشياء، لان فيها العديد من الاختلاف والتعارض. ثم تاتي مرحلة دراسة المادة وتنسيقها وتبويبها،والتمييز فيما بينها، وتنقيتها، وفحصها، ودراستها دراسة وافية فاحصة، لتاتي اخيرا مرحلة الكتابة وصياغة المعلومات والاحداث والوقائع، وما تتطلبه من مهارة ودقة وفن، وصدق وموضوعية وامانة علمية، لتطرح الاراء والاقوال المخلتفة،والاتجاهات المتباينة، بتجرد وحيادية.
كتاب (محمد باقر الصدر... السيرة والمسيرة) اول موسوعة بهذا الحجم، تؤرخ للمرجع الشهيد محمد باقر الصدر(رحمه الله )، بخمسة مجلدات وب (2825) صفحة، اتبعت المنهج التجزيئي الحولي الترتيبي، وفقا لمراحل المرجع العمرية منذ الولادة (1935م) وحتى الشهادة (1980م).
والكتاب من اصدار مؤسسة العارف للمطبوعات، بيروت، سنة 2006م/1427ه .
جاء (الكتاب الموسوعة) باجزائه الخمسة حصيلة جهود حثيثة مضنية، وعمل دؤوب، لسنوات عديدة، قضاها فضيلة الاخ المؤلف الشيخ احمد ابو زيد (حفظه اللّه) في تجميع مادته، وتوفير مصادره، وتقصي المؤلفات والمخطوطات والوثائق والرسائل المتبادلة بين السيد الشهيد وتلامذته، واللقاءات الدائبة مع طلابه ومريديه.
ولم ينس المؤلف في بداية الكتاب ان يشكر كل الذين ساهموا في مساعدته، وقدموا شتى الخدمات لانجاز موسوعته،وراى ان (اخلاقية البحث العلمي) تستدعي التنويه الى ان الكتاب لم يكن ليصدر بصيغته الحالية لولا مساعدة العديد من الاشخاص له، وتواتر خدماتهم، على حد تعبيره، ولا سيما:
1- مدير مركز الابحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر السيد نور الدين الاشكوري، يقول المؤلف: (الذي بسط لي يد جوده، واطلق عنان عونه، ومنحني وافر ثقته، واضعا تحت تصرفي الكامل ارشيفا معلوماتيا ضخما).
2- السيد حامد علي الحسيني، (الذي بذل على مدى سنين متمادية جهودا جبارة في سبيل جمع هذا الارشيف).
3- اسرة المرجع الشهيد الكريمة (زوجته السيدة ام جعفر، ونجله السيد محمد جعفر، وكريمتيه ام احمد وام علي).
وقد ذكر المؤلف ما يربو على (150) شخصية استفاد منها في انجاز موسوعته، ممن عاصر السيد الشهيد، وعايشه، كما ذكر(29) مكتبا ومكتبة ومركزا، قدموا له يد العون والمساعدة.
شكوى مؤلمة!
ومع ذلك، فان المؤلف يشكو في مقدمة الكتاب مما اسماه
بـ (التغييب العمدي وغير العمدي لكثير من الحقائق المرتبطة بتاريخ السيد الصدر (رحمه اللّه) ، ويقف الى جانب ذلك احجام بعض تلامذته المقربين منه عن الادلاء باية معلومات لا يشك الباحث بمساهمتها في الكشف عن الكثير من الخفايا والملابسات).
ولهذا يلفت المؤلف نظر القارئ الكريم الى ظاهرة مهمة، وهي (اذا قدر ان يلاحظ ان هذا الكتاب لا يستند الى بعض المقربين من السيد الصدر (رحمه اللّه) فذلك راجع الى احجامهم لا الى عدم مبادرة الكاتب) ((308)) ويحدثنا عن معاناته بهذا الخصوص قائلا: (فقد قابلت ما يقرب من مئة شخصية، بعضهم لا يعرف الا الامور السطحية، امامن يعرف الامور الحساسة فلعلي لم اجد الا شخصا واحدا لم يمانع من الادلاء بشهادته، فما ذنب الكاتب في ذلك؟)((309)) ! نسال اللّه ان يوفق هؤلاء الطلبة المقربين، والتلاميذ المخلصين الذي كان لهم السيد الشهيد كالوالد الشفيق، والشمعة التي تحترق لتضي لهم الطريق، ليبوحوا بما لديهم من معلومات ووثائق ورسائل، ليتحول احجامهم الى اقدام، واسرارهم الى اعلان، لتسجل على صفحات التاريخ، وتقراها الاجيال بالتفصيل لا بالاجمال، بدلا من ان تبقى في صدور اصحابها،وخزائنهم المغلقة بالشمع الاحمر ان بقيت سالمة لم تتسنه!
مقدمة الكتاب: معالم المنهج
جاءت مقدمة الكتاب (الموسوعة) ملفتة للنظر بطولها على امتداد (63) صفحة، والتي لا تخلو من اسهاب في بعض فقراتها،وسنتكلم عن سره. بيد ان العديد منها كانت ضرورية لايضاح منهج المؤلف، ومعالم عرضه، مما سهلت علينا هذه المقدمة في تقديمنا للكتاب والتعريف به، وان لم تغن عن مراجعتنا لاجزائه الخمسة، بفصولها العشرة، وملاحقها ووثائقها.
وقد بحثت المقدمة المعالم التالية
المعلم الاول: اعتماد السرد الحولي غير الموضوعي حرص المؤلف على اعتماد الطريقة التجزيئية في استعراض السيرة والمسيرة للمرجع الشهيد، وما تضمنته من احداث ووقائع، ليسير وفق السنوات والتسلسل الزمني للاحداث، من الولادة وحتى الشهادة. وتكلم عن الامور والاحداث التي حصلت في كل عام، وان لم يكن فيما بينها علاقة الا السياق الزمني.
وقد برر المؤلف منهجه السردي الحولي بانه الخطوة الاولى الضرورية في دراسة الشخصية التاريخية، والاطلاع على تفاصيل حياتها وسيرتها ومسيرتها، (لتتاح الفرصة امام الدارسين للكتابة موضوعيا)، لان الكتابة الموضوعية خطوة متقدمة على الكتابة التجزيئية، كما عبر المرجع الشهيد عند حديثه عن العلاقة بين التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي.
ان الكتابة الموضوعية على صعيد شخصية المرجع الصدر غير المسبوقة بكتابة تجزيئية، لها مؤاخذتان:
الاولى: اعتمادها على خلفيات القارئ ومعلوماته حول الشخصية، وهذا ما لا يتوفر في المقام الا لدى عدد ضئيل جدا من القراء.
والثانية: اعطاء القراءة الموضوعية صورة مشوهة وغير متكاملة للكثير من الاحداث والوقائع اذا لم تقرا اولا في سياقاتها التاريخية التي توفرها القراءة التجزيئية ((310)) .
ولهذا جاءت فصول الكتاب بمنهج القراءة التجزيئية الحولية الا في الفصل الرابع: (جوانب من شخصية السيد محمد باقرالصدر)، فقد اعتمد المؤلف فيهذا الفصل الاتجاه الموضوعي، فذكر مقتطفات رائعة من احوال المرجع الشهيد حول:عبادته، واخلاقه، ومسكنه، وملبسه، وماكله، وعلاقته باسرته (والدته، وزوجته، واولاده)، وعلاقته بطلاب درسه، وشظف عيشه... ((311))
المعلم الثاني: شمولية العرض شمولية العرض التي يمتاز بها الكتاب شملت جانبين:
ا- الكتب والمؤلفات سعى المؤلف بما اوتي من وسع ان تكون موسوعته حول المرجع الشهيد الصدر (مصدرا جامعا)، يضم كل ما كتب عنه، ولاسيما المؤلفات التي اختصت به، ومن اهمها: (شهيد الامة وشاهدها)، (الشهيد الصدر: سنوات المحنة وايام الحصار)، (محمدباقر الصدر: حياة حافلة، فكر خلاق)، (الامام الشهيد محمد باقر الصدر.. دراسة في سيرته ومنهجه)، (ملامح من السيرة الذاتية)، (الصدر في ذاكرة الحكيم)، مقدمة كتاب (مباحث الاصول) والتي صدرت مؤخرا ككتاب مستقل بعنوان:
(الشهيدالصدر: سمو الذات، وسمو الموقف)، والكتاب الذي صدر مؤخرا (وجع الصدر.. ومن وراء الصدر ام جعفر) والذي يتضمن اسرارا جديدة لم تكشف من قبل، على لسان زوجته ورفيقه عمره ومحنته السيدة ام جعفر (حفظها اللّه).
ب- الاقوال والروايات حاول المؤلف ان يستعرض المقولات من عشرات الشخصيات الذين عاصروا المرجع الشهيد وتتلمذوا على يديه، وسعى الى محاكمتها في ضوء ما توفر لديه من قرائن وشواهد، ووثائق وحقائق.
ويعترف انه في حرصه الشديد على استعراض الاقوال والمعلومات (قد يبدو مزعجا) في بعض الاحيان، ومطنبا، بيد انه كان يحرص على (رسم قصة كاملة)، و(توثيق الحدث والتثبت من صحة الصورة المرسومة). وهو امر يعتقد المؤلف(بضرورته) في الخطوة الاولى، وان راينا غير ذلك في بعض الموارد ((312)) .
المعلم الثالث: العرض المجرد غير المعياري، مع ممارسة النقد ان مسالة الموضوعية وعدم التحيز شغلت بال المؤرخين والباحثين في كل زمان، لصعوبة الغاء المؤرخ ذاته ومشاعره وعواطفه وانفعالاته وانتماءاته في تناول الاحداث والوقائع والاشخاص بصورة موضوعية مجردة. ولذا يرى علماء التاريخ ان الموضوعية مطلب صعب المنال. وقد بحث المرجع الشهيد الصدر منابع خطر الذاتية. وذكر اربعة اسباب (بوصفها اهم المنابع لخطر الذاتيه) ((313)) .
يحدثنا المؤلف ابو زيد انه قد حرص في بحثه على ان يكون موضوعيا متجردا من ميوله الخاصة وعواطفه، وان اقر بمدى صعوبة التخلص من الذاتية، مهما حرص، (لان العواطف، والمتبنيات، والنشاة البيئية والفكرية.. كلها تدخل في آليات التعامل مع الموضوعات محل البحث)، مما تجعل الباحث لا يمكن ان يتخلص من الذاتية مهما جاهد في توفيرالموضوعية في تقييمه وحكمه، وترجيحاته للاقوال والاراء والروايات.
كما حرص على تجنب (التعليقات المعيارية) التي تحكم على الاحداث والوقائع التاريخية بالسلب والايجاب، والخطا والصواب، الا في بعض الموارد (التي كما يقول لا ربط لي بها مما نقلته عن الاخرين ضمن نصوص لم استطع فيها عزل الجانب المعلوماتي والاكتفاء به)، وليس من (الحديث المعياري) تحقيق الحدث تاريخيا وقبول شهادة ورد اخرى . ((314)) ولذا فقد التزم المؤلف مبدا (نقد متون الاقوال ومضامينها) من خلال تسجيل ملاحظات نقدية في الهوامش، فلا بد من(تحكيم النظر والبصيرة في الاخبار)، فانه لا ملازمة (بين اسناد المعلومة وبين الاعتماد عليها)، فكثيرا ما نرى المؤلف يمارس عملية النقد ومحاكمة الاخبار والمعلومات ومعالجة التعارض فيما بينها وفق القرائن والمعطيات المتوفرة. ولا سيماانه لا حجية بالمعنى الاصولي لخبر الثقة في مجال البحث التاريخي، وخصوصا انه قد اكتشف حقيقة مرة خلال سنوات تاليف الموسوعة، ولم يستطع ان يكتمها، فقد وصلت في تراكمها الى مرحلة (البث) الذي لا يمكن ان يكتم في الصدور،تتعلق ببعض (الثقات) واقوالهم، ومدى تحريفهم للحقائق، وتزييفهم للوقائع الى درجة (انهم يلوون عنق الحقيقة مع سبق الاصرار والترصد) ((315))، وقد اوكل اكتشاف تلك الموارد الى ذكاء القارئ وفطنته، وان اشار الى بعضها بطرف خفى.
وهناك نمط من المخبرين يعيشون العاطفة الجياشة تجاه استاذهم مما يؤدي بهم في نقل الاحداث والوقائع الى ان يذهبوابعيدا في المبالغة الى درجة لا يمكن قبولها، وفق المعطيات والشواهد، الامر الذي يؤدي الى تغيير الحقيقة وتشويهها.
وقد حاول المؤلف ان يعلق على تلك المبالغات باشارات سريعة ولبقة في العديد من الموارد والمواطن.
وقد اشار الى هذه الملاحظة في المقدمة، وذكر عددا من المعلومات التي لم تخل من عنصر المبالغة والافراط في الاعجاب:
ا- ان السيد الشهيد قد الف (الحلقات) الثلاث في علم الاصول اعتمادا على ذاكرته. مع ان الواقع غير ذلك.
ب- وقراءته لمجلدات موسوعة (قصة الحضارة) لديورانت (43 مجلدا)، خلال اسبوع واحد، عام 1379ه. مع ان الكتاب آنذاك لم يترجم منه الى العربية الا (6) اجزاء فقط.
ج- وما نقل عنه(رحمه الله ) انه قال: ان المعادلات الرياضية التي اعتمدتها في كتاب (الاسس المنطقية للاستقراء)، والمطالب التي توصل اليها، كانت من خلال (التشخبط) بالقلم في الليل! مع انه(رحمه الله ) قد درس عند بعض اساتذه الرياضيات العالية، وكان يذهب في ايام العطل الى بغداد ليحضر الدروس، حتى قال له الاستاذ: (قد اعطيتك اجازة الاجتهاد في الرياضيات)!، اضافة الى تحضيراته الدائبة في حل المسائل الرياضية، واستعانتة بالكتب والمصادر الرياضية العربية والاجنبية (الانجليزية والفارسية)، ومع ان المعادلات الرياضية التي اعتمدها في(الاسس المنطقية) هي قوانين رياضية اكتشفها علماء الرياضيات على مدى قرون متطاولة، وقد درسناها في الجامعة.
المعلم الرابع: شفافية العرض لقد اسهب المؤلف في مقدمته بالتاكيد على هذا المعلم (شفافية العرض)، ليوضح مقاصده ونواياه في عرضه للكثير من الحقائق والوثائق والمعلومات التي تمس بعض الشخصيات او الكيانات، في الاوساط الحوزوية، لما لها من قدسية، حتى لايسارع القارئ الى اتهام المؤلف وجعله في مقام التجريح او التسقيط او الاستفزاز او التهميش لتلك الشخصيات والرموز.
وقد اوضح مبررات (الشفافية) رغم ما بها من مخاطر، وتتلخص في كلمتين: المقتضي موجود، والمانع مفقود.
ومقتضي الشفافية هو (المساهمة في ترشيد وعي الناس عموما، وطلاب الحوزة خصوصا )، والتنبيه الى الاخطاء والسلبيات لاجتنابها والحذر منها اما المانع بعنوانه الاولي، المتمثل ب (اشكالية الغيبة والاهانة)، وعنوانه الثانوي المزدوج المتمثل ب (انكفاء الناس عن المرجعية وابتعادهم عنها)، ولزوم (الهرج والمرج فيما يتعلق بردة الفعل) فمفقود، ذلك بانه لا شك في مشروعية هكذاعمل تاريخي، يناى بنفسه عن التشهير والتوهين والاسقاط، وان الانكفاء اذا تحقق فلا يكون عن المرجعية، وانما عن اتجاه فيها، (واذا قدر للقارئ الانكفاء عن احدهما، فانه سيتفاعل مع الاخر)، لان الكتاب يؤرخ لاتجاهين في المرجعيات المعاصرة، وخطين مختلفين في الهموم والتطلعات وطريقة الاداء، ولا بد للانسان من ان يشخص الاتجاه الذي يراه اكثروعيا، واكبر كفاءة، والاقدر على تجسيد الاسلام وقيادة الامة. فالانكفاء والحال هذه سيكون من مرجع الى مرجع، ومن اتجاه الى اتجاه في داخل الكيان الواحد، والمؤسسة الواحدة، والتستر على السلبيات والامراض اعظم مفسدة من طرحهاوالمبادرة الى معالجتها.
وما يعتقده العوام من الناس في العلماء من (كرية واعتصام) تجعلهم فوق النقد، من الامور الخطيرة التي نبه اليها بعض الاعلام المعاصرين كالشهيد مرتضى المطهري، لان (الاسلام لا يقول بكرية احد ولا باعتصامه) بعد المعصومين چ.
بيد ان ذلك كله لا ينفي التريث في اصدار الاحكام، وتوفير شروط البحث العلمي، واخلاقية النقد، حتى لا نظلم اساتذتناومراجعنا باسم (الشفافية) و(حرية النقد) و(عدم الكرية)! وقد اسهب المؤلف في توضيح هذا المعلم، الى حد الافراط، كما نرى، بحيث استغرق طرحه ما يربو على ثلاثين صحفة((316)) ! وما ذلك الا لحذره من ردود الافعال الخاطئة على الكثير من المعلومات، والوثائق، والحقائق التي تضمنتهاالموسوعة، والتي يمكن ان يتصف صاحبها بالشجاعة، او الجراة، بعد ان كانت مستورة لعقود من الزمن، فلا تذكر الابالكناية تارة، وبالايماء اخرى، وبالفراغات المنق طة بدل الاسماء تارة ثالثة! التحذير من المزايدات ولذا يحذر المؤلف من المزايدة عليه في حرصه على المؤسسة المرجعية، واخلاصه لها، وايمانه العميق بدورها وقيمتها،وضرورة تكريس مسؤولياتها الكبرى في قيادة الامة، وتسديدها، وترشيدها، وانها وعلى حد تعبير المرجع الشهيد نفسه (واجهة الاسلام في نظر الامة، وهي المعبر الشرعي عن الاسلام واحكامه ومفاهيمه وحلوله لمشاكل الحياة) ((317)) .
وقد تضمنت الموسوعة اروع المحاضرات للمرجع الشهيد حول الحوزة العلمية، ودورها، وعظمتها، وضرورة اضطلاعهابمهامها الجسام ومسؤولياتها العظام.
بيد ان هذا لا يمنع من ممارسة النقد، وتشخيص الاخطاء، وتحديد الاعراض والامراض، والسلبيات في مسيرتها، ولا سيمااذا كان ذلك من قبل ابنائها وعلمائها ومراجعها.
من هنا، فان العديد من المراجع الاعلام المعاصرين قد مارس النقد، واكد على ضرورة تفعيله، وتوفير (الشفافية) في تناول الشخصيات التاريخية، ومناقشة آرائهم ومواقفهم من دون مبالغة اوستر للوقائع والحقائق، ولا سيما اذا كانت (الشفافية)ترفع الظلامة، وتكشف الحقيقة، وتشجب لا اخلاقية النقد.
عرض موجز للكتاب يقع (الكتاب الموسوعة) في خمسة مجلدات كبيرة، تتضمن الاربعة الاولى منها عشرة فصول، فيما خصص الجزءالخامس للصور والوثائق، حيث تطالعك رسائل المرجع الشهيد بقلمه وخط يده الى تلامذته وطلابه المنتشرين في الاقطاروالبلدان.
وقد اعتمد المؤلف كما ذكرنا المنهج الحولي الترتيبي ما عدا الفصل الرابع بيد ان ذلك لم يمنعه من ان يضع عنوانالكل فصل من الفصول العشرة.
الفصل الاول: النسب والاسرة بحث فيه نسب السيد محمد باقر الصدر الذي ينتهي الى الامام على بن ابي طالب(ع) عن طريق الامام موسى الكاظم(ع)،بحيث يكون علي(ع) جده السابع والثلاثون. كما بحث تاريخ اسرة آل الصدر العريقة، علما وفضلا وادبا، المنتشرة في بلدان متعددة (لبنان، العراق، مكة المكرمة، ايران)، مع ترجمة لابرز شخصيات هذه الاسره الفذة، ابتداء من ابراهيم المرتضى ابن الامام موسى الكاظم(ع)، وانتهاء بوالده السيد حيدر الصدر ((318)) (رحمه اللّه) كما ترجم لاخواله اسرة آل ياسين العلمية العريقة، ثم مدخل تاريخي وسياسي ((319)) .
الفصل الثاني: النشاة العلمية (1353 1375ه تضمن هذا الفصل ولادة السيد محمد باقر الصدر عام (1353ه) الموافق لسنة (1935م)، وولادة اخته آمنة (بنت الهدى)بعد سنتين، ووفاة والده حيدر الصدر عام (1356ه/1937م)، وعمره سنتان، والاحداث السياسية آنذاك، والتحاقة بالمدرسة الابتدائية (منتدى النشر)،ودراسته المقدمات في الحوزة، ثم السطوح (1365 1368ه)، وحضوره البحث الخارج (1369ه)، ومدى نبوغه المبكر وعبقريته التي مكنته من ان يصل الى درجة الاجتهاد والقدرة على استنباط الحكم الشرعي قبل مرحلة البلوغ! ثم الشروع في تدريس الكفاية عام (1375ه).
الفصل الثالث: في ظل مرجعية السيد الحكيم (1376 1379ه) تناول الكتاب تلك الفترة وما فيها من احداث سياسية مهمة :
بداية تشكيل حزب الدعوة الاسلامية عام (1376ه)،ووضعه (الاسس الاسلامية)، والشروع بتدريس البحث الخارج (الاصول) عام (1378ه)، وتاسيس جماعة العلماء،وكتابته للمنشورات السبعة في العام ذاته، والتي كانت تذاع من اذاعة بغداد زمن الرئيس عبد الكريم قاسم، وهي بيانات خالدة في تلك الفترة العصيبة، كان السيد الشهيد يشيد فيها بالزعيم ويستنهضه، حتى اعترض السيد محسن الحكيم على ذلك.
فقيل له: هذا جواز مرور للاذاعة! ثم صدور كتاب (فلسفتنا) (1379ه)، ومجلة الاضواء، ومساهمته في كتابة (رسالتنا)، وهي افتتاحية لمجلة صدرت بنفس الاسم، وصدور كتاب (اقتصادنا) (1381ه). ثم زواجه عام (1381ه)، وانسحابه من حزب الدعوه عام(1382ه).
وتضمن الجزء الثاني تكملة للفصل الثالث، وفيه: تاسيس كلية اصول الدين، ووصول الامام الخميني الى النجف عام 1385ه، وكتابة اطروحة البنك اللاربوي في الاسلام (1387ه)، وغيرها.
الفصل الرابع: جوانب من شخصية السيد محمد باقر الصدر اعتمد المؤلف فيهذا الفصل الاتجاه الموضوعي وليس التجزيئي، كما ذكرنا سابقا، فذكر مقتطفات رائعة من احوال السيدالشهيد في: عبادته، وارتباطه باهل البيت چ، واخلاقه، ومطالعاته، وملبسه، وماكله، وعلاقته بطلاب درسه، وباسرته (والدته،زوجته، اولاده)، ووصف منزله، وشظف عيشه ((320))، حيث تنقل زوجته السيدة ام جعفر انه كان نادرا ما يخيط الملابس اويشتري، وكان يكتفي باقل شي، ويقول: (عجبا! كم جسدالي حتى اخيط واشتري ملابس متعددة؟) ((321)) .
وتنقل ايضا انهابعد زواجها منه وجدت انه لا يملك الا (دشداشة) واحدة، فسالته: اين ملابسك؟ فاجاب بتلقائية: (لقد ارتديتها)، وكانت امه حاضرة، فقالت له: (الم اقل لك ان زوجتك سوف تتعجب من قلة ما تملكه من ملابس؟!) . ((322)) #اوصى احد الحجاج بسيارته للسيد، فلما استلمها، قال: لا استخدمها. وبعد شهر طلب من احد الاخوة ان يذهب لبيعها،فبيعت ب (500/3) دينار عراقي، ثم قام بتوزيع المبلغ على الطلبة ((323)) ! #وكان يقول: (لا ارضي بشراء الفواكه الغالية (الثمن) مهما كان المبرر، حتى لو كان ذلك من اجل الضيوف، ويجب ان ننتظرالى الوقت الذي يتمكن جميع الناس من شرائها) ((324))
الفصل الخامس: المرحلة الانتقالية (1390 1394ه) عاد المؤلف الى العرض التجزيئي الحولي الترتيبي ليتحدت فيهذا الفصل عن اهم الاحداث لسنة 1390ه : وفاة المرجع السيد محسن الحكيم، اعلان علماء ايران عن مرجعية السيد الخميني.
واحداث عام 1391ه : صدور كتاب الاسس المنطقية للاستقراء، استشهاد القيادي البارز في حزب الدعوة الاستاذ عبدالصاحب دخيل، صدور كتاب (بحوث في شرح العروة الوثقى)، تسفيرات الايام الستة.
واحداث 1392ه : اعتقال كوادر حزب الدعوة، اعتقال السيد الصدر، زيارة زيد حيدر ممثلا عن السلطة، بدايات التصدي للمرجعية ((325)) . وفي الجزء الثالث تكملة الفصل الخامس، باحداث عام 1393ه : الفصل بين جهاز المرجعية والعمل الحزبي.
عام 1394ه : الحرب مع الاكراد، التاكيد على فك ارتباط الحوزة عن حزب الدعوة، اعتقال الشيخ عارف البصري وصحبه(قبضة الهدى)، اعتقال السيدين محمود الهاشمي ومحمد صادق الصدر (الصدر الثاني)، اعدام الشهداء الخمسة، عارف وصحبه.
الفصل السادس: المرجعية الرشيدة (1395 1398ه) عام 1395: محنة السيد الصدر في الحوزة، مباشرة كتابة الفتاوى الواضحة.
عام 1396: اثارة الفتنة بين السيد الصدر والسيد الخوئي، صدور الفتاوى الواضحة، كتابة (موجز في اصول الدين).
عام 1397: الجماهير تتحدى قرارات السلطة، الفراغ من كتابة الحلقة الثالثة في الاصول.
عام 1398: اختفاء السيد الامام موسى الصدر، مغادرة الامام الخميني العراق الى باريس ((326)) .