“الدولة الإسلامية” وعلاقتها بوكالة الاستخبارات المركزية
إن العلاقة مابين وكالات الاستخبار والمجموعات المسلحة باتت معروفة، وكثيرا ماتستخدم الوكالات المجموعات المسلحة ورقة ضغط محليا واقليميا ودوليا، وهذا يشمل الحركات القومية واليسارية ثم التنظيمات”الجهادية” ابرزها القاعدة ثم “داعش ـ الدولة الاسلامية”. التنظيمات القاعدية “الجهادية” ظهرت على المشهد السياسي في اعقاب حرب افغانستان واخراج الاتحاد السوفياتي سابقا عام 1989. العلاقة مابين الوكالة والقاعدة انذاك بزعامة بن لادن كانت علنية وحصلت على الدعم العسكري والمالي، هذه العلاقة كانت تتحكم بها وكالة الاستخبارات المركزية اكثر من البنتاغون، فهي تسير بمسارين الاول عسكري والثاني استخباري، فلا توجد عملية عسكرية بدون استطلاع وجمع معلومات.
القتال بالوكالة
اسلوب القتال بالوكالة هو اسلوب وطريقة عرفت بها الولايات المتحدة واشتهر بها بترايوس في العراق 2005 رغم انها كانت من قبل في الصومال ودول اخرى. كانت القاعدة ومجموعات التوحيد والجهاد في افغانستان بزعامة بن لادن ومؤسسها عزام الاحمد، تمثل مجموعات مرتزقة تقاتل بتوجيه وادارة مباشرة من واشنطن في مواجهة المد الشيوعي. عملت الولايات المتحدة في اعقاب انتهاء حرب افغانستان الاولى واخراج الاتحاد السوفياتي انذاك، عملت بتغيير مسار القاعدة، فبقيت طالبان صاحبة الارض، اما القاعدة فاصبحت عائمة بدون جغرافية محددة، وهذا ما جعلها ان تضع عولمة الجهاد على رأس اولوياتها لتتجاوز عقدة الوطن والارض، هذه العولمة ربما كانت وراء استمرار تنظيم القاعدة، الجيل الاول في افغانستان للفترة من عام 1989 حتى مابعد حرب 11 سبتمبر 2001. هذا التاريخ اصبح منعطفا في مفهوم الارهاب وتعريفاته وفي تقنية الارهاب والارهاب المضاد الذي بدا يشهد تسارعا على مستوى الارض وعلى الشبكة الافتراضية، لتجمع القاعدة والتنظيمات “الجهادية” مابين “الجهاد والجهاد الاعلامي” الافتراضي على شبكة النت. وكالة الاستخبارات المركزية كانت تمسك بقيادات القاعدة من الجيل الاول، واصبحت معتقلاتها مراكز تفريخ لعملاء داخل القاعدة والتنظيمات “الجهادية”. وظهرت مابعد احداث 11 سبتمبر مفهوم استخباري جديد وهو النقاط السوداء، اي نقاط ترحيل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية بنقل مطلوبين في عمليات ارهابية وبعض هذه النقاط كانت وماتزال تستخدم ليس بالترحيل بل في الاستجواب والتحقيق من خلال وجود خلايا تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في تلك الدول، هذه الدول شملت بعض دول اوربا، ابرزها بولندا والباكستان في اسيا وهنالك دول عربية حليفة لواشنطن مازالت فاعلة بالتعاون الاستخباري، المحاذير في هذه العلاقة التي تحرص واشنطن عدم الاعلان عنها، كونها تتضمن عمليات ترحيل سرية في طائرات خاصة بين النقاط السوداء يضاف ان الوكالة تتبع الكثير من وسائل التحقيق التي يتعارض مع قوانين الولايات المتحدة ويرفضه الكونغرس الاميركي.
شهادات بعض المعتقلين في اليمن وكذلك التقارير الاستخبارية ذكرت بان هنالك اكثر من قاعدة على سبيل المثال في اليمن كانت هنالك القاعدة التنظيم المركزي وقاعدة تابعة للنظام تعمل وفق اجندة تفرضها السلطة وهنالك قاعدة تابعة الى وكالة الاستخبارات الاميركية. هذه الاضلاع الثلاث للتنظيمات القاعدية هي مختلفة في الاهداف لكن هنالك تداحل بالمصادر وهنالك دورمزدوج لبعض القيادات، هم يرفعون راية “الجهاد” لكنهم عملاء الى السلطة او وكالة الاستخبارات المركزية.
استقطاب “الجهاديين” في العراق
شهد العراق تجربة تفكيك الدولة العراقية عام 2003، وسيطرت واشنطن على العراق حتى عام 2011 وانسحاب قواتها. المعلومات من داخل دوائر التحقيق في وزارة الداخلية العراقية اشارت بأن الولايات المتحدة كانت تحجب المعلومات الاستخبارية عن الداخلية العراقية وعن الدفاع، ولم يكن هنالك اي تنسيق في تبادل المعلومات. السجون والمعتقلات كانت تحت سيطرة القوات الاميركية ابرزها سجن ابو غريب وبوكا في بغداد. لقد شهد سجن ابو غريب الكثير من الفضائح، البعض منها كان مقصودا بتأجيج التنظيمات القاعدية واستقطابها الى العراق، لكي يتحول العراق مابعد 2003 الى ارض استقطاب قاعدية ومنخفض”جهادي” يقصده المقاتلين الاجانب من كل الجنسيات وتحت اعين وسيطرة الولايات المتحدة. إن تسريبات الصور من داخل سجن ابو غريب والمعتقلات الاخرى كانت مقصودة، هذه الصور استقطبت الكثير من المقاتلين الاجاني والعرب الى العراق. ونجحت واشنطن خلالها من تغيير بوصلة القاعدة من العدو البعيد الى ان تكون القاعدة ماكنة قتل محلية واقليمة وظيفتها مطاولة الفوضى وشل الانظمة. لذا لم يشهد الغرب بعد عام 2006 اي عملية قاعدية نوعية.
بعض قبادات القاعدة وبضمنها “داعش ـ الدولة الاسلامية” حتى اعلان انفصالها من مظلة الظواهري هم من معتقلي السجون والمعتقلات الاميركية، حيث تقوم وكالة الاستخبار باعادة تنظيمهم وتجنيدهم الى داخل التنظيمات. التجربة الليبية واسقاط القذافي عام 2012 تصدرتها قيادات قاعدية كانت في معتقل غوانتناموا او مطلوبين على قائمة الارهاب ابرزهم عبد الحكيم بالحاج وابو انس الليبي وقيادات اخرى، هي تمسك بهم وتطلق سراحهم وفق حاجتها. ابو بكر البغدادي ـ ابراهيم عزدة البدري، الذي بدء يعرف الان باسم امير المؤمنين في “الدولة الاسلامية” كان احد سجناء معتقل بوكا في العراق تحت السيطرة الاميركية ولم يكن محتجزاً في المجمع رقم 14 الذي كان مخصصاً للمعتقلين الأكثر تطرفاً والأكثر خطورة، بحسب المعلومات بل كان واحداً من بين الاف السجناء في سجن بوكا. ووفقا لتقارير رسمية من وزارة الدفاع الأمريكية، فقد تم سجن أبو بكر البغدادي من شهر فبراير إلى شهر ديسمبر 2004 ثم تم تسليمه إلى السلطات العراقية التي أطلقت سراحه لاحقا، وعلى الفور بدأ بعد ذلك الصعود داخل جماعة انصار السنة، ثم مجلس الشورى للتوحيد والجهاد عام 2006 بزعامة الزرقاوي ليكون الرجل الثاني في تنظيم الدولة الاسلامية في العراق التي تحولت الان الى “الدولة الاسلامية” ليكون زعيم التنظيم عام 2010 بمقتل ابو عمر البغدادي.
اطلاق سراح ابو بكر البغدادي
إن اطلاق سراح البغدادي من معتقل بوكا بهذه الطريقة وتركه دون مراقبة، يرجح إستخباريا اخضاعه الى عملية تجنيد واعادته الى وسط “الجهاديين”. وقال المستشرق الروسي فيتشيسلاف ماتوزوف في هذا الصدد أن كل الحقائق تشير إلى أن البغدادي مرتبط مع وكالة المخابرات المركزية، ومن الواضح أنه خلال سنوات السجن تم إشراكه ضمن مخططات الوكالة الاستخباراتية بشكل أو بآخر. وأن احتمالات وجود علاقة بين أجهزة الاستخبارات الأمريكية و”داعش” يمكن أن تكون واحداً من الأسباب الرئيسية التي تجعل الولايات المتحدة ليست في عجلة من أمرها لتسليم العراق ما تم الاتفاق عليه من طائرات F-16. العراق يأمل أن يكون هناك ستة أسراب من طائرات أف 16 إلى جانب الأسلحة والمعدات الحديثة ولا يتوقع أن يكون أول سرب جاهز للخدمة حتى سبتمبر 2016 . البنتاغون لحد الان لم يقوم بتوجيه اي ضربة الى “داعش” في العراق، فهو يتنقل بسهولة وبشكل واضح ويقيم الاستعراضات وينقل الارتال عبر الحدود العراقية السورية، لكنه لحد الان لم يتعرض الى اي ضربة عسكرية رغم سيطرته على مجمع المثنى الذي يضم مقذوفات تحمل موادا كيمياوية لم يتم تدميرها من قبل ومواد كيمياوية ربما لم تعد صالحة لاستخدامها في هجوم كيمياوي، لكن رغم تقليل واشنطن من خطورة السيطرة على منشأة المثنى فأنها تبقى موضع تهديد، وعلى اية حال فأن الدولة الاسلامية لديها القدرة على استخدام المواد الكيميائية منها الكلور في العراق وسوريا في وقت سابق، وهذا يعني انها لا تتردد من استثمار قدراتها باعادة استخدام المواد الكيمياوية في المثنى. ماحدث في الموصل يبدو انه بمباركة واشنطن ولندن وتل ابيب.
كشف الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، أن الوكالة وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية ومعهد الاستخبارات والمهمات الخاصة الموساد مهدت لظهور تنظيم “دولة العراق والشام، داعش.” ونقلت مصادر تسريبات عن سنودن تؤكد تعاون أجهزة استخبارات ثلاث دول هي الولايات المتحدة، بريطانيا وإسرائيل لخلق تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد في عملية يرمز لها بعش الدبابير. يشاران سنودن يتمتع بمصداقية جيدة وما صرح به وسربه من معلومات كانت معلومات دقيقة وهذا ما يدعم العلاقة المحتملة مابين الوكالة والخليفة الجديد.
أغفال البغدادي
أن ظهور “امير المؤمنين” علنا من على منبر جامع الموصل الكبير يوم 4 يوليو 2014 وهو يؤم الجمع في صلاة الجمعة والجماعة ولوقت طويل بعد ان حضر بصحبة ارتال حمايته وسيارات الدفع الرباعي، دون تعرضه الى اي ضربة من قبل سلاح الجو الاميركي يثير الكثير من التسائولات. لقد استطاعت الوكالة المركزية وبالتعاون مع البنتاغون من اقتناص قيادات القاعدة وطالبان في اليمن وافغانستان ابرزها العولقي ومحسود. وكالة الاستخبارات المركزية عادة تستخدم طريقتها التقليدية باستخدام عملاء الارض يضعوا اقراص تبعث بترددات ال GPS Global Positioning System يمكن الطيران الاميركي من تحديد الهدف، ويفترض ان تمتلك الوكالة مصادر معلومات عدة في الموصل وكوردستان منذ غزوها للعراق عام 2003. إن اصطياد قيادات التنظيم يشترط ان يكون من اولويات وكالة الاستخبارات المركزية. لقد كشفت وكالة الامن القومي استخدامها اعتراض المكالمات الهاتفية عبر العالم لتعقب المطلوبين والشبكات الارهابية. ورغم احتمال عدم استخدام “الدولة الاسلامية” شبكة الهواتف خلال صلاة الجمعة، فأن ذلك لايبرر غض النظر عن شخصية بحجم البغدادي وسبق وأن صنفته كإرهابي بموجب القرار التنفيذي رقم 13224 ومن اخطر المطلوبين.
بات ضروريا الان ان تتخذ الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي خطوات عسكرية على الارض ضد “الدولة الاسلامية” التي تحولت الى مصدر تهديد ليس الى العراق وسوريا بل الى المنطقة والعالم. تنظيم “الدولة الاسلامية” يبدو انه بوضع مستريح مابعد اجتياح الموصل ومدن عراقية يوم 10 يونيو 2014 و انعكس ذلك بامكانيات اصدار جريدة جديدة باسم “دابق” بتسختين الكترونية بالعربية والانكليزية واخرى مطبوعة وفي معايير وتقنية متطورة وفي ذات السياق اعلن امكانيته بتصنيع الاسلحة داخل سوريا مستغلا خبرات التصنيع العسكري وضباط من النظام السابق داخل التنظيم.
يبقى البغدادي ـ الخليفة الجديد موضع اهتمام، فهو يتمتع بامكانيات تسلح وامكانيات مالية وصلت الى اكثر من نصف مليار دولار، ورغم ان وزارة الخزانة الاميركية حريصة على تتبع الاصول المالية للتنظيمات “الجهادية” وحصر مصادرها، فان وكالة الاستخبارات المركزية لم تكشف لحد الان عن اصول التنظيم المالية، وهذامايثير الكثير من التسائولات حول علاقة”داعش ـ الدولة الاسلامية” مع وكالة الاستخبارات رغم انها في اطار التحليلات.
جاسم محمد
باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات