لهذه الأسباب يُستبعد أن تقطع الدوحة علاقتها بـ"الإخوان"
نشر :اليوم،
تجمع الدوحة بجماعة الإخوان المسلمين علاقة وثيقة بدأت منذ خمسينيات القرن المنصرم، وهي مستمرة بحكم المصالح المتبادلة التي أمنت لقطر موقعا على الخارطة السياسية في المنطقة، وهو أحد الأسباب الذي يدفع البعض إلى استبعاد تخلي الأمير تميم عن "الإخوان" رغم خطوة إبعاد بعض قيادتها عن الأراضي القطرية تحت وطأة الضغوط.
أذعنت قطر أخيراً لضغوط الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية. قررت إبعاد سبعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين المقيمين على أراضيها. خطوة قد لا تكون الأخيرة من الدولة التي يعتبرها المراقبون من أكبر الدول الداعمة للإخوان المسلمين سياسيا وإعلاميا وماليا.رغم ذلك فإن أكثر من سبب يدفع إلى الاعتقاد بحسب مراقبين أن هذا القرار لا يعدو كونه مجرد تكتيك، تحاول الدوحة من خلاله الالتفاف على الضغوط التي تتعرض لها. ضغوط أفضت إلى سحب الإمارات والبحرين والسعودية سفراءها في شهر/ آذار مارس الماضي من الدوحة، وتوجت بتهديد الرياض للدوحة، إما الاستجابة للمطالب الخليجية أو القطيعة.لكن بعد ذلك ظهرت مؤشرات تدل على اقتراب نضوج تسوية ما. أعيد التواصل القطري السعودي. في تموز/ يوليو حط الشيخ تميم بن حمد بصورة مفاجئة في الرياض حيث التقى الملك عبدالله. بعد شهر تقريبا عقد وزير الحرس الوطني السعودي الأمير متعب بن عبد العزيز اجتماعا سريعا مع الشيخ تميم. وبينهما عقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي اجتماعا في جدة تم خلاله الاتفاق على وضع آلية لإنهاء الأزمة مع قطر. ومنذ أيام قليلة زار وفد رفيع المستوى وعلى رأسهم وزير الخارجية سعود الفيصل العاصمة القطرية. زيارة وضعها البعض في سياق تحسن العلاقات بين الجارتين وقرب انتهاء الأزمة.ومع ذلك، يؤكد متابعون أن قرار الدوحة الأخير لا يعكس تغيرا استراتيجيا في العلاقة الوثيقة بين الدوحة والجماعة، التي تصنفها السعودية ومصر على أنها منظمة إرهابية.يعلل هؤلاء رأيهم بأن التخلي عن الإخوان من قبل الدوحة يكسبها بالتأكيد رضا السعودية. هو كفيل أيضاً بإعادة مد الجسور مع القاهرة. لكنه بالمقابل يفقد الدوحة أحد الأوراق المهمة التي تستثمرها في تعزيز حضورها الإقليمي.فالدوحة تستفيد من رعايتها الإخوان المسلمين دون سائر الأقطار الخليجية. هذه العلاقة الوثيقة أمّنت لقطر موقعا متقدما على الخارطة السياسية في المنطقة، وجعلتها حاضرة بقوة في المشهد السياسي العربي، وربما ساهمت، في ازدياد شعبية الحكومة القطرية، نظرا لانتشار الجماعة في معظم أنحاء العالم العربي والإسلامي حيث تتمتع بحواضن شعبية. أحد قياديي الجماعة إبراهيم السيد يؤكد أن تنظيم الإخوان المسلمين يتواجد في أكثر من 80 دولة في العالم.من هذا المنطلق يمكن فهم العلاقة الوثيقة بين الدوحة والإخوان. علاقة بدأت عام 1954 حينما اضطرت نخبة كبيرة من الإخوان المسلمين إلى الهجرة خارج مصر تحت وطأة الصراع مع جمال عبدالناصر. حطّ بعض هؤلاء في الدوحة وبينهم الشيخ يوسف القرضاوي.ركّز هؤلاء بحسب ما تذكر "الموسوعة التاريخية الرسمية للإخوان المسلمين" على إنشاء وزارة التربية والتعليم والمعهد الديني، و"لعبت العلاقات الشخصية والمبادرات الفردية دورا كبيرا في انشاء التيار الإسلامي داخل قطر الذي تأثر في مرحلة مبكرة بكتابات سيد قطب وغيره من مفكري الإخوان". الموجة الثانية من قيادات الإخوان التي قدمت إلى قطر جاءت من سوريا بعد الصِدامِ الذي وقع بين الإخوان والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. بعد ذلك، جاءتِ الموجة الإخوانية الثالثة من السعودية في أعقابِ التوترِ بين الإخوان والمملكة في التسعينيات.أما الموجة الرابعة فكانت بعد طرد قادة حركة "حماس" وعلى رأسهم خالد مشعل من الأردن.وفي أعقاب الأزمة السورية عام 2011 أغلقت الحركة مكاتبَها في سوريا وغادرت الى الدوحة.
رغبة أميركية وراء الخطوة؟
يصف الكتاتني الخطوة القطرية بالمناورة السياسية
يعتبر القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين إسلام الكتاتني أن الخطوة القطرية مجرد تغيّر تكتيكي وليس تغيرا في الاستراتيجية، مشيراً إلى أن التحالف القطري- التركي- الأميركي ما زال قائما في المنطقة، بموازاة استمرار مخطط الشرق الأوسط الكبير.
ويصف الخطوة القطرية بالمناورة السياسية التي اضطرت الدوحة إلى اتخاذها تحت وطأة الضغوط، وفي سياق المحاولة الأميركية لإقامة تحالف دولي للحرب على داعش.والدليل على أن الأمر مجرد مناورة هو بحسب الكتاتني خروج عدد محدود فقط من قيادات الإخوان من قطر، بينما لا تزال أعداد أكبر موجودة على الأراضي القطرية مثل محمود عزت وجمال حشمت، ويقول "لو كانت قطر تريد تغيرا استراتيجيا كان الحري بها أن تغير سياستها الإعلامية المتمثلة في قناة الجزيرة وأن تعتذر من دولة كبرى في المنطقة تعاني من سياسات الإخوان المسلمين وهي مصر".الضغوط على قطر لا تقتصر بحسب الكتاتني على دول الخليج إنما هناك برأيه رغبة أميركية أكيدة وراء الخطوة. والسبب؟ هو نوع من الرشوة للدولة المصرية حتى تنضم إلى التحالف الدولي لمواجهة داعش، "فمصر لديها مشكلة كبيرة مع جماعة الإخوان وواشنطن تريد جر مصر إلى التحالف الدولي بأي طريقة نظرا إلى موقعها وحجمها".من هذا المنطلق تتقاطع الخطوة القطرية مع العلاقة المصرية الأميركية المتوترة. فالقاهرة ردت على الطلب الأميركي بالمشاركة في التحالف الدولي ضد داعش برفض إرسال قوات عسكرية، وأكدت على سياسة المواجهة الشاملة ضد الإرهاب، لا أن يقتصر الأمر على داعش والنصرة في سوريا بل يجب أن يشمل بحسب رأيها الإخوان المسلمين. وأكد الرئيس المصري خلال استقباله وزير الخارجية الأميركي السبت ضرورة أن يكون التحالف الدولي لمكافحة الارهاب شاملا وألا يقتصر على مواجهة تنظيم بعينه.