حين برز اسم حزب الدعوة الإسلامية بعد العام 2003 كأحد أبرز الأحزاب الحاكمة في العراق؛ كثر الحديث عنه في الأوساط البحثية والصحفية والإعلامية؛ بصورة غير مسبوقة. وصدرت في هذه الفترة عشرات الكتب والدراسات العربية والإيرانية والأميركية والبريطانية والفرنسية التي درست تاريخه ومسيرته وسلوكه. ولكن وجود المصادر المتعارضة والمعلومات غير الصحيحة وغير الدقيقة الأخرى؛ جعل معظم ماكتب يثير إشكاليات وتساؤلات حول الحزب أكثر من كونه يقدم مقاربات حقيقية وإجابات. وظلت غالبية الإشكاليات تدور حول تاريخ التأسيس والمؤسسين وطبيعة الانتشار وعبور حزب الدعوة لحدود العراق باعتباره حزباً عالمياً، وعلاقته بالموضوع المذهبي والطائفي، أو مايعرف بالعبور على المذهبية، والتحولات في الفكر التنظيمي والسياسي للحزب، والانشقاقات التي أدت الى تقسيم التنظيم والدعاة، وتنظيمات حزب الدعوة غير العراقية وأسباب انهيارها، وممارسة الكفاح المسلح في مرحلة المعارضة، وسلوك” الدعوة“ والدعاة داخل العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وتحول الدعاة الى مسؤولين وحاكمين في الدولة العراقية.
معلومات دعائية
وتزامن هذا مع إثارة الأحزاب والجماعات العراقية؛ سواء المنافسة داخل العملية السياسية في العراق الجديد،أو المعارِضة للعملية السياسية، أو الإعلام العربي المعارض لنظام العراق بعد 2003 ؛ معلومات دعائية عن حزب الدعوة؛ لعبت دوراً مهماً في رفع منسوب الإشكاليات والتساؤلات. واسهمت مقولات بعض الدعاة الأوائل ومذكراتهم؛ ممن انشقوا عن الحزب أو خرجوا عن نظريته، ودخلوا في حالات تعارض مع قيادات الحزب أو منهجه؛ في تراكم الحالة الضبابية على مسيرة الحزب؛ لأنها مقولات في التقويم الأكاديمي تتسم بالإسقاطات الشخصية غالباً. فضلاً عن أن كثيراً من الدعاة؛ من خارج التنظيم وداخله؛ برزت لديهم أيضاً إشكاليات فكرية وسياسية؛ ترتبط بأداء حزب الدعوة بعد تسلم السلطة، وعلاقة هذا الأداء بالفكر الإيماني والتربوي والعقائدي والتنظيمي والسياسي للحزب، وهي إشكاليات يرون في صلبها تعارضاً بين هذا الأداء والسلوك من جهة، ونظرية حزب الدعوة وفلسفة وجوده من جهة أخرى.
دراسات ومؤلفات
ومن هنا؛ وجدت أن الأمانة العلمية والمسؤولية التاريخية تدفعاني للكتابة حول هذه الإشكاليات والجدليات، ومحاولة تقديم مقاربات موضوعية حولها؛ زعماَ مني بأنني بقيت ألاحق جدليات الدعوة لأكثر من خمسة وثلاثين عاماً دون إنقطاع، وأدرسها وأتعمق فيها .وأزعم أيضاً أنني استطعتتفكيك معظمها. وكانت باكورة نتاجاتي مقالات نشرتها في عام1983 ، ثم دراسات نشرتها في أواسط الثمانينات ونهاياتها، ثم ثلاثة مؤلفات كبيرة؛ أولها ”سنوات الجمر“ الذي صدر عام 1993 واستغرق العمل فيه أكثر من سبع سنوات، و يعالج الفترة من 1957وحتى 1986 (ثلاثون عاماً) .والكتاب الثاني ”سنوات الرماد“، ويعالج الفترة من 1987 وحتى 2002 (ستة عشر عاماً) ، والثالث ”سنوات الحصاد“؛ ويعالج الفترة من 2003 وحتى 2006 (أربع سنوات . (أي أن المجلدات الثلاثة تدرس نصف قرن من تاريخ الحركة الإسلامية العراقية. إضافة الى تسع دراسات متسلسلةتحت عنوان : “حزب الدعوة الإسلامية من الشروق الى السطوع“، وأربع دراسات بعنوان” :متلازمات حزب الدعوة الإسلامية“، ودراستين عن الإمام السيد محمد باقر الصدر. مع الإشارة الى أن منهج كتابي ”سنوات الرماد ”و“سنوات الحصاد“ هو منهج شمولي، اعتمدت فيه تركيباً من المنهج الوصفي التحليلي والمنهج المعياري والمنهج المقارن. ولعل هذا المنهج ونوعية المعلومات وطبيعة المادة والتحليل والتقويم؛ هي بالمجمل لاتزال تحول دون نشري هذين الكتابين؛ بالرغم من أنني انتهيت من إعداد الأول في العام2005 ، والثاني في العام 2009 ، ولا أزال أتابع أي مادة ومعلومة وتحليل له علاقة بالمرحلتين. ولكني سأرجئ نشرهما الى وقت يسمح فيه الواقع ويتحمل ماينشر. وقد ذكرت جزءاً من أسباب عدم نشرهما في مقدمة الطبعة الثالثة من كتاب ”سنوات الجمر“.
كتاب وباحثون
وفضلاً عن مؤلفاتي ودراساتي الخاصة حول حزب الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية العراقية والحركات الإسلامية في كثير من البلدان العربية والإسلامية؛ فإن مراجعات كثير من الباحثين؛ عراقيين وغير عراقيين؛ ممن يريدون الكتابة عن حزب الدعوة الإسلامية والحركات الإسلامية العراقية، وكذلك مرحلة ما بعد 2003 في العراق، والحركات الإسلامية غير العراقية؛ كان دافعاً آخر للمتابعة الدقيقة؛ الى مستوى اكتشاف المعلومات والمعطيات التفصيلية التي قد لاتنفع أحداً؛ سوى باحثين حفريين و صحفيين فضوليين و كوادر إسلاميين معدودين. وقد قدرلي بعد إقامتي في لبنان؛ أن أكون مصدراً معلوماتياً وتحليلياً لعدد من أطاريح الدكتوراه والماجستيرحول الحركات الإسلامية وحزب الدعوة وبعض مؤسسيه وقادته؛ عراقيين وغير عراقيين، وعن مرحلة العراق الجديد؛ بينها أطروحة دكتوراه لمستشرق ألماني عن حزب الدعوة؛ ناقشها في عام 2013 . ولا يزال هناك إشراف علمي ومنهجي على طلبة وباحثين من العراق وايران ولبنان والبحرين يكتبون عن حزب الدعوة الإسلامية (بلغ عددهم تسعة طلبة وباحثين) خلال عام 2015. وهذا يدل على أهمية مسيرة حزب الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية الشيعيةعلى كل المستويات؛ الدينية والفكرية والسياسية والاجتماعية؛ ليس على الصعيد العراقي والشيعي وحسب؛ بل على صعيد تحولات المنطقة الإسلامية برمتها، وأنها تستحق المزيد من البحوث والدراسات والمؤلفات المعمقة؛ وهو ما يترشح باستمرار من نتاجات الباحثين والأكاديميين العرب والشرقيين والغربيين.
ندوة طوكيو
و أنقل هنا أنموذجاً لأهمية موضوع حزب الدعوة خصوصاً والحركة الإسلامية الشيعية بعد العام 2003عموماً. فقد نشر الباحث والمؤرخ الدكتور رسول جعفريان تقريراً عن ندوة شارك فيها في جامعة طوكيو في اليابان عام 2007 ؛ ذكر فيه نصوصاً للبروفسورة اليابانية المستعربة ”آساكي“ الاستاذة في جامعة طوكيو، والتي تقول انها درست الواقع العراقي بعمق ؛ وركّزت في دراساتها على حزب الدعوة لأهميته، وإن مصادرها الأساسية كانت كتابات الباحث علي المؤمن، ولاسيما كتاب ”سنوات الجمر“ . كما أشار جعفريان الى اهتمام الباحثين الأكاديميين اليابانيين المتخصصين في الشؤون الإسلامية وقضايا الشرق الأوسط بالحركات الإسلامية الشيعية، وفهمهم الموضوعي القريب للواقع لها. وحين ندرس الإشكاليات والجدليات ونفككها ونقومها وننقدها؛ ثم نعالجها؛ فإننا نلتصق بالموضوع وليس بالخلفيات والانتماءات، أو بسلوك قيادات الجماعة وأفرادها، أو الأحداث اليومية التفصيلية؛ لأن القيادات والأفراد عرضة للتغيير، وإن شكل الأحداث التفصيلية ومضامينها تتغير باستمرار أيضاً؛ بينما تبقى المسيرة بكلياتها الفكرية والإستراتيجية والتطبيقية قائمة.
المرحلة السرية
هناك إشكالية مهمة تواجه الباحث عند الكتابة عن حزب الدعوة الإسلامية وغيره من الجماعات التي عاشت السرية في مراحل تأسيسها وانتشارها وجهادها؛ إذ عاشت ”الدعوة“ منذ تأسيسها العام 1957 وحتى العام 1979مرحلة مغلقة وشديدة السرية؛ فكان علينا اعتماد الشهود في كثير من المفاصل التي ندونها. وحينها نواجه بإشكالية أكبر؛ تتمثل في تعدد زوايا نظر الشهود على الأحداث، وتعدد قراءاتهم. وهنا ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار أن كل شاهد على تلك المرحلة ينظر للأمور من زاويته؛ الأمر الذي يجعل كثيراً من الأمور ملتبسة؛ حتى على قدامى الدعاة؛ فكل شاهد على تاريخ حزب الدعوة وأحداثه ومراحله ينظر من خلال مشاهداته الحسية ومن طبيعة دوره وارتباطاته ومسؤولياته التنظيمية، وكثيراً ما تكون هذه المشاهدات مبتورة؛ بالنظر لطبيعة سرية التنظيم وفعالياته والتغييرات الدائمة في أساليب العمل وفي المسؤوليات، ومحدودية العلاقات بين الدعاة وعدم إنكشافهم على بعضهم؛ مهما بلغت مستوياتهم التنظيمية، وانقطاع خيوط بعض التنظيمات، ثم التآمها بطريقة لامركزية ودون علم القيادة. فمثلاً في بدايات إشتغالي في أوائل الثمانينات على تاريخ ”الدعوة“ ومسيرتها؛ كنت أصطدم بالمعلومات المتعارضة أحيانا والتي ينقلها لي كوادر وقياديون في حزب الدعوة. و لكن بمرور السنين تعودت التعارض، ولعلي اكتشفت شيفرته؛ ما يجعلني أعد كل ما ينقله الدعاة الشهود من كوادر وقياديين هو صحيح؛ ولكن كل من موقعه وزاوية نظره ودوره ومشاهداته ومسؤولياته، وهو ما ينسحب أيضاً حتى على ملابسات التأسيس والسنوات الأولى من عمر ”الدعوة“. وكان مظهر هذا الواقع السري الحديدي هو عدم وجود ارشيف لحزب الدعوة يعتمد عليه في تدوين تاريخه ومسيرته وأسماء قيادييه ولجانه؛ يوما بيوم أو شهراً بشهر و حتى سنة بسنة. ومن هنا ضاعت كثير من الحقائق. وبقي الخيار الوحيد يتمثل في الاعتماد على ذاكرة الشهود؛ وهي ذاكرة تتعرض للتصدع حيناً؛ فتوِّلد النسيان والخلط ، أو ترتكز على زاوية النظر الشخصية حيناً آخر، أو تلوذ بالصمت حيناً ثالثاً؛ لأسباب ترتبط بالظروف والمصالح العامة والخاصة.
بين ”شبّر“ و “الأديب“
وقد جرت في ايران في ثمانينات القرن الماضي؛ محاولة قادها اثنان من مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية: السيد حسن شبر ومحمد صالح الأديب؛ لتدوين تاريخالدعوة. وترشحت عن هذه المحاولة بعض المقالات والمذكرات والكتب غير الرسمية؛ ولكن المشروع الرسمي لم ير النور في النهاية.
هذا الكتاب “جدليات الدعوة” وكتبنا اللاحقة عن حزب الدعوة الإسلامية خصوصاً والحركة الإسلامية العراقية عموماً؛ سنقارب مجموعة من الإشكاليات والجدليات الأساسية؛ ترتبط غالبيتها بموضوعات الاجتماع الديني والسياسي؛ أهمها:
1 - الخلفيات التاريخية والحاجة الواقعية لإيجاد حراك تأسيسي في الوسط الشيعي العراقي وغير العراقي، والذي أنتج انبثاق فكرة حزب الدعوة الإسلامية، ومراحل تأسيسه، ومؤسسيه، ودعاته الأوائل، ولاسيما الفترة الممتدة حتى عام 1965، وخروج بعضهم من التنظيم، وخروج آخرين على النظرية، ومساحات الانتشار الجغرافي للحزب في سنواته الأولى، سواء داخل العراق أو خارجه، أو في أوساط الحوزات العلمية والجامعات.
2 - التحولات في الفكر الفقهي والعقيدي والسياسي والتنظيمي لحزب الدعوة وسلوكه الحركي، وعلاقة ذلك بالحواضن الاجتماعية؛ كالعوائل والمدن والمجتمعات الحضرية والريفية، وأيضا علاقته بفكر القيادات التي تسلمت زمام الحزب وسلوكياتهم وانتماءاتهم الاجتماعية وتخصصاتهم الدراسية، وقد توزعت هذه التحولات بين سبع مراحل؛ كان فيها قيادي أو اثنان؛ الأكثر تأثيراً فيها، وهي:
المراحل السبع
أ- مرحلة السيد محمد باقر الصدر النجفية ( 1957ـ1961)؛ التي مثّلت مرحلة التأصيل الفقهي والعقيدي لنظرية حزب الدعوة.
ب- مرحلة السيد مرتضى العسكري البغدادية (1961ـ 1963)؛ التي مثّلت مرحلة الشد والجذب بين مبدأ قيادة علماء الدين وقيادة المثقفين.
ت- مرحلة الثنائي عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي البغدادية (1964ـ 1971)؛ وشهدت تحولاً في طرح “الدعوة” من قيادة في الأمة الى قيادة للأمة.
ث- مرحلة محمد هادي السبيتي المهجرية (1972ـ 1979)؛ التي مثّلت الانفتاح المذهبي والتبلور الفكري والبناء التنظيمي الحديدي.
ج- مرحلة الشيخ محمد مهدي الآصفي الإيرانية (1980ـ 1992)؛ التي شهدت تبني الحزب مبدأ “ولاية الفقيه” العامة ومبايعة مصداقها.
ح- مرحلة الدكتور إبراهيم الجعفري الأوروبية ثم العراقية (1993ـ 2007)؛ التي تميزّت بالتوقف الفكري والانفتاح السياسي.
خ- مرحلة السيد نوري المالكي العراقية (2007ـ ...)؛ التي تركزت على غلبة “فكر الحكم” وممارسته على “الفكر الدعوي”.
الانشقاقات وفلسفة الحزب
3 - انشقاقات حزب الدعوة، وعلاقة ذلك بمجموعة من العوامل؛ أهمها: طبيعة القيادة الجماعية ونوعية الهيكلية التنظيمية، وتأثير الفكر التربوي للدعوة على الدعاة، وأساليب صقل شخصياتهم كـ ( قادة للأمة) كما يؤكد فكر “الدعوة”، وخلق حالة المسؤولية لديهم تجاه “الدعوة”، إضافة الى العامل الخارجي المهم، الذي برز بعد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
4 - الأداء الحكومي والسياسي والتنظيمي والثقافي لحزب الدعوة الإسلامية وسلوك أعضائه بعد سقوط نظام صدام عام 2003، ومدى انسجام ذلك مع فلسفة حزب الدعوة ونظريته الايديولوجية وفكره العقيدي والسياسي تحديداً، وهذه الإشكالية يطرحها الدعاة غالباً، سواء المنتظمين ( الدعاة الذين لهم علاقة تنظيمية بالحزب) أو المنقطعين (الدعاة الذين تركوا الحزب تنظيمياً، ولكنهم ملتزمون به منهجياً)، وهي أهم إشكالية في تاريخ الحزب منذ تأسيسه وحتى الآن.
التجديد والعالمية
5 -إمكانيات التجديد في نظرية حزب الدعوة الإسلامية، والمواءمة الموضوعية بين “الحزب السياسي” و”الدعوة الدينية” في مرحلة الحكم؛ أي: حزب الدعوة كحزب سياسي، والدعوة الإسلامية كمنظومة عقائدية تبليغية؛ وذلك بسبب بروز إشكالية تقول: إن “الحزب” بعد العام 2003 نما على حساب “الدعوة”؛ ما أدى الى ارتفاع منسوب “الحزب” وانخفاض منسوب “الدعوة”.
6 - إمكانيات استعادة حزب الدعوة الإسلامية منظومته العالمية، وإعادة بناء تنظيماته وأقاليمه ومناطقه غير العراقية داخل البلدان الاخرى، كما في مرحلة ما قبل عام 1984؛ سواء بأسماء أخرى أو بالاسم نفسه؛ مستفيداً من وجوده في السلطة ومن إمكانياته الجديدة الفاعلة؛ ليشكل ذلك دعماً متبادلاً لكل وجودات الحزب؛ وصولاً الى دخولها العمل السياسي العلني وحصولها على التراخيص
الرسمية.
المنظومة الشيعية
7 - علاقات حزب الدعوة الإسلامية في جانبها النظري والتطبيقي بالمنظومة الدينية الشيعية، وتحديداً المرجعية النجفية وحوزتها التاريخية من جهة، ومبدأ ولاية الفقيه ومصداقه من جهة أخرى؛ لأن هذه العلاقات من أساسيات موقف “الدعوة” الفكري، وما يترتب عليها من جدليات كثيرة؛ والتي بدأ بعضها مع نشوء الحزب، ثم تحولت الى قضية القضايا بعد انتقال قيادة “الدعوة” ومعظم كوادرها وعملها المركزي الى ايران بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، أي أن مبدأ العلاقة وتطبيقاته بين حزب الدعوة والمنظومة الدينية الشيعية؛ سيبقى بالغ التأثير في قوة حزب الدعوة وضعفه.
منهج شمولي
إن هذا الكتاب يكمل مؤلفاتي ودراساتي السابقة عن الحركة الإسلامية العراقية، مع اختلاف في المنهج؛ لأن هذا الكتاب لا يؤرخ الى مراحل ويحللها؛ بل يقارب الإشكاليات والجدليات التي رافقت حزب الدعوة ويفككها ويقاربها موضوعياً؛ منذ انبثاق فكرته عام 1956، وحتى نهاية حكومة نوري المالكي عام 2014.
وحزب الدعوة؛ كغيره من الجماعات الايديولوجية الشمولية؛ هي ظاهرة اجتماعية مركبة، وليس كالجماعات السياسية الصرفة التي تخضع لمناهج علم الاجتماع السياسي، فحزب الدعوة هو حزب ديني سياسي ثقافي؛ أي ظاهرة اجتماعية دينية سياسية ثقافية، وبذلك تحتاج دراسته الى منهج مركب؛ يجمع بين مناهج الاجتماع السياسي والديني والثقافي، وهو المنهج الذي استخدمته في هذا
الكتاب.
فصول الكتاب الستة
وتتوزع موضوعات الكتاب بين ستة فصول ومجموعتين من الملاحق، يحمل الفصل الاول عنوان: “تأسيس الدعوة وجدلية الاجتماع الديني الشيعي”، وتم تكريسه لبحث الخلفيات التاريخية والفكرية والسياسية والاجتماعية لتأسيس حزب الدعوة، ومسارات التأسيس ومشاكله وملابساته النظرية والاجتماعية، وشخصيات المؤسسين والدعاة الأوائل وانتماءاتهم الوطنية والاجتماعية وتأثير ذلك في تحديد نظرية حزب الدعوة ومساراته العملية.
واستعرض الفصل الثاني الذي حمل عنوان: “نظرية حزب الدعوة الإسلامية وجدليات التطبيق”؛ المفاصل الأساس في نظرية حزب الدعوة وفكره وثقافته، وكشف عن ملابسات الفصام بين بعض المفاصل النظرية وسلوك الحزب والدعاة، ودرس المرتكز الأساس في نظرية حزب الدعوة؛ أي المرتكز الديني العقائدي الايديولوجي، وما لحق به من إشكاليات بعد عام 2003، ومشاركة الحزب في حكم دولة غير إسلامية وفي إطار مبدأ وضعي ( الديمقراطية) وفي ظل احتلال أجنبي.
وفي الفصل الثالث: “ثنائية الوطنية والعالمية في نظرية الدعوة”؛ قارب الباحث المرتكز العالمي في نظرية حزب الدعوة، الذي يستند الى عالمية الإسلام في البعد النظري، وعالمية النجف الأشرف في البعد الواقعي؛ لسبب انتماء “الدعوة” الى مدرسة النجف الأشرف في مجالي الاجتماع الديني والاجتماع السياسي، إضافة الى ما آل اليه التنظيم العالمي للحزب بعد عام 1982.
وفي الفصل الرابع: “حزب الدعوة الإسلامية بين المرجعية الدينية وولاية الفقيه”؛ درسنا العلاقة الجدلية بين نظرية حزب الدعوة وواقعه التطبيقي وبين مبدأي المرجعية الدينية وولاية الفقيه ومصاديقهما النجفية والإيرانية؛ كونهما جدليات وليست ثنائيات اشكالية؛ وإن كانت جدليات ملتبسة.
وحمل الفصل الخامس عنوان: “حزب الدعوة الإسلامية وجدلية الحل”، ويتعرض الى حقائق أزمات العراق المتأصلة في تاريخه السحيق وديمغرافيته وجغرافيته، وفي موضوعات علم النفس الاجتماعي والاجتماع الثقافي والسياسي، وهي الأزمات التي ساهم في كشفها صراع حزب الدعوة مع واقع الدولة العراقية منذ عام 1958، ثم تفجرت بشدة بعد سقوط نظام صدام عام 2003؛ على شكل براكين ذات قوة تدميرية هائلة: طائفية وعنصرية وإرهابية وسياسية وخدماتية واقتصادية وثقافية وإدارية وجغرافية، وهي أزمات لا علاقة لها بنظام صدام أو التغيير عام 2003 وحسب؛ بل هي أزمات متجذرة في التاريخ والواقع العراقيين، ولم يكن نظام صدام سوى مظهر فاقع ومولد لهذه المظاهر، وفي الوقت نفسه قوةٍ كاتمةٍ وخانقةٍ لها، ويبحث الفصل أيضاً في إمكانيات حل هذه الأزمات بالطرق العلمية
والواقعية.
وفي الفصل السادس: “جدلية حزب الدعوة الإسلامية والانشقاقات”؛ تم التركيز على ظاهرة الانشقاقات في حزب الدعوة وأسبابها، واستعرض الفصل أهم الانشقاقات في مسيرة حزب الدعوة؛ مع التركيز على هاجس “انشقاق السلطة” في آب من عام 2014؛ الذي لو كان قد حدث لدمّر معه العراق والشيعة وحزب الدعوة.
ملاحق ووثائق
وجاءت الملاحق بعد نهاية الفصول؛ لتكمل المادة البحثية للكتاب؛ إذ يضم مجموعة من أهم المداخلات والردود والأسئلة التي سجلها الباحثون وطلبة الدراسات العليا والمهتمون على دراساتي حول حزب الدعوة، وأجوبتي عليها، وقد نشرت بعض الصحف ووسائل النشر الإلكتروني هذه الاسئلة والأجوبة، وحملت الأجوبة مادة بحثية أيضاً، وكشفاً وتحليلاً لحقائق مهمة، وقد وضعت بعضها ضمن مواد الفصول؛ لعلاقتها المباشرة بموضوعاتها، كما احتوت الملاحق على بعض الوثائق والكتابات ذات الصلة بموضوعات الكتاب، والتي تكمل مقارباته وتزيدها وضوحاً..
قبل أن تنبثق فكرة حزب الدعوة الإسلامية وتتحول الى نظرية، ثم تنظيم، ثم حزب واقعي؛ كانت مجرد فكرة في أواسط الخمسينات من القرن الماضي في رؤوس عدد من الشباب الإسلامي الشيعي الناشط في العراق؛ وتحديداً في النجف الأشرف؛ ممن هم في العشرينات من عمرهم أو دون ذلك، وكان وراء الفكرة مزيج من الدوافع العقلية والعاطفية التي تحفزها هموم الساحة الدينية العراقية ومنظوماتها وأساليب تفكيرها، والواقع الاجتماعي، وحالة القهر السياسي، والتمييز الطائفي والتاريخية التي يعيشها شيعة العراق وعموم الشيعة العرب جراء ممارسات الأنظمة السياسية الحاكمة، والتقهقر الميداني والثقافي لحالة الإصلاح الإسلامي، ووجود التنظيمات العلمانية الجماهيرية الفاعلة.
ومن هنا؛ فإن مجمل دوافع هؤلاء الشباب كان وراءها الشعور باللوعة والهم الكبيرين؛ بسبب التراجع الذي عاشه التيار الإسلامي الإصلاحي والتغييري في العراق؛ منذ منتصف العقد الثالث وحتى أواسط العقد السادس من القرن الماضي، والذي كان يقابله جو مشحون بالتيارات والأفكار السياسية والايديولوجية العلمانية الوافدة، ووسط مهرجان من الأحزاب والتنظيمات العلمانية؛ التي يبرز من بينها التيار الماركسي الذي يمثله الحزب الشيوعي، والتيار القومي الذي يعد حزب البعث أهم أركانه، وما يعرف بالتيار الوطني، الذي يعد الحزب الوطني أحد أهم قواه، وما تبقى فقد كانت أحزاب سلطة أو أحزاب رموز، وكان انكماش الإسلام الحركي؛ يمثل فرصة مهمة للتيارات العلمانية، ولاسيما الجماهيرية؛ للإمساك بالساحة السياسية والاجتماعية؛ حتى في المدن التي تمثل قلاعاً دينية حضارية؛ كالنجف الأشرف.
تجمعات إسلامية
وكانت الحاجة الى العمل المنظم الشامل الذي يتبنى عملية التغيير في واقع الأمة الثقافي والسياسي؛ ولاسيما في الوسط الشيعي؛ كبيرة وملحة؛ لأن الوسط السني سبقهم إليه، فقد برزت منذ نهاية العشرينات تنظيمات وتجمعات إسلامية سنية كبيرة؛ كـ “الإخوان المسلمين” في مصر، و”حزب التحرير” في بلاد الشام، والجماعات الإسلامية في الهند وباكستان وتركيا وغيرها، ومن جانب آخر فإن الوجودات الشيعية الرائدة؛ كجمعية “النهضة الإسلامية” و”حزب النجف” و”الجمعية الإسلامية الوطنية” وغيرها؛ كانت تجمعات آنية تشكلت لأغراض محدودة وانتهت حال ارتفاع هذه الأغراض.
أما الجماعات الإسلامية الشيعية التي تأسست في أوائل وأواسط الخمسينات؛ كحركة “الشباب المسلم” ومنظمة “المسلمين العقائديين” وغيرهما؛ فكانت هي الأخرى محدودة وذات إمكانات متواضعة تنسجم مع أهدافها، ولم تسمح لها ظروفها باستيعاب الساحة؛ وبالتالي لم تكن قادرة على القيام بمهمة إحداث تغيير شامل في الواقع الإسلامي الشيعي، لأسباب وظروف تتعلق بقيادة هذه الجماعات وخصوصيات يتميز بها العراق بشكل عام، ووضع الوسط الديني العراقي بشكل خاص.
التغيير الشامل
هذه الهموم التغييرية الكبيرة التي كان يحملها بعض علماء الدين والناشطين الإسلاميين المثقفين؛ دفعتهم للتوصل الى مقاربة لعلاج الواقع؛ من خلال تبني أسلوب العمل التغييري المنظم الشامل في شكله الحزبي؛ بعد دراسة نظرية العمل السياسي في الإسلام، وتأريخ الأمة الإسلامية عموماً والعراق خصوصاً، وتجارب الشعوب وحركات المصلحين والوجودات الإسلامية السياسية السابقة، فكان نتاج الدراسات والمداولات العميقة المطولة يتمثل في تأسيس حزب إسلامي؛ يتحرك في المجالات كافة، وقد أسموه فيما بعد بـ “الدعوة الإسلامية”.
ولم يكن الحراك التغييري الإنقلابي الجديد المتمثل بحزب الدعوة الإسلامية يسعى لأهداف سياسية أو تنظيمية محدودة؛ بل كان مؤسِّساً لحالة مختلفة في مسار التاريخ الشيعي؛ شكلت انعطافة كبرى على مستويات الفقه السياسي والسلوك الحركي والعمل التنظيمي والرؤية التأصيلية لعملية التأسيس العصرية للدولة الإسلامية القائمة على مذهب أهل البيت، وهو عمل لم يسبق اليه الدعاة أحد من النخبة الشيعية في العراق وغيره.
تجارب تاريخية
ولا يمكن تشبيه العمل التأصيلي التأسيسي للدعاة الأوائل بالتجارب النضالية السياسية والحكومية للنخب الشيعية في المراحل التي سبقت تأسيس حزب الدعوة الإسلامية؛ كما هو الحال مع “الدولة العلوية” في طبرستان، وحكومة “السربداران” في سبزوار، و”الدولة الحمدانية” في شمال العراق وبلاد الشام، و”الدولة الإدريسية” في شمال أفريقيا، و”الدولة الفاطمية” في شمال أفريقيا ومصر، و”الدولة البويهية” في ايران والعراق، و”الدولة الصفوية” في ايران والجوار، وصولاً الى الحركات النضالية للنخب الشيعية في لبنان وإيران والعراق والبحرين في مطلع القرن العشرين الماضي وحتى أواسط الخمسينات، ومنها “ثورة المشروطة” في ايران، وثورتا “النجف” و”العشرين” في العراق، و”الثورة الدستورية” في البحرين، والحراك السياسي في جنوب لبنان.
الدولة الإسلامية
وقد تفوق الإنجازات الميدانية لهذه التجارب إنجازات حزب الدعوة بكثير، ولكن حديثنا هنا ليس عن الإنجازات الميدانية وحسب؛ بل عن الإنجاز التأسيسي لفقه وفكر وبنية سياسية شيعية تختلف عن كل التجارب السابقة؛ فقد أسس حزب الدعوة لأول مرة لمبدأ إقامة الدولة الإسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي ( 329هـ / 941 م )، وهي دولة تقوم على تأصيل فقهي خاضع لنظرية الشريعة الإسلامية وأحكامها التفصيلية، وليست دولة سلطانية تقوم على التوريث والطقوسية الشيعية؛ كما هو الحال مع الدول الشيعية التي قامت من قبل.وينسجم التأصيل في موضوعة الدولة مع التأصيل الفكري والفقهي للعمل السياسي والتنظيمي والجهادي لحزب الدعوة نفسه؛ لأنه ليس كالحركات النضالية السياسية الشيعية التي انبثقت لمواجهة ظرف معين.
حركة المختار الثقفي
وإذا أردنا أن نكون أكثر واقعية؛ فيجب أن نذعن الى حقيقة تاريخية مهمة؛ تتمثل في السبق المستمر للنخب السنية في تحقيق الإنجازات الفكرية والسياسية والميدانية لمصلحة الواقع السني، وتعقبها النخب الشيعية في التشبه بهذا الانجاز؛ لتحقيق مصالح للواقع الشيعي، فقد حاولت الحكومات الثورية والسلطانية الشيعية التأسيس لتقاليد وسلوكيات نضالية شيعية، تحفظ للواقع الشيعي حقوقه وبقاءه؛ وإن كانت مستقلة نسبياً عن الخط الخاص للشرعية الدينية؛ وهو ما حصل - ابتداء - مع حركة المختار بن يوسف الثقفي، الذي كان مؤسساً لأول تحرك ثوري وسياسي وعسكري شيعي؛ مستقل نسبياً عن الخط الخاص للشرعية الدينية الشيعية آنذاك متمثلة بالإمام علي بن الحسين السجاد، ومؤسساً لأول سلوك سلطاني في التاريخ الشيعي، واقتفت بعض النخب السياسية والثورية الشيعية بعد ذلك أثر حركة المختار؛ لضمان مصالح الطائفة وحقوقها؛ عبر الثورات والجيوب الحكومية والحركات السياسية المجتمعية.
الحكومة السلطانية الشيعية
ثم تطور الأمر الى التشبه بالحكومات السلطانية السنية؛ وهو ما بدأه العلويون في شمال ايران والحمدانيون في شمال العراق وبلاد الشام، ثم الأدارسة والفاطميون والبويهيون والصفويون. وحيال ذلك اضطر الفقهاء الشيعة الى منح الشرعية لهذه الحركات الثورية والحكومات السلطانية التي لا تستند في أساس حاكميتها الى الفقه السياسي الإسلامي بصيغته اللصيقة بموروث أهل البيت (ع)، وكان الهدف من كل ذلك حماية المجتمعات الشيعية من الاستهداف والاستئصال والمذابح الجماعية والتهجير والتهميش والتمييز الطائفي الذي تتعرض له من الحكومات السنية والفقهاء السنة، وكذلك فسح المجال أمام العقيدة الإسلامية الشيعية للتحرك بحرية؛ بمعزل عن دعوات التكفير والإقصاء والنبذ الذي تتعرض له باستمرار.
إبادة جماعية
وهكذا أصبح للنخب الشيعية فقه سلطاني تتحرك في إطاره، أسوة بالنخب السنية، وأصبح للحكومات الشيعية منصب (شيخ الإسلام) أسوة بالحكومات السنية؛ لمواجهة قوة القهر العسكرية والسياسية؛ بقوة دفاعية تعادلها، ولمواجهة سلطة الفتوى؛ بسلطة أخرى توازيها؛ وإلّا فالإبقاء على الحال كما كان عليه في عصر الدولة الأموية والفترات الأطول من عصر الدولتين العباسية والعثمانية؛ اي قوة وسلطة مهاجمة من جهة، وبيئة مهمشة مدافعة من جهة أخرى؛ سيؤدي بالمجتمعات الشيعية الى الاندثار والإبادة، أو اللجوء الى الغابات والجبال والقلاع والسواحل، وبالتالي الابتعاد عن أصول المعتقد وتبني معتقدات دخيلة، كما حصل مع المجتمعات الشيعية في شمال لبنان وغرب وشمال سوريا وشمال العراق وجنوب تركيا وشرق البانيا وكوسوفو، الذين يعرفون بـ”العلويين”، وهم بالأساس شيعة إماميون إثنا عشريون، وعددهم اليوم أكثر من خمسين مليون نسمة؛ وذلك لعدم وجود سلطة تحميهم في مقابل الإبادة الأموية والقمع العباسي والبطش السلجوقي والأيوبي والمملوكي والعثماني، وهو ما حدث بمفارقة أكبر مع عشرات الأسر الشيعية في لبنان وسوريا التي اعتنقت الديانة المسيحية، أو دفعت أولادها الى الاحتماء بالأسر المسيحية؛ تخلصاً من القتل والإبادة الجماعية؛ لأن السلطات العثمانية كانت تحرِّم دم المسيحيين وتعدهم أهل ذمة، بينما تهدر دم الشيعي، وتستبيح ماله وعرضه، ولا تنفعه جزية دينية ولا ضريبة دنيوية.
ثورة العشرين
وفي العصر الحديث ظلّت النخب الشيعية تتمثل النخب السنية في حراكها الميداني، فانتمى بعضها الى الواقع الأوروبي في تبني القوانين الوضعية والدساتير الزمنية، كما حدث مع النخب الإيرانية خلال “ثورة المشروطة”، أو تقتفي أثر الإسلامويين السنة في التبعية للدولة العثمانية في صراعها مع الغرب، أو تتجه نحو الحركات القومية المعادية للإنجليز والفرنسيين، أو المتحالفة معها، فكانت النتيجة خسارة الشيعة الكبرى بعد “ثورة العشرين” في العراق، ومجيء حكم طائفي عنصري ينتمي الى الحاضنة السنية العربية التي تبلغ نسبتها 16 بالمئة من نفوس العراق، وأذاق الاكثرية السكانية الشيعية الويلات حتى عام 2003؛ حتى ترحّم الشيعة على طائفية الدولة العثمانية.
خسارات الشيعة
وكذا خسارتهم في لبنان بعد تأسيس لبنان الحديث عام 1934 ومجيء حكم طائفي يقوم على التحالف السياسي بين الأقلية السنية (ركيزة الاحتلال العثماني) والأقلية المارونية (ركيزة الاحتلال الفرنسي) ضد الأكثرية السكانية الشيعية، وكذا الحال في البحرين؛ الذي ظلت تحكمه أسرة تنتمي الى الأقلية السنية التي قوامها 20 بالمئة من نفوس البلاد، فكان الشيعة دائماً ضحايا الوطن والشعارات الوطنية واللحمة الوطنية والحراك القومي والأممي والثورات التحررية والصدام بالاستعمار والمحتل؛ تمسكاً بالموازين الدينية والمعايير الوطنية والانفعالات الإنسانية؛ الذي يعبرون عنه بالتكليف الشرعي والانتماء الوطني والشعور القومي؛ دون أن يفكروا بواقعية ببناء حاضرهم ومستقبل أولادهم ومجتمعاتهم، أو بمرحلة استلام السلطة كنتيجة لمرحلة العمل النضالي.
النخبة السنية
بينما تضع النخبة السنية عينها على السلطة قبل البدء بأي تحرك وطني وديني وقومي وتحرري، وبالتالي؛ عندما ينجلي غبار المعارك وتحين لحظة السلطة؛ يجد الشيعة أنفسهم خارج اللعبة، ويتحولون بالتدريج الى معارضة وأٌقلية سياسية معزولة، وما يتبع ذلك من تهميش وتمييز طائفي وتهجير وإسقاط للجنسية وملاحقة، وصولاً الى المقابر الجماعية؛ على الرغم من أنهم الأكثرية السكانية في العراق ولبنان والبحرين، وفي المقابل ترفع سلطة الأقلية الطائفية شعارات الوطن والوطنية واللحمة الاجتماعية والأهداف الدينية والالتزام القومي والتهديد الخارجي والتآمر الاستعماري؛ لاستغفال القواعد الشعبية وتسويغ أية ممارسات قمعية وتمييزية تقوم بها وضمان بقائها في السلطة.
ترفع سلطة الأقلية الطائفية ـ غالباً ـ شعارات الوطن والوطنية ومحاربة الاستعمار؛ لاستغفال القواعد الشعبية وتسويغ أي ممارسات قمعية وتمييزية واستبداية تقوم بها وضمان بقائها في السلطة.
هذه الحقائق ترفضها النخبة السنية في البلدان الثلاثة المذكورة (العراق ولبنان والبحرين) وتنفيها بشدة؛ لأنها لا تنسجم مع مصالحها؛ فهي أقلية ذكية متمرسة في لعبة السلطة، وظلت تمسك بها طيلة مئات السنين؛ بالرغم من أن حاضنتها الاجتماعية تقل عن ربع سكان البلد، ولذلك تحتاج دائماً الى شعارات ومقولات دينية ووطنية وقومية تخديرية؛ تدفع بها الشارع الشيعي الى التضحية والصمت والعض على الجراح؛ مرةً بذريعة الدفاع عن بيضة الدولة الاسلامية؛ كما كان يحدث
خلال صراع الدولة العثمانية مع الغرب ومرة أخرى بذريعة الدفاع عن الوطن؛ كما كان يحدث خلال العهدين الملكي والجمهوري في العراق، ومرة ثالثة دفاعاً عن القومية العربية والبوابة الشرقية للوطن العربي؛ كما كان يحدث في العهد البعثي، وهي الذرائع التي انتهكت السلطات تحت ظلها كل حقوق الشيعة وكبدتهم ملايين التضحيات.
النخبة الشيعية
كما أن جزءاً مهماً من النخبة الشيعية يرفض الكشف عن هذه الحقائق ومقاربتها؛ لأنه يفضل أن يعيش حالة الاستغفال، أو التماهي مع شعارات السلطة؛ أما تصديقاً لها؛ من منطلق الحس الديني والوطني والقومي الحقيقي، أو رغبة في اعتزال السلطة ومتاعبها وتبعاتها، فمثلاً الخوف من إسالة الدماء والحفاظ على الوحدة الإسلامية ومصالح الوطن العليا؛ تسببت جميعها في خسائر أكبر بكثير جداً؛ إذ خسر فيها شيعة العراق وطنهم وقوميتهم وأرواحهم وأعراضهم وأموالهم؛ طيلة (40 ) عاماً من الحكم الطائفي العنصري (1963 – 2003)؛ كما كانوا يخسرون دائماً في كل العهود.
الجماعات السنية
ويقود هذا الموضوع الى الحديث عن التأثر الحسي للشيعة بالحراك الإسلامي السني المعاصر، ففي العام 1928 تأسست جماعة الأخوان المسلمين في مصر، ومثلت منعطفاً مهماً في الفكر السياسي الإسلامي السني؛ إذ كانت الحركة الإسلامية الأولى في التاريخ السني التي تدعو لحكم إسلامي على أساس (الشورى)، وليس لحكم سلطاني يقوم على الموروث الفقهي السياسي السلطاني السني؛ الذي حكم الواقع السني منذ ملكية معاوية الأموي وحتى سلطنة عبد المجيد العثماني.
وتزامن تأسيس جماعة الأخوان مع نشاط جماعة النور في تركيا بقيادة بديع الزمان النورسي الذي تأثر فيه حسن البنا مؤسس الأخوان، وأعقب جماعة الأخوان تأسيس الجماعة الإسلامية في الهند بقيادة أبو الأعلى المودودي، ثم حزب التحرير في الأردن على يد تقي الدين النبهاني عام 1953؛ الذي كان هو الآخر حركة سنية إسلامية تعارض الموروث السلطاني السني وتدعو لخلافة (راشدة)، إضافة الى جماعات إسلامية حركية سنية في بلدان أخرى، إلا أن ما كان يميز جماعتي الأخوان والتحرير هو فكرهما الحركي العميق وعالميتهما؛ بينما كانت الجماعات الإسلامية السنية الأخرى حركات محلية أو نضالية.
بين “الإخوان” و”التحرير”
وحيال ذلك؛ كانت النخب الدينية الشيعية العربية تنظر بإعجاب لجماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير؛ بالنظر لدعوتهما الدينية الفكرية الحركية المتجددة، وخطابهما التأصلي العصري القائم على تطبيق الشريعة الإسلامية بأدوات حديثة، وبنيتهما التنظيمية القوية التي تقارب بنى الأحزاب العلمانية الايديولوجية في رصانتها وهيكليتها، وعالميتها، وبعدهما عن الحالة التقليدية في الفرز الطائفي التي تتميز بها الجماعات السنية حيال الشيعة.
ولكن لم تتخلص هاتان الجماعتان من موروث الاجتماع الديني والسياسي الطائفي؛ الأمر الذي دفع معظم الإسلاميين الشيعة المتأثرين في هاتين الجماعتين؛ لاسيما في العراق والكويت ولبنان والبحرين؛ الى مفارقتهما؛ بعد التنبه الى انتمائهما الى ذلك الموروث الطائفي، والمضي بإيجاد البديل الإسلامي الشيعي المشابه تقنياً.
امتداد تاريخي
ولذلك جاء تأسيس حزب الدعوة الإسلامية مستجيباً في مضمونه لمتطلبات الواقع الشيعي ذي الامتداد التاريخي، ومتأثراً في الجانب الشكلي بحركية جماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير؛ أي أنه ليس تأثراً بالمعنى الفقهي والفكري؛ بل بمعنى تلمس غياب العمل الشيعي المشابه، في الوقت الذي كان الواقع الشيعي بأمس الحاجة إليه. وبالرغم من هذا التشابه الشكلي؛ إلا أن حزب الدعوة الإسلامية من خلال القوة الفكرية لمؤسسيه وأعضائه الأوائل من الشباب العشريني والثلاثيني، وحماستهم العالية، وعملهم الدؤوب، واحتمائهم بالسلطة الدينية الشيعية العليا، واستثمار النسبة السكانية للشيعة؛ باعتبارهم الأكثرية العددية في العراق ولبنان والبحرين؛ استطاع تجاوز جماعة الأخوان وحزب التحرير بمراحل متقدمة كبيرة من حيث العدة والعدد في هذه البلدان الثلاثة.
أهداف الحزب
ويمكن اختصار الأهداف التاريخية العملية لتأسيس حزب الدعوة الإسلامية؛ وهي الأهداف الخاصة؛ غير المثبتة في أدبيات الحزب؛ بثلاث نقاط جوهرية:
-1 إيجاد نخبة إسلامية شيعية في العراق والبلدان العربية والإسلامية ذات الأغلبية السكانية الشيعية أو التي توجد فيها كثافة سكانية شيعية؛ تعمل على تغيير الواقع الثقافي والفكري؛ وصولاً الى استلام السلطة وتأسيس دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية.
-2 مواجهة الأفكار والأحداث والجماعات السياسية العلمانية والأنظمة الحاكمة في العراق والبلدان الإسلامية؛ لاسيما المد القومي البعثي والناصري والمد الشيوعي والحكومات الملكية والجمهورية.
-3 تأسيس تنظيم إسلامي شيعي عقائدي عالمي؛ على غرار الأحزاب الإسلامية السنية، والأحزاب الماركسية، والأحزاب القومية العربية والكردية؛ لسد الفراغ التنظيمي في الساحة الشيعية؛ العراقية خصوصاً، والعربية عموماً.
المؤسسون الأوائل
كانت الشخصية الأبرز التي ارتبط الحراك الإسلامي الجديد باسمها؛ هو الفقيه والمفكر الشاب السيد محمد باقر الصدر، الذي مثل أنموذجاً نادراً لعلماء الدين، أما السيد محمد مهدي الحكيم الى جانب مجموعة الحزب الجعفري: عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي وحسن شبر، إضافة الى السيد طالب الرفاعي؛ فهم أصحاب فكرة إنشاء الحزب الاسلامي الشيعي، والذي حمل اسم حزب الدعوة الإسلامية فيما بعد، وفي هذا الصدد يقول السيد محمد مهدي الحكيم: ان “فكرة تأسيس حزب اسلامي طرحت خلال العام 1956، واستمرت التحركات والاجتماعات التحضيرية أكثر من سنة، تباعدت فيها الأفكار وتقاربت، وتراجعت شخصيات وثبتت أخرى، وحتى تم في النهاية الاتفاق على شكل العمل وطبيعة تحركه”.
إشكالية إقامة الحكومة الإسلامية
ويتابع السيد الحكيم: “كانت أول قضية طرحت على طاولة البحث ( قبل التأسيس) هي: “مشروعية قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة”؛ فكتب آية الله السيد محمد باقر الصدر (وهو الفقيه الوحيد بين مؤسسي الحراك الجديد) دراسة فقهية برهن فيها على شرعية قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة، وكانت هذه الدراسة أول نشرة حزبية تتبناها “الدعوة”.
ويضيف السيد محمد مهدي الحكيم أنه “عرض فكرة تأسيس الحزب في عام 1956 على السيد طالب الرفاعي وعبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي؛ فكان الأربعة يعقدون الاجتماعات التداولية الأولى لفكرة الحزب، ثم اقترح السيد طالب الرفاعي مفاتحة السيد محمد باقر الصدر؛ فوافق على الفور، حين طرح عليه السيد مهدي الفكرة، ثم اقترح السيد الصدر ضم السيد مرتضى العسكري للعمل (وكان يقيم في الكاظمية)، حيث فاتحه بذلك من خلال رسالة حملها إليه السيد مهدي الحكيم، ثم تمت مفاتحة السيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا.
اجتماعا النجف وكربلاء
لقد استمرت مداولات تأسيس الحزب بين أصحاب الفكرة وأقرانهم الذين انفتحوا عليهم حتى أواسط عام 1957، و خلال الفترة من تموز وحتى أيلول 1957 عقد أكثر من اجتماع تأسيسي تحضيري في النجف الأشرف، معظمها في بيت السيد محمد باقر الصدر، وكان آخرها هو الاجتماع التأسيسي الذي سبق اجتماع أداء القسم في كربلاء.
وفي تشرين الأول عام 1957 (ربيع الأول 1377هـ) عقد اجتماع أداء القسم في دار إقامة المرجع الديني الإمام السيد محسن الحكيم في كربلاء؛ بحضور سبع شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب، وغياب ثلاث أخرى من المؤسسين: السيد طالب الرفاعي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا، وهو الاجتماع الذي يعده بعض مؤسسي “الدعوة” آخر الاجتماعات التأسيسية، فيما يعتبره مؤسسون آخرون اجتماعاً لأداء القسم، وأن الاجتماع التأسيسي النهائي كان في النجف الأشرف وسبقه بشهر تقريباً، ومن هنا؛ فإن بعض الشخصيات كان من المؤسسين ومن الملتحقين بالتأسيس؛ مرده الى وجود اجتماعين، أحدهما في النجف الأشرف هو التأسيسي والثاني في كربلاء وهو لأداء القسم.
الرواية الرسمية
والرواية الرسمية لحزب الدعوة؛ التي يثبتها محمد صالح الاديب والسيد حسن شبر (بالرغم من أن الأديب لم يحضر اجتماع النجف وحضر اجتماع كربلاء، بينما حضر شبر اجتماع النجف ولم يحضر اجتماع كربلاء)؛ فتعد اجتماع كربلاء تأسيسياً نهائياً؛ لأن المؤسسين أدوا فيه القسم؛ ولأن الحزب حدد يوم 17 ربيع الأول 1377هـ الذي يوافق 12 تشرين الثاني 1957؛ تاريخاً لانبثاقه؛ ولكن هذا لا يعني أن بعض المؤسسين الذين لم يحضروا اجتماع كربلاء هم ليسوا من المؤسسين؛ وهو حال السيد طالب الرفاعي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا دون غيرهم؛ والعكس صحيح بالنسبة لاجتماع النجف التأسيسي.
إن التعدد في الروايات التي يذكرها مؤسسو الحزب ورواده وتشكيلته القيادية الأولى حول زمان ومكان تأسيس الحزب؛ يعود الى أن الاجتماعات التأسيسية استمرت من العام 1957 الى العام 1958، بل يعتقد بعضهم أن الاجتماعات التمهيدية والتأسيسية استمرت من العام 1956 وحتى العام 1959، إلّا أن التاريخ الدقيق ـ وفقاً للمعطيات التي حصلت عليها من خلال مقابلاتي مع بعض مؤسسي الحزب وقادته وأعضائه الأوائل؛ لاسيما السيد حسن شبر والسيد محمد مهدي الحكيم وكثيرون غيرهما ـ هو أن الحزب تأسس في أواخر العام 1957، وأن اجتماعي النجف الأشرف وكربلاء هما اجتماعان تأسيسيان، وأن من حضر أحدهما يعد من المؤسسين.
المؤسسون العشرة لحزب الدعوة الإسلامية
ونخلص الى النتيجة التالية؛ بأن المؤسسين العشرة لحزب الدعوة الإسلامية؛ على وفق معطيات وجودهم في مرحلة التأسيس العام 1957، وحضورهم أحد اجتماعي النجف الأشرف وكربلاء؛ هم:
1- السيد محمد باقر الصدر: عالم دين، 22 عاماً، مواليد الكاظمية العام 1935، كان يدير معظم الاجتماعات التحضيريـــة والاجتماعين التأسيسيين، ويعد منظر حزب الدعوة والأبرز بين المؤسسين؛ باعتباره مجتهداً ومفكراً، ومحل ثقة علمية وفكرية وشخصية لدى المرجعيات الدينية النجفية والحوزة العلمية والوسط الثقافي الديني، وهو الذي كتب أسس حزب الدعوة وأطلق عليه اسم “الدعوة الإسلامية”.
2- السيد محمد مهدي الحكيم: عالم دين، 22 عاماً، مواليد النجف الأشرف عام 1935، وهو أول من فاتح الآخرين بفكرة الحزب، وتكمن أهميته
المعنوية والاجتماعية في كونه نجل المرجع الأعلى للشيعة الإمام السيد محسن الحكيم؛ فضلاً عن علاقاته الدينية والاجتماعية والسياسية الواسعة، وكان السيد محمد باقر الصدر يميزه بدروس فقهية وأصولية خاصة، وبذلك فهو يمثل حلقة تأثير مهمة بين أبيه الإمام الحكيم والسيد محمد باقر الصدر.
3- السيد مرتضى العسكري: عالم دين، 43 عاماً، مواليد سامراء عام 1912، وهو أول من أدى القسم؛ باعتباره أكبر حضور اجتماع كربلاء سناً، وهو مؤلف وباحث معروف، وصاحب حضور مهم في الوسط العلمي والاجتماعي في بغداد حيث كان يقيم.
4- عبد الصاحب دخيل: ناشط اسلامي وتاجر، 27 عاماً، مواليد النجف الاشرف العام 1930، يمتلك وعياً حركياً مميزاً وخبرة في العمل التنظيمي الإسلامي؛ لأنه أسس مع آخرين “الحزب الجعفري” قبل عدة سنوات.
5- محمد صادق القاموسي: ناشط إسلامي وإداري وشاعر، 35 عاما، ولد في النجف الأشرف العام 1922، تكمن أهميته في قربه من الفقيه المصلح الشيخ محمد رضا المظفر وعمله معه، فضلاً عن وعيه السياسي وخبرته في العمل التنظيمي الإسلامي؛ لاشتراكه في تأسيس “الحزب الجعفري” سابقا.
6- محمد صالح الأديب: ناشط اسلامي ومهندس زراعي، 25 عاماً، مواليد كربلاء العام 1932، كانت له خبرة تنظيمية سابقة في “منظمة الشباب المسلم”.
7- السيد محمد باقر الحكيم: عالم دين، 18 عاماً، مواليد النجف الأشرف العام 1939، وهو أصغر المؤسسين سناً، وهو نجل المرجع الأعلى الحكيم والتلميذ المقرب للسيد محمد باقر الصدر، وكان الانتماء الأسري للإمام الحكيم والعلاقة الخاصة بالسيد الصدر تميز ان السيد محمد مهدي والسيد محمد باقر عن باقي المؤسسين.
8- السيد طالب الرفاعي: عالم دين، 29 عاما، مواليد الناصرية العام 1928، كان متميزاً في وعيه الحركي؛ بسبب علاقاته بالأحزاب الإسلامية السابقة في تأسيسها؛ كجماعة الاخوان المسلمين وحزب التحرير.
9- السيد حسن شبر: محام وناشط إسلامي، 28 عاما، مواليد النجف الأشرف العام 1927، كان يتميز باختصاصه الأكاديمي في القانون، وخبرته التنظيمية السابقة في الحزب الجعفري.
10- الدكتور جابر العطا: طبيب وناشط اسلامي، 29 عاما، مواليد النجف الأشرف العام 1928.
مع التأكيد على أن السبعة الأوائل حضروا اجتماع أداء القسم في كربلاء، والثلاثة الأخيرين ( الرفاعي وشبر والعطا)؛ حضروا اجتماعات النجف الأشرف التأسيسية التي سبقت اجتماع كربلاء. وكانت أسباب عدم حضورهم اجتماع كربلاء تعود الى السفر والعمل الطارئ.
الحزب الجعفري
ولابد من الإشارة هنا الى الدور المركزي الذي لعبته ما كانت تعرف بـ”مجموعة الحزب الجعفري”: عبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي والسيد حسن شبر في تأسيس حزب الدعوة؛ فهذه المجموعة كانت منسجمة في حركتها وأفكارها، وكانت تحمل فكرة تأسيس حزب اسلامي منذ أوائل الخمسينات، وكانت لديها تجربة الحزب الجعفري الذي تأسس العام 1952، ثم تم حله بعد سنة تقريبا؛ً نتيجة الضغوطات داخل منظومة الاجتماع الديني النجفي بكل تعقيداتها، وظلت فكرة الحزب تختمر في عقل المجموعة؛ حتى تمت المفاتحة بين السيد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل، وكان من الطبيعي أن يتداول عبد الصاحب دخيل الفكرة مع محمد صادق القاموسي وحسن شبر خلال العامي 1956 و 1957، وعندها كان الشغل الشاغل لهذا الثلاثي هو الدفع باتجاه تفعيل فكرة تأسيس الحزب.
وهناك من يطرح إشكالاً حول اشتراك المحامي حسن شبر والدكتور جابر العطا في تأسيس “الدعوة”، ولكن القرائن تؤكد أن حسن شبر وجابر العطا كانا في أجواء التحضير واجتماعاته منذ عام 1956، وظلا متواصلين معه في فترة اجتماع أداء القسم في كربلاء في تشرين الأول 1957؛ لكنهما لم يحضراه، كما لم يحضره السيد طالب الرفاعي؛ لانشغالهم في سفر ضروري وعمل طارئ،و هو ما أكده لي السيد حسن شبر أكثر من مرة.
أجواء التأسيس
وهناك شخصيات كانت موجودة أيضا في أجواء التأسيس منذ البدايات الأولى؛ ولكنها كانت تبتعد مرة وتقترب أخرى، أو أنها كانت تشارك بشكل مساعد وليس مركزياً، وبالتالي لم تحضر اجتماع النجف التأسيسي الأول الذي سبق اجتماع كربلاء، كما لم تحضر اجتماع كربلاء؛ فلم تعد من المؤسسين؛ كالسيد محمد بحر العلوم والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ عبد الهادي الفضلي وغيرهم، ولكن بعد التأسيس أصبح لها وجود مؤثر في “الدعوة”، وهناك من يرى أن مرحلة التأسيس استمرت حتى العام 1959؛ فيضع بعض الدعاة الأوائل الذين التحقوا العام 1959 ضمن المؤسسين؛ وأبرزهم المهندس محمد هادي السبيتي؛ أي أن السبيتي انتمى الى الحزب بعد حوالي سنتين من تأسيسه.
رؤية الرفاعي
ويعتقد السيد طالب الرفاعي ـ مثلاً ـ بأن كل اجتماعات حزب الدعوة التحضيرية والتأسيسية كانت في النجف حصراً، ولا وجود لاجتماع كربلاء الذي تم فيه أداء القسم، وأن الحزب تأسس بعد انقلاب 14 تموز 1958، وهو ما ذكره في كتابه ((أمالي السيد طالب الرفاعي))، والسبب يعود الى أن السيد طالب الرفاعي لم يحضر اجتماع اداء القسم في كربلاء، وأنه أدى القسم في النجف الأشرف بحضور السيد محمد باقر الصدر بعد اجتماع كربلاء بسنة تقريباً؛ أي بعد انقلاب 14 تموز 1958؛ ولذلك يقرن تاريخ تأسيس حزب الدعوة بأدائه القسم شخصياً.
اجتماع كربلاء
أما اجتماع كربلاء فقد وثّقته توثيقاً مباشراً نقلاً عن ثلاثة ممن حضروه: السيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم وصالح الأديب، كما وثقه السيد حسن شبر عن جميع السبعة الذين حضروه توثيقاً تفصيلياً، كما دوّنه في بحوثه عن حزب الدعوة، وهو ما تقره أدبيات حزب الدعوة الرسمية بمزيد التفصيل، والمفارقة أن السيد طالب الرفاعي أشاد برواياتي في كتاب “سنوات الجمر” خلال لقائي به، وأبدى رضاه عن إنصافي لدوره؛ لأني أول من ذكر دوره في التأسيس والإنطلاق.
ثم قرأت بدقه ما ذكره السيد الرفاعي في أماليه، ولا بد من أن يكون كلامه دراية وليست رواية؛ لأن الرفاعي كان فاعلاً أساسياً في مشهد التأسيس منذ اللحظة الأولى لنشوء الفكرة خلال العامي 1956 و1957؛ فوجدت تعارضاً في بعض تحليلاته عن مرحلة التأسيس مع ما سمعته ودونته على لسان السيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر وآخرين، وقد ذكر لي السيد محمد بحر العلوم والسيد حسن شبرـ بشيء من الاستغراب ـ ما يتعارض مع ما ذكره السيد الرفاعي في رواية التأسيس؛ بل عبّر السيد محمد بحر العلوم في لقائي به العام 2013 عن انزعاجه من مصادرة السيد طالب الرفاعي لدوره وأدوار الآخرين وإلغائه بعض الوقائع.
رواية الكوراني
ومن جانبه؛ يؤكد الشيخ علي الكوراني وآخرون بأن مرحلة تأسيس حزب الدعوة وانطلاقه هي مرحلة “عبد الصاحب دخيل” بامتياز، كما يؤكد المؤسس السيد حسن شبر بأن محمد هادي السبيتي التحق بهم بعد سنتين من التأسيس؛ وتحديداً في العام 1959، وتعارض روايتا شبر والكوراني مع رواية عز الدين سليم الذي يعتقد بأن محمد هادي السبيتي كان في أجواء التأسيس، وإن فضل الانطلاق والتبلور يعود إليه، وأن “دخيل” كان الرجل الثاني.
يرى بعض الكتّاب والمهتمين بأن هناك تعارضاّ في زوايا نظر المؤسسين والدعاة الأوائل في ما يرتبط بالتأسيس والخطوات الأولى، ولكنها في الحقيقة غير متعارضة؛ لأن مقتضى العمل السري وعدم انفتاح الدعاة على بعضهم واحتفاظ كل منهم بأسرار عمله، وتعدد الاجتماعات والمداولات؛ يؤدي الى تنوع في الشهادات، وقد وجدت عبر تفكيك الشهادات وتحليلها بأنها منسجمة؛ بل تكمل بعضها؛ لأن كل مؤسس وداعية ينظر الى الأمور من زاوية فعله، ولا يوجد شخص بعينه يستطيع استيعاب جميع وقائع مرحلة نشوء الفكرة والتأسيس والانطلاق والانتشار خلال الأعوام 1956 الى 1959؛ لأن تأسيس حزب الدعوة كان جهداً جماعياً، ونواته الأولى كانت جماعية، وأن فكرة الحزب الإسلامي وتأسيس حزب إسلامي كانت موجودة في رؤوس جميع المؤسسين والدعاة الأوائل خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي، وكان كثير منهم قد خطى خطوة لوحده قبل أن ينفتحوا على بعض خلال عام 1957؛ فضلاً عن طبيعة العمل السري ومحدودية انفتاح الدعاة على بعضهم.
وبالتالي فإن وجود بعض الاختلاف في روايات المؤسسين أو الملتحقين بالتأسيس وأوائل الدعاة الذين كانوا في أجواء خطوات الحزب الأولى من 1956 وحتى 1959؛ يعود الى أن كلاً منهم ينظر الى مراحل التأسيس وخطوات العمل من زاويته وموقعه ودوره؛ كما ذكرنا سابقاً، ومن هنا كانت مهمتنا البحثية صعبة للغاية، وتتمثل في تفكيك هذه الإشكالية عبر تجميع الروايات وحصرها وضربها ببعض، ثم استخلاص النتائج منها.
الملامح الجوهرية
من خلال إخضاع مؤسسي حزب الدعوة لمعايير علم الاجتماع السياسي والديني والثقافي؛ يمكننا الوقوف على الملامح الشكلية والجوهرية التي تميز بها حزب الدعوة الإسلامية عند تأسيسه؛ لأن انتماءات المؤسسين الاجتماعية ومناخاتهم الثقافية واختصاصاتهم؛ تؤثر حتماً في توجهات الحزب ومزاجه العام ونكهته الثقافية والاجتماعية:
1- إن المؤسسين العشرة كانوا يمتلكون وعياً سياسياً وحساً حركياً؛ سابقاً على تأسيس حزب الدعوة، وكانوا شخصيات عاملة وناشطة إسلامياً؛ ما يجعلهم يتميزون عن أقرانهم، سواء في الحوزة العلمية أو في الوسط الديني والاجتماعي.
2- ان 50 بالمئة من مؤسسي حزب الدعوة هم من علماء الدين العاملين في الحوزة العلمية، و50 بالمئة منهم أصحاب مهن متنوعة: محام، تاجر، مهندس، إداري وطبيب. وإذا أخذنا اجتماع كربلاء بنظر الاعتبار فقط؛ بحضور الشخصيات السبع التي أدت القسم الأول؛ فسنرى ان حصة علماء الدين هي 58 بالمئة مقابل 42 بالمئة لغير علماء الدين، وكانت القيادة الرباعية الأولى تتكون من 75 بالمئة علماء دين، و25 بالمئة من غير علماء الدين، وبقيت معادلة هيمنة علماء الدين على القيادة ومفاصل العمل حتى انسحاب السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم، وتبعه انتقال القيادة من النجف الى بغداد عام 1961، وتشكيل القيادة الثلاثية؛ فكان أعضاؤها عالم دين واحد هو السيد مرتضى العسكري المشرف العام، واثنين من غير علماء الدين، هما عبد الصاحب دخيل المسؤول التنظيمي ومحمد هادي السبيتي المسؤول السياسي والفكري.
منشأ عراقي
3- إن جميع المؤسسين من مواليد العراق؛ 60 بالمئة منهم من مواليد النجف الأشرف، ومن أسر نجفية معروفة: السيد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد محمد باقر الحكيم، السيد حسن شبر، الدكتور جابر العطا، ومحمد صادق القاموسي، و40 بالمئة من باقي المدن العراقية: محمد صالح الأديب مواليد كربلاء، محمد باقر الصدر مواليد الكاظمية، السيد مرتضى العسكري مواليد سامراء والسيد طالب الرفاعي مواليد الناصرية، إضافة الى أن 80 بالمئة من المؤسسين كانوا يقيمون في النجف الأشرف، وكان السيد مرتضى العسكري (الكاظمية) ومحمد صالح الاديب (كربلاء) هما الوحيدان من خارج النجف الأشرف، كما كانت جميع اجتماعاتهم التمهيدية والتحضيرية والتأسيسية تعقد في النجف الاشرف، عدا اجتماع واحد في كربلاء كان مخصصاً لأداء القسم، وظلت اجتماعات القيادة تعقد في النجف حتى عام 1961.
ومن خلال المعطيات الثلاثة السابقة يمكن الوقوف على طبيعة المزاج الديني الاجتماعي والثقافي النجفي الذي ميّز حزب الدعوة الإسلامية؛ وبقي لصيقاً به عدة سنوات، وأخذ يخفت تدريجياً بعد انتقال مركزية القيادة من النجف الى بغداد عام 1961؛ ولكنه لم يختف؛ وإن كاد خلال العقد الذي سبق عام 2003، بيد أن التأثيرات الاجتماعية الدينية للنجف عادت بشكل ملحوظ بعد عودة قيادات حزب الدعوة وتنظيماته المهاجرة الى العراق بعد سقوط (نظام) صدام حسين، واستعادة النجف ومرجعيته العليا دورهما الأساس في الواقع الاجتماعي السياسي للعراق.
تجارب تنظيمية
4- إن 60 بالمئة من المؤسسين لم تكن لديهم أية تجارب تنظيمية سابقة: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد باقر الحكيم والدكتور جابر العطا، و40 بالمئة كانت لديهم تجارب في تنظيمات اسلامية شيعية: عبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي والسيد حسن شبر كانوا في “الحزب الجعفري” سابقاً، ومحمد صالح الأديب كان في “منظمة الشباب المسلم”، ولم يكن أي من المؤسسين العشرة على علاقة تنظيمية بأي تنظيم إسلامي سني، وهناك عضو واحد فقط هو السيد طالب الرفاعي كانت لديه علاقات بجماعة “الأخوان المسلمين” و”حزب التحرير”، ولكنه لم يكن منتظماً فيهما، ولكن بعد اتساع تنظيمات حزب الدعوة وصعود كوادر جديدة؛ وخاصة بعد انتقال قيادة “الدعوة” الى بغداد؛ صعد الى القيادة عضو سابق في “حزب التحرير” هو محمد هادي السبيتي؛ الذي فاتحه السيد محمد مهدي الحكيم بالدعوة عام 1959، ثم صعد عضو سابق آخر في “حزب التحرير” الى القيادة عام 1963 هو الشيخ عارف البصري، مع الأخذ بالاعتبار أن المؤسسين والدعاة الأوائل؛ حين كانوا يدونون أدبيات حزب الدعوة وأسسه وتقنياته التنظيمية؛ كانوا يطلعون على كل التجارب الحركية الإسلامية وغير الإسلامية؛ الشيعية والسنية؛ كمنظمة “الشباب المسلم” و”منظمة العقائديين” و”جماعة الأخوان المسلمين” و”حزب التحرير” و”الحزب الشيوعي” و”الجماعة الإسلامية الباكستانية”، إضافة الى تأثر بعض رموز “الدعوة”؛ ولاسيما محمد هادي السبيتي وعبد الصاحب دخيل؛ بالفكر الحركي والنهضوي لشخصيات اسلامية سنية؛ كالشيخ حسن البنا وسيد قطب والشيخ محمد تقي النبهاني ومالك بن نبي والشيخ أبو الأعلى المودودي، وهو ما يدفع بعض الكتّاب للحديث عن تأثر حزب الدعوة بالفكر الحركي السني والتقنيات التنظيمية للجماعات الإسلامية السنية، وهذا التأثر هو تأثر طبيعي في معايير علم النفس الاجتماعي، ولا يمكن لأية ظاهرة اجتماعية أن تكون بمنأى عنه.
بيوت دينية
5- إن 40 بالمئة من المؤسسين ينتمون ـ وفقا لمعايير الاجتماع الديني ـ الى الطبقة الاجتماعية الدينية الأولى؛ أي البيوتات الدينية العلمية: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر، و60 بالمئة الى الطبقة الاجتماعية الدينية المتوسطة: السيد مرتضى العسكري ومحمد صادق القاموسي ومحمد صالح الأديب وعبد الصاحب دخيل والسيد طالب الرفاعي وجابر العطا؛ ما يعطي الدعوة موقعاً اجتماعياً رفيعاً جداً في الطبقة الاجتماعية الدينية، وما يعني انتماء مؤسسي “الدعوة” الى طبقة النخبة الاجتماعية الدينية. وظلت هذه السمة غالبة في بنية الدعاة الاجتماعية الدينية؛ إذ ظلوا ينتمون غالباً الى أسر متدينة ومميزة اجتماعياً.
6- إن جميع المؤسسين ينتمون الى الطبقة المتعلمة تعليماً عالياً؛ إذ كان أحدهم فقيهاً وهو السيد محمد باقر الصدر، وكان ستة منهم في مرحلة الدراسات العليا في الحوزة العلمية: السيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والسيد محمد باقر الحكيم والسيد طالب الرفاعي وعبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي (الأربعة الأوائل كانوا يرتدون الزي الديني والإثنان الأخيران كانا يرتديان الزي المدني). وكان أحد المؤسسين يجمع بين التحصيل الديني والأكاديمي، وهو السيد حسن شبر الذي كان في مرحلة الدراسات العليا في الحوزة، ومتخرجاً من كلية الحقوق في الوقت نفسه. وكان اثنان من المؤسسين خريجين جامعيين هما محمد صالح الأديب خريج كلية الهندسة الزراعية وجابر العطا خريج كلية الطب. وبذلك فإن من مجموع العشرة المؤسسين كان سبعة من المحصلين تحصيلاً دينياً واثنان من خريجي الجامعات الأكاديمية وواحد يجمع بين التحصيلين الديني والأكاديمي، وهذا الطابع الثقافي والتعليمي النخبوي أصبح جزءاً من الطقوس التنظيمية للحزب؛ إذ ظل حزب الدعوة حزباً نخبوياً يتعاطى ـ غالبا ـ مع طبقة المتعلمين؛ وإن انفتح في نهاية السبعينات على الطبقات الأقل تعليماً.
الطبقة المتوسطة
7- إن جميع المؤسسين ينتمون الى الطبقة المتوسطة اقتصادياً؛ فلم يكن بينهم ثري أو ينتمي الى العوائل الثرية، كما لم يكونوا من العوائل الفقيرة، وقد تغير هذا الواقع الى حد ما بعد انتشار حزب الدعوة المكثف في الستينات والسبعينات؛ إذ استقطب حزب الدعوة أعداداً من الأثرياء الشيعة في العراق والكويت والسعودية والإمارات المتحدة، كما انتمت اليه أعدادٌ أكبر من أبناء الطبقات الفقيرة، إلًا أن السمة الغالبة لحزب الدعوة انتماؤه الى الطبقة المتوسطة في جميع البلدان التي انتشر فيها، وأولها العراق.
8- إن 90 بالمئة من المؤسسين العشرة ينتمون الى الاجتماع الديني الحضري؛ أبناء المدن المقدسة الأربع في الوسط: السيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر وعبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي ينتمون الى حاضرة النجف، ومحمد صالح الأديب من حاضرة كربلاء، والسيد محمد باقر الصدر من حاضرة الكاظمية، والسيد مرتضى العسكري من حاضرة سامراء، وواحد فقط ينتمي الى الاجتماع الريفي وهو السيد طالب الرفاعي من ناحية الرفاعي في محافظة الناصرية جنوب العراق، وبذلك كان حزب الدعوة ينتمي في تأسيسه الى الاجتماع الحضري الديني.
الوسط النخبوي
وظلت معظم السمات الاجتماعية التأسيسية الثمانية السالفة؛ حاضرة بشكل وآخر في حزب الدعوة الإسلامية، وجزءاً من بنيته؛ أي أنه ظل ينتمي الى الوسط النخبوي الشيعي؛ الاجتماعي والديني والتعليمي والثقافي.
وقد يطرح هنا استفهام موضوعي كبير حول قدرة شبان في العشرينات من عمرهم (مؤسسو حزب الدعوة والدعاة الأوائل) على إحداث كل هذا التغيير الذي تتحدث عنه أدبيات “الدعوة”؛ في ظل وجود آلاف الفقهاء وعلماء الدين في النجف خصوصاً والعراق عموماً؛ فضلاً عن التنظيمات الايديولوجية الجماهيرية المنتشرة في الوسط الشيعي؛ كحزب البعث والحزب الشيوعي، والإقطاع الاجتماعي والاقتصادي في العراق.
الخلفيات الإثنية والإجتماعية لمؤسسي الدعوة وقادتها
أرى أن جملة من المعادلات خدمت الدعاة الأوائل العشرينيين في إحداث التغييرات التي أشارت اليها أدبيات حزب الدعوة؛ أهمها:
1- ان الوسط الشيعي كان يعاني من الفراغ في وجود تنظيم شيعي تغييري ايديولوجي، يواجه حزب البعث والحزب الشيوعي من جهة، ويوازي حزب التحرير وجماعة المسلمين من جهة أخرى، ويكون في نهج التقليدية الدينية من جهة ثالثة؛ الأمر الذي حقق لحزب لدعوة انتشاراً سريعاً ونوعياً في الوسط الشيعي الديني التواق الى التنظيم والى الإصلاح على المستويات الدينية والاجتماعية والسياسية، وجعل الشباب الشيعي المتدين المتعلم يتفاعل بقوة مع التنظيم الجديد وينخرط فيه ويتبنى أفكاره، وحماسة هذا الشباب في الحركة والتغلغل والنفوذ؛ جعلهم يمسكون بمفاصل التأثير المباشر في العمل الثقافي والديني وفي المؤسسات والجمعيات الثقافية والدينية والعلمية القائمة، ولاسيما “جماعة العلماء” و”كلية الفقه” و”جمعية منتدى النشر” في النجف الاشرف، ثم “جماعة العلماء” في الكاظمية وبغداد وغيرها.
حماية المرجعية
2- إن الدعاة الأوائل كانوا يتمتعون بحماية المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالإمام السيد محسن الحكيم، ومن بعده مرجعية الإمام السيد أبي القاسم الخوئي، إضافة الى المرجعيات الكبيرة الأخرى كالسيد عبد الله الشيرازي والسيد محمود الشاهرودي، فضلا عن احتماء الدعاة بعدد من كبار الفقهاء الإصلاحيين، كالشيخ محمد رضا المظفر والشيخ مرتضى آل ياسين والشيخ محمد أمين زين الدين والسيد اسماعيل الصدر، بل كان عمل أعضاء حزب الدعوة في إطار مرجعية الإمام الحكيم ومشروعاته الدينية والثقافية؛ كالمكتبات العامة مثلاً؛ أكبر الأثر في انتشار “الدعوة” وفي تغطيتها دينياً واجتماعياً، كما ان عدداً كبيراً من الدعاة الأوائل كان ينتمي الى البيوتات الدينية العراقية واللبنانية والإيرانية ذات التأثير الاجتماعي الكبير في النجف؛ كآل الحكيم وآل الصدر وآل بحر العلوم وآل ياسين وآل فضل الله وآل شمس الدين وآل شبر وآل الغريفي وآل كاشف الغطاء وآل الجواهري وآل الخوئي، كما كان كثير من أولاد وأحفاد وأصهار هؤلاء مراجع النجف وفقهائها أعضاء في حزب الدعوة، وبالتالي؛ كان لهذه الحماية الدينية الاجتماعية الأثر الأهم في تحرك الدعاة بحرية في الوسط الديني والاجتماعي الشيعي.
مدرسة المظفر الإصلاحية
3- أسهمت المدرسة الإصلاحية للشيخ محمد رضا المظفر مساهمة نوعية في احتضان الدعاة وحمايتهم وتسهيل انتشار حزب الدعوة ونموه؛ لأن “الدعوة” وجدت في أبناء هذه المدرسة قاعدة جاهزة اعتمدت عليهم في تحركها، حتى أن “جمعية منتدى النشر” في النجف الأشرف ومدارسها وكلية الفقه التابعة لها؛ وجميعها تأسس بجهود الشيخ محمد رضا المظفر، وظل يرأسها حتى وفاته عام 1964؛ كانت بؤرة لعمل “الدعوة” ولتخريج الدعاة العلماء الجاهزين للتحرك، وهو ما كان يحصل في بغداد أيضاً في مؤسسات السيد مرتضى العسكري الدينية التعليمية في الكاظمية وبغداد؛ ولاسيما مدارس: الإمام الكاظم والإمام الجواد وكلية أصول الدين، ولذلك نجد أن لمدرسة حزب الدعوة في التغيير والإصلاح جذوراً في أفكار وتوجهات الفقيه المجدد الشيخ محمد رضا المظفر، وبنسبة أقل في أفكار الزعماء الآخرين لحركة الإصلاح الإسلامي المعاصر في العراق في العقود الستة الأولى من القرن العشرين الميلادي؛ كالسيد هبة الدين الشهرستاني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وغيرهما، ومن هنا؛ كانت البيئة التنموية التوعوية التي وفرتها مدرسة الشيخ المظفر لحزب الدعوة بالغ الأثر في احتضان الدعاة علمياً وفكرياً وثقافياً.
جماعة العلماء
4- بادر قياديو “الدعوة” وكادرها من علماء الدين العشرينيين الى الانخراط في العمل ضمن “جماعة العلماء” في النجف الأشرف بعد تأسيسها عام 1958 و”جماعة العلماء” في بغداد والكاظمية بعد تأسيسها عام 1965، فقد كان الدعاة يمثلون الجهاز التنفيذي لجماعة علماء النجف، ويديرون مجلة الجماعة (الأضواء) ومنشوراتها وأعمالها الثقافية، وأبرزهم: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ أحمد الوائلي والسيد عدنان البكاء والشيخ مهدي السماوي، وكانوا يستندون في حركتهم داخل الجماعة واستثمار إمكاناتها الى دعم رئاستها المتمثلة بآية الله الشيخ مرتضى آل ياسين لهم وكثير من أعضاء الهيئة الإدارية للجماعة، أما ما يتعلق بجماعة علماء بغداد والكاظمية؛ فقد كان تأثير الدعاة أكبر حجماً؛ لأن معظم مسؤولي الجماعة كانوا من مؤسسي وقادة حزب الدعوة الإسلامية.
5- كان أعضاء حزب الدعوة من علماء الدين يمارسون من خلال عملهم كوكلاء وممثلين ومعتمدين لمرجعية السيد محسن الحكيم ومرجعية السيد أبي القاسم الخوئي ومرجعية السيد محمد باقر الصدر؛ دوراً ثنائياً؛ يعود بالفائدة المعنوية الكبيرة على حزب الدعوة، ويطرحه ممثلاً وحيداً وشرعياً للحالة الحركية الإسلامية الشيعية، وكان معظم هؤلاء الدعاة الوكلاء شباباً في العشرينيات والثلاثينيات، ولكنهم كانوا يتمتعون بالغطاء الديني المرجعي.
حرمان وتمييز طائفي
6- كانت الأفكار التغييرية العميقة التي يطرحها الدعاة الأوائل؛ تلقى رواجاً كبيراً في الأوساط الاجتماعية الشيعية؛ التي تتلمس الحرمان السياسي والتمييز الطائفي بسبب ممارسات الدولة، ولاسيما في أوساط الشباب العربي القادم من مدن الفرات الأوسط والجنوب العراقي للدراسة في الحوزة العلمية النجفية وجامعة بغداد، الى جانب الشباب الكردي والتركماني الشيعي القادم من شرق العراق وشماله، وكذا الشباب الشيعي القادم من جنوب لبنان وبقاعه، أو القادم من القرى البحرينية المحرومة، أو من المنطقة الشرقية المهمشة في السعودية، أو من قبائل “الهزارة” المستضعفة في افغانستان، فكان تأثير هذه الأفكار المنبعثة من النجف الأشرف وبغداد أكبر بكثير من الوعظ الديني التقليدي، أو من الأفكار القومية التنظيرية والفكر الماركسي الذي يلامس حالة الحرمان بصورته العامة وليست الخاصة التي يعيشها الإنسان الشيعي بعنوانه المذهبي.
النشاط الفكري والثقافي
7- كان الشباب العشريني الذي يعيش هموم حزب الدعوة؛ هو الأنشط فكرياً وثقافياً على الساحة الدينية، فقد كان الدعاة هم العنوان الأبرز للتجمعات الثقافية ولحركة الكتابة والتأليف والخطابة والندوات، ومثال ذلك: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ أحمد الوائلي والسيد عدنان البكاء والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ عارف البصري والشيخ علي الكوراني والشيخ عبد الكريم القزويني والشيخ مهدي السماوي وغيرهم، وكان تأثير كتاباتهم وحركتهم مهماً جداً في الهيمنة النسبية على الوسط الإصلاحي الديني، وكان هذا التأثير يحسب لمصلحة “الدعوة” وقدرتها على الاستقطاب؛ وإن كان الداعية يتحرك في مفصل معين بصفته الشخصية أو الدينية البحتة او العلمية المؤسساتية.
جنسيات وأعراق
8- لقد كان الدعاة الأوائل، ومن بينهم المؤسسون والتشكيلة القيادية الأولى؛ ينتمون الى عدة بلدان إسلامية؛ ولاسيما العراق ولبنان والسعودية وايران وباكستان وافغانستان والهند والكويت والإمارات المتحدة وسوريا وعمان والبحرين وغيرها، ومن أصول عرقية متعددة؛ عرب وكرد وفرس وتركمان وترك وهنود وأفغان واذربيجانيين وهزارة وطاجيك وغيرها، وفيهم نسبة كبيرة من المستعربين “المستعرقين” (نسبة إلى العراق) من أصول إيرانية وهندية وباكستانية وأفغانية واذربيجانية، وكذلك “المستعرقين” من أصول لبنانية وسعودية وعمانية وبحرينية، وأيضا كويتيين وبحرينيين من أصول عراقية وإيرانية، وهذا التنوع في القوميات والوطنيات يعود الى طبيعة الاجتماع الديني النجفي العالمي الذي ينتمي اليه حزب الدعوة، والذي قام على اندماج هذا الخليط وتجانسه وتضامنه؛ منذ أن تأسست حاضرة النجف الأشرف في عام 449 هـ / 1057 م؛ أي قبل حوالي ألف سنة، وتحولها الى عاصمة دينية اجتماعية لشيعة العالم، وقد أسس صرحها العلمي العرب والفرس والترك من بغداد والكوفة وخراسان وقم وغيرها، وسكنتها قبل ذلك عوائل وعشائر من حواضر العراق وبواديه وأريافه، ومن حاضرة الحجاز وبادية نجد، ومن بلاد فارس واذربيجان، ويضاف الى خصيصة التنوع القومي والوطني والاجتماعي للدعاة الأوائل؛ الخصيصة الثقافية؛ فقد كانوا من المتعلمين تعليماً عالياً.
قائمة الدعاة الرواد
وأبرز رواد حزب الدعوة الذين تمتعوا بالخصائص السابقة: آية الله السيد محمد باقر الصدر (عراقي)، آية الله السيد مرتضى العسكري (عراقي من أصل إيراني)، حجة الإسلام السيد محمد مهدي الحكيم (عراقي)، المهندس محمد صالح الأديب (عراقي)، عبد الصاحب دخيل (عراقي)، محمد صادق القاموسي (عراقي)، آية الله الدكتور السيد طالب الرفاعي (عراقي)، آية الله السيد محمد باقر الحكيم (عراقي)، المحامي السيد حسن شبر (عراقي)، الدكتور جابر العطا (عراقي)، آية الله السيد محمد حسين فضل الله (لبناني)، آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين (لبناني)، آية الله الدكتور السيد محمد بحر العلوم (عراقي)، آية الله الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي (سعودي)، حجة الإسلام الشيخ عارف البصري (عراقي)، الدكتور الشيخ أحمد الوائلي (عراقي)، الدكتور السيد داود العطار (عراقي)، السيد محمد كاظم البجنوردي ( إيراني)، آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي (عراقي من أصل إيراني)، المهندس السيد موسى الخوئي (عراقي من أصل إيراني)، آية الله السيد كاظم الحائري (عراقي من أصل إيراني)، آية الله السيد علاء الدين الحكيم (عراقي)، آية الله الدكتور السيد محمد حسين الحكيم (عراقي)، عبد الزهرة عثمان (عز الدين سليم- عراقي)، حجة الإسلام الشيخ علي الكوراني (لبناني)، آية الله الشيخ محمد علي التسخيري (عراقي من أصل إيراني)، آية الله السيد عارف الحسيني (باكستاني)، آية الله السيد علي النقوي (باكستاني)، آية الله الشيخ سليمان المدني (بحريني)، آية الله الشيخ عبد الأمير الجمري (بحريني)، آية الله السيد عبد الله الغريفي ( بحريني)، آية الله الشيخ عيسى قاسم (بحريني)، حجة الإسلام السيد سامي البدري (عراقي)، آية الله السيد علي الامين (لبناني)، حجة الإسلام السيد عبد الرحيم الشوكي (عراقي)، مهدي السبيتي (لبناني)، علي الأديب (عراقي)، آية الله السيد عبد الكريم القزويني (عراقي)، آية الله الشيخ مهدي العطار (عراقي من أصل إيراني)، آية الله الشيخ عفيف النابلسي (لبناني)، حجة الإسلام الشيخ علي محقق (أفغاني)، آية الله الشيخ محمد هاشم الصالحي (أفغاني)، آية الله الشيخ طالب الجوهري (باكستاني)، آية الله السيد ذي شان حيدر (الهند)، حجة الإسلام السيد عباس الموسوي (لبناني)، حجة الإسلام الشيخ صبحي الطفيلي (لبناني).
نفي أنصار الشخصيات الدينية
وأشير هنا الى أن أنصار بعض هذه الشخصيات ينفي انتماءها الى حزب الدعوة، وينطبق هذا على أنصار الشيخ محمد مهدي شمس الدين ( لبنان) والشيخ أحمد الوائلي (العراق) والسيد محمد محمد صادق الصدر( العراق) والسيد عباس الموسوي (لبنان) وغيرهم، وقد اتصل بي قسم منهم أو راسلني، وفضّل آخرون التشهير على وسائل الإعلام، وقد كتبت عن هذه الجدلية تفصيلاً في أحد ملاحق هذا الكتاب؛ جواباً على مداخلة مطولة لأحد أنصار السيد محمد محمد صادق الصدر.
وعموماً أعتقد بأن انتساب أية شخصية الى حزب الدعوة في وقت من الأوقات؛ لا يعني بالضرورة أنها بقيت محتفظة بانتمائها للدعوة، او بقيت تؤيد منهج حزب الدعوة وعمله برمته، فلكل شخصية ظروفها الموضوعية والذاتية في الانتساب للدعوة وفي تركه أو في استمرارها وفي تأييده وفي معارضته، وانتساب الاشخاص الى حزب الدعوة هو موضوع تاريخي صرف؛ لا يرفع من شأن الفرد ولا يحط منه؛ حتى لو سبق له الانتماء اليه يوماً واحداً فقط، وهكذا اختلافهم مع الحزب أو مع قيادته أو مع نظريته، وبالتالي، فإن النفي والاثبات لا يلغيان الحقيقة.
السيد محمد باقر الصدر هو أبرز المؤسسين العشرة لحزب الدعوة الإسلامية؛ بل أن أداءه ودوره أفرزاه قائداً للحزب في البعدين الفكري والإرشادي. وقد كان الحديث عن كون السيد الصدر مؤسساً للدعوة؛ متداولاً في أوساط الحزب منذ الستينات، ثم برز أسمه قائداً للحزب خلال عام 1979؛ بعد تفجير الصدر للتحرك المعارض لنظام البعث في العراق، ولكن تقدم السيد الصدر على باقي المؤسسين والقياديين في توجيه بوصلة حزب الدعوة خلال 1957 الى 1961، ثم بقائه مرشداً لحزب الدعوة وداعماً له؛ يحظى بقرائن كثيرة؛ الى المستوى الذي أقنع أجيال الدعاة والمؤرخين والمراقبين بأن السيد الصدر هو المؤسس الواقعي لحزب الدعوة وقائده الروحي ومرشده حتى استشهاده العام 1980، ومن تلك القرائن:
1- إن السيد محمد باقر الصدر هو أحد الخمسة الأوائل الذين ناقشوا فكرة الحزب بعمق ودقة، وأقرّ العمل على وفقها، ثم أنه أبرز المؤسسين العشرة للدعوة.
فقيه الدعوة
2- إن السيد محمد باقر الصدر ظل فقيه حزب الدعوة ومنظره وقائده الفكري؛ فقد أسس النظرية الفقهية لحزب الدعوة؛ التي دونها في بداية طرح فكرة الحزب العام 1956، والتي استدل فيها على جواز إقامة تأسيس الدولة الإسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي المنتظر، وإمكانية سعي جماعة إسلامية لتحقيق هذا الهدف، ولولا نظريته هذه لما تأسس حزب الدعوة، وهي في الواقع نظرية تأسيسية في الفقه السياسي الإسلامي الشيعي لم يسبقه فيها فقيه شيعي. كما كتب السيد الصدر أسس حزب الدعوة الإسلامية؛ المعروفة بالأسس الإسلامية؛ والتي تمثل الأسس الفقهية والفكرية والسياسية للحزب، ولا تزال تمثل قاعدة حركة حزب الدعوة. وظل المؤسسون وقياديو الدعوة يعودون الى السيد الصدر في التكييفات الفقهية والفكرية، وكان صاحب المبادرة في هذا المجال. وقد كان السيد الصدر الفقيه الوحيد في الحزب، وكان وجوده في الحزب أساسياً؛ لمركزه العلمي في الحوزة العلمية النجفية، و لحاجة الحزب الى فقيه يتقدمه في مواجهة الإشكاليات التي يمكن أن تطرحها بعض أوساط الحوزة ضد الحزب، وبالتالي فكثير من اهتمام المؤسسين كان منصباً على الإجابة على إشكاليات الفكر الفقهي التقليدي وتسويغ عملهم أمام المشككين في أوساط المنظومة الدينية الشيعية التي كانت لا تستسيغ العمل السياسي عموماً، والعمل الحزبي خصوصاً.
القيادة الرباعية
3- كان السيد الصدر يدير الاجتماعات التحضيرية والتأسيسية في النجف الأشرف، وأدار اجتماع أداء القسم في كربلاء، وكان المفروض أن يكون أول من يقسم قسم الانتماء للحزب؛ لولا إصراره على أن يكون السيد مرتضى العسكري أول من يؤدي القسم؛ باعتباره أكبر الأعضاء سناً (كان عمر العسكري آنذاك 45 سنة والصدر 22 سنة)، وأقسم بعده السيد محمد باقر الصدر قسم الانتماء للحزب مباشرة؛ فكان ثاني من يقسم.
4- اختار السيد الصدر للحزب اسم “الدعوة الإسلامية”، ونظّر لهذه التسمية كثيراً، ولم يكن اسماً؛ بل صفة وغاية وهدفاً ووظيفة.
5- كان السيد الصدر العضو الأبرز في القيادة الرباعية الأولى (وإن لم تكن تسمى حينها قيادة رسمياً؛ بل تسمى لجنة العمل) التي تألفت بعد مرحلة التأسيس؛ والمؤلفة من السيد محمد باقر الصدر والسيد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل والسيد مرتضى العسكري، وكان الصدر يدير اجتماعاتها، وبمثابة أمينها.
رد المرجعية على البعث
6- كان المشهور في مركز القرار الحوزوي النجفي والإيراني وأوساط المرجعيات الدينية، وقيادات الأحزاب السياسية العراقية واللبنانية والإيرانية؛ بأن السيد محمد باقر الصدر هو مؤسس حزب الدعوة الإسلامية ويقوده، فقد كشف حزب البعث العراقي هذا الأمر في وقت مبكر؛ فقام في عام 1961 أحد قيادييه في النجف (حسين الصافي) بزيارة المرجعين السيد محسن الحكيم والسيد ابو القاسم الخوئي؛ وأبلغهم بخطورة الحزب الجديد الذي أسسه الصدر ويقوده؛ فكان جواب السيد الحكيم للصافي وهو ينهره: ((وهل تتصور أنك أحرص من السيد الصدر على الحوزة والنجف؟))، وكان جواب السيد الخوئي له: ((إذا كان السيد الصدر قد أسس هذا الحزب ويقوده؛ فأنا أول من ينتمي إليه))، وقد روى ذلك لي الشيخ محمد باقر الأنصاري الذي كان حاضراً اللقاء. كما روى لي السيد موسى الخوئي أنه تحدث مع جده الإمام الخوئي حول الشائعات التي كان يثيرها بعض حاشية (مكتب) السيد الخوئي ضد السيد الصدر أمام الوفود الطلابية التي كانت تزور النجف للقاء المرجعيات الدينية، ومنها شبهة كون السيد الصدر حزبياً وأنه يقود حزب الدعوة، فقال الإمام الخوئي لحفيده السيد موسى: (( إذا كان محمد باقر الصدر في حزب الدعوة فأنا أيضاً سأكون في حزب الدعوة)). ونقل السيد كاظم الحائري عن المرجع الديني الإيراني السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي، أنه امتدح السيد الصدر حين طرح بعض علماء الدين في ايران أواخر الخمسينات موضوع تأسيس السيد الصدر لحزب الدعوة. كما أني اطلعت على وثيقة سرية لحزب “تودة” الشيوعي الإيراني صادرة في عام 1962 يؤكد فيها وجود حزب إسلامي شيعي في العراق اسمه حزب الدعوة ويقوده السيد محمد باقر الصدر، وكانت هذه الوثيقة ضمن محفوظات “السافاك” الإيراني (مخابرات الشاه). ومن المعروف أن بعض كوادر وقيادات حزب “تودة” الإيراني والحزب الشيوعي العراقي كان يتبادل المواقع التنظيمية بين الحزبين، فضلا عن تبادل المعلومات بينهم لمواجهة الحركة الدينية في العراق وإيران.
الدعاة الأوائل
7- إن معظم تلاميذ السيد الصدر كانوا من الدعاة الأوائل أو دعاة المراحل اللاحقة، وأصبحوا من قيادات الحزب وكوادره فيما بعد، وكان هو الذي يبادر بتحريك بعض تلاميذه لضم زملائهم الآخرين الى الحزب، وانتهى الأمر في عام 1979 الى أن يكون ما يقرب من 60 بالمئة من تلاميذه، وحوالي 80 بالمئة من وكلائه في المدن العراقية كافة؛ أعضاء في حزب الدعوة. وبعد أن أصدر السيد الصدر حكمه الشرعي بفصل العمل الحزبي عن الحوزة العلمية في عام 1973؛ بهدف حفظ الحوزة العلمية النجفية والمرجعية الدينية وحزب الدعوة؛ فإنه استثنى بعض تلامذته داخل العراق، وكذلك وكلاؤه في المدن وتلامذته في خارج العراق؛ حرصا على عدم إضعاف مسيرة الحزب وتنظيماته، وقد ألغى السيد الصدر حكمه نهائيا من خلال رسالته التي حملها تلميذه السيد عبد الكريم القزويني الى قيادة الحزب خلال تواجدهم في مكة المكرمة في موسم الحج العام 1979.
8- لم يحصل خلاف فكري أو منهجي أو سياسي مهم بين السيد الصدر وحزب الدعوة أو قيادته طيلة حياته، أما الحالات التي أدت الى خلافات في الرأي والتوجه الميداني؛ فكان ذلك يدل على التلاحم بين الطرفين، وتدخل السيد الصدر المباشر في شؤون الحزب، وهو أمر طبيعي يحصل في كل الأحزاب والتيارات والتنظيمات؛ فقد كانت الخلافات النظرية الميدانية والمزاجية بين أعضاء قيادة حزب الدعوة أنفسهم أكبر بكثير من أي خلاف مع السيد الصدر؛ صحيح إن السيد الصدر كان يبدي انزعاجه من تصرفات بعض قياديي "الدعوة" في الخارج وتصريحاتهم وكتاباتهم؛ كالشيخ علي الكوراني بالتحديد؛ ولكنها عموماً كانت تباينات لا تتجاوز الخلاف بين أبناء البيت الواحد.
التنظيم العسكري
9- كان السيد الصدر بعد عام 1974، وعلى إثر الضربتين الموجعتين اللتين وجهتهما دولة حزب البعث لحزب الدعوة؛ يجتمع مباشرة بالدعاة العسكريين والقائمين على التنظيم العسكري، ويدعوهم الى تقوية التنظيم العسكري؛ لأنه الوحيد ـ في ظل القمع الشديد والإعدامات المتوالية ـ القادر على كبح جماح السلطة، وكان أحياناً يبدي عدم رضاه على حجم هذا التنظيم ويدفعه باتجاه الفاعلية الأكبر كمّاً ونوعاً، وبدأ من ذلك التاريخ يخصص للتنظيم العسكري أموالاً مما يصله من حقوق شرعية وحتى استشهاده.
10- كان السيد محمد باقر الصدر حتى تاريخ استشهاده يدعو من يجتمع به من قيادة حزب الدعوة في الداخل ووكلائه ومعتمديه "الدعاة" في المدن العراقية بضرورة النهوض بعملية ضم الشباب المتدين الى حزب الدعوة. وقد نقل لي عدد من وكلائه ومعتمديه؛ كالسيد حسن شبر والشيخ عبد الحليم الزهيري؛ بأن السيد الصدر في اجتماعاته الخاصة بهم في أواسط عام 1979 كان يؤكد توسيع التنظيم وضم شباب جدد إليه، كما كان يجتمع بقيادة حزب الدعوة في الداخل مباشرة ويوجههم ويتابع عملهم، ولم تكن قيادة الداخل تخطو أي خطوة ستراتيجية دون الرجوع اليه، ومن بين من كان يجتمع بهم من القياديين بانتظام: السيد حسن شبر ومهدي عبد مهدي وجواد الزبيدي.
الوقوف بوجه صدام
11- ظل السيد الصدر خلال عامي 1979 و1980 يكرر توصيته الى مقربيه بالاهتمام بحزب الدعوة وبشبابه، وقد سمع مقولاته المتواترة المشهورة ((أوصيكم بالدعوة خيراً فإنها أمل الأمة)) و((أوصيكم بشباب الدعوة فإنهم أملي)) كثير من تلامذته ومقربيه، ومنهم السيد محمود الهاشمي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر والشيخ محمد رضا النعماني، ونقلوها عنه مباشرة.
12- رفض السيد الصدر رفضاً قاطعاً طلب صدام المتكرر إصدار فتوى بحرمة الانتماء لحزب الدعوة مقابل إيقاف قرار إعدامه؛ ولكنه فضّل الموت على ذلك؛ ولذلك كان حكم إعدامه طبقاً للقرار 461 الصادر في 31 آذار من عام 1980، على وفق المادة 156 عقوبات، والقاضي بإعدام كل من ينتمي الى حزب الدعوة ويروج افكاره ويعمل على تحقيق أهدافه.
وهناك قرائن ثانوية تشير جميعها الى أن السيد محمد باقر الصدر كان أبرز مؤسسي حزب الدعوة؛ بل أن مسيرة التأسيس وسنوات الحزب الأولى أفرزته القيادي الأكثر تأثيراً؛ رغم أنه كان أحد الأعضاء الأصغر سناً بين المؤسسين العشرة؛ إذ كان السيد محمد باقر الحكيم الوحيد الذي يصغره سناً، أما السيد مهدي الحكيم فكان بعمره، أما المؤسسون السبعة الآخرون فكانوا أكبر منه سناً.
الانشقاق الخطير 1963
وفي السنوات اللاحقة؛ أي بعد انسحاب السيد الصدر من التنظيم عام 1961؛ إثر طلب المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم إليه أن يبقى مرشداً للحزب؛ ولكن من خارج الحزب؛ فإن علاقته بالدعوة ظلت تلاحمية وقريبة جداً؛ إذ ظل يتابع شؤون الحزب ويتدخل لحل ما يعترضه من مشاكل وخلافات داخلية، ويشارك في التنظير والتخطيط له، وكانت أهم قضية تمكن من حسمها هو منع انهيار حزب الدعوة في عامي 1963 و 1964؛ إثر حدوث خلاف عميق بين قيادة الحزب في بغداد ممثلة بالثنائي محمد هادي السبيتي وعبد الصاحب دخيل ومعهم الشيخ عارف البصري، ولجنة النجف ممثلة بالسيد طالب الرفاعي والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ كاظم الحلفي والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين، وصدور بيانين انشقاقيين داخليين من الطرفين يفصل كل منهما الآخر من الحزب؛ فكان تدخل السيد الصدر حازماً في إنهاء الأزمة. بيد أن شوائب تعرضت لها علاقة السيد الصدر ببعض قياديي الحزب في عقد السبعينات من القرن الماضي؛ وتحديداً مع محمد هادي السبيتي والشيخ علي الكوراني؛ الى مستوى التعارض في بعض القرارات، ولاسيما الفترة من عام 1972 وحتى مطلع 1979؛ وهي المرحلة التي كان فيها محمد هادي السبيتي القيادي الأول في الحزب؛ أي أن طبيعة العلاقة بين السيد الصدر وقيادة “الدعوة” ظلت ترتبط بنوعية حراك السيد الصدر في مواجهة النظام، ورؤية القياديين النافذين في “الدعوة” لهذه المواجهة؛ ففي الوقت الذي بادرت قيادة حزب الدعوة في الداخل الى مبايعة السيد محمد باقر الصدر العام 1979 على السمع والطاعة؛ فإن بعض أعضاء القيادة في الخارج كانوا يرون التريث في المواجهة لحين استكمال أدوات المعركة مع النظام العراقي، بينما كانت قيادات الداخل والقتالية والتنفيذية وكذا معظم القيادة العامة مع التصعيد؛ وهو مالم يكن يراه السبيتي.
موانع الإجتماع الديني والسياسي أمام انتشار حزب الدعوة
في الوقت الذي كانت هناك حواضن لحزب الدعوة، وبيئات دينية واجتماعية ومؤسسات ثقافية استثمرها الدعاة؛ فقد كانت هناك عقبات كبيرة أمام «الدعوة» وانتشارها وتمددها، فبعد مرحلة التأسيس الصعبة؛ واجه حزب الدعوة واقعاً أصعب خلال مرحلة الانتشار الأولى؛ التي استمرت حتى نهاية عام 1961، وتمثلت إشكاليات هذا الواقع بما يلي:
1- إشكالية النظام السياسي في العراق؛ المبني على ركيزتي العنصرية والطائفية (عرب / سنة ) وهو نظام قديم موروث تتمظهر ركيزتاه في تهميش الشيعة واضطهادهم على أساس طائفي، وتهميش الكرد والتركمان على أساس عنصري.
2- إشكالية المنظومة الدينية الشيعية وموروثاتها الاجتماعية والسياسية في ما يرتبط بموضوعتي السياسية والدولة، وعلاقة الاجتماع السياسي الشيعي بالدولة والسلطة والمجتمع السياسي الرسمي؛ وهي علاقة انكفاء وقطيعة غالباً.
3- إشكالية انتماءات النخبة الشيعية؛ الموزعة بين أحزاب السلطة الملكية، والتنظيمات القومية؛ العربية والكردية، والتنظيم الشيوعي، والتنظيمات الإسلامية السنية، وهذه الانتماءات هي قسرية وغير موضوعية غالباً؛ لأن النخب الشيعية عندما تريد التعبير عن نفسها سياسياً واجتماعياً وثقافيا؛ فإنها لم تكن تجد أمامها غير هذه التنظيمات العلمانية القومية والأممية أو الإسلامية السنية، (مقولة للسيد مرتضى العسكري(
4- الموقف الفقهي والاجتماعي التقليدي للحوزة العلمية في النجف الأشرف؛ الذي لا يستسيغ التنظيم والتحزب والعمل السياسي وقيام دولة إسلامية، ويكمل هذا الواقع؛ غياب الموقف الفقهي في الموضوعات السياسية.
5- الأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها الشيعة في مختلف دول العالم؛ ولاسيما في العراق ولبنان وإيران والكويت والسعودية والبحرين وباكستان وأفغانستان.
6- فاعلية الحركات الإسلامية السنية؛ التي تعمل على الاستحواذ على الساحة الإسلامية بجانبيها السني والشيعي.
حوزة النجف والخط الثالث
وعلى مستوى الحوزة العلمية النجفية؛ فقد عاش حزب الدعوة حالة الثنائية بين مرجعية الإمام الحكيم الإصلاحية ومرجعية الإمام الخوئي المحافظة، واستطاعت «الدعوة» إيجاد خط ثالث فاعل؛ ولكنه خفي وغير منظور؛ إلا أنه كان يتمظهر غالباً في الفعاليات والنشاطات المحسوبة على مرجعية الإمام الحكيم وجماعة العلماء في النجف الأشرف وكلية الفقة، وبذلك أصبح واقع الاجتماع الديني النجفي ينقسم في عقد الستينيات من القرن الماضي الى ثلاثة تيارات رئيسة:
أولا: التيار الوسطي الإصلاحي؛ المتمثل في مرجعية الإمام السيد محسن الحكيم، وسمته: إصلاح شامل في الأمة وإصلاح مقيد في السلطة، ويتكون من خليط من علماء دين عراقيين وعرب وإيرانيين، وشبكة من البيوتات النجفية الدينية؛ العراقية وذات الأصول الإيرانية.
ثانياً: التيار التقليدي المحافظ؛ المتمثل في مرجعية الإمام السيد ابي القاسم الخوئي، وسمته: إصلاح تقليدي في الأمة وانكفاء في موضوعة السلطة، ويتكون معظم التيار من علماء دين إيرانيين؛ فرس وأذربيجانيين ( كان الإمام الخوئي من القومية الآذربيجانية الإيرانية(.
ثالثاً: التيار التغييري الثوري؛ المتمثل في خط الفقيه الشاب السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة الإسلامية، وسمته: إصلاح شامل في الأمة وتغيير جذري في السلطة، ويتكون معظم التيار من علماء دين شباب عراقيين وعرب وإيرانيين، وناشطين من غير علماء الدين من البيوتات الدينية النجفية والعراقية والعربية.
المحافظون والإصلاحيون والثوريون
وبالرغم من أن تيار الصدر/ حزب الدعوة؛ كان يحظى بدعم المرجعين الحكيم والخوئي، ويحتمي بهما حوزوياً وثقافياً واجتماعياً، ويحصل منهما على الدعم المالي والمعنوي؛ ولكنه كان يصطدم بشخصيات مؤثرة في مكاتبهما وفي إطار مرجعياتهما؛ لم تخف امتعاضها من وجود تيار إسلامي حزبي تغييري سياسي ثقافي يتعارض والطابع التقليدي المحافظ لحوزة النجف. في حين كان شخصا المرجعين الحكيم والخوئي ينظران بعين العطف والحماية للسيد الصدر وحزب الدعوة، الأمر الذي يقود الى نتيجة راسخة مفادها بأن الاجتماع الديني الشيعي العراقي لا يمكن أن يسير وينجح وينمو إلّا بوجود التيارات الثلاثة المذكورة ( المحافظة والإصلاحية والثورية )؛ فهي ضرورية للإبقاء على حالة التوازن، شريطة أن تحافظ على تفاهمها وتكاملها وتوزيع الأدوار في ما بينها؛ كما كان الوضع عليه في عهد مرجعية الإمام الحكيم، وهذه المهمة الصعبة تقع على عاتق المرجع الأعلى في النجف حصراً؛ فهو الكفيل بتقوية التيارات الثلاثة معاً وخلق حالة التوازن بينها، وتنظيم أدوارها، وهو ما نجح فيه الإمام الحكيم والإمام الخوئي، ثم الإمام السيستاني فيما بعد؛ مع وجود تفاوت في نسب النجاح بالطبع؛ تبعاً لنوعية النظام السياسي الحاكم ولقدرة المرجع الأعلى على الإدارة العامة.
مرجعية السيد السيستاني
مع الأخذ بالاعتبار ان الفرصة التي توافرت للإمام السيستاني بعد عام 2003 لم تتوافر لغيره من المرجعيات على مر التاريخ؛ إلّا لعدد محدود؛ كالشيخ المفيد والشريف المرتضى والشيخ الطوسي في بغداد خلال المرحلة البويهية، والشيخ الكركي والشيخ البهائي والشيخ المجلسي خلال المرحلة الصفوية. وقد يرى بعض المراقبين مفارقة في هذا المجال؛ فكيف يدعم التيار الديني التقليدي المحافظ تياراً إصلاحياً وآخر ثورياُ، أو العكس!؟. والحقيقة أن من يعرف جزئيات تفكير المرجعية النجفية العليا وحركتها؛ يفهم بأن هذه المرجعية تمارس ـ عادة - دور الأبوة لكل التيارات والوجودات في الوسط الشيعي، وتعمل على حمايتها وعدم التفريط بها، وشدها إليها بهدوء وصبر؛ للحؤول دون انكفائها خارج المنظومة الدينية الشيعية؛ سواء كانت المرجعية نفسها ثورية أو إصلاحية أو محافظة.
حكومة عبد الكريم قاسم
لقد مارس حزب الدعوة الإسلامية نشاطه التنظيمي السري، والثقافي العلني عبر واجهات مختلفة؛ بشكل واسع بعيد انقلاب 14 تموز 1958؛ مستثمراً حالة حرية الرأي التي أوجدتها حكومة عبد الكريم قاسم؛ والتي تسببت في الوقت نفسه بانتشار موجات الإلحاد والأفكار العلمانية، فكانت هناك حاجة ملحة للتخفيف من وطأة تأثير هذه الموجات والتيارات على المجتمع العراقي، فضلاً عن الحاجة الى بناء كتلة مؤمنة تغييرية قوية تعمل على بناء المجتمع عقائدياً؛ تمهيداً لإقامة دولة إسلامية؛ وهو المطلب شبه النهائي لحزب الدعوة، وعليه؛ لم يكن تأسيس «الدعوة» في حقيقة الأمر؛ رداً على تلك التيارات، وعلى الأحداث والأوضاع التي أفرزها انقلاب 14 تموز، أو المد الشيوعي، أو ليكون حزباً في مقابل الأحزاب الأخرى؛ بل كان مؤسسو حزب الدعوة ينظرون الى عملهم باعتباره فعلاً ستراتيجيا ًبعيد المدى، وذا أهداف كبيرة؛ بعيداً عن الأجواء الانفعالية والمؤثرات الآنية.
انتشار الحزب
وانطلق الدعاة الأوائل يوسعون صفوفهم وينشرون تنظيمهم؛ فوجدوا أرضية خصبة في أواسط علماء الدين وطلبة الحوزة العلمية النجفية، وطلبة الجامعات والمعاهد في بغداد والبصرة والموصل وغيرها، وتغلغلت تنظيمات الحزب في الوسط الديني في النجف وكربلاء وبغداد والبصرة تغلغلاً كبيراً، وانفتح الحزب على غير العراقيين، وعلى أبناء الريف من الطبقات المتوسطة والمنخفضة، كما استقطب بكثافة غير مسبوقة أبناء القوميات غير العربية في العراق من كرد فيليين وتركمان وشبك وفرس، وقدر عدد أعضاء الحزب عام 1960 بما يقرب من مائة عضو، ولكن العدد تضاعف بشكل كبير حتى عام 1963 بعد انتقال مركزية القيادة من العاصمة الدينية النجف الى العاصمة السياسية بغداد.
مرحلة «الدخيل» و «السبيتي»
وشهدت الطفرة العددية الكبيرة للحزب بعد عام 1964 حين أمسك بالتنظيم عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي، وقد شهدت انضمام بعض المتدينين السنة الى حزب الدعوة؛ في العراق وخارجه؛ من منطلق رؤية القيادي محمد هادي السبيتي للدعوة باعتبارها حزباً عابراً للمذاهب، وكانت هذه الرؤية تحظى بقبول القياديين الآخرين عبد الصاحب دخيل والشيخ عارف البصري، ومعارضة قياديين آخرين؛ ولاسيما علماء الدين؛ كالسيد مرتضى العسكري، وظلت الرؤية العابرة للمذاهب تصطدم بالواقع وبموروثات الاجتماع الديني للمسلمين؛ بل ظلت تصطدم بالرؤية العقائدية والفقهية التي يطرحها غالبية علماء الدين في حزب الدعوة، وما لبثت أن انهارت الرؤية الانفتاحية للسبيتي بمرور السنين؛ ولاسيما بعد الصدام الشامل بين «الدعوة» والنظام العراقي عام 1979.
عالمية الدعوة
وكان تعدد الانتماءات الاجتماعية والوطنية والقومية لأعضاء حزب الدعوة الأوائل؛ يسهم في تمكين حزب الدعوة من النفوذ في البلدان الأخرى، وقد أضافت هذه التعددية كثيراً لحزب الدعوة؛ إذ كان لها أكبر الأثر في مراكمة التنوع الثقافي الاجتماعي في بنية حزب الدعوة التنظيمية، وكانت تنسجم مع عالمية «الدعوة» وفكرها، واستطاع حزب الدعوة صهر هذا التنوع في بوتقته الفكرية، واستثمار إيجابياته وتجاوز سلبياته؛ مستفيداً بذلك من التجربة النجفية الوطنية والعالمية التي يزيد عمرها على الألف عام؛ على اعتبار أن حزب الدعوة هو وليد طبيعي للبيئة النجفية؛ وهي البيئة التي ظلت تمثل نتاجاً لتفاعل بيئات ثقافية اجتماعية متنوعة، وظل هذا النتاج غنياً، ومتفوقاً في عمقه وسعة أفقه على الأحاديات الثقافية المحلية؛ وهي ميزة نادرة تتمتع بها البيئة النجفية، وظلت تطبع حزب الدعوة بطابعها طيلة مراحل انتشار الحزب وامتداد تنظيماته الى مختلف مدن العراق وغيره من البلدان العربية والإسلامية.
ولم يؤثر انفتاح حزب الدعوة على المدن والقوميات والبيئات الاجتماعية العراقية والعربية والمسلمة في الحفاظ على جذوره النجفية؛ فقد بدأ حزب الدعوة نجفياً في انتمائه الثقافي والاجتماعي؛ واستحال عراقياً وعالمياً في تنوع انتماءات أعضائه؛ إلّا أنه من الناحية الفكرية والتقاليد الدينية؛ بقي ينتمي الى مدرسة النجف الأشرف.
تحدي مرحلة المهجر
وربما كانت مرحلة المهجر هي التحدي الأكبر الذي واجه حزب الدعوة على هذا الصعيد؛ ولاسيما حين تواجدت قيادته في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ حيث تأثيرات البيئة الفكرية الدينية الإيرانية وتقاليدها، ثم ظهور تيار مهم من فقهاء «الدعوة»؛ كالسيد كاظم الحائري والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري وآخرين، وكثير من مثقفيها؛ يدعو الى الذوبان في قيادة الإمام الخميني والدولة الإسلامية على وفق مبنى السيد محمد باقر الصدر؛ وهو مبنى لم يكن مألوفاً في النجف الأشرف. وفي مرحلة لاحقة اتجه عدد غير قليل من "الدعاة" الى اتباع مدرسة السيد محمد حسين فضل الله غير التقليدية؛ المتباينة الى حد ما في تقاليدها الفكرية والدينية عن مدرسة النجف؛ على الرغم من انتماء السيد فضل الله اجتماعياً وعلمياً الى النجف. و لكن في المحصلة بقيت بوصلة حزب الدعوة تشير غالباً الى مدرسة النجف، وهذا الأمر لا يزال قائماً؛ حتى في خضم الجدليات الجديدة/القديمة التي تحكم العلاقة بين حزب الدعوة والمرجعية النجفية.
لتوضيح طبيعة تأثير الأفراد في التحولات الفكرية والسياسية والتنظيمية داخل حزب الدعوة، أو ما يمكن التعبير عنه بحجم التنظير الفكري والفعل التنظيمي والتأثير السياسي؛ نشير الى أهم الشخصيات القيادية الفكرية والميدانية التي طبعت حزب الدعوة الإسلامية بطابعها؛ منذ تأسيسه وحتى كتابة هذه السطور:
1- المرحلة التأسيسية وما بعدها (1957 - 1961): هي مرحلة السيد محمد باقر الصدر النجفية، ويلي الصدر في التأثير عبد الصاحب دخيل والسيد محمد مهدي الحكيم، ثم محمد هادي السبيتي بعد عام 1959، وفيها شهد الحزب أهم فصول التأصيل الفكري لنظريته، وبدأ يزحف تنظيمياً بهدوء خارج النجف باتجاه كربلاء والكاظمية وبغداد والبصرة ابتداءً. وهذه المرحلة تمثل مرحلة قيادة علماء الدين؛ فقد كان ثلاثة من أعضاء القيادة من علماء الدين وواحد فقط من غير علماء الدين. وانتهت هذه المرحلة بخروج اثنين من أعضاء القيادة المؤسسين من الحزب؛ هما السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم، ولحق بهما عضو مؤسس ثالث هو السيد محمد باقر الحكيم. وبذلك يكون أربعة من مؤسسي الحزب قد تركوا التنظيم؛ إذ سبقهم في الخروج محمد صادق القاموسي عام 1959. قيادة مرتضى العسكري
2- المرحلة الثانية ( 1961 - 1963): مرحلة السيد مرتضى العسكري البغدادية؛ يليه في التأثير الثنائي عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي، وهي المرحلة التي تسلم فيها العسكري مسؤولية اللجنة القيادية للحزب، وخلالها بدأ التحول التدريجي في بنية الحزب الحركية؛ ليأخذ شكله الحزبي الحديث، وقد بدأت هذه المرحلة بإعلان السيد مرتضى العسكري؛ عضو القيادة الرباعية العامة ومسؤول لجنة بغداد؛ بتحويل لجنة بغداد الى قيادة عامة؛ بموافقة السيد محمد باقر الصدر. وكانت لجنة بغداد تضم الى جانب العسكري عضوين هما عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي، وبذلك أضيف الى القيادة عضو جديد هو محمد هادي السبيتي، واحتفظ العسكري ودخيل بعضويتهما في القيادة. ثنائي قيادة بغداد
3- المرحلة الثالثة (1963 - 1971): مرحلة الثنائي عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي البغدادية؛ يليهما في التأثير الشيخ عارف البصري؛ وذلك بعد أن ترك السيد مرتضى العسكري مسؤولية اللجنة القيادية عام 1963. وتشكلت القيادة الرباعية ـ ابتداءً ـ من اثنين من علماء الدين هما الشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ عارف البصري، واثنين من غير علماء الدين؛ هما عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي، إلّا أن المسؤول البارز في لجنة النجف الشيخ عبد الهادي الفضلي اعترض على تساوي عدد علماء الدين مع غير علماء الدين في القيادة الجديدة، وطالب بإضافة عضو جديد من علماء الدين، وكان يقترح السيد محمد حسين فضل الله أو الشيخ محمد مهدي شمس الدين؛ اللذين كانا يدعمان الفضلي في توجهه، ولكن بعد فصول طويلة من الخلافات استمرت أكثر من سنة؛ تمكن السيد محمد باقر الصدر من حسمها عام 1964؛ خرج الفضلي وآخرون من الحزب؛ لتنتهي الأزمة بهيمنة غير علماء الدين على قيادة الدعوة.
بيد أن السيد العسكري والسيد الصدر لم يكونا يخشيان على سلامة فكر الحزب وعمله من المناصفة في القيادة بين علماء الدين وغير علماء الدين؛ لثقتهما الكاملة بسلامة فكر دخيل والسبيتي. ويمكن القول: إن هذه المرحلة هي الأهم في تاريخ الحزب؛ من ناحية اكتمال البناء الفكري والتنظيمي للدعوة، وكان خلالها الثنائي عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي يمسكان بجميع مفاصل العمل بشكل متوازن ومتكامل؛ على وفق الاختصاص، وقد يحصل تقدم وتأخر لأحدهما على الآخر على وفق الظروف. وكانت طبيعة المواهب الشخصية لكل منهما تجعله يتميز بدور معين؛ فمثلاً عبد الصاحب دخيل كان يمسك بالتنظيم المركزي لحزب الدعوة، أي أن أكثر من 75 بالمئة من خيوط التنظيم كانت بيده، وأحيانا يفوضها لبعض من كان معه في الحلقة التنظيمية المركزية، بينما كانت الـ 25 بالمئة يتقاسمها محمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري. وعلى هذا الأساس يمكن القول إن “دخيل” كان القائد التنظيمي للدعوة، بينما لم يكن محمد هادي السبيتي منشغلاً كثيراً بهموم التنظيم وخيوطه وخطوطه؛ قدر انشغاله بالتنظير للحزب والتخطيط له. ومن هنا يصح القول بأن السبيتي كان القائد الفكري للدعوة ومنظرها، وهذا لا يعني أن عبد الصاحب دخيل لم يكن ينظِّر للدعوة؛ فكثير من نشرات الفكر التنظيمي كان يكتبها بنفسه، فضلاً عن أن بعض تنظيمات الدعوة كان يشرف عليها السبيتي، وبالتالي كان لكل منهما موقعه القيادي المتفرد.
بين الكوراني وعز الدين سليم
وفي هذا الصدد تتباين الآراء الى حد ما؛ فهناك قياديون ومسؤولون رواد يؤكدون بأن مرحلة ما قبل عام 1971 كانت مرحلة عبد الصاحب دخيل بامتياز، ويتبنى هذا الاتجاه بقوة الشيخ علي الكوراني؛ الذي يعتقد بأن عبد الصاحب دخيل هو الرجل الأول في الدعوة منذ التأسيس وحتى استشهاده، بينما يرى آخرون بأن محمد هادي السبيتي كان الرجل الأول في الدعوة منذ عام 1961 وحتى عام 1980، ويتبنى هذا الاتجاه بقوة عز الدين سليم. ولكني بعد دراسة وافية لدور كلا الرجلين اعتماداً على تأكيدات قادة العمل ولاسيما العاملين معهما؛ توصلت الى الحقيقة أعلاه؛ والمتمثلة في كون “دخيل” كان القائد التنظيمي، و”السبيتي” كان القائد الفكري والسياسي، وأكد لي السيد حسن شبر هذا الرأي؛ لأنه أكثر شخص كان لصيقاً بهما وبمسؤوليتهما طيلة فترة عملهما في الدعوة. وشهدت المرحلة خروج مؤسس خامس من الحزب هو السيد طالب الرفاعي في عام 1969. وبذلك يكون عدد المؤسسين الذين خرجوا من الحزب حتى عام 1969 خمسة مؤسسين من مجموع عشرة؛ أي 50 بالمئة من المؤسسين.
استشهاد دخيل والبصري
4 - المرحلة الرابعة (1972 - 1980): وهي مرحلة محمد هادي السبيتي المهجرية؛ يليه الشيخ عارف البصري في التأثير حتى إعدامه عام 1974؛ ثم الشيخ محمد مهدي الآصفي بعد عام 1979، وقد بدأت هذه المرحلة بإقدام سلطات البعث على اعتقال عبد الصاحب دخيل ثم إعدامه خلال عام 1972؛ فيما هجر محمد هادي السبيتي العراق في أواخر عام 1971 الى لبنان، وبهذا أصبح السبيتي القيادي الأول في الخارج، والبصري القيادي الأول في العراق. وبعد إعدام الشيخ عارف البصري في عام 1974 والتصدع النوعي لقيادة الحزب وتنظيماته؛ فقد العراق ثقله القيادي الدعوي، وتنازل عن ثقله الى لبنان والكويت وايران؛ ففي الكويت بات يتواجد عدد كبير من القياديين والكوادر المتقدمة العراقيين؛ كالشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ علي الكوراني والسيد هاشم الموسوي والسيد عبد الأمير علي خان وعز الدين سليم وغيرهم. بينما كانت لبنان تمثل الثقل الأول قبل الكويت؛ بوجود القياديين اللبنانيين فيها؛ يتقدمهم رجل الحزب الأول محمد هادي السبيتي، إضافة الى السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ صبحي الطفيلي وآخرين. أما ايران فكانت تمثل الثقل الثالث بوجود قياديين وكوادر متقدمة من ذوي الأصول الإيرانية؛ كالسيد مرتضى العسكري والسيد كاظم الحائري والشيخ محمد علي التسخيري. ولكن بعد إعدام الشيخ عارف البصري عام 1974 فقد بقي موقع الرجل الثاني في الحزب شاغراً حتى عام 1979؛ حين برز الشيخ محمد مهدي الآصفي رجلاً ثانياً في الحزب بعد محمد هادي السبيتي؛ بالرغم من محاولات الشيخ علي الكوراني منافسة الآصفي على هذا الموقع.
انتشار الحزب أفقياً وعمودياً
واللافت أن تصدع الثقل القيادي للحزب في العراق وتنظيماته بعد عام 1974؛ قابلته خمس ظواهر إيجابية مهمة:
الظاهرة الأولى: التوسع الأفقي الكبير لتنظيمات الحزب داخل العراق؛ فقد شهدت المفاتحات خلال الأعوام 1976 وحتى 1979 كماً كبيراً يعادل كل ما كسبه الحزب من أعضاء طيلة تاريخه، وكان الكسب الجديد يتركز في ثلاث محطات مدنية أساسية هي جامعة بغداد وجامعة البصرة وجامعة الموصل.
الظاهرة الثانية: النمو الأفقي والعمودي لتنظيمات الحزب العسكرية؛ بشكل غير مسبوق؛ الى مستوى استوعب معظم قطاعات مؤسسة الجيش، ومن بين مئات الضباط التي استوعبتهم خطوط الدعوة؛ كان هناك دعاة يحملون رتباً عالية؛ فضلاً عن عدد من الطيارين.
الظاهرة الثالثة: توسع تنظيمات الحزب أفقياً وعمودياً خارج العراق؛ بسبب الهجرات المكثفة للدعاة واستقرارهم في الدول العربية، ولاسيما لبنان والكويت والإمارات المتحدة، والدول الأوروبية، ولاسيما بريطانيا، وفتح ذلك أمام الحزب أبواب استقطاب أبناء هذه البلدان بكثافة.
الظاهرة الرابعة: تحوُّل الأسلوب التنظيمي للدعوة الى مزيد من الحديدية والسرية؛ دفعاً لاختراق أجهزة النظام وضرباته، وبلغ الأمر أن يتحول الإتصال التنظيمي من الأسلوب العنقودي الى الأسلوب الخيطي؛ فأصبح كل داعية مسؤولاً عن داعية واحد فقط في المدينة العراقية الواحدة، وينتهي الخيط الى داعية يقيم في مدينة أخرى، ويكون مسؤول هذا الداعية مقيماً في خارج العراق، فمثلاً مسؤول تنظيم النجف يقيم في البصرة، وكان ارتباط هذا المسؤول بقيادي يقيم في الكويت. وبذلك تمكن الحزب خلال أربع سنوات من الاختفاء تماماً عن أعين السلطة؛ حتى تصورت أنها قضت على حزب الدعوة نهائياً؛ وهو ما تكشف عنه تقاريرها في عام 1976، ولكنها فوجئت بحجم تنظيمات الدعوة وقوتها خلال تحرك الشهيد الصدر خلال حزيران من عام 1979 وما بعده.
الظاهرة الخامسة: تواجد معظم قياديي الدعوة وكثير من كوادرها خارج العراق وفي دول محددة؛ كلبنان والكويت وإيران؛ سمح له بكثير من الحرية بالانفتاح الأفقي بين هذه القيادات والكوادر؛ الأمر الذي كان يتيح لهم التنسيق الجماعي المباشر على مختلف الصعد.
وشهدت فترة مابعد عام 1974 دخول السيد محمد باقر الصدر في صلب عمل الدعوة في الداخل، وتواصله المباشر مع قادة الدعوة في داخل العراق، وإصغاء هؤلاء لتوجيهاته أكثر من إصغائهم لقيادات الدعوة العامة في خارج العراق؛ حتى أصبحت العلاقة بين تنظيمات حزب الدعوة في الداخل والسيد الصدر علاقة قائد ومقودين؛ ولاسيما بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران في شباط/ فبراير عام 1979، وبروز السيد الصدر قائداً للتحرك الإسلامي الثوري المعارض للنظام الحاكم في العراق.
الكفاح المسلح
وكانت أبرز الأحداث التي ميزت هذه المرحلة؛ دخول حزب الدعوة مرحلة الصراع السياسي والكفاح المسلح في نهايات عام 1979؛ بعد حوالي 22 عاماً من العمل السري التغييري الفكري، وكذلك صدور قرار رسمي من رئيس النظام العراقي في 31 آذار 1980 بإعدام كل من ينتمي الى حزب الدعوة ويروج أفكاره، أعقبه إعدام مؤسس الحزب الإمام السيد محمد باقر الصدر في 9 نيسان من عام 1980. كما أعلن صدام حسين الحرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في 22 أيلول/ سبتمبر من عام 1980؛ الأمر الذي فسح المجال لحزب الدعوة في الدخول في الحرب النظامية ضد دولة صدام حسين، إضافة الى عمله المسلح داخل العراق.
فترة المهجر
5- المرحلة الخامسة (1981 – 1992): وهي مرحلة الشيخ محمد مهدي الآصفي الإيرانية؛ يليه في التأثير السيد كاظم الحائري حتى عام 1984، ثم الدكتور إبراهيم الجعفري (الأشيقر) بعد عام 1990. وقد شهدت هذه المرحلة العمل بمبدأ القيادة الجماعية المنتخبة؛ تبعاً لواقع الانكشاف السياسي والهجرة التنظيمية الذي حصل بعد عام 1979؛ وتبلور مفهوم القيادة العامة والقيادات الإقليمية والتنظيم العالمي بشكل قانوني كما حدده النظام الداخلي الجديد. ولكن بعد سنوات معدودات انهار معظم تنظيمات الحزب غير العراقية؛ ولاسيما إقليم لبنان عام 1982 وإقليم الكويت عام 1983 وإقليم البحرين عام 1984 وإقليم افغانستان عام 1989 وغيرها؛ فضلاً عن المناطق التابعة لها؛ وصولاً الى انهيار التنظيم العالمي للحزب وحل القيادة العامة، وتحوّل الدعوة الى حزب عراقي، وفي هذه المرحلة ـ ولأول مرة في تاريخ الحزب تقيم معظم قيادات “الدعوة” في بلد واحد ( ايران )، وتتفرغ للعمل الحزبي.
يمكن تسمية الفترة من 1981 وحتى العام 1984 بمرحلة هيمنة الفقهاء على الحزب؛ إذ كان توجيه الحزب يتم عموماً من علماء الدين؛ وتحديداً الشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد كاظم الحائري والسيد مرتضى العسكري والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ محمد علي التسخيري، وقد حصلت هذه الهيمنة بعد التحولات الداخلية التي خرج فيها محمد هادي السبيتي من القيادة، ثم انشقاق معظم من كان يمثل خطه؛ يتزعمهم الشيخ علي الكوراني وعز الدين سليم (الشهيد عبد الزهرة عثمان)، والذي انتهى بتأسيس “حركة الدعوة الإسلامية” التي بقي يترأسها الداعية القيادي عز الدين سليم حتى اغتياله في بغداد العام 2004، إضافة الى استحداث منصب “فقيه الدعوة” الذي شغله السيد كاظم الحائري، ثم تأسيس “المجلس الفقهي” بعد تصويت “مؤتمر الزهراء” للحزب على إلغاء المنصب. إلّا أن مرحلة هيمنة الفقهاء بدأت بالأفول تدريجياً بعد العام 1984 بخروج الحائري والتسخيري من الحزب، وابتعاد العسكري وشمس الدين عنه، وانتخاب قيادة جديدة كانت فيها نسبة علماء الدين أقل من غير العلماء، وقد تسبب إلغاء مادة “المجلس الفقهي” من النظام الداخلي في انشقاق عدد من الدعاة وأسسوا “حزب الدعوة ـ المجلس الفقهي” الذي ما لبث أن انحل بعد سنوات قليلة.
الانتفاضة الشعبانية 1991
كما شهدت المرحلة الخامسة من تاريخ الحزب؛ بوادر سقوط نظام البعث في العراق؛ إثر إعلان غزو صدام دولة الكويت في العام 1990؛ أعقبه إخراج جيشه بالقوة منها في العام 1991، واندلاع الانتفاضة الشعبانية في العراق في 14 آذار من العام 1991؛ التي سقطت فيها 14 محافظة عراقية بيد الثوار من مجموع 18 محافظة عراقية، وقد أدخل هذا الواقع حزب الدعوة في مرحلة ممارسة سياسية صعبة؛ دخلت فيها الحركة الإسلامية العراقية المدعومة إيرانياً مرحلة التراجع؛ مقابل صعود الحركات العلمانية المدعومة أميركياً.
المرحلة الأوروبية
6- المرحلة السادسة (1992 –2007): وهي مرحلة الدكتور ابراهيم الجعفري الأوروبية ثم العراقية؛ يليه في التأثير داخل الحزب: علي الأديب ونوري المالكي. وفي هذه المرحلة أخذ نجم الشيخ محمد مهدي الآصفي يأفل بالتدريج، مقابل صعود نجم الدكتور إبراهيم الجعفري وعلي الأديب ونوري المالكي؛ فأصبح هذا الرباعي أبرز شخصيات “الدعوة”؛ حتى استقالة الآصفي من القيادة العام 1999، وحينها أصبح الفعل الأساس داخل “الدعوة” للثلاثي ابراهيم الجعفري وعلي الأديب ونوري المالكي.
سنوات الرماد
وفي هذه المرحلة؛ وبالتحديد حتى العام 2003؛ أخذت مرحلة تراجع دور الحركة الإسلامية العراقية المدعومة إيرانياً، مقابل صعود الحركات العلمانية المدعومة أميركياً، تتبلور بالتدريج، وقد أسميتها بـ “سنوات الرماد”. وفضلاً عن دعم واشنطن لأهم الجماعات العلمانية العراقية المعارضة؛ فقد دخلت لندن والرياض والكويت وعمّان على خط المعارضة العراقية أيضا، وأصبح لكل منها جماعات تدعهما؛ بعد أن ظل دعم المعارضة العراقية محصوراً من العام 1979 وحتى العام 1990 على دمشق وطهران فقط؛ وهو ما أحرج حزب الدعوة كثيراً حيال مسؤولياته وقواعده وجمهوره؛ بعد أن كان الجمهور الشيعي ينظر الى حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بأنهما يمثلانه في المعركة مع نظام صدام، والوحيدان الجديران بقيادة المعركة.
حزب الدعوة - تنظيم العراق
وقد أسهم انشقاق مجموعة من القياديين والكوادر في العام 1999 في إضعاف حزب الدعوة ودوره، وانتهى الانشقاق الى تأسيس تنظيم جديد حمل اسم “حزب الدعوة ـ مؤتمر الإمام الحسين”، ثم عرف فيما بعد بـ “تنظيم العراق”.
وكان “تنظيم العراق” سباقاً في تغيير النظام الداخلي للحزب وفي استحداث منصب الأمين العام؛ وذلك في العام 2004، وقد تم تعيين مفكر الحزب السيد هاشم الموسوي أميناً عاماً للتنظيم.
و في هذه المرحلة أيضاً اجتمعت قيادة حزب الدعوة للمرة الأولى في تاريخه في بلد واحد؛ هو العراق؛ بعد سقوط دولة حزب البعث العام 2003. وعلى إثر ذلك تسلم ممثل حزب الدعوة والقيادي الأبرز فيه ابراهيم الجعفري منصب رئيس مجلس الحكم الانتقالي ثم نيابة رئاسة الجمهورية ثم رئاسة الوزراء، وهي مرحلة مهمة؛ إذ تمت فيها إعادة البناء السياسي للحزب، وتفعيل تأثيره في الواقع السياسي العراقي؛ بعد أكثر من عقدين تراجع خلالهما تميزه السياسي والإعلامي.
ومن أبرز مظاهر هذه المرحلة التوقف الفكري للدعوة؛ وصولاً الى حالة التشتت في المسار الفكري، وغلبة فكر الحكم وممارساته على فكر الدعوة وممارستها.
مرحلة المالكي القوية
7-المرحلة السابعة (2007– حتى الآن ): هي مرحلة نوري المالكي العراقية؛ يليه في التأثير علي الأديب والدكتور طارق نجم والدكتور حيدر العبادي والشيخ عبد الحليم الزهيري، وهي مرحلة القوة التاريخية بالنسبة لحزب الدعوة، والتي تميّز فيها الحزب سياسياً وإعلامياً بشكل لم يتسن له من قبل، إلّا في مرحلة ظهوره الإعلامي القوي خلال العام 1980. ويعود ذلك الى الكسب السياسي والجماهيري غير المسبوق الذي حققه نوري المالكي للحزب خلال دورتي رئاسته الحكومة العراقية، والذي حوّله الى الحزب الأول في العراق طيلة ثماني سنوات. وفي هذه المرحلة تم ولأول مرة انتخاب قيادة الحزب في مؤتمر علني، واستحداث منصب الأمين العام؛ وذلك في بغداد في العام 2007. وإثر انتخاب رئيس وزراء العراق نوري المالكي أميناً العاماً للحزب؛ انسحب ابراهيم الجعفري من حزب الدعوة، وأسس حركة مستقلة؛ أسماها “تيار الإصلاح الوطني”؛ وهو أول جناح من مدرسة حزب الدعوة لا يطلق على نفسه تسمية دعوية أو إسلامية.
تلاحم أجنحة الدعوة
وفي هذه المرحلة ( السابعة) جمع نوري المالكي بين رئاسة وزراء العراق والأمانة العامة للحزب ورئاسة ائتلاف دولة القانون الذي يضم حزب الدعوة والكتل الحليفة له، وأصبح نوري المالكي يمثل الرمزية القانونية لحزب الدعوة؛ كما نص النظام الداخلي الجديد، وهي سابقة لم تكن موجودة في الحزب قبل العام 2007. وفي هذه المرحلة أصبح التنسيق بين أجنحة "الدعوة" في أفضل حالاته؛ إذ تشكلت لجنة تنسيق دائمة بين حزب الدعوة (الأم) الذي يتزعمه نوري المالكي وحزب الدعوة (تنظيم العراق) الذي يتزعمه هاشم الموسوي، كما دخل التنظيمان في ائتلاف واحد في جميع الانتخابات المحلية والبرلمانية. وخلال ذلك حصل إنشقاق داخل تنظيم العراق؛ نتج عنه الإعلان عن تنظيم جديد تحت مسمى حزب الدعوة (تنظيم الداخل)؛ بقيادة القيادي السابق في تنظيم العراق عبد الكريم العنزي.
وفي نهايات هذه المرحلة؛ برز القيادي في الحزب الدكتور حيدر العبادي؛ بعد أن حاز على منصب رئيس وزراء العراق في آب من العام 2014؛ إثر تنحي أمين عام الحزب ومرشحه الرسمي نوري المالكي عن الترشح لرئاسة الحكومة، وهي قضية انطوت على ملابسات تنظيمية وقانونية وسياسية، وتسببت في تصدع الحزب وحدوث شرخ نفسي في لحمة قيادته. وقد قاربنا هذا الموضوع في الفصلين الثالث والخامس من هذا الكتاب. خلاصة البحث والتقصي
يمكن تلخيص نتائج عملية البحث والتقصي في خلفيات فكرة حزب الدعوة الإسلامية وتأسيسه ومؤسسيه وانتشاره (الفصل الأول من الكتاب)؛ بما يأتي:
• تأسس حزب الدعوة الإسلامية رسمياً في تشرين الأول 1957.
• إن جغرافيا مرحلة تأسيس حزب الدعوة الإسلامية هي مدينة النجف الأشرف.
• ينتمي حزب الدعوة الى النجف الأشرف في تقاليد الاجتماع الديني والاجتماع الثقافي والاجتماع السياسي.
• إن مدينة كربلاء هي جغرافيا أول أداء للقسم (القسم الذي أداه مؤسسو الدعوة )؛ ابتعاداً عن أضواء النجف، واستثمار أجواء الزيارة.
• استمرت مرحلة التحضير للحزب وتأسيسه وانبثاقه طيلة الأعوام 1956 و1957 و1958.
• كان العمل يجري تحت عنوان “حزب إسلامي” لنحو سنة ونصف السنة، حتى تم إطلاق اسم “الدعوة الإسلامية” عليه في بدايات العام 1959.
• إنّ أركان فكرة الحزب هم خمسة، وترتيبهم حسب التسلسل الزمني لالتحاقهم بالفكرة: السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، محمد صادق القاموسي والسيد محمد باقر الصدر.
• مؤسسو حزب الدعوة هم عشرة، وترتيبهم حسب التسلسل الزمني لالتحاقهم بأجواء التأسيس: السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، محمد صادق القاموسي، السيد محمد باقر الصدر، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم، السيد حسن شبر، محمد صالح الأديب والدكتور جابر العطا، وقد حضر ثمانية منهم اجتماع النجف التأسيسي: السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، محمد صادق القاموسي، السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد باقر الحكيم، السيد حسن شبر، والدكتور جابر العطا، ولم يحضره السيد مرتضى العسكري وصالح الاديب؛ بينما حضر سبعة منهم اجتماع أداء القسم في كربلاء: السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، السيد محمد باقر الصدر، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم، صالح الأديب، ولم يحضره ثلاثة: السيد طالب الرفاعي، السيد حسن شبر، والدكتور جابر العطا، ويعد مؤسساً من حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء.
• أول من أدى قسم الانتماء الى حزب الدعوة هو السيد مرتضى العسكري، لأنه الأكبر سناً، تبعه السيد محمد باقر الصدر مباشرة.
• اللجنة القيادية الرباعية التي أمسكت بالعمل بعد مرحلة التأسيس؛ تألفت من السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل والسيد مرتضى العسكري.
• السيد محمد باقر الصدر كان محور عملية التأسيس، والمؤسس الأبرز، وهو من كتب النظرية الفقهية السياسية للحزب وأسسه الفكرية، وأطلق عليه اسم “الدعوة الإسلامية”، وكان الأبرز في اللجنة القيادية الرباعية التي أمسكت بالعمل بعد مرحلة التأسيس.
• الشخصيات الأكثر تأثيراً في تكوين حزب الدعوة وبنائه وقيادة تحولاته ومسيرته منذ تأسيسه وحتى كتابة هذه السطور؛ حسب التسلسل التاريخي؛ هم ست شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، عبد الصاحب دخيل، محمد هادي السبيتي، محمد مهدي الآصفي، إبراهيم الجعفري ونوري المالكي.
• ينتمي المؤسسون والدعاة الأوائل الى طبقة النخبة الشيعية؛ فعلى مستوى الاجتماع الديني ينتمون الى الطبقتين العالية والمتوسطة (البيوتات الدينية العلمية النجفية)، كما ينتمون الى الطبقة المتوسطة اجتماعياً واقتصادياً، والى الطبقة المتعلمة تعليماً عالياً من ناحية الاجتماع الثقافي.
• حزب الدعوة هو أول حزب إسلامي شيعي في التاريخ؛ بالمعني المعاصر لكلمة الحزب.
• حزب الدعوة هو أول جماعة دينية إسلامية شيعية تؤسس لإمكانية قيادة غير علماء الدين للعمل الإسلامي.
• إن حزب الدعوة أسس ولأول مرة على مستوى التاريخ الشيعي منظومة في الفقه السياسي الإسلامي الشيعي تجيز قيام دولة إسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي.
• يمثل حزب الدعوة التنظيم العالمي الشيعي؛ مقابل التنظيم العالمي السني للإخوان المسلمين والتنظيم العالمي السني لحزب التحرير.
• يمثل حزب الدعوة التنظيم الايديولوجي الديني؛ مقابل التنظيم الايديولوجي العلماني القومي (حزب البعث) والتنظيم الايديولوجي العلماني الالحادي (الحزب الشيوعي).
• في الوسط الشيعي الإسلامي؛ المدني والحوزوي؛ يمثل حزب الدعوة تيار التغيير والفعل السياسي (مدرسة السيد محمد باقر الصدر)؛ مقابل تيار الوسط الإصلاحي (مدرسة السيد محسن الحكيم) والتيار التقليدي المحافظ (مدرسة السيد ابو القاسم الخوئي).
• يمثل حزب الدعوة تنظيم النخبة الشيعية التاريخية المعارضة؛ مقابل تنظيمات النخبة السنية التاريخية الحاكمة.
• إن الرؤية عابرة المذاهب التي انتشرت في حزب الدعوة طيلة عقد ونصف العقد؛ لم تنجح؛ فعاد حزب الدعوة مذهبياً في نظريته الفقهية السياسية؛ كما هو الحال مع الجماعات الإسلامية السنية؛ التي فشلت في الانسلاخ عن مذهبيتها.
تأسس حزب الدعوة الإسلامية على وفق نظرية فقهية، ولتحقيق غايات عقائدية، وهو حزب ايديولوجي؛ مهمته الدعوة للإسلام، وبناء الكتلة المؤمنة المغيرة للمجتمع، التي تقوم بتعميق البعد الإيماني والعبادي والتربوي والثقافي والسياسي في الأمة والفرد؛ وصولاً الى قدرته على تسلم السلطة في بلد من البلدان وتأسيس الدولة الإسلامية.
وقد جاء في نشرة مقدمة النظام الداخلي للحزب: ((إن اسم الدعوة الإسلامية هو الاسم الطبيعي لعلمنا، والتعبير الشرعي عن واجبنا في دعوة الناس الى الإسلام، ولا مانع أن نعبِّر عن أنفسنا بالحزب والحركة والتنظيم، ونحن دعاة الى الإسلام، وأنصار الله، وأنصار الإسلام، ونحن حركة في المجتمع وتنظيم في العمل، وفي كل الحالات نحن دعاة الى الإسلام، وعملنا دعوة الى الإسلام، وسبب اختيارنا له يعود الى مشروعيته أولاً، وفائدته ثانياً)).
المذهب الجعفري
وتدخل نظرية حزب الدعوة في إطار مدرسة إسلامية مذهبية؛ ولذا جاز أن نقول انه حزب إسلامي متمذهب، أي أن نظريته العقيدية والفقهية تدخل في إطار أحد المذاهب الإسلامية، وهو المذهب الشيعي الجعفري ( نسبة الى الإمام جعفر بن محمد الصادق)؛ شأنه في ذلك شأن كل الأحزاب الايديولوجية، ولاسيما الإسلامية، كجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير، وهي أحزاب مذهبية تتبع المذاهب السنية، ولكن ليس بالضرورة أن تكون نظريتها طائفية؛ ولكنها قد تنتقل من المذهبية الى الطائفية في ممارساتها وأدائها السياسي.
وصفة الطائفية تختلف عن صفة المذهبية؛ فالمذهبية هي انتماء الجماعة عقيدياً وفقهياً الى مذهب إسلامي معين، أما الطائفية -في الاصطلاح الرائج- فهي خطاب وممارسة اجتماعيان سياسيان غالباً، وتعني التعصب السياسي للجماعة الدينية، وتغليب مصالح الطائفة (الحاضنة الاجتماعية) التي ينتمي اليها الحزب اجتماعياً؛ على مصالح الطوائف الأخرى وعلى مصلحة الوطن والشركاء فيه، ومحاولة تهميش وإقصاء الطوائف الأخرى، ومن هنا؛ فإن صفة الطائفية يمكن أن تطلق أيضاً على غير الأحزاب والحكومات الدينية؛ كالحكومات والأحزاب السياسية الليبرالية والقومية، فمثلا حزب البعث العراقي هو حزب طائفي، ونظام حزب البعث العراقي كان نظاماً طائفياً؛ على الرغم من أنه حزب علماني معادٍ للدين.
الأهداف المرحلية
ويطرح حزب الدعوة الإسلامية أهدافاً مرحلية له؛ تتمثل بما يلي:
1- بعث الفكر الإسلامي الأصيل، ونشر الوعي في صفوف الأمة.
2- تصحيح المفاهيم التنظيمية للحركات الإسلامية، وتجنب الاعتماد على تجارب الحركات اللاإسلامية، وبناء التنظيم على أساس القرآن والسنة الشريفة.
3- نشر الثقافة السياسية وتعميق المنهج الإسلامي في التقييم والتحليل السياسي، وخلق الذهنية السياسية الإسلامية.
4- تطهير المجتمع من التقاليد والأعراف الغربية، وبعث الروح الإسلامية شكلاً ومضموناً في حياة الناس.
5- تربية الأمة التربية الإيمانية الصحيحة؛ التي لا ينفصل فيها المضمون عن الشكل في الممارسات العبادية.. وعلى صعيد الفرد؛ يهدف الحزب الى تجديد بناء الشخصية الإسلامية والأسرة المسلمة، بكل مقوماتهما من تربية وثقافة وسلوك. مستويات الدعاة
وتحقيق “الدعوة” لأهدافها العقائدية المرحلية؛ لا يمكن أن يتم إلّا عبر النخبة الواعية من أبناء الأمة -كما تذكر أدبيات الحزب- وهذا البناء يتأتى من خلال عملية التثقيف والتعبئة الفكرية كمبدأ تفرضه الضرورة الموضوعية، ولذا فقد أولى حزب الدعوة الإسلامية الجانب الثقافي اهتماماً بالغاً، ووضع لذلك برنامجاً دقيقاً لبناء أعضائه (الدعاة) ككتلة وطليعة واعية تقود المجتمع وتؤثر فيه.
وتنقسم الثقافة الحزبية لأعضاء حزب الدعوة (الدعاة) الى ثلاثة مستويات:
1- الحد الأدنى، وهو مفروض على جميع الدعاة، ويشمل:
أ- المداومة على قراءة القرآن بتدبر، وحفظ بعض آياته.
ب- اطلاع مجمل على العقيدة الإسلامية والعقائد الأخرى.
ت- اطلاع مجمل على سيرة الرسول (ص) والصحابة وأئمة المسلمين (ع) وتاريخ الإسلام.
ث- معرفة الأحكام الشرعية والفقهية مورد الابتلاء والحاجة.
ج ـ استيعاب مواد الحزب وأدبياته ونشراته في الفكر العام والفكر التنظيمي والسياسي والإيماني.
2- المستويات العالية:
أ- المستوى الأول: التفهم والتلقي الحسن.
ب- المستوى الثاني: حسن الاختيار والعطاء، وتنسيق الأفكار وتقديمها.
ت ـ المستوى الثالث:الأصالة الفكرية والإبداع، واستنباط الأفكار ومحاكمتها بمقياس الإسلام.
3- الاختصاصات: وهي مرحلة الأصالة الفكرية المكتملة الناضجة في أحد المجالات الفكرية المتعددة.
الثقافة الدعوية
كما تنقسم الثقافة الفكرية لحزب الدعوة الى خمسة أقسام، هي:
2- الفكر العام، ويختص في مجال توضيح معالم الإسلام والمجتمع الإسلامي.
3- الفكر التنظيمي والحركي، ويشتمل على الأبعاد الفنية والتقنية في العمل التنظيمي الحزبي، وأساليبه العامة والخاصة، وطبيعة علاقة الدعاة بالدعوة وتنظيماتها.
4- الفكر السياسي العام، ويوضح جانب المذاهب والأفكار السياسية المختلفة، والأحداث الجارية في بلاد المسلمين والعالم، ويشتمل على التحليل السياسي العام؛ أي القواعد والأسس، والتحليل الخاص، وكذلك التثقيف السياسي.
5- فكر الحكم، على الرغم من أن الحزب يدمج فكر الحكم في الفكر السياسي؛ ولكن لهذا الفكر خصوصية بالغة الأهمية، وينبغي فصله عن الفكر السياسي؛ لأنه يوضح رأي الحزب في القانون الدستوري الإسلامي والنظام السياسي الإسلامي والدولة الإسلامية؛ على اعتبار أن الدولة الإسلامية هي الهدف شبه النهائي لحزب الدعوة، ووسيلته لبلوغ هدف تطبيق الشريعة الإسلامية.
وفي المجال الاختصاصي؛ ينقسم فكر حزب الدعوة الى قسمين:
الفكر العام: وهو الفكر العلني الذي دونه مؤسسو الحزب ورواده وقادته وكوادره في كتبهم ومحاضراتهم العامة.
الفكر الخاص: وهو الفكر الداخلي الخاص بالحزب، وغالباً ما كان ولا يزال تكتبه نخبة قليلة من مفكريه وينشر في نشرات الحزب الداخلية؛ ولاسيما “صوت الدعوة”.
المراحل الأربعة
وتقول أدبيات الحزب بأن “الدعوة” من أجل أن تسير نحو تحقيق أهدافها سيراً تكاملياً دقيقاً؛ فإنها تبنت العمل المرحلي كسنة كونية وشرعة إسلامية مستمدة من سيرة الرسول الأعظم (ص) في دعوته الأولى، وكضرورة يفرضها واقع الأمة والظروف العامة الراهنة، وبناءً على ذلك قسم حزب الدعوة الإسلامية مسيرته الى أربع مراحل، هي:
المرحلة الأولى: التغييرية:
وتتسم بالسرية التامة وعدم إفشاء اسم الحزب وعناصره وخططه، وتعمل فيها “الدعوة”على نشر الوعي الثقافي والفكري والتغييري في الأمة، وإيجاد الكتلة المنظمة المغيرة، وبناء الحزب كماً وكيفاً.
المرحلة الثانية:السياسية:
وتتمظهر بالصراع مع السلطة السياسية الحاكمة بكل الوسائل والإمكانات المتاحة؛ السياسية، العسكرية، الفكرية والإعلامية؛ وصولاً الى تقويضها.
المرحلة الثالثة: تسلم السلطة:
ويتم فيها بناء الدولة والمجتمع عموماً، بعد استكمال عملية الصراع مع السلطة الحاكمة، وإقامة النظام الإسلامي في أحد البلدان (الأقاليم) التي أنهى فيها الحزب المرحلة السياسية.
المرحلة الرابعة:القيادية والتطبيقية:
وتتمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية ومراقبة عملية التنفيذ، ومواصلة العمل لتحكيم الإسلام في جميع البلدان الإسلامية، ودعوة العالم إليه.. وتتلخص في منهجية المرحلية التي يتبناها حزب الدعوة؛ ولاسيما المرحلة الرابعة؛ عقائدية الحزب، وكونه حزبا دعويا عقائديا وعالميا.
مثالية نظرية “الدعوة”
ظلت الأسئلة والإشكالات الفكرية تلاحق حزب الدعوة منذ تأسيسه؛ ولاسيما تلك التي تقارن بين نوعية النظرية وحجم التطبيق، ويبدو أن كثيراً من هذه الأسئلة والإشكالات مقبولة؛ بالقياس لطبيعة نظرية “الدعوة” وعقائديتها وغاياتها وأهدافها وأفقها العالمي؛ حسبما أثبته مؤسسو الدعوة ومنظروها في نهاية الخمسينات وعقد الستينات؛ وهي نظرية مثالية في كثير من ركائزها. ولعل هذا الجنوح المثالي يعود الى عاملين:
العامل الأول: طبيعة أعمار وحجم خبرات الشباب العشريني المؤسس والرائد والمنظر؛ على اعتبار أن 90 بالمئة من مؤسسي حزب الدعوة ورواده كانوا شبابا في العشرينات من عمرهم، وكانوا يعيشون اندفاعا حركيا كبيرا، وحماسا دينيا بحجم التاريخ والجغرافيا.
العامل الثاني: تأثر هؤلاء الشباب الواعي المتحمس بضجيج الآفاق الايديولوجية للأحزاب التغييرية الانقلابية الشمولية العابرة للحدود؛ كالشيوعية والناصرية والبعثية والإخوانية والتحريرية؛ وهي عقائد تهدف الى تغيير الأمة والعالم والى صياغتهما من جديد.
تغيير العالم
وحيال ذلك لم يكن شباب “الدعوة” الأوائل يستكثرون على أنفسهم التفكير بمنهجية تغيير الأمة والعالم؛ أسوة بما كان يصرخ به: ماركس ولينين وتروتسكي وماو تسي تونغ وحسن البنا ومحمد تقي النبهاني وميشيل عفلق وجمال عبد الناصر وسيد قطب والمودودي وغيرهم، وكان الدعاة يعيشون دائماً وقع خطوات هذه النماذج الحسية الواقعية المعاصرة؛ عبر الكتب والنشرات، أو عبر التحسس المباشر، صحيح أن النظرية الإسلامية هي نظرية تغييرية شمولية عالمية؛ إلّا أن التأثيرات الشعورية واللاشعورية الحسية اليومية المباشرة في الدعاة؛ كانت الأقوى والأكبر، وأضيف على هذا التأثر بعد عام 1979 تأثر فكري وسياسي ومنهجي وتغييري وانقلابي أكثر قرباً من ايديولوجيا “الدعوة”؛ ولكنه إسلامي شيعي هذه المرة؛ تمثل بثورة الإمام الخميني في ايران.
هكذا كانت مرامي التغيير في أدبيات الدعوة؛ فقد كان المؤسسون والرواد يقصدون بالدعوة الانقلابية، مثلاً ـتغيير المجتمع وتغيير الأمة تغييراً جذرياً يستوعب كل مجالات الحياة؛ وصولاً الى تغيير العالم وإخضاعه للشريعة الاسلامية. ولم تكن أدبيات الدعوة تقتنع بالعمل على تغيير شيعة العراق أو الوطن العراقي فقط؛ بل تغيير كل الأمة الإسلامية؛ بعد أن رفض الدعاة –ابتداء- المذهبية؛ لأنها تحجم “الدعوة” في حدود الـ (200) مليون شيعي آنذاك؛ فلماذا تستغني عن الـ (800) مليون سني حينها!؟ وبذلك رفض حزب الدعوة أن يكون جماعة في الأمة أو قيادة في الأمة على الأقل؛ بل ليكون قيادة للأمة بشيعتها وسنتها؛ بعربها وعجمها؛ وهو ثوب لم تكن المرجعية الدينية العليا في النجف أو قم تحلم أن تلبسه يوماً.
أعباء الأنبياء
وإذا تمت محاسبة “الدعوة” في مضمار التطبيق قياساً الى نظريتها ورسالتها وأهدافها ورؤيتها لنفسها؛ لصدقت معظم المؤاخذات عليها والانتقادات، ولكانت كل الإشكالات واردة؛ لأن رواد حزب الدعوة حملوا أنفسهم أعباء الأنبياء وهموم الأوصياء، ومسؤولية بناء الأمة من جديد؛ أي أنهم أسسوا لنظرية كبيرة واسعة الأفق كثيراً، ولا يستطيع هو ولا عشرات الأحزاب الإسلامية حملها؛ فضلاً عن الشيعية منها؛ لأن أزمات الأمة عميقة وكبيرة؛ تاريخية وجغرافية وبنيوية، ومن المستحيل تفكيكها وتصفيرها من أي حزب ودولة؛ مهما بلغا من القوة الفكرية والمادية والاتساع الجغرافي، أما إذا كان حجم مسؤولية حزب الدعوة تجاه أزمات الأمة ومشاكلها بالقياس الى إمكانياته الواقعية؛ وليس بالقياس الى تنظيراته وأهدافه؛ فإنه لا يتحمل مسؤولية معظم تلك الأوزار الموروثة والإخفاقات المتراكمة في الأمة، وكل أعباء تغيير المجتمع، وقلب أوضاع الأمة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وفي هذا المجال يعلم رواد “الدعوة” أن هوية حزب الدعوة تتعارض وجودياً مع أربع حقائق محلية إقلمية ودولية:
الأولى: إن حزب الدعوة جماعة تنتمي الى الاجتماع الديني النجفي؛ بكل تعقيداته، ولكنها في السلوك الحركي والفكر السياسي غير منسجمة –غالباً- مع هذا الاجتماع؛ لأنه نظام اجتماعي ديني تقليدي لا يؤمن –عادة- بالعمل الحزبي ولا يمارس العمل السياسي اليومي؛ بما في ذلك الجزء الثوري المسيس من هذا النظام.
الثانية: إن حزب الدعوة هو جماعة تغييرية انقلابية عابرة للحدود؛ تعمل في دولٍ لها قوانينها الدستورية وتعريفاتها في القانون الدولي، وفي ظل أنظمة طائفية قمعية لا تسمح بأي تغيير فكري أو سياسي؛ فكيف إذا كان هذا التغيير صادراً من جماعة إسلامية شيعية عابرة للحدود!.
الثالثة: إن حزب الدعوة هو جماعة دينية سياسية شيعية؛ تعمل في بيئة اجتماعية سياسية سنية، ونظام سياسي طائفي، ومحيط إقليمي جغرافي قومي سني؛ أي بحر من الأكثرية السنية العربية وغير العربية في العالم الإسلامي؛ والتي لا تتفاعل –غالباً- مع حركة عقائدية سياسية شيعية.
الرابعة: إن حزب الدعوة جماعة معادية للاستعمار، وتعمل على تأسيس منظومة سياسية وفكرية وحقوقية مستقلة؛ بينما تتحكم في الإقليم العربي والإسلامي منظومة استعمارية محلية وإقليمية ودولية؛ منحازة الى إحدى الدول العظمى؛ بريطانيا أو الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة الاميركية.
شيعة العراق
وبالتالي؛ فإن مساحة عمل “الدعوة” الواقعية هم شيعة العراق غير المقتنعين بفاعلية المنظومة الشيعية التقليدية، أي أنها حركة محاصرة بجدران من (الكونكريت) التاريخي والديموغرافي، في حين كانت الكوادر القيادية الرائدة في حزب الدعوة مقتنعة بأن حضور “الدعوة” في الأمة لا يقل – نسبياً - عن حضور جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير، والحال أن حزب الدعوة يختلف عن الأخوان والتحرير اختلافا اجتماعيا سياسيا جذريا؛ إذ تنتمي جماعتا الإخوان والتحرير الى الاجتماع الديني السني الذي تنتمي اليه جميع أنظمة البلدان الإسلامية - عدا إيران - كما تنتميان الى الأغلبية المذهبية السنية في العالم الإسلامي، ولا مشكلة طائفية لديهما مع أنظمة الحكم، وهو عنصر بنيوي يفتقد إليه حزب الدعوة، ويقف مانعاً مستحيلاً أمام قدرته على تحقيق غاياته وأهدافه النهائية، وكان الدعاة يختلفون عن الشيوعيين أيضاً؛ لأن الشيوعيين كانوا يهيمنون ديموغرافياً على ثلث سكان الكرة الأرضية وعلى أنظمة ربع دول العالم، بينما لم تكن هناك أية دولة في العالم ترضى بوجود جماعة على أراضيها تحمل أفكار حزب الدعوة وأهدافه؛ فضلاً عن تبنيه ودعمه، حتى إيران الشيعية؛ فقد كان نظامها السياسي - حتى العام 1979 - علمانيا بامتياز ويحارب الجماعات الإسلامية السياسية، ولكن بالرغم من كل ذلك؛ فقد نظر الدعاة العشرينيون لهذا الحجم المتضخم من رسالة حزبهم وغاياته وأهدافه ومهامه وهمومه.
لعل المثالية في التنظير تسببت خلال عقود من مسيرة حزب الدعوة؛ في تبلور ثنائيات جدلية في فكره، أو بين فكره وواقعه؛ لا تزال عالقة؛ وتبحث عن أجوبة نهائية؛ وإن كان الواقع قد حسم بعضها؛ ولاسيما الثنائية المذهبية والثنائية الجغرافية؛ فضلاً عن أن الظروف الزمانية والمكانية التي مر بها الحزب؛ كانت تؤدي أحياناً إلى التوازن بين طرفي بعض الثنائيات، أو غلبة إحداهما على الأخرى، ولكن بشكل عام تمثل هذه الثنائيات حالات من الفصام بين النظرية والتطبيق أو بين التصور الفكري الإيماني والفعل الميداني، وأهم هذه الثنائيات:
1- العالمية والمحلية:
بنى حزب الدعوة الإسلامية نظريته على كونه تنظيماً عالمياً ويحمل فكراً إسلامياً عالمياً، وله قيادة عالمية (القيادة العامة) وقيادات إقليمية وتنظيمات محلية في كثير من البلدان، ولكنه في ـ الواقع التطبيقي ـ تحول منذ مطلع التسعينيات الى تنظيم عراقي وطني؛ بفعل الظروف الموضوعية الضاغطة؛ وإن ظل محتفظاً بعلاقات تنسيقية مع رجالاته وتنظيماته السابقة غير العراقية، وتكرست محليته بعد العام 2003. وهنا تبرز الإشكالية في هذه الثنائية؛ لأن الحزب لم يلغ ركيزة العالمية في نظريته وفكره؛ ولكنه طبقها على أرض الواقع وفي نظامه الداخلي، أي أنه تأسس ونشأ وانتشر وتحرك على وفق ركيزة العالمية، ولا يزال يتبناها نظرياً؛ ولكنه استحال الى شكل تنظيمي آخر في البعد السياسي الواقعي والثقافة السياسية العامة.
2- الانفتاح المذهبي/ الانغلاق المذهبي:
سارت نظرية حزب الدعوة على كونها نظرية وحدوية عابرة للمذاهب، وطبقها بشكل محدود؛ حين استقطب عدداً من الشخصيات السنية العراقية وغير العراقية، وكان ذلك سبباً في انشقاق بعض الكوادر الشيعية عنه في الستينيات؛ رفضاً لهذه النظرية، ولكن حزب الدعوة بمرور الزمن؛ وبفعل صدمات الواقع ورفض القيادات الفقهية بعد العام 1981؛ استحال حزباً شيعياً متمذهباً في جميع خصوصياته الدينية والسياسية والاجتماعية. وبالتالي فهو حزب عابر للطوائف نظرياً، ومذهبي واقعباً.
3- ولاية الفقيه / الشورى:
قام الفكر السياسي لحزب الدعوة على أساس الشورى في قيادة الحزب وفي قيادة الأمة؛ ولكن ظروف الزمان والمكان دفعته لتبني مبدأ ولاية الفقيه ومصاديقها؛ بدءاً بالإمام الخميني. وكانت نظريته الولائية مستقاة من منهجية السيد محمد باقر الصدر والسيد كاظم الحائري، ومكمن الإشكالية هو أن الحزب لم يلغ مبدأ ولاية الفقيه في فكره السياسي؛ ولكنه في الواقع تنقل بين مرجعيات أخرى؛ وصولاً الى مرجعية النجف الأشرف التي عادت كيانيتها بعد العام 2003 الى مستوى القدرة على توجيه الواقع العراقي.
4- النخبوية / الجماهيرية:
بالنظر لطبيعة أهداف حزب الدعوة المرحلية في بناء ما يسميه بـ “الكتلة المؤمنة الصالحة القوية” التي تعمل على تغيير الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي؛ وبمعنى آخر “النخبة الدينية العلمية والثقافية والسياسية”؛ فإنه ظل يقتصر على ضم الطبقات المتعلمة التي لا يقل مستواها عن التعليم الثانوي. ولكنه بعد العام 1979 خلال بدء المواجهة مع النظام؛ ثم بعد سقوط النظام العام 2003؛ أحس بضرورة الانفتاح تنظيمياً على الجماهير بكل فئاتهم، ولكن هذا الإحساس المضغوط بالواقع ظل يصطدم بالنظرية.
5- الانغلاق التنظيمي/ الانفتاح التنظيمي:
بدأ حزب الدعوة تنظيماً سريا محكم الإغلاق؛ نتيجة نظريته في المرحلية وفي بناء التنظيم وانتشاره قبل الإعلان عنه، وكذا ظروف القمع التي كانت تمارسها الأنظمة المتعاقبة؛ ولا سيما نظام البعث؛ الذي حوله منذ أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات الى تنظيم حديدي شديد السرية والانغلاق التنظيمي. ولكن الإشكال يكمن في احتفاظ حزب الدعوة بمبدأ السرية التنظيمية بعد العام 2003؛ على الرغم من انفتاحه في البعد السياسي وتسلمه السلطة؛ ولكن مفاصل التنظيم أصيبت بحالة من المرونة المبالغ بها، والانكشاف والتشتت في كثير من مفاصل العمل.
6- الدعوة / السياسة :
قام حزب الدعوة على ركيزة عقائدية رصينة؛ حددت هويته كحزب ديني تبليغي دَعَوي؛ يتعاطى العمل السياسي باعتباره وسيلة فرعية تقود الى وسيلة رئيسة؛ هي الدولة الاسلامية، ثم الى الغاية النهائية المتمثلة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وبرزت الإشكالية هنا بعد غلبة الممارسة السياسية المدنية على عمل الحزب في مرحلة الحكم بعد العام 2003، حتى أمكن القول إنه يتوجه للتحول من حزب ديني الى حزب متدينين؛ أي أن مدلول الداعية و”الدعوة” في التصنيف العقائدي؛ أصبح بحاجة الى إعادة تنظير، وإيجاد مدلولات سياسية جديدة لهما؛ ليكون عضو حزب الدعوة عبارة عن سياسي متدين يعمل على تسلم السلطة؛ بالطرق السياسية المدنية، وليس داعية دينياً يستثمر السياسة لأهداف دينية.
7- العلماء/ المثقفون:
بالنظر لطبيعة الغايات والأهداف التي وضعها حزب الدعوة لنفسه؛ فقد كان من الطبيعي أن يؤسسه ويقوده علماء الدين. وحتى في مرحلة الثنائي المثقف عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي؛ فقد كانت لعلماء الدين سطوتهم على توجهات الحزب، ولكن برزت هذه الجدلية بوضوح بعد تنحي السيد مرتضى العسكري عن القيادة في حدود العام 1963؛ فقد طالب أعضاء الحزب في لجنة النجف وهم علماء دين غالباً بأن يكون عدد علماء الدين في القيادة أكثر من غير المعممين؛ لأن عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي احتفظا بموقعيهما في القيادة، وأضافا اليها الشيخ عارف البصري وهو عالم دين؛ الذي التحق بالقيادة فوراً، كما استدعيا الشيخ عبد الهادي الفضلي لعضوية القيادة؛ ولكنه رفض أن تكون القيادة مناصفة بين علماء الدين والمثقفين؛ ليكون عدد علماء الدين ثلاثة وليس اثنين فقط، وهو ما قوبل برفض السبيتي ودخيل من جهة، واستقالة الشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ كاظم الحلفي وآخرين من علماء الدين من الحزب. ولكن تغير هذا المنحى بعد العام 1980؛ حين هيمن الفقهاء وعلماء الدين على الحزب وقيادته، ولم يكتف علماء الدين بالإمساك بالمجلس الفقهي؛ بل كان لهم حضورهم العددي والنوعي في جميع القيادات (العامة والتنفيذية والإقليمية)، ولكن بعد الخروج التدريجي للفقهاء: السيد مرتضى العسكري، السيد محمد حسين فضل الله، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، السيد كاظم الحائري، الشيخ محمد علي التسخيري من القيادة في الثمانينات، ثم الشيخ محمد مهدي الآصفي في العام 1999، ثم اغتيال الشيخ مهدي العطار العام 2004، ثم وفاة علماء دين آخرين أو ابتعادهم عن العمل السياسي والتنظيمي؛ فإن إشكالية ضعف وجود الفقهاء وعلماء الدين في القيادة وفي مفاصل الحزب باتت ملحوظة؛ ولاسيما بعد العام 2003؛ فضلاً عن عدم وجود مرجعية فقهية داخل الحزب تراقب عمله من الناحية الشرعية، حتى أصبحت قيادة الحزب لا تضم غالباً أكثر من ثلاثة علماء الدين من مجموع 11 الى 15 قياديا.
والحقيقة أن النظام الداخلي الذي أقره مؤتمر حزب الدعوة في بغداد العام 2007؛ لم يحسم هذه الثنائيات السبع؛ بل كرسها؛ الأمر الذي يقود المهتمين الى القول بأن حل هذه الإشكاليات يكمن ـ ابتداء ـ في إعادة كتابة النظام الداخلي؛ بما ينسجم وثوابت نظرية “الدعوة”.
الثابت والمتغير
مر حزب الدعوة الإسلامية بتحولات كثيرة ونوعية منذ تأسيسه؛ شأنه في ذلك شأن جميع الحركات التغييرية؛ السياسية الفكرية، وهو وإن عد من الجماعات الايديولوجية التي تعطي لثوابتها قدسية خاصة؛ إلا إنه لم يجمد على أدبياته التي طبعت مراحل التأسيس ( 1956ـ1959 ) والانطلاق ( 1960ـ1962 ) والتبلور الفكري ( 1963ـ1975 )؛ باستثناء ثوابته التي بقيت كما هي نظرياً، أما التغيير والتجديد في الوسائل والأساليب والأدوات والميكانيزمات، بل وحتى المنهجيات؛ فهو سنة الله في خلقه، وهو ضرورة وحاجة دائمة، ونوع من الديالكتيك الذي تفرضه حتمية التطور بتأثير الزمان والمكان، فكانت أدوات الحزب ووسائله عرضة للتغيير المستمر تبعاً للظروف الزمانية والمكانية، وكان هذا التغيير والتبديل يتزايد كلما ازدادت حراجة هذه الظروف ودقتها وصعوبتها؛ ولاسيما مرحلة ما بعد عام 2003؛ حين دخل حزب الدعوة العملية السياسية وأصبح الحزب الأبرز فيها وفي الدولة العراقية الجديدة.
ومقاربة الثابت والمتغير في نظرية “الدعوة”؛ ربما هو الأسلوب البحثي الأهم والأدق في عملية تجديد نظرية “الدعوة”؛ فهو يستبطن حفراً معمقاً في نوع التحولات السياسية الكبرى التي أثّرت بقوة في حزب الدعوة، وجرت منذ بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي وحتى الآن الى تحولات فكرية مغايرة الى حد ما لمسارات التأسيس والسنوات الأولى وعقدي الستينيات والسبعينيات، ففي المرحلة الفكرية التغييرية السرية؛ وهي المرحلة الأولى من مراحل “الدعوة”؛ أنتج الحزب نظريته التي تمثل فلسفة وجوده، وتضمنت ثوابته الايديولوجية؛ كالتغييرية، والانقلابية، والعقائدية، والعالمية، واللامذهبية والمرحلية، وإيجاد الكتلة المؤمنة نواة مجتمع المتقين، وتأسيس الدولة الاسلامية الفكرية، وقيادة الدعوة للأمة ولعملية توسيع رقعة الدولة الاسلامية، وتطبيق الشريعة، وهذه كلها لها علاقة بثوابت النظرية العامة للدعوة وايديولوجياها السياسية، والتي لا تزال محور التحولات في بنية حزب الدعوة الفكرية، ومن هنا فمقاربة الثابت والمتغير تعالج المحاور التالية:
1- نظرية الحزب:
نظرية حزب الدعوة وماهيته الايديولوجية؛ ومبانيها الثابتة التي إذا انهارت وتغيرت تنهار نظرية “الدعوة” برمتها، وينتهي المسوغ الفكري لوجود حزب الدعوة وتتلاشى الغاية من استمراره، ولذلك تسعى “الدعوة” للمحافظة على هذه الثوابت وصونها وحمايتها؛ لأنها المرجعية الفكرية النهائية للدعوة؛ بصرف النظر عن الزمان والمكان، وفي مقدم هذه الثوابت؛ رسالة حزب الدعوة وأهدافه وغاياته النهائية، والمتمثلة في إعادة الإسلام الى حياة المسلمين، وتغيير النظم الجاهلية المتحكمة في المجتمع الإسلامي في جميع مجالات الحياة، وإحلال النظم الإسلامية محلها؛ على وفق فهم حزب الدعوة للإسلام؛ باعتباره نظاماً شاملاً يستوعب كل مجالات الحياة المدنية والتشريعية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكونه دينا ودولة، وشريعة وشعائر وشعورا، وكونه طريق الله الى مرضاته، وسلوك الدنيا الى الآخرة، وجهاد الحياة الى الجنة، وهذا يوضح الماهية الدينية الدعوية للحزب، وكون الدعاة جماعة دعوية تمارس العمل السياسي باعتباره أحدى وسائل الدعوة؛ وليس هدفاً بذاته، بل أن تأسيس الدولة الإسلامية هو أيضاً هدف مرحلي للدعوة” (ميكانيزم) للوصول الى الهدف النهائي المتمثل بتحكيم الشريعة الإسلامية في واقع المسلمين، ولا يعبر عن الفلسفة الوجودية لحزب الدعوة.
ما يمكن تغييره وإلغاؤه وتجديده وتعديله وإعادة تأصيله وصياغته؛ من مبان وأفكار نظرية “الدعوة”، والبدائل الفكرية اللازمة، ولعل الفكر السياسي في نظرية “الدعوة” هو المحور الأكثر إشكالية؛ لأنه ينطوي على ثوابت ومتغيرات متشابكة؛ ولذلك يحتاج الى جهد فكري كبير لتجديده، أما الفكرالتربوي والفكر التنظيمي والفكر الإيماني وغيرها فهي ـ بالأساس ـ متغيرات وتقنيات وأدوات غالبا؛ يمكن تغييرها وفقا لطبيعة النظرية السياسية ولطبيعة المرحلة، وهي لا تمثل إشكالية فكرية؛ على العكس من النظرية السياسية التي تمثل العمود الفقري لنظرية حزب الدعوة، وصلب عملية التجديد.
2- آليات وأدوات التحرك:
آليات العمل وأدوات التحرك ووسائل الدعوة؛ هي مساحة متغيرات يستطيع الحزب تطويعها وفقاً لتحولات الزمان والمكان، أي أنها أدوات محكومة برضا الشريعة الاسلامية وخاضعة لموازينها، سواء انتمت هذه الأدوات الى السياسة أو الى الإعلام أو العمل العسكري أو الاقتصاد؛ على اعتبار أن الوسيلة والأداة في العمل الإسلامي يجب أن تكونا من جنس الغاية والهدف، ولا يمكن أن يكونا الهدف ـ مهما بلغت نسبة سموه ـ مسوغاً لاستخدام أداة غير شرعية لا تخضع لموازين الشريعة الإسلامية، وبالتالي؛ فإن الوسائل السياسية والتنظيمية والاعلامية والعسكرية وغيرها؛ هي أدوات متغيرة ومتنوعة ومتعددة، وليس لها شكل ثابت، ويمكن لحزب الدعوة تغييرها من زمن لآخر.
3- المصادر:
وهي المداخل العلمية والأسس والأدوات المنهجية المستخدمة في عملية تثبيت المبادئ والأفكار والتغيير والنسخ والتفسير، ويقصد بها مناهج ونتاجات العلوم الإسلامية والاجتماعية والسياسية والقانونية.