[align=center][/align]
[align=center]المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
{لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ}(البلد/1ـ3).[/align]
لم أكن أتصور أبداً أن يقوم قلمي المكسور هذا بكتابة مقدمة لهذه المجموعة، التي تمثل العلاقة بين العاشق والمعشوق، ولم يدر في خيالي مطلقاً أن أصبح يوماً كاتب مقدمة لمراسلات المراد والمريد.
أحس أن حديث العشق يروم لساناً آخر، وأن سرَ سويداء العشاق لن يتفجّر من قلمي الملوث، ليجري اسم الخميني أحمدياً.
لكن ما العمل؟ فالقدر الإلهي أراد أن يرجع الإنسان إلى أصله، وأن يطوي سفر العشق من التراب إلى الأفلاك، ومن عالم الناسوت إلى عالم الملكوت، هناك حيث يجد وصال المعشوق. وكم هو جميل الجلوس إلى مائدة الحسين عليه السلام مع الإمام، والاستماع إلى حديث علي عليه السلام، ومجالسة نبي الحسنات صلى الله عليه وآله ومحادثته.
وها أنا أبدأ هذه المقدمة بقلبٍ يعتصره غم الفراق الذي لا يمكن التعبير عنه، وفؤاد مرتعش من الحزن على الحبيب. عسى أن يتقبلها أهل الفن، ويغضوا الطرف عن قصور هذا الحقير بلطفهم.
الحديث عن الحياة الطيبة لرجل قضى عمره الثر في الطريق المقدس للخميني الكبير، والدفاع عن أهداف الثورة الإسلامية حديث طويل ومتشعب لا تسعه مقدمة كتاب أو حتى كتاب واحد، ولا بد من فرصة أخرى لهذا الحديث. ورغم أن فراق وهجران ذلك المسافر أمر يذهب النفس ويحرق القلب، ويترك فراغاً، لكن لابد لي أن أذكر هنا ذكرى موجزة تتناسب مع محتوى هذه المجموعة التي نشرت بذكرى مرور أربعين يوماً على وفاته، ذكرى من سماحة الإمام الخميني ( س ) كانت مؤثرة ومفيدة لي، علّها تكون لرواد فكر الخميني وعشاقه معبّرة أيضاً:
قال لي سماحة الإمام الخميني (س) ـ لأكثر من عشر مرات، وفي مواقف متعددة ـ " يا حسن تعلّم من أبيك الأبوة " وأعتقد أن هذه الجملة القصيرة ـ التي تدل على الرضا التام والكامل لسماحته من ابنه العزيز ـ كافية لأن نعرف سرّ العلاقة والحب بين ذينك المسافرين. وندرك جذور محبة ابن الإمام التي نبتت في القيم، والمناقب التي دفعت الشعب الإيراني الوفي لتسطير ملحمة جديدة في رثائه.
هذا الكتاب يحتوي على عدد من رسائل الإمام الخميني (س) التي أرسلها لولده العزيز سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، معظمها عادي أرسلها سماحة الإمام إبان إقامته في النجف الأشرف، وكجواب على رسائل ولده، تدور في جو العلاقة بين الأب وابنه، والسؤال عن أحواله ؛ لكننا نجد بين سطورها نكات كثيرة تربوية وأخلاقية وتنبيهات تنم عن دقة الإمام الخميني وحساسيته، ومن أجل ذلك وجدنا أن حرمان عشاق تراث الإمام من هذه الرسائل أمر مؤسف.
لابد من الإشارة هنا إلى أن هذه الرسائل أرسلها الإمام من مدينة النجف الأشرف في العراق، وفي ظروف كان النظام الملكي يمارس فيها أشد الظلم، وتقوم أجهزة الملك الأمنية برصد ومراقبة كل شيء، وخاصة نشاطات سماحة الإمام، مما جعل أي ارتباط يعد أمراً صعباً ومخاطرة. من هنا نرى أن الإمام الخميني كان حذراً جداً في رسائله، ولم يضمَن رسائله تلك أي خبر أو تحليل سياسي، لئلا يؤدي ذلك إلى كشف أهداف المجاهدين ونشاطاتهم، وخاصة جهود والدي الذي كان يتحمل مسؤولية إقامة العلاقة بين مراكز الثورة وقائدها، وعند اضطراره لذكر أمر من هذا القبيل، نجده يشير إليه إشارة خفية. في حين أن أمور المواجهة، والأسئلة والأجوبة، والارتباط بين والدي وسماحة الإمام في سنوات النفي، كان يتم عادة عبر إرسال أشخاص ثقات، بل وحتى أن والدي ( ره ) كان يسافر بنفسه إلى النجف الأشرف أحياناً وبشكل سري، حيث كان الوالد يتولى مهمة صعبة جداً تتلخص في متابعة دفع المساعدة الشهرية(يدفع الناس الحقوق الشرعية التي بذمتهم إلى الحاكم العادل، أو إلى مراجع التقليد، فيتولى المراجع دفع قسم منها إلى طلاب العلوم الدينية كرواتب شهرية، لهذا سميت بالشهرية، وكان سماحة الإمام يفعل نفس الشيء، أكثر الحقوق الشرعية هي الخمس أي سهم الإمام وسهم السادات، وأجمع الفقهاء على أن أفضل مجال لصرف سهم الإمام هو صرفها في طريق التبليغ للدين الإسلامي، وتأمين حاجة المبلغين. نيابة عن الإمام، وإيجاد ورعاية الارتباط بين ممثلي الإمام ووكلائه الشرعيين في إيران، وتفعيل بيت الإمام في قم كرمز ومقر لثورة عام 1963م(حاول النظام الملكي أن يحد من تحرك الإمام الخميني (س) فبدأ اتصالات مكثفة مع حماته الغربيين، وقرر اعتقال الإمام وسجنه، فقامت قواته في الساعة الثالثة من بعد منتصف الليل ليوم الرابع من حزيران عام 1963م بمهاجمة منزل ذلك الرجل العظيم في مدينة قم المقدسة، ثم اعتقلته ونقلته إلى طهران.
لكن سرعان ما انتشر خبر اعتقال الإمام (س) في أنحاء البلاد، وبعد أن سمعت الجماهير هذا الخبر، توجهت في الصباح الباكر ليوم الخامس من حزيران 1963م إلى الشوارع وتظاهرت، وكانت أضخم التظاهرات في مدينة قم المقدسة، وقامت قوات النظام الملكي بقمع هذه التظاهرات، وقتلت العديد من المتظاهرين.
وأعلن الملك الأحكام العرفية، وشكل حكومة عسكرية، فقامت هذه الحكومة بقمع تظاهرات طهران...
... يومي الخامس والسادس من حزيران بقسوة وإجرام، فاستشهد جراء هذا القمع آلاف العزل، وضرجوا بدمائهم.
هذه الفاجعة كانت عظيمة لدرجة ذاعت أخبارها خارج البلاد، ولم تتمكن ملايين الدولارات التي كان ينفقها الملك سنوياً على الإعلام الخارجي أن تقف بوجه أخبار هذه المجزرة وإخفائها.
وبعد انتصار الثورة الإسلامية، وفي حزيران 1979م بمناسبة الذكرى السنوية لهذه الفاجعة أصدر سماحة الإمام (س) بياناً اعتبر فيه أن الثورة الإسلامية بدأت يوم الخامس من حزيران عام 1963م وأعلن يوم الخامس من حزيران يوم حداد عام إلى الأبد.
نشير هنا إلى أن هذا اليوم شهد فيما بعد أحداثاً أليمة كان منها : نكسة الخامس من حزيران عام 1967م، وهزيمة الجيوش العربية أمام الصهاينة الغزاة، ثم دفن سماحة الإمام الخميني يوم الخامس من حزيران عام 1989م، وأحداث مرة أخرى.
ودعم المجاهدين، ومتابعة أوضاع عوائل السجناء السياسيين والمنفيين وتأمين حاجاتهم.
ورغم أن الإمام الخميني لم يضمّن رسائله شؤوناً سياسية، لكنه بعد انتصار الثورة الإسلامية، ومطالعة الملفات الضخمة التي أعدتها أجهزة أمن النظام الملكي ( السافاك ) (السافاك هي منظمة الأمن الملكية، أسست رسمياً عام 1957م بأمر من الملك محمد رضا بهلوي، وأوكلت إليها مهمة قمع المعارضة، ومواجهة الجهاد الإسلامي، وكان لهذه المنظمة ارتباط وثيق جداً مع منظمة سي أي إيه الأمريكية ومنظمة الأمن الصهيونية الموساد، وقد مارست هذه المنظمة أبشع أنواع التعذيب والتآمر والفتن إلى الحد الذي دفع بالأمين العام لمنظمة العفو الدولية عام 1975م أن يعلن: أن ملف إيران في مجال حقوق الإنسان يعد أسوأ ملف لدولة من دول العالم.) حول تحرك الإمام الخميني أظهرت أن تلك الأجهزة قامت بمراقبة تلك الرسائل واستنساخها وهي في طريقها في البريد، لكن حذر الإمام والتفات والدي كانا كفيلين بحرمان أجهزة أمن النظام الملكي من الوصول إلى أي معلومات أو أسرار عن المواجهة.
إن إظهار العلاقات بشكل عادي من خلال هذه الرسائل يدل على دراية الإمام الخميني وحنكته السياسية.
ومنذ تصاعد نهضة الإمام الخميني عام 1978م وحتى شباط عام 1979م، ومنذ الانتصار وحتى آخر لحظة من عمر الإمام الخميني كان سماحة السيد أحمد حضوراً مباشراً في صلب الحوادث السياسية والاجتماعية الخطيرة لهذه السنوات إلى جانب والده، وكما يعلم أبناء الشعب الإيراني فإن والدي العزيز أعرض عن جميع المناصب الرسمية التي عرضت عليه بإصرار، رغم لياقته، كل ذلك من أجل التفرغ لمسؤولية رسالية مقدسة، حيث كان يعتبر أن رسالته هي الدفاع عن خط الإمام ونهجه، ونشره وتثبيته في مجموعة النظام والثورة الإسلامية. وحقاً فإن الابن الوحيد للإمام هذا أدى رسالته تلك مؤدياً بذلك دوراً خاصاً به، ورغم وجود الصعاب والمشاكل الكثيرة في طريقه ذاك، لكنه طواه بجهد لم يعرف نهاراً من ليل، ووقف حياته ووجوده في هذا الطريق، وسار فيه مطمئناً ثابتاً.
وأقام أوسع شبكة اتصال بين قائد الثورة ومختلف طبقات المجتمع على اختلاف توجهاتهم. لذا فإن المسائل المتعلقة بالحوادث الكثيرة جداً لهذه الفترة من تاريخ الثورة الإسلامية، إضافة إلى الاستشارات وتحديد التكليف من قبل الإمام الخميني، وأجوبة الامام حول مختلف القضايا،كل ذلك كان يتم في جلسات وارتباط حضوري بين ذينك العزيزين. وعدا بعض الموارد النادرة فإن هذه الأمورـ التي تشكل خزانة من الأسرار ومن قضايا الثورةـ كانت تتم مشافهة دون كتابة. لكن دور سماحة السيد أحمد الخميني في هذا المجال يظهر جلياً في ابلاغه آراء الامام وأجوبته وتوجيهاته إلى أركان النظام الاسلامي والوزارات والمؤسسات، وذلك عبر تدوينه لهذه الأجوبة في هواميش وحواشي رسائل المسؤولين، والتي تدل على دقته وأمانته بنقل أجوبة الامام وتوجيهاته الشفوية. على أمل أن تنتشر مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني(س) هذه المجموعة في أسرع وقت.
ومن بين ما كتبه الإمام الخميني (س ) لابنه العزيز بعد انتصار الثورة الإسلامية، وتجدونها في هذا الكتاب، هناك عدة رسائل تفصيلية حول أعمق المباحث العرفانية والأخلاقية التي تحمل في طياتها مئات الدروس والعبر، فإنها تدل على أن الإمام الخميني وجد في ابنه القابلية اللازمة لاستيعاب هذه الأسرار والمعاني الأخلاقية والعرفانية.
إضافة إلى ذلك فإن عدة شهادات صريحة للإمام يدافع فيها عن مواقف ابنه العزيز السياسية ـ والتي نجدها في طيات هذه المجموعة ـ نقف على أهميتها عندما نعرف أن الإمام الخميني كان ذو شخصية مستقيمة عميقة، لا يطلق أي كلمة أو موقف خارج إطار الصدق والتكليف الشرعي.
كتب الإمام في واحدة من رسائله تلك " إني أشهد الله سبحانه وتعالى أني ـ ومنذ بداية الثورة وحتى الآن، بل وقبل الثورة أيضاً عندما بدأ أحمد بمزاولة هذا النحو من المسائل السياسية ـ لم أر منه قولاً أو فعلاً يخالف فيه مسيرة الثورة الإسلامية الإيرانية، ودعم الثورة في جميع مراحلها، وفي مرحلة الانتصار المبارك للثورة كان ما يزال معيناً لي ومساعداً في أعمالي، ولا يقوم بأي عمل خلاف رأيي "هذه الجمل واشباهها، والتي نقرؤها في هذا الكتاب، إنما جرت من لسان وقلم من قال "إني قلت عدة مرات أني لم أعقد عقد أخوة مع أي أحد وفي أي منزلة كان" و "إن إطار صداقتي يكمن في صدق واستقامة أي فرد" و "إن الله يعلم أني لا أرى لنفسي ذرة من الحصانة أو حق خاص أو امتياز عن الآخرين. فلو صدر مني أي تخلف، فإني مهيؤ للمؤاخذة".
المسألة الأخرى التي تذكر هنا حول الكتاب هي أن الرسائل هذه كان مقرراً لها أن تنشر حسب تاريخ تحريرها ضمن المجموعة الكاملة لتراث الإمام الخميني، ولهذا فإن مسؤولي المؤسسة كانوا قد عرضوا هذه الرسائل على والدي العزيز ليوضح لهم ما يحتاج منها إلى توضيح، فقام سماحة السيد أحمد بكتابة بعض التوضيحات على هامش ما كتبه الإمام الراحل، وقد وردت تلك التوضيحات في هوامش هذا الكتاب، لكنه لك يكمل عمله ذلك فوافته المنية، فترك ثلمة لا تسد، حيث بقيت بعض الرسائل دون تعليق. ومن المحيّر أنه بتاريخ 22/1/1995م ـ أي قبل وفاته بعشرين يوماً ـ كتب تعليقاً على رسالة مفصلة كان قد دونها مخاطباً نائبه في المؤسسة " جانب الشيخ حميد الأنصاري، إني قلت للإمام عدة مرات أن الدفاع عني لا وجود له في ثقافتك، وبالفعل كان الأمر كذلك. لكن في هذه الرسالة التي أشار فيها إلى ذلك، اعتقد أن هذا الدفاع أيضاً لا يتناسب مع ثقافته، لكنه عندما رأى مظلوميتي، اضطر لكتابة هذه كدفاع عن المظلوم. لذا لا تنشر هذه الرسالة، واتركهم يقولون عني ما يشاؤون، فإن الله أعلم بأعمال الإنسان ".
سلام الله عليه حيث صرف عمره في سبيل الاعصار الوحيد، ولم يكن مستعداً ليغترف من البحر اللامتناهي للخميني العظيم أي غرفة لصالحه الشخصي، بل أنه فتح صدره المملوء بالحب ليتلقى به أمواج التهم، لكنه رفض أن يحط غبار التساؤلات على الرداء الطاهر للإمام العزيز، وحقاً أن يكون لمثل ذلك الأب مثل هذا الابن.
حسن الخميني (هو الإبن الأكبر لسماحة السيد أحمد الخميني (ره) وهو حالياً طالب للعلوم الدينية، ويتولى إلى جانب دراسته مسؤولية تولي مرقد سماحة الإمام الخميني الراحل (س) ومؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (س).)
9/6/1970م