هناك من يدعي بأن فكرة المهدوية تتعارض مع العقل!!!
أنا أسأل كل من يدعي هذه المعارضة والتناقض عن أي عقل تتكلم؟ ؟
هل هو عقل أفلاطون؟ أم عقل أرسطو؟ أم عقل توما الأكويني؟ أم عقل إبن سينا؟ أم عقل ملا صدرا؟ أم عقل إبن رشد؟ أم عقل كانط ؟ أم عقل هيغل؟ أم عقل نيتشه؟ أم عقل فيغنشتين؟ أم عقل هيدغر أو هوسرل؟ أم عقل كواين ودونالد دافيدسون؟
ليس هناك تعريف متفق عليه في تحديد العقلانية أو في تحديد حدود العقل بل هو موضوع مازال مختلف عليه ويكثر حوله النقاش خاصة في مجال فلسفة العقل المعاصرة والتي لازالت إلى الآن تناقش هذه المسألة. لذلك أنا دائما أجد موضوع العقلانية في الفكر " العربي" أو الإسلامي تتم مناقشته بدون معرفة أو بدون تحديد مصطلحات وهذه أحد أوجه البؤس في الواقع الفلسفي لدى العرب. في بعض فلسفات الغرب الآن تنظر للدين كاملا وفي جميع تمظهراته على أنه يناقض العقل البشري فمثلا النبوة بالنسبة لهم هو عبارة عن فلكلور راق و لاتمثل حضارة أو عقلانية إنسانية. لذلك حتى أوضح منهجية التعامل الديني مع المفاهيم الغيبية كالنبوة والمهدوية والرسالة السماوية أحب أن أشرح مفهومين مهمين في هذا المجال وهما:
1.Coherence theory of truth نظرية الترابط في الحقيقة
2. Holism نظرية الوحدة التكاملية
هناك ثلاث نظريات في تحديد فلسفة الحقيقة وهي نظرية التطابق مع الواقع ونظرية الترابط ونظرية البرغماتية. نظرية الترابط ممكن توظيفها في هذا البحث وأركز على التوظيف المعرفي لأنني لا أتبنى هذه النظرية كاملة. نظرية الترابط تقول بأن مدى صدق أو حقيقة فكرة ما أو معتقد هو مدى ترابطها مع الأفكار المكونة لدى عقل المفكر. فمثلا إذا آمن الفيزيائي بفكرة جديدة فهو يتعرف على صدق نظريته بمدى التلائم الحاصل ما بين الفكرة وما بين الأفكار القطعية السابقة التكوين لديه.
أما نظرية الوحدة التكاملية فهي نظرية أبتكرها الفيلسوف الأمريكي المعاصر كواين وهي تقول بأن أي نظام فلسفي أو علمي وأضيف عليه نظام ديني هو نظام متكامل واحد وعليه لايمكن قراءة صدق فكرة واحدة من مجموع الأفكار المكونة للنظام بدون اللجوء إلى الأفكار الأخرى. وقد استعمل كواين هذه النظرية للرد على الفلاسفة الوضعيين المنطقيين الذين أدعوا بأن صدق العبارة هو مدى تطابقها مع الواقع الحسي فرد عليهم كواين بأن دراسة العبارة الواحدة يفترض الكثير من الإفكار والمفاهيم أي أنه من المستحيل الإنعزال بفكرة واحدة بدون معرفة المفاهيم الأخرى. لأنك عندما تدرس عبارة واحدة فأنت تفترض نظرية في العقل ونظرية في الوجود ونظرية في المعنى ونظرية في الحقيقة وهذه جميعها يتم إفتراضها بطريقة غير علمية فقط في سبيل دراسة عبارة أو فكرة.
وهناك نقطة اخيرة مهمة في مجال بحثنا ألا وهي أن جميع العلوم و الأنظمة الفكرية هي تسلسلية وتراكمية و تراتبية ( طبعا ما عدا علم المنطق لأنه بحسب فلسفة فيغنشتين فهو علم ليس بتراتبي)
هنا نأتي لموضوع بحثنا و هو موضوع الإمام المهدي عليه السلام وهو موضوع قطعي بالنسبة لي كإنسان يؤمن بسنة وعقيدة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. العقيدة كنظام ديني هو نظام قائم على الترابط الفكري والموضوعي ما بين مفاهيمه فمثلا عندما آمن الشيعة الإمامية بفكرة الإمام المهدي عليه السلام فهم أفترضوا: (أتحفظ على لفظ نظرية في البحث وهي مذكورة من قبيل المسامحة)
1 .نظرية في العقل أي أن العقل لدى الفكر الفلسفي الشيعي أو الإسلامي بوجه عام لديه نظرية خاصة في العقل البشري تختلف عن نظريات العقل لدى الغرب اللاديني.
2. نظرية في الوجود وهي نظرية دينية طبعا لأن هناك ما يسمى في الإلهيات واجب الوجود وهو الله سبحانه
3. نظرية في الإنسان وكون الإنسان مخلوق وخليفة الله في الأرض
4. نظرية في التوحيد والعدل الإلهي والميعاد
5. نظرية في النبوة والإمامة والخلافة
6.نظرية في التفسير والتأويل القرآني
7.نظرية في قراءة النص الديني وأعني بذلك علم أصول الفقه
8.نظرية في تصحيح الحديث المنسوب إلى المعصوم (ع)
هذه المفاهيم تتلاقى فيما بينها لتشكيل هذا النظام المعرفي المتكامل والذي يتلائم مع فكرة المهدوية ولا يتناقض معها وعليه لا يصح عقلا أن تؤمن مثلا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأن لا تؤمن في ذات الوقت بفكرة الإمام المهدي عليه السلام. إذن لا يجوز أن ندرس هذا المفهوم بإنعزالية تامة عن بقية المفاهيم المؤسسة للعقيدة بشكل كامل ثم إن المعيار لفهم حقيقة المهدوية يتطلب منا معرفة مدى التلائم الحاصل ما بينها وما بين بقية المفاهيم.
اتمنى من الأخوة أن يناقش ما ذكرته لأنه بإعتقادي جوهر الإشكال الحاصل في دراسة فلسفة الدين.
قال الإمام علي عليه السلام " أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاِْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ."