النتائج 1 إلى 11 من 11
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401

    البسملة / للإمام الخميني (قده)

    [align=center]مقدمة الكتاب[/align]

    [align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

    وردت طلبات أن أتحدث في تفسير بعض الآيات القرآنية الشريفة في حين أن تفسير القرآن ليس من المهمات التي يستطيع أمثالنا أداء حقها بل إن علماء الطراز الأول ـ من العامة والخاصة ـ صنفوا ـ طول التأريخ الإسلامي ـ كتبا كثيرة في هذا الباب ومساعيهم مشكورة بلا شك ولكن كل منهم لم يقم بأكثر من كشف أحد أغطية القرآن الكريم وفقاً لتخصصه، وحتى في هذا الحد ما من يقين أن التفسير جاء كاملا.

    فمثلا عمد العرفاء على مدى قرون عدة إلى كتابة تفاسير عديدة وفق طريقتهم وهي الطريقة المعرفية، أمثال محي الدين (إبن عربي) في بعض كتبه وعبد الرزاق الكاشاني في تأويلاته والملا سلطان علي في تفسيره وبعضهم أجاد التصنيف وفق هذا الفن ولكن القرآن لا ينحصر فيما صنفوا فما قاموا ب هو إزاحة بعض الحجب عن القرآن الكريم وقراءة بعض أوراقه.

    كما قام الطنطاوي وأمثاله وكذلك السيد قطب بتفسير القرآن بطريقةٍ أخرى هي أيضاً ليست تفسيرا للقرآن بكافة معانية فهم أيضاً كشفوا غطاء واحدا آخراً عنه.

    وللكثير من سائر المفسرين ـ من غير هاتين الطائفتين ـ تفاسير كتفسير "مجمع البيان " وهو تفسير جيد جامع بين أقوال العامة والخاصة، وحال هذه التفاسير كحال سابقاتها فالقرآن ليس ذاك الكتاب الذي نستطيع نحن أو غيرنا تصنيف تفسير جامع له يحوي كافة علومه كما هي، ففيه علومٌ هي فوق ما نفهم نحن، نحن نفهم ظاهراً منه ونفسر غطاءً منه والباقي يحتاج إلى تفسير أهل العصمة وهم المعلمون بتعليمات رسول الله.



    [align=center]التفسير بالأهواء[/align]

    وقد ظهر في الآونة الأخيرة أشخاص ليس من أهل التفسير أصلاً أرادوا تحميل ما لديهم من أفكار على القرآن والسنة حتى أن فئةً من اليساريين والشيوعيين عمدت إلى التستر بالقرآن أيضاً لعرض بضائعهم، وهؤلاء لا علاقة لهم أصلاً بالتفسير ولا بالقرآن فما يريدونه هو خداع شبابنا بما يقدمونه لهم على أنه هو الإسلام.

    وعلى هذا فما أريد التنبيه إليه هو أنه لا ينبغي للذين لم يصلوا بعد إلى المستويات العالية من النضوج العلمي أن يدخلوا مضمار التفسير، فلا ينبغي للشباب غير المطلع على المعارف الإسلامية إقتحام ميدان تفسير القرآن وإذا حدث أن تطفل أمثال هؤلاء لغايات وأهداف ما على ميدان التفسير فلا ينبغي لشبابنا أن يولوا أهمية أو يقيموا وزناً لمثل هذه التفاسير فقد ورد في الإسلام نهيٌ صريحٌ عن "التفسير بالرأي" (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار " حديث نبوي مشهور راجع كتاب القرآن في الإسلام للعلامة الطباطبائي ص82 طبعة منظمة الإعلام الإسلامي وكتاب التعرف على القرآن للشهيد المطهري ص 25 طبعة وزارة الإرشاد في الجمهورية الإسلامية والحديث المذكور يرويه الشيخ الصدوق عن النبي الأكرم (ص) في الغنية وأخرجه الترمذي في صحيح ج11 ص 67) كأن

    يعمد أيٌ كان إلى تلبي آرائه على القرآن فيطبق المادي أفكاره على بعض الآيات القرآنية فيفسر القرآن وفق رأيه، أو أن يعمد أحد أصحاب الآراء المعنوية والروحية إلى تأويل كل ما في القرآن الكريم ويرجعه إلى ما يعتقد هو.

    إن اللازم هو أن نجتنب كل ذلك فأيدينا ليست مطلقة العنان في هذا المضمار والباب ليس مفتوحاً على مصراعيه لكي يعمد الإنسان إلى تحميل كل ما يصله عقله على القرآن فيقول هذا ما يقوله القرآن.



    [align=center]تفسيراتنا هي على نحو الاحتمال[/align]

    وحيث أني أتحدث ببعض الكلمات حول بعض من آيات القرآن الكريم فلا أدعي أن ما أقوله هو المراد والمقصود فيها، فما أقوله هو على نحو الاحتمال لا الجزم ولن أقول بأن المراد هو هذا لا غير.

    وإستجابة لما طلبه بعض السادة من أحاديث في هذا الباب قررت أن أتناول كل عدة أيام مرة ـ كأنه يكون في الأسبوع مرة ـ وضمن وقت محدود السورة الأولى في القرآن وإحدى السور الأواخر وأتحدث عنها بصورة مختصرة إذ لا يتسنى التفصيل لا لي ولا للآخرين وأكرر القول بأن هذا التفسير ليس على نحو الجزم وليس أنه هو المراد لا غير، إذ أن مثل ذلك هو من التفسير بالرأي فما نعرضه ما يصله نظرنا ما نفهمه فنقوله على نحو الاحتمال.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401

    افتراضي

    [align=center]الدرس الأول[/align]

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين .....

    يحتمل أن تكون "البسملة" في جميع السور القرآنية مرتبطة بالآيات التي تليها، ولقد قيل أن البسملة متعلقة بمعنى مقدر واحد ولكنّ الأقرب هو أن كل بسملة مرتبطة بنفس السورة ـ التي تفتتحها ـ فمثلا في "الحمد" ترتبط البسملة بما بعدها فباسم الله تبارك وتعالى يكون الحمد له.

    والاسم علامة، وهو للتعريف، ويوضع لكل شخصٍ أو لكل شيءٍ اسمٌ لكي يكون علامة ومعرفاً له، فعندما يقال "زيد" يعرف الإنسان من هو المقصود بذلك.

    أسماء الله علائم ذاته (بحث الإمام هذا الموضوع بصورة اكثر تفصيلا في كتابية مصباح الهداية وشرح دعاء السحر وكلاهما بالعربية)

    وأسماء الله هي أيضاً علائم ذاته المقدسة، وأسماء الحق تعالي هي التي يمكن للإنسان التعرف على ذاته المقدسة من خلالها ـ ولو بصورةٍ ناقصة ـ أما نفس الذات المقدسة للحق تعالى فلا يصلها إنسان حتى خاتم الأنبياء وهو أعلم وأشرف بني آدم فهو لا يستطيع الوصول إلى مرتبة الذات تلك إذ لا يعرفها سوى ذاته المقدسة، أمّا ما يمكن لبني الإنسان الوصول إليه فهو أسمـاء الله (راجع في هذا المجال كتاب التوحيد العلمي والعيني الذي يضم مراسلات آيات الله محمد حسين الكمباني والسيد أحمد الكربلائي وتذييلات العلامة الطباطبائي وتلميذه محمد حسن الطهراني عليها) ولهذه الأسماء أيضاً مراتب نستطيع نحن أن ندرك بعضها فيما ينحصر إدراك البعض الآخر بأولياء الله والنبي الأكرم صلي الله عليه وآله وأولئك المعلمين بتعليمه.



    [align=center]العالم كافة اسم الله [/align]

    والعالم أجمع هو اسم ا لله فالإسم هو العلامة، وجميع الموجودات في العالم هي علائم على ذات الحق تعالى المقدسة، وغاية الأمر أن البعض يستطيع الوصول إلى عمق كونها علامة فيعرف كيف أنها علامة والبعض الآخر يفهم الأمر على نحو الإجمال وذلك من خلال مقولة أن الموجود لا يحصل على الوجود من تلقاء نفسه، وهذه حقيقة واضحة يستطيع إدراكها عقل أي إنسان بالفطرة ويفهم أن الموجود الذي يمكن وجوده ويمكن عدمه مثل هذا الوجود الإمكاني لا يمكن أن يوجد بذاته فهذا الممكن يجب أن ينتهي إلى وجود موجود بالذات أي الموجود الذي لا يمكن سلب الوجود منه وهو الأزلي الذي يستحيل سلب الوجود منه وسائر الموجودات الأخرى ممكنة الوجود والعدم وهذه لا تكتسب الوجود بذاتها فهي محتاجة إلى من يوجدها وهو خارج عنها.

    لو فرضنا هذا الفضاء الوهمي الذي ليس بشيء وليس له واقع خارجي أنه فضاء أزلي فلا يمكن أن يتبدل إلى شيء موجود بنفسه أو أن يظهر فيه موجودٌ دون موجد.

    وقول أولئك الذين يقولون بأنه كان في الدنيا منذ الأزل فضاءً غير متناه (والإشكال في اللامتناهي يبقي قائما)، ثم ظهر بعد ذلك هواء وبخار ومن هذا الموجود "البخار الذي في الفضاء " وُجد شيءٌ آخر وهكذا، مثل هذا القول يخالف الضرورة العقلية التي تنفي تحول شيء إلى شيء آخر بذاته ودون تدخل علة خارجية، فكل شيء يتبدل إلى شيء آخر يحتاج إلى علةٍ خارجية وبدونها محالٌ أن يتبدل، فالماء مثلاً يحتاج إلى علةٍ خارجية ليصبح ثلجاً منجمداً أو ليصبح ماءً مغليّاً وبدون هذه العلة الخارجية يبقى إلى الأبد ماءً لا تصبح درجته تحت الصفر ولا فوقه، فهو محتاجٌ إلى علةٍ خارجية وشيء خارجي حتى لا يتعفن، وهذا توضيح إجمالي لاحتياج كل معلول إلى علة وافتقار كل ممكن إلى علة.

    هذه هي من البديهيات العقلية فكل من يتصورها ويتأمل فيها يصدقها يصدق بأن الشيء الذي يمكن أن يكون أو لا يكون. محالٌ أو يوجد أو ينعدم بذاته، فلا يمكنه الإستغناء عن العلة فما من شيء ينتقل بذاته من العدم إلى الوجود بدون علة، وهذا "الامتناع" هو من الضروريات العقلية.



    [align=center]الموجودات آيات الله [/align]

    وما تقدم هو إيضاح إجمالي لقضية أن جميع موجودات العالم هو "أسماء الله" وآيات الله، ويمكن لكافة العقول إدراك هذه الحقيقة ومعرفة أن كل العالم أسماء الله.

    وأما المعني الحقيقي للمطلب فليس فيه قضية التسمية، كأن نفرض أننا نريد أن نوصل لأحد معنى شيء ما المصباح مثلا، عندما نطلق عليه إسماً ونقول "مصباح" أو "سيارة" أو " زيد" وهذه حقيقة واقعية عن موجودٍ غير متناهٍ في جميع أوصاف الكمال، والموجود غير المتناهي في جميع أوصاف الكمال هو موجود لا حدَّ له وهذا الموجود ليس ممكن الوجود.



    [align=center]المحدود ممكن الوجود [/align]

    فلو كان الموجود محدودا فهو "الممكن" أما الموجود الذي ليس له حد في موجوديته أصلا فيجب بالضرورة العقلية أن يكون حاويا لجميع الكمالات، لأن فقدانه لأي كمالٍ يجعله محدوداً ولو أصبح محدوداً فهو "ممكن " وهذا هو الفرق بين "الممكن" و"الواجب" فالواجب غير متناه في كل شيءٍ وهو الموجود المطلق، أما الموجودات الممكنة فهي موجودات محدودة.

    وما لم تكن جميع أوصاف الكمال موجودة في الواجب بصورة غير متناهية ولا محدودة فإنه يكون "ممكناً" أي أن ما تصورناه "واجبا" ما هو بـ" واجب الوجود" بل ممكناً.

    ومثل هذا الموجود "الواجب الوجود" هو مبدأ الإيجاد والوجود، وجميع الموجودات التي تظهر من "مبدأيته" تكون مستجمعة لنفس تلك الأوصاف ولكن على نحو النقص، وغاية الأمر أن لها مراتب، والمرتبة الأعلى هي المستجمعة لكافة أوصاف الحق تعالى بالقدر الممكن أن يكون في موجود واجد لذاك "الإسم الأعظم".



    [align=center]ما هو الإسم الأعظم[/align]

    الاسم الأعظم (للإمام الخميني بحث معمق حول الاسم الأعظم وأقسامه تجده في شرحه لدعاء السحر ص 85 ـ 98) عبارة عن ذلك الاسم وتلك العلامة الحاوية لجميع كمالات الحق تعالي على نحو النقص ـ أي النقص الإمكاني ـ فهو واجد لكافة الكمالات الإلهية نسبة إلى سائر الموجودات على نحو الكمال هذا هو الاسم.

    والموجودات التي تأتي بعد هذا "الاسم الأعظم" واجدة لنفس الكمالات ولكن بمقدار سعتها الوجودية، حتى نصل إلى هذه الموجودات المادية التي نتصور عدم وجود العلم فيها ولا القدرة ولا أي من الكمالات في حين أن الأمر ليس كذلك.



    [align=center]كلٌّ يسبحّ بحمده [/align]

    نحن في حجابٍ فلا نستطيع الإدراك، إذْ أنّ هذه الموجودات السفلية الأدنى من الإنسان والحيوان، هذه الموجودات الناقصة تنعكس فيها جميع تكل الكمالات، غاية الأمر أن هذا الانعكاس هو بمقدار سعتها الوجودية، فلديها إدراك أيضاً نفس الإدراك الموجود في الإنسان موجود فيها أيضاً: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}(الإسراء44). نحن محجوبون فلا نفهم تسبيح الموجودات، وأولئك الذين لا يعلمون أن من الممكن أن يكون هناك إدراك لموجود ناقص، يفسرون هذا التسبيح بأنه التسبيح التكويني في حين أن ما تقوله الآية هو

    غير التسبيح التكويني الذي نعرفه ونعرف أنه ليس تسبيحها بمعنى أنها موجودات ولها علة، كلا الأمر ليس كذلك، بل إنها تسبح، وقد ذكرت الأحاديث تسبيح بعض الموجودات وما هو ؟!‍ (أورد الشيخ المفيد في كتاب "الاختصاص" عن الأمام الصادق عليه السلام أنه قال: " ما من طير يصاد إلا بتركه التسبيح.ز" ص 25 من طبعة وزارة الإرشاد في الجمهورية الإسلامية).

    في قصة تسبيح تلك الحصاة الصغيرة في يد رسول الله صلى الله عليه وآله (أفراد العلامة أبي جعفر رشيد الدين محمد بن شهر آشوب (متوفى سنة 588 هـ) فصلا خاصا في نطق الموجودات في كتابه الشهير (مناقب آل أبي طالب) ص90ـ ص102 ضمن حديثه المفصل عن مناقب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأورد فيه قصة تسبيح الحصاة في يد الرسول الأكرم ضمن روايات أخرى عديدة في هذا المجال يقول رحمه الله ".. وأتاه مكرز العامري وسأله آية فدعا (ص) تسع حصيات فسبحن في يده وفي حديث فوضعهن على الأرض فلم يسبحن وسكتن ثم عاد وأخذهن فسبحن.." المناقب ص 90 طبعة قم إيران). ما هو الذي سمعوه؟‍ إنه تسبيح تعتبر أجنبية عنه أذني وأذنك، إنه نطق وكلام ولغة ولكن لغته ليست لغتنا ونطقه ليس نطقنا ولكنه إدراك، إدراك بمقدار السعة الوجودية للحصاة.

    ولعل بعض المراتب العالية ولكونها ترى نفسها مصدر كافة الإدراكات تقول إن الموجودات الأخرى ليس لديها هذه الإدراكات ـ وبالطبع فإن ليس لها إدراكات تلك المرتبة ـ ونحن أيضاً ولكوننا لا ندرك حقائق هذه الموجودات، فنحن محجوبون عنها لذلك فلسنا مطلعين ولكوننا لسنا مطلعين نتصور عدم الكثير من الأشياء.



    [align=center]المجاهيل الكثيرة [/align]

    كثيرة هي الأشياء التي يتصورها الإنسان معدومة لكنها موجودة أنا وأنت أجانب عنها.

    الآن يقولون أن هناك مجهولات اتضحت، فمثلا النباتات التي كان الجميع فيما مضى يقولون بأنها صامتة، يقولون الآن بأنه يمكن سماع ضجيج ـ بواسطة أجهزة وهوائيات خاصة ـ ينطلق من جذور الشجرة التي توضع في ماء مغلي، أنا لا أعلم هل هذا صحيح أم كذب ؟‍‍! ولكن العالم مليءٌ بالضجيج وجميع ما فيه حي وجميعها اسم الله أيضاً كل شيء هو اسم الله، أنتم أنفسكم أسماء الله، ألسنتكم أسماء الله أيضاً وكذلك أيديكم.



    [align=center]الحركة بسم الله [/align]

    {بِإسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} عندما تحمدون الله فهنا اسم الله أيضاً، عندما تتحرك ألسنتكم فهنا اسم الله، وعندما تقومون وتذهبون إلى منازلكم فباسم الله أيضاً تفعلون ذلك، لا يمكنكم عزل اسم الله، فأنتم أنفسكم أسماء الله، ونبضات قلوبكم اسم الله، النسمات المتحركة هي اسم الله وانطلاقا من هذا، فلعل ما تريد قوله الآية الكريمة هو هذا المعنى، وهو وارد في الكثير الآيات الأخرى، حيث يكون باسم الله كذا وكذا، فكل شيء اسم الله يعني الحق وأسماء الله، فكل شيء هو، فالاسم فانٍ في المسمى، نحن نتوهم أننا مستقلون وأننا "شيء" وما نحن بشيء، فلو انقطع لحظة شعاع الوجود، ذاك الذي تكون الموجودات موجودة به وبتلك الإدارة وذلك التجلي، لو انقطع لحظة لعادت جميع الموجودات إلى "اللاشيئية" ولخرجت من الحالة الوجودية

    إلى حالتها الأولى إذ أن استمرارية الموجودية أيضاً هي قائمة بنفس هذا التجلي، وبتجلي الحق تعالى وجد عالم الوجود كافة، وذاك التجلي والنور هو أصل حقيقة الوجود وهو أسم الله {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }(النور35). أي أنها تجلي الله، يعني النور، فكل شيء له تحقيق إنما هو ظهور ذلك النور، نحن نسمي هذا نوراً لأن له ظهور، والإنسان ظاهر فهو النور، وكذلك الأمر مع الحيوانات فهي نور أيضاً، وجميعها نور الله {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ويعني أن وجود السموات والأرض ـ وهو عبارة عن نور ـ هو من الله، وهو فان إلى درجة أن {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ} وليس أن " بالله تتنور السموات" لأن هذه الصيغة تشير إلى نمط من الاستقلالية: أما {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فهي تعني أنها ـ السموات والأرض ـ جميعاً لاشيء، فليس لدينا في العالم موجود له نحو من الاستقلال.

    إن معنى الاستقلال هو الخروج من حدّ الإمكان إلى حدّ الوجوب في حين لا موجود غير الحق تعالى، ولذا يقول عز وجل {بِاِسْمِ اللَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} أو {بسم الله.. قل هو الله أحد} فباسم الله قل إذ أن المراد هو ـ احتمالاً ـ أن قل بسم الله الرحمن الرحيم أن هذه الحقيقة هي هذه الصورة أي بمعنى ليكن قولك بسم الله {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } (الجمعة1). وليس " من في السماوات والأرض ".

    كل ما في الأرض والسماء يسبح لهذا الموجود وباسم الله وهو تجليه تعالى وبهذا التجلي تتحقق جميع الموجودات وكافة الحركات هي من نفس التجلي.



    [align=center]الكل من تجلياته[/align]

    كل ما يحدث في العالم هو من هذا التجلي ولأن جميع الأشياء والأمر منه وإليه ترجع لذا فليس لأي موجود شيء من ذاته بل ليست هناك "ذاته" في الأمر.

    ذاك الذي يقف في مقابل "مبدأ النور" ويقول أنا أيضاً لدي شيء، هذا يعني أنه يقول: أن هذا الوجود من عندي، في حين أن نفس "عندي" هذه هي ليست من عندك.. والعين التي لديك هي ليست من عندك فهي وُجدت بتجليه تعالي.

    كل "حمد" وثناء يصدر عنا وعنهم إنما يكون باسم الله، بسبب اسم الله ولهذا أيضاً قوله باسم "الله".



    [align=center]"الله" التجلي الجامع[/align]

    "الله" هو التجلي الجامع تجلي من الحق تعالي الجامع لكافة التجليات، ومن هذا التجلي تكون تجليات "الرحمن" ,"الرحيم" "الله" تجلي الحق تعالى والرحمن والرحيم هي من تجليات هذا التجلي.

    "الرحمن" أوجد بالرحمة والرحمانية كافة الموجودات، وهذه الرحمة هي أصل وجود الرحمة، وحتى ذاك الوجود الذي أُعطي للموجودات الشريرة هو أيضاً رحمة، الرحمة الواسعة التي وسعت كل الموجودات يعني أن جميع الموجودات هي عين الرحمة، جميعها رحمة و"الله" هو باسم الله هو هذا التجلي الذي هو تجلي بالمعنى التام.

    المقام الذي يستطيع إظهار التجلي بالمعنى التام هو هذا الاسم الجامع اسمٌ هو أيضاً تجلي نفس ذات الحق تعالى اسم أيضاً و "لا إسم له ولا رسم " إسمه إسم الله وإسم "الرحمن " وإسم "الرحيم" جميعها أسماء، جميعها تجليات، وباسم "الله" وهو الجامع لكافة الكمالات بمرتبة الظهور ـ وذكر "الرحمن الرحيم " له من باب أنه الرحمة والرحمانية والرحيمية، أما أوصاف الغضب والانتقام فهي تبعية وليس بالذات، الرحمة هي بالذات، والرحمانية والرحيمية هي بالذات، أما تلك الأوصاف فهي تبعية.

    بسم الله الرحمن الرحيم ... "الحمد الله " كل المحامد وكل كمال وكل ثناء يقع في هذا العالم هو له تعالى، والإنسان يتوهم أنه عندما يتناول طعاماً لذيذاً فيمدحه أنه يثني على هذا الطعام ولكنّ هذا الحمد هو لله تعالي ولا يدري الإنسان ذلك، يمدح إنساناً ما فيقول أي فيلسوف وعالم هو؟ لكنه إنما يمدح ويحمد ويثني على الله ولا يدري، لماذا ؟ لأن هذا الفيلسوف والعالم ليس لديه شيء من نفسه، فكل ما هو موجودٌ هو تجليه تعالى، والذي أدرك عقلياً أنه تجليه تعالى فإنّ نفس هذا الإدراك هو أيضاً وكذلك حال المدرك، فكل شيء منه تعالى.

    الإنسان يتوهم أنه يمدح هذه السجادة أو هذا الشخص لكنه لا حمد ولا ثناء يقع إلاّ لله تعالى، لأنكم إنما تمدحون شخصاً لشيء فيه، فالمدح لا يكون للعدم، وكل شيء هو موجود منه تعالى لذا فكل حمد ومدح وثناء فهو له: "الحمد " يعني كافة المحامد ولله كل ما هو وله تعالى حقيقة الحمد.

    نتوهم أننا نمدح ونحمد زيدا أو عمرا أو نور الشمس أو نور القمر، لكننا في الحقيقة محجوبون عن هذه الحقيقة، لا ندري بها فهي مستورة عنا.

    نتوهم أننا نمدح ونحمد هذا أو ذاك لكن عندما ترفع الحجب نري أن جميع المحامد هي له وأن نفس حمدنا له هو من تجلية.

    {الله نور السموات والأرض} تعني أن كل حسن منه وكل الكمالات منه أي من تجلياته، تجلى مرة فأوجد كل العالم، نتوهم أننا نقوم بعمل ما بأنفسنا ولكن { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}(الأنفال/17). "رميت وما رميت" فالرمي هو أيضاً تجلي، ومن التجلي الرمي، لكن "ما رميت" تجلي الرمي، "إن الله رمي " أولئك الذين بايعوك إنما بايعوا الله، وهذه اليد أيضاً تجلي الله، وغاية الأمر أننا محجوبون فلا نعلم ما الأمر؟ نحن جميعاً محجوبون إلاّ ذاك المعلم بتعليم الله وأولئك المعلمون بتعليمه.

    واستناداً لما تقدم أقول أنه أصبح واضحاً أنّ من الممكن طرح احتمال أن يكون "بسم.." هذا بـ "الحمد" بمعنى أنه بإسم الله تكون جميع المحامد له تعالى، فتجليات الله هي التي تجذب إليها كافة المحامد فلا يكون حمد وثناء لغيره، بمعنى أنكم مهما أردتم فلن تستطيعوا أن تحمدوا الغير إنكم تحمدون وتمدحون الغير ولكن كل حمدكم وثنائكم يقع لله تعالى، وكلما تفكرون وتتوهمون أنه "الغير" فمن جهة عدم العلم.

    وكلما أردتم أن تضغطوا على أنفسكم لتقولوا كلمةً لغير الله لا تستطيعون ذلك إذ لا كلام لغير الله، فكل ما تقولونه عنه وما هي بنقائص.

    للموجودات جهتان الأولى الجهة الوجودية والأخرى جهة النقص الجهة الوجودية نورٌ وهو لا نقص فيه، فهو منزه عن النقص و"اللاءات" ليست منه، ولا يمكن مدح "اللاءات" فالمدح والحمد هو دائما لـ " نعم" أي للوجود والكمال ولا كمال في العالم إلا لكمال واحد هو كمال "الله " والجمال هو أيضاً جمال "الله ".



    [align=center]"التصديق غير الاعتقاد العلمي" [/align]

    يجب أن نفهم هذه الحقائق، أن نعيها بقلوبنا لا بألسنتنا، فإدراك هذه الكلمة بالقول أمر يسير ولكنّ إيصالها إلى القلب وفهم هذا الموجود الممكن فهمه بحيث يصدقه القلب أمر صعب.

    فمرة يقول الإنسان ـ باللسان ـ إن هناك جنةٌ ونار، وقد يكون معتقدا بذلك ولكن التصديق غير الإعتقاد العلمي، قد يحصل على البرهان أيضاً ولكن التصديق شيء آخر.

    العصمة الموجودة في الأنبياء هي ثمرة التصديق واليقين فالذي يصدق يقينا من المستحيل أن يتخلف، أنتم عندما تصدقون أن أمامكم شخصاً شاهراً سيفه يقطع به عنق من يعصيه، تصبحون معصومين عن معصيته يعني يصبح من المستحيل أن تصدر عنكم معصية له، لأنكم تحبون أنفسكم فلا يمكن أن تصدر عنكم مخالفة.

    الذي يصدق أن "كلمة غيبة واحدة " يقولها بحق شخص في مكة مثلا تؤدي إلى ظهور صورته ـ هناك ـ وكأنه يمد لسانه من هنا ويظهر في مكة حيث الشخص الذي اغتابه فتطأ لسانه أقدام الناس من هنا إلى هناك ـ أي من محل المستغيب إلى محل المغتاب.

    والذي يصدق أن "الغيبة أدام كلاب النار"(روي الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن الإمام السجاد عليه السلام أنه سمع رجلا يغتاب آخر فقال: "إياك والغيبة فإنها إدام كلاب النار" ص 172 ونحوه مروي عن الإمام علي عليه السلام في كتاب الوسائل ج2 ص 238 وكذلك في بحار الأنوار ج 72 ص 248).أي أن الذي يغتاب تبتلعه كلاب النار ليس بالابتلاع المتعارف وينتهي الأمر، بل ابتلاع يسحق وجوده وعندما يذهب إلى هناك أيضاً تبتلعه...

    نقول إن الذي يصدق ذلك لا يمكن أيضاً أن يغتاب وحن عندما نغتاب أحيانا ـ والعياذ بالله ـ فلأننا لم يحصل لدينا التصديق بذلك.



    [align=center]الصور الأخرى للأعمال.[/align]

    الذي يصدق أن جميع الأعمال التي يفعلها هنا لها صورة هناك في العالم الآخر فإذا كانت الأعمال حسنة فصورتها حسنة فصورتها حسنة وإن كانت سيئة فصورتها سيئة (تضمن حديث قصة معراج الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله وسلم إلى السموات العلى الكثير من مصاديق الصور الأخرى للأعمال كما أن هناك العديد من الآيات الدالة على ذلك راجع الآيات الكريمة:ـ

    1 ـ سورة الكهف الآية 49

    2 ـ سورة آل عمران الآية 30

    3 ـ سورة النجم الآية 40

    4 ـ سورة الزلزلة الآية 6ـ8.. وغيرها والأحاديث الأخرى كثيرة في هذا الباب)

    والذي يصدق أن هناك حساب ـ ولو كان على نحو الإجمال فافرضوا أن التفصيل ليس لازما ـ والذي يصدق أنه لو وقع في الغيبة هنا فسيحاسب عليها هناك وان هناك جهنم إذا آذي المؤمنين وأن هناك جنة إذا قام بالخيرات والمبرات هنا، الذي يصدق بذلك فسيلتزم إذا كان الأمر تصديقا وليس مطالعة كتاب وإدراك كتاب وإدراك عقله له فهناك فرق بين الإدراك العقلي والتصديق النفسي والقلبي ـ ولا أقصد هنا القلب الحقيقي ـ الإدراك العقلي والتصديق في الإدراك العقلي كثيرا ما يحدث أن يدرك الإنسان عقلا قضية ما ولكنه لا يلتزم بمقتضياتها عمليا لأنه لم يصدقها فإذا ما صدقها عمل وفقها.

    والإيمان هو عبارة عن هذا التصديق العلم بالنبي لا يثمر هذه الفائدة لكن الإيمان بالنبي يثمر هذه الفائدة.

    لا تكفي إقامة البرهان على وجود الله تبارك وتعالي في إيجاد "الإيمان بالله" بل الإيمان يثمره التصديق القلبي الذي يجعل الإنسان خاضعا لله ويثمر الإيمان به تعالى وإذا حصل الإيمان جاء كل شيء تبعا له.

    إذ صدق الإنسان أن هناك موجودا هو مبدأ هذا العالم وهناك حساب وأن هناك مرحلة بعد الموت وأن الموت ليس فناء بل هو انتقال من نقص إلى كمال فهذا التصديق يحفظه من كافة الأشياء ومن كافة الانحرافات فالأصل هو هذا التصديق ولكن المسألة الوحيدة هي كيف يحصل هذا التصديق ؟!

    هذه الآية الشريفة تقول {بِاِسْمِ اللَّهِ.. الْحَمْدُ لِلَّهِ } حسناً، لقد أوضحت أحد أبعادها ـ وأكرر أيضاً أن ما قلته هو على نحو الاحتمال لا الجزم ـ فإذا صدق الإنسان أنّ جميع المحامد هي لله فعندما لن يحدث في قلبه شرك وإذا أثنى على أحد فلكونه من تجليات الله.



    [align=center]علي (ع) التجلي الإلهي العظيم [/align]

    إذا أنشد قصيدة في مدح الأمير علي (ع) فهو يريد أن يقول أنه يدرك أنها لله، لأن الأمام عليه السلام هو التجلي العظيم لله، ولكونه لذا فإن ما فرضتموه مدحا له فهو مدح لله من خلال مدح تجليه.

    إذا أيقن الإنسان وصدق أن المحامد لله لأعرض عن نفسه: إن ما ترونه ويراه من كثرة ضجيج الإنسان بمقولة: {لمن الملك} وما ترونه ويراه من كثرة غرور الإنسان يرجع إلى كونه لم يعرف نفسه فإن "من عرف نفسه فقد عرف ربه "(حديث مشهور مروي عن الإمام علي عليه السلام راجع شرح الشيخ ابن ميثم البحراني على المائة كلمة لأمير المؤمنين عليه السلام [الكلمة الثالثة ص 57 من طبعة جماعة المدرسين في حوزة قم المقدسة) لا يدري أنه لا شيء ولو عرف ذلك وصدّق به، وصدق أنّ كلّ ما هو موجود منه تعالى لعرف ربه.

    والمشكلة الأساسية هي أننا لا نعرف لا أنفسنا ولا ربنا، ولا إيمان لنا لا بأنفسنا ولا بربنا لم نصدق أننا لا شيء ولم نصدق أنه هو كل شيء، وما لم يحصل هذا التصديق فلا من إقامة البراهين مهما زادت واتسعت إذ تبقى تلك "الأنانية النفسية" فاعلة.

    إن أقوال (أنا كذا وأنت كذا) هي جميعاً ادعاءات فارغة من أجل الرئاسة وأمثالها وأصلها بقاء الأنانية التي ما دامت فالإنسان يرى نفسه.



    [align=center]رأس البلاء...[/align]

    جميع المصائب التي تنزل على رأس الإيمان تصدر من حب النفس فالإنسان يحب نفسه في حين أنه لو أدرك حقيقة الأمر وجدانيا لعرف أن نفسه لا شيء وهي للغير وحبه للغير، وقد سموه اشتباه بـ "حب النفس وهذا الاشتباه يدمر الإنسان فجميع المصائب التي تحل بنا هي من حب الجاه وحب النفس هذا حب الجاه هو الذي يقتل الإنسان ويدمره ويؤدي به إلى النار.

    وحب الجاه وحب النفس هذا هو: "رأس كل خطيئة" جميع الخطايا تصدر من حب النفس وحب الجاه، ولكون الإنسان ينظر إلى نفسه ويعجب بها ويحبها لذلك فهو يريد كل شيئ لها ويعادي كل ما يمنعه عن ذلك أو يتوهم أنه مانع، ولكونه يريد كل شيء لنفسه لذا فهو لا يضع لذلك حدودا ومن هنا كان "حب الدنيا رأس كل خطيئة"(مروي باختلاف يسير عن الإمامين السجاد والصادق عليهما السلام ( الأصول من الكافي للشيخ الكليني باب ذم الدنيا والزهد فيها وباب حب الدنيا والحرص عليها ويلاحظ أن النص يعتبر "حب الدنيا" بصورة مطلقة بأنه رأس كل خطيئة دون تخصيص لحرامها عن حلالها وقد نبه إلى ذلك الإمام الخميني (قده) وحذر من الدنيا مطلقاً (راجع رسالته لنجله السيد أحمد المؤرخة في 17/شوال / 1404 هـ. ق المطبوعة مع مجموعة أشعار عرفانية للإمام تحت عنوان "نقطة عطف" بالفارسية)



    [align=center]كل المحامد لله [/align]

    كتاب الله ابتداء بمطلب ينبهنا إلى جميع القضايا، فعلى نحو الاحتمال إن جميع القضايا تتضح عندما يقول تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فهو لا يريد القول: ـ إن بعض المحامد لله عندما يقول هو قادر ولكني أحمد لكم لا لله!! ولكنّ جميع المحامد لله.

    عندما يقول تعالى: " الحمد الله " فهو يعني أن جميع أقسام الحمد وحيثيته هي من الله ولله، أنتم تتوهمون أنكم تحمدون غيره ولكنه هنا يكشف غطاء عن كافة القضايا ونفس هذه الآية الكريمة الفريدة تكفي الإنسان لو صدقها ولكن المسألة هي في التصديق.

    {الحمد لله} جميع المحامد لله، ولو صدق الإنسان بهذه الكلمة فقط لخرجت من قلبه كافة أنواع الشرك، وذاك الذي يكشف أنه لم يشرك بالله طرفة عين أبداً، إنما حصل على هذا التصديق وجدانياً، وصل إليه بوجدانه وأدرك المطلوب وهذا ما لا يمكن للبراهين أن تؤدي إليه فليس لها الأصالة والاقتدار المطلوب، البرهان جيد فلا نقول أنه شيء ولكنه يجب أن يكون وسيلة فالبرهان وسيلة إذ أنكم وفق عقولكن وبالسعي والاجتهاد تستحصلون الإيمان.



    [align=center]خشبية قدم الاستدلاليين[/align]

    الفلسفة وسيلة فليست مطلوبة بذاتها، وواجب الاستدلال هو إيصال القضايا والمعارف إلى عقولكم و"خشبية هي قدم الاستدلاليين "(ترجمة نثرية لصدر بيت شعر بالفارسية للشاعر الإيراني المولى جلال الدين الموسوي الرومي وكامل ترجمة البيت هي: خشبية هي قدم أصحاب الاستدلال والقدم الخشبية هي في غاية العجز)

    المقصود هو أن هذه القدم خشبة تجعل الإنسان قادرا على السير والإنسان حقيقة يستطيع السير بها إنها عبارة عن تلك القدم التي يرى بها الإنسان تجليات الله ـ فيستند إليها ـ ليدخل الإيمان قلبه ويحصل بالوجدان الذوقي الذي يوجه على مرتبة من الإيمان وهناك مراتب إيمانية أسمي.

    أأمل أن لا نكتفي بقراءة القرآن وتفسيره، بل المهم أن نصدق بمسائله وأن نصدق بكل قدم وكلمة نقرأها من القرآن فهو الكتاب الهادف إلى بناء الإنسان بناءً صحيحاً وهو يصنع الموجود الذي أوجده بنفسه أوجده بالاسم الأعظم وجعل فيه كل شيء موجودا بالله ولكن ليس بصورة جلية.

    القرآن يريد أن ينقل الإنسان من هذه المرتبة الناقصة إلى تلك المرتبة التي تليق به، ولهذا الهدف تنزل القرآن وكانت بعثة جميع الأنبياء، حيث أنهم بُعثوا ليأخذوا بيد الإنسان وينقذوه من هذه البئر العميقة التي سقط فيها وأعمقها بئر "النفسانية" ويهدوه إلى تجليات الحق لينمي ويذهل عن كل شيء.. رزقنا الله ذلك بمشيئته عز اسمه.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ختام الدرس الأول من دروس الإمام الخميني [رض] في التفسير 2/صفر/1400هـ.ق

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401

    افتراضي

    [align=center]الدرس الثاني[/align]

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.

    كان الكلام في "بسم الله" فبماذا يتعلق هذا الجار والمجرور؟ قلنا ـ على نحو الاحتمال ـ إن أحد الاحتمال هو أن تكون البسملة في كل سورة متعلقة بنفس هذه السورة بالمعنى الذي يناسبها، فمثلاً في سورة "الحمد" يكون معنى "بسم الله الرحمن الرحيم " هو أن "الحمد بسم الله".

    واستناداً إلى هذا الاحتمال يكون معنى البسملة في كل سورة مختلفاً عن معنى البسملة في السورة الأخرى وعلى هذا يجب البحث ـ مثلا ـ عن الاسم الذي يناسب بسملة سورة الحمد فما هو الاسم الذي يكون به الظهور للحق ـ تعالى ـ ويقع الحمد لله بهذا الاسم؟

    وهكذا يجب البحث عن معنى الاسم المناسب في بسملات السور الأخرى فمثلا في سورة "هل هو الله.." ما هو الاسم المناسب لقول "هو الله أحد"؟

    ومذكور في الفقه أنه لو قرأت البسملة لسورة وأوردت قراءة سورة أخرى فالبسملة الأولى لا تكفي ويجب تكرار البسملة مع السورة مع السورة الأخرى وهذا الأمر يناسب المعنى المتقدم من اختلاف في المعنى بين بسملات سائر السور لما كانت البسملة جزء من كل سورة سوى في سورة الحمد وهنا أيضاً هو من باب التبرك كما يقول البعض وليس هذا القول بالصحيح.

    وفيما يتعلق بسورة الحمد التي نحن بصددها فـ "بسم الله " هنا متعلقة بالجار والمجرور الذي بعدها وأحد الاحتمالات هو أن "الحمد" يعني جميع مصاديق الحمد من أي حامد كان، فكل حامد يحمد إنما باسم الله ، يعني أن الحامد نفسه اسم ـاللهـ وجميع أعضائه وجوارحه أسماء أيضاً، والحمد الصادر من الإنسان هو باعتبار أن هذا الاسم يحمد باسم الله وأنت أيضاً اسم آخر وزيد كذلك اسم، فكل منكم من أسماء الله يعني مظاهر الأسماء "الفاعل الإلهي فاعل الوجود" انتبهوا إلى كون أن الفاعل الإلهي ـ وهو فاعل الوجود ـ يتمايز عن الفواعل الطبيعية بفروق منها أن الشيء الذي يصدر من المبدأ الإلهي ويُسمى بالفاعل الإلهي، هذا الصادر هو فانٍ في المصدر بحيث ليس له أي حيثية من نفسه وليس له أيُ نحو من الاستقلال، ولتقريب المعنى للذهن نشبه الأمر بشعاع الشمس في مقابل الشمس ـ وأن كان الأمر ليس كذلك أيضاً فهو فوق هذا التشبيه ـ ولكن على أي حال فمثلما أن شعاع الشمس لا استقلال له أصلاً في مقابل الشمس كذلك الحال مع الفاعل الإلهي وهو نفس الإيجاد ونفس الوجود الصادر عن مبدأ الخير فليس له أي نحو من الاستقلال بنفسه لا في التحقق ولا في البقاء ولا لموجود واحد، فلو انقطع عنه شعاع الوجود لما استطاع البقاء لأنه محتاج إلى المبدأ في البقاء مثلما هو مفتقر إليه في أصل التحقق ولأن الموجودات لا حيثية من أنفسها ولكونها فانية في المبدأ لذا فإنها وفي نفس الوقت الذي تكون ظهور أسماء الله فهي أنفسها أسماء الله إنها أسماء الله الفعلية.



    [align=center]فناء الظاهر في مبدأ الظهور [/align]

    ففي نفس الحال الذي يكون فيه نور السموات والأرض ظهور نور الله {الله نور السموات والأرض} يكون أيضاً ظهوره لا أن يكون هو نفسه، لكن العلاقة بين الظاهر ومبدأ الظهور هي أن هذا الظاهر فانٍ في مبرأ الظهور، فهذا الموجود فانٍ في مبدأ بحيث لا يكون له أي شكل من الإستقلال فهذا هو وهذا الظهور هو الفاني فيه ولهذا قالـ عز وجلـ {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.



    [align=center]احتمالات "الحمد"[/align]

    وعلى القول بأن الألف واللام في "الحمد" هي إستغراقية وأن "بسم الله" متعلق بها، فإن كل حمد من أي حامد إنما يتحقق باسم الله، والحامد هو اسمه، وعلى أحد الاعتبارات فالحامد والمحمود واحد ظهور ومظهر: " أنت كما أثنيت على نفسك أعوذ بك منك"(في مناجاة الشاكرين والراغبين من المناجاة الخمسة عشر للإمام السجاد توضيحات دقيقة لهذا المعنى) فلأن الحامد يكون فانياً في المحمود من هنا يكون وكأنه هو الذي يثني فما من حيثية للغير لكي نقول إنني عليه فهو الذي يثني من باب ـ الفناء ـ

    وهناك احتمال آخر هو أن لا تكون الألف واللام في "الحمد" للاستغراق، أي أن يكون تكثير فردي للأفراد. إن نفس الطبيعة مجردة عن جميع الخصوصيات هي "الحمد" ليس له تعين بأي نحو كان، وهناك يكون معنى "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله" الحمد بدون تعيين الحمد المطلق.

    وبناء على هذا الاحتمال تصبح محامدنا عكس الاحتمال الأول فلا تكون واقعة له (توضح هذا المعني بدقة مناجاة الذاكرين من المناجاة الخمسة عشر للإمام علي ابن الحسين السجاد عليهما السلام) فالحمد الذي يقع له هو الذي يفعله بنفسه فالحمد الصادر عن غير حمد محدود متعين وهو ـ تعالى ـ غير محدود وحمد المحدود لغير المحدود لا يصبح حمداً، ويكون عكسه ما تقدم قوله من أن الحمد لا يكون إلاّ لله فأنتم تتصورون أنهم يمدحون الخط الحسن لكنهم يمدحون الله لا الخط، تتصورون أنكم تمدحون النور أو تمدحون العالم ولكنه مدح "الله" لا العالم هكذا تقدم القول من أنّ جميع المحامد لله، فكل ما هو حمد من أي حامد صدر يرجع إلى الله لأنه ما من كمال ولا من جمال في العالم سوى كماله وجماله، أما الموجودات فليست بشيء فلو نُزع عنها هذا التجلي لما بقي منها شيء فهي موجودة به.

    ـ فيما تقدم ـ قيل أن جميع الموجودات هي تجليات الله ونوره {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ..} ولو نزع هذا التجلي ما بقي موجود ولكونه تجلي وكون أنّ المدح هو للكمال فلا يقع مدح لغيره ـ تعالى ـ إذ لا كمال غير كماله، كماله ظهور كمال ذاته وكماله في

    مقام الظهور ـ كمالٌ في مقام الذات، كمالٌ في مقام الصفات. كمالٌ في مقام الظهور،جميع كمالات العالم هي كماله، وفي مقام الظهور كلُّ من يمدح إنما يمدحُ كمالاً، وعليه فكل مدح يقع، يقع له، هكذا هو الأمر وفق الاحتمال الأول.

    أما في هذا الاحتمال الثاني ـ وهو احتمال طبعا ـ فيكون الحمد حمداً مطلقاً لا حمد كل حمد، الحمد المطلق يعني حمداً دون غير ودون قيد، حمداً ليس فيه أي قيد، والحمد الذي يصدر عنا جميعه حمد متعين ولمتعين، إذ لا سبيل لنا إلى الموجود المطلق لكي نحمده، لا ندركه حتى نحمده، أنتم حتى عندما تقولون "الحمد لله" فلا يحصل إدراك تلك "الحقيقة" لكي يكون الحمد له، لذا فكل حمد يقع لا يكون له لمظاهر على العكس مما ورد في الاحتمال الأول حيث كل حمد يقع لا يكون لغيره في حين أن الأمر في الاحتمال الثاني هو أن كل حمد يقع لا يكون له سوى حمده نفسه أي أن يحمد نفسه بنفسه.

    وعلى هذا فلا يمكن أن يكون "الاسم" في "بسم الله.. الحمد لله " على نفس المعنى الأول أي أنك أنت اسم وهو اسم والآخر اسم أيضاً، هذا اسم الله وظهور المطلق بلا قيد، وعلامة المطلق أن يكون بلا قيد، ظهورٌ من الغيب واسم الغيب، وبذاك الاسم يكون وقوع الحمد أي يحمد بنفسه تلقائيا، الظهور يحمد المظهر، وهذا أيضاً قول على نحو الاحتمال، وبالطبع يكون المتعلق باسم الله هنا متعلقا بالحمد فحينا كل مصداق من الحمد وحينا صرف وجود الحمد الذي ليس له أي قيد.

    مرة تكون جميع المحامد الواقعة لله لا لغيره ومرة أخرى لا يقع أي حمد لله ـ بمعني الحمد المطلق ـ أي يكون حمدا محدودا لا حمدا

    مطلقاً، وعندما يكون معنى "الحمد لله " ذلك الحمد المطلق غير المقيد بأي قيد، ويقع له بالاسم المناسب له وهذا أيضاً احتمال آخر.

    كما ذكروا احتمال أن لا تكون البسملة متعلقة بنفس السورة، وقال البعض أنها متعلقة بظهور الوجود فيكون معنى البسملة أن كل شيء يوجد إنما يكون وجوده باسم الله يعني الاسم مبدأ ظهور جميع الموجودات، وهذا الاسم عبارة عن المشيئة التي ورد ذكرها في الحديث الشريف ـ " إن خلق المشيئة بنفسها وخلق الأشياء بالمشيئة"(يرويه الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد بسند متصل عن الإمام الصادق عليه السلام (الباب 11 ص 147 ـ 148 الحديث 19) وقريب منه ما في الباب 55 ص 339 الحديث الثامن بسند متصل عن الصادق عليه السلام أيضاً)



    [align=center]المشيئة هي الظهور الأول [/align]

    والمشيئة هي عبارة عن الظهور الأول الذي خلقه بنفسه أي بدون واسطة، ويكون خلق كافة الأشياء الأخرى بالمشيئة ويحتمل أن يكون الوجود الذي هو ظهر الوجود، تتعلق به البسملة التي لا تتعلق بالسورة بل بشيء خارجي وهذا ما يراه أهل الأدب مناسبا لمثل الحالة مع "أستعين" وأمثالها فلو كانت استعانة بالله ـ ولو أن أهل الأدب لا يلتفتون ـ فهي استعانة بالله ـ ولو أن أهل الأدب لا يلتفتون ـ فهي استعانة باسم الله فكل من يستعين إنما يستعين باسم الله فلا يمكن لأحد أن يستعين بغير اسم الله، لا أن يكون اسم الله أمرا لفظيا وشكليا بل هو حقيقة واقعية فاسم الله في كل شيء (راجع في هذا المجال المقاطع التي ورد فيها ذكر "إسم الله" في الأدعية المروية عن أهل بيت العصمة عليهم السلام خاصة دعاء كميل بن زياد ودعاء السمات) والاستعانة هي باسم الله،

    بهذا الظهور، وكل شيء يكون بهذا الظهور وهي ترجع إليه ولو لم يتلفت الأديب.

    "الله" هذا الذي يرتبط بالمتعلق ما هو؟! فيما يرتبط بالإسم قلت سابقا أنه علامة المسمى فأي شئ موجود لا يكون علامة على هذا الاسم؟ أي شيء تفرضون له وجوداً بنحو ما هو ظهورٌ له بنحو ما وعلامة له.



    [align=center]مراتب الأسماء [/align]

    الاسم هو العلامة، وغاية الأمر أنّ له مراتب، فهناك اسم يجسد تمام معنى العلامة وهناك اسم دونه حتى يصل إلى مرتبة سائر الموجودات، فجميعها علامات وجميعها ظهور للاسم على مراتب ورد في الحديث الشريف " نحن الأسماء الحسنى (يرويه الكليني في الكافي بسنده عن معاوية بن عمار عن الإمام الصادق عليه السلام ونص الحديث هو "نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد إلا بمعرفتنا " راجع تفسير الميزان ج 8 ص 384) فالاسم الأعلى في مقام الظهور هو النبي الأكرم والأئمة الأطهار أولئك الذين وصلوا في مرتبة السير ـ في مرتبة الحركة من النقص ـ وصلوا إلى حيث تحررهم من جميع الطبيعيات من كل شيء أولئك ليسوا أمثالنا حيث نحن في هذه البئر العميقة.



    [align=center]هجرة إلى الله [/align]

    نحن لم نتحرك هناك أشخاص تحركوا وخرجوا من هذه البئر وهاجروا { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ

    الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}(النساء/100).

    أحد الاحتمالات هو أن هذه الهجرة هي من النفس إلى الله و"البيت" هنا هو نفس الإنسان فهناك طائفة خرجوا وهاجروا عن هذا البيت الظلماني {مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى أن وصلوا إلى منزل: "أدركه الموت" وصلوا مرتبة لم يعد لهم فيها شيء من أنفسهم موت مطلق وعندها "وقع أجرهم على الله" فهنا أجر آخر ما هو الجنة ولا أشكال النعيم الأخرى هنا "الله" فقط".

    إن من يتحرك ويخرج من بيت نفسانيته ويهاجر إلى الله وإلى رسوله ـ وهذه أيضاً هي هجرة إلى الله ـ يصل إلى مرتبة "أدركه الموت"(يقول مولى الموحدين الإمام على عليه السلام في الخطبة 201 من نهج البلاغة "وأخرجوا من الدنيا قلوبكن قبل أن تخرج منها أبدانكم " ويقول عليه السلام في الخطبة 218 "قد أحيا وأمات نفسه ...") وعندها لا يكون هناك شيءٌ من نفسه، كل ما هو موجود هو من الله، هذا ما يشاهده في هذه الهجرة وأجره على الله.

    طائفةٌ هاجروا هذه الهجرة ووصلوا إلى المنتهي وأجرهم أيضاً على الله وآخرون مهاجرون على الدوام فهم طائفة في حالة هجرةٍ مستمرة لكنهم لم يصلوا إلى "آيات الهجرة" وهي " أدركه الموت " وهناك طائفة مثلنا لا هجرة لنا أصلا فنحن في هذه الظلمات أسرى هذه الدنيا والطبيعة و؟أشد منها أسرى "أنانية" أنفسنا سجناء هذه البئر العميقة سجناء في بيت النفسانية، وبناء على هذا الاحتمال فإننا لا نرى إلاّ أنفسنا وكل ما نريده هو لأنفسنا ليس لدينا غير النفس ولم نفكر أصلا

    ولم نسع للهجرة فكل ما نفكر به هو في بيت النفسانية.



    [align=center]الوديعة الإلهية [/align]

    جميع القوى الإلهية التي أودعها الله فينا أمانة لدينا، لا نرّدها إلى صاحبها نصرفها على ما هي عليه هنا ـ في هذا البيت ـ ولا زلنا فيه ولا نزال ويوما بعد آخر نزداد بُعداً عنه، عن هذا المبدأ، عن المحل الذي يجب أن نهاجر إليه، وقد روي أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان قاعداً مع أصحابه في المسجد فسمعوا هدةً عظيمة ـ صوتاً رهيباً ـ فارتاعوا وسألوا عن هذا الصوت فقال [ص]:ـ " حجر ألقي من أعلى جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها " فقال ذوو القلوب الحية "فسمعنا إن كافرا ـ منافقا ـ قد مات وكان عمره سبعين سنة (راجع كتاب علم اليقين للفيض الكاشاني ج 2 ص 1002 (المقصد الرابع الباب الثالث عشر ـ الفصل الرابع) ونحن أيضاً سائرون بهذا الاتجاه غاية الأمر أني منذ ثمانين عاما أسير بهذا الاتجاه، وأنتم منذ سنوات عديدة وأرجو أن لا تسيروا أنتم أيضاً بهذا الاتجاه



    [align=center]أعدى الأعداء [/align]

    كل ما يجري علينا وكل ما نبتلي به هو من حب النفس من هذه "الأنانية" "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ( حديث نبوي مشهور راجع بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 15 ص40 إذ ينقل حديثا عن النبي الأكرم (ص) قريبا من مضمون الحديث) هكذا ورد التعبير عن النفس فهي الأسوأ من كل الأعداء وأكبر من كل الأوثان فهي أم الأوثان إذ أن الإنسان يعبدها أكثر من سائر الأوثان يتوجه إليها أكثر من سائر الأوثان، وما لم يحطم هذا الوثن فلا يستطيع أن يصبح إلهيّاً فلا يمكن الجمع بين الله وبين الوثن لا يمكن الجمع بني الأنانية والإلهية.



    [align=center]العبادة الحقة[/align]

    ما لم نتحرر من هذا البيت من معبد الأصنام هذا، وما لم نتحرر من هذا الوثن ونعوض عنه ونتوجه إلى الله تبارك وتعالى وما لم نخرج من هذا البيت فنحن من عبدة الأصنام حتى لو كنا موحدين ظاهريّاً.

    نقول "الله" بألسنتنا ولكن الذي في قلوبنا هو أنفسنا، نريد "الله" لأنفسنا، وإذا كنا نريد "الله" لأنفسنا، فإننا نقف ونصلي ونردد ألفاظ : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ولكن العبادة هي في الواقع هي عبادة النفس، وعندما يكون الالتفات والتوجه هو للنفس عندها أرى جميع الأبعاد بالنفس وأريد جميع الأشياء لنفسي.



    [align=center]"الأنانية" أم المصائب [/align]

    جميع هذه المصائب التي تحل بالإنسانية ناشئة من هذا النقاط من "أنانية الإنسان" جميع الحروب في هذا العالم من هذه الأنانية، فما من حرب ونزاع بين المؤمنين، فإذا نشبت حرب بين المؤمنين فليعلموا أنهم ليسوا مؤمنين فلا حرب بين المؤمنين.

    ولكن حيث لا يكون هناك إيمان وحيث أن توجه الإنسان إلى النفس لذا فهو يريد كل شيء لنفسه ومن هنا يقع النزاع، أنا أريد هذه الأريكة لنفسي وأنتم تريدونها لأنفسكم وحيث لا يمكن الجمع يقع التعارض والتضاد أنا أريد هذا البساط لي وأنتم تريدونه لكم أنا أريد أن تكون هذه الرئاسة الوهمية لي وأنتم تريدونها لكم وحيث لا يمكن الجمع بين الإرادتين ينشب النزاع.

    هذا يريد هذه الدولة له والثاني يريدها لنفسه، فنقع الحرب، جميع هذه الحروب في العالم هي بين الأنانيات الإنسان يحارب بأنانيته والحروب هي حروب الأنانيات وهي معدومة بين الأولياء لأنهم لا أنانيات لديهم فلو اجتمع الأولياء في مكان واحد لما نشب بينهم أبدا ولا ظهر اختلاف بينهم لأن كل شيء هو "لله" فلا مكان هنا للنفس لكي يجر هذا البساط إلى طرفه فيحدث الاختلاف وينشب بينهم النزاع.

    الجميع هم لمبدأ واحد ويسيرون بنفس الاتجاه ولكنا نحن واقعون في بئر عميقة وظلمات أشدها ظلمة هي ظلمة "الأنانية" وما لم نخرج منها فلا سبيل للخروج من تلك البئر العميقة.

    ما دمنا في ظلمات الأنانية فسنظل لا نلتفت إلا إلى أنفسنا فنعتبر الآخرين لا شيء أما أنفسنا فهي كل شيء وكل ما يطرح يقبله الإنسان إذا ينفعه وإلاّ فلا يرضى به حتى إذا كان حقاً، يصدق به فورا إذا كان يرى فيه منفعة لنفسه وإلاّ لا يصدق به بتلك السرعة وكل ذلك ناشئ من الأنانية.

    كل المصائب التي تحل بنا وبكم وببني آدم في كل مكان ناشئة من هذا المنبع، فالنزاع ناشئ من الأنانية من كوني أنا أجر إلى طرفي وأنت إلى طرفك.

    وما دامت هذه الأنانية موجود فما من "إلهية" وما من عبادة إلا عبادة النفس.



    [align=center]الهدف من بعثة الأنبياء[/align]

    والآن من هو القادر على الخروج من معبد الأوثان هذا الموجود في داخل الإنسان ذاته؟!

    الأمر يحتاج إلى يد غيبية تأخذ بيد الإنسان وتخرجه من هذا المعبد ولهذه الغاية كانت بعثة جميع الأنبياء.

    لقد بُعث كافة الأنبياء وأُنزلت كافة الكتب السماوية لأجل إخراج الإنسان من معبد الأصنام هذا وتحطيمها وتحويله إلى عابد لله.

    جاء الأنبياء جميعاً لتحويل عالم الإنسانية هذا إلى عالم إلهي بعد أن أصبح عالماً شيطانياً يخضع لحكومة الشيطان.

    والحاكم علينا هو الشيطان ونحن أتباعه فهوى النفس هو من مظاهر الشيطان وحكمه علينا، لذا فكل عمل نقوم به هو عمل شيطاني وكل ما نفعله نقوم به بأنانية ما دام فيه دَخْلٌ للشيطان الأكبر وهو النفس الأمارة وحيث نفعله بأنانية فنحن تبع لشيطاننا.

    الشيطان مهيمن علينا الآن إلى أن نهاجر من هذا البيت بتعليم الأنبياء والأولياء وتوجيههم، ونعرض عن هذه الأنانية وتحقق ذلك يعني أننا بدأنا نخرج من هذه البئر ونسير إلى ذلك الجانب وإذا أفلح شخص ـ في هذه الدنيا ـ بالوصول إلى ذاك المحل الذي لا يخطر في أوهامي ولا أوهامك عندها ينعدم ويفنى والذي يطلب الكمال عليه أن يهاجر هذه الهجرة.



    [align=center]الجهاد الأكبر[/align]

    على من يريد الخروج من هذه الأنانية أن يهاجر هذه الهجرة بالمجاهدة يجاهد ويهاجر جئتم من الجهاد الأصغر "وبقي عليكم الجهاد الأكبر" (الاختصاص ص 240 وكذلك في البحار ج 6 ص 443 عن الكافي) وسائر أشكال الجهاد في الدنيا تبع لهذا الجهاد، فلوا انتصرنا فيه لكان كل جهاد نقوم به هو جهاد، وإذا لم ننجح في هذا الجهاد لكانت سائر أشكال جهادنا الأخرى شيطانية.

    فالذي خرج للجهاد من أجل الحصول على "جارية" أو طعام فهذا هو أجر جهاده أما الذي كان لله فأجره أيضاً على الله فسنخية الأفعال تختلف، وهناك فرق بين الأفعال الصادرة عن أولياء الله وبين تلك الصادرة عنا لأن المصدر مختلف.



    [align=center]الإخلاص الإلهي [/align]

    هل كانت "ضربة علي يوم الخندق افضل من عبادة الثقلين (بحار الأنوار ج39 ص 2) دونما مبرر؟! ضربة واحدة لقتل شخص واحد تفضل عبادة الثقلين فلماذا؟ بالطبع هذا التفضيل يرجع من جهة إلى كون أن هذه الضربة جاءت عندما برز الإيمان كله إلى الشرك كله فلو كانت هزيمة لعلي يوم الخندق لضاع الإسلام، هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك ذلك الإخلاص والإلهية فعندما جلس الإمام على صدر ذلك الشخص ثم بصق هذا على الإمام نهض الإمام ـ حسبما يرويـ لئلا يكون لذلك تأثير (وهذا الموقف من باب الاحتياط أيضاً وإلاّ فـ" الأنا" غير مطروحة

    أصلا بالنسبة له) وهذا الموقف صدر من الجنبة الإلهية فيه وظهر في الجنبة النفسانية، لذا فهذه الضربة تعبر عن روح أسمي من كل العبادات هي الروح التي تجعل العبادة عبادة.

    حسب الظاهر فإن الفرق بين المشرك ويغر المشرك هو في عبادة الأصنام فالأول يعبد الأصنام والثاني لا يعبدها، وله أذكار وأوراد تتشابه ظواهرها أبو سفيان كان يصلي ومعاوية كان يأم صلاة الجماعة الظاهر متشابهة أما الذي يرفع الصلاة فهي الروح تنفخ في الصلاة فإذا وجدت هذه الروح ارتفعت الصلاة وأصبحت إلهية وبدون ذلك تكون عبادة من أجل النفس وهذا هو حالنا جميعاً فلا نخادع بعضنا البعض.



    [align=center]عبادة من أجل الجنة[/align]

    إن عبادتنا جميعها هي من أجل أنفسنا والصالح جدا هو الذي يعبد من أجل الجنة فارفعوا الجنة من ثواب الأعمال ولاحظا من الذي يبقي يعبد؟! عليٌ يبقي وحوض علي ن علي الذي "عشق العبادة وعانقها " فالعبادة من أجل الجنة غير مطروحة بالنسبة للذي غض الطرف عن نفسه وهجرها وخرج من هذا البيت ووصل إلى مرحلة "الموت" فلم تعد اللذات مطروحة أصلاً بالنسبة له فهو ذاهل عنها وميت عنها "أدركه الموت" فلم تعد هذه الأمور مطروحة بالنسبة له أصلاً وعنده الجنة والنار والجميع على حد سواء:" أثني على ذات الله تعالي " أثني على الله إذ وجده أهلاً لأن يُعبد ووجد أنه أهلاً لأن يعبده وهذه مرتبة من مراتبهم؛ وهي أن يجد عاشق العبادة أنه أهلا للعبودية وأن يعبد المعبود وهناك مراتب أخرى أيضاً هي فوق ما نتصور نحن.



    [align=center]القيام لله [/align]

    والقدم الأولى هي أن تقرروا الخروج من هذا البيت وتخرجوا، القدم الأولى أن يقوم الإنسان قياما لله أن يستيقظ، أن لا يبق نائما مثلما نحن الآن في سبات ظاهره اليقظة يقظة حيوانية وسبات ونوم الإنسانية نحن نائمون "الناس نيام فإذا ماتوا إنتبهوا" (من الكلمات المأثورة عن أمير المؤمنين عليه السلام وهي الكلمة الثانية من الكلمات المائة التي شرحها ابن ميثم البحراني ص 54 من طبعة جماعة مدرسي حوزة قم والحديث منقول أيضاً في كتاب "غوالي اللآلي" ج4 ص 73 وكذلك في بحار الأنوار ج4 ص 43).نيام الآن وعندما يحصل الموت ينتبهوا إلى أي واقع كانوا فيه؟! {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}(التوبة/49). بأي أنها الآن أيضاً محيطة ولكن الإنسان لا يعتبر لأنه في خدر الطبيعة ـ حيث الإنسان طبيعته الخدر ـ فإذا زال هذا التخدير ينتبه ويرى أن الكل أصبح ناراً.

    يجب سلوك هذا الطريق فلا مناص، سيأخذوننا فيه على كل حال ولكن علينا أن نستيقظ ونسلك الطريق المستقيم الذي يجب أن نسلكه وعلينا الخضوع لتربية الأنبياء.

    لقد جاء جميع الأنبياء لإصلاح الإنسان وما من نبي بعث دون أن يكون هدفه إصلاح الإنسان إقامة العدل ليست سوى إصلاح بني الإنسان فالعدل يصدر من الإنسان وكذلك الظلم وإقامة العدل تعني تحويل الظالم إلى عادل والمشرك إلى مؤمن تحويل هذا الموجود الذي لو ترك لحاله لكانت عاقبته الهاوية وجهنم والأنبياء يرشدون هذا الوجود إلى

    الطريق الذي يجب عليه أن يسلكه نحن إلى الآن لم نسلك هذا الطريق وقد تصرمت من العمر سبعون وثمانون سنة ولم نتحرك ولم نهاجر إلى الآن لا زلنا واقفين حيث نحن من هذه الأرض والى النهاية نحن على هذا الحال ولكن لا مناص علينا أن نتحرك ونسلك الطريق.



    [align=center]وصية للشباب [/align]

    أنتم أيها الشباب تستطيعون العثور على الطريق الأفضل لقد فاتنا الأمر وذهبت قوانا إلى حيث عاقبتها أنتم أيها الشباب تستطيعون بصورة أفضل أن تهذبوا أنفسكم فأنتم أقرب للملكوت من كبار السن، إذ أن جذور الفساد أقل تأصلا فيكم لم تمتد كثيرا بعد لكنها تتأصل وتتكاثر في كل يوم مادامت باقية ويصعب الأمر كلما تأخر وتعرقل فعسير للغاية على الشيخ العجوز إصلاح حاله إذا أراد ذلك ولكن الشاب يستطيع تحقيق ذلك أسرع.

    يتحقق إصلاح آلآف الشباب، ولا يتحقق إصلاح عجوز واحد، لا تتركوا أمر الإصلاح لأيام الشيخوخة ابدأوا ـ الآن ـ سيركم ما دمتم شبابا اجعلوا ـ الآن ـ أنفسكم تابعة لتعاليم الأنبياء وهذا هو مبدأ المسيرة ومنه يجب الانطلاق فالأنبياء أوضحوا الطريق وأرشدوا إليه ونحن لا نعرفه، هم يعرفونه فهم أطباء يعرفون سبيل السلامة وأوضحوه وأرشدوا إليه فإن أردتم السلام فعليكم أن تسلكوه عليكم أن تقللوا شيئاً فشيئاً من التوجه والاهتمام بالنفس، وبالطبع فمثل هذه المهمة لا يمكن إنجازها بسرعة ولكن عليكم التحرر شيئاً فشيئاً جميع آمالنا هذه ستقبر وتنتهي جميع أشكال الاهتمام بالنفس ستنتهي وبالإضرار بنا والذي يبقى هو

    المتعلق بالله (وما عند الله): {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}(النحل96).

    لدى الإنسان "ما عندكم" وللإنسان "ما عند الله"، فما دوام متوجها مهتما بالنفس فهو من جنس "ما عندكم " وكله سيفني وينتهي ولكن المتعلق بالله فهو باق باسمه لا ينفد.



    [align=center]جاهدوا للانتصار على النفس [/align]

    جاهدوا ولنجاهد من أجل الخروج من هذه الحالة التي تحيط بنا وبكم أولئك الذين كانوا ينتصرون على الكفار لم يكونوا يهتموا لتعداد أعدائهم مهما كثر، ذاك الذي كان يعلن أنه لو اجتمعت العرب عليه لما تراجع إنما كان يقول ذلك لأن القضية قضية الله وما دامت كذلك فلا هزيمة فيها ولا تراجع.

    أولئك الذين كانوا يجاهدون وينتصرون ،كانوا يتقدمون دون الإلتفات إلى أنفسهم وطموحاتهم هؤلاء كانوا قد قاموا بمجاهدة النفس إلى حدٍّ ما وأولئك كانوا في مراتب عالية ـ وكل حسب مرتبته ـ وما لم يقوموا بذاك الجهاد لما تحقق لهم ذاك الانتصار فما لم يعرض الإنسان عن آمال نفسه وعن الدنيا لا يمكن أن يتقدم.

    والدنيا هي آمال الإنسان فدنيا كل إنسان آماله، فالدنيا الخارجية ما هي من الدنيا المكذوبة وكذلك حال عالم الطبيعة الدنيا هي هذه التي عندكم فأنتم عندما تلتفتون إلى أنفسكم فأنتم "دنيا" دنيا كل شخص هي الموجودة في نفسه وهي المكذوبة أما الشمس والقمر والطبيعة فليست مكذوبة بل مدحت فهي مظاهر الله، لكن الذي يبعد الإنسان عن

    ساحة القدس والكمال فهي تلك الدنيا المكذوبة وهي داخل نفسه (التوجه إلى النفس).

    أسأل الله التوفيق لأن نخرج من هذه البئر الظلمانية العميقة ونتبع أولياء الله فهم ق تخلصوا من هذه المهلكة وخرجوا منها و "أدر كهم الموت " والسلام.

    ختام الدرس الثاني من دروس الأمام الخميني (قده) في التفسير 11/صفر/1400

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401

    افتراضي

    [align=center]الدرس الثالث[/align]

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين

    كان الحديث فيما تقدم حول الإسم في البسملة وبماذا يتعلق حيث عرضنا لذلك عدة إحتمالات.



    [align=center]العلاقة بين الحق والخلق[/align]

    والأساس في فهم بعض هذه القضايا هو أن يعرف الإنسان طبيعة العلاقة بين الحق والخلق وكيف تكون، نحن نفهم الأمر بصورة ببغاوية والأكثر البرهان (حيث أن ما هو أسمي من البرهان هو الأشخاص آخرين).

    العلاقة بين الموجودات والحق تعالى هي ليست على نحو العلاقة بين موجود وموجود آخر كالعلاقة بين الأب والابن أو بالعكس، فهذه بين علاقة بني موجود مستقل وآخر مستقل أيضاً علاقة بين ذوي بصيرة متساوية.

    كما أن العلاقة بين الموجودات والحق تعالي ليست على نحو علاقة

    شعاع الشمس بالشمس ـ رغم أن الربط فيها أسمي من النموذج السابق ـ لأن الشعاع الشمس أيضاً غيرية عن الشمس، فهي كذلك علاقة موجود بموجود آخر كما أنها ليست كعلاقة قوى النفس المجردة بالنفس، إذا أن لربط القوة الباصرة والقوة السامعة بالنفس نحوا من المغايرة والكثرة أيضاً.

    نعم لا يمكن تصنيف علاقة الموجودات بمبدأ الوجود الحق تعالى من أي نحو من أنواع الربط بين ذكرتها.

    لقد وردت في الكتاب والسنة تعابير عن معنى الربط الموجود عملياً على نحو الإفادة فقد ورد التعبير عنه بالتجلي كقوله تعالى تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ}(الأعراف/143) أو كالذي ورد في دعاء "السمات": "وبنور وجهك الذي تجليت بـ للجبل فجعلته دكا" (دعاء السمات المروي عن الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه مفاتيح الجنان ص 73 وفي النص إشارة إلى الآية المتقدمة) {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}(الزمر42). ملك الموت هو الذي يتوفى الأنفس ولكن التعبير القرآني جاء ب "الله يتوفى.." ونفس التعبير ورد فيما يتعلق بالإنسان الذي يقتل شخصا: قتله ولكن: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} "ما رميت ورميت" "رميت وما رميت" هذا هو تجلي وهذا هو نور ولو أدركنا هذا المعنى بالبرهان أو بصورة ببغاوية عندها تتضح بعض القضايا في هذه الآيات الكريمة.



    [align=center]معاني الحمد [/align]

    في الاحتمال الأول الذي ذكرناه حيث أن الحمد هو جميع المحامد متكثر ملحوظ بنحو الكثرة يكون الاسم كذلك ملحوظا بطور الكثرة، وعلي ذاك الاحتمال فان كل حمد يقع لا يقع للحق تعالى لأن الحمد يقع للتجليات وهي ظهوره ـ تعالى ـ ظهور فوق ظهور الشمس في الشعاع وظهور النفس في السمع والبصر.

    فالحمد يقع للمظاهر ولكن هذه هي أسماء متكثرة للحق تعالى، لذا فالحمد له ـ تعالى ـ في نفس الوقت.

    وعلى الاحتمال الثاني قلنا أن الحمد يكون حمداً مطلقاً وعليه يكون الأمر عكس ما في الاحتمال الأول فلا يقع له ـ تعالى ـ أي حمد من حامد وهنا أيضاً فالتجليات هي مظاهر ظهوره وعليه، فرغم أن الحمد يقع لهذه المظاهر لكن الحمد المطلق لا يصدر منا لذا فلا يقع للمطلق ـ تعالى ـ

    ولكن من باب أن جميع هذه الكثرات مضمحلة في ذلك الوجود المطلق يقع له الحمد أيضاً فالأمر يختلف بلحاظ النظر للكثرة والنظر للوحدة.

    بلحاظ الكثرة ـ حسب الاحتمال الثاني ـ لا يقع أي حمد للوجود المطلق ولكن وبلحاظ اضمحلال الكثرات في الوحدة تكون جميع المحامد له أيضاً. وحسب هذين الاحتمالين يختلف معنى الآية الشريفة بين أولها وآخرها، فوفق كون أن الحمد استغراقي فيشمل كل حمد ويكون الاسم أسماءً متكاثرة تشمل كل موجود فكل موجود اسم، وعليه تكون أسماء الله الرحمن الرحيم، الواقعة في البسملة بمعنى بالله والرحمن الرحيم وحسب الاحتمال الآخر يختلف الأمر، فالاسم اسم ظاهر، وكل اسم يختلف عن الاسم الآخر ومرتبة الكثرة هي ملاحظة مرتبة الكثرة وفي ملاحظة مراتب الكثرة يكون "الله" هو وصف هذا الاسم، فالاسم اسم "الله" ولكن في مقام الكثرات وفي مقام التفصيل يكون "الله" هنا تجليا للحق تعالى بالاسم الأعظم.



    [align=center]تجليات الاسم الأعظم[/align]

    التجلي في الموجودات هو بالاسم الأعظم، أما الرحمن فهو التجلي بالرحمانية في مقام الفعل وهكذا بالنسبة للرحيم ورب العالمين كذلك مع " إياك نعبد" وبنفس الصورة أيضاً يكون اختلافه عن الحال مع الاحتمال الآخر.

    في الاحتمال الثاني وحيث يكون "الحمد" حمدا مطلقاً دون أي قيد يختلف اسم الله الرحمن الرحيم وإلى آخر السورة، فالاسم هنا هو جميع الموجودات كل موجود هو اسم في كل عمل ومعنى الاسم يختلف فيه مع العمل الآخر هنا وحيث يكون الحمد مطلقاً يكون مطلقاً باسم "الله الرحمن الرحيم ".

    والحمد المطلق هو لله، الحمد المطلق يكون بالاسم الذي هو اسم ظهور مقام الذات أي في مقام أسماء الله، في مقام الذات، يكون "الله" اسماً جامعاً لمقام الذات لا مقام الظهور والإسم هو تجلي تلك نفسها وكذا الرحمن فهو تجلي رحمانية مقام الذات والرحيم رحيمية مقام الذات وهكذا الحال مع "الرب".

    وهناك بالطبع براهين إستدلالية على ذلك مدونة في الفلسفة ـ المقصود الفلسفة العالية لا المتعارفة ـ ولكن كل ذلك غير الذي وصله الأولياء فقدم الأولياء عبرت بالسلوك المنازل وأدركوا المسألة وشاهدوها ولكنهم لا يستطيعون أن يبينوا مشاهداتهم للناس.



    [align=center]نزول القرآن وتنزله[/align]

    والقرآن أيضاً نزل وتنزل حتى وصل إلى مخاطبة هؤلاء الأسرى في حفرة الضلالة النبي الأكرم (ص) أيضاً لا يستطيع أيضاً بيان الحقيقة الواقعية للناس إلا بأن ينزلها أيضاً، بيان الحقيقة الواقعية للناس إلا بأن ينزلها أيضاً من هنا كانت للقرآن مراتب سبعة بطون أو سبعون تنزل عبر هذه البطون حتى وصل إلى درجة مخاطبتنا نحن وأن يعرف الله نفسه بالإبل {أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}(الغاشية17) وهذا من بواعث الأسف أن يتنزل إلى الشمس والسماء والأرض ونفس الإنسان هناك عقدة في لسان الأنبياء وفي قلوبهم: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي}(طه25ـ27). فلم يستطيعوا بيان ما شاهدوه ـ بالصورة التي أدركوه ـ لم يكن مما يُقال ولذلك عمدوا إلى الأمثال والنظائر من أجل أن يفهمونا شيئاً عندما يعرّف الله نفسه لنا بالإبل تتضح المرتبة التي نحن فيها مرتبة نفس الحيوان كما تتضح طبيعة المعرفة التي نحصل عليها عن هذا الطريق معرفة هي غاية في النقص مقارنة بتلك التي ورد ذكرها فيما يتعلق بالأنبياء: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}(الأعراف/143).



    [align=center]فبعدما خضع لربوبية [/align]

    الحق تعالى وعبر هذه المنازل خاطب موسى ربّه قائلا: {أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} طلب منه الرؤية، ومعلوم أن طلب منه الرؤية ومعلوم أن طلب الرؤية بالعين لا يمكن أن يصدر من نبي عظيم، بل المطلوبة هي الرؤية المتناسبة مع المرئي والرائي وهذه الرؤية لا نصلها نحن فموسى يطلبها بعد أن وصل إلى مرتبة "كليم الله" فيتكلم مع ربه قائلا {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} فيأتيه الجواب: {لَنْ تَرَانِي} يعني ـ على نحو الاحتمال ـ لا يمكن أن تكون هناك "رؤية" ما دمت موسى، مادمت "أنت" لكنه لم يجعله يرجع آيساً بل حوله إلى " {انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ}، ما هو هذا الجبل الذي يقع عليه تجلي الحق في حين لا يقع لموسى؟! انه جبل طور؟! وهذا التجلي هل بإمكان أهل ذلك العصر أن يروه لو كانوا في جبل طور؟! كانت تلك هي الشمس { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} أما {وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} (الأعراف/143). ففيها موعد للقاء لن تراني: _ {وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} (الأعراف/143). قد يكون معنى "استقر" هنا هو أن هذا الجبل أصبح "دكا" فيحتمل أن يكون معنى الجبل هو "أنانية" موسى التي كانت هناك بقايا منها لدى موسى إلى مقام "الموت" {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}.

    كل ذلك هو بالنسبة لنا قصة فالذي أولئك بقدم الشهود هو قصة بالنسبة لنا فنحن نعيش في هذه الظلمات فلقد حدثونا عن ذاك الجبل وجبل الطور.



    [align=center]معنى التجلي لموسى (ع)[/align]

    ذاك التجلي ـ يبدو في نظرنا ـ بأنه كان نوراً رآه موسى من جبل الطور والآخرون كانوا يرونه أيضاً فهل كان نوراً حسيّاً لكي يراه الجميع؟! كان جبرائيل الأمين يقرأ القرآن لرسول الله فهل كان الذين كانوا عنده كانوا يسمعون؟! بالنسبة لنا الأمر شجي أصله غير موجود ونحن غافلون عنه ونسمع من بعيد بالأمر.

    حال الأنبياء كحال ذاك الإنسان الذي رأى رؤيا وشاهد لكن وفي لسانه عقدة عن البيان ومن حوله طرشان جميعاً، فهم لا يقدرون على البيان ونحن عاجزون عن الاستماع وقالوا ولكن ليس لنا!! فنحن نفهم القضايا التي يمكن لإدراكنا فهمها في القرآن تبيان كل شيء فيه أحكام شرعية، وله ظاهر، وفيه قصص لا نستطيع أن نفهم لبابها ما نفهمه هو ظواهرها والظواهر هي للجميع، لكن هناك شيئاً آخر ينتفع منه الجميع أما الانتفاع الذي يجب أن يتحقق فهو إنتفاع "إنما يعرف القرآن من خوطب به " (لتوضيح هذا المطلب ومعنى الحقيقة القرآنية وكيفية تنزلها تراجع إضافات العارف الكامل المولى الشيخ الشاه آبادي ـ أستاذ الإمام الخميني في العرفان ـ وقد أورد تحقيقات عرفانية دقيقة حول هذا الموضوع في كتابه "رشحات البخار" ص 12ـ34 طبعة طهران المذيلة بالترجمة الفارسية للمتن العربي) واستناداً لهذا النص، فهذا الإنتفاع مختص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والآخرون محرومون منه إلا بتعليمه والأولياء أيضاً بتعليمه ولكن رغم هذه المنزلة فأنــه {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ}(الشعراء193ـ194). فهو ـ القرآن ـ قد نزل وتنزل أيضاً بيد الروح الأمين لكن رسول الله في مقام التنزل وذاك النزول كان بحيث يتلقى منه مباشرة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}(القدر1). ففي ليلة القدر نزل جميعاً، يعني أنه تجلي بنفس ذاك التجلي في ليلة القدر، ولكن في مقام التنزل فالأعلى الروح الأمين.

    يعني أن ما كان يرد على قلبه يجب أن يتنزل مراتب من هذا البطن إلى ذاك ومن هذا الحد إلى ذاك حتى يصل إلى الحد الذي يظهر على صورة ألفاظ.



    [align=center]حقيقة القرآن [/align]

    القرآن ليس ألفاظاً، ليس من مقولة السمع والبصر ولا من مقولة الألفاظ ولا الأعراض، ولكن أنزل إلى الدرجة التي نستطيع نحن الصم العمي أن ننتفع به أيضاً، أما حال أولئك الذين ينتفعون منه بتلك الصور العليا فهو حال آخر ووضعهم التربوي وضع آخر، وكيفية تلقيهم من القرآن هي على نحو آخر غير الموجود هنا فالفرق ما بينهما كالفرق بين عالم الطبيعة وعالم الجسم وعالم الظاهر مقارنة بمراتب الغيب إلى ماشاء الله حتى يصل إلى مرتبة التجلي الأول، فتجلي الحق تعالى هو الذي يظهر من عالم الغيب ويتنزل حتى يصل إلى عالم الطبيعة، وهو نفس الفرق بين إدراكاتنا وبين ما فوقنا وما فوق هؤلاء وما فوق حتى يصل إلى مرتبة خاصة أولياء الله والأنبياء الذين هم في مرتبة ذلك التجلي الذي حصل لموسى (عليه السلام): "بنور وجهك الذي تجليت للجبل" وهناك حيث يقول: "فلما تجلى ربه للجبل" وحيث ورد في دعاء السمات:

    ـ"بنور وجهك الذي تجليت للجبل" وهناك أيضاً يقول:"يا موسى إني أنا الله" هنا تجلى للشجرة فكان " أني أنا الله " وهناك تجلى للجبل فكان:"بنور وجهك الذي تجليت للجبل" جميع تلك صحيحة وكل منها تامة في مقامها.



    [align=center]معرفة القرآن[/align]

    إذا أردنا أن نتعلم القرآن فماذا نفعل؟! هذه القضايا ليست للمتعلمين بذاك المعنى من التعليم والتعلم، عندما ننظر إلى القرآن وإلى تفاسيره نجد أنها نفس هذه التفاسير المتعارفة، ونجد في بعضها إشارات إلى هذه المعاني لكن على نفس هذا النحو من التعليم والتعلم للصم والعمي.

    القرآن فيه تبيان كل شيء ولن الذي يدركه هو:"إنما يعرف القرآن من خوطب به" ما هو القرآن الذي لا يعرفه سوى من خوطب به؟ معلوم أنها مرتبة القرآن الذي:"نزل به الروح الأمين" {{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} و"نزل على قلبه" فقضية هذه المرتبة لا يمكن لأحد غيره (صلى الله عليه وآله) إدراكها ومشاهدتها، فالقضية هنا ليست قضية إدراك عقلي ولا قضية برهانية، بل هي قضية مشاهدة ومشاهدة غيبية مشاهدة ليست بالعين ولا بالنفس ولا العقل ولا القلب، المشاهدة كانت لذلك القلب الذي هو قلب العالم، قلب نبي، هو وصل وأدراك "إنما يعرف القرآن من خوطب به" هو أدراك وشاهد ولكنه لا يستطيع أن يوضح ذلك إلاّ في شكل الأمثلة والألفاظ، فكيف تستطيعون أن تفهموا الأعمى ما هي الشمس وما هو النور؟! بأي لسان وبأي قول، غير أن النور هو الشيء الذي يضيء ولكن الذي لم ير النور كيف يمكن تفهيمه معناه؟! هذه العقدة هي التي في اللسان وطرفها في الأذن وهذه هي العقدة التي كانت في ألسنة الأنبياء.



    [align=center]محنة الرسول الأكرم (ص)[/align]

    عقدة النبي الأكرم أشدّ من الجميع، فإلى من يتحدث عن الذي شاهده وما نزل عليه من القرآن، سوى لمن وصل إلى مقام الولاية التامة؟! ولعل أحد معاني حديث:"ما أوذي نبي مثل ما أوذيت" ـ لو صحت نسبته إلى رسول الله ـ هو في الأذى الناتج عن عدم قدرة الإنسان على إيصال ما يجب إيصاله، أذى ذلك الذي لا ينبغي له أن يخبر عزيزه بالذي شاهده وهو أسمى من كل ما شاهده الجميع وأدركوه، ما أشد أذى ذلك الوالد الذي يريد أن يشاهد ولده الشمس ولكنّ ولده ضرير، يريد أن يوضح له هذا النور ولكن كيف؟! هل يتحقق ما يريد من خلال عناوين جميعها مجهولة لا غير؟! "العلم هو الحجاب الأكبر" حجاب كبير هو هذا العلم الذي يشغل الإنسان بهذه المفاهيم العامة والعقلية ويصدره عن السبيل حجاب للأولياء وكلما زاد أزداد الحجاب غلظة: الإنسان وبهذا العلم الذي لديه يتوهم أن العالم أجمع هو هذا لا غير فالإنسان أناني معجب بنفسه ما لم يخرج من هذا الغطاء.



    [align=center]"الاحتكار" العلمي [/align]

    جميع الكمالات يحصرها الإنسان بالعلم الذي توصل إليه وأدركه، فالفقيه يتصور أن لا شيء غير الفقه في العالم، والعارف يتصور أن لا شيء غير العرفان والفيلسوف يتصور أن لا شيء غير الفلسفة، والمهندس يتصور أن لا شيء سوى الهندسة، فلعلهم يعتبرون العلم عبارة عما عرفوه بالمشاهدة والتجربة وأمثال ذلك لذا يرون أن هذا هو العلم وغيره ليس بعلم وهذا حجاب كبير، هناك حجب كثيرة تلفنا جميعاً ولكن أكبرها هو حجاب العلم هذا.

    لأنه هو الذي ينبغي أن يرشد الإنسان إلى الطريق وإلى الهداية فإذا به يصده عن الطريق ويمنعه الهداية وهذا هو حال العلوم الرسمية جميعاً فهي تحجب الإنسان عما ينبغي أن يصل إليه وتولد لديه العجب فعندما يدخل العلم قلباً غير مهذب يجرّ صاحبه إلى الخلف وكلما زاد خزينة زادت مصائبه.

    مهما نثرت من بذور ف الأرض الملحية فلن تحصل على ثمرة وهذا هو حال القلب المحجوب غير المهذب، القلب الذي يخالف من اسم الله البعض ومثلما يخافون من الأفعى يخشون المسائل الفلسفية رغم أن الفلسفة هي أيضاً من العلوم الرسمية الفيلسوف أيضاً يخاف ـ بنفس الصورةـ من العرفان وهكذا حال العارف لما فوقه والجميع هي علوم رسمية وكلها "قيل وقال".



    [align=center]علم التوحيد قد يصدّ عن التوحيد[/align]

    لا أدري إلى متى نبقي على هذه الحالة يجب كحد أدنى أن نهذب أنفسنا بحيث لا تكون هذه العلوم الرسمية مانعةً لنا عن الله وذكر الله وهذه مسألة مهمة أن لا يصبح الإشغال بالعلم سبباً للغفلة عن الله وأن لا يتحول إلى عامل لبعث الغرور فينا فيبعدنا عن مبدأ الكمال.

    هذا الغرور موجود لدى العلماء بمختلف الإختصاصات سواء العلوم المادية والطبيعة أو العلوم الشرعية أو العلوم العقلية فما لم يكن القلب مهذبا ظهر الغرور الذي يصد الإنسان بصورة كاملة عن الله عندما ينهمك بالمطالعة يغرق فيها وعندما يقوم للصلاة يؤديها ولكن ليس هو مع

    الصلاة فماذا يعني هذا؟! كان أحد أصدقائي ـرحمه الله ـ يقول: ـ " لا أتذكر الآن إتركني إلى أن أقوم للصلاة لكي أتذكر "!! كأن الإنسان عندما يؤدي الصلاة فهو ليس في الصلاة أصلاً، لا يتوجه إلى الله وقلبه ليس مع الصلاة بل في مكان آخر قد يفكر أيضاً بكيفية حل مسألة علمية، من ذاك العلم الذي العلم الذي هو مقدمة للوصول للغاية والمقصود فإذا به يصدّ الإنسان عن الغاية والمقصود، هذا الأمر يصدق على العلوم الشرعية علم التفسير وعلم التوحيد فالقلب إذا لم يكن مستعداً مهذباً يتحول فيه حتى علم التوحيد إلى غل وقيد يصد الإنسان.



    [align=center]الوسيلة والغاية [/align]

    العلوم الشرعية جميعاً وسائل، المسائل الشرعية جميعها وسائل للعمل والعمل أيضاً وسيلة جميعها وسائل الوصول للمقصد والغاية، وسائل لإيقاظ النفس ولكي تخرج من هذه الحجب الظلمانية هذه الحجب التي تجعلنا في ظلمات تخرج من هذه الظلمات لتصل إلى الحجب التي تجعلنا في ظلمات تخرج من هذه الظلمات لتصل إلى الحجب النورانية ويبدو أن هناك تعبير ورد في وصفها هو أن هناك "سبعين ألف حجاب من نور ومن ظلمة" (راجع بحار الأنوار (ج2 و ص395) حيث أورد حديثا عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال إلى حجب ربي دخلت سبعين ألف حجاب بين كل حجاب من حجب العزة والقدرة والبهاء والكرامة والكبرياء والعظمة والنور والظلمة والوقار والكمال ..." والنص مأخوذ من حديث المعراج) وحتى تلك النورية فهي حجب أيضاً ونحن لم نخرج حتى من الحجب الظلمانية لا زلنا نتقلقل في أطباقها ولا ندري ماذا ستكون العاقبة.



    [align=center]للعلم آثار سيئة أيضاً [/align]

    العلم لم يؤثر في نفوسنا سوى بالتأثير السيء، هذه العلوم وتلك الشرعية والعقلية التي سماها المساكين بـ "الذهنيات" أي التي لا عينية لها هي وسائل للوصول إلى المقصد والغاية، ولكن كلاً منها يصدنا عن المقصد، فلا يعود علماً بل حجابا ظلمانياً وهذا هو واقع كل علم يحجز الإنسان عن الوصول إلى المقصد، وعن تحقيق ما بعث الأنبياء من أجله فبعثه الأنبياء هي من أجل إخراج الناس من هذه الدنيا ومن هذه الظلمات وإيصالهم إلى مبدأ النور لا الأنوار لا أن في هذه الجهة ظلمات وفي تلك نور النور المطلق، الأنبياء جاؤوا من أجل إيصال الناس إلى الفناء في النور المطلق وأن تفني هذه القطرة في البحر (وبالطبع المثال ليس منطبقا).

    لأجل هذه الغاية كانت بعثة جميع الأنبياء، وكافة العلوم هي وسيلة العينية هي لذلك النور ونحن العدم أصلنا من هناك والعينية هي لذاك المبدأ جميع الأنبياء جاؤوا لإخراجنا من هذه الظلمات وإيصالنا إلى النور لا الأنوار، يخرجوننا من الحجب الظلمانية والنورانية ويجعلوننا نتصل بالنور المطلق.

    أحيانا يكون علم التوحيد حجاباً، يقيم برهاناً على وجود الحق تعالى لكنه نفسه محجوب، نفس برهانه يبعده عن الذي يجب أن يصله، لم يكن منهج الأنبياء والأولياء بهذه الصورة البرهانية كانوا يعرفون البراهين ولكن القضية ليست إثبات الواجب ـ تعالى ـ بالبرهان.

    يقول سيد الشهداء (عليه السلام) "متى غبت"؟! (من دعائه (عليه السلام) في يوم عرفه راجع مفاتيح الجنان المعرف (ص 272)) ويقول " عميت عين لا تراك عليها رقيباً" وهي عمياء بالفعل.



    [align=center]القيام "الله" أولاً[/align]

    المرتبة الأولى القيام {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} (سبأ46). وقد اعتبر أصحاب السير هذا القيام المنزل الأول ولعله ليس منزلا بل مقدمة، اعتبره صاحب "منازل السائرين" (من تصنيف الخواجة الشيخ المولى عبدالله الأنصاري وعليه شرح للمولى عبدالرزاق الكاشاني) المنزل الأول، ولكن من الممكن أن يكون مقدمة والمنزل الذي يليه هو المنزل الأول.

    ما في الآية وصية وموعظة من موجود عرف نفسه يقول له: ـ قل لهم: {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} موعظة واحدة هي: "أن تقوموا" و"لله" ومن هنا تبدأ كافة القضايا، القيام لله، أن ينهض الإنسان لله من هذه النومة، قل لأولئك النائمين الذين سقطوا هنا فاقدي الوعي: ـ لي عندكم موعظة واحدة هي أن تقوموا من مكانكم لله، من أجله اسلكوا الطريق، ونحن لم نصغي بعد لهذه الموعظة الواحدة ولم نسلك الطريق من أجله فطريقنا يؤدي إلينا حتى حال أولئك الجيدين جدا هو هذا الحال: نعم هناك طائفة من الأولياء هم على نحو آخر.

    هذه الموعظة موجهة لنا نحن النائمون أما أولئك فقد وصلوا هم في العلى وسيجرونا إلى هناك، لا أحد يستطيع القول بأننا هنا الآن

    فالموكلون المهيمنون على جميع قوانا يأخذوننا، هذه القوى تجرنا إلى ذلك الإتجاه فمنذ البداية وحيث نحن في الطبيعة هم يقودوننا إلى مكان آخر وسنذهب ولكن مع الظلمات والحجب ذاهبون.



    [align=center]مصدر الفتن[/align]

    حب الدنيا هو المنبع "حب الدنيا رأس كل خطيئة" (المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء (ج5، ص 353) كتاب ذم الدنيا والحديث أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وقد تقدم ذكر مصادرا أخرى له) وقد يوصل الإنسان الموحدـ أحيانا ـ إلى نوع من البغض والسخط على الله تعالى عندما يتصور أنه تعالى قد سلبه شيئاً يحبه، وقد قيل أنّ الإنسان عندما يشرف على الرحيل إلى العالم الآخر، يأتيه شياطين لا يريدون له أن يرحل عن هذه الدنيا موحداً فيأتونه بالأشياء التي يحبها طالب العلوم الدينية مثلاً يأتونه بكتابه الذي يحبه ويقولون له أرجع عن عقائدك وإلاّ أحرقنا هذا الكتاب، ونفس الأمر مع من كان حبه للولد أو أي شيء آخر.



    [align=center]المعيار في التعلق [/align]

    لا تتصوروا أن أهل الدنيا هم الذين يمتلكون الحدائق والبساتين، فقد يكون هناك من يمتلك الكثير منها لكنه ليس من أهل الدنيا، وقد يكون هناك طالبا لعلوم الدين له كتاب واحد وهو من أهل الدنيا، الميزان هو التعلق والارتباط، تعلق الإنسان بالأشياء، وهذا التعلق قد يؤدي إلى إيجاد العداوة لله في قلب الإنسان عندما يرى أنه راحل عن هذا العالم حيث تنقطع صلته الأشياء التي تعلق بها، فيصبح لذلك معاديا لله.

    عليكم أن تقللوا من شدة هذا التعلق بمختلف أشكاله، فنحن على

    كل حال راحلون عن هذه الدنيا سواء أحببنا شيئاً وتعلقنا به أم لا، فلا فرق.

    سواء تعلقتم بهذا الكتاب أو هذا المنزل أم لم تتعلقوا، فهما لكم تنتفعون منهما على كل حال، فقللوا التعلق بهما، فأنتم تستطيعون أن تقطعوا هذا التعلق، فهو الذي يجلب على الإنسان المصائب وهو من حب النفس، حب الدنيا وحب الرئاسة وهو المرض المهلك للإنسان.

    حب المنصب وحب المسجد وغير ذلك هي جميعاً من الدنيا، وهي من التعلقات الدنيوية، وهي حجب بعضها فوق بعض، كرارا ومرارا ما نقعد ونقول، هؤلاء لديهم كذا وكذا وأولئك لديهم كذا وكذا ـ وهم أسرى التعلقات الدنيوية ـ ولكن دققوا النظر في أنفسكم ولاحظوا كيف حالكم أنتم، ما هي شدة تعلقكم بما لديكم، قارنوها بقوة تعلق من تعيبون عليه تعلقه.



    [align=center]سر انتقاص الآخرين[/align]

    لولا حب النفس والأنانية لما عاب الإنسان على الآخرين، فحالة تقصي معائب الآخرين الموجودة لدى بعضنا ناشئة عن أننا نعتبر أنفسنا غاية في التهذيب والسلامة والآخرين ذوي عيوب فنعترض عليهم بسببها، وذلك بسبب حب النفس الذي نرى بسببه أننا كاملون.

    في تلك المقطوعة الشعرية ـ لا أريد أن أقرأها ـ ورد أن أحدهم عاب على آخر عيبا فأجابه:ـ أنا كما قلت ولكن هل يا تري أنت كما هو ظاهرك؟!

    نحن نستعرض "مظاهر" للناس، من قبيل أننا جئنا إلى هنا لطلب العلم ودراسة الشريعة وأننا من جند الله وأطلقنا إسم "جند الله" على أنفسنا، فهل نحن حقيقة كما تبدو مظاهرنا؟! هذا هو الحد الأدنى أما أن يكون الباطن شيئاً والظاهر شيئاً آخر فهل هذا غير النفاق؟! فالنفاق ليس فقط أن يظهر الإنسان التدين وما هو بمتدين كأبي سفيان، فما تقدم نفاق أيضاً، نفاق هو أن يظهر الإنسان شيئاً ساميا وهو على خلافه وهو بذلك من المنافقين، والفرق هو في المرتبة.

    وعلى أي حال فالعاقبة هي الرحيل عن هذه الدنيا، ولا يقال أن أولئك يدعون إلى الآخرة إلى هناك وهنا هي الدنيا، فهم ـ الأنبياء ـ وإن كانت دعواتهم جميعاً إلى الآخرة فقد كانوا يروجون للعدالة هنا.


    [align=center]
    المرتبة العليا: دوام الحضور [/align]


    النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): ورغم أنه موجود إلهي، ينسب إليه قوله: "ليران على قلبي ـ وإني لأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة" (المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء (ج7، ص17) كتاب التوبة وقريب من ه ما في صحيح مسلم (ج8،ص72) " كما جاء في هامش المحجة" هناك في المصدر إضافة "الليلة" والغين هو الغيم وعينت السماء اذا أطبق عليها الغيم)،نفس معاشرة هؤلاء الأشخاص ـ كانت تؤدي إلى كدورة ما، فالذي يجب أن يكون دائم الحضور عند محبوبة يرى في مجيء شخص ـ وإن كان صالحا للغاية ـ سائلا عن مسألة، مانعا له ـ بهذا المقدار ـ عن تلك المرتبة التي يريدها وإن كان نفس ذلك هو حضور، فالإنسان الذي يحادثه هو في عينه من المظاهر ولكن رغم ذلك يمنعه ـ بمقدار ـ عن تلك المرتبة التي يريدها وهي مرتبة دائم الحضور:ـ "ليران على قلبي وإني لاستغفر الله في كل يوم سبعين مرة " مثل هذا منقول عن النبي الأكرم.

    الإشتغال بمثل هذه المسائل بالنسبة لنا حجاب يجب أن نخرج منه، ولو ـ حد أدني ـ بمقدار أن نكون حقا مثلما ما نظهر لا أن نكون خلافا لظاهرنا، لو كانت على جباهنا آثار السجود وكان ظاهرنا أننا نعمل لله فكحد أدنى يجب أن لا نرائي في الصلاة، ولو كنا نظهر أنفسنا ورعين جدا فلنتورع عن أكل الربا والاحتيال على الآخرين وهكذا.



    [align=center]المعنويات والحركة[/align]

    أولئك الذين تصوروا أن هذه العلوم المعنوية تحجز الناس عن الحركة والنشاط هم على اشتباه.

    ذات الإنسان الذي كان يعلم الناس العلوم المعنوية هذه، والذي لم يكن له نظير بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في معرفة الحقائق، هذا الإنسان وفي نفس اليوم الذي بايعوه بالخلافة حمل فأسه وذهب إلى عمله في الزراعة ـ كما ينقل لنا التأريخ.

    أولئك الذين ـ وبدافع من توهماتهم ـ يحذرون الناس من الدعاء والذكر وما ماثل، لكي يلتصقوا بالدنيا، هؤلاء لا يدرون ما الأمر، لا يعرفون أن نفس هذا الدعاء والأذكار هي التي تجعل الإنسان يتعامل مع الدنيا بالصورة المطلوبة، الذين أقاموا العدل في الدنيا هم هؤلاء الأنبياء الذين بالصورة المطلوبة الذين أقاموا العدل في الدنيا هم هؤلاء الأنبياء الذين كانوا أهل الذكر والفكر وكل شيء، وهم الذين ثاروا ضد الظلمة، وهذا نهج الأولياء أيضاً، الإمام الحسين بن علي (سلام الله عليه) قام بتلك الثورة، وهو نفسه الذي ترون دعاءه في يوم عرفة كيف هو.



    [align=center]الدعاء والتحرك النهضوي [/align]

    هذه الأدعية هي مصدر أمثال هذه النهضات، وهذه الأدعية هي التي توجه الإنسان للمبدأ الغيبي لو أحسن قراءتها، ونفس هذا التوجه يؤدي إلى تقليل تعلق وحب الإنسان لنفسه، وهذا لا يمنع الإنسان عن الحركة والنشاط، كلا، بل على العكس هو يولد حركة ونشاطا أيضاً لدي الإنسان ولكن ليس من أجل نفسه، يل إنه يدرك أنه يجب أن يتحرك وينشط من أجل خدمة عباد الله، فهي خدمة لله.

    أولئك المنتقدون لكتب الأدعية إنما يفعلون ذلك لكونهم جهلة مساكين لا يعرفون كيف أن كتب الأدعية هذه تصنع الإنسان، فأي إنسان ـ عظيم ـ تصنعه الأدعية الأدعية الواردة عن أئمتنا، كالمناجاة الشعبانية ودعاء كميل، ودعاء الإمام سيد الشهداء (سلام الله عليه) يوم عرفه، دعاء السمات...

    إن الذي يقرأ المناجاة الشعبانية هو نفسه الذي يشهر السيف أيضاً هذه المناجاة كان يقرأها جميع الأئمة، ولم أر فيما يتعلق بسائر الأدعية الأخرى مثل هذا الوصف ـ قراءة جميع الأئمة لها ـ والذي يقرأها يشهر السيف ويجاهد الكفار.

    هذه الأدعية تخرج الإنسان من هذه الظلمات وعندما يخرج منهما يصبح عاملاً في سبيل الله، مقاتلا في سبيل الله، قائما لله.

    الأدعية لا تحجز الإنسان عن الحركة والعمل كما يدعي أولئك قاصرين آمالهم على هذه الدنيا معتبرين كل ما وراءها من "الذهنيات" لكنهم سيصلون إلى حيث يرون أن هذه الذهنيات هي "العينيات" وما كانوا يرونه عينيا هو الذهنيات.

    هذه الأدعية والخطب ونهج البلاغة ومفاتيح الجنان وسائر كتب الأدعية، هي التي تعين الإنسان ليصبح إنساناً.



    [align=center]كل الأعمال لله[/align]

    وعندما يصبح الإنسان إنساناً يقوم بجميع تلك الأعمال، يزرع ولكن لله، ويقاتل لله، أولئك الذين قاموا بأعباء كل تلك الحروب ضد الكفار والظالمين هم قراء الأدعية. أكثر أولئك الذين كانوا في ركاب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) كان نفسه يقوم للصلاة في خضم اشتداد حمى القتال، يقاتل ويصلي، وفي اشتداد القتال قام خطيبا متحدثا عن التوحيد عندما سأله أحدهم عن التوحيد، وعندما اعترض آخر بأن الوقت غير مناسب لمثل هذا أجاب (عليه السلام): "دعوة فإن الذي يريده الاعرابي نريده من القوم" (راجع كتاب" النوادر في جميع الأحاديث "ص43 طبعة رقم والكتاب للمولى الفيض الكاشاني وهو مستدركه على شرحه "الوافي " لأصول الكافي والحديث ينقله عن توحيد الصدوق].

    فالحرب هنا ليست للدنيا: علي لم يحارب معاوية لكي يتسلط على الشام الرسول الأكرم والإمام لم يكن هدفهم العراق والشام بل هدف أن يكون الإنسان فيها إنساناً أن ينقذوا أهلها من سلطة المستكبرين هؤلاء هم أصحاب الأدعية الإمام علي الذي كان يقرأ "دعاء كميل" هو نفسه المقاتل الشجاع.



    [align=center]تأثير الدعاء في النفوس[/align]

    الذين يبعدون الناس الأدعية ـ كما فعل يوما الخبيث "كسروي" حيث دعا إلى يوم لحرق كتب العرفان وكتب الأدعية.. هؤلاء لا يعرفون ما الدعاء وما هي طبيعة تأثيره في النفوس لا يفقهون أن جميع هذه الخيرات والبركات هي من قراء نفس هذه الأدعية حتى الذين يقرءونها ـ بكيفية ضعيفة ـ ويرددون ذكر "الله" ولو بصورة ببغاوية فأنه يتأثرون بها وهم خير من تاركيها.

    المصلي ـ ولو وفق أدني مراتب إقامة الصلاة ـ هو خير من تاركها وأكثر تهذيبا فهو لا يرق راجعوا ملفات الجرائم ولا حظوا نسبة مرتكبيها من طلبة العلوم الدينية ونسبة غيرهم من مرتكبي جرائم السرقة وشراب الخمر وغيرها.

    هناك في هذه الطائفة ـ المعممين ـ من تسلل إليهما ولا شك لكن هؤلاء ليسوا لا من هل الصلاة ولاغيرها تستروا بهذه الظاهر لإستغلاله فقط أما أهل الدعاء والعاملون بشعائر الإسلام فليست لهم ملفات جنائية مقارنة بالآخرين وإن ان هناك من شيء فهو قليل جدا.



    [align=center]الفصل بين القرآن والدعاء والحديث [/align]

    للدعاء وأمثاله دخل وتأثير في نظم هذا العالم فلا ينبغي أن يختفي الدعاء من أوساط المجتمع لا ينبغي لشبابنا أن يعزفوا عن الدعاء وليس من الصحيح الدعوة للعزوف عن الدعاء تحت شعار الدعوة لعودة القرآن فهذا يعني تضييع الطريق إلى القرآن هذه من الوساوس الشيطانية فالشيطان يدعو إلى ترك الدعاء والحديث لفسح المجال للقرآن يقول يجب أخذ القرآن والإعراض عن الحديث !! وأمثال هؤلاء لا يستطيعون والأخذ الذين يقولون الدعاء ولنقرأ القرآن لا يستطيعون الأخذ بالقرآن فهذه من وساوس الشيطان التي تخدع الإنسان وهي ن الأقوال التي تخدع الشباب.

    على هؤلاء الشباب أن يلاحظوا هل أن الذين كانوا من أهل الحديث والذكر والدعاء خدموا المجتمع أكثر أم الذين لم يكونوا من أهل ذلك وكانوا يزعمون "نحن أهل القرآن"؟! جميع هذه الخيرات والمبررات التي ترونها وجميع هذه الأوقاف المخصصة لمطلق الأمور الخيرية ولإعانة التي ترونها وجميع هذه الأوقاف المخصصة لمطلق الأمور الخيرية ولإعانة الضعفاء هي من عمل هؤلاء المؤمنين من أهل الذكر والدعاء والصلاة لا من غيرهم.

    حتى الأعيان الأثرياء الذين بنوا ـ فيما مضى ـ المدارس والمصحات وأمثال ذلك إنما كانوا من أهل الصلاة وهذا الأمر لا ينبغي أن يغيب عن أذهان الناس بل على العكس يجب ترسيخه يجب جعل الناس متوجهين لله تعالى.



    [align=center]الدعاء والوصول للكمال [/align]

    وإذا تجاوزنا كل هذه الأمور فأن الأدعية تعين الإنسان على الوصول إلي الكمال المطلق وهي تعين على إدارة وتسيير أمور البلاد على إدارة وتسيير أمور البلاد ومرة تكون المعونة في إلقاء القبض على السارق وأخرى تكون بأن الإنسان نفسه لا يسرق وأهل المسجد والدعاء لا يعتدون وهذا بحد ذاته معونة للمجتمع عندما يكون نصف أفراده مثلا يجتبون المعاصي لاشتغالهم بالدعاء والذكر أمثال ذلك.

    فمثلا الكاسب يزاول كسبة دون معصية ولا سرقة أما قطاع الطرق



    والقتلة فهم ولا شك ليسوا من أهل الصلاة والدعاء ولو كانوا من أهلها لما كانوا قتلة وقطاع طرق.

    بهذه الأدعية وبهذه الأمور الواردة عن الله ورسوله تتم تربية المجتمع، إن كنتم تقرأون القرآن فهو يمدح الدعاء ويدعو الناس له:

    {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ}(الفرقان77). إذن فالذين يدعون إلى ترك الدعاء والأخذ بالقرآن يرفضون القرآن أيضاً: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر60).

    أسأل الله أن يجعلنا من أهل الدعاء وأهل الذكر وأهل القرآن بمشيئته تعالى.

    ختام الدرس الثالث من دروس التفسير للإمام الخميني (قده)

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2002
    المشاركات
    325

    افتراضي

    ماذا يعني تجلي وتجليات اسماء؟

    والهجرة هجرة النفس لا هجرة الحقيقة ؟

    نحو الكثرة ؟ طور الكثرة ؟

    وأمور أخرى كثيرة أشعر أنها عديمة المعنى ؟

    لا أدري ما هو السبب لكن التعبير والأسلوب وطريقة التفكير تذكرنا بأسلوب الشيخ الوحيد الخراساني في الكتاب المترجم مقتطفات ولائية.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401

    افتراضي



    [align=center]الدرس الرابع[/align]

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.



    [align=center]"باء" البسملة ليست سببية [/align]

    يستفاد من الأحاديث السابقة أنّ "الباء" في البسملة ليست الباء السببية ـ بالمعنى الذي يقوله أهل الأدب ـ فالموضوع أصلاً ليس من باب السببية والمسببية بل وإن في الحديث عن فاعلية الحق، لا محل للعلة والمعلولية وافضل تعبير عنه هو ما ورد في القرآن الكريم فمرة ورد التعبير بالتجلي "تجلى ربه ..." وأخرى بالظهور: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} وهذه غير قضية السببية والمسببية فهنا تمايل لا يقتضي وجوده في ذات الحق تعالى مع الموجودات، لذا يجب أن نحمل السببية على معنى موسع لكي تشمل قضية التجلي وقضية الظهور أو أن نقول أن "الباء" ليست باء السببية و "به" كذا وباسم الله كذا بظهوره، وكذلك مع تجليه، وكذا بالحمد بسم الله أو تجلي الله، لا من باب أن الحمد مسبب للاسم ولا أتذكر أنه ورد في الكتاب أو السنة التعبير بالسببية أو العلية فهذه مصطلحات فلسفية وردت على لسان الفلاسفة أما في القرآن والسنة فلم يرد التعبير بالسببية عن هذا المعنى ـ على ما أتذكر ـ بل وردت فيهما تعبيرات عنه بالخلق والظهور والتجلي.



    [align=center]قضية حديث النقطة تحت الباء[/align]

    وهناك جنبة أخرى وفيها حديث شريف، وهي قضية النقطة تحت الباء وبالنسبة للحديث ومدى صحته، وهل أنه وارد أم لا؟! لعل الشواهد تدل على عدم صحة وروده، والحديث منسوب إلى الإمام علي (سلام الله عليه) أنه قال: " أنا نقطة تحت الباء" (راجع شرح فصوص الحكم للقيصري (ص36) الورق (18) من المقدمة والحديث هو بداية خطبة) ولو صح فتأويله هو أن الباء هي بمعنى الظهور المطلق، والتعين الأول عبارة عن مقام الولاية فلو صحت نسبة هذا القول للأمير فيكون مقصوده (عليه السلام) هو أن مقام الولاية ـ بالمعنى الحقيقي للولاية أي الولاية العامة ـ هو التعين الأول.



    [align=center]الولاية الأحمدية والعلوية [/align]

    الاسم هو التجلي المطلق، والتعين الأول له هو تعين الولاية الأحمدية والعلوية وحتى لو لم يرد هذا المعنى فالقضية هي على هذا المعنى فهناك تجلي مطلق يكون تعينه الأول هو المرتبة الأعلى للوجود وهي مرتبة الولاية المطلقة.

    وهذا الاسم يكون مرةً لمقام الذات، حيث اسمه الجامع هو "الله" والأسماء الأخرى ظهورٌ للرحيمية والرحمانية و.. وهي جميعها تجليات الاسم الأعظم.

    "الله" هو الاسم الأعظم والتجلي الأول والأسماء منها ما هي في مقام الذات ومنها في مقام التجليات بالاسمية وهناك أيضاً أسماء التجلي الفعلي الذي يقال لقسم منه مقام الأحد، وللآخر مقام الواحدية وللثالث مقام المشيئة ومثل هذه المصطلحات، ويحتمل أن تكون مقامات الأسماء الثلاثة هي المقصودة بالآيات الأخيرة من سورة الحشر، حيث ذكرت في آياتها الثلاثة الأخيرة بثلاثة أشكال وهي {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم } {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون} {هو الله الخالق البارئ المصور}..

    فالاسم في مقام الذات يناسب الأسماء الواردة في الآية الأولى، والاسم بالتجلي الصفاتي يناسب الصفات الواردة في الآية الثانية فيما التجلي الفعلي يناسب ما في الآية الثالثة {هو الله الخالق البارئ المصور} والتجلي الفعلي هو على ثلاثة أنماط، تجلي الذات للذات، والتجلي في مقام الأسماء، والتجلي في مقام الظهور ولعل: {هو الأول والآخر} يعني وكأن الآخرين أصلا هم نفياً منفياً {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} فكل ظهور هو وليس منه هو الظاهر وهو الباطن وهو الأول وهو الآخر.



    [align=center]لا فصل بين التجلي والمتجلي [/align]

    هناك مراتب للتجليات ولكن ليس بحيث تكون مستقلة عن المتجلي لا شك أن تصور الأمر صعب ولكن تصديقه بعد ذلك يسير.وقد يكون "الله" اسماً لهذا التجلي في مقام الصفات، ولو كان كذلك يكون "اسم الله" "بسم الله" اسما لظهور ذلك التجلي على

    النحو الجمعي وهذا لا يتعارض مع كلا الاحتمالين الذين تحدثنا عنهما سابقا بل ينسجم مع كليهما، لأن هذه المسائل ليست على نحو الاستقلال وكافة هذه القضايا يجب أن نمررها على نحو النقص.

    وهناك قضية أخرى ترتبط بجميع هذه القضايا والمباحث وهي أننا نتعرف إلى الواقعيات مرة بالحواس التي لدينا وأخرى بما ينتزعه العقل ويدركه منها، وثالثة بحسب مقام القلب وما يدركه منها ورابعة في مقام الشهود وأمثال هذه المعاني.

    وغاية ما تصله إدراكاتنا نحن هي المدركات العقلي إما بالقدم البرهانية أو ما يشبه الاستدلال، فالواقعيات حسب تصورنا هي التي نفهمها بمدركاتنا العقلية ولكن عندما نرتفع درجة عن هذه المدركات نفهم أن ا لواقعيات هي الذات المقدسة وتجلياتها: بأي نحو كان إدراكاتنا نجد هذا.

    وواقع الأمر هو أن لا مقابل للحق تعالى أي ليس هناك موجود مقابل ـ مستقل عنه ـ بل إن مقابل الوجود المطلق لا معنى له أصلاً فالموجود هو الذات المقدسة وتجلياتها سواء التجلي في مقام الذات، أو في مقام الصفات، أو في مقابل الفعل، ونفس الآيات التي نشير إليها أحيانا يمكن أن تكون شاهدا على أن {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} فواقع الأمر هو أن لا مقابل للحق تعالى، مرةً نتساءل ـ وبحسب إدراكناـ ما الذي أدركناه وما هو إدراكنا العقلي؟! وهل أننا أوصلناه إلى القلب ليصبح اسمه إيمانا؟! أو هل تحركنا بقدم السير ليكون اسمه عرفانا ومعرفة إلى غاية ما يستطيع الإنسان الوصول إليه؟!

    وتلك هي قضية إدراكنا للواقعيات على ما هي عليه ولكن الواقع عندما يحسب بحسب الواقع ـ فما من شيء سوى الحق تعالى، كل ما هو موجود هو والتجلي هو تجليه، ولا يمكننا أن نجد مثالا منطقيا و " ظلٌ وذو ظل " ناقصٌ أيضاً الذات والتجليات والبحر والأمواج.

    ولعل أقرب الأمثلة الموضحة هو مثال موج البحر، فالموج ليس خارجا ـ مستقلا ـ عن البحر بمعني هناك موج وهناك بحر، بل هناك موج البحر هذه الأمواج الحاصلة إنما هي البحر يتموج، ولكن عندما ننظر إلى الأمر بسحب إدراكنا، نرى بحراً وأمواج البحر كأنه هناك بحرٌ وموجٌ، ولكن الموج معنى عارض للبحر وحقيقة الأمر أن ليس هناك سوى البحر وموج البحر هو البحر، وكذلك حال العالم فهو " كموج".

    وبالطبع فهو مثال والحال هو مثلما قال القائل " حثوا التراب على مفرقي وعلى مثالي" فالأمر لا مثال له، نحن عندما نريد أن نلج في هذه المسائل نطرح حسب إدراكنا تصورات عامة من قبيل اسم الذات واسم الصفات واسم الأفعال والمقام الفلاني وهكذا وهي نفسها مفاهيم في مفاهيم والإدراك إدراك مفهومي.

    أما المرتبة الأخرى فهي أن ندرك ما وراء هذه المفاهيم نثبت برهانياً أن الحقيقة هي هذه، ولكن المنهج البرهاني عندما يستدل على أن الموجود هو الذات وتجلياتها ولا شيء غيرها، يقول أن صرف الوجود والوجود المطلق هو الوجود الذي لا يقيد قيد و"أنت وجودنا المطلق" فلو كان له حدُّ أو نقص فما هو بوجود مطلق، فالوجود المطلق ليس له أي تعين أو نقص وإذا كان كذلك فهو يشمل تمام الوجود، ولكنّ "تمام "

    هذه ناقصة أيضاً، أي أنه لا يمكن أن يكون فاقداً لحيثية ما، فجميع أوصافه هي مطلقة لا على نحو التعين لا رحمانية متعينة ولا رحيمية متعينة ولا إلوهية متعينة.



    [align=center]فقدان أي كمال يؤدى إلى التعين[/align]

    عندما يكون النور مطلقاً يصبح بلا تعين وبذلك يجب أن يكون جامعا لكافة الكمالات، لأنّ فقدان أيّ كمال يوجب "التعين" فلو كانت هناك نقطة نقص واحدة في مقام الربوبية، أو لم تكن هناك ولو نقطة وجود فقط ـ بل وما دون النقطة من العدم لخرج عن الإطلاق وأصبح ناقصا ممكناً ولم يكن واجب الوجود فالواجب كمال مطلق وجمال مطلق.

    من هنا فعندما نعتبر "الله" وبحسب المنهج البرهاني الناقص ـ اسماً للذات المطلقة ولها كافة التجليات، فيجب أن يكون جامعاً لكافة الأسماء والصفات جامعاً لكافة الكمالات كمالاً مطلقاً دون أي تعين، وهذا لا يمكن أن يكون فاقداً لأي شيء وإلاّ لم يكن كمالاً مطلقاً بل كان "ممكناً" والممكن هو ناقص مهما كانت درجة الكمال التي يصلها فبمجرد خروجه عن مرتبة الإطلاق يدخل حدود الإمكان، الوجود المطلق واجد لكل شيء لكل الكمالات، البرهان يقول: "صرف الوجود كل الأشياء وليس بشيء منها " (العبارة متكررة في معظم المتون الفلسفية خاصة مصنفات المولى صد الدين الشرازي ومن بعده راجع "الأسفار الأربعة " (ج6، ص 211) وما بعدها) كل الأشياء لكن لا بالتعينات، واجدٌ لكل وجود ولكن لا على نحو التعين بل على نحو الكمال المطلق.

    وحيناً يكون هذا الكمال المطلق ـ عندما نحسب واقع الأمر ـ يكون في كل الأسماء فهذه ليست مستقلة بل هي نفس أسماء الذات غير منعزلة ونفس الخصوصيات الموجودة في اسم "الله" موجودة في "الرحمن" فيصبح هذا كمالاً مطلقاً {إدعو الله أو إدعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} (سورة الإسراء بني إسرائيل آية 110) سواء "الله" أو " الرحمن" أو "الرحيم" وسائر الأسماء فـ {له الأسماء الحسنى} وهذه موجودة أيضاً في جميع صفات الحق تعالى، ولكونها على نحو الإطلاق فلا حدود بين الاسم والمسمى واسم واسم آخر، فهي ليست مثل الأسماء التي نطلقها على شيء ما باعتبارات مختلفة.

    عندما نقول "نور" و "ظهور" فلا يعني ذلك أنه من جهة نور ومن أخرى ظهور، بل إن الظهور هو عين النور، والنور أيضاً عين الظهور، وبالطبع فهذا المثال ناقصٌ أيضاً، الوجود المطلق كمالٌ مطلق في كل شيءٍ مطلق، جميع الأوصاف هي على الإطلاق بحيث لا يمكننا فرض أي شكل من الاستقلالية (يقول السهرودي مؤسس فلسفة الإشراف "صرف الوجود الذي لا أتم منه كلما فرضته ثانيا فإذا نظرت إليه هو هو " التوحيد العلمي والعيني ص 139)



    [align=center]المشاهدة فوق البرهان والعمى[/align]

    هذا بحسب القدم البرهانية وهذا ما يقوله البرهان، يقال أن أحد العارفين قد قال "أنني حيثما ذهبت جاء هذا الأعمى بعصاه " ومراده هو الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا، ومقصودة من هذا القول هو أن كل ما وجده ووصله أدركه برهانياً هذا الأعمى ولكن بعصا البرهان وصل إلى ما وصل إليه هذا العارف بقدم العرفان والمشاهدة وعلى هذا التفسير قالوا أن مقصوده من الأعمى هو ابن سينا.

    وأصحاب البرهان ـ كما يقول ـ نحن العمي، فعندما لا تكون مشاهدة يعني أن عناك "عمى" فحتى بعد أن نبرهن استدلالياً على التوحيد المطلق والوحدة المطلقة وأن مبدأ الوجود هو الكمال المطلق، فالأمر برهان أيضاً، والمحجوبية هي خلف جدار البرهان والمهم أن تصل ـ بالمجاهدة والسعي ـ حقيقة أن "صرف الوجود كل شيء" إلى القلب فيدركها وحال قلوبنا كحال الطفل الذي يجب أن تلقنه كلمة بعد أخرى وعلى الذي أدراك تلك الحقائق عقلياً أن يوصلها قلبه بطريقة التلقين كلمة كلمة بالتكرار والمجاهدة وأمثال ذلك.

    فإذا وصلت هذه الحقائق إلى القلب ووعاها وأدراك أن "صرف الوجود كل الكمال" فهذا هو الإيمان، الإيمان يتحقق عندما يصل إلى القلب هذا الإدراك العقلي والتصورات المفهومية التي أقيم عليها البرهان، وعندما يصل إلى القلب هذا المعنى القرآني البرهاني ويقرأ بالقلب ما قرأه بالعقل، وعندما يعلم القلب ذلك بالتكرار والرياضيات والمجاهدات عندها يؤمن القلب بأن "ليس في الدار غير ديار" (راجع ص 147 من رسالة لب اللباب في سير وسلوك أولي الألباب (بالفارسية) وهي تقديرات السيد الطهراني لدروس أستاذه العلامة الطباطبائي ـ قدس سره ـ في العرفان) ولكن هذه أيضاً هي مرتبة من الإيمان، بل وحتى مرتبة {ليطمئن قلبي} (إشارة إلى قصد دافع إبراهيم (عليه السلام) من ربه مشاهدة إحياء الموتى وتقطيع الطير وإحيائه المذكورة في القرآن) هي غير تلك التي كانت للأنبياء فقد كانت لهم قدم المشاهدة وهي فوق ذلك، لهم مشاهدة جمال الحق تعالى {تجلى ربه للجبل} تجلى لموسى الذي كانت له محطات ثلاثون ليلة في البداية ثم أصبحت أربعين وجاءت بعدها تلك الوقائع بعد أن رحل عن منزل شعيب "ولد زوجته" وسار بأهله قال لهم: {إني أنست ناراً} (إشارة إلى قصة دافع إبراهيم (عليه السلام) من ربه مشاهدة إحياء الموتى وتقطيع الطير وإحيائه المذكورة في القرآن)هو أدراك هذه النار أما أهله فلم يروها أصلاً، بعد ذلك ذهب إليها: {لعلي أتيكم منها بقبس} (سورة طه مقاطع من الآية 10) وعندما اقترب منها جاء النداء {إني أنا الله} (سورة طه مقاطع من الآية 10 والآية 14) هذا النداء جاء من نفس تلك النار التي كانت في الشجرة، وقدم المشاهدة يعني أن موسى شاهد ما ذهب إليه ذاك الأعمى بالعصا وذاك العارف بالقلب.

    هذه كأقوال نحسن التحدث بها نحن، وأنت تستمعون إليها بآذانكم ولكن الحقائق هي أسمى، {أني أنا الله} والنور الذي كان في الشجرة هذا النور لم يكن يستطيع رؤيته سوى موسى (عليه السلامّ) مثلما هو الحال مع الوحي الذي كان ينزل على رسول الله (ص) فمن ذاك الذي كان يستطيع أن يفهم ما هو هذا الوحي؟! وما هو أصله؟! والقرآن الذي نزل على قلب رسول الله دفعة واحد جميعه ما هو؟! فلو كان هو هذا القرآن ذي الثلاثين جزءً فنزوله دفعةً واحدة على قلب عادي أمر محال.

    القلب بابُ أخرى والقرآن حقيقة وهي ترد إلى القلب، القرآن سرُّ، وسرُّ السر، وسرُّ مستسرٌ بسرٍّ، وسرُّ مقنع بسر، ويجب أن يتنزل وينزل إلى الأسفل ويتنزل حتى يصل إلى هذه المراتب النازلة، وحتى وروده على قلب رسول الله كان تنزلاً، تنزّل حتى دخل القلب، ومن هناك يجب أن يتنزل أيضاً إلى أن يصل إلى حيث يفهمه الآخرون أيضاً، وهكذا حال الإنسان، فهو أيضاً سرُّ وسرُّ وسر، نحن نرى من الإنسان هذا الشيء الموجود، حيوانٌ، هذا الحيوان الموجود ولا غير، بل وهو حيوانٌ أسوأ من سائر الحيوانات، ولكن له خصوصية هي إمكانية وصوله إلى الإنسانية وإلى مراتب الكمال والكمال المطلق حتى إلى حيث لا تصل أوهامنا ثم ينعدم.



    [align=center]ما ندركه هي الأعراض[/align]

    كل ذلك سرُّ وأسرار، والظاهر هو هذا، وفي عالم الطبيعة هذا أيضاً سرُّ هناك مسألة وهي أنكم لا تستطيعون فهم ماهية الأجسام، ولا نحن نستطيع ذلك، ولا نستطيع إدراك "الجواهر" وكل ما ندركه هو "الأعراض" عيوننا ترى الألوان وما شابه، آذاننا تسمع الصوت وحاسة الذوق تدرك الطعم، وحاسة اللمس تدرك الظواهر، ولحل ذلك أعراض، وعندما يريدون تعريف جسمٍ ما يقولون أنه الشيء الذي له عرض وعمق وطول وهذه هي من الأعراض أيضاً.

    الذي له جابية فمن الأعراض، إذْ كل ما تريدون تعريفه به أوصاف الأعراض إذن فأين هو الجسم؟! الجسم أيضاً هو سر إذن، الظل هو سر، فظل نفس الأحدية هو الأسماء والصفات أياً كانت، فالمعلوم لنا هو الأسماء والصفات أما نفس الصفات أما نفس العالم فهو غيب أسماءه وصفاته ظاهرة ولكنه نفسه غيب ولعل إحدى مراتب "الغيب والشهادة" هو أنّ العالم الطبيعة أيضاً غيب وشهادة، فغيبُهُ ما غاب عنا فلا نستطيع أن ندركه بحال إذْ أنّ أي شيء تريدون تعريفه إنما تعرفونه بالأوصاف والأسماء والآثار وما شابه، فأي سبيل لتعريفكم له غير هذه؟!

    ناقص هو إدراك الإنسان لظل السر المطلق، إلا إدراك من وصل بقدم الولاية إلى حيث يدخل قلبه تجلي الحق تعالى بكافة أبعاده، وهذا السر موجودٌ في كل شيءٍ، أي أن الغيب والشهادة يسريان في كل مكان.



    [align=center]سعة عالم الغيب [/align]

    في وقتٍ ما كان يُقال أن عالم الغيب هو ـ مثلا ـ عالم ملائكة الله عالم العقول ونظائر هذا التفسير، ولكن لنفس هذا العوالم سرّاً وظاهراً ظهوراً وبطوناً، وهذا نفسه في: "هو الظاهر والباطن " فهناك بطون في نفس الشيء الذي ظهر فيه، وفي نفس هذا البطون ظهور، وعلى هذا فإن جميع أسماء الحق تعالى واجدة لجميع مراتب الوجود، فكل اسمٍ هو جميع الأسماء، فالأمر ليس أن الرحمن صفة واحدة أو اسماً واحداً، والرحيم اسم مقابل وكذا الحال مع المنتقم هذه لو كانت من الأسماء فجميعها حاوية لكل شيء: {أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} فجميع الأسماء الحسنى موجودة في الرحمن وموجودة في القيوم وفي الرحيم، وليس الحال أن أحدها يحكي شيئاً ما والآخر يحكي عن شيء آخر، فذلك يعني أنّ يكون الرحمن حاكيا لحيثية ما موجودة في ذات الحق تعالى، وغيره يكون حاكياً لحيثيةٍ أخرى، وبذلك تكون ذات الحق تعالى مجمعاً للحيثيات، وهذا محال في الوجود المطلق، الوجود المطلق هو رحمن بوجوده المطلق ورحيم بوجوده المطلق رحمن بتمام الذات ورحيم بتمام الذات، ونورٌ بتمام الذات و"الله " بتمام الذات، فلا تكون رحيميته شيئاً ورحمانيته شيئاً آخر.

    أولئك الذين يسمون علواً بقدم المعرفة حتى يصلون إلى حيث تتجلى الذات بتمام التجليات، وبالطبع ليس الذات بل على نحو التجلي في قلوبهم، وقلوبهم ليست من هذه القلوب، بل القلب الذي يدخله القرآن، القلب الذي فيه مبدأ الوحي القلب الذي يتخذه جبرائيل منزلاً، في هذا القلب تتجلى الذات بذاك التجلي الجامع لكافة التجليات وهو نفسه الاسم الأعظم والمتجلي بتجلي الاسم الأعظم، والاسم الأعظم هو نفسه " نحن الأسماء الحسنى " (تقدم ذكر مصدره).

    الاسم الأعظم هو نفس رسول الله، وهو أعظم الأسماء في مقام التجلي.



    [align=center]وجوداتنا تجليات [/align]

    وعلى ما تقدم، فالذي جرى الحديث عنه الليلة: هو أولاً قضية السببية فيجب أن لا نعتبرها في موضوع الحديث مثل سائر أشكال السببية ولا يمكننا أن نشبهها بمثالٍ ما إلا على بعض الأمثلة البعيدة، هذا أولاً وثانيا أن حديث نقطة الباء لو صحت نسبتهـ يعني ما أوضحت تأويله آنفاً، وثالثاً أن الاسم هو بمراتب اسم الذات، فاسم في مقام الصفات، واسم في مقام التجلي الفعلي، تجلي الذات على الذات، وتجلى الذات على الصفات وتجلي الذات على الموجودات تجلي نقول إذا أردنا تفسيره أن وجوداتنا هي تجلي، نورٌ متكثر في المرايا (والمثال هنا بعيد أيضاً) وأما إذا وضعتم هنا مائة مرآة ينعكس فيها هذا النور أو نور الشمس، فستقولون باعتبار واحد مائة نور، النور نور المرآة، ونور المرآة هو نفس ذلك النور إلا أنه محدود، مائة لكنها نفس هذا النور، نفس تجلي الشمس هذا، فنور الشمس يظهر في مائة مرآة، والمثال كما قلت بعيد.



    [align=center]التعين لازمة التجلى[/align]

    تجلي الحق تعالى موجود في هذه التعينات، ولكن ذلك لا يعني أن هناك تعيّناً ونوراً، بل إن النور عندما يتجلي فيكون التعين لازمه، وعليه يكون الاسم في {بسم الله الرحمن الرحيم} هو اسم مقام الذات، واسم "الله" هو ظهور الذات بجميع التجليات، اسم نفس هذا الظهور والتجلي الجامع وكذلك الرحمن والرحيم فهي ظهورات لهذا التجلي الجامع أيضاً، لا بمعنى أنّ رحمانه شيء ورحيمه شيء آخر، بل اعتبروا أن الله والرحمن والرحيم وهي ثلاثة أسماء لشيء واحد، كلها تجلي واحد لجميع الذات، فالله تجلى بتمام الذات وكذا الرحمن وكذا الرحيم وغير ذلك محال وإلاّ كان محدوداً ممكناً.

    وعلى أساس ذاك الذي تحدثنا عنه حول أن التعلق هو بالحمد يكون أيضاً الاسم الإلهي الجامع للظهور "الله" حاوياً للرحمن والرحيم بذاته، فتقع له جميع الحامد أو الحمد المطلق (على ضوء الاحتمالين المذكورين سابقا) كما نعتبر الاسم، والله، تجلياً جامعاً في مقام الصفات، الاسم هو التجلي الجامع في مقام الصفات تلك المشيئة المطلقة التي يقع بها كل شيء وباسم "الله" نعتبر "الله" تجلياً جامعاً في مقام الفعل، اسمه نفس الحقيقة في مقام الظهور كوصف الله بالرحمن والرحيم وكل واحد من هذه الأسماء يكون الكلام فيه على نمط خاص عندما ننظر إليه في الآية الكريمة.

    وإلى هنا نكون قد تحدثنا عن أسم "الله" هو الاسم الجامع ومقام الذات ومقام الصفات ومقام التجلي بالفعل في الآية الكريمة وتحدثنا عن الاسم وعن "الله" وعن الباء في البسملة وعن نقطتها، وهناك فيما يتعلق بالرحمن الرحيم، مسائل يجب أن نمر عليها بصورة مختصرة سريعة، والرجاء أن نصدق بوجودها، فبعض القلوب منكرة من الأساس وبعض الأشخاص ينكرون كافة قضايا المعارف، فالذي في المنزل الحيواني لا يستطيع أن يصدق أن هناك شيئاً وراء هذا المقام الحيواني.



    [align=center]عدم الإنكار هو الخطوة الأولى[/align]

    يجب أن نصدق بتلك الحقائق، والخطوة الأولى للإنسان الذي يريد أن يحدث تحركا في نفسه هي عدم الإنكار، لا ينبغي للإنسان أن ينكر كل ما لا يعلمه ويبدو أن الشيخ الرئيس ابن سينا هو صاحب القول بأن المنكر لشيء دون برهان خارج عن فطرة الإنسان، فمثلما أن إثبات شيئٍ ما يحتاج إلى برهان كذلك الحال مع النفي فهو يفتقر إلى برهان أيضاً، فمرةً تقول لا أعلم وأخرى تنفي، هناك أشخاص قلوبهم فيها جحود، فهي مُنكر تنكر كلّ شيء لكونها لا تستطيع فهمه، وأصحابها يخرجون بهذا الجحود عن الفطرة الإنسانية، فالإنسان يجب أن يكون قبوله لفكرة ما مستند إلى برهان وكذلك نفيه لها عن برهان ودليل، فإن لم يكن لديه برهان على النفي أو الإثبات فعليه أن يقول: لا أعلم أو: قد تكون الفكرة صحيحة، كل ما تسمعه أحتمل صحته " كل ما قرع سمعك ذرة في بقعة الإمكان" فقد يكون صحيحاً أو غير صحيح فلماذا الإنكار؟!

    إن علمنا لا يصل إلى ما وراء هذا العالم وما توصلنا له من هذا العالم فهو ناقص أيضاً، فلا زالت المجاهيل كثيرة، وإلى ما قبل قرن من الزمان كانت هناك الكثير من المجهولات التي أصبحت اليوم معلومة وستتضح مستقبلا غيرها.

    فإذا كنا لم نستطع أن نفهم هذا العالم ولم يستطع الإنسان أن يعرفه فما هو مبرر إنكاره لما عند الأولياء؟! هذا القلب قلب "إنكاري" محرومُ كليّاً من دخول الحقائق والأنوار إليه، ولهذا فالذي لا يعلم يُنكر ولا يقول: لا أعلم فيصف ما يقوله أهل المعرفة بأنه نسيج أوهام، وسر قوله ذلك هو كونه محروم إذْ أنّ ما يصفه بأنه "نسيج أوهام" موجود في القرآن والسنة فلماذا ينكره الإنسان؟!



    [align=center]إنكار المجهول نمط من الكفر[/align]

    هذا الإنكار هو مرتبه من مراتب الكفر ـ ليس الكفر الشرعي ـ مرتبة من الكفران فإحدى مراتب الكفر أن ينكر الإنسان ما يجهله، وجميع مصائب الإنسان ناشئة من هنا، من لجوئه إلى جحود سلسلة من الحقائق الواقعية لكونه لا يستطيع أن يدركها من جحوده لدى أولياء الله لكونه لا يستطيع الوصول إليه.

    هذا الكفر الجحودي هو من أسوأ أقسام الكفر، والقدم الأولى لحركة الإنسان هي أن لا يجحد الحقائق الواقعية الموجودة في الكتاب والسنة، والتي يقول بها الأولياء وكذلك العرفاء والفلاسفة حسب سعة إدراكهم، فعلى الإنسان أن لا يجزم بعدم ما لا يدركه، جحود هو ولا ريب قلب ذلك "الرُجيل" الذي يريد وضع الله تحت سكاكين التشريح ويقول: " لن أؤمن بالله ما لم أشرحه بهذه السكين التي أشحذها".

    الخطوة الأولية هي أن لا ننكر ما قاله الأنبياء والأولياء فلو أنكرنا لن نستطيع أن نخطو الخطوة الثانية، فالإنكار يمنع الإنسان من الحركة والمنكر لوجود شيء لا يراه لن يستطيع متابعة السي،ر فعلى من يريد التحرك للخروج من هذه الظلمات أن يحتمل صحة تلك الأقوال ولا ينكرها وإلاّ بقي خلف جدار الإنكار إلى النهاية، عليه أن يسأل الله أن يفتح له باباً للسير، فهو فتاح الأبواب، عليه أن يسأل الله أن يفتح له سبيل الوصول إلى ما يجب عليه الوصول إليه.



    [align=center]الله لا يخيب من سأله [/align]

    فإذا أجتنب الإنكار وسأل الله أن يفتح له سبيلاً، تفتح له بعض السبل ولن يخيبه الله ورجائي أن نخرج نحن من دائرة الإنكار، فلا ننكر ما ورد في القرآن والسنة ونحن ندعي الاعتقاد بهما، ما لا يدركه عقله من القرآن والسنة لا ينكره فيهما مباشرة ولكن إذا صدر بلسان إنساني لشخصٍ آخر يستفرد بهذا المسكين ويصف قوله بأنه "هرطقة" ولا يقول أنه هو الذي لا يعلم.

    ومثل هذا الإنكار يحرم الإنسان من الكثير من الحقائق فهو يصده عن السبيل الذي يجب للإنسان أن يسلكه من دخول هذا السبيل أصلا.

    أنني أخاطب الجميع أن احتملوا الصحة فيما وصل إليه الأولياء، قد لا يقول صراحة بين الناس باحتمال الصحة هذا ولكن المهم أن لا ينكر هذه الحقائق أصلا ويقول إنها هرطقة، فمثل هذا المنكر لا يفلح بعد ذلك بسلوك الطريق أبداً، فإن أراد الفلاح في السلوك فعليه أن يستأصل الجحود من قلبه ويزيل هذه العقبة من طريقه.

    أرجو أن نفلح في استئصال حجاب الجحود من قلوبنا ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعرفنا لغة القرآن ـ هي لغة خاصة ـ نسأل الله أن يوفقنا للتعرف على اللغة التي نزل بها القرآن.



    [align=center]القرآن مادة عامة [/align]

    القرآن يشبه الإنسان في كونه موجود لديه كل شيء ـ والمقصود هنا هو الإنسان الإنسان بالفعل ـ القرآن مائدة أعدها الله لجميع البشر، سفرة واسعة يتناول منها كل إنسان حسب رغبته ما لم يكن مريضاً ينعدم عنده الاشتهاء، الأمراض القلبية تعدم في الإنسان الرغبة في الأكل، فإذا كان الإنسان غير مريضٍ وكانت له رغبة داخلية أنتفع من القرآن الذي تتسع سفرته للجميع، مثلما هو حال الدنيا فهي كسفرة كبيرة ينتفع هذا من فاكهتها وذاك من علفها وهكذا، الإنسان ينتفع منها بطريقة ما والحيوان بطريقة أخرى، والإنسان في مقام الحيوانية بطريقة معينة، وكلما سمى أكثر انتفع أكثر من هذه السفرة الإلهية وهي عبارة عن الوجود، ونفس الأمر يصدق على القرآن فهو سفرة عامرة تسع الجميع وكلُّ ينتفع منها قدر رغبته وعبر السبيل الذي وجده والدرجة العلمية الأعلى هي للذي نزل عليه "إنما يعرف القرآن من خوطب به ".

    لكن لا يبغي لنا اليأس والقنوط، بل علينا الحصول على منافع من هذه السفرة وأولى هذه المنافع أن نطرد من أذهاننا وهم عدم وجود غير هذه القضايا الطبيعية وفكرة أن القرآن تنزل لإيضاح هذه القضايا الإجتماعية والطبيعية والحياة الدنيوية فقط، ففي هذه الفكرة إنكار لجميع النبوات إن الغاية التي تنزل من أجلها القرآن هي صنع الإنسان وجعله "إنساناً"



    [align=center]وجميع تلك القضايا هي وسائل لتحقيق هذه الغاية [/align]

    كافة العبادات والأدعية هي وسيلة لإظهار "لباب" الإنسان وتحويل ما لديه بالقوة ـ وهو لب الإنسان ـ إلى دائرة الفعل وبذلك يصبح الإنسان بالقوة إنساناً بالفعل يصبح الإنسان الطبيعي إنساناً إلهيا بحيث تكون كافة أبعاده إلهية فكل ما يراه هو الحق.

    ولأجل هذه الغاية كانت بعثة الأنبياء، فهم لم يأتوا للحكومة بذاتها ولا لإدارة وتسيير الأمور الدنيوية فللحيوانات أيضاً دنيا يسيرون شؤونها.

    ومفهوم أن إقامة العدالة الإجتماعية إنما تكون بأيدي الأنبياء ـ وبحث موضوع العدالة هو بحث في صفة للحق تعالى عن أهل البصيرة ـ كما أنهم يقيمون الحكومة العادلة أيضاً ولكن الغاية ليست كل ذلك بل كل ذلك وسائل لإيصال الإنسان إلى المراتب السامية وهذه غاية بعثة الأنبياء.

    نسأل الله تعالى التأييد في أمورنا كافة

    ختام الدرس الرابع من دروس التفسير للإمام الخميني (قده)

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401

    افتراضي

    [align=center]الدرس الخامس و الأخير[/align]

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين.

    قبل أن أتابع الحديث حول موضوع البحث، يجب أن أبين نقطةً قد تكون نافعة وضرورية وهي أن علة وقوع الاختلاف ـ أحيانا ـ بين أهل الرأي والعلم هي أنهم لا يعرفون لغة كل منهم فلكل طائفة منهم لغة خاصة بها.

    ولا ادري هل سمعتم قصة مثل العنب بين أولئك الأصدقاء الثلاثة الذين كان أحدهم عربياً والآخر فارسياً والثالث تركيّاً، فقد كانوا يتناقشون حول ما يعدونه من طعام لوجبة الغداء، فقال الفارسي ليكن "أنكور" وقال العربي: كلا كلا ليكن طعامنا "عنباً" فأجاب التركي " لا نريد ذلك بل لنأكل "أوزوم" (الـ " أنكور أوزوم " تعني العنب بالفارسي والتركية) لقد وقع الاختلاف بين هؤلاء لكونهم لا يعرف أحدهم لغة الآخر وتكملة قصة المثل هي أن أحدهم ذهب وأتى بالعنب فعرف الجميع أن مقصودهم واحد.

    المقصود واحد وإن اختلفت الألسنة، الفلاسفة لهم لغة خاصة ومصطلحات خاصة بهم وكذلك الحال مع كل طائفة، وعلينا أن ننظر أياً من هذه الطوائف الثلاثة أو الأربعة المختلفة فيما بينها، تكون لغتها أقرب إلى لغة أهل بيت العصمة وإلى لغة الوحي.

    المقصود واحد، ولا أظن أن هناك أي إنسان عاقل موحد يخالف الاعتقاد بوجود الحق تعالى وكونه مبدأ جميع الموجودات وهي معلولة لمبدأ الوجود، ولا أحد يقول بأنك بهذا القميص والسروال أنت الله وما من عاقل يتصور أن فلاناً بعمامته ولحيته وعصاه هو الله فهذا مخلوق ولا إشكال ولا شبهة في ذلك ولكن يقع الاختلاف في التعبير عن العلة إشكال ولا شبهة في ذلك ولكن يقع الاختلاف في التعبير عن العلة والمعلول، وعلينا أن نعرف ما هي طبيعة اهتمام طائفة العرفاء مثلا ليكون تعبيرها عن الأمر بالصيغة الفلانية وما الذي إلى هذا الشكل من التعبير؟!.



    [align=center]مصالحة بين الطوائف وأشكال التعبير [/align]

    وأنا الآن وحيث أريد إقرار الصلح بني تلك الطوائف وأقول أن مقصودهم واحد فلا أقصد تنزيه كافة الفلاسفة أو كافة العرفاء أو كافة الفقهاء كلا القضية ليست هذه فـ"ربما تكون خرقة الزهد مستوجبة للنار" (تعريب جزء من بيت شعر بالفارسية للشاعر الإيراني الشهير حافظ الشيرازي وفيه يشير إلى عدم صدق وصفاء كل من الصوفية وإن بينهم من يستحق النار) ولعل صاحب الدكان يطلق بعض الأقوال بما يناسب تسيير أمور دكانه إن أريد قوله هو أن هناك بين هذه الطوائف الكثير من المنزهين والاختلاف الحاصل هو اختلاف مدرسي كالاختلاف الذي حصل في مدرسة بين الأصولي والإخباري والذي وصل حد ن ينعت الإخباري الأصولي بالكفر ـ أحيانا ـ فيما الأصولي ينعت الإخباري بالجهل رغم أن مقصودها ليس اثنين مثلما أنهما أنفسهما ليسا "أثنين".

    على حال فحديثنا هو في اختلاف اللغة والمصطلحات، فئة من الفلاسفة يستخدمون مصطلحات أمثال "علة العلل " و "المعلول الأول والثاني إلى آخره" و" العلية والمعلولية" و "السببية والمسببية" " و "المبدأ والأثر" وأمثال هذه المصطلحات وهي مصطلحات جافة خاصة الواردة لدى فلاسفة قبل الإسلام.

    الفقهاء أيضاً لا يحجمون عن أستخدم مصطلح العلية والمعلولية، كما يستخدمون أيضاً مصطلح الخالق والمخلوق ولا بأس به أيضاً، ولطائفة من أهل العرفان مصطلحات أخرى تختلف عن السابقات، كمصطلحات لأمثال هذه الأشكال من التعبير؟! ولماذا نجدها هي بالذات الواردة في أحاديث أئمتنا (عليهم السلام)، فلا أتذكر أبدا ورود مصطلحات العلية والمعلولية السببية والمسببية وأمثالها في أحاديثهم (عليهم السلام) بل وردت استعمالات الخالقية والمخلوقية التجلي الظاهر والمظهر وأمثالها، علينا أن نفكر في سر تجلي أهل العرفان عن مصطلحات الفلاسفة مثلا أو عما يستخدمه عامة الناس، ولماذا قالوا بمصطلحات أخرى رغم أنها سببت إثارة إشكاليات أهل الظاهر ضدهم لنناقش الأمر: ـ



    [align=center]إشكالية التعبير بالعلة والمعلول[/align]

    في مفهوم العلة والمعلول يكون هناك موجود هو العلة وموجود آخر هو المعلول، فهنا تكون العلة في جهة والمعلول في جهة أخرى فماذا يعني هذا؟! إنه يعني أنهما مختلفين مكانياً، مثل الشمس ونورها، فللشمس نفس هذا النور، ولكنه صادر عنها ومظهر لها، ولكن على نحو تكون الشمس فيه موجوداً في مكان معين، والنور موجودا آخر مكان آخر رغم أنه أثرها ومعلولها، فهل هذه المعلولية والعلية نسبة إلى ذات واجب الوجود، هي على غرار المعلولية والعلية في عالم الطبيعة؟ أي هل أنها مثل كون النار علة للحرارة والشمس علة للإنارة، في حين الأثر هنا أثرٌ مستقلٌ حتى مكانياً عن العلة فلكل منهما مكان؟!



    [align=center]إشكالية التعبير بالأثر والمؤثر[/align]

    الأثر والمؤثر في الطبيعة غالباً ما يكونان منفصلان من جهة البعد المكاني فهل يمكن أن نقول بمثل هذا الفصل بالنسبة للمبدأ الأعلى عن الموجودات الأخرى في البعد المكاني والبعد الزماني؟! لقد قلت سابقا أن من الصعب للغاية تصور طبيعة الحالة الوجودية للموجود المجرد، خصوصاً مع المبدأ الأعلى حيث لا يمكنك التعبير بأي شيء عنه، فكيف هي هذه الإحاطة القيومية من قبل الحق تعالى للموجودات؟! ما هي كيفية ما يقوله القرآن من أن {هو معكم أينما كنتم} (سورة الحديد الآية 4) فهل أن المعية الآدمية هي من هذا القبيل؟!



    [align=center]الأقرب للواقع وليس الواقع [/align]

    إن اختيار تعبيرات من أمثال "هو معكم" هو سبب عدم القدرة على التعبير عن الواقع، فاختاروا التعبير الأقرب في إيضاح الواقع مثلما أن الكتاب والسنة استخدما التعبيرات الأقرب في إيضاح الواقع، إذ لا يمكن فهمه، تصور القضية أمرٌ غاية في الصعوبة قضية المخلوق والخالق حسنا نحن مخلوقات الخالق ولكن ما هي وضعية البعد المكاني في هذه العلاقة وما هي كيفيتها؟ هل هي مثل كيفية النار مع أثرها، والنفس وهذه العين والأذن وقوى الحواس؟ قد تكون هذه الأخيرة أقرب من البقية لواقع تلك العلاقة ولكنها أيضاً ليست هي.

    الإحاطة هي إحاطة قيومية ولضيق الخناق ـ في التعبير ـ يجب القول أن الإحاطة القيومية للحق تعالى تجاه جميع الموجودات هي بحيث أن لا مكان للموجودات إلا وهو موجود "لو دليتم بحبل إلى الأرضيين السفلى لهبطتم إلى الله" (حديث مروي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) راجع مصباح الهداية إلى الخلافى والولاية تأليف الإمام الخميني(ص99)

    الذين عبّروا عن المعنى بهذا القول أو بقولهم أن الشيء الفلاني هو الحق تعالى ليس مرادهم أن هذا الإنسان الممكن الوجود ذي العباءة والعمامة هو الحق تعالى، فما من عاقل يقول بذلك، بل إن المراد هو التعبير الأقرب في تبيان القضية وطبيعة العلاقة بين الحق تعالى والمخلوق، هدف هذا التعبير هو تقريب كيفية العلاقة إلى الأذهان ولكن يصل الأمر بالإنسان إلى الغفلة وعدم التوجه عن ـ ظواهر ـ هذه القضايا فيقول بأن الشيء الفلاني هو الحق تعالى وكل شيء هو، ولكنه لا يريد أن يقول هذا هو الحق تعالى، ولهذا ترون أن الفلاسفة الإسلاميين يقولون "صرف الأشياء كل الأشياء وليس بشيء منها ".

    ظاهر العبارة متناقض ولكنه المراد منها هو، أن لا نقص في صرف الوجود وهو واجد لكل سنخ من الكمال فيما الموجودات كافة ناقصة إذن فـ "ليس بشيء منها" إذا كان المراد موجودا آخر إذ يكون ناقصا والموجود التام هو الذي لا نقصان فيه وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكون فاقداً لأي كمال، كل كمال وفي أي موجود كان إنما هو من رشحاته وتجليه وما دام من تجليه فهو موجود في الذات على نحو البساطة الذات كل الكمال.

    "كل الأشياء" يعني "كل الكمال" و"ليس بشيء منها" يعني أن لا نقص فيه أصلا وليس المراد من "صرف الوجود كل الأشياء" هو أن تكونوا أنتم صرف الوجود ولهذا تقول العبارة "ليس بشيء منها" المراد هو أنه تمام الكمال وحيث أن ما من موجودٍ يكون تمام الكمال، لذا فليس بشيء من الموجودات فعبروا عن هذه الحقيقة بتلك الصورة.

    إحدى سبل تفسير تلك العبارة هي ما عمد إليه من لا إطلاع له على هذه القضايا فقال إن ما قالوه هو من باب أن "عديم اللون أسير اللون" في حين أنّ هذا الشعر لا يرتبط بهذا الموضوع أصلاً ولم يلتفتوا إلى عدم ارتباطه بواقع "الحقيقة" بل هو مرتبط بحالة النزاع التي تنشب بين أثنين فلم ينتبهوا إلى المقصود من هذا الشعر فقالوا إن ذاك كفر، في حين أنه لا يرتبط بهذه القضية بل بقضية أخرى هي سر كل هذه الحروب والنزاعات التي يقع في العالم.



    [align=center]دوافع النزاعات[/align]

    لماذا تقع الحروب؟! وما هي دوافعها؟ التعبير باللون في هذا الشعر هو عن التعلق والارتباط وهو مستخدم بهذا المعنى في موارد أخرى كقول أحد الشعراء "متحرر هو من لون قبول التعلق" هذا اللون وعديم اللون يعني أن لا يكون متعلقا بشيء من الطبيعة، وإذا كان كذلك فلن يقع النزاع فكافة أشكال النزاع الواقعة ناشئة من هذا التعلق بالطبيعة التي يريدها كل إنسان لنفسه بحكم تعلقه بها، فهذا يريدها له وذاك كذلك فيقع النزاع في كل شأن من الشؤون، فما يريد أن يقوله هذا الشاعر هو أن لا لون في الفطرة السليمة وعندما يكون هناك صدأ التعلق فلا نزاع.

    لو كان فرعن مثل موسى (عليه السلام) غير متعلق بالدنيا لما حدث كل ذلك النزاع ولو أجتمع الأنبياء كلهم في محل واحد لما حدث نزاع بينهم أبدا كل هذه النزاعات هي بسبب أشكال التعلق: "عديم اللون أصبح أسير اللون ".

    الفطرة السليمة التي لا لون فيها لا تعلق فيها ولكن عندما يصبح الإنسان أسير التعلق يقع النزاع فإذا زال هذا اللون والتعلق تصالح موسى وفرعون أيضاً.

    هذا الموضوع غير الأول والذي أشكل به على أصحاب تلك الأقوال، لم يتلفت إلى أن هذا الشعر ومعناه مرتبط بنزاع بين أثنين بين أثنين ولا علاقة له بأصل الموضوع المتقدم.



    [align=center]تعبيرات الأئمة واقتباس العرفاء[/align]

    لاحظوا أشكال التعبير الواردة في أدعية الأئمة (عليهم السلام) فهل أنها تختلف عن تلك التي يستخدمها أولئك ـ العرفاء ـ والتي أدت بالبعض إلى الذهاب إلى حد التكفير بسبب عدم إلتفاتهم إلى مراد القوم؟! وهذا الباب هو أيضاً باب مرتبة سير الإنسان نفسه.

    في المناجاة الشعبانية وهي المناجاة التي كان يقرأها جميع الأئمة ـ حسبما ورد في الروايات ولم أر في الروايات غيرها دعاء له هذه الميزة ـ ورد "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك، إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك..(مفاتيح الجنان (ص 157)) فما هي هذه المعاني والتعبيرات؟! وما معنى هذه التعبيرات التي يقولها السادة الواردة في كلماتهم الأخرى؟! ماذا يعني "كمال الانقطاع إليك "؟! وماذا يعني طلب جميع الأئمة له؟! الإمام المعصوم يطلب من الله فما يعني ذلك؟! وما هي أبصار القلوب هذه التي يطلب من الله إنارتها؟! "وأنر أبصار قلوبنا " كيف يريد بالبصر النظر إلى الحق تعالى؟! ما هو هذا القلب وما هو بصره بحيث يكون بهذا البصر القلبي نظرة إلى الله تعالى ثم "أنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك " الإمام يطلب من الله كل ذلك من أجل غاية هي "حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور" وعندما تخرق هذه الحجب: "تصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك " وماذا بعد ذلك؟! إنه "إلهي اجعلني ممن ناديته فصعق لجلالك" ما هو صعق الجلال هذا؟! أليس هو ما يذكره القرآن الكريم في شأن موسى (عليه السلام)؟! فهل هو غير الفناء الذي يقوله العرفاء؟

    "فصعق لجلالك" مرتبة يرتفع إليه مرتبةً مرتبةً، أبصار القلوب تخرق جميع الحجب، "فتصل إلى معدن العظمة" ما هو معدن العظمة الذي تصل إليه؟! وما هو هذا الوصول؟! أليس هو نفسه الوصول الذي يقوله أولئك "ومعدن العظمة" هل هو غير الحق تعالى؟! هل يمكن لغيره تعالى أن يكون معدن العظمة الذي يجب أن تصدر منه كافة أشكال العظمة؟! وعندما تصل إلى هذا المعدن "تصير أرواحنا معلقة بعز قدسك" وهذا المعنى هو نفس ما يقوله أولئك ـ العرفاء.

    لو التفت الإنسان إلى كافة أطراف القضية لما استطاع أن يعبّر عنها "بالعلة والمعلول" لضيق هذا التعبير، ونفس الأمر يصدق على تعبير "الأثر والمؤثر" أما تعبير التجلي "تجلي ربه للجبل" فهو الأقرب ـ الأقرب وحسب ـ إلى المعنى الذي لا يمكن التعبير عنه أصلا.



    [align=center]قضية تصورها أصعب من تصديقها[/align]

    العلاقة ما بين الحق تعالى والخلق هي من القضايا التي يكون تصورها أصعب من التصديق بها، فتصديقها ممكن إذا تصورها الإنسان ولكن كيف نتصور موجوداً لا يغيب عن أي مكان ولا يغيب عنه مكان؟! موجود في بواطن الأشياء وظواهرها وهي معلولة له أيضاً.

    كيف نعبر عن مثل هذا المؤثر هو في باطن أثاره ـ الأشياء ـ وفي ظواهرها "لا يخلو من شيء" وما هو التعبير الذي يؤدى حق هذا المطلب؟! لا يمكن التعبير عن ذلك إلا لأهله أولئك الذين يدعون بأمثال المناجاة الشعبانية سائلين الله ما سألوه.

    وعلى ما تقدم يتضح أنه ليس هناك اختلاف يستوجب أن تنسب طائفة أخرى إلى الكفر وتنسب الثانية الأولى إلى الجهل، أنت أيضاً إذا أردتم أن تتحدثوا عن المعنى المتقدم فكيف تعبرون عنه؟! أفهموا ما يقوله أولئك إفهموا ما في قلب ذلك الإنسان الذي لا يستطيع أن يعبر عن ذلك المعنى إلا بمثل تلك التعبيرات، فمرة يسطع في قلبه نور بدرجة يقول معها ـكل شيء هو والجميع هو ".



    [align=center]على (ع) عين الله ونوره [/align]

    توجد في أدعيتكم أيضاً تعبيرات من أمثال "على عين الله نور الله ويد الله" (وردت في الزيارة الثالثة من زيارات الإمام علي (عليه السلام) وهي مروية عن الإمام الصادق (ع) " السلام عليك يا نور الله التام " (ص 352 من مفاتيح الجنان وجاء في الزيارة السادسة ص 355 " السلام عليك ياعين الله الناظرة ويده الباسطة وأذنه الواعية وحكمته البالغة) فماذا تعنى هذه أليست هي من نظائر التعبيرات التي يستخدمها أولئك؟! ونفس هذه التعبيرات واردة في الأحاديث الشريفة التي تصف الصدقة التي تضعها في يد الفقير إنما تصل إلى يد الله وفي القرآن أيضاً ورد قوله تعالى {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} المعنى واحد وهو نفس ما تقولونه جميعاً ولكن ذلك المسكين الذي يلمس المعنى عياناً لا يستطيع أن يعبر عنه بهذه الصورة وبالكيفية التي يراه بها ولذلك فهو يستخدم مثل تلك التعبيرات وهي كثيرة في القرآن وخاصة في الأدعية فهي مليئة بهذه التعبيرات التي يستخدمها أولئك فلماذا نسيء الظن بمن يستخدمها؟! اسعوا إلى فهم المراد والدافع إلى إستخدمه مثل هذه التعبيرات؟! ما هو الألم الذي أضطره إلى إستخدمها والإعراض عما يستخدمه عامة الناس، وهو يعلم ماذا سيلقاه بسبب استخدام مثل هذه التعبيرات، فلأجل أن لا يضحي بالحقيقة من أجل نفسه ضحى بنفسه من أجل الحقيقة، ولو أننا فهمنا قوله ومراده لعبرنا عنه بنفس ما عبر به ومثلما أستخدمه أيضاً القرآن والأئمة.

    والأمر ليس هو على نحو يكون معه المراد من تعبير "هذا هو الحق" هو أن هذا هو الله واقعاً فما من عاقلٍ يقول ذلك، ولكنكم ترون ظهرواً لا يمكن التعبير عنه بصورةٍ لا يكون معها انفصال مثلما ورد في أحد الأدعية وصف الأولياء: "لا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك خلقها بيدك فتقها بيدك" (مفاتيح الجنان (ص73) فهذا من باب ضيق التعبير، واختيار هذا التعبير من باب كونه الأقرب إلى المعنى ونفس الأمر يصدق على ما ورد في الكتاب والسنة.

    لا تسيئوا الظن بالذين يستخدمون هذه التعبيرات وأي أشخاص صالحين هم، لقد عاصرنا عدداً منهم وعرفناهم عن قرب ورأينا حالهم وتبحرهم ودقة نظرهم في كل تلك العلوم، ورأينا وصولهم إلى الكمال، هؤلاء كانوا يستخدمون أيضاً مثل هذه التعبيرات كالتجلي والظهور وتجليك ...

    وورد في دعاء السمات التعبير بـ "طلعتك " (ورد هذا المقطع ضمن أحد أدعية شهر رجب وهو مروي عن المهدي المنتظر أرواحنا لتراب مقدمة الفداء راجع مفاتيح الجنة ص 134) والتجلي والنور ونور وجهك وباسمك....، وعليه فأصلحوا حال الذين يسيئون الظن بهؤلاء العظام وبالطبع أنا لا أريد تنزيه الجميع (فعندما أدافع عن الحوزويين وعلماء الدين لا أقصد أن جميعهم على نحو وبمستوى واحد) إنّ ما أعترض عليه هو أن تسقطوا الجميع وليس أني أطالبكم بتأييد الجميع، وهنا أيضاً فما أريد قوله هو أن لا تتوهموا كفر كل من قال مطلبا عرفانياً أو نطق بكلمة عرفانية.



    [align=center]حققوا في المطلب أولاً[/align]

    انظروا أولاً إلى ما يقوله وما هو مراده ومقصوده منه، فلا أعتقد أن من يفهم مقصوده سينكره عليه، فهذه القضية هي كقضية قصة مثل "العنب وأنكور وأوزوم" فالأمر وأنتم تعبرون عنه بتعبير معين، والآخر يحدث عنه ضمن مصطلح العلية والمعلولية والثالث بالسببية والمسببية والرابع بالظهور والمظهر.

    حسنا نحن أيضاً بماذا نعبر عن وجود موجود في كل مكان وهو كل الأشياء ولكنه ليس بشيء منها؟! ترون الأحاديث الشريفة تقول: "علي يد الله علي عين الله" (تقدم ذكر مصدرها) والقرآن الكريم يقول: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (سورة الأنفال الآية 17) {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} (سورة الفتح الآية 10) و {يد الله فوق أيديهم ] (سورة الفتح الآية 10) فهل الـ "فوق" هنا مكاني؟! كلا بل هو "فوق" معنوي علو لا يمكن التعبير عنه، ولا يمكننا التعبير عنه بما هو حق التعبير.

    كما أن الله تبارك وتعالى أجل من أن يكون مختلطاً بشيء أو مرتبطاً بشيء وفق هذه المعاني، بل وجلّ وتعالى عن أن نفهم كيفية تجليه وظهوره فحتى تجليه مجهول لدينا، لكننا نؤمن بواقعية الأمر ولا ننكرها ونرجو أن نكون معتقدين بما ورد في القرآن الكريم والسنة عن هذه القضايا وعن تجلي الحق تعالى لخلقه وظهوره وكونه {هو الظاهر والباطن}، كما ورد في سورة الحديد وقد ورد في الحديث الشريف أن الآيات الستة الأولى من سورة الحديد قد أنزلت لرجال يأتون في آخر الزمان هم الذين يفهمونها، وفيها كيفية الخلق وأمثالها وفيها يقول: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن}، {هو معكم أينما كنتم} (سئل علي بن الحسين (عليهما السلام) عن التوحيد فقال إن الله عز وجل علم أنه يكون في أخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل ـ الله تعالىـ (قل هو الله أحد) والآيات من سورة الحديد إلى قوله (وهو عليم بذات الصدور) فمن رام وراء ذلك فقد هلك أصول الكافي ( ج1ـص91) باب النسبة) وحتى آخر الزمان هذا لن يشهد بتلك السرعة ظهور من يستطيع أن يفهمها فلعل شخصا واحدا أو اثنان سيظهران في العالم يستطيعان فهمها.



    [align=center]شمولية الإسلام وأصوله[/align]

    إن ما أدعو له بالدرجة الأولى هو أن يرتفع سوء الفهم بشأن هذا الموضوع ويزول الاختلاف المدرسي بين أهل العلم، وتزول العقبات عن طريق انتشار المعارف فالإسلام لا ينحصر في الأحكام الفرعية، فهذه فرع والأصل شيء آخر ول ينبغي أن نضحي بالأصل من أجل الفرع ونقو أن لا وجود للأصل أساسا أو نخترع أصلا غير واقعي ينقل أحد السادة أن الشيخ محمد البهاري ـ على ما يبدو ـ قال عندما ذكر أحد الأشخاص "إنه عادل كافر" فقلنا:ـ كيف هو عادل وكيف هو كافر ؟! فأجاب: "عادل لأنه يعمل وفق الموازيين الشرعية ولا يرتكب المعاصي لكنه كافر لأنّ الإله الذي يعبده ليس هو "الله ".



    [align=center]كل موجود يرى كمال الله من نفسه [/align]

    وقد ورد في رواياتنا أن النملة تتوهم أن لله زبانيتين (وفي كلام الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) إشارة إلى هذا المعنى حيث قال: " كل ما ميزتموه في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم ولعل النمل الصغار تتوهم أن لله تعالى زبانيتين فإن ذلك كمالها وتتوهم أن عدمها نقصان لمن لا يتصف بهما وهكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به " انتهى كلامه (صلوات الله عليه) كتاب التوحيد العلمي والعيني (ص252ـ253) نقلا عن كتاب الأربعين للشيخ البهائي)، وهذا من حب النفس ويفهم أنه موجود في النملة أيضاً، والنملة مخلوق عجيب حقا، وهي عندما تتصور أن لله زبانيتين فلكونها تعتبر أن امتلاك زبانيتين كمالاً ـ على ما يبدوـ ونحن أيضاً عندما نريد أن نعبر عن كمالاته تعالى ننطلق مما نتصوره كمالاً عندنا هذه النملة تصف سليمان وجنوده بأنهم لا يشعرون {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها}(سورة النمل 18ـ19) ضحك من أن تقوله ذلك وقول النملة هذا موجود في كل مكان ينطق به كل شيء ـ قال مثله الهدهد أيضاً {أحطت بما لم تحط به} (سورة النمل الآية22) والخطاب هنا هو لسليمان النبي الذي جلب أحد أصحابه وجلساؤه عرش بلقيس {قبل أن يرتد إليك طرفك} (سورة النمل الآية40) ولم يحدث مثل هذا للإنسان حتى الآن فكيف جلبه وماذا كانت حقيقة الأمر؟! هل كانت اتصالاً أم إعداماً وإيجاداً أم تحويلاً للعرش إلى موجات كهربائية ثم إيصاله وإعادته إلى ما كان عليه؟! نبي الله سليمان كان أحد أصحابه يعرف حرفا من الاسم الأعظم ـ كما ورد في الروايات ـ (جابر الجعفي عن الباقر (ع) قال: " إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين وعندنا نحن الإسم الأعظم اثنان وسبعون حرفاً وحرف واحد عند الله تبارك وتعالى استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" راجع الكافي للكليني (ج1،ص230) وهناك طرق أخرى عديدة للحديث المتقدم كما وردت أحاديث أخرى بمعناه في الكافي وغيره) وهو يأتي له بالعرش {قبل أن يرتد إليك طرفك} ويخاطبه الهدهد: {أحطت بما لم تحط به} وسليمان (عليه السلام) لا يعترض فهو كان يجيب على قدر فهمهم ويتعامل معهم وفق ذلك.



    [align=center]الحرمان من الحقائق المعرفية ظلم[/align]

    إن الذي أريد قوله هو أن من الظلم أن تبقى طائفة من أهل العلم الصالحين الطيبين محرومة من هذه الحقائق ومعارفها.

    عندما جئنا إلى قم كان فيها المرحوم الميرزا علي اكبر الحكيم (رحمه الله)، وعندما تأسست الحوزة العلمية في قم، قال أحد " المقدسين" توفى أيضاً ـ (رحمه الله): "انظروا إلى أين وصل الإسلام بحيث فتحت حتى باب منزل الميرزا على اكبر؟!

    العلماء كانوا يذهبون للدراسة عنده أمثال السادة المرحوم الخوانساري والمرحوم الاشراقي ورغم ذلك يقول الرجل:" انظروا إلى أين وصل الإسلام بحيث فتحت باب منزل الميزرا علي أكبر أيضاً " يقولون بشأن الميرزا مثل هذا القول رغم أنه كان صالحاً للغاية، ولكنّ قائلهم صعد المنبر بعد وفاة الميرزا علي أكبر وقال إنه شاهده بنفسه يقرأ القرآن !! وقد تأذى المرحوم الشاه آيادي من هذا القول.

    من الظلم أن تُحرم حوزة علمية من بركات وخيرات موجودة، أن تحرم حتى من الفلسفة وهي علم عادي فضلاً عن غيرها، والمهم هو عدم وصول من فيها إلى حقيقة المطلب، وهذا ما دفعني إلى الحديث المتقدم فلو أدركوا حقيقة الأمر لما كان هناك نزاع ولما كان هناك تكفير لمن يستخدم تلك التعبيرات فلو أدركوا ما يقول لما أنكروا فهم لا يدرون ما الذي يقوله، ولذلك ينكرون وهذا هو ابتلاءه فتعبيره "كفري"!! وهو يرى أن التعبير بالعلية والمعلولية لا يعبر عن حقيقة الأمر.

    وما قلته يضع مرات خلال الأيام الماضية من أن الاسم غير مستقل عن المسمى، فهو لكون أن الاسم ظهور وعلامة ولكن ليس كالعلامات التي توضع لفراسخ المسافات، فلا يمكن التعبير عنه بأنه علامة، بل "الآية" كمفردة أقرب للواقع وهذه هي أيضاً تعبير يستخدم لـ "ضيق الخناق".

    القرآن أيضاً جاء وفق ذلك، وكما قلت سابقا فهو مثل المائدة التي يجب أن ينتفع كل إنسان بما فيها قدر سعته، وهي ليست حكراً على فئةٍ خاصة بل هي للجميع وعلى الجميع وعلى الجميع أن ينتفعوا منها كل على سعته وكذلك الحال مع أدعية الأئمة (عليهم السلام) ففيها كنوز من المعارف ولكن مع ذلك فهم يقومون بفصل الناس عنها.



    [align=center]الدعاء يفسر القرآن[/align]

    الأدعية مليئة بالمعارف وهي لسان القرآن ومفسرة القرآن بخصوص القضايا التي لا يصلها الآخرون.

    لا ينبغي عزل الناس عن الأدعية، ولا ينبغي القول بأننا ما دمنا وصلنا إلى القرآن ونريد تلاوته فلا حاجة للدعاء، كلا، يجب أن يأنس الناس بالدعاء فبذلك يصلون إلى الأنس بالله أولئك الذين يأنسون بالله المتحررون من أسر الدنيا، والذين لا يرون لأنفسهم قيمة العاملون لله، ومنهم المقاتلون في سبيل الله هؤلاء هم قراء الأدعية، لهم تلك الحالات وهم يقاتلون في سبيل الله فلا ينبغي عزل الناس عن هذه البركات، القرآن والدعاء ليسا منفصلين مثلما أن النبي ليس منعزلا عن القرآن.

    لا ينبغي لنا القول بأن لدينا القرآن فلا حاجة لنا بالنبي، الأمر واحد وهما معا " لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " (ذيل حديث الثقلين الشهير) فلا افتراق، ولا ينبغي أن نفصل بينهما فنأخذ القرآن بمعزل عن الأئمة والأئمة بمعزل عنها والأدعية بمعزل عنه، ونقول لا حاجة لنا بالأدعية فلنحرق كتبها أو مثلا لنحرق كتب العرفاء، فمثل هذا الموقف ناشئ من كونه أصابه لا يعلمون ما الأمر، مساكين، والإنسان إذا تجاوز حده سقط في الخطأ.



    [align=center]عاقبة الغرور [/align]

    " كسروي" كان مؤرخاً، معلوماته التأريخية كانت جيدة، بيانه كان جيداً ولكنه سقط في الغرور حتى وصل به الحال أن قال:" أنا نبي أيضاً" أعرض عن الأدعية كافة وقبل القرآن، أنزل النبوة حتى أوصلها إلى مستواه لم يستطع الارتفاع إليها فأنزلها إلى مستواه.

    الأدعية والقرآن وأولئك ليسوا منعزلين عن بعضهم البعض، كما أن العرفاء والشعراء العرفانيون جميعهم يتحدثون عن حقيقة واحدة والذي يختلف هو أشكال التعبير فللشعر لغته الخاصة و"حافظ" نفسه له لغته الخاصة، يتحدث عن نفس تلك الحقائق ويقول ما يقوله أولئك ولكن بلغة أخرى، أشكال التعبير هي التي تختلف فلا ينبغي إبعاد الناس عن هذه البركات، بل يجب عليهم أن ينتفعوا من هذه المائدة الإلهية الكبيرة العامرة التي تشمل القرآن والسنة والأدعية فقد دعى الله الجميع للانتفاع منها كل على سعته.



    [align=center]مقدمة ولكن وا أسفاً [/align]

    كانت هذه مقدمة للمواضيع التي ستأتي تباعا لو كان لنا عمر، فإذا استخدمنا أحيانا مثل أشكال التعبير تلك فلا تقولوا أنك أعدت هذه التعبيرات مرة أخرى إلى الساحة كلا ولا يجب أن تعود هذه التعبيرات مرة أخرى.

    إنني قلت للمرحوم الشاه آبادي (رحمه الله) وكان يحدث عدداً من الكسبة عن هذه القضايا مثلما كان يحدث بها الجميع قلت له: ـ أين هؤلاء من هذه القضايا؟! فأجاب "دع هذه الكفريات تطرق أسماع هؤلاء أيضاً !!".

    نعم.. كان لدينا مثل هذه الشخصيات، فإذا لم تنسجم مع ذوقي فلا ينبغي الإنكار والقول:ـ ما هذه؟! وفلان وفلان !! هذه المواقف خاطئة.

    والحديث الآن هو في "الرحمن الرحيم " الموجودين في البسملة وفي {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم} فهل هما في البسملة صفات للاسم أم "لله"؟ هناك احتمالات سنرى فيما بعد إن شاء الله أيهما أقرب للفهم والسلام.

    نهاية الدرس الخامس من دروس التفسير المعرفية التي ألقاها الإمام الخميني (قده)

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401

    افتراضي

    لا بأس بأن نورد بعض الآراء و التفاسير حول آية البسملة المباركة لبعض العلماء الأعلام زيادة في الفائدة
    [line]
    العلامة محمد حسين الطبطبائي قدس سره

    قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم الناس ربما يعملون عملا أو يبتدئون في عمل و يقرنونه باسم عزيز من أعزتهم أو كبير من كبرائهم، ليكون عملهم ذاك مباركا بذلك متشرفا، أو ليكون ذكرى يذكرهم به، و مثل ذلك موجود أيضا في باب التسمية فربما يسمون المولود الجديد من الإنسان، أو شيئا مما صنعوه أو عملوه كدار بنوها أو مؤسسة أسسوها باسم من يحبونه أو يعظمونه، ليبقى الاسم ببقاء المسمى الجديد، و يبقى المسمى الأول نوع بقاء ببقاء الاسم كمن يسمي ولده باسم والده ليحيي بذلك ذكره فلا يزول و لا ينسى.

    و قد جرى كلامه تعالى هذا المجرى، فابتدأ الكلام باسمه عز اسمه ليكون ما يتضمنه من المعنى معلما باسمه مرتبطا به، و ليكون أدبا يؤدب به العباد في الأعمال و الأفعال و الأقوال، فيبتدءوا باسمه و يعملوا به، فيكون ما يعملونه معلما باسمه منعوتا بنعته تعالى مقصودا لأجله سبحانه فلا يكون العمل هالكا باطلا مبترا، لأنه باسم الله الذي لا سبيل للهلاك و البطلان إليه.

    و ذلك أن الله سبحانه يبين في مواضع من كلامه: أن ما ليس لوجهه الكريم هالك باطل، و أنه: سيقدم إلى كل عمل عملوه مما ليس لوجهه الكريم، فيجعله هباء منثورا، و يحبط ما صنعوا و يبطل ما كانوا يعملون، و أنه لا بقاء لشيء إلا وجهه الكريم فما عمل لوجهه الكريم و صنع باسمه هو الذي يبقى و لا يفنى، و كل أمر من الأمور إنما نصيبه من البقاء بقدر ما لله فيه نصيب، و هذا هو الذي يفيده ما رواه الفريقان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر الحديث ".

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401

    افتراضي

    و الأبتر هو المنقطع الآخر، فالأنسب أن متعلق الباء في البسملة أبتدىء بالمعنى الذي ذكرناه فقد ابتدأ بها الكلام بما أنه فعل من الأفعال، فلا محالة له وحدة، و وحدة الكلام بوحدة مدلوله و معناه، فلا محالة له معنى ذا وحدة و هو المعنى المقصود إفهامه من إلقاء الكلام، و الغرض المحصل منه.

    و قد ذكر الله سبحانه الغرض المحصل من كلامه الذي هو جملة القرآن إذ قال: «تعالى قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين يهدي به الله» الآية: المائدة - 16 إلى غير ذلك من الآيات التي أفاد فيها: أن الغاية من كتابه و كلامه هداية العباد، فالهداية جملة هي المبتدئة باسم الله الرحمن الرحيم، فهو الله الذي إليه مرجع العباد، و هو الرحمن يبين لعباده سبيل رحمته العامة للمؤمن و الكافر، مما فيه خيرهم في وجودهم و حياتهم، و هو الرحيم يبين لهم سبيل رحمته الخاصة بالمؤمنين و هو سعادة آخرتهم و لقاء ربهم و قد قال تعالى: «و رحمتي وسعت كل شيء و سأكتبها للذين يتقون»:. الأعراف - 156.

    فهذا بالنسبة إلى جملة القرآن.

    ثم إنه سبحانه كرر ذكر السورة في كلامه كثيرا كقوله تعالى: «فأتوا بسورة مثله»: يونس - 38.

    و قوله: «فأتوا بعشر سور مثله مفتريات»: هود - 13.

    و قوله تعالى: «إذا أنزلت سورة»: التوبة - 86.

    و قوله: «سورة أنزلناها و فرضناها»: النور - 1.

    فبان لنا من ذلك: أن لكل طائفة من هذه الطوائف من كلامه التي فصلها قطعا قطعا، و سمي كل قطعة سورة نوعا من وحدة التأليف و التمام، لا يوجد بين أبعاض من سورة و لا بين سورة و سورة، و من هنا نعلم: أن الأغراض و المقاصد المحصلة من السور مختلفة، و أن كل واحدة منها مسوقة لبيان معنى خاص و لغرض محصل لا تتم السورة إلا بتمامه، و على هذا فالبسملة في مبتدإ كل سورة راجعة إلى الغرض الخاص من تلك السورة.

    فالبسملة في سورة الحمد راجعة إلى غرض السورة و المعنى المحصل منه، و الغرض الذي يدل عليه سرد الكلام في هذه السورة هو حمد الله بإظهار العبودية له سبحانه بالإفصاح عن العبادة و الاستعانة و سؤال الهداية، فهو كلام يتكلم به الله سبحانه نيابة عن العبد، ليكون متأدبا في مقام إظهار العبودية بما أدبه الله به.

    و إظهار العبودية من العبد هو العمل الذي يتلبس به العبد، و الأمر ذو البال الذي يقدم عليه، فالابتداء باسم الله سبحانه الرحمن الرحيم راجع إليه، فالمعنى باسمك أظهر لك العبودية.

    فمتعلق الباء في بسملة الحمد الابتداء و يراد به تتميم الإخلاص في مقام العبودية بالتخاطب.

    و ربما يقال إنه الاستعانة و لا بأس به و لكن الابتداء أنسب لاشتمال السورة على الاستعانة صريحا في قوله تعالى: «و إياك نستعين».

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401

    افتراضي

    و أما الاسم، فهو اللفظ الدال على المسمى مشتق من السمة بمعنى العلامة أو من السمو بمعنى الرفعة و كيف كان فالذي يعرفه منه اللغة و العرف هو اللفظ الدال و يستلزم ذلك أن يكون غير المسمى، و أما الإسلام بمعنى الذات مأخوذا بوصف من أوصافه فهو من الأعيان لا من الألفاظ و هو مسمى الاسم بالمعنى الأول كما أن لفظ العالم من أسماء الله تعالى اسم يدل على مسماه و هو الذات مأخوذة بوصف العلم و هو بعينه اسم بالنسبة إلى الذات الذي لا خبر عنه إلا بوصف من أوصافه و نعت من نعوته و السبب في ذلك أنهم وجدوا لفظ الاسم موضوعا للدال على المسمى من الألفاظ، ثم وجدوا أن الأوصاف المأخوذة على وجه تحكي عن الذات و تدل عليه حال اللفظ المسمى بالاسم في أنها تدل على ذوات خارجية، فسموا هذه الأوصاف الدالة على الذوات أيضا أسماء فأنتج ذلك أن الاسم كما يكون أمرا لفظيا كذلك يكون أمرا عينيا، ثم وجدوا أن الدال على الذات القريب منه هو الاسم بالمعنى الثاني المأخوذ بالتحليل، و أن الاسم بالمعنى الأول إنما يدل على الذات بواسطته، و لذلك سموا الذي بالمعنى الثاني اسما، و الذي بالمعنى الأول اسم الاسم، هذا و لكن هذا كله أمر أدى إليه التحليل النظري و لا ينبغي أن يحمل على اللغة، فالاسم بحسب اللغة ما ذكرناه.

    و قد شاع النزاع بين المتكلمين في الصدر الأول من الإسلام في أن الاسم عين المسمى أو غيره و طالت المشاجرات فيه، و لكن هذا النوع من المسائل قد اتضحت اليوم اتضاحا يبلغ إلى حد الضرورة و لا يجوز الاشتغال بها بذكر ما قيل و ما يقال فيها و العناية بإبطال ما هو الباطل و إحقاق ما هو الحق فيها، فالصفح عن ذلك أولى.

    و أما لفظ الجلالة، فالله أصله الإله، حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، و إله من أله الرجل يأله بمعنى عبد، أو من أله الرجل أو وله الرجل أي تحير، فهو فعال بكسر الفاء بمعنى المفعول ككتاب بمعنى المكتوب سمي إلها لأنه معبود أو لأنه مما تحيرت في ذاته العقول، و الظاهر أنه علم بالغلبة، و قد كان مستعملا دائرا في الألسن قبل نزول القرآن يعرفه العرب الجاهلي كما يشعر به قوله تعالى: «و لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله»: الزخرف - 87.

    و قوله تعالى: «فقالوا هذا لله بزعمهم و هذا لشركائنا»: الأنعام - 136.

    و مما يدل على كونه علما أنه يوصف بجميع الأسماء الحسنى و سائر أفعاله المأخوذة من تلك الأسماء من غير عكس، فيقال: الله الرحمن الرحيم و يقال: رحم الله و علم الله، و رزق الله، و لا يقع لفظ الجلالة صفة لشيء منها و لا يؤخذ منه ما يوصف به شيء منها.


    و لما كان وجوده سبحانه، و هو إله كل شيء يهدي إلى اتصافه بجميع الصفات الكمالية كانت الجميع مدلولا عليها به بالالتزام، و صح ما قيل إن لفظ الجلالة اسم للذات الواجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال و إلا فهو علم بالغلبة لم تعمل فيه عناية غير ما يدل عليه مادة أله.

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Oct 2004
    المشاركات
    401

    افتراضي

    و أما الوصفان: الرحمن الرحيم، فهما من الرحمة، و هي وصف انفعالي و تأثر خاص يلم بالقلب عند مشاهدة من يفقد أو يحتاج إلى ما يتم به أمره فيبعث الإنسان إلى تتميم نقصه و رفع حاجته، إلا أن هذا المعنى يرجع بحسب التحليل إلى الإعطاء و الإفاضة لرفع الحاجة و بهذا المعنى يتصف سبحانه بالرحمة.

    و الرحمن، فعلان صيغة مبالغة تدل على الكثرة، و الرحيم فعيل صفة مشبهة تدل على الثبات و البقاء و لذلك ناسب الرحمن أن يدل على الرحمة الكثيرة المفاضة على المؤمن و الكافر و هو الرحمة العامة، و على هذا المعنى يستعمل كثيرا في القرآن، قال تعالى: «الرحمن على العرش استوى»: طه - 5.

    و قال: «قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا»: مريم - 75.

    إلى غير ذلك، و لذلك أيضا ناسب الرحيم أن يدل على النعمة الدائمة و الرحمة الثابتة الباقية التي تفاض على المؤمن كما قال تعالى: «و كان بالمؤمنين رحيما»: الأحزاب - 43.

    و قال تعالى: «إنه بهم رءوف رحيم»: التوبة - 117.

    إلى غير ذلك، و لذلك قيل: إن الرحمن عام للمؤمن و الكافر و الرحيم خاص بالمؤمن.

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني