[align=center]



[overline]الصاحب بن عباد، الشخصية المثيرة والملامح الفريدة [/overline]



ا. صائب عبدالحميد [/align]


[align=justify]يعد الصحاب بن عباد واحدا من اشهر الوزراء في دول الاسلام.

من اكثرهم حزما وعبقرية، واكثرهم ادبا وحبا لاهل الادب، وعلما وتصنيفاواجلالا لاهل العلم والتصنيف، وربما جمع من المحاسن والفضائل ومواضع المدح والاجلال ما لم يحظ به غيره من الوزراء، بل كثير من السلاطين والخلفاء.

فليس غريبا ان تجد ترجمته تشغل مئة وخمسين صفحة في (معجم الادباء)((318))، ومئة واثنتي عشرة صفحة في(يتيمة الدهر)((319))، وخصه الصفدي بواحدة من اطول تراجم كتابه، وهو الذي اعتمد الاختصار والتركيز في تراجمه،فافرغ له ست عشرة صفحة من (الوافي بالوفيات)((320))، مستهلاترجمته بالقول:

(كان نادرة الدهر، واعجوبة العصر، في فضائله ومكارمه وكرمه..)

ويختلف الناس، حتى اهل العلم والادب، في كبار الرجال ذوي الافاق الواسعة التي تجتاز الافاق المالوفة عند اهل العصر، والصاحب بن عباد واحد من هؤلاء الكبار الذين اختلف اهل العلم في تصنيف رؤاهم، في حياته، وبعد مماته..

فمن هو الصاحب بن عباد؟ هو ابو القاسم، اسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد بن احمد بن ادريس، الديلمي، الاصفهاني، القزويني، الطالقاني.

كان مولده منتصف ذي القعدة سنة 326ه، وقيل: 324ه، باصطخر فارس، وقيل: بالطالقان من بلدة قزوين، ووفاته ليلة الجمعة 24صفر سنة 385ه، بالري، ونقل الى اصفهان، وقبره فيها معلوم مشيد يزار.

هو العلامة الكبير، والاديب البارع، والوزير المؤيد، الملقب بكافي الكفاة..

قالوا في مدحه وتعداد خصاله الحسان ما يملا صفحات، ويجمعه كله فقرتان، الاولى لابي منصور الثعالبي، وهو يقول في حقه: ليست تحضرني عبارة ارضاها للافصاح عن علو محله في العلم والادب، وجلالة شانه في الجود والكرم، وتفرده بالغايات في المحاسن، وجمعه اشتات المفاخر، لان همة قولي تنخفض عن بلوغ اوفى فضائله ومعاليه، وجهد وصفي يقصر عن ايسر فواضله ومساعيه.

والثانية لياقوت الحموي، في ذكر ابي حيان التوحيدي بعد ان قصد ابن عباد في الرى، اذ يقول: وكان ابو حيان مجبولاعلى الغرام بثلب الكرام، فاجتهد في الحط من ابن عباد، وكانت فضائل ابن عباد تابى الا ان تسوقه الى المدح وايضاح مكارمه، فصار ذمه له مدحا.. هذا ولابي حيان كتاب في الشين من ابن العميد والصاحب بن عباد معا، اسماه (اخلاق الوزيرين).

كان والده عبادا يلقب بالامين، دينا خيرا، مقدما في صناعة الكتابة، وكان كاتبا لركن الدولة البويهي.

وكان الصاحب قد صحب ابن العميد، الكاتب الشهير ووزير ركن الدولة، ومنه سمي الصاحب، وقيل بل سماه به مؤيدالدولة بن ركن الدولة حيث اختصه للكتابة عنده ومجالسته.

واصبح الصاحب وزيرا لمؤيد الدولة بعد وفاة ابن العميد، ثم وزيرا لفخر الدولة حتى توفي.

كان حازما في امره، سريع الغضب، مهيبا، الاانه كان مع ذلك حسن المعاشرة، يقول لجلسائه: (نحن في النهار سلطان، وفي الليل اخوان).

شديد اللسان اذا جرح انسانا، سريع البديهة، حاضر الجواب.

وكان الوزير القوي المهيمن على الامر ايام فخر الدولة،والملك يدب ر برايه، فكان اذا قال فخر الدولة قولا وقال الصاحب قولا، امتثل قول الصاحب وترك قول فخر الدولة.

ونقل ياقوت عن هلال بن المحسن، عن ابي نصر بن خواشاده، انه قال: ما غبطت احدا على منزلة كما غبطت الصاحب ابا القاسم بن عباد... رايت وجوه الديلم واكابرهم من اولاد الامراء يعدون بين يديه كما تعدو الركابية (اي السائرون في الركب).

وقال الثعالبي: واحتف به من نجوم الارض، وافراد العصر، وابناء الفضل، وفرسان الشعر من يربى عددهم على شعراءالرشيد، ولا يقصرون عنهم في الاخذ برقاب القوافي وملك رق المعاني.

فعن هلال بن المحسن: ما رؤي احد وفي من الاعظام والاكبار بعد موته ما وفيه الصاحب، فانه لما جهز ووضع في تابوته واخرج على اكتاف حامليه للصلاة عليه، قام الناس باجمعهم فقبلوا الارض بين يديه، وخرقوا عند ذلك ثيابهم ولطموا وجوههم، وبلغوا في البكاء والنحيب عليه جهدهم.

بلاغته:

عده اهل الادب احد كتاب الدنيا الاربعة: عبدالحميد، وابن العميد، والصابئ، والصاحب. وانشد بعض الشعراء مقرا بهذا:

امخطئا عبدالحميد، وهازئا بابن العميد، ولا عبا بالصاحب!
قال الثعالبي: (بلغ من البلاغ ما يعد في السحر، ويكاد يدخل في حد الاعجاز)

وبعد ان ذكر قطعا من رسائله وكلماته،قال:

(ومحاسن فقر الصاحب تستغرق الدفاتر، وتستنزف في الانتخاب منها الخواطر، وليس يتسع هذا الكتاب لغيض من فيضها، وقطرة من سيحها).((321)) اختلافهم في مذهبه:

نسب ابن عباد ووالده الى الاعتزال بحجة تاليف والده كتبا في احكام القرآن، قيل: نصر فيه الاعتزال، وان للصاحب كتابا في الامامة، فيه تفضيل علي(ع)، ويثبت فيه امامة من تقدمة.

وقال بعضهم: كان يتشيع بمذهب ابي حنيفة، ومقالة الزيدية((322)).

لكن هذا غير كاف في اثبات اعتزاله، ما دام هناك ما يقابله من دلائل تشيعه التي تسمح بتفسير ما نسب فيه الى الاعتزال، فالشيعة والمعتزلة يتفقون في مبدا العدل ونفي الجبر، ولاجله عرفوا بالعدلية، كما انهم معا خلاف الظاهرية والحشوية في تقديم العقل.. ومن هنا يقع التوافق الكبير بينهم في كثير من مواضع الجدل والخلاف الكلامي.

انشد السلامي يهجو ابن عباد لمقالته بالعدل ونفي الجبر:

يا ابن عباد بن عبا تنكر الجبر واخرج س بن عبدالله حرها ت الى دنياك كرها!((323)) وفي بعض مجالسه مع اهل العلم، وفيهم الزعفراني، رئيس اصحاب الراي في عهده، قال له الصاحب: وما كان عندي انك تقدم على ما اقدمت عليه وتنتهي في عدوانك لاهل العدل والتوحيد الى ما انتهيت اليه)((324)).

وهو القائل شعرا:

لو شق عن قلبي يرى وسطه العدل والتوحيد في جانب سطران قد خطا بلا كاتب وحب اهل البيت في جانب((325)) فكان ابن عباد ينتصر لهذه المقالات، وهي مقالات مشتركة بين الشيعة والمعتزلة، ومثلها الى حد كبير قضية القول بخلق القرآن التي انتصر لها المعتزلة، وتوزع فيها الشيعة بين قائل بمثلها، انه (محدث( ولا يستجيز اطلاق لفظ (مخلوق)كما هو عند الشيخ المفيد (ت 413ه) وبين فريق آخر كان يقول (هو كلام الله، لا خالق ولا مخلوق).فكان ابن عباد مع الفريق الاول، فهذه المقالات كلها لا تدل مجتمعة على الاعتزال، ما دامت مشتركة بينه وبين التشيع.

اما تثبيت امامة المتقدمين على الامام علي(ع) فيقول به الزيدية من الشيعة ايضا، ولكن للصاحب كلاما محفوظا يفهم منه بوضوح ان اثباته تلك الخلافة ليس لاعتقاده صحتها في نفسها، بل لمبايعة الامام علي(ع) مثلا، او اسباب اخرى خارجة عن هذا النوع.

فقد نقل عنه في استقباله الوصي ابا الحسن العلوي الهمداني الذي اتاه رسولا من قبل السلطان انه استقبله بقوله:(مرحبا بالرسول ابن الرسول، الوصي ابن الوصي) فهو رسول من قبل السلطان وهو ابن رسول اللّه(ص)، وهو ((326))وصي السلطان وابن وصي رسول الله علي(ع).

وفي رسالته الى الاشراف العلويين بقزوين، يقول: (.. وبيت الرسالة يجمعهم، وظل النبوة يكنفهم، ورحم الوصية تؤلفهم).

وفي كلام له في وصف الامام علي(ع): (.. وامامته لواء خافق..

نظير هارون عند المشاكلة، وباب المدينة عندالمشابهة.. واخو المصطفى بل نفسه.. ولداه الشمس والقمر، ولولا على لهلك عمر.. قسيم الجنان، وباب الرحمة والرضوان..ثاني اصحاب الكسا في اذهاب الرجس، وحامل لواء الحمد في يمين العرش، وصاحب الحوض يسقي من شايع وبايع،ويمنع من ناصب ونازع.. ذاك امير المؤمنين صلوات الله عليه تختص اوصافه عن المشاركة وتخلص معرفته عن المزاحمة(.

وفي طرائفه ما يجري مجرى التهكم في طريقة تولية ابي بكر الخلافة، فنقل عنه انه كان في مجلسه جماعة وهم خائضون في الجدل، فانفلتت من احدهم (ضرطة)، فقال على حدته:

(كانت بيعة ابي بكر، خذوا في ما انتم فيه يعني فلتة،لانه قيل في بيعة ابي بكر: كانت فلتة)((327)).

وفي غير هذا الاسلوب يثبت تشيعه من امور عدة، من اظهرها اربعة امور:

الاول: في وصفهم لمكتبته والكتب التي خلفها بالرى..

قال ياقولت: كان صاحب خراسان الملك نوح بن منصور الساماني قد ارسل الى الصاحب في السر يستدعيه الى حضرته، وبذل البذول السنية، فكان من جملة اعتذاره ان قال: كيف يحسن لي مفارقة قوم بهم ارتفع قدري وشاع بين الانام ذكري؟ ثم كيف لي بحمل اموالي مع كثرة اثقالي، وعندي من كتب العلم خاصة ما يحمل على اربعمئة جمل او اكثر؟! ثم نقل عن ابي الحسن البيهقي قوله: وانا اقول: بيت الكتب الذي بالرى دليل على ذلك، بعدما احرقه السلطان محمودبن سبكتكين، فاني طالعت هذا البيت فوجدت فهرست تلك الكتب عشرة مجلدات، فان السلطان محمودا لما ورد الى الرى قيل له: ان هذه الكتب كتب الروافض واهل البدع، فاستخرج منها كل ما كان في علم الكلام وامر بحرقه.((328)) فعامة كتبه اذن هي الموصوفة بكتب الروافض، والروافض يطلقها اهل ذلك الزمان على الشيعة الامامية الاثني عشرية، دون الزيدية، وهو معروف.

والثاني: معرفة جمهور الشيعة..

كان في الشيعة من يروي ان في الطالقان كنزامن ولد فاطمة يملا الله به الارض عدلا كما ملئت جورا، فلما ولد سبط حسني للصاحب وهو عباد بن علي الحسني، احتفل به الشيعة احتفال الصاحب الذي ابتهج به كثيرا، وانشد فيه اشعارا يعبرفيها عن فرحته بانه يكون له سبط هو سبط لرسول الله وابن لعلى والحسن، اذ يقول:

احمد الله لبشرى اذ حباني الله سبطا مرحبا ثمت اهلا نبوى علوي اقبلت عند العشي هو سبط للنبي بغلام هاشمي حسنى صاحبي وراى رواة ذلك الخبر من الشيعة ان بشارتهم وقعت في هذا الغلام، فانشد شاعرهم:

هلم للخبر الماثور مسنده فذلك الكنز عباد وقد وضحت في الطالقان فقرت عين ناقله عنه الامامة في اولى مخايله((329))

والثالث: تصريح معاصره الشيخ الصدوق:

في خطبة كتابه (عيون اخبار الرضا) يهدي الصدوق كتابه هذا الى الوزير الصاحب بن عباد، وهو ابن بلدته (الرى)، فيقول:وقع الى قصيدتان من قصائد الصاحب الجليل كافي الكفاة ابي القاسم اسماعيل بن عباد اطال الله بقاءه وادام توفيقه‏ونعماءه، في اهداء السلام الى الرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (ص).فصنفت هذا الكتاب لخزانته المعمورة ببقائه، اذ لم اجد شيئا آثر عنده واحسن موقعا لديه من علوم اهل البيت(ع)، ولتعلقه‏ادام الله عزه بحبلهم واستمساكه بولايتهم واحسانه الى شيعتهم.((330)) هذا وقد كان الصاحب قد جعل نقش خاتمه:

شفيع اسماعيل في الاخره محمد والعترة الطاهره وله خاتم ثان نقشه: (على الله توكلت، وبالخمس توسلت) يعني اصحاب الكساء صلوات الله عليهم.

والرابع: هو اكثر كفاية في حسم النزاع، تصريح القاضي عبدالجبار المعتزلي.

لقد كان الصاحب هو الذي وضع عبدالجبار في منصب قاضي القضاة، مما جعله بعضهم دليلاعلى اعتزاله، لكن‏القاضي عبدالجبار العارف بسيده الوزير هو الذي سيبطل هذه الدعوى..

فقد جي به ليصلي على الصاحب عند وفاته، فقال:(ما ادري كيف اصلي على هذا الرافضي)((331))!! ولا ينبغي بعد مثل هذا ان يقع في الامر نزاع.

واما اشعاره في علي(ع) فهي وحدها علم على تشيعه، ولو لم يقل منها سوى هذين البيتين لكفتا دلالة:

حب علي بن ابي طالب ان كان تفضيلي له بدعة هو الذي يهدي الى الجنة فلعنة الله على السنة((332))

والتورية صارخة في البيت الاخير، مع مبالغة في الحدة لا تناسب وزيرا كبيرا كالصاحب، يلتقي عنده كبار علماءالمذاهب كافة، وقد اخذ هو عن بعض كبار علماء اهل السنة، كابن العميد، واحمد بن فارس القزويني، الذي كان شافعيا،واستدعاه مجد الدولة البويهي الى الرى ليقرا عليه النحو هو والصاحب، وهناك في الرى تحول مالكيا حمية لمالك، اذ لم‏يجد في بلاد الرى احدا على مذهبه، وكان الصاحب يجله كثيرا ويكرمه..((333)) كما له كلام في بعض ائمة الاحناف(ابي طاهر، وابن القطان) فيه احسن الاطراء والاجلال((334))، ويكفيك قبل هذا كله ان من الناس من نسب الصاحب الى‏المذهب الحنفي. لكن الصاحب مع كل ذاك تخرج منه مثل هذه الكلمات السريعة والحادة والتي يظهر بها ذكاءه باستخدام‏المجاز والاستعارة والمترادفات ونحو ذلك كثير.

كتب الى عامله على مدينة قم:

ايها الوالي بقم قد عزلناك فقم ومن الماثور عنه انه اذا شرب ماء بثلج، انشد على اثره:

قعقعة الثلج بماء عذب تستخرج الحمد من اقصى القلب ثم يقول: اللهم جدد اللعن على يزيد((335)).

ضد الشعوبية:

اما في عصبيته، فرغم كونه فارسي الاصل الاانه كان خصما للشعوبية منتصرا للعرب، وحكاياته في هذا كثيرة، منهاقوله: لا ارى احدا يفضل الفرس على العرب الا وفيه عرق من المجوسية! اختلافهم في سيرته:

لم يجد من ارخ له قدحا فيه غير عند ابي حيان التوحيدي، الذي اطال الكلام في ذمه وتنقيصه، فوصفه بحب المديح‏له والثناء عليه، وانه يطرب لذلك ايما طرب، ويعط‏ي بعده ايما عطاء، وانه شديد اللسان على اهل العلم، يغريهم بالكلام‏حتى اذا تكلموا وبادلوه الكلام، تنمر لهم، وتغير عليهم، وامر بحبسهم وضربهم، وقد تفنن ابو حيان في البحث عن معايب‏الصاحب، حتى ذهب يستخبر المنجمين عن طالعه، ليقول: ان الحظ هو الذي رفعه بلا استحقاق! واما عظمة سلطانه، فلانه لم يعرف احدا يقول له: لم فعلت كذا، ولم لم تفعل كذا! واما بلاغته في حديثه فهي عند ابي حيان كلف بالسجع ما بعده كلف، وهكذا يقلب كل ما تحدثوا به من محاسن‏الصاحب مساوئ.

وقد فسر ياقوت الحموي والصفدي سر هذه الحملة الشعواء من ابي حيان على الصاحب، فقال ياقوت الحموي: ان اباحيان كان قصد ابن عباد الى الرى، فلم يرزق منه، فرجع عنه ذاما له، وكان ابو حيان مجبولا على الغرام بثلب الكرام،فاجتهد في الغض من ابن عباد، وكانت فضائل ابن عباد تابى الا ان تسوقه الى المدح وايضاح مكارمه، فصار ذمه له‏مدحا((336)).

وقال الصفدي بعد ان نقل شيئا من كلام ابي حيان:
(قلت:وعلى الجملة، من رجالات الوجود، واين آخر مثله؟ ولكن‏ابو حيان زاد في التمالي عليه، لنقص حظ ناله منه، فتمحل له مثالب، وادعى له معايب)((337)).

لكن غير ابي حيان يذكرون من سيرته واخباره كل جميل، نذكر منه هذه القطعة، اختتم بها احدهم ذكر مناقبه، فقال:(وتظلمت اليه امراة من صاحب لفولاذ بن مانادر، وذكرت انه كان ينازعها في حق لها، فما زاد على ان التفت الى فولاذ،وكان في موكبه يسير خلفه، فبهت وتحير، وارتعد ووقف، ولم يبرح الى ان سار كافي الكفاة (ابن عباد)، ثم ارسل مع المراة‏من ارضاها وازال ظلامتها( قال: (ومثل هذا كثير، يطول الكتاب ببعضه، فكيف يتسع لكله).((338)) قال ياقوت: وذكر الوزير ابو سعد منصور بن الحسين الابي في تاريخه من جلالة قدر الصاحب، وعظم قدره في‏النفوس، وحشمته، ما لم يذكر لوزير قبله ولا بعده مثله.((339)) جلساؤه من اهل العلم والادب:

تقدم قول الثعالبي: (واحتف به من نجوم الارض، وافراد العصر، وابناء الفضل، وفرسان الشعر من يربى عددهم على‏شعراء الرشيد، ولا يقصرون عنهم في الاخذ برقاب القوافي...)

ثم ‏قال:وجمعت حضرة الصاحب باصبهان والري وجرجان، مثل: ابي الحسين السلامي، وابي بكر الخوارزمي، وابي سعيدالرستمي، وابي القاسم الزعفراني، وابي العباس الضبي، والقاضي الجرجاني، وابي القاسم بن ابي العلاء، وابي محمد الخازن،وابي هاشم العلوي، وابي الحسن الجوهري، وبني المنجم، والبديع الهمداني، واسماعيل الشاشي، وابو دلف الخزرجي، وابي‏الفياض الطبري((340)).

في ورعه وشهامته:

قال ياقوت: ومما وجدت في بعض الكتب من مكارم الاخلاق للصاحب: انه استدعى يوما شرابامن شراب السكر،فجي بقدح منه، فلما اراد شربه، قال له بعض خواصه: لا تشربه! فانه مسموم وكان الغلام الذي ناوله واقفا .

فقال للمحذر: وما الشاهد على صحة ذلك؟ قال: بان تجربه على من اعطاكه.

قال: لا استجيز ذلك، ولا استحله. قال: فجربه على دجاجة.

قال: ان التمثيل بالحيوان لا يجوز.

ثم امر بصب ما في القدح، وقال للغلام: انصرف عني ولا تدخل داري بعدها.. واقر رزقه عليه، وقال: لا ندفع اليقين‏بالشك، والعقوبة بقطع الرزق نذالة.((341)) من ظرفه وطرفه:

كان لديه منشد يدعى مكي، قديم الصحبة له، وكان يسي اليه، والصاحب يتجاوز له، فلما كثر ذلك منه امر الصاحب‏بحبسه في دار بجواره، فاتفق ان الصاحب صعد يوما سطح داره، واشرف على تلك الدار، فناداه مكي قائلا: (فاطلع فرآه‏في سواء الجحيم)! فضحك الصاحب وقال: (اخسؤوا فيها ولا تكلمون). ثم امر باطلاقه.((342)) كان بعض الفقهاء، ويعرف بابن الحضيري، يحضر مجالس الصاحب بالليالي، فغلبته عينه ليلة، وخرجت منه ريح لهاصوت، فخجل وانقطع عن المجلس، فقال الصاحب: ابلغوه عني:

يا بن الحضيري لا تذهب على خجل فانها الريح لا تسطيع تحبسها لحادث كان مثل الناي والعود اذ لست انت سليمان بن داود((343)) كان عبدالجبار بن احمد المعتزلي قد ولاه الصاحب قضاء همدان والجبال، فكان يكتب في عنوان كتابه الى الصاحب:(الى الصاحب: داعيه، عبدالجبار بن احمد( ثم كتب (وليه عبدالجبار بن احمد( ثم كتب بعدها: (عبدالجبار بن احمد(.

فقال‏الصاحب لندمائه: اظنه يؤول امره الى ان يكتب (الجبار(! مؤلفات الصاحب:

ذكر له المؤرخون ثلاثين كتابا، تتوزع على معارف شتى، نذكرها هنا بحسب موضوعاتها:

اولا اللغة والادب:

1- الوقف والابتداء: وهو اول مؤلفاته في ايام شبابه.

2- المحيط: عشرة مجلدات. معجم لغة.

3- ديوان رسائله: عشرة مجلدات.

4- الكافي: رسائل، معظمها في الادب، ويمكن ان تندرج في التاريخ ايضا.

5- الكشف عن مساوئ المتنبي: رسالة مطبوعة.

6- العروض الكافي.

7- نقض العروض.

8- الاقناع في العروض: منه نسخة بدار الكتب المصرية واخرى بالمكتبة الاهلية بباريس.

9- جوهرة الجمهرة: مختصر كتاب الجمهرة لابن دريد.

10- رسالة في فنون الكتابة والرسائل.

11- كتاب الشواهد.

12- ديوان شعره.

ثانيا العقائد والفرق:

13- مختصر اسماء الله تعالى وصفاته.

14- كتاب الامامة: في تفضيل علي بن ابي طالب وتصحيح امامة من تقدمه.

15- كتاب الزيدية.

16- التذكرة للاصول الخمسة: وهي اصول مذهب الاعتزال.

17- كتاب الانوار.

18- الابانة عن مذهب اهل العدل بحجج من القرآن والعقل.

19- الاصول المهذبة للعقول: نسبه اليه الكفعمي في كتاب (مجموع الغرائب).

20- كتاب في علم الكلام.

21- القضاء والقدر.

ثالثا التاريخ:

22- اخبار ابي العيناء.

23- تاريخ الملك واختلاف الدول.

24- عنوان المعارف وذكر الخلائف: تاريخ مختصر يشمل السيرة النبوية وسير الخلفاء الى المطيع العباسي الذي كان‏في زمانه، نسخته عند السيد محسن الامين مكتوبة بتاريخ 420ه، وهي بخط جيد.

25- رسالة في احوال عبدالعظيم الحسني: المدفون بالرى.

26- كتاب الوزراء: مختصر.

27- كتاب الاعياد وفضائل النوروز.

رابعا في الطب:

28- رسالة في الطب: صغيرة، قال عنها ابو جعفر الطبيب البلاذري: لو علمها ابن قرة وابن زكرياء لما زادا عليها.

خامسا موضوعات متفرقة:

29- كتاب التعليل.

30- كتاب سفينة: ذكره الثعالبي ونقل منه قطعا، ويبدو انه جامع لفنون مختلفة من ادب وتاريخ وحكم واشعار.


نماذج من شعره في اهل البيت(ع):

يا امير المؤمنين المرتضى كلما جددت مدحي فيكم من كمولاي على مفتيا من دعي للطير ان ياكله من وصى المصطفى عندكم ان قلبي عندكم قد وقفا قال ذو النصب نسيت السلفا خضع الكل له واعترفا ولنا في بعض هذا مكتفى ووصى المصطفى من يصطفى((344)) وقوله:

قالت تحب معاويه قالت اسات جوابنا يا زانيه! يا زانيه! ااحبه؟ ااحب من فعلى يزيد (لعنتي) قلت اسكتي يا زانيه فاعدت قولي ثانيه يا بنت الفي زانيه شتم الوصى علانيه وعلى ابيه ثمانيه((345)) وله ايضا:

انا من شيعة الرضا الامام المطهر اب واخي المصطفى ومن في ابيات عديدة سيد الناس حيدره ن الحصان المطهره حسد الفخر مفخره((346)) ووقع على ظهر ورقة بعث بها اليه رجل اموي يتقرب اليه، بهذه الابيات:

انا رجل يرمينى الناس بالرفض دعوني وآل المصطفى عترة الهدى ولو ان بعضي مال عن آل احمد فلا عاش حربى((347)) لدى على خفض فان لهم حبي كما لكم بغضي لشاهدت بعضي قد تبرا من بعضي((348)) في اغراض شتى:

كتب الى عضد الدولة يحثه على الاستيلاء على بخارى:

يا ايها الملك الذي كل الورى فمناصح قد فاز سهم طلابه هذي بخارى تشتكي الم الصدى ماذا عليه لو يهم بعرصتي قسمان بين رجائه وحذاره ومداهن قد جال قبح بواره وتقول قولا نبت في اخباره((349)) فاكون بعض بلاده ودياره وقال في اخريات ايامه وجاءه المنجمون ينبؤونه بقرب اجله:

يا مالك الارواح والاجسام مدبر الضياء والظلام ولا اخاف الضر من بهرام والعلم عند الملك العلام ووقني حوادث الايام هبني لحب المصطفى المعتام وخالق النجوم والاحكام لا المشتري ارجوه للانعام وانما النجوم كالاعلام يا رب، فاحفظني من الاسقام وهجنة الاوزار والاثام وصنوه، وآله الكرام((350)) وكان تلك الايام قد اتخذ لنفسه بيتا اسماه (بيت التوبة( للتعبد، واخذ خطوط الفقهاء بصحة توبته، وخرج مرة فقعدللاملاء، وحضر كثير من الناس فكان يملي وهم يكتبون، وفيهم: ابن الزعفراني الحنفي، وهو رئيسهم، وما بقي احد من اهل‏العلم الا وقد كتبه حتى القاضي عبدالجبار وهو قاضي القضاة بالرى.((351))
[/align]