النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2005
    المشاركات
    47

    افتراضي من هو أبو هريرة الدوسي ... ؟؟؟ ( الحلقة الأولى )

    من هو أبو هريرة ؟؟

    ( هذا جزء من بحث طويل ، يمكن أن يطبع قريباً إنشاء الله ، وقد رأيت نقله هنا إستجابة لطلب الأخت أم مصعب ولتحقيق الفائدة للجميع بإذن الله تعالى )

    من هو أبو هريرة ؟

    لم يعرف لهذا الرجل إسمٌ محددٌ ، بل إشتهر بهذه الكنية التي لحقته من هرةٍ كان يعتني بها ويحملها معه أينما ذهب ، وقد إرتحل من اليمن الى المدينة بعد إنقضاء معركة خيبر ، وأقام في ( الصُفـَّة ) في مسجد المدينة الى أن بعثه النبي مع العلاء بن الحضرمي ..
    بدأ يتحدث عن رسول الله (ص) ويكذب عليه حتى منعه الخليفة عمر وهدده وتوعده بأشد العقاب إن كرر ذلك ، كما هدده الخليفة عثمان بنفيه الــى جبــال دوس إن إستمر برواية الحديث ...
    ولكنه في أواخر عهد عثمان إستغل الأزمات التي أحاطت بالخلافة فإنطلق بحملة تحديثية واسعة تضمنت العجائب والغرائب ، ثم إنتقل بعدها الى خدمة معاوية وعموم الأمويين حسب ما سنطلع عليه من خلال البحث ...

    موقف النبي (ص) من أبي هريرة : لقد كان الوافدون على المدينة من الفقراء والمعدمين ممن ليس لهم فيها من يلجأون اليه ، يأوون الى ( صُـفـَّـة ٍ ) من السعف والجريد وُضعت لهم في المسجد حيث يتصدق عليهم الصحابة بالطعام والشراب ..
    ولم يكن عدد هؤلاء ثابتاً ، فإنه بين مَـدٍّ وجَـز مستمر حسب الظروف وتوفر فرص العمل التي كان هؤلاء النزلاء يتحينونها للخروج من الصُـفـَّـة بعمل ٍ يعيلهم ، أو بعودة الى مواطنهم كي لا يظلون عالة يتكففون المسلمين .. عدا أبو هريرة الذي ظلَّ ملازماً لها طيلة مكوثه في المدينة ، ولم يقم بأي عمل يساعده على تركها ويكفيه مؤونة إستجداء الناس والتعرض لهم في الطرقات ليُشبعوا بطنه ...
    ولقد ظهر منه من النهم والشراهة ما جعله مبعث أذى ومضايقة وإحراج لكثير من الصحابة سيما أبو بكر وعمر ، إذ كان يقطع عليهم الطريق ويلاحقهم مبتكراً طريقة جديدة في الإستجداء وهي أن يسألهم عن آية في كتاب الله ولا يقصد إلاّ أن يميلوا به فيُطعموه كما إعترف هو نفسه .
    وقد تمادى في هذا السلوك الى حد تعرضه لرسول الله (ص) ومضايقته وتعمده التظاهر بالإغماء بين منبره وبيت عائشة مما أزعج النبي (ص) وآلمــــه
    وبعث الأسى في نفسه ، وربما أخجله أن يرى بين أتباعه من يظهر بهذا الشكل المقزز والمثير للإشمئزاز .. فحاول منعه من هذا السلوك حين قــــال له : (( زُرغباً تزدد حباً )) متوقعاً منه الإرتداع بإسلوب تربوي رقيق عملاً بخلقه الكريم وسماحته في تربية الناس وتعليمهم ، ولكن أبا هريرة لم يزدد إلا تمادياً في نهجه وسلوكه ، فإضطر النبي (ص) الى ( إقصائه ) عن المدينة بإرساله مع العلاء بن الحضرمي الى البحرين ، وسنروي لك قصة ذلك في وقتها ومكانها ..

    موقـف الخليفة عمـــر منه


    لقد كان الخليفة عمر أول من تنبـَّه الى خطورة ما يرويه أبوهريرة وينسبه الى النبي (ص) ، فقد سمع بعد عودة أبي هريرة من البحرين برفقة العلاء بن الحضرمي ولقاءاته المتكررة مع كعب الأحبار ، بأنه بدأ يحدِّث عن النبي ، فأرسل اليه وزجره ( ثم لم يلبث أن ضربه بدرته ) (1) ونهى معلمه كعب الأحبار من رواية الحديث كذلك ..
    وقد أخرج إبن عساكر من حديث السائب بن يزيد أنه سمع عمر يقول لأبي هريرة (( لتتركنَّ الحديث عن رسول الله أو لألحقنـَّك بأرض دوس )) ويقول لكعب الأحبار : (( لتتركنَّ الحديث أو لألحقنـَّك بأرض القرَدَة )) .
    وإهتم عمر كثيرا بمراقبة أبي هريرة والتضييق عليه حتى إنه قال له يوما :
    (( أكثرتَ يا أبا هريرة ، وأحْـرَ بك أن تكون كاذباً على رسول الله )) (2) ، وقد إعترف أبو هريرة نفسه بذلك حين قال : (( إني لأُحَدِّث أحاديث لو تكلمت بها في زمن عمر لشجَّ رأسي )) ، وحين قال حسب رواية الزهري عن أبي سلمــــة : (( ما كنا نستطيع أن نقول : قال رسول الله حتى مات عمر ، كنا نخاف السياط )) ، وكذلك حين قال : (( أ فكنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي ؟ أما والله لأيقنت أن المخفقة ستباشر ظهري )) (3) ..
    ولقد إختصر العلامة محمد رشيد رضا كل ما يمكن أن يقال عن موقف عمر من أبي هريرة وأحاديثه بقوله :
    ( لو طالَ عُمْرُ عُمـَرحتى مات أبو هريرة لما وصلت الينا تلك الأحاديث الكثيرة )
    إن موقف عمر هذا لـهو الدليل القاطع على أن أبا هريرة كان ضالعاً في الكذب والتلفيق على رسول الله منذ وقت مبكر ساعده فيما بعد على أن يكون الراوية الرسمي لنظام معاوية والأمويين ..

    موقف الخليفة عثمان منه

    روي عن السائب بن يزيد قوله : (( أرسلني عثمان الى أبي هريرة فقال : قل له : يقول لك أمير المؤمنين ، ما هذا الحديث عن رسول الله ؟ لقد أكثرت ، لتنتهين أو لألحقنـَّك بجبال دوس ، وإت ِ كعباً فقل لــه : يقول لك أمير المؤمنين عثمان : ما هذا الحديث ؟ قد ملأتَ الدنيا حديثاً ، لتنتهينَّ أو لألقينـَّك في جبال القردة )) (4) ..
    ومن المعلوم أن عثمان إنتهج في بداية عهده نهج الشيخين وتتبع خطاهما ، فقد روى إبن سعد عن محمود بن لبيد أنه قال : (( سمعت عثمان بن عفان على المنبر يقول : لا يحلُّ لأحد يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر )) (5) ، وعلى ذلك يكون الأمر الذي أصدره الى أبي هريرة وكعب الأحبار بمثابة تأكيد لما فعله عمر معهما ..


    موقف الإمام علي منه

    كان فيما يقولـه أبو هريرة : حدثني خليلي .. قال خليلي .. رأيت خليلي ... فسمع علي (ع) بذلك فأرسل اليه وقال لــه : (( متى كان رسول الله خليلك يا أبا هريرة ؟ )) (6) ، وقد كان عليٌّ سيء الرأي فيه الى حد التصريح بكذبه في عدة مناسبات حيث روي عنه أنه قال :
    (( إن أكذب الناس على رسول الله لأبو هريرة الدوسي )) (7) كما قال : (( لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول الله )) ..


    مواقفـه مع السيدة عائشـة


    لقد إستنكرت السيدة عائشة كثيرا مما كان يحدِّث به أبو هريرة ، وأنكرت عليه الكثير مما رواه حتى قالت لــه يوماً : (( إنك لتـُحدِّث حديثاً ما سمعته مــــــــن النبي (ص) )) ، فأجابها بجواب فج ٍ لا أدب فيه ولا حياء إذ قال لها : (( شغلك عنه (ص) المرآة والمكحلة )) وفي رواية الذهبي : (( ما كانت تشغلني عنه المرآة ولا المكحلة ولا المدهن )) (8).

    يقول الشيخ محمود أبو ريه في رده على قول أبي هريرة ما نصه : (( ولقد كان لأم المؤمنين أن ترد عليه قلة أدبه فتجبهه بقولها : إنما انت الذي شغلك بطنك ، وألهاك نهمك عن رسول الله ، حتى كنت تعدو وراء الناس في الطرقات تلتمس منهم أن يطعموك من جوعك ، فينفرون منك ويهربون ثم ينتهي بك الأمر الى أن تـُصرع مغشياً عليك من الجوع أمام حجرتي ، فيحسب الناس أنك مجنون فيطأون عنقك بأرجلهم )) (9)..
    على أن أبا هريرة ندم فيما بعد على ما فرط منه في حق السيدة عائشة فأخذ يعمل على إرضائها والتقرب اليها لأنه لم يكن قادراً على تحمُّل غضبها ، فما كاد يسمع نبأ حديث نزول جبريل حاملاً صورتها في سُرقـَـة ٍ من حرير وقوله للنبي : هذه إمرأتك ، حتى أسرع أبو هريرة فتبرع بحديث من كيسه يقول فيه : (( إن طول تلك السُـرْقـَة ذراعان وعرضها شبر )) .. !!
    ومع ذلك فإن تملقه لأم المؤمنين لم يجد لديها أذناً صاغية ، فقد نقل أبو حسان الأعرج تلميذ أبي هريرة البار : أن رجلين دخلا على عائشة وأخبراها أن أبا هريرة يحدث عن رسول الله أنه قال : إنما الطيرة في المرأة والدار والدابة . فقالت : كذب ، والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدَّث بهذا عن رسول الله إنما قال رسول الله : كان أهل الجاهلية يقولون : إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار .. (10) ..


    أقوال بعض الصحابة فيه

    01 قال طاووس : (( كنت جالساً عند إبن عمر فأتاه رجل فقال : إن أبا هريرة يقول : (( إن الوتر ليس بحتم ، فخذوا منه ودعوا )) فقال إبن عمر : كذب أبو هريرة (11)..
    وكذ َّب هو أيضاً نفسه عندما عاد فروى حديثاً عن النبي (ص) قال فيه :
    (( من لم يوتر فلا صلاة له ))

    02 أنكر عليه إبن مسعود قوله : (( من غسل ميتاً ومن حمله فليتوضأ )) وقال فيه قولاً شديداً ، ثم قال : (( أيها الناس لا تنجسوا موتاكم )) (12) ..
    فرَدَّ عليه إبن عباس بقوله : (( لا يلزمنا الوضوء من حمل عيدان يابسة )) .

    03 رويت بعض أحاديثه يوماً على الزبير بن العوام فأخذ يعقب على كل واحد منها بقوله : صَـدَقَ ... كـَـذ ِبَ (13) ..

    04 عندما روى أبو هريرة حديث : (( إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه .. قال مروان : أما يكفي أحدنا ممشاه الى المسجد حتى يضطجع ؟
    وقال إبن عمر : أكثرَ أبو هريرة ..

    05 روت عائشة حديثه : (( لا يدخل الجنة ولد الزنا )) فقالت : ليس عليه من وزر أبويه شيء ، ثم قرأت : (( ولا تزر وازرة وزر أخرى )) ..
    06 وأورد الذهبي عن الشعبي قوله إن أبا هريرة حدَّث فرَّد عليه سعد بن أبي وقاص حديثه فوقع بينهما كلام حتى أرتجت الأبواب (14) ..

    07 ولما روى أن رسول الله (ص) قال : (( لأن يمتليء جوف أحدكم قيحاً خير من أن يمتليء شعراً )) قالت عائشة : لم يحفظ إنما قال رسول الله : (( لأن يمتليء جوف أحدكم قيئاً ودماً خير من أن يمتليء شعراً هُجيتُ به )) (15) ..

    08 ورد في صحيح البخاري أن أبا هريرة حدَّث عن النبي (ص) أنه قال :
    (( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة )) (16) ، ثم حدَّث بعدها أن النبي (ص) قال : (( لا يوردن ممرض على مُصِّح )) (17) ، قال أبو سلمة : فقلنا لــه : ألم تـُحدِّث أنه لا عدوى ؟ فرطن بالحبشية ..

    09 روى عبدالله بن عمر أن رسول الله (ص) أمر بقتل الكلاب عدا كلب ماشية أو كلب صيد ، فقيل لـه : إن أبا هريرة يقول : أو كلب زرع . فقال أبن عمر : إن لأبي هريرة زرعاً ، وهذا تعريض من أبن عمر بأبي هريرة حيث إتهمه بزيادة كلب الزرع الى الحديث لأنه صاحب زرع ..

    010 عندما روى حديثه : ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) سألوه : هل سمعت ذلك من رسول الله ؟ فأجاب : كلا ، هذا من كيس أبي هريرة .. فهو إما أن يكون معترفاً بالكذب ، وإما متهكماً على من سأله ، فهو في الحالين متهم .

    وإذا أردنا تقصي كل مواقفه مع الصحابة وما قالوه فيه فسيطول بنا المقام ، ولكننا سنكتفي بما ذكرناه...

    أقوال بعض التابعين فيه

    01 إبراهيم النخعي ، عالم العراق في زمانه ، المولود سنة 50 هـ ، يرى أنه لا يجوز الأخذ بكل حديث أبي هريرة ، وإن أصحابه كانوا يَـدَعون منه الكثير ، وقال : كانوا يرون في حديث أبي هريرة شيئاً وكانوا لا يأخذون من حديثه إلا ما كان من حديث صفة جنة أو نار أو حث على عمل صالح أو نهي عن شر جاء القرآن به ..
    والنخعي هذا ، كان يوصف بأنه ( صيرفي الحديث ) ، وروى أبو أسامة عن الأعمش قال : كان أبراهيم ( النخعي ) صحيح الحديث ، فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه ، فأتيته يوماً بأحاديث من أحاديث أبي صالح عن أبي هريرة ، فقال : دعني من أبي هريرة إنهم كانــوا يتركــون كثيــراً مــــــن أحاديثه .. (18) ..

    02 وهذا أبو حنيفة يروي عنه صاحبه محمد بن الحسن أنه قال : (( أقلـِّد جميع الصحابة ولا أستجيز خلافهم برأيي إلا ثلاثة نفر : أنس بن مالك وأبو هريرة وسَـمُـرَة ... وعندما سُئل عن ذلك قال : أما أنس فإختلط في آخر عمره ، وكان يُستفتى فيفتي من عقله ، وأنا لا أقلد عقله ، وأما أبو هريرة فكان يروي كل ما سمع مــن غــير أن يتأمــل فــي المعنــى ومــن غيــر أن يعرف الناسخ والمنسوخ ..)) (19)...
    وروى أبو يوسف أن أبا حنيفة قال : الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالاً ، وعدَّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك ...

    03 والمعتزلة أيضاً لا يثقون بحديث أبي هريرة ، فإسمع ما قاله أبو جعفر الإسكافي أحد مؤسسي مذهبهم : (( وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية ، ضربه عمر وقال : قد أكثرت من الرواية وأحْـرَ بك أن تكون كاذباً على رسول الله )) (20 ) ...


    أبو هريرة يعترف بأنه كان متهماً


    01 قال أبو رزين : (( خرج الينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته وقال : ألا أنكم تحدثون إني أكذب على رسول الله لتهتدوا وأضل )) (21) ..

    02 لما دخل معاوية الكوفة كان أبو هريرة معه ، فلما رأى كثرة مستقبليه من الناس جثا على ركبتيه في مسجد الكوفة وجعل يضرب صلعته مراراً ليثير إنتباه الناس اليه ، وحين إجتمعوا عليه قال : (( يا أهل العراق أتزعمون إني أكذب على الله وعلى رسوله فأحرق نفسي بالنار ... )) الى آخر كلامه الذي تحامل فيه على أمير المؤمنين علي (ع) متزلفاً فيه الى معاوية .. (22) ..

    03 قولــه : لما بلغ عمر حديثي إستدعاني فقال لي : أكنت معنا يوم كنا في بيت فلان ؟ فقلت : نعم وإن رسول الله (ص) قال يومئذٍ : من كذب عليَّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار . (23) .. وفي هذا إشارة الى أن عمر عندما سمع ما يحدث به إستدعاه لينذره بالنار إن هو كذب على رسول الله ... وقد ظهر أن كل ذلك لم يردعه ..


    تدليســـه في الحديــــــث


    التدليس هو رواية شخص عن شخص لم يسمع منه أو لم يره دون أن يشير الراوي الى ذلك ، مما يوهم السامع بأنه قد سمع منه مباشرة ، وهو صفة ذميمة عند أصحاب الحديث يعتبرون الحديث بسببها بحكم المرسل الذي لاسند له ، ويتهمون راويه بالكذب والإدعاء ..
    قال شعبة بن الحجاج ـ إمام أهل الجرح والتعديل : (( لأن أزني أحبُّ إليَّ من أن أُدلـَّس )) ثم قال : (( التدليس أخو الكذب )) كما نص بعض علماء الحــــديث على أن من ثبت عليه التدليس أصبح مجروحاً وتـُـرَّدُّ روايته إطلاقاً ، وقال بعضهم : (( المدلس داخل في قول النبي (ص) من غشنا ليس منا )) ..
    ولقد كان أبو هريرة بلا منازع شيخا ً للمدلسين في عالم الحديث ، وقد قال عنه شعبة بن الحجاج : (( أبو هريرة كان يدلس )) (24) .. أي يروي ما سمعه من كعب الأحبار وما سمعه من رسول الله ويرويها كلها عن رسول الله ، وإذا ما سألوه وأحرجوه ، قال : لم أسمعه من رسول الله بل أخبرنيه مُخبر (25) ، أو يحيل سماعه على ميت حتى لا يفتضح ..
    كما نص أكثر العلماء على أن أبا هريرة كان مدلساً لأن غالبية ما رواه لم يأخذه سماعاً من النبي بسبب تأخر إسلامه ..
    قال إبن قتيبة الدينوري : كان أبو هريرة يقول : قال رسول الله كذا ، وإنما سمعه من الثقة عنـــده فحكاه ، وكذلك كان إبن عباس يفعل وغيره مــــن الصحابة (26)... فنلاحظ أن إبن قتيبة قد إعترف بتدليس أبي هريره ولكنه حاول تبريره ، ونحن إذ قبلنا بشهادته فلسنا ملزمين بقبول تبريره لأن كثرة من يفعلون ذلك لا تبرر العمل بل تدين الآخرين ..
    ومن أمثلة تدليسه روايته عن النبي (ص) أنه قال : (( من أدركه الفجر جنُباً فلا يصم )) فلما علمت عائشة وحفصة بذلك قالتا : (( كان النبي يسبح جنباً من غير حلم ثم يصوم )) (27) .. ، فلما أخبروا مروان بذلك وكان والياً لمعاوية على المدينة أرسل الى أبي هريرة فقال : أهما قالتا ذلك ؟ قيل لــه : نعم . قال : هما أعلم ، إني لم أسمعه من النبي إنما سمعته من الفضل بن العباس (28) ، فأحال السماع على ميت لأن الفضل توفى أيام أبي بكر ، ولو كان الفضل حياً ساعتها لما تجرأ أبو هريرة عليه ولأحال السماع على غيره ..
    كذلك قولــه : (( قال رسول الله لعمه أبي طالب : قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة ، قال : لولا أن تعيرني قريش ، يقولون إنما حمله عليها لأقررت بها عينك ... )) (29) .. ومما لا يخفى أن أبا طالب قد مات قبل مجيء أبي هريرة الى الحجاز بعشر سنين ، فكيف ومتى سمعهما يتحدثان بما رواه ؟!
    وقولــه : (( قام رسول الله حين أنزل عليه ـ وإنذر عشيرتك الأقربين ـ فقال : يا معشر قريش لا أغني عنكم من الله شيئاً .. الخ )) ، وهذه الآية إنما نزلت في بداية الدعوة وقبل ظهورها في مكة ، وأبو هريرة كان حينها في اليمن لم يُسلِم بعد ، وجاء الى الحجاز بعد نزولها بعشرين سنة ، فكيف تسنى لـــه أن يقول : (( قام رسول الله عندما نزلت ، و... ... )) وكأنه قد رآه بعينيه وسمعه بأذنيه ؟!

    وما ذكرناه ينطبق على القسم الأكبر من رواياته التي تحدث عنها وكأنه كان حاضراً فيها ، وسمعها بنفسه دون واسطة ، والتي منها روايته عن قنوت النبي (ص) في صلاته بالدعاء للمؤمنين الذين حبسهم المشركون عن الهجرة وكان ذلك قبل إسلام أبي هريرة بنحو سبع سنين ، وكذلك روايته قول أبي جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم ، وكان ذلك قبل إسلام أبي هريرة بعشرين سنة أيضاً !! وروايته عن وقعة الرجيع وأميرها عاصم بن ثابت الأنصاري الذي إستشهد فيها والتي حدثت في صفر سنة أربع للهجرة ، قبل إسلامه بثلاث سنين !!
    ومن طلب المزيد فعليه بكتاب ( أبو هريرة ) للإمام عبدالحسين شرف الدين حيث سيجد بغيته هناك ..

    وقائع تحدث عنها وهو لم يحضرها


    لقد تحدث أبو هريرة عن وقائع إدعى حضوره فيها وهو لم يحضرها أصلاً ، منها :

    01 قولــه : (( دخلت على رقية بنت رسول الله (ص) إمرأة عثمان وبيدها مشط فقالت : خرج رسول الله من عندي آنفاً رجَّـلـْـتُ شعره . فقال لي : كيف تجدين أبا عبدالله ( يعني عثمان ) ؟ قلت : بخير ، قال : أكرميه لإنه من أشبه أصحابي بي خلقاً )) .. أخرجه الحاكم (30) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، واهي المتن ، فإن رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة عند فتح بدر وأبو هريرة إنما أسلم بعد فتح خيبر !! كما أورده الذهبي في تلخيص المستدرك وقال : صحيح منكر المتن فإن رقية ماتت وقت بدر وأبو هريرة أسلم وقت خيبر .!!

    02 قولــه في سهو النبي (ص) : صلى بنا النبي (ص) الظهر أو العصر فسـَلـَّم في ركعتين فقال له ذو اليدين : أنقصت الصلاة أم نسيت ؟
    وذو اليدين كان أحد شهداء بدر قبل إسلام أبي هريرة بزمن طويل كما قدَّمنا..

    03 قولــه : إفتتحنا خيبر ولم نغنم ذهباً ولا فضة إنما غنمنا البقر والأبل والمتاع والحوائط )) (31) ، والمعلوم أنه حضر بعد الفتح ولم يحضره إطلاقاً ، ولهذا إرتبك شارحو الصحيحين عند وصولهم الى قوله ذاك ، فإن قالوا : لم يحضر ، فقد كذ َّبوه ، وهذا في عرفهم غير جائز . وإن أمضوا كلامه فقد كذ َّبوا أنفسهم والتاريخ ، فتكلفوا حلاً وسطاً فحملوا كلامه على المجاز بإعتبار أن المراد فيه ليس شخصه وإنما جنسه من المسلمين (32) وهذه سفسطة غريبة ..

    04 ونفس الأمر بالنسبة لقوله : (( شهدنا مع رسول (ص) خيبر فقال لرجل معه ممن يدعي الإسلام : هذا من أهل النار ، فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة ، فكاد بعض الناس أن يرتاب فوجد الرجل ألماً لجراحه فأهوى بيده الى كنانته فإستخرج منها أسهماً فنحر بها نفسه .. )) (33) ..
    وقصة هذا الرجل معروفة ومرويه بلا خلاف ، وهو قزمان بن الحرث حليف ظفر ، وهو من المنافقين ، وكان يقاتل على الأحساب وقتل في معركة أحد وليس في خيبر ، وأُحد وقعت قبل إسلام أبي هريرة بكثير ، ولكـــن ليس لكذوب حافظة ..

    05 قولــه : (( رأيت سبعين من أهل الصـُفـَّة ما منهم رجل عليه رداء وإنما عليه إما إزار وإما كساء ربطوه في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن تـُرى عورته )) (34)..
    إن هؤلاء السبعين الذين تحدث عنهم وإدعى رؤيتهم ووصف حالهم قد إستشهدوا جميعهم يوم ( بئر معونة ) فحزن النبي (ص) عليهم وقنت في صلاته شهراً يدعو على قاتليهم ، وكانت هذه الوقعة في شهر صفر سنة أربع للهجرة قبل إسلام أبي هريرة بل قبل قدومه من اليمن ، وللهروب من هذه الكذبة قال القسطلاني : إن السبعين الذين رآهم أبو هريرة غير أؤلئك السبعين (35) وهذا تكلف واضح !!

    كيف تـُروى أمثال هذه الروايات في الصحاح ؟

    إنه لمن العجب أن نجد في الصحاح وغيرها من كتب الحديث روايات وأحاديث واضحة الزيف والبطلان ولا يمكن أن تنطلي على بسطاء الناس ناهيك عن علمائهم .. فتوردها على علاتها وضعفها وتعارضها مع بديهيات العقل وتصادمها مع الوقائع التي إستفاضت بها الأخبار ..
    فعندما نقل البخاري أحاديث أبي هريرة عن نفسه في خيبر .. ألم يكن يعلم أن أبا هريرة قد أسلم بعد فتحها وإنه لم يحضرها مطلقا ؟
    وعندما نقل حديثه عن سهو النبي بوجود ذي اليدين .. ألم يكن يدري أن ذا اليدين إستشهد في بدر ولم يره أبو هريرة ؟
    وعندما نقل حديثه عن رقية زوجة عثمان ... ألم يسمع أنها كانت قد ماتت وأبو هريرة في اليمن ؟ ... والعشرات غيرذلك
    فإن كان يدري ، وهو يدري فعلا ً من خلال بعض الإشارات التي وردت في الصحيح ، فقد شارك في نشر الكذب وتدعيمه .. وإن كان لا يدري فتلك مصيبة نتساءل معها عن سبب لمعان نجمه بين المحدثين ومكانة صحيحه بيـــن الصحاح ؟!
    وكذلك بالنسبة لغير البخاري ، فخذ هذا المثل الذي إستللناه من صحيح مسلم يرويه عن عكرمة بن عمار العجلي اليمامي : (( أن المسلمين كانوا لا ينظرون الى أبي سفيان ولا يقاعدونه ..
    فقال للنبي (ص) : يانبي الله ثلاث إعطنيهن .
    قال : نعم .
    قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها.
    قال : نعم .
    قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك .
    قال : نعم .
    قال : وتأمرني أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين .
    قال : نعم . )) (36) !!
    وإننا نحمد الله على أن مسلماً لم يجد غير هذه الفضيلة الباطلة لأبي سفيان فلم يذكر غيرها في صحيحه ..
    ونريد أن نسأل مسلماً : ألم يكن يعلم أن أبا سفيان قد دخل الإسلام بعد فتح مكة وكان قبل ذلك عدواً لله ولرسوله وللمسلمين ؟
    ألم يكن يعلم أن أم حبيبة كانت ضمن المهاجرين الى الحبشة حيث أسلمت في مكة قبل هجرة النبي الى المدينة ، وعندما عادت من الحبشة تزوجها النبي ، وعندما سمع أبو سفيان بذلك قال : (( ذلك الفحل لا يـُقدع أنفه )) ؟!
    أوَ لم يسمع مسلم بخبر أبي سفيان حينما ذهب الى المدينة طالباً من النبي زيادة أمد الهدنة ودخل على إبنته أم حبيبة فطوت الفراش حتى لا يجلس عليه ، فقال لها : رغبتِ به عني ؟ قالت : نعم ، هذا فراش رسول الله وإنت إمرؤ نجسٌ مشركٌ ؟ ..
    إننا لا نعتب على كثير من العلماء الذين صرَّحوا بكذب هذا الحديث وأنكروه وردُّوه ، كإبن حزم والنووي والذهبي ... ولكننا نعتب على الإمام مسلم الذي لم يدقق في مروياته ولم يناقشها ليتأكد من صحتها فسـَو َّد بها صحائف صحيحه ..
    وكذلك نعتب على البخاري وقد أورد من السقطات والأباطيل ما يأنف عنه كلُّ ذي عقل وعفة ودين ... وما إدعينا عليه بشيء من عندنا ، وإنما أقمنا الحجة عليه مما رواه في صحيحه ..

    كيف نال أبو هريرة هذه المنزلة الرفيعة ؟

    لابد لنا قبل الإجابة ، أن نعود الى بدايات أبي هريرة للتعرف على شخصيته ، وقدراته الذهنية والعلمية ، ووضعه الإجتماعي ، وسلوكه وعلاقاته .. لكي نعرف هل إنها كانت تؤهله لنيل ما وصل اليه من المكانة المرموقة والشهرة الذائعة أم لا .. وتوخياً للإختصار سنحاول تسليط الضوء عليه من خلال عدة صور إلتقطناها من زوايا مختلفة لعلها تفي بالغرض ...

    01 إن المدة التي قضاها أبو هريرة في المدينة زمن النبي لم تتجاوز السنة وتسعة أشهر على أكثر تقدير ، وما قاله هو من أنه صحب النبي ثلاث سنين غير صحيح إطلاقاً ، ولم يقله غيره ، لأنه أسلم في شهر صفر سنة 7 هـ بعد خيبر مباشرة ، وأرسله النبي (ص) مع العلاء بن الحضرمي في شهر ذي القعدة سنة 8 هـ ، وتلك المدة لا تؤهله للإستفادة من النبي بحبث يتميزعن غيره ..

    02 لم يعرف عن حياته السابقة إلا ما قاله هو نفسه من أنه كان يرعى الغنم وكان فقيراً معدماً يخدم الناس بطعام بطنه ، وقد روى عنه إبن قتيبة قوله : نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي ، فكنت أخدم إذا نزلوا ، وأحدوا إذا ركبوا .. (37) ..
    03 إنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ، وظل كذلك حتى مات .
    04 في أول لقاء لــه برسول الله (ص) بعد غزوة خيبر وبعد أن رأى كثرة الأموال التي غنمها المسلمون في هذه الغزوة ، لم يستطع أن يمنع نفسه من دنـَّيتين: أولاهما : حين طمع وطلب من النبي (ص) أن يجعل له سهماً من المغنم مع كونه لم يكن حاضراً الغزوة .. وثانيهما : حين تطفل وتدخل فيما لا يعنيه فطلب من النبي أن لا يُسهِم لأبان بن سعيد بن العاص الذي كان مشاركاً فــــــــي الغزوة ، ولكن أبان إنبرى له وأغلظ له القول وأهانه إذ قال له : (( عجباً لوَبر ٍ تدلى علينا من قدوم ضان )) ، وقد أهمل النبي (ص) تطفله وأسهم لأبان ، وهذه وقائع رواها أبو هريرة نفسه وأخرجها عنه البخاري وغيره وذكرناها في محلها من البحث ..

    05 إنه أقام في الصـُفـَّة مرتاح البال والضمير ، وهو عالة على المسلمين ، ولم يغادرها كغيره ممن إنتهزوا الفرص في الحصول على عمل يعيلهم ، كما أنه لم يكن قانعاً بما يجود به المسلمون عليه ، فكان يخرج من الصـُفـَّة متسكعاً في الطرقات مستجدياً المارة ، أو خارَّاً بين منبر النبي وحجرة عائشة متظاهراً بالجوع ليطعموه ، أو قاطعاً الطريق على الصحابة يسألهم عن آيــة من كتاب الله ( يدَّعي أنه يعرفها خيراً منهم ) لا لشيء إلا لينقلبوا به الى بيوتهم فيطعموه ..

    06 إعترف أبو هريرة بأن صحبته للنبي ما كانت حباً فيه ، أو رغبة في الهداية أو تحصيل العلم ، أو ما شابه ، وإنما كانت لأجل الحصول على طعام يملأ به بطنه ، حيث قال : ( كنت ألزم النبي لشبع بطني .. وألصق بطني بالحصباء ، وأستقري الرجل الآية وهي معي كي ينقلب بي فيطعمني )) .
    ومن الغريب حقاً أن نجد مثل هذا الإنشغال بالطعام لدى أبي هريرة ، فلم تردنا حالة مثل حالته ..!! نعم ، كان هنالك فقراء ومعدمون ولكن كانت تكفيهم معونات المحسنين وتقنعهم فلم يفتضح أمرهم كما إفتضح أمر أبي هريرة . وذلك يعني أنه لم يكن مجرد فقير يعتمد على المعونات ، وإنما كان متسولاً ممتهناً مما جعله موضع زهد وصدود الصحابة .. وإن غيره من أهل الصفة المعدمين كانوا متعففين ولديهم عزة نفس وكرامة لم يكن لدى أبي هريرة شيء منها ...

    07 قال العماد الحنبلي (38) :
    (( وكان أبو هريرة يصلي خلف علي ويأكل على سماط معاوية ويعتزل القتال ويقول : الصلاة خلف علي أتم ، وسماط معاوية أدسم ، وترك القتال أسلم )) وقد روى عدد من أصحاب السِيَر هذه الرواية منهم الزمخشري في ربيع الأبرار وأساس البلاغة ، وبرهان الحلبي في السيرة الحلبية (39) ، وروض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار لمحمد بن قاسم بن يعقوب (40) ..

    وقد سمى أكثر هؤلاء أبا هريرة بـ ( شيخ المضيرة ) وهي الأكلة التي كان يفضلها والتي كانت تقدم بإستمرارعلى سماط معاوية ، وقد عقد لها بديع الزمان الهمداني مقامة خاصة من مقاماته سماها ( المقامة المضيرية ) غمز فيها أبا هريرة غمزةً أليمة حيث قال :
    (( حدثنا عيسى بن هشام ، قال : كنت في البصرة ومعي أبو الفتح الأسكندري ، رجل الفصاحة يدعوها فتجيبه ، والبلاغة يأمرها فتطيعه ، وحضرنا معه دعوة بعض التجار فقدمت الينا مضيرة ، تثني على الحضارة ، وتترجرج في الغضارة ، وتؤذن بالسلامة ، وتشهد لمعاوية بالإمامة )) ..
    وقد علق الإمام محمد عبده في شرحه لهذه العبارة بقوله :
    (( ومعاوية إدعى الخلافة بعد بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فلم يكن من يشهد لــه بها في حياة علي ، إلاّ طلاّب اللذائذ ، وبغاة الشهوات ، فلو كانت هذه المضيرة من طعام معاوية لحملت آكليها على الشهادة له بالخلافة ، وإن كان صاحب البيعة الشرعية حياً ..)) (41) ، وواضح أن محمد عبده لم يشأ التصريح بذكر أبي هريرة المعني أصلاً بعبارة الهمداني : ( وتشهد لمعاوية بالإمامة ) حيث لا معنى لقولــه : ( فلو كانت هذه المضيرة من طعام معاوية ... ) لأنها كانت فعلاً من طعامه ، وأبو هريرة كان مولعاً بها دون غيره ، مما حدا بالشيخ محمود أبو ريه أن يصَّنف كتاباً عنه أسماه ( أبو هريرة شيخ المضيرة ) ..

    08 إنه كان رجلاً ميالاً للمزاح وتسلية الناس لإستمالتهم اليه ، وقد قالت عنه عائشة في حديث المهراس : (( لقد كان رجلاً مهذاراً )) ، وقد ورد عن أبي رافع قولــه : (( كان مروان ربما إستخلف أبا هريرة على المدينة فيركب حماراً قد شدَّ عليه برذعة وفي رأسه خلبة ( حلقة ) من ليف فيلقى الرجل فيقول : الطريق .. قد جاء الأمير ، وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب فلا يشعرون حتـــى يلقي نفسه بينهـــم ويضرب برجليـــه فينفـــر الصبيان ويفرون )) (42) ، ورواية إبن كثير : (( ... كأنه مجنون يريد أن يضحكهم فيفزع الصبيان منه ويفرون هنا وههنا يتضاحكون )) (43) ..

    09 قال أبو هريرة : (( بعثني رسول الله مع العلاء بن الحضرمي ( الى البحرين) فأوصاه بي خيراً ، فقال لي : ما تحب ؟ قلت : أؤذن لك ولا تسبقني بأذان )) (44) ، ومنه عرفنا مقدار علم أبي هريرة ومؤهلاته ، فإنــه لـــــــم يكن رجل سياسة ولا رجل حرب ليبعثه النبي مستشاراً سياسياً أو عسكرياً للعلاء
    بن الحضرمي ، ولا رجل فقه وفتوى وقضاء ليكون مفتياً وقاضياً للجند ، ولا حتى محارباً شجاعاً ليجعله عريفاً أو آمراً لفصيل ... ولكون العلاء يعرف كل ذلك عنه فقد سأله : ما تحب ؟ فلم يختر غير الأذان لأنه لا يجيد شيئاً غيره ...
    يقول أبو ريه : (( يبدو إن إحسان أبي هريرة له ـ أي للأذان ـ إنما جاءه لأنه كان يجيد الحداء في زمن شبابه أيام خدمته لإبن عفان وبسرة إبنة غزوان ، وبذلك يثبت ثبوتاً قاطعاً صحة ما حققه إبن سعد في طبقاته وغيره من أن أبا هريرة لم يظهر بالفتوى والتحديث إلاّ بعد مقتل عثمان )) (45) ...

    010 إن أبا هريرة لم يشترك في أية حرب أو معركة في زمن النبي (ص) أو بعده ، وقد حاول الخروج مرة فذهب مقاتلاً في غزوة مؤته ( فما كاد يسمع صليل السيوف ويرى لمعان الأسنة حتى غلب عليه طبعه فجبن وهلع وولى الأدبار ولاذ بالفرار ، ولما عيَّروه بفعلته هذه لم يجد جواباً يدفع به عن نفسه وإستخذى )) (46).. وقد إعترف هو شخصياً بذلك فقال : (( لقد كان بيني وبين إبن عم ٍ لي كلام فقــال : إلاَّ فرارك يــوم مؤتــه ؟ فمــا دريــت أي شــيء أقــول له )) (47)..

    وبهذا نكون قد سقنا عشر جوانب تتعلق بشخصية هذا الرجل ، إعتمدنا فيها كلها على أقواله هو عن نفسه فلم نُبْـق ِ حجة لمعاند أو دليلاً لجاحد ، وكانت كلها مما يسيء اليه ويصنفه ضمن بسطاء الناس إن لم نقل من رعاعهم ، مع ما أضافته تلك التفاصيل من صفات سيئة ومنكرة وقبيحة اليه ..

    التكملة في ( الحلقة الثانية )

    الهوامش
    ـــــــــــــــ
    (1) محمود أبو ريه / أبو هريرة شيخ المضيرة ص 103
    (2) إبن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة 1 / 360
    (3) إبن قتيبة / تأويل مختلف الحديث ص 51
    (4) محمود أبو ريه / أضواء عهلى السنة المحمدية ص 29
    (5) المتقي الهندي / منتخب كنز العمال 4/ 64 بهامش مسند أحمد
    (6) إبن قتيبة / المصدر السابق ص 51
    (7) إبن أبي الحدي / شرح النهج 1/360
    (8) الذهبي / سير أعلام النبلاء 2 / 435
    (9) محمود أبو ريه / شيخ المضيرة ص 135
    (10) إبن قتيبة / مختلف الحديث ص 126
    (11) إبن عبد ربه / جامع بيان العلم وفضله 2 / 154
    (12) نفس المصدر 2 /85
    (13) إبن كثير / البداية والنهاية 8 / 109
    (14) الذهبي / اعلام النبلاء 2 / 435
    (15) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 10/453
    (16) صحيح البخاري 3 / 7 / 126
    (17) نفسه 3 / 7 / 138
    (18) يراجع في أخبار النخعي فيما يتعلق بأبي هريرة سير اعلام النبلاء للذهبي 2/348 والبداية والنهاية
    لإبن كثير 8/109 وشرح النهج لإبن أبي الحديد 1 / 360
    (19) إشارة الى الحديث الذي رواه مسلم عن حفص بن عاصم (( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ))
    وعن عمر : (( حسب المر من الكذب أن يحدث بكل ما سمع ))
    (20) إبن أبي الحديد / شرح النهج 1 / 360
    (21) صحيح مسلم 2 / 217 ( كتاب اللباس )
    (22) إبن أبي الحديد / شرح النهج 1 / 359 عن الأعمش
    (23) إبن حجر / الإصابة ( ترجمة أبي هريرة )
    (24) الذهبي / سير اعلام النبلاء 2 / 438
    (25) إبن كثير / البداية والنهاية 8/109
    (26) إبن قتيبة / مختلف الحديث ص 50
    (27) حاشا رسول الله أن يصبح جنباً سيما في أيام الصيام فهو أجل وأكمل من ذلك ، كما أنه لا يجوز عليه
    الإحتلام لأن ذلك من تلاعب الشيطان وهو منزه منه .. ( ألإمام شرف الدين )
    (28) صحيح مسلم 1 / 412
    (29) نفسه 1 / 31
    (30) الحاكم / المستدرك على الصحيحين 4/ 48 ( أحوال رقية )
    (31) صحيح البخاري 2/5/138
    (32) القسطلاني / إرشاد الساؤي 8/154
    (33) صحيح البخاري 2/5/132
    (34) صحيح البخاري 1/1/92
    (35) القسطلاني / إرشاد الساري 2/220
    (36) صحيح مسلم ( باب فضائل أبي سفيان ) 2/361
    (37) إبن قتيبة / كتاب المعارف ص 120
    (38) شذرات الذهب في أخبار من ذهب 1/64
    (39) السير الحلبية 3/ 397
    (40) روض الأخيار ص 122
    (41) محمود أبو رية / شيخ المضيرة ص 57
    (42) إبن قتيبة /المعرف ص 121 وسير أعلام النبلاء للذهبي 2 / 441
    (43) إبن كثير / البداية والنهاية 8/113
    (44) إبن حجر العسقلاني / الإصابة 7/204
    (45) محمود أبو ريه / شيخ المضيرة ص 69
    (46) نفسه ص 72
    (47) الحاكم النيسابوري / المستدرك 2/12

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    المشاركات
    1,660

    افتراضي

    بارك الله فيك يالمختار الثقفي....

    بداية قوية...سدد الله خطاك...

    سنزيد قليلاً في سيرة هذا الدوسي عندما تقتضي الأمور...

    و من الملاحظ ان الخليفة الأموي.... معاوية بن أبي سفيان كان يوليه إمارة المدينة،

    ويولي مروان بن الحكم مرة أخرى، وكان مروان في ولايته إذا سافر خارج المدينة يولي أبا هريرة...

    فأبا هر الدوسي .... كان أحد الصحابة الذين احتوتهم خلافة الأمويين ....

    بل هو ...ممن و ظفوهم بدهاء ليلعبوا دوراً في توطيد شرعية حكمهم ...

    فعبد شمس الدوسي عاشق الهرر هذا ... كان أداة اعلامية رخيصة .... انتفع فيها حكم ملوك بنو الزرقاء ...

    مثله مثل الزهري...و الأعمش...و الأوزاعي فيما بعد!

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني