هل عبد المهدي حقا البديل الأفضل للمالكي؟
كتابات - ضياء الشكرجي
ليس بسبب خلفيتي في حزب الدعوة، فإني معارض لعموم تيارات الإسلام السياسي، وحزب الدعوة جزء من هذا التيار، وليس بسبب صداقتي للمالكي، فالصداقة لا تلعب عندي دور في مواقفي السياسية، ولكني كنت ورغم ملاحظاتي أرى في المالكي الخيار الممكن الأفضل، وليس بالضرورة الخيار الأفضل بالمطلق. كان بالنسبة لي وما زال الأفضل في مقابل كل من الجعفري وعبد المهدي.
لكننا من جديد أصبحنا نسمع بمحاولات لاستبدال نوري المالكي بعادل عبد المهدي؛ بعضها يعبر عن توجه لبعض الأوساط السياسية الأمريكية ممن نعتوا بأنهم من كبار المسؤولين دون الإفصاح عن أسمائهم، وتارة أخرى عن خطة كردية يتزعم التصدي لها رئيس الإقليم مسعود برزاني.
وقبل إجراء المقارنة بين الرجلين وبين حزبيهما، وتأثير كل ذلك إيجابا أو سلبا بالنسبة للعراقيين، وللأمريكان ولإيران، لنتناول أهم ما ورد بخصوص التوجهات نحو استبدال المالكي بعبد المهدي، حسبما ما جاء في كل من النيويورك تايمز والواشنطن پوست:
- ثمة مخاوف لدى الأمريكان من فشل المالكي في تحقيق وعوده في ضبط الأمن في بغداد والقضاء على الميليشيات الطائفية (الشيعية) المسلحة.
- الفشل إذا حصل سيوقع إدارة الرئيس بوش في مأزق.
- مسؤولون في الإدارة الأميركية حذروا حكومة المالكي من مغبة التعثر في تنفيذ الالتزامات التي تعهد بها الجانب العراقي في الصفقة السياسية الأمنية الأخيرة مع أمريكا. وأبلغ بوش وكبار المسؤولين في إدارته المالكي بأن الاستمرار في تمويل القوات الأميركية الإضافية وغيرها من العناصر والمشاريع التي احتوتها الاستراتيجية التي أعلن عنها الرئيس بوش منوط بمدى تنفيذ المالكي للوعود التي قطعها للقضاء على العنف ونجاحه في تنفيذ خطته الأمنية في بغداد.
- نجاح حكومة المالكي في الوفاء بالتزاماتها يتيح لإدارة بوش أن تكون في موقع أفضل لمواجهة الجهود الرامية إلى تقليص حجم الدعم المالي لخططه في العراق.
- استراتيجية بوش تعرضت خلال الأيام القليلة الماضية إلى هجوم كاسح في مجلسي الشيوخ والنواب لم يقتصر على الديمقراطيين فقط، ما يعزز دعواتهم لتقليص حجم الدعم المالي لخطة الإدارة في الشأن العراقي.
- تواصل الإدارة الأميركية إعلان تأييدها لنوري المالكي وعدم وجود نية أميركية لإطاحة حكومة المالكي، وتنصح الأكراد بعدم السعي للإطاحة بالحكومة.
- مع هذا ينقل عن مسؤولين كبار لم يكشف عن هوياتهم أنهم يدرسون خطة ثالثة في حال فشل حكومة المالكي في تنفيذ وعودها.
- هذه الخطة تتبنى دعم قيادة شيعية جديدة للحكومة العراقية تتمثل في نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي الذي كانت واشنطن ترغب في أن يتولى رئاسة الحكومة بعد الجعفري مباشرة.
- يعتقد مسؤولون نافذون أن دعم عضو بارز في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية لتولي هذا الموقع يعطي لإيران تأثيرا كبيرا على توجهات وخطط الحكومة العراقية، أي إن موقف إيران سيكون أكثر إيجابية وتعاونا لحكومة عراقية يرأسها قيادي في حزب حليف لإيران.
- كوندوليسا رايس اكتشفت خلال جولتها الأخيرة في المنطقة أن قادة الدول العربية السنية التي زارتها لا يثقون بكفاءة المالكي، واعتبروا أنه فشل سياسيا وشخصيا في القضاء على الميليشيات الشيعية المسلحة.
- ينقل عن الوزيرة بأن الأداء الذي ستظهر به حكومة المالكي خلال الشهرين المقبلين سيكون مسألة حاسمة بالنسبة للأميركيين الذين لن يقدموا دعمهم في المستقبل إلا بعد التأكد من فاعلية هذا الأداء.
- بموازاة ذلك هناك حملة كبيرة يقودها القادة الأكراد لإسقاط المالكي وإبداله بعادل عبد المهدي. وقد أرسلوا في الـ 21 من الشهر الماضي رسالة تتضمن إنذارا نهائيا للمالكي.
- عن مسؤول كردي رفيع إن الرسالة كانت واضحة بالتعبير عن القلق الذي يشعر به القادة الأكراد من الاتجاه الذي سلكته السياسة في بغداد.
- الأكراد منزعجون، لأنهم يرون أن المالكي نكث بوعوده التي قالوا إنه ألزم نفسه بها أمامهم الصيف الماضي، عندما كان يحاول حينها تلافي حملة سابقة لإسقاطه.
- أوضح التقرير أن المالكي وعد الأكراد آنذاك بأن حكومته ستمرر قانون النفط وقانون سلطات الأقاليم، فضلا عن إقامة استفتاء لتحديد مستقبل مدينة كركوك، وهي وعود لم تر طريق التنفيذ، مما أثار غضب الأكراد.
- الصوت الأكثر قوة في مناهضته للمالكي هو مسعود البرزاني.
إذن للأمريكان من جهة وللأكراد من جهة ثانية وبلا شك لإيران من جهة ثالثة ثمة مصالح في استبدال المالكي بعبد المهدي. لكن هناك من جهة أخرى ثمة ضرر للعراقيين وللأمريكان من هذا الاستبدال.
في حال تحقق هذا الأمر فهو سيمثل في تقديري خطوة نحو الأسوأ، وإن تحققت من خلاله ثمة مصالح بما في ذلك للعراق، وإن كنت أرى أن الأضرار ستكون أكبر من المنافع.
فنحن عندما نقيّم عبد المهدي، لا ننظر إلى الرجل بشخصه، بل على ضوء انتمائه الحزبي، لما لهذا الانتماء من أثر كبير على مجموعة مفردات في غاية الحساسية للمسار السياسي في العراق، وكذلك للأمريكان.
لماذا أرى أن تولي عبد المهدي لرئاسة الوزراء هو الأشد ضررا من بقاء المالكي. فالمالكي قيادي في حزب الدعوة، وعبد المهدي قيادي في المجلس الأعلى، وكل من الدعوة والمجلس حزبان إسلاميان شيعيان، وهما شريكان في التحالف الرباعي. مع هذا لنبين أهم ما يختلف الحزبان عن بعضهما البعض، وكذلك بعض ما يميز الرجلين عن أحدهما الآخر، فلعل هذا يوضح لنا الصورة، لنخرج بنتيجة أيهما أنفع أو أقل ضررا للعراق، ولكن أيضا للولايات المتحدة:
1. من غير أن نتهم المجلس ببقائه على الارتباط بإيران، كما كان عليه الأمر ما قبل سقوط الديكتاتورية، فإن المجلس ومن غير شك، وهذا ما هو معروف للداني والقاصي، للعراقيين وللأمريكان، ولا أظن المجلسيين ينكرون ذلك، هو الأقرب إلى إيران، والأكثر انسجاما وتعاطفا مع الإيرانيين، والذي تلتقي إيديولوجيته بمساحة أوسع مما تلتقي الإيديولوجية السياسية لحزب الدعوة مع إيديولوجية جمهورية إيران الإسلامية. فالمجلس الأعلى أسس أصلا على يد الإيرانيين، ومبرر التأسيس المعلن كان تجميع القوى الإسلامية العراقية المعارضة حينئذ لنظام صدام، العدو المشترك، ولكن الدافع الحقيقي هو حاجة إيران إلى حزب إسلامي عراقي شيعي ذي ولاء مطلق وطاعة غير مشروطة لإيران وإيمان لا يشوبه شك بنظرية ولاية الفقيه، على غرار حزب الله اللبناني. بينما كان حزب الدعوة معروفا بقدر أكبر من استقلالية الفكر والقرار عن إيران، مما وضعه هدفا للمؤامرات الإيرانية طوال سني تواجده في المهجر، وإن كان هناك شبهة تنسيق بل وحتى أكثر من مجرد تنسيق تحوم حول بعض قيادييه، قسم منهم خرج من الحزب ككاظم الحائري ثم محمد مهدي الآصفي، وبعضهم ما زال يقوم بدور العراب بين إيران والحزب رغم حساسية معظم أعضاء الحزب من إيران.
2. الحساسية الشديدة والتي بلغت أحيانا حد العداوة بين المجلس والتيار الصدري، وهذا يمثل نقطة إيجابية بالنسبة للأمريكان، لأن المجلس سيكون الأشد على التيار بدعم أمريكي. بينما الدعوة تحاول أن توازن أكثر، وقد يرى البعض من حزب الدعوة أن لهم مع التيار ثمة مساحة مشتركة من حيث أن الحزب والتيار يمثلان ما يسمى بخط الصدرين، بالرغم من أن المالكي ليس بنفس درجة التسامح مع خروقات التيار كما هو الحال مع الجعفري الذي أراد أن يعوض عن ضعف الدعوة جماهيريا بجماهيرية يكتسبها من الصدريين. فالمالكي يمثل الموقف المتوسط بين مغازلة الجعفري للصدريين وعداء المجلس لهم، ولعل هذا الموقف الوسطي هو المطلوب، وإن كان الأمريكان يتمنون حسما وحزما بدرجة أشد، ومن هنا قد يأتي الميل الأمريكي للمجلس، لكن أمريكا ترى من جهة أخرى في المجلس حليفا استراتيجيا لخصم أمريكا الاستراتيجي إيران.
3. المجلس باعتباره صاحب دعوة تأسيس الإقليم الشيعي الكبير، سيكون أكثر استجابة لمطالب الأكراد، لأن إعطاءهم كل ما يريدون يجعلهم حليفا داعما له في تأسيس الإقليم الشيعي المسمى بإقليم الوسط والجنوب، وتشكيل هذا الإقليم مما تحظى بتأييد إيران، لأنه ترى فيه فرصة امتدادها أو تكريس امتدادها في مناطق الشيعة.
4. ولو إن الموقف المعلن تجاه المرجعية يكاد يكون متشابها، إلا أن المجلس هو الأشد حماسا لإعطاء المرجعية الدور القيادي والولائي الفاعل والمؤثر بحيث كان قياديون من المجلس يرددون في بداية الدورة البرلمانية الأولى للجمعية الوطنية للمرحلة الانتقالية بأن الواجب طاعة المرجع حتى لو أمر بإلغاء الانتخابات وحل البرلمان، هذا بقطع النظر عما إذا كان هذا الولاء للمرجعية نابعا من موقع الإيمان، أم لأغراض المزايدة والربح السياسي وكسب عواطف بسطاء الشيعة الذين يرون في المرجعية موقعا مقدسا.
5. من غير شك إن التشدد الإسلامي لدى المجلس سياسيا وعقائديا وشعائريا على حد سواء هو الأعلى درجة بكثير مما هو الحال مع الدعوة.
6. المجلسيون هم دعاة حاكمية رجال الدين أكثر مما هو الحال في حزب الدعوة، بل معظم الدعويين لهم ثمة حساسية تجاه هيمنة المعممين، سواء على الصعيد الحزبي، أو على الصعيد السياسي، أو على الصعيد الاجتماعي.
7. أمريكا عندما تتعامل مع المجلس فكأنما تتعامل مع إيران الظهير للقوى الإسلامية الشيعية بشكل مباشر نسبيا أكثر مما هو الحال مع حزب الدعوة بكثير. ثم بوضع رجل كعادل عبد المهدي على رأس السلطة التنفيذية يجعل إيران أكثر تعاونا مع الحكومة العراقية بسبب التحالف الاستراتيجي القديم بين إيران والمجلس، ومن هنا قد تجازف أمريكا بهذا الضرر الموقت لإنهاء دور جيش المهدي، ثم تفكر كيف الخروج من المأزق الجديد من خلال هيمنة خط الولاء لإيران.
8. رغم قرب المجلس أكثر من إيران وبالتالي تحفظ أمريكا منه بدرجة أكبر لهذا الاعتبار، فإن عادل عبد المهدي كان عراب العلاقة بين محمد باقر الحكيم وواشنطن، ولذا كان المجلس رغم موالاته لإيران التي تنعت أمريكا بالشيطان الأكبر قد سبق الدعوة بعقد كامل في الانفتاح على أمريكا ومد جسور الحوار معها.
كعراقيين مع احتمال وجود ثمة فائدة من هذا التغيير، ولكن مع وضوح الأضرار من ذلك، وحجم وخطورة هذه الأضرار، هل يمكن أن نقبل بهذه المقامرة الجديدة التي تريد بعض الأوساط الأمريكية والكردية ربما دخولها، بحيث لا يكون الخاسر فيها غير العراق؟
مع هذه التسريبات تزامنت إشارات لقوى سياسية عراقية على خلاف مع المالكي في تغيير موقفها منه، كما ظهر من خلال زيارة الوفد التوافقي برئاسة خلف العليان، وتقرب القائمة الوطنية العراقية بزعامة أياد علاوي، فهل يا ترى يمثل ذلك دعما للمالكي من قوى مختلفة معه، عندما شخصت هذه القوى خطرا أكبر في خطة من شأنها تكريس النفوذ الإيراني؟ إنه مجرد تساؤل.
[email protected]
www.nasmaa.com