آخر مهمات الجيش الأميركي: سحق ميليشيات الصدر بقوة سريعة وببعض المال
بغداد: توم شانكر وايريك شميت*
تلقى جنود الفرقة الاولى المدرعة الاميركية في ابريل (نيسان) الماضي تعليمات عن آخر مهمة لهم في العراق بالسيطرة على عدد من المدن في جنوب العراق من ميليشيات «جيش المهدي» التابعة لمقتدى الصدر، التي تعتزم زعزعة الاستقرار بغرض عرقلة نقل السيادة الى العراقيين نهاية الشهر الجاري. ويقول قادة عسكريون اميركيون بارزون في العراق ومسؤولون في واشنطن ان الحملة العسكرية للفرقة الاولى المدرعة هي مزيج من التكتيكات العسكرية والمناورات السياسية وإدارة الإعلام، فضلا عن توفير الاموال اللازمة لإعادة بناء المدن التي دمرتها الحرب. وهي صيغة اذا قدر لها النجاح، فإنها ربما تصبح نموذجا في مواجهة العصيان الذي يتسبب في زعزعة الاستقرار في العراق. وعشية نقل السيادة الى العراقيين، يظل السؤال هو ما اذا كانت النجاحات التكتيكية التي ادعى القادة العسكريون تحقيقها قد ضمنت انتصارا استراتيجيا دائما. ومع اقتراب موعد مغادرة الفرقة الاولى المدرعة العراق، لا يزال مقتدى الصدر حرا طليقا. وعلى الرغم من صدور مذكرة اعتقال عراقية بحق الصدر على خلفية مقتل رجل ديني شيعي العام الماضي، فإنه لمح في الآونة الاخيرة الى انه سيتحدى الحكومة العراقية الجديدة في الساحة السياسية. يشار الى ان الفرقة المدرعة الاولى عندما تلقت تعليمات بمواجهة ميليشيات الصدر كان ربع قوتها، المكونة من 30000 جندي وضابط، وما يزيد على نصف دباباتها ومركباتها المدرعة وقطع مدفعيتها عقد غادرت العراق مسبقا. إلا ان نشاط هذه القوات لم يكن عسكريا صرفا. فقد انصرفت القوات الاميركية عقب استعادة سيطرتها على مدينة الكوت من العمل العسكري الى العمليات المدنية. نجحت القوات الاميركية في تجميع قوات الميليشيات المعادية مرة اخرى ووفرت لها فرص عمل في إعادة إعمار ما دمرته الحرب. ويقول الجنرال مارتن دمبسي ان مقاتلي هذه الميليشيات شبان جرى تسميم عقولهم ويعانون من البطالة والحرمان والفقر. وتكرر نفس هذا النموذج بمدينة الديوانية ومناطق اخرى في جنوب وسط العراق، حيث خصصت القوات الاميركية مئات الآلاف من الدولارات لصرف اجور للسكان المحليين لقاء ازالة الانقاض وإعادة بناء الطرق وتعويض اصحاب المنازل والأعمال التي اصيبت بأضرار من جراء القتال. وفي سياق المواجهات بين ميليشيات الصدر والقوات الاميركية، يعتقد بعض المسؤولين في سلطات الاحتلال انه من الممكن تحييده لأن مهاجمته ستؤدي الى زيادة تأييده وسط اتباعة داخل العراق وربما خارجه. ولكن مع بداية شهر ابريل الماضي، اخذ الضباط وصانعو القرار السياسي يتسألون عما اذا كانت اميركا ستخسر العراق. وكان الجنرال دمبسي، التي كانت قواته مسؤولة عن تأمين بغداد وضواحيها، شنت حملة بعيدة المدى للسيطرة المراكز الاقليمية واحدة بعد الاخرى. واوضح الجنرال دمبسي «في بغداد كانت مساحة عملياتنا 750 كيلومترا مربعا والان نبحث في منطقة مساحتها 20 الف كيلومتر.
واوضح دمبسي «كان مقتدى الصدر يحاول قيادة تمرد محدود واظهار قدرته على التصدي للتحالف وبالقيام بذلك يوسع قاعدة تأييده. وقد قررنا اننا لا يمكن ان نسمح بذلك. وكان علينا التعامل معها بطريقة حادة جدا وسريعة جدا وحاسمة جدا».
وكانت فرقته ستستعيد كلا من الكوت وكربلاء والكوفة والنجف بهذا الترتيب.
واصدر اوامره، وبعد 19 ساعة انتقل لواء و 112 سيارة عسكرية من النجف الى الكوت. وخلال 48 ساعة، استعاد الاميركيون مباني البلدية، ومحطة التلفزيون المحلية وجسورا في وحول كوت. ثم استعاد الاميركيون الديوانية، وحلوا محل قوة اسبانية، سحبها رئيس الوزراء الاسباني الجديد فيما بعد، وتم تأمين العاصمة الاقليمية التي تقع بين خطي امداد رئيسيين لقوات الاحتلال.
اما الحملة في كربلاء فقد قدمت للاميركيين اول معركة لهم في بلدة بها اضرحة دينية، بعدما استولت ميليشيات الصدر على موقع ديني والطريق الرئيسي المجاور له. وبعد 72 ساعة من القتال المكثف تسبب في سقوط مئات من الضحايا العراقيين، لم يمكن القضاء على التمرد.
وتركت الميليشيات المسجد لمواجهة القوات المترجلة، بدون ان يعرفوا ان الجنرال دمبسي اعد طائرتين من طراز ايه سي 130 عاليا لضرب الميليشيات المكشوفة بمجموعة متنوعة من الاسلحة. واوضح الجنرال دمبسي «بحلول اليوم الثاني كانوا قد اختفوا».
ومن بين الاهداف الاخرى بالاضافة الى الهدف العسكري، التشكيك في الصدر داخل العراق.
واوضح الجنرال مارك هرتلينغ مساعد قائد الفرقة الاولي المدرعة التي تشمل مسؤولياته المعلومات، ان الاميركيين «اعلنوا» عما فعله الصدر في الراديو والتلفزيون والمنشورات والملصقات. وتشمل قائمة الاتهامات سرقة الاموال من الاضرحة والمساجد لتمويل منظمته، وادارة محاكم دينية غير قانونية في كل المدن الرئيسية واستخدام الملاهي في الكوت والنجف وكربلاء لتخزين الاسلحة، واقامة نقاط تفتيش غير قانونية لفرض اتاوات على المسافرين.
واراد القادة النظر الى حملتهم بأنها حملة «مقصودة وصبورة وحساسة ودقيقة في اهدافها العامة ولا سيما ان المراقد في النجف، وهي اكثرها اهمية، لن تنتهك.
اما المساجد الاخرى فستضرب اذا ما استخدمها القناصة او استخدمت لتخزين الاسلحة، وحثت القوات الاميركية الجنود ووسائل الاعلام التي تصحبهم ـ سواء من العرب والبريطانيين والاميركيين ـ على تسجيل انتهاكات الميليشيات لقواعد الحرب.
* خدمة «نيويورك تايمز»
http://www.asharqalawsat.com/